كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية وترسيخ هويته الثقافية

د. أمل الجمل

مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية

الدورة التاسعة

   
 
 
 
 
 
 

لا شك أن مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية قد رسخ لمكانته وهويته الثقافية باقتدار في دورته التاسعة، رغم الظروف الصعبة التي مر بها خصوصاً بعد وقف عروضه كإجراء احترازي حرصاً على سلامة الحضور، وتحجيما لفيروس كورونا في الأقصر المدينة الجميلة التي تحتوي على ثلث آثار العالم.

ترسيخ تلك الهوية الثقافية تحقق عبر تنوع برامجه، ليس فقط في الأقسام المختلفة للأفلام، ولكن عبر الندوات المهمة مع صناع السينما الأفريقية، وتعريفنا بهم عن قرب، بإتاحة فرص لقائهم وإجراء محاورات معهم، وإن بشكل عاجل أحياناً، بسبب كثرة وتداخل الندوات، وكأن المنظمين يُسابقون الزمن.

يُهمني في ذلك البُعد الثقافي تأليف وترجمة الكتب السينمائية والنقدية، فقد حرص المنظمون بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية على تقديم الإصدارات السينمائية المصرية والأفريقية، والحقيقة التي لا غبار عليها أن المهرجان في إصداراته الأخيرة أصبح يهتم بالنوع لا الكم، ففي هذه الدورة على سبيل المثال اكتفي بإصدارين فقط، رغم أنه كان بإمكانه إصدار عدد كبير من الكتب عن المكرمين، والراحلين. ومن البديهي والمؤكد أنه كانت هناك اقتراحات من البعض أن يُقدموا كتباً عن شخصيات مكرمة هذا العام، لكن تم رفضها. فالواضح أن رئيس المهرجان السيناريست والمخرج المسرحي سيد فؤاد وشريكته في إدارة المهرجان الفنانة عزة الحسيني استفادا من تجاربهما السابقة، وأخذا- بتحدٍ وحسم كبير- يتأملان الاقتراحات، ويعملان على التطوير المستمر الذي يدفعهما للأمام بأقصى قدر متاح لديهما من الطاقة والإرادة رغم ضعف الإمكانيات المادية واللوجستية.

عن السمعة السيئة للكتب

لذلك أيضاً، ليس كل مَنْ يتقدم لتأليف كتاب يستحق أن يخرج كتابه إلى الوجود، أو أن يتم الموافقة عليه. حتى بعد الموافقة على أفكار الكتب والبحوث يجب أن تتم مراجعتها بعد الانتهاء منها، فإن وُجد محتواها ضعيفاً أو متوسط القيمة يتم رفضه، حتى يُصبح ذلك نموذجاً وعبرة للآخرين. إنها خطوة أراها مهمة للغاية، فسمعة تأليف الكتب وكتابة البحوث في السنوات الأخيرة قد شابها كثير من الأقاويل السيئة والساخرة. هناك ناس أصبحت متخصصة في القص واللصق، وإن بعبارة أدق في السرقة السريعة الجريئة بشكل فج. ما أسهل أن تذهب هذه الشخصيات إلى الأرشيف الصحفي بأي مؤسسة، خصوصا لو كانت علاقتها جيده بأفراده ومسئوليه، ما أسهل أن تنهش من كل المقالات أو الحوارات أجزاء عديدة وتضعها إلى جوار بعضها من دون تحليل أو تفسير أو تقديم رؤية جديدة، ثم بعد شهر تدعي مثل هذه الشخصيات أن لديها كتاباً، أو أن تُجمع عدة مقالات صحفية- تنتمي لنوعية الفاست فوود- وتقول إن لديها كتاباً. مثل هذه الكتب أعتبرها عارًا على مؤلفها، وعلى مَنْ يُصدرها.

أتذكر في مهرجان كان عام ٢٠١٦ في أحد العروض السينمائية ضمن أسبوع النقاد، جلس إلى جواري أحد المخرجين الأفارقة الذين يُقيمون في باريس. سألني. تعارفنا. من بين ما قلته أن لديّ سبعة كتب، فابتسم المخرج ابتسامة ذات معنى قائلاً: «كل النقاد والصحفيين في مصر يؤلفون الكتب». كلامه أصابني بغصة في الحلق. قلت لنفسي؛ العملة الرديئة هنا تتساوى مع العملة الجيدة، وربما تطردها أيضاً من السوق. ابتسمت له بأسف مؤكدة صحة كلامه.

آنذاك، قررت عدم الدفاع عن كتبي. قلت لنفسي الكتب تتحدث عن نفسها. لكن كيف لهذا المخرج بلسانه الفرنسي الأعجمي أن يقرأ العربية؟ تذكرت يوسف شاهين، وكيف أخرج السينما المصرية إلى العالمية. الترجمة والخروج للعالم أمر مهم للغاية. العالم لن يأتي إلينا. لن يبحث عنا. نحن المسئولون عن ذلك. نحن المُخوَّل لنا تحطيم الحواجز بيننا وبين العالم.

الترجمة للفرنسية والإنجليزية ضرورة ملحة

من هذا المنطلق أدعو مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية أن يواصل ما بدأه من قبل بترجمة كتاب عن السينما المصرية أو أحد صناعها في كل دورة من دوراته المقبلة، حتى يستطيع أن يطلع على تاريخنا السينمائي والنقدي الإخوة الأفارقة، وجميع الناطقين بالفرنسية من أي دولة تحضر فعاليات المهرجان. هذه خطوة بالغة الأهمية. فمثلما تُترجم أعمالهم، وأفلامهم، وكتبهم إلى العربية، علينا فعل نفس الشيء مع الإبداع المصري. وهذا أمر أتمنى أن يتحقق في كل المهرجانات المصرية الأخرى التي تهتم بالجانب الثقافي، عليهم أن يهتموا بالترجمة الإنجليزية أيضاً، وأعتقد أنه يمكن الاستفادة من التعاون القائم بين المهرجانات والهيئة العامة للكتاب في تسهيل هذا الأمر، خصوصاً في ظل قيادة الدكتور هيثم الحاج، رئيس الهيئة العامة للكتاب الذي يمتدحه عن صدق كل مَنْ عمل معه، فهو إنسان ومثقف كبير لا يدخر جهداً من أجل خدمة الثقافة والفن المصري بإخلاص ووفاء.

صحيح أن مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية كان سباقاً في ذلك، فقد ترجم كتاب «سمير فريد الناقد السينمائي.. النموذج والمثال» إلى الفرنسية في دورته السابعة. لكنه بحاجة إلى استعادة واستكمال ما بدأه، على الأخص، بعد أن أصبحت مطبوعاته السينمائية من أهم وأبرز الإصدارات في عالم المهرجانات بمصر. إنها أحد أهم الملامح الثقافية المُميزة للمهرجان، التي تمنحه مزيداً من الخصوصية إلى جانب هويته الأفريقية وكونه بوابة للعبور الهادئ الناعم من وإلى باقي دول القارة السمراء المفعمة بالحيوية والخصوبة وغنى موروثها الثقافي والحضاري والإنساني. تتزايد أهمية مطبوعات مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، خصوصاً أنه في دولة بحجم ومكانة مصر التي تمتلك أقدم صناعة سينما في الوطن العربي، بل كانت من أوليات دول العالم التي نشأت فيها صناعة السينما. مع ذلك لا تزال مصر تفتقد وجود أرشيف سينمائي، بالمقاييس العالمية، ما زال كثير من الفصول التي تُوثق لتاريخ الفن السابع بها مفقودة. هنا، لا شك، يأتي دور القائمين على مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية؛ إذ يُساهمون في ترميم أو بناء تلك الفصول التوثيقية المهمة في إعادة قراءة تاريخنا الفني، ووضعه في إطاره، ومكانته الصحيحة التي يستحقها.

 

موقع "مصراوي" في

15.03.2020

 
 
 
 
 

الأقصر الإفريقي... فيلم مهم ودورة استثنائية

جامع الزمن الذي أصبح متحفا

صفاء الليثي

يصدر المخرج فيلمه بكتابة على الشاشة " هذا الفيلم يشبهني" وتبدأ الصورة بمجموعة لقطات بها مكونات عشواية تشكل لوحات كنوع من الفن المعاصر الذي يحتفي بتشظي الأشياء وفوضاهل الفنية. "يحكى أنه كان هناك رجل أصبح متحفا" خيوط العنكبوت وكأنه مكان مهجور ثم وجه رجل مسن في إطار وسط كركبة من تفاصيل مقتنيات حياتية مثل موبيل قديم، شريط كاسيت، مضرب بلاستكيكي لصيد الحشرات، ونسمع صوت الرجل متحدثا بالفرنسية، أنا جامع للزمن، ألتقط أشيائكم المكسورة ، المهملة والمنسية ... تتابع الصور فنشاهد كاميرا فوتوغرافية عتيقة وجرابها الجلدي، براد شاي من الفخار محاط بخيوط العنكبوت وسط أشياء متنوعة. ويستكمل التعليق ، ألتقط أشيائكم المهملة وأمنحها الحياة ، أتحدث إليها وتكلمني. في مملكتي حيث يتم اصطياد الرجال. أحاول أن أنقل إليكم عبر الجمل الإيقاع المتمهل والمتأمل لعالم الرجل العائش في متحف من مقتنياته. يصوره المخرج من ظهره وسط عالمه المزدحم بمقتنيات تكون لوحة بصرية شديدة التفرد، كراكيب وضعت بعشوائية فنية. ونسمع حديث الرجل، أنا بمفردي ولكني بصحبة جيدة، أنا شاعر وفنان، أنا الكل ولا أحد ، علي عيسى، يجعله المخرج يقدم نفسه بنفسه بجمل نثرية أقرب إلى الشعر، لندخل مشهدا جديدا وهو يخلط ألوانه ويرسم، لقطة قريبة له يصورها المخرج العاشق لشخصيته. صوت ماكينة عرض سينمائي وشعاع الضوء وعرض لمادة صورها، لقطات من سفريات داخل تونس وخارجها لبلاد عديدة. فيلم صور في باريس 1980. تعليق بالفرنسية معه تيمة موسيقية لمسلسل مصري. 

سنعرف من ندوة مع المخرج بعد عرض الفيلم في إطار الدورة التاسعة لمهرجان السينما الإفريقية أن المخرج مروان الطرابلسي قابل الرجل في أحد المعارض الفنية التي جرت من عشر سنوات، تحدثا ودعاه إلى منزله، على مدى خمس سنوات صور مروان الرجل ، بيته ولوحاته ونجح أن ينقل لنا روح المكان الفريد الذي يبدو للوهلة الأولى مخبأ لنفايات، ولكن مع حكي الشخص ومع مشاهد إعداده طعامه لنفسه، ما يرويه عن سفره إلى لبنان ، قصة حبه وزواجه، نلتقط روح فنان مستقل لم يسعى لمال أو شهرة، فقط يعش الحياة متفاعلا مع مقتنياته. في مشهد النهاية نشاهده يكتب على آلة كاتبة عتيقة وصيته، تبرع بمقتنياته ولوحاته إلى وزارة الثقافة التونسية، وبأعضاء جسده السليمة لمن يحتاجها، وكتب أنه يريد أن تدفن بقايا جسده في المدخل تحت النخلة. بعد العرض قابلت فتيات أقصريات، عرفت أنهن طالبات في الثانوي، تابعن الفيلم وأعجبتهم الشخصية، وفضلوه عن فيلم روائي من نوع الأكشن. نجاح نوع الفيلم التسجيلي عن شخصية يبدأ من إحساس المخرج بتفرد الشخص مرورا بقدرته على نقل ملامحها وانتهاء بتوصيل رسالته إلينا. احترم المخرج شخصيته وقدرها، ونقل لنا وصيته ، قدم لوحات جميلة من عينه الفنانة التي صورت هذه الأشياء القديمة المتهالكة في تجاورها العشوائي ولم يقحم صوتا خارجيا ليشرح أسلوب الفنان مثلا. استخدم صوت الرجل ، كلماته شعرا أو فضفضة، صوره مع قططه المستكينة لوحدة صاحبها والمتمتعة برعايته. يتمهل وهو يقدم تفاصيل إعداده لطعام مركب كطبخة تشبه لوحاته. مروان طرابلسي فنان محب لبطله، لم يسقط في فخ تقديمه كأعجوبة، بل كشخص اختار وحدته وحياته المتقشفة ، عاشها حرا كما أراد. الثبات والقطع الهاديء أسلوبا للمخرج مع خلفية موسيقية واحدة تسمح بسماع قصائد الرجل ولا تطغى عليها. علي عيسى هو الأول والمنتهى، فنان شاعر بقيمته دون زهو و خيلاء.  

عرض الفيلم بمهرجان قرطاج في بلده تونس قبل مشاركته الأقصر الإفريقي بمصر منافسا في قسم التسجيلي الطويل ، بلغ زمن عرض 61 ق. أنتج عام 2019، المخرج مروان طرابلسي بدأ اهتمامه بالتصوير الفوتوغرافي ثم اندمج مع الصورة المتحركة عبر السينما، عنايته بالصورة وتأملها واضح في فيلمه الذي أبهرنا متخصصين وجمهور عام. هو صانع فيلمه كتابة وإخراجا ومونتاجا، لم يكن خروجه من سباق الجوائز حكما عليه، فدائما الأفلام الجيدة أكثر من عدد الجوائز وخاصة حين يتم انتقائها من لجنة من نقاد لديهم خبرة في الحكم على مستوى الأفلام ضمت الناقد أسامة عبد الفتاح والناقدة أمل الجمل.  

منحت لجنة التحكيم الدولية في قسم اأفلام التسجيلية التي ضمت المخرج أمجد أبو العلاء صاحب أن تموت في العشرين، ومن الناقد عصام زكريا رئيس مهرجان الإسماعيلة للسينما التسجيلية والقصيرة الجائزة الذهبية لفيلم "الوقت في صالحنا" للمخرجة كاتي لينا نداي من السنغال. وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم " أمي إني أختنق" من لوسوتو.

أقيمت الدورة التاسعة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في ظرف استثنائي مع ظهور وباء كورونا بدايتها كانت قوية وتأثرت بقرار رئيس وزراء مصر بمنع التجمعات الجماهيرية وارتأت الإدارة، السيناريست سيد فؤاد والمخرجة عزة الحسيني وفريقهما أن تستمر لجان التحكيم في أداء دورها احتراما للمشاركين الأفارقة بأفلامهم وكان قرارا صائبا نتج عنه الإعلان عن الجوائز وإن كانت بعض الأفلام لم تشاهد إلا من لجان التحكيم وفلتت ندوتي توقيع كتاب فريد شوقي وكتاب السينما الإفريقية المعاصرة من المنع حيث أقيمت في موعدها وتم التوقيع وسط الاحتفاء بهما ولهما حديث آخر يوضح أهمية دو المهرجانات في تغطية نقص النشر للكتب السينمائية تأليفا وترجمة.  

 

####

 

السينما الإريترية والمغاربية تتقدم.. والمصرية تتقهر!

بقلم: مجدي الطيب

• «الأقصر للسينما الأفريقية» وضع أيدينا على الموقف الراهن لشباب السينما المصرية .. ومستقبلها

أغلب الظن أنه لم يكن بمقدورنا، يوماً، أن نشاهد فيلماً من «إريتريا»، بل ربما ما كنا نتخيل أن دولة مثل: إريتريا، التي تقع في القرن الأفريقي، وعاصمتها أسمرا، تعرف صناعة السينما، وهو المستحيل الذي رأيناه مُجسداً على أرض الواقع، من خلال فيلم «أنباء» Tidings، الذي شارك في المسابقة الدولية للأفلام القصيرة، بالدورة التاسعة لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية ( 6 – 12 مارس 2020)، والمفاجأة الطيبة للغاية أن تواجد السينما الإريترية، لم يكن من قبيل «التمثيل المُشرف»، بل كانت مُمثلة، بقوة، أثارت الإعجاب.

بالطبع لم يأت الفيلم منفصلاً عن الهم السياسي، الإقتصادي، والاجتماعي، الذي عاشه الشعب الإريتري، مطلع التسعينيات من القرن الماضي، عقب اندلاع الحرب الإثيوبية – الإريترية، التي تكبد البلدان خلالها ملايين الدولارات، فضلاً، وهو الأهم، عن الخسائر البشرية؛ حيث راح ضحيتها عشرات الألاف من المواطنين، وهو ما ركز عليه فيلم «أنباء» (15 دقيقة)، إخراج ناحوم أبراهام؛ من خلال عائلة إريترية فقيرة تعرض إثنان من أولادها للاعتقال، والاختفاء القسري، لانخراطهما في صفوف مقاومي الاحتلال الإثيوبي، ومن ثم لم يعد في استطاعة الأم سوى أن تُهيء الظروف الآمنة للأب ليتابع، عبر المذياع، وفي غرفة نائية بالمنزل، أخبار المقاومة، بزعامة أسياس أفورقى، الذي صار رئيساً للبلاد بعد التحرير، الذي خرج الشعب الإريتري للاحتفال به، وبالأبناء العائدين.

الحرفية التي ظهر عليها الفيلم الإريتري القصير قادتني للتعرف إلى تاريخ السينما الإريترية، التي تأثرت بحضارات وجيوش وشعوب، تعاقبت عليها؛ مثل : العرب، الأتراك، البرتغاليون، البريطانيون، والإيطاليون، الأكثر تأثيراً، سواء في طرز المباني، أو دور السينما، التي انتشرت في البلد عامة، وفي العاصمة أسمرا، تحديداً، التي عرفت عروض الصور المتحركة، عقب اختراع السينما مباشرة، كما عرفت الفن السينمائي، والإخراج والتمثيل، حتى صار الفن الأكثر شعبية، وكانت الأفلام التي يتم تصويرها تتطرق إلى الواقع الإريتري، بحاضره وماضيه، وإن ركزت، في الغالب، على وقائع الثورة، والخلفية التاريخية للشعب والدولة.

أفريقيا تنتصر للعلم والحرية

«وافوو : طفل الثعبان» (29 دقيقة)، فيلم من بوركينا فاسو فاجأني أيضاً برؤيته التقدمية، التي واجهت الخرافة، وانتصرت للعلم؛ فالمخرجة أزاتا سورو، ترصد تأثير الجهل، وطغيان الخرافة، في إحدى قرى الشمال البوركيني، التي ضربها الجفاف، ما يدفع ساحر القرية للدعوة إلى التضحية بالطفل اليتيم المعاق، الذي يظن أهل القرية أنه جاء من نسل ثعبان، كونه يزحف على الأرض، لكن إحدى السيدات ترفض الانصياع للشعوذة والخرافة، وتكتشف بالمصادفة أن الحل في دار التأهيل المخصص لذوي القدرات الخاصة. أما الفيلم الأوغندي «الفستان الأسود الصغير» (22 دقيقة)، فيُدهشك، بدرجة كبيرة، بسبب قدرة مخرجته إستيري تيبانديكي على الاقتراب من علاقة امرأة ورجل، في مفترق طريق، لإحساس المرأة بالقلق والتوتر، بسبب نرجسية الرجل، وعدم النظر إليها بعين الاعتبار، ما يجعلها تُقدم، في اللحظة المناسبة، على اتخاذ القرار، الذي يعني بالنسبة لها : الخلاص. ورغم أن الفيلم هو أول تجربة إخراجية لإستيري، إلا أنه أقرب إلى اللوحة التشكيلية، التي أحسنت من خلالها توظيف الظل والضوء، ربما لأنها فنانة تشكيلية، في الأصل، كما احكمت قبضتها على الإيقاع، والتمثيل، كونها راقصة وممثلة.

الوعي المغاربي الرائع

لم تكن لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة مُجاملة، على الإطلاق، عندما منحت فيلم «طيف الزمكان» (المغرب / 9 دقائق)، إخراج كريم تاجوات، جائزة أحسن إسهام فني (شهادة تقدير وقناع توت عنخ آمون البرونزي)، بل يمكن القول إنها ظلمت الأفلام المغاربية الأخرى؛ مثل: «أغنية البجعة» (المغرب)، «سينابس» (الجزائر)، «إنتي شكون» (تونس)، «الغرفة» (الجزائر/ فرنسا)؛ فإذا كان تميز فيلم «طيف الزمكان» يتمثل في لغته البصرية الساحرة، وتوظيفه لخيال الظل، فضلاً عن روعة تلوينه، فإن خصوصيته تكمن، أيضاً، في رؤيته المتفائلة، التي تؤكد على ضرورة النظر إلى الماضي بوصفه دافعاً قوياً للإمام، فإن فيلم «سينابس» (الجزائر / 17 دقيقة)، إخراج نور الدين زروقي، يبدو أكثر نضجاً، على الصعيد الفكري والسينمائي، عندما يقدم، بتكثيف رائع، قراءة متعددة الأوجه، للوضع العربي المأزوم؛ من خلال حافلة الركاب، التي يستقلها مواطنون، هم في الحقيقة بمثابة تمثيل حي للظواهر الاجتماعية السائدة؛ مثل : التطرف، السفور، النقاب، العبث، الانفتاح، التخلف، والسلوكيات المتناقضة، التي تكشف زيف المجتمع، وغياب التواصل بين أفراده، وانهيار قوامه الهش، بمجرد أن ينضم لركاب الحافلة كسيح، يتأمل الوضع صامتاً، ومستسلماً، وضرير متسق مع ذاته، ومتحرر من القيود التي تُكبل الآخرين (الركاب / أفراد المجتمع)، ما يُشجعهم على الاقتداء به في حريته، والتخلص من الأفكار المتزمتة، التي كانت سبباً في تخوين بعضهم البعض . والفيلم يعكس، بالفعل، حال «الاشتباك العصبي» السائد في المجتمعات العربية، مثلما يكشف خواءها وزيفها وهشاشة بنيانها، وهي الرؤية الجريئة، التي نراها، بصيغة أخرى، في فيلم «أغنية البجعة» (المغرب / 18 دقيقة)، الذي يرصد مخرجه يزيد القادري، من زاوية مغايرة، ظاهرة الإرهاب؛ حيث الشاب الذي يتسلل إلى مركز ثقافي، حاملاً حقيبة ظهر معتادة، وينجح في انتزاع إعجاب الحضور ببراعة عزفه على الجيتار الكهربي، لكنه يُباغت الجميع بفعل غير متوقع. ورغم الإثارة التي اتسم بها الفيلم إلا أن السيناريو، وقع في خطأ فادح، عندما فضح هوية، طبيعة، ومخطط، الشاب منذ الوهلة الأولى!

في سياق مختلف جاء فيلم «الغرفة» (الجزائر / فرنسا / 17 دقيقة)، إخراج لطيفة سعيد، الذي بدا وكأنه سيرة ذاتية لمخرجته؛ حيث الفتاة الجزائرية الشابة «آن»، التي تصل إلى إحدى البنايات، التي يقطنها المهاجرون العرب في باريس، لتتسلم المتعلقات الخاصة بوالدها، الذي غيبه الموت، ولحظتها فقط تكتشف كم الحب، الذي كان يكنه له أباها، ولم تعرفه من قبل!

التراجع المصري المُخيف

في مقابل الطفرة اللافتة للسينما الأفريقية، والمغاربية، شهدت مسابقة الأفلام القصيرة تراجعاً ملحوظاً، ومُخيفاً، للسينما المصرية، حتى يمكن القول إن لجنة التحكيم جاملت الدولة المُضيفة كثيراً عندما نوهت بفيلم «حبيب» ( 23 دقيقة)، إخراج شادي فؤاد، بينما أحسنت صُنعاً عندما تجاهلت فيلم «يوكو وياسمين» (مصر / لبنان/ 11 دقيقة)، إخراج كوثر يونس؛ فالصنعة، والمبالغة، على صعيد الأداء التمثيلي، كانا سمة الفيلم الأول، الذي يتناول أزمة الحلاق «حبيب»، الذي يُفصح ظاهره ما لا يُبطن، وإن تميز الفيلم بشكله الفني؛ خصوصاً التصوير (جوزيف كرم)، الذي نجح في تجسيد انفعالات بطله، الموزع بين روح المرح، التي يُشيعها في المكان (صالون الحلاقة)، ومأساته، التي يعجز عن التهرب منها . أما فيلم «يوكو وياسمين» فأغلب الظن أن مخرجته قامت بتجميع لقطاته من مشروع آخر كانت تُعد لإنجازه، ولم يُسعفها الوقت، ومن ثم بدا الفارق كبيراً بين تجربتها هذه، وفيلمها السابق «هدية من الماضي»، الذي كان مفاجأة طيبة بكل المقاييس، وسارة لكل المتابعين!

 

####

 

"الأقصر الأفريقي".. حكاية مهرجان دخل التاريخ

بقلم: أسامة عبد الفتاح

لا شك أن الدورة التاسعة من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، والتي اُختتمت الأربعاء الماضي بإعلان جوائز لجان التحكيم في مؤتمر صحفي، ستدخل تاريخ المهرجانات السينمائية الدولية، ليس فقط لأنها انتصرت على ظروف شديدة الصعوبة والحرج وحدثين جللين مثل انتشار فيروس "كورونا" المستجد والعواصف التي هبت على مصر نهاية الأسبوع الماضي، ولكن لأن إقامتها جعلت المهرجان الحدث الدولي السينمائي الوحيد في العالم الذي ينجح منظموه في إقامته خلال هذه الفترة العصيبة والظروف غير الطبيعية.
وبعد أن تحدى "الأقصر الأفريقي" هذا العام فيروس "كورونا"، وأصر منظموه على المضي قدما في افتتاحه في يوماكتشاف ١٢ حالة إيجابية حاملة للفيروس، دون ظهور أعراض، على متن إحدى البواخر النيلية القادمة من أسوان إلىالأقصر في 6 مارس الحالي، تلقت إدارته– مساء9 مارس–قرار رئيس الوزراء بإيقاف جميع الفعاليات والعروض الجماهيرية لمنع انتشار الفيروس، فتقرر إيقاف عروض مركز المؤتمرات وقصر الثقافة والمكتبة العامة بالأقصر مع استمرار لجان التحكيم في عملها ومشاهدة ما تبقى من أفلام (حوالي 30%) في قاعات مجهزة داخل الفنادق في إطار مهني سليم تمهيدا لإعلان النتائج في مؤتمرالأربعاء الصحفي، قبل يوم واحد من التاريخ المحدد للختام (الخميس 12 مارس الحالي).

وأدى ذلك إلى وقوع سابقة سينمائية لا أعتقد أن المهرجانات المصرية شهدت مثلها من قبل، حيث لم يُعرض الفيلم المصري "قابل للكسر"، ولا حتى على لجنة التحكيم، رغم الإعلان في كل مكان عن مشاركته في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وأصدرت إدارة المهرجان بيانا ذكرت فيه أن الفيلم، وهو من إخراج أحمد رشوان، لم يتم عرضه في المسابقة الرسمية، ولم تشاهده لجنة التحكيم، ولم يعرض جماهيريًا نظرًا لظروف إيقاف العروض الجماهيرية،وبالتالي له الحق في العرض في أي مهرجان آخر عرضًا عالميًا أول، أي يحتفظ بـ"عذريته"، ويحق للمهرجان عرضه في دورته المقبلة.

وبعد تجاوز "صدمات كورونا"، فوجئ مسئولو "الأقصر الأفريقي" بأنباء العواصف الرعدية والأمطار الشديدة التي تعرضت لها مصر نهاية الأسبوع الماضي، مما أدى إلى تعطيل سفر بعض الضيوف وأعضاء لجان التحكيم المصريين والأجانب لمدة يوم أو يومين حتى السبت الماضي، وسط ارتباك شديد في مواعيد وظروف رحلات الطيران الداخلية والخارجية تمكنت إدارة المهرجان من التعامل معه باحترافية شديدة.

وجاءت جوائز الدورة التاسعة كالتالي:منحت لجنة النقاد الدولية "فيبريسي" جائزة أحسن فيلم لـ"والد نافي" للمخرج مامادو ديا – السنغال، أما لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة فمنحت الجوائز التالية:تنويه خاص لفيلم "حبيب" إخراج شادي فؤاد – مصر، وذلك لتميزه في الأداء التمثيلي. أما جائزة أحسن إسهام فني في فيلم روائي قصير، فنالها فيلم " طيف الزمكان " للمخرج كريم تاجوات من المغرب لشجاعته في السرد وخصوصية التعبير البصري واستخدامه الخلاق شريط الصوت.ونال جائزة لجنة التحكيم الخاصة الفيلم الروائي القصير "راستا" للمخرج سمير بن شيخ وهو إنتاج مشترك لساحل العاج والجزائر، لتميزه بالحبكة الدرامية وقدرته على تقديم نظرة إنسانية لوضع سياسي معقد يُجبر فيه الأطفال على حمل السلاح. أما جائزة النيل الكبرى لأحسن فيلم روائي قصير فانتزعها"بابلينجا" للمخرج فابيان داوو – بوركينا فاسو.

وفي المسابقة الدولية لأفلام الدياسبورا (الشتات)، ذهبت جائزة أحسن إسهام فنيلفيلم "سيدة النيل" للمخرج عتيق رحيمي – رواندا – فرنسا، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة إلى فيلم "بابيشا" للمخرجة مونيا مدور – الجزائر – فرنسا، وجائزة النيل الكبرى لأحسن فيلم إلى "قطار الملح والسكر" (موزمبيق وجنوب أفريقيا والبرتغال) لتصويره المؤثر والمثير للمشاعر والمزج بين الحياة والموت في عرض مؤثر للإرادة البشرية التي لا تنكسر في موزمبيق التي مزقتها الحرب.

وجاءت جوائز مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلةكالتالي: أحسن إسهام فنيلفيلم "أمي، إني أختنق، هذا هو آخر فيلم لي عنك" للمخرج جيريمايا موزيس – ليسوتو، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لنفس الفيلم، وجائزة النيل الكبري لفيلم "الوقت في صالحنا" للمخرجة كاتي لينا نداي - السنغال.

أما في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، فحصل فيلم "الخط الأبيض" للمخرجة ديزيريه كاهيكوبو – ناميبيا علي تنويه خاص لحساسيته في التعامل مع موضوع الفصل العنصري بطريقة صادقة وبسيطة توثق لهذه الفترة في تلك المنطقة، مع أداء مقنع للممثلين.وذهبت جائزة أفضل إسهام فنيإلى فيلم "ديرانس" للمخرجة أبولين تراوريه بوركينا فاسو - ساحل العاج وذلك بسبب تصويرها المأساوي للسعي وراء الجذور في خضم الأحداث السياسية والحرب التي مزقت المجتمع الإيفواري.أما جائزة لجنة التحكيم فظفر بها "فترية" للمخرج وليد طايع - تونس وذلك لأسلوبه الجديد، ودرجة سخريته، وبراعة أداء الممثلين في وصف الحياة اليومية وتناقضات هامش المجتمع التونسي المعاصر. ونال جائزة أفضل فيلم "أطلانطيك" للمخرجة ماتي ديوب - من السنغال، وذلك للقوة والصرامة والتفرد في علاج موضوع مهم للقارة الأفريقية.أما جائزة مؤسسة شباب الفنانين المستقلين، التي تنظم مهرجان الأقصر للسينما الافريقية،فذهبت لفيلم "صندوق الدنيا" للمخرج عماد البهات – مصر.

 

جريدة القاهرة في

17.03.2020

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004