كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

جيرار دوبارديو لـ"النهار":

لم يبقَ لي شيء سوى الحبّ

هوفيك حبشيان - المصدر: "النهار"

الجونة السينمائي

الدورة الرابعة

   
 
 
 
 
 
 

"لا سياسة!"، حذّرني الرجل الأصلع الضخم الذي فتح باب القصر حيث يقيم #جيرار دوبارديو لبضعة أيام ضيفاً على مهرجان الجونة، قبل ان يقودني اليه بعد انتظار دقائق خمس. رغم التحذير، كاد الفنّان الفرنسي (1948) لا يكف عن تناول السياسة، خصوصاً تلك التي تصنعها أميركا وتبثّها في العالم. هو حافي القدمين، وأنا من خلف الكمامة، تحدّثنا في شؤون عدة: منصّات الكترونية، روحانيات، أدب، حبّ. هذا الذي اضطلع بدور الفلاح والمتمرد والصعلوك والفنّان والفاسد والعاشق والأب والسياسي، في إدارة قامات الإخراج السينمائي (رينه، تروفو، سوتيه، برتوللوتشي، فيريري، بيالا، فايدا، شيرو، غودار، بيري…)، فتح قلبه لـ"النهار" بلا تردد. وقبل ان أرى ملامح الاكتفاء ترتسم على وجهه، سألني عن لبنان. عندما أخبرته عن مدى مأسوية الأحوال، ردّ: "دعني أقل لك شيئاً، لبنان لن يموت. أتعلم لماذا؟ لأنه مهنة وليس بلداً".

في الآتي، تفاصيل حوار "النهار" مع أكبر ممثّل حيّ. 

·    ما رأيك في مهرجان الجونة؟

- أنتَ الذي يجب ان تقول لي عن رأيك. تأتي إلى هنا منذ سنوات… 

·    كيف هو انطباعك الأوليّ؟

- (متحدّثاً إلى مساعده). أشعر بالبرد، خفِّف مستوى المكيّف… أوكي، يفاجئني هذا المهرجان في مثل هذا التوقيت. ليس من السهل تنظيم حدث ثقافي كهذا في عز كورونا. هذا الوباء حرب أخرى تُفرض علينا. إقتصادياً، دخل العالم في فوضى كبيرة. 

·    كيف عشتَ الحجر في الأشهر الأخيرة قبل المجيء إلى هنا؟

- لم أتأثر لأنني لم أعد في السينما كما قبل. السينما سيستام آخر حالياً. باتت على منصّات الكترونية. هذه المنصّات لا بأس بها، لأنها تُساعد الناس في تعريفهم على بلدان لا يعرفونها وثقافات هي في الأساس بعيدة منهم. أميركا مثلاً، كثيراً ما جهلناها وأخطأنا في فهمها. بفضل المنصّات التي تعرض أفلاماً ومسلسلات، أصبحنا شهوداً على العقلية الأميركية. شاهدتُ أيضاً أفلاماً عربية على هذه المنصّات. صرنا نرى العالم بشكل أفضل، ويبدو ان السينما ما عادت تلعب هذا الدور.

·    ولكن لا مثيل لصالة السينما، كالتي تسلّمتَ فيها جائزة فخرية أمس هنا في الجونة.

- بالتأكيد، صالة السينما شيء في منتهى الروعة. أنت هنا تتكلّم عن حدث كبير. المهرجانات ستستمر، لكن الشاشات الكبيرة أصبحت متوافرة في كلّ مكان، بدءاً من البيوت. الصالة التي نقصدها بعد الظهر ما عادت هي الحدث الذي نتشاركه مع الآخرين كما في السابق. ما عادت أماكن لمشاهدة فيلم كبير. طبعاً، سيكون ممتعاً لو حدث. لكن السينما شاخت. انها اليوم فنُّ قديم. اختفى النجوم الذين كانوا يصنعون مجدها (وهذا ليس بالأمر السيئ تماماً) وغاب السينمائيون الكبار الذين عرفتهم في بداياتي، أما عدد المنتجين المبادرين فتقلّص عددهم كثيراً. المنتجون اليوم متخرجو كليات أعمال (…).  

·    لطالما كنتَ رجلاً مليئاً بالشغف. هل الشغف هو الشيء الوحيد الذي حدد خياراتك في الحياة أو كانت لديك اعتبارات أخرى؟ 

- عشتُ آخر سنوات السينما. السينما مع أل التعريف. اليوم نسمّيها "سينما المهرجانات". صحيح انه ما عاد هناك أناس مثل موريس بيالا وفرنسوا تروفو… غودار لا… لا أحب غودار، رغم انه استاذ… ما عاد هناك أناس مثل جون هيوستن. ما عاد الفيلم فيلماً في أيامنا هذه اذا لم يتضمن ٣ آلاف لقطة. أنا من ناحيتي، أميل إلى الأفلام حيث في امكاننا ملاحظة اللقطات بوضوح كما لو كان كتاباً نريد قراءته. علينا ان نشعر بالزمن في السينما. صحيح ان في الأفلام التي أشاهدها على المنصّات، نشعر أحياناً بالزمن، إلى درجة نكاد نشعر اننا في فنّ آخر. أما الأفلام التي يغلب عليها تأثير الفيديو كليب، فهذه ظاهرة غير معقولة. أهوى السينما الهندية مثلاً. في الفترة الأخيرة، اكتشفتُ بعض الأفلام الهندية، ورغم انها لطيفة أكثر ممّا يجب، وجدتها جميلة جداً. أخيراً، شاهدتُ مسلسل "أنورثوذكس" وأحببته. لهذا أحب المنصّات؛ أرى فيها ما أفتقده سينمائياً.

·    ما الذي أبعدك عن السينما؟ هل لأنه ما عادوا يقترحون عليك أدواراً كبيرة؟

- حققتُ كلّ شيء. يكفيني! لن أصبح سيلفستر ستالون الذي يعجبني للمناسبة. أو شوارزينيغر. ولكن يفعلان دائماً الشيء نفسه.

·    ربما تحتاج إلى عودة شبيهة بعودة مارلون براندو في "العراب" مثلاً…

- لا، أبداً. لا أعتقد ذلك. هذا لن يحدث بعد الآن. انتهى! سكورسيزي وكوبولا قتلا الكثير من الأشياء في السينما. قتلا ممثّلين. ليوناردو دي كابريو مثلاً كان أفضل قبل ان يطل في أفلام سكورسيزي. وروبرت دنيرو كان جيداً في السابق، خلافاً لليوم. آخر فيلم لسكورسيزي الذي كلّف ١٥٠ مليون دولار، تافه. طويل وفيه تهريج. لذلك، أفضّل الأعمال التي تغنيني ثقافياً مثل "أنورثوذكس" حيث نرى الموساد وجنون الأرثوذكسية. الشاب الذي يلعب دور العريس مدهش. والفتاة في النهاية تكرر ما عاشته أمّها.  

·    اليوم، بعد سنوات، كيف تصف تجربتك الأميركية؟ هل شعرتَ بارتياح وأنت في أميركا؟

- لا. لم أعد إلى أميركا منذ زمن طويل. أحببتُ أميركا عندما كنت فيها، ولكن كنت أشعر دائماً بنوع من الطهرانية التي كانت بعيدة جداً من ثقافتي الأوروبية. لي احترام كبير للناس، ولكن مع الوقت راح احترامي للغشاشين والمحتالين يتضاءل. لا بد ان نغضب عندما نتابع تطورات السياسة الأميركية في عهد ترامب وغيره، ونرى كيف انها تتدخّل في شؤون كلّ البلدان دفاعاً عن مصالحها. أميركا تتدخّل في كلّ البلدان بما فيها لبنان. 

·    … وفرنسا أيضاً (ضحك).

- فرنسا، آه فرنسا أيضاً، لكن فرنسا في أيامنا هذه نوع من ضاحية للعالم الحالي. فرنسا إقليم. وهذه حال كلّ أوروبا. هي ليست وحدها كذلك. مشكلتي مع الساسة انهم يفتقرون إلى الثقافة. لا أعرف الكثير من السياسيين الذين يولون الشأن الثقافي في حياتهم أهمية تذكر. 

·    أنتَ عصامي تماماً. جئتَ من الشارع واشتغلتَ على نفسك كثيراً لتصبح مَن أنت…

- قرأتُ كثيراً في حياتي. عشتُ. شاهدتُ. وحتى من دون قراءة… فما تأتيك به الأخبار… عندما تشاهد نشرة الأخبار، لا تجد خبراً واحداً إيجابياً. نشرات الأخبار تعج بالأخبار السيئة. ببساطة، يحكمنا الأغبياء. وترامب مصدر ضخم لكلّ هذه الترهات التي تنتشر على مدار الساعة. 

·    بين الأدب والسينما، أيهما كان الأهم في بناء ثقافتك ورؤيتك للعالم؟

- الأدب. عندما أشاهد فيلماً لساتياجيت راي أو جان رونوار، أشعر بتلك الروح الأدبية في جميع تفاصيلها، ولو أنها سينمائية. مهما تطوّر العالم، سنحتاج دائماً إلى العيش على النحو الذي نراه في هذه الأفلام. وسنظل نحتاج إلى أفلام تروي خصوصية الشعوب. ماذا قدّم ساتياجيت راي؟ قدّم ثلاثية "أبو" و"صالون الموسيقى"و"أغصان الشجرة" الذي هو "كينغ لير" في النهاية. هذه المسرحية الأزلية التي شاهدتها في كلّ مكان تقريباً، حتى في السينما اليابانية. الأفلام التي أحدّثك عنها تنطوي على تيمات متكررة لا تموت. كالإرث مثلاً. يحضرني الآن بيرانديللو أيضاً. الأدب، آه الأدب، هو في كلّ شيء.  

·    وقفتَ خلف الكاميرا وأخرجتَ أفلاماً عدة. لكنك لم تستمر طويلاً بالتجربة… هل من سبب معين؟

- يضجرني الإخراج. أي شخص يمكنه إخراج فيلم. أنا لا هوى ذلك.

·    معروف انك تهوى الاستفزاز… هل يمكن القول انك Un grand provocateur (مستفز كبير)؟ هل يمكن اطلاق هذه الصفة عليك؟

- بتاتاً. المستفز يبحث عن… (يفتّش عن الكلمة المناسبة). أنا أقول ما أعنيه فعلاً، وأعني ما أقوله. هذا كلّ ما في الموضوع. أنبذ التزلف. ولكن، قد أكون على خطأ في ما أقوله. لساني سريع في النطق بالكلام. عندما قلتُ أمس ان مهرجان كانّ أصبح خراء بعض الشيء، فأنا مقتنع فعلاً بأنه أصبح كذلك. 

·    ولكن، هناك أفلام كبيرة عُرضت في كانّ. لا أتفق معك.

- الذين يشاركون فيه هم أنفسهم دائماً. التشكيلة ذاتها. الأخوان داردن، ثم فلان وعلان. لا يغامرون كثيراً. هنا، في مهرجان صغير كهذا، يوجد المزيد من المغامرات.

·    رأيك في كانّ سيتسبب لك بالمتاعب (ضحك).

- لا أكترث. هم يعرفون رأيي. وفي أي حال، هم في ورطة. كانّ أصبح مهرجاناً للمعلنين. تظاهرة للمجوهرات والفساتين. أما السينما في هذا كله؟ ما عادت مكاناً للصدمات السينمائية الكبيرة التي كنا شهوداً عليها في الماضي. بالعودة إلى سؤالك، نعم بالتأكيد هناك ثمن تدفعه عندما تقول كلّ شيء. هناك ضريبة؛ أحياناً يخاف منك الناس. أو يختارون ألا يصدقوك. لكن لا أهتم. لا مشكلة. المشكلة ليست في ان تخيف الآخر، بل ان تخبره الحقيقة. ألفتُ كتباً وهناك الكثير ممن وافقوني على اطروحاتي فيها. لكن في كتبي كنت أقل شراسةً. لأن الكلام ينطوي على قسوة معينة، وعندما يكون مكتوباً يزداد شراسةً. لهذا السبب أحاول ان أكون حذراً في المقابلات. 

·    تغيّر رأيك كثيراً في أمور عقائدية…

- (مقاطعاً) لا… 

·    غيّرت دينكَ مراراً…

- حالياً، أنا أرثوذكسي. في مرحلة، اعتنقتُ الإسلام. أعتقد ان الأديان جيدة عندما لا تُسيَّس. فاليري جيسكار دستان حرر الشيطان عندما أعطى الحرية للخميني. الإسلام دين الفقراء. دين فقه. وهذا ينسحب أيضاً على اليهودية. اليهود والعرب سيّان. في القرآن، كلّ الأنبياء يهود (…).

·    لنعد إلى السينما: هل هناك فيلم تعتز به أكثر من غيره؟

- لا أعتقد ذلك. هناك حكايات جميلة كـ"سيرانو دو برجوراك" لجان بول رابنو. "المرأة المجاورة" لفرنسوا تروفو فيلم كبير. "القرن العشرون" لبرتوللوتشي أيضاً الذي وثّق للانقسام بين الأغنياء والفلاحين. هذا موضوع أزلي. لن تتوقّف السينما عن تقديم أفلام كهذه (…).

·    هل يوجد سينمائي تندم انك لم تصوّر في ادارته؟

- لا. اذا لم يحدث فقد يكون هناك سبب لعدم حدوثه. هناك أفلام كثيرة "فاتتني". السبب الرئيسي هو انني كنت منشغلاً بتصوير فيلم آخر. معظم السينمائيين الكبار الذين في بالي ماتوا. هل تتخيل كم كنت محظوظاً ان أمثّل في فيلم لماركو فيريري؟ وكان من المتوقع ان أمثّل في فيلم أنتونيوني، "الطاقم"، الذي لم يُنجَز. 

·    الآن، بلغتَ سنّاً، أصبح فيها الراحلون الذين عرفتهم في حياتك أكثر من الأحياء الذين تعرفهم.

- الأموات فيّ، هنا في داخلي. صعب ان تجد اليوم بيالا آخر. أو تروفو آخر. أو حتى فرانك كابرا جديد. أو ارنست لوبيتش. يحزنني هذا.   

·    في آخر لقاء لي معك قبل عشر سنين، قلت انه عندما تنظر في المرآة إلى بدانتك لا تشعر بالفخر من نفسك. مر عقد من الزمن، وأجدك في حالة ممتازة. 

- لا أحبّني. وما زلتُ لا أحبّ نفسي. ولكن هذا شيء قديم كالإنسانية. يأتي من كوني كنت أشعر بأنني شخص غير مرغوب فيه في عائلتي. انها عقدة متأصلة في طفولتي. لا بأس، لم أحقد يوماً على أفراد عائلتي، ولكن لا أحبّ نفسي. هناك الذين يعتزون بأنفسهم ويعجبون بذواتهم. أعرف ممثّلين يتبججون بصورتهم.

هذه ليست علّة من عللي.

·    كيف أصبحتَ ممثّلاً وأنتَ لا تحب ذاتك؟ هل هذا ممكن؟ 

- هناك الكلمة. النصّ. الوجود كله. أنا لا شيء سوى أداة. وهناك أيضاً تلك الرغبة في ان نتشارك شيئا ما مع الآخر. ليس الجسد هو ما يصنعك بل ما تقوله به. بالزاك لم يكن وسيماً، كان بلا أسنان ورائحة فمه كريهة، ولكن كان يجيد الحديث. ستاندال كذلك. 

·    أتحتاج إلى روحانيات للاستمرار في عملك؟ 

- أحتاجها إلى أقصى حدّ. لستُ مؤمناً. أؤمن بروحانية الأديان ولكن لا أؤمن بالله الإبرهيمي. بل أؤمن بالله الذي في داخل كلّ منّا. كما في القبالة اليهودية حيث على الإنسان ان يكمل العمل الذي باشره الله. بلى، إني بحاجة إلى روحانيات، والأصح القول إني لستُ بحاجة اليها، فهي موجودة في كلّ مكان، خصوصاً في هذا العالم الذي تسوده الكراهية. يكفي التقاطها. من دون روحانية، أشعر بعطب في داخلي. 

·    عدا الروحانيات، هل يحركك الفضول أيضاً للتنقّل من مكان إلى آخر في هذا العالم الواسع…

- عندي الكثير من الفضول. وكمية هائلة من الحبّ للحياة. أحبّ البشر. ما عدتُ أحب الحياة للحياة، ما عدتُ قادراً على ذلك. مع التقدّم في العمر، بات حجمي ضخماً، وأشعر بالألم في كلّ أطرافي. لم يبقَ لي شيء سوى الحبّ.  

·    لو تكرر كلّ شيء، أتختار التمثيل مرةً جديدة؟ 

- (يصرخ). بالطبع! ماذا تريدني ان أفعل غيره؟! لستُ نادماً على شيء. أندم فقط أنني لم أكن أكثر فضولاً وحبّاً للحياة والناس في شبابي. الناس الذين يعيشون هم الذين يبقنونني حيّاً. منهم أستمد قوتي ورغبتي في الحياة. 

 

النهار اللبنانية في

28.11.2020

 
 
 
 
 
 

"احتضار" الفائز في الجونة: ما يراه القلب…

هوفيك حبشيان - المصدر: "النهار"

"فيلم طريق" متأثر بأجواء ال#سينما التأملية وفيه شيء من عباس كيارستمي. عمل متمهل الأسلوب، متشعّب البنية، متكرر الحكاية، يقتفي على مدار يوم، خطى شاب يُدعى دافود (أورخان اسكندرلي) لا نعرف عن حياته الا شذرات. هذا الشاب نراه يلوذ بالفرار بعد قتله شخصاً بسبب شتيمة، فيطارده ثلاثة شبّان ينتمون إلى ما يشبه عصابة يرأسها رجل غامض. خلال رحلته الغرائبية، سيلتقي عدداً من النساء اللواتي كنَّ ضحايا الواقع المتأزم الذي يعشن فيه. نساء هربن من ظلم السلطة الأبوية والزوجية أو على وشك الهروب. الرحلة اياها مطعّمة بمَشاهد تعيدنا إلى الخلف لترينا لقاءات دافود (في جو أشبه بالحلم) بزوجته وابنه وهو يحاول التواصل معها. 

الأوديسة التي يصوّرها المخرج الأذري هلال بايداروف في ثاني تجربة اخراجية له، محض داخلية. فالشخص الذي نراه في البداية لن يكون هو نفسه الذي نلتقيه في النهاية. والفيلم يوثّق على طريقته الخاصة هذا التحوّل عبر اللقاءات المصيرية التي تجري في جوٍّ حالم يوسّع كثيراً نطاق الشكّ ويرسم علامات استفهام عدة حول طبيعة ما نراه على الشاشة. في رحلة دافود وجدانيات وعبثية، وعي ورمزية، لكن يبقى الترابط بين فصولها المختلفة رهناً بالاجتهاد. الموت يطارد دافود أينما حلّ. والعنف أيضاً حاضر، لكن يرتقي به الفيلم، طارحاً إياه كوسيلة خلاص. 

هناك بُعد صوفي يتجسّد حيناً في الصورة ذات المشهدية العريضة، وحيناً آخر نلتقطه في البيئة الحاضنة لهذه القصص التي تجري في مكان بعيد من كلّ مظاهر التحضّر. دافود الذي يشهد على ما يشهده، يتحوّل جراء هذه المشاهدات المؤلمة شخصاً آخر فتصبح التفاصيل التي عاشها في ذمته إلى الأبد. بهذا المعنى، يقدّم بايداروف نصّاً يتعامل مع الغموض والمعنى حتى لو أخرج فيلماً ذا حركة متواصلة. فالأهم، في النهاية، هو ما يراه القلب لا ما تراه العينان. 

مخرج وسيناريست أذري مجاز في علوم الكومبيوتر. خلال دراسته الجامعية، اكتشف "حياة فيرونيك المزدوجة" لكشيشتوف كيشلوفسكي وقرر ان ينطلق في صناعة الأفلام. فانضم إلى أكاديمية ساراييفو للفيلم، وكان له المخرج المجري الكبير بيلا تار استاذاً. “احتضار” هو فيلمه الروائي الطويل الأول وقد عُرض في مسابقة مهرجان فينيسيا ومهرجان تورونتو الشهر الماضي. الفيلم دعمه وأنتجه المخرج المكسيكي المعروف كارلوس ريغاداس. له أيضاً ستّة أفلام وثائقية، أحدها "عندما ينضج الكاكي"، عن حوار بينه وبين أمه.

 

النهار اللبنانية في

26.11.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004