كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"البابَوان": تمثيل ممتع وتوثيق سينمائي عادي لنزاعٍ عقائدي

نديم جرجوره

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثانية والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

يريد الكاردينال الأرجنتيني خورخي ماريو بيرغوغليو (1936) أنْ يستقيل من مسؤولياته الكنسية في بلده، فيزور الفاتيكان للقاء البابا بنديكتوس الـ16 لتقديم استقالته إليه شخصياً. يريد البابا الألمانيّ (جوزف راتزينغر، 1927) أنْ يُخبِر الكاردينال الأكثر تصدّياً له أمراً ما، فيدعوه إلى الفاتيكان، مُرسلاً إليه بطاقة سفر مؤرّخة بوقتٍ قصير قبل موعد حجز الكاردينال بطاقة سفر له إلى روما (صدفة أم قدر؟). يلتقي الرجلان، لكن البابا الألمانيّ يُراوغ أياماً قليلة، قبل أنْ يُعلِمه برغبته هو في الاستقالة، وفي أنّه يُمهِّد لاعتلاء الكاردينال سُدّة البابوية خلفاً له. البابا الألمانيّ يُقرّر التعرّف إلى الكاردينال الأرجنتيني أكثر، بعيداً عن مناخ "خلافاتهما"، في أيامٍ يُمضيانها معاً، بين "كاستل غوندولفو" (المقرّ الصيفي لبابا الكاثوليك) وحاضرة الفاتيكان، فتكون نقاشات وحوارات واعترافات ذاتية حميمة بين خصمين لدودين، تُظلِّلهما محبّة الله، الذي يصعب على البابا الألمانيّ أنْ يستمع إلى صوته (صوت الله)، كما يقول.

تلاعبٌ في الكلام، المبطّن والعلني، يُصوِّره البرازيلي فرناندو ميريليس (1955)، في "البابَوان" (2019 ـ المنصّة الأميركية "نتفليكس"، بدءاً من 20 ديسمبر/ كانون الأول 2019)، بشكلٍ مذهل، خصوصاً أنّه متعاونٌ مع أنتوني هوبكنز (1937) وجوناثان برايس (1947) لتأدية دوري البابا الألمانيّ والكاردينال الأرجنتيني. الصدام بينهما مُوزّع على شؤون كنسية ولاهوتية وإنسانية وثقافية. الخصام قويّ، فالأول محافظ يترأس دولة الفاتيكان (عاصمة الكثلكة) بعد سنين يُمضيها في البحث والدراسات والتأمّل، وفي تبوّؤ مراكز فكرية ولاهوتية؛ والثاني منخرطٌ في أعمالٍ ميدانية مع الناس، منذ مشاركة الكنيسة الكاثوليكية في أميركا اللاتينية في التصدّي للانقلابات العسكريّة المؤدّية إلى سلطات ديكتاتورية. الأول واقعٌ تحت ثقل ضغوط داخلية، متأتية من سطوة المصرف الفاتيكاني وأعماله المختلفة، ومن فضائح التحرّش الجنسيّ لرجال دين كاثوليك في مناصب مختلفة في دول وأبرشيات عديدة، ومن تسلّط الإدارة الفاتيكانية وابتعاد البابا عن الناس؛ والثاني يحمل تاريخاً من التحدّيات والالتباسات، منذ حكم الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين، وتاريخاً من الاشتغال اليومي مع الناس وللناس.

تفكيران يختلف أحدهما عن الآخر جذرياً. العلاقة بالاجتماع والتفكير الأخلاقي والإنساني، كما بكيفية إدارة شؤون دولة وكنيسة ورعايا، تتحكّم في النزاع بينهما. والفيلم، إذْ يختار تلك الأيام القليلة الفاصلة بين أول لقاء بينهما وانتخاب الكاردينال رئيساً للكنيسة الكاثوليكية ولدولة الفاتيكان، يغوص في سجالاتٍ مختصرة عن الله ودور الكنيسة والإيمان وآليات الحكم أيضاً، ويعتمد الـ"فلاش باك" مراراً في سرد مقتطفات من سيرة الكاردينال في بلده، في مقابل لقطات "فلاش باك" أقلّ تستعيد محطات من سيرة البابا بنديكتوس. لقطات عديدة مرتبطة بانتخابين: أولهما عائدٌ إلى 19 إبريل/ نيسان 2005 (انتخاب جوزف راتزينغر البابا الـ265 في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية)، وثانيهما إلى 13 مارس/ آذار 2013 (انتخاب أسقف أبرشية بيونس أيريس البابا الـ266)، وانتظار المؤمنين في الساحة الكبيرة للفاتيكان، إلى جانب إعلاميين من مختلف أنحاء العالم.

رغم الصدام الكبير بينهما، يُظهر الكاردينال تواضعاً كبيراً في علاقته بكلّ من يلتقيه، فينتبه البابا إلى أنّ الجميع يُحبّه منذ اللحظة الأولى. ينفضّ، وإنْ بصمتٍ، إزاء اتّهام شابّ في مقهى، يلتقيه صدفة أثناء مشاهدتهما مباراة كرة قدم (الكاردينال مُغرم بهذه الرياضة، ومشجّع متحمِّس بشدّة للمنتخب الأرجنتيني)، يقول (الاتّهام) بنازية البابا (هناك معطيات تُفيد بأنّ راتزينغر منضمّ إلى الشبيبة الهتلرية، زمن صعود النازية). في هذا الإطار، يقول ميريليس: "أعتقد أنّ الصحافةَ مبتكرةُ صورة الـ"نازيّ" عنه، وهذا غير صحيح. إنّه غير مختلف كثيراً عن البابا فرنسوا، في الواقع" (تصريح لـ"وكالة فرانس برس"، منشور في "لا برس"، في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019). يُضيف، في التصريح نفسه، أنّه في بداية العمل على تنفيذ المشروع، يعتبر بنديكتوس "البابا السيئ"، وفرنسوا "البابا اللطيف". لكن التقدّم في عملية التصوير يُعرِّف المخرج أكثر فأكثر على البابا الألمانيّ، ما يُحدث فيه تغييراً إزاءه، خصوصاً بعد قراءة كتابات له، والاستماع إلى بعض مواعظه: "إنّه مُثيرٌ للاهتمام".

هناك ما يشي بسينما وثائقية، يتخلّلها نَفَسٌ سرديّ. فالتوثيق متمثّل بهذا الكمّ الهائل من المعطيات التي تحيل إلى وقائع متداولة، خصوصاً بالنسبة إلى سيرتي البابا والكاردينال، قبل أنْ يتبوّأ كلّ واحد منهما مناصبه الكنسية العليا، وأثناء تولّيهما تلك المناصب. أما محاوراتهما الطويلة، الحاصلة بينهما بعيداً عن الجميع، فمنبثقة من معطياتٍ معروفة، تتعلّق بتفكيرٍ كلّ واحد منهما، وبهواجسه الثقافية واللاهوتية والكنسية والسياسية، وبكيفية تعامله مع الآخر، وبرؤيتهما المتناقضة كلّياً بخصوص مسائل جوهرية في الحياة والإيمان والحبّ والعلاقات بين الأفراد.

يصعب التأكّد من حقيقة الكلام الذي قيل بينهما، لغيابِ أيّ شاهدٍ عليه، بحسب المُصَوَّر في "البابَوان"، المُقتبس عن مسرحية "البابا" (2017) للنيوزيلندي أنتوني ماك كارتن، كاتب سيناريو الفيلم أيضاً. لكن مضمونه مستلّ من تأمّلات كلّ واحد منهما، ومن أفكاره واشتغالاته ونظرته والتزاماته. بهذا، يتأكّد الميل التوثيقي في فيلمٍ يبغي، كما يبدو، تقديم رجلين من رجال الكنيسة الكاثوليكية، يختلف أحدهما عن الآخر بشدّة، لكنهما يتمكّنان من التزام الاحترام الكامل، وتجاوز فعل الاختلاف، ومواجهة الآخر ـ بهدوء وانفتاح مبطّنين بشيء من السخرية ـ في القضايا المتنَازَع عليها، مع تكسير تدريجي للعوائق والجدران بينهما، إلى درجة أنّ البابا المتعالي والمتعجرف يوافق على اقتراحات بسيطة للكاردينال، لكنها مهمّة، فيتناول معه طعام الغداء (بيتزا)، ويتجوّل بين السيّاح داخل الفاتيكان، ويُشاهدان مباراة في كرة القدم بين المنتخبين الألماني والأرجنتيني.

أما ماك كارتن (1961)، فروائي ومسرحيّ وكاتب سيناريوهاتٍ عديدة، آخرها 3: "نظرية كلّ شيء (The Theory Of Everything) لجيمس مارش (2014)، وDarkest Hour لجو رايت (2017)، و"بوهيميان رابسودي" (2018) لبراين سينغر. أفلامٌ تروي سِيَر 3 شخصيات بريطانية فاعلة في العالم، بدءاً من الباحث ستيفن هاوكينغ (1942 ـ 2018) في الفيلم الأول، ثم السياسي وينستون تشرشل (1874 ـ 1965) في الثاني، والموسيقيّ والمغنّي فريدي ميركوري (1946 ـ 1991) في الثالث. وإذْ تختلف أساليب المعالجة السردية لتلك السِّيَر الحياتية بين الأفلام الـ4، فإنّ غلبة التوثيق السينمائي، وإنْ يكن مبطّناً، تجعل الكتابة أمتن وأصدق في مقارباتٍ سينمائية لأحوالٍ فردية، وبعض تلك الأحوال مرتبط بالعالم ومتغيراته ومساراته وانشغالاته.

لكن النَّفَس التوثيقيّ (غير المتمثّل بتسجيلات مصوّرة عن لقاء البابا بالكاردينال بعد انتخاب الثاني بابا جديداً) لن يُلغي سمة أساسية، يرتكز عليها "البابَوان". فالتمثيل يُشبه، وإنْ بتواضع وخفر، حلبة ملاكمة بين أنتوني هوبكنز (البابا) وجوناثان برايس (الكاردينال)، مُدخلاً إياهما في نزاعٍ أدائيّ غير مهتمّ بالسؤال التقليدي عمّن سيربح في ختامه، بقدر ما يُثير متعةً متأتية من معاينة أداء كلّ واحد منهما، وهو أداء حِرفيّ بالتأكيد، لكنّه جاذب.

متعة ستكون الأبرز والأهمّ، بل الوحيدة ربما، في الفيلم برمّته.

 

####

 

رئيس مجموعة سينمائية ضخمة يتهم "نتفليكس" بضرب أرباح "الأيرلندي"

لندن ــ العربي الجديد

اتهم الرئيس التنفيذي في شركة "سيني وورلد" CineWorld، موكي غرايدنغر، منصة بثّ المحتوى الترفيهي والأفلام عبر الإنترنت "نتفليكس"، بترك فيلم "الأيرلندي" لإيرادات شباك تذاكر "لا معنى لها"، بعد عرضه لفترة محدودة فقط في الدور السينمائية قبل بثّه.

وقال غرايدنغر، الذي يدير ثاني أكبر مجموعة سينمائية في العالم، إن منصة البث الأميركية التي مولت فيلم المخرج مارتن سكورسيزي الأخير منعته من أن يكون "ضارباً" في شباك التذاكر، وفق ما نقلت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية اليوم الأربعاء.

وكانت "نتفليكس" طرحت فيلم "الأيرلندي" في الصالات السينمائية الأميركية في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في الصالات البريطانية، قبل بثه على منصتها في 27 من الشهر نفسه.

وأضاف غرايدنغر: "فقد (الأيرلندي) الكثير في شباك التذاكر. كان بإمكان الفيلم جني أرباح ملحوظة في شباك التذاكر".

وتعكس تصريحات الرئيس التنفيذي المواجهة الطويلة بين مالكي صالات السينما و"نتفليكس". منذ شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أصدرت المنصة 10 أفلام في دور السينما، عرض معظمها لأقل من أسبوع، قبل بثها على "نتفليكس". وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت أنها ستشتري "مسرح باريس" في نيويورك، وتجري مفاوضات من أجل "مسرح المصريين" في لوس أنجليس، حيث تخطط لعقد عروض وفعاليات خاصة.

وقالت "نتفليكس" إنها وفرت أفلامها لمجموعات سينمائية عدة، لكن معظمها رفضت العرض لمحدودية المدة المسموح بها.

وأشارت إلى أن فيلم "الأيرلندي" عُرض في 35 دولة. شاهده أكثر من 26 مليون شخص  خلال الأسبوع الأول من عرضه على "نتفليكس".

 

العربي الجديد اللندنية في

25.12.2019

 
 
 
 
 

"البابوان" التحرر الذاتي والاعتراف بالحق فضيلة

محمد كمال

"أي رحلة مهما كانت طويلة يجب ان تبدأ في مكان ما.. أي رحلة مهما كانت مجيدة يمكن ان تبدأ بغلطة  .لذلك عندما تشعر انك تائه لا تقلق ".

بهذه الكلمات يبدأ فيلم "البابوان" The Two Popes على لسان الكاردينال خورخي بيرجوليو المعروف بإسم (البابا فرنسيس) بابا الكنيسة الكاثولوكية الـ 266 وهو المنصب الذي يشغله حاليا ، لكن في هذه اللقطة نعود إلى عام 2005 في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس وكان وقتها رئيس الأساقفة هناك أمام جموع من مريديه ،ويتخلل الكلمات والعظات بعض القفشات الفكاهية مثل تشجيعه لفريق سان لورينزو الأرجنتيني، وفي المشهد الذي يسبقه نجد البابا يتصل"بنفسه" بإحدى شركات السياحة لحجز تذكرة واحدة "لنفسه" إلى جزيرة لابيدوسيا في البحر المتوسط ، وتغلق الموظفة الخط لأنها تعتقد أن الشخص يسخر منها مستخدما إسم بابا الفاتيكان، ومن هنا نكتشف إننا أمام فيلم غير عادي عن بابا الفاتيكان وعن الكنيسة خصوصا وأن عنوان الفيلم يوحي بهذا.

بعد وفاة بابا الفاتيكان (يوحنا بولس الثاني) عام 2005 يتجه رؤساء الأساقفة من كل دول العالم لانتخاب بابا جديد للكنيسة الكاثولوكية في الفاتيكان التي تقع في قلب روما ،وتنحصر المنافسة بعد الجولة الأولى التي لم تكن حاسمة بين الألماني جوزيف راتزنجر والأرجنتيني خورخي بيرجوليو وهي منافسة بين تيارين الأول شديد المحافظة على تقاليد الكنيسة ،والثاني تيار يدعو إلى الإصلاح ومواكبة تطورات العصر ،فهل الأحداث ستسير في إشكاليات الصراع بين التيارين ويقع الفيلم في فخ التقليدية في تناول تلك التيمة ؟

من الوهلة الأولى يبرز أننا أمام سيناريو قوي تخلله جمل حوارية معبرة جعلت القلق يقل شيئا فشيئا في آخر إنتاجات نتفليكس لهذا العام والذي اعتبره أفضلها أيضا مع فيلم "قصة زواج" فالفيلمان يعتمدان على سيناريو قوي محكم وحوار معبر والمنافسة بينهما ستكون قوية في شعبة أفضل سيناريو في الجولدن جلوب والاوسكار والبافتا.

ويحسب لكاتب السيناريو أنتوني مكارثين قدرته على خلق سيناريو مميز (سبق وقدم أعمالا جيدة مثل الساعة الأسوأ – الملحمة البوهيمية – نظرية كل شئ) معتمدا على أحداث حقيقية يعلمها الجميع وهي الأزمة التي ضربت الفاتيكان عام 2012 عندما تم القبض على سكرتير البابا بندكيت الـ16 بعد تسريبه وثائق سرية تؤكد على وجود مخالفات وإرتكاب جرائم الاعتداء على الأطفال من قبل الأساقفة ، لكن عبقرية مكارثين أن الحادثة لم تكن سوى إطار عام ربط من خلالها العلاقة بين البابوان راتزنجر (بنيديكت الـ 16) وبيرجوليو (فرنسيس)، وهي الفترة التي صاحبت استقالة البابا بنيديكت عام 2012 لأول مرة يستقيل فيها البابا منذ قرون.

ارتكز المخرج البرازيلي فيرناندو ميريليس في فيلمه على ثلاث مراحل بدأت منذ عام 2012 لكن قبلها برع على الشاشة في اختصار عملية انتخاب البابا الجديد عام 2005 في مدة زمنية قصيرة ونجح في إيصال فكرته دون خلل أو إرباك وزاد عليها تمكن المخرج في المشاهد الخاصة بعملية الإنتخاب السرية نفسها واستمرار الكنيسة الكاثولوكية في استخدام الطرق القديمة في الإقتراع والتصويت رغم أن العالم يصوت على الإنترنت الان مثل (الدخان - الإبرة والخيط - الملابس..)، وأيضا الجموع الغفيرة ووسائل الإعلام التي تنتظر نتيجة إعلان إسم البابا الجديد بشغف وترقب.

المرحلة الأولى للفيلم كانت أشبه بمناظرة سريعة بين البابوين بعد طلب البابا بنيديكت حضور الكاردينال بيرجوليو إلى روما خصوصا وان الثاني قدم طلب للبابا بهدف التقاعد وبدوره اعتبر البابا أن التقاعد في هذا التوقيت معناه التمرد ، برغم أن الحوار شيق وقوي منذ المشهد الأول لكن لا أنكر أن هذه المرحلة خشيت أن يسيطر الصراع بين التيار المحافظ والتيار الإصلاحي حول الطقوس الدينية كالإعتراف ودخول النساء للمذبح واليسوعية، أو المسائل الدنيوية الاجتماعية مثل قضية المثليين والنسبية والطلاق، وخصوصا وأن الثنائي مختلفان في مسألة الإدارة فالبابا يعيش السلطة بحذافيرها حيث الإقامة في القصور والطعام االصحي والملابس الرسمية القديمة التي عفى عليها الزمن الحذاء الأحمر على سبيل المثال ، أما بيرجليو فهو شخص بسيط منفتح على الآخر يحب الرقص ويعشق كرة القدم وخصوصا فريق سان لورينزو غير متمسك بعادات وتقاليد الكنيسة .

كان المتوقع أن يسير الفيلم في الاتجاهين حتى يحدث التصالح الإنساني الذي يعقبه أحترام فكري للاختلافات وهذا ما حدث في المرحلة الثانية فقد اقترب الثنائي إنسانيا وأخذ الحوار صورة أكثر حميمية اعتمد فيها المخرج على روايات وحكايات على لسانهما، وبرغم المرحلتين اعتمد فيهما المخرج على مشاهد تجمع الثنائي فقط وهذا على مستوى التنفيذ صعب جدا أن يحافظ على قوة وتماسك الفيلم معتمدا على شخصيتين فقط حتى وان قام المخرج بتغيير مواقع التصوير، لكن تمكن المخرج وبراعة السيناريو نجحا بخروج الفيلم بصورة مبهرة ، حتى كشف البابا بندكت للكاردينال بيرجليو عن نيته في الاستقالة ومن هنا تبدأ المرحلة الثالثة.

تعد المرحلة الثالثة هي الأقوى والأكثر تأثيرا في الأحداث وتنفيذا على مستوى الدراما ويمكن أن نطلق عليها عنوان "التحرر الذاتي للبابوان" فالتحرر حق أي إنسان حتى لو كان البابا ومكاشفة الأخطاء والاعتراف بالتغيير الذي يطرأ على أفكار أي إنسان حتى وإن كان البابا نفسه ففي البداية التغيير كان مثل التنازل لكن بمرور الوقت التغيير مثل التحرر الذاتي والإعتراف بالخطأ والرغبة في الإصلاح والخروج من قوقعة التقاليد.

في المرحلة الثالثة يسرد كلا منهما حكايته ويعترف أمام الآخر (رغم اختلاف الثنائي حول طقس الاعتراف) بأخطاء الماضي ، ومع إعتراف بيرجليو يعود المخرج عن طريق الفلاش باك إلى الأرجنتين في السبعينيات وتأثير التحولات السياسية على الشاب بيرجليو الذي يؤدي دوره بإتقان الممثل الأرجنتيني خوان مينوجين، مع الدخول أكثر في تفاصيل الحكاية يلجأ المخرج إلى المونتاج المتوازي السريع بين بيرجوليو في حقبة السبعينيات وبيرجليو في 2012.

أداء الثنائي أنتوني هوبكنز في دور البابا بيندت ال16 و جوناثان برايس في دور الكاردينال خورخي بيرجوليو رائعا تفوقا في كل المشاهد التي كانت بالفعل أشبه بمبارة تمثيلية كما جاء المشهد قبل الأخير الذي جمع الثنائي عندما اجتمعا لمشاهدة نهائي كأس العالم بين منتخبا ألمانيا والأرجنتين وكلا منهما يشجع منتخب بلده .

في المشهد الأخير يعود المخرج من حيث بدأ حيث المكالمة التليفونية للبابا فرانسيس وإغلاق الخط في وجهه والذي كان يرغب في حجز تذكرة إلى جزيرة لامبيدوزاالمعروفة ببوابة المهاجرين وسبق أن شهدت حوادث غرق ليؤكد الفيلم على الدور الكبير الذي لعبه البابا فرانسيس (خورخي بيرجليو) تغيير مسار أداء الكنيسة الكاثولوكية والإصلاحات وتعديلات التشرفيات البابوية بجملته العظيمة .. نحتاج إلى جسور لا إلى جدارن .

 

موقع "عين على السينما" في

25.12.2019

 
 
 
 
 

"دولميت هو اسمي" تمرُّد بطعم الضحك

عبد المنعم أديب

إنَّه فيلم جدِّيٌّ يروي قصة فيلم هزليّ.. إنَّه ممثلٌ بارع يقوم بدور ممثل فاشل.. إنَّها حكاية نجاح ناجحة تروي حكاية نجاح تافهة. في هذا الفيلم براعة في تمثيل الفشل، ودقة في محاكاة الابتذال، ودراما بأدوات سريعة وجادة، وكثير من الكوميديا الفعَّالة. فيلمنا هو "دولميت هو اسمي" Dolemite Is My Name.

الفيلم إنتاج عام 2019. للمخرج كريج بروير، والمؤلفيْنِ سكوت أليكسندر، ولاري كاراسزيكي. وبطولة الممثلين ايدي ميرفي، ميكي ابس، كريج روبنسون، دافين جوي راندولف، وآخرين غيرهم ينتمي لنوع السير الذاتيَّة، مع الدراما والكوميديا. من إنتاجنتفليكس  حقق نجاحًا ملحوظًا حتى يومنا هذا، ومازال يسابق أقرانه في شباك التذاكر. مع حصوله على تقييمات نقديَّة متقدمة جدًّا.

الفيلم يروي قصة نجاح مُمثل أسود البشرة هو "روبي راي موور" في بداية السبعينيَّات في الولايات المتحدة، حيث يُقابَل بكلّ الفشل من كافَّة الجهات التي تقدَّم لها؛ ليعرض عليها ما يسمِّيه "فنًّا" من أغانٍ وعروض هزليَّة.

وهو يعتقد في نفسه أنَّه قادر على تقديم الفنّ -حسب مفهومه-. وهو كذا يتهم جميع مَن استطاعوا تحقيق نجاح من ذوي البشرة السوداء مثله أنَّهم لا يستحقون ما حققوه من نجاحات، حتى إنْ استحقوا فهو يستحق المِثل على الأقل. لقد أراد بطلنا أنْ يقدم فنًّا مُغايرًا، فنًّا نابعًا من بشرته، أو فلنقُلْ فنًّا مضادًّا لفنّ ذوي البشرة البيضاء. وها هو بطلنا يصيب بعض النجاح في تجربته؛ معتمدًا على خلفيَّة الثقافة الإفريقيَّة، ويسجِّل عروضه الهزليَّة على أسطوانات، ثم يلتمع حلم حياته الأكبر في ذهنه حينما يدخل فيلمًا شهيرًا ولا يضحك، بل يجده سخيفًا مُملاً. فيقرر أنه يستطيع صُنع فيلم سينمائيّ كامل من بطولته، مليئًا بما يراه فنًّا يريده الجمهور. ويسيطر هذا الحلم على حياته كلها، ويدخله في أزمات عديدة؛ فهل سينجو منها؟

وفنّ العروض الهزليَّة، الذي أراد بطلنا أن يقدِّمه - والذي سيستمع إليه المتفرِّج في مشاهد طويلة من الفيلم- قوامه هو الإضحاك في هزل وابتذال، واستخدام التلاعبات الكلاميَّة؛ أو ما يُسمَّى في البلاغة العربيَّة بـ"التورِيَة": وهو إطلاق كلمة ذات معنيَيْن؛ معنى قريب لا يقصده القائل، ومعنى بعيد هو المقصود. ويؤدي لك مُستخدمًا أسلوب "السجع": وهو اتفاق أواخر الجُمَل في الحرف الأخير، أو المَقطَع الأخير منها؛ مما يصنع موسيقى في الكلام. وبالعموم هذه الأسس كانت -وظلَّتْ- شائعة بشدة في كل الفنون الشعبيَّة في الثقافات المُتعددة، كما أصبحت أيضًا أساسًا لفنّ "الرَّاب" الذي فيه يؤدي المُؤدِّي جُملاً في أداء سريع للغاية، مُستخدمًا السجع، مُحاولاً إحداث توازن بين الجُمَل حتى يتوهَّم السامع تأثير "الشِّعر" -أيْ الوزن والقافية-.

هذا "الفنّ" الغريب الذي يُطالعك في الفيلم؛ هو صيحة لإعلان التمرُّد، للصراخ بأنّ ذوي البشرة السوداء موجودون على قيد الحياة، وها هم ينتجون فنًّا يسخر من تأدُّب الرجل الأبيض الزائف، الذي لا يرونه إلا في الدعايات وفي الأفلام.

ورغم كون الفيلم سيرة ذاتيَّة من ثيمات قصص النجاح إلا أنّ المُؤلِّفيْن لمْ يلجآ إلى هذه الأساليب الرخيصة والمكررة في استجلاب تعاطف لشخصيَّة البطل. بل نراهما قد فعلا ضدّ هذا!! فقد اعتمد النص على:

1-  الدخول السريع والمباشر إلى قلب الحدث، دون إطالة أو حشو. لنرى في موقفيْن أو ثلاثة كل ظروف البطل، وكذلك إلقاء الضوء على مشكلات السود.

2-  لمْ يلجأ إلى تبرير نوعيَّة "الفن" المُقدَّم بالأسلوب الخطابيّ، بل من خلال بعض الحوارات الدائرة بين البطل ومؤلف الفيلم، وبينه وبين شركات الإنتاج. ثم ترك المتفرج يرى هو ويحلل.

3-  استطاع أن يحافظ على دراميَّة الفيلم، ولمْ يُذِبْ هذه الدراميَّة في بحار الكوميديا أو الابتذال الفنيّ الذي تمّ تقديمه في القصة الحقيقيَّة للرجل "روبي موور". وهذه أصعب العناصر في صناعة الفيلم. وهي التي أحدثت التقدير والتعاطف من جانب الجمهور، رغم هذا الكمّ من الابتذال الظاهر على الشاشة.

4-  استخدام ذكيّ وسريع لبعض الجمل التي تظهر القيمة الحقيقيَّة التي أراد صُنَّاع العمل أن يقدموها بتقديمهم هذه السيرة الذاتيَّة.

وجاء الإخراج عنصرًا داعمًا لنجاح الفيلم. من أوَّل اختيار طاقم العمل، إلى النقل المناسب والمُعبِّر لظروف عصر السبعينيَّات في "الولايات المتحدة الأمريكيَّة"، إلى الحفاظ على قدر من الكوميديا الذكيَّة، والحفاظ على الإيقاع السريع في كل فصول الفيلم؛ مما ساهم كثيرًا في التفاعل معه، ومما ناسَبَ محتوى القصة المُقدَّمة.

ولا شكَّ أن هذه العناصر كلها ما كان لها أن تتحقق بغير واحد من أهم أعمدة الفيلم؛ هو الممثل البارع ايدي ميرفي الذي عرفه الملايين من الغرب والشرق، واستطاع أن يضحكهم بقدرته الفطريَّة على الإضحاك. وفي هذا الفيلم استطاع أن يجعلهم يعتبرون الشخصيَّة التي يمثلها دون أنْ يسلك الطرق الرخيصة التي قد يلجأ إليها غالب الممثلين في هذه النوعيَّة من الأفلام. ولولا الحيويَّة الشديدة التي يتمتع بها "ميرفي" ما كان للفيلم أن يكتسب نصف ما اكتسبه من تقييم جماهيريّ ونقديّ. وأنَّك ستعجب عندما تعلم أن الممثل الذي يؤدي كل هذه الأداءات الجسديَّة والنفسيَّة قد شارف على الستين من عُمره. وهنا يبرز اجتهاد الممثل وجديَّته في اتخاذ عمله، واحترامه لمتطلبات هذا العمل.

وستخرج من هذا الفيلم دون أن تفارقك قولة ايدي ميرفي الأخيرة: "اجعلوا القمر هدفكم؛ فإنْ لمْ تصلوا إليه فتشبَّثوا بالنجوم".

 

موقع "عين على السينما" في

26.12.2019

 
 
 
 
 

"الباباوان" لفيرناندو ميريليس: بروباغندا التعاطف

شادي لويس

للبروباغندا تاريخ طويل يكاد أن يكون تاريخ الفن نفسه، فالجميل لطالما أثبت أنه أفضل الوسائل للإقناع. والبروباغندا، بمعناها الأبعد من مجرد الدعاية السياسية المباشرة والعمدية، أي كمدى واسع من الأدوات غير الواعية بغالبيتها، تعمل دون قصدية لترسيخ القيم والمعاني والمعايير والمؤسسات القائمة، وصياغتها جمالياً وتكرارها، وجعلها حاضرة دائماً بوصفها الطبيعي والبديهي.

بحسب تعريف فضفاض كهذا، فإن صور الإله الملك على جدران المعابد، وموسيقى موتسارات الكنسية، مع اللوحات الشخصية والعائلية لملاك الأراضي الهولنديين وأغاني الإذاعة المصرية عن الحب أو الوطنية، تضحي جميعها وجهاً من وجوه البروباغندا لسلطة الدين أو العاهل للملكية الخاصة والإيديولوجيا الفردية أو الحب الغيري.

في فيلمه "الباباوان" يقدم المخرج البرازيلي فيرناندو ميريليس، نموذجاً ملفتاً للبروباغندا الممتعة، بمعناها الضمني العميق ومتعدد الأوجه. يبدأ الفيلم من وفاة البابا يوحنا بولس العام 2005، والخلوة الانتخابية التي تلتها لاختيار وريث الكرسي الفاتيكاني. للوهلة الأولى يبدو خط الأحداث سردية شكسبيرية مثالية، حول عقدة استلام السلطة والصراع من أجلها.

البصمة المسرحية واضحة، فالفيلم مقتبس عن مسرحية "البابا" لأنتوني ماككارتين؛ الحوارات الثنائية الطويلة، تصميم المشاهد الداخلية كعرض من فصل واحد لممثلين فقط، مواجهة بين الخير والشر، أو بلغة المؤسسة الحديثة بين المحافظين والإصلاحيين، الحمائم والصقور. الألماني الشره للسلطة المتزمت والمزهو بنفسه جوزيف راتزنغر (البابا بنديكت السادس عشر لاحقاً) في مواجهة الأرجنتيني خورخي ماريو بيرجوليو (البابا فرانسيس حالياً) المتواضع خفيف الدم والقريب من الناس والذي لا يرغب بالمنصب البابوي.

كان لتلك المعادلة القطبية لصراع الأبيض والأسود أن تنتهي بشكل سيء فنياً، لو مُد الخط على استقامته، خاصة أننا نعرف تطور الأحداث مسبقاً. فبنديكت الذي يقوم بدوره أنتوني هوبكينز، سينجح في الوصول إلى السلطة التي سعى لها، ولكن لاحقاً سينتصر الخير باضطراره للتنازل عن المنصب بعد سلسلة طويلة من الفضائح المالية والجنسية، ويأتي بعده فرانسيس الطيب، الذي يقوم بدوره الويلزي جوناثان برايس، كما يجب أن يعود الحق لأصحابه في نهاية قصة مليئة بالعبرة الأخلاقية.

لكن ميريليس، مخرج الفيلم وصاحب "مدينة الرب"، سريعاً ما يتجاوز تلك العتبة الطوباوية، في انعطافة واسعة وتدريجية، بل وأكثر من انعطافة لاحقاً. إذ يتكشف الوجه الانساني لبنديكت المتزمت والكريه، رويداً رويداً، ليظهر كعازف البيانو المرح وهو يلعب أغاني الملاهي الألمانية قبل الحرب، أو كمسن وحيد ومعزول يأكل وحيداً يتابع مسلسلاً نمساوياً سخيفاً عن كلب يحل سلسلة من الجرائم، وهو يعيش صراعاً مع شكوكه الداخلية تمزقه الأسئلة الإخلاقية بخصوص الفساد المستشري في كنيسته.

فرانسيس القديس أيضاً، يطارده ماضيه، حبه الأول وهروبه من العالم، ولاحقا علاقته المشينة بالديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين، شعوره بالندم والعار تجاه مسؤوليته عن اعتقال رفاقه وتعذيبهم. بالتوازي تفقد علاقة الرجلين خطيتها، لا بتحول العداء لصداقة فقط، بل يتفهم كلاهما ضعف الآخر، سقوطه الإنساني الأصيل. ويتحول كلا منهما للدفاع عن الآخر أمامه، وبالنيابة عنه. تتبدل الأدوار فيضحى بنديكت راغبا في التنازل عن كرسيه الباباوي، وغريمه السابق فرانسيس هو من يتوسل إليه للبقاء.

في مصالحة تاريخية، ومشهد إنساني خفيف الظل يجلس الباباوان ليشاهدا مباراة الأرجنتين أمام ألمانيا في كأس العالم، بحماس طفولي بريء. يترك الفيلم مشاهديه بشعور عذب من الحب تجاه أبطاله، يتحول الجميع لأخيار في النهاية، لا لأنهم كاملين، بل العكس تماماً. بروباغندا البطل النبيل وممثل الخير المطلق بنسخها السوفياتية غير مجدية اليوم. بل البطل الذي يشبهنا، الضعيف والمتردد والداعي للشفقة، هو الاكثر حميمية والأقرب للتصديق. الفاتيكان مؤسسة خيرة، لا لانها طاهرة بل العكس، الاعتراف بدنسها هو ما يطهرها. صراعات المؤسسة الروحية الكاثوليكية تنتهي لمصالحة في النهاية، لصالح الخير بالطبع، جرائم اغتصاب الأطفال والتغطية عليها وفضائح الفساد المالي التواطؤ مع الديكتاتوريات العسكرية، كل هذا يمكن غسله ببساطة عن سمعة الكنيسة، واختزال المؤسسة وشخصنتها في عدد محدود من الأفراد ومن ثم أنسنتهم تقنية هائلة التأثير. ويتورط المتلقي في "التعاطف"، الشعور الغامر والأكثر حميمية في ما يمكن أن يصل إليه الفن. يمكن تسويغ التعاطف مع أفراد بمشقة أقل، عن تبرير التعاطف مع المؤسسات التي ينتمون لها، ولاحقا يتم دمج الأثنين معا.

يقدم "الباباوان" نموذجاً بديعاً لبروباغندا الإنسان الساقط، المفهوم الكاثوليكي الأصيل، في عمل قادر على إثارة حزمة من المشاعر المتناقضة وبعض الدموع والكثير من الضحكات التي تغسل القلب، وفي الوسط من كل هذا أو تحته، يتم ضمنياً ترسيخ المؤسسة القائمة جمالياً وغسيل جرائمها بهدوء ولطف يصعب مقاومته.

 

المدن الإلكترونية في

28.12.2019

 
 
 
 
 

انسجام آسر بين البطلين

«البابوان» يتجنب المواعظ الدينية ويبرز الجانبين الترفيهي والعاطفي

المصدر: عرض: عبدالله القمزي

في فيلم The Two Popes «البابوان»، وهو آخر فيلم نعرضه لـ«نتفليكس» هذا العام، الذي ينافس في خانة أفضل فيلم دراما ضد «الإيرلندي» و«قصة زواج» وكلاهما من «نتفليكس»، في منافسات الـ«غولدن غلوب» الشهر المقبل، نرى البابا وكاردينال يسوعي يمشيان في حديقة. وأثناء مشيهما في المنزل الصيفي البابوي، يحاول الكاردينال الأرجنتنيني خورخي بيرغوليو (جوناثان برايس) تقديم استقالته. يتجاهل البابا الألماني بنديكت 16 (أنثوني هوبكنز) محاولة الاستقالة، ويشغل الكاردينال في حوار طويل وشيق عن اختلافاتهما الشخصية.

البابا محافظ جداً ويستنكر على الكاردينال مشاركته في رقصة بلاده الشهيرة «التانغو»، ويستغرب إعجاب الكاردينال بأغاني فرقة «آبا» السويدية. خلال هذا الجزء، الذي تليه مشاهد حوارية مكتوبة بشكل جيد، يعطي «البابوان» إشارات واضحة إلى أن الفيلم يصب في خانة أفلام «حوارات غريبي أطوار» دأبت هوليوود على صنعها في فترات سابقة.

استقالة البابا بنديكت، التي حصلت لاحقاً، تركت له مسمى «بابا فخري»، بينما الكاردينال بيرغوليو أصبح البابا فرانسز الحالي. و كلاهما له إرث يحمل كلمة أول، فالبابا فرانسز أول بابا غير أوروبي منذ القرن الثامن والأول إطلاقاً من أميركا الجنوبية. بينما بنديكت 16 أول بابا استقال من منصبه منذ عام 1415.

بدل الغوص في التفاصيل التاريخية والمواعظ الدينية، يصنع كاتب السيناريو أنثوني مكارتن، والمخرج البرازيلي فيرناندو ميريليس، مشاهد مضحكة وظريفة عن اللحظات الأخيرة للبابا بيندكت قبل استقالته، والكاردينال بيرغولو قبل خلافته الأول. أفضل لحظات المشهد الأول تتركز حول إحباط الكاردينال، الذي يصوره الفيلم بشكل كوميدي، لأننا نعرف أن البابا لن يوقع على الاستقالة.

يمضي «البابوان» وهو جوهرياً فيلم شخصيتين أساسيتين

بالقدر نفسه من الأهمية، بنبرة خفيفة كوميدية بعيداً عن الخط القاتم الذي اعتمده فيلم «فروست/‏ نيكسون» مثلاً. نبرة الفيلم جذابة وقليلة الجدية، والنتيجة ابتهاج المشاهد وضحكه أثناء الحوارات، باستثناء المشاهد الاسترجاعية التي صورها ميريليس بالأبيض والأسود، وهي قاتمة أكثر من مشاهد الخط الرئيس للفيلم.

يوظف ميريليس الذي أخرج «مدينة الرب» 2003، وThe Constant Gardner عام 2005، عدة أساليب فنية لجذب الانتباه دون إحداث تشتت للمشاهد. إضافة إلى مشاهد الأبيض والأسود المذكورة التي تصور الحياة الماضية للبابا فرانسز في الأرجنتين، إلى مشاهد موسيقية غير متوقعة تصدح بلحن أغنية «الملكة الراقصة» لفرقة «آبا». كما أن البابا بيندكت يرتدي جهازاً يوبخه بعبارة «استمر في التحرك» عندما يجلس، وهذه لمسات للتقليل من تقديس الشخصية وإسباغ التواضع عليها وأنسنتها قدر الإمكان لإدخالها في قلوب المشاهدين.

أفلام الشخصيات غريبة الأطوار تختلف باختلاف الممثلين وأساليبهم، فلو كان لدينا شرطيان سنراهما متفاعلين مع مشاهد الحركة في الفيلم من جهة، ومع بعضهما بعضاً من جهة ثانية، ومع الكاميرا من جهة الثالثة. لكن في حالة «البابوان» لدينا ممثلان عجوزان وكلاهما يتمتعان بخبرة طويلة (المصادفة أن كلاهما بريطانيان)، في هذه الحالة نرى انسجاماً آسراً بينهما، كلاهما يعرف متى وكيف يلقي حواره في علاقة أخذ وعطاء لا نراها متقنة بهذا الشكل في أي فيلم. و كلاهما يعرف تماماً متى يجذب الانتباه لنفسه والتغطية على الآخر ومتى ينسحب ليبرز الآخر.

من جهة أخرى، عندما يقزم ميريليس، والمصور سيزار شارلون، الممثلين في الإطار لإبراز محتوى الغرفة معهما، فإن أداءهما ينخفض في انسجام تام مع الكاميرا، وهذه من أجمل لقطات الفيلم الفنية. رغم أن حضور هوبكنز يطغى أحياناً على برايس، إلا أن الأخير يتميز بالدور الأعمق.

بحذاقة، ينقل المخرج الفيلم إلى أحداث الأرجنتين عام 1976 عندما أطاحت الديكتاتورية العسكرية اليمينية بالرئيسة إيزابيل بيرون، ويدعم هذه الجزئية أداء جميل من خوان مينوخن، الذي يؤدي دور بيرغولو الشاب، وبالنظر إلى الجزئيتين، فإن برايس يحمل الوزن العاطفي للفيلم على كتفيه.

والسبب أن البابا فرانسيز نادم على أخطاء الماضي، وهي التي تؤثر في فلسفته عندما كبر، يعطي برايس هذه المشاهد ثقلاً نابعاً من قلبه، ولهذا السبب تلامس عواطف المشاهد بشكل مباشر ومحسوس.

رغم أن غرض الفيلم الأول هو تقديم الترفيه في رسالة حب من صنّاع الفيلم إلى البابا فرانسز، على وجه الخصوص، نظراً إلى مواقفه المنفتحة على المتغيّرات السياسية التي طرأت في العالم، وقرارات تصويب مواقف الكنيسة الكاثوليكية منها، أي العودة عن مواقف بنديكت المتحفظة إلى مواقف أكثر ليبرالية، فإن الفيلم لا يخجل أبداً من ذكر الفضائح التي أحاطت بالكنيسة الكاثوليكية، وأولها فضيحة التحرش بالأطفال.

لكن يبدو أن ميريليس اتخذ قراراً فنياً بقطع الحوار عند وصوله إلى تلك الفضيحة لتجنب إفساد نبرة الفيلم الخفيفة، وهناك مشهد لمقابلات أرشيفية لأشخاص يصفون البابا بنديكت بالنازي، ونعتقد أن هذا أكثر جزء يعكس وجهة نظر صنّاع الفيلم.

نتفهم أن المخرج والبابا أبناء القارة نفسها، وربما يكون هذا سبب التركيز على قصة البابا فرانسز، لكن هناك مأخذ عليه بعدم التوسع في قصة البابا بنديكت، وكيف تشكلت شخصيته، بدل أن يظهر في صورة الرجل العجوز المحافظ الذي عليه أن يرحل ليحل مكانه شخص أكثر انفتاحاً. لكن ذلك لم يفسد «البابوان» أبداً، ولايزال فيلماً جيد الصنع يتجاوز الساعتين بقليل. يحتوي الفيلم على مونتاج سريع عن الانتخابات التي تحدث داخل الفاتيكان قبل انتخاب البابا الجديد، وهذا المونتاج يحسب لمصلحة ميريليس، الذي حوّل إجراءات طويلة ومملة إلى لقطات مثيرة للاهتمام وسريعة، وقد تحمل معلومات جديدة لمعظم المشاهدين عما يحدث داخل المجمع البابوي.

ينتهي الفيلم بأظرف لقطاته، وهي جلوس البابوين معاً لمشاهدة مباراة نهائي كأس العالم، التي أقيمت في البرازيل عام 2014 بين منتخبي بلادهما ألمانيا والأرجنتين، وتفاعلهما مع أحداثها، والتي انتهت بفوز ألمانيا بهدف نظيف سجله ماريو غوتزه.

- «ينتهي الفيلم بأظرف لقطاته وهي جلوس البابوين معاً لمشاهدة مباراة نهائي كأس العالم، التي أقيمت في البرازيل عام 2014 بين منتخبي بلادهما».

- «نبرة الفيلم جذابة وقليلة الجدية،  والنتيجة ابتهاج  المشاهد وضحكه  أثناء الحوارات».

 

الإمارات اليوم في

29.12.2019

 
 
 
 
 

«البابوان» نظرتان مختلفتان إلى الدين على نتفليكس

فرناندو ميريليس: أيتها الكنيسة... مغفورة لك «خطاياكِ»

شفيق طبارة

يعتمد الفيلم كلياً على الأداء التمثيلي لأنتوني هوبكنز (البابا بنديكتوس) وجوناثان برايس (البابا فرنسيس)

يضيء «البابوان» على الجوانب الأكثر إثارة للجدل في الكنيسة الكاثوليكية، مصوّراً العلاقة بين البابا فرنسيس والبابا بنديكتوس السادس عشر. لكن الأهم في الشريط الذي طرح أخيراً على منصة «نتفليكس» أنّه يجمع أحد أهم المخرجين البرازيليين المعاصرين، مع النيوزلندي انتوني مكارتن الذي كتب مسرحية «البابا» التي اقتبس منها الفيلم. يقدّم الأخير نظرتين إلى الدين: الأولى يمثّلها البابا فرنسيس المصلح الارجنتيني المحبّ لكرة القدم وفرقة «آبا»، والثانية يعكسها المحافظ إلى حدّ التزمّت بنديكتوس الذي يحب تناول الطعام وحده ولا يفهم النكتة ولا يعرف «البيتلز»!

قبل ست سنوات، صدم البابا بنديكتوس السادس عشر الفاتيكان والعالم بقرار استقالته والتنازل عن العرش البابوي. بالتالي، أصبح أول بابا «سابق» على قيد الحياة منذ القرن الخامس عشر. بعد الاستقالة، انتخب الكاردينالات الـ120 المخوّلين بالاقتراع البابا الجديد، رئيس أساقفة بيونس آيرس خورخي ماريو بيرغوغيلو المعروف حالياً باسم البابا فرنسيس. كلا الرجلين مختلفان تماماً، سواء في شخصيتهما أو في المجال الفلسفي الديني. هذا التباين على وجه التحديد هو الإلهام الرئيس لفيلم المخرج البرازيلي فرناندو ميريليس «البابوان» الذي طُرح أخيراً على نتفليكس. يضيء «البابوان» على الجوانب الأكثر إثارة للجدل في الكنيسة الكاثوليكية، مصوّراً العلاقة بين البابا فرنسيس والبابا بنديكتوس السادس عشر. صحيح أنّ الفيلم يستند إلى أحداث واقعية، إلا أنه خيالي كتبه أنتوني مكارتن، مظهراً اثنين من أقوى الوجوه في الفاتيكان.

قبل الكلام عن الفيلم، لا بد من الإضاءة على عاملين أساسيين خلف الكاميرا؛ الأول البرازيلي فرناندو ميريليس، أحد أهم المخرجين البرازيليين المعاصرين، الذي لمع صيته عالمياً بتحفته «مدينة الرب» (2002). أما الثاني، فهو الكاتب النيوزلندي انتوني مكارتن الذي كتب مسرحية «البابا»، التي اقتبس منها الفيلم. مكارتن بدأ بكتابة السيناريو في عام 2008 تقريباً. هو متخصّص في كتابة أفلام السير مثل «نظرية كل شيء» (2014) عن حياة العالم ستيفن هوكينغ، و «الساعة الأشد ظلمة» (2017) عن حياة وينستون تشرشل. وفي العام الماضي، كتب فيلم «بوهيميان رابسودي» عن فرقة الروك البريطانية الشهيرة «كوين» ومغنّيها الرئيسي فريدي ميركوري.

في فيلم «البابوان»، جاء تعاون ميريليس ومكارتن متناقضاً. ميريليس يجيد تقديم سينما بتفاصيلها الجميلة، ومكارتن قدّم مراجعة سينمائية لأحداث حقيقية وأضاف بعض الدراما عليها، تاركاً الشخصية العظيمة التي يكتب عنها فارغة بعض الشيء، ورأينا ذلك في أفلامه السابقة وهنا أيضاً.

يستجيب «البابوان» لمفهوم الفيلم الجماهيري، حيث يبدو كل شيء مصمّماً لترك المشاهد في مزاج جيد بدلاً من تقديم رؤية أكثر وضوحاً للحظة رئيسية في تاريخ الدين المسيحي. يعتمد الفيلم كلياً على الأداء التمثيلي لأنتوني هوبكنز (البابا بنديكتوس) وجوناثان برايس (البابا فرنسيس) وهو الميزة الأكثر تحفيزاً لإكمال الفيلم. في الشريط، نشاهد مرة أخرى المزيد من الشيء نفسه في هذا الموضوع. وهنا الحديث بالطبع عن صدام لا مفر منه بين نظرتين دينيتين، محافظة وتقدمية، ممثلتين في رأسين للكنيسة: الأول البابا فرنسيس المصلح الارجنتيني المحب لكرة القدم وفرقة «آبا»، المتواضع والمحبوب والليبرالي، والصورة الثانية للمحافظ إلى حدّ التزمّت بنديكتوس الذي يحب تناول الطعام وحده ولا يفهم ماهية النكتة ولا يعرف من هم «البيتلز».

الفيلم عبارة عن محادثات طويلة بين «البابوان»، تفاهم بين القائدين الأخيرين للكنيسة الكاثوليكية. خصمان محكوم عليهما بفهم أحدهما للآخر من أجل مستقبل مئات الملايين من أتباع الكاثوليكية. هذه المحادثات والحوارات والمواقف التي تبدو متناقضة بين المنهجين الدنيويين لـ«ممثلي الله على الأرض»، تقدم لحظات قليلة جداً من الصدق (محادثة حول كيف أنّ مشكلة المجتمع الرئيسية هي أننا توقفنا عن الاستماع بعضنا إلى بعض، أو اعتراف بيرغوغيلو بخطأ الكنسية في ما يخصّ الاعتداءات الجنسية، وأيضاً اعترافه بالتواطؤ مع الديكتاتورية). ولكن في الوقت نفسه، ضاعت فرصة لتقديم محادثات عميقة لبعض القرارات الأكثر إثارة للجدل في الفاتيكان. مثلاً، عندما يتناول الفيلم قضايا مثل المثلية الجنسية والاعتداءات الجنسية على الأطفال من قبل الكهنة، نشعر كما لو أنه يريد تغيير الموضوع بسرعة خوفاً من إزعاج المشاهد والكنيسة. هذا الجبن النسبي ليس العيب الوحيد في الفيلم، بل إننا ننحصر في حبكة فرعية طويلة بعض الشيء تأتي على شكل ذكريات تسافر لأكثر من ثلاثين عاماً الى الوراء، للحديث عن بداية بيرغوغيلو في الكنيسة ودوره خلال الديكتاتورية الأرجنتينية. هذا «الفلاش باك»، يؤكد لنا أن الفضيلة الوحيدة في الفيلم هي الممثلون المخضرمون بكيمياء متفجرة والابتعاد عنهم خلال الفيلم خطأ كبير.

الشريط عبارة عن دعاية لبابا إنساني (فرنسيس) وصكّ براءة للبابا القديم (بنديكتوس)

الفيلم عادي كوميدي مبسّط وسخيف في بعض الأماكن. لا شيء خفياً هنا، وكل شيء يتم التأكيد عليه بشكل مفرط. يحلّق الفيلم ويمر مرور الكرام على جميع القضايا الرئيسية في الكنيسة والتاريخ من دون الغوص في أي منها. يجعل البابوان يتحدثان عن الأشياء التي نعرفها بشكل روتيني. حتى الفيلم بدا روتينياً، أفضل لحظاته هي المشاهد المرتبطة بالمواقف الهزلية التي يمر بها بيرغوغيلو (طلب البيتزا، الرغبة في شراء تذكرة طائرة...). أضف إلى كل هذا الانزعاج الناتج عن صراع اللهجات واللغات... هكذا يفشل «البابوان» في منح عمقٍ لقصته. باختصار، هو عبارة عن دعاية لبابا إنساني وصكّ براءة للبابا القديم، ومقاطع تصلح لتكون فيديو لمنظمات غير حكومية.

«البابوان» فيلم يمشي جنب الحيط، إلى درجة أنه ليس من الصعب حتى الاعتقاد بأن واحدة من أكثر المنظمات الدينية المسيطرة على هذا الكوكب أمكنها الوصول الى رغبات الكاتب والمخرج وتقديم فقط ما يرضيها ويرضي أتباعها. يصرّ الفيلم على تقديم البابا فرانسيس كأفضل شخصية في الكنيسة، محبوب بشكل كبير ومرح، ويعطي بنديكتوس نعمة التعاطف والشفقة لإنسان فقد البوصلة. لكن لا يمكن الا التوقف عند جودة سينما ميريليس بتفاصيلها الدقيقة والتوليف السريع (مشاهد الانتخاب، والمزج بين المشاهد الحقيقية والمصورة) وكيف سمح لنجومه بالسيطرة على الشاشة بروح خفيفة.

«البابوان» فيلم سيرة متساهل مع أداء جميل، لا يفشل في ترك طعم جميل في الفم. لكن عند مغادرة الصالة أو إيقاف تشغيل نتفليكس، تظهر الحقيقة فجأة. قد يرغب المرء في أن تكون أمور الحياة والدين بسيطة، وحلها سهلاً كما يظهره هذا البابوان، وأن تكون توبة الكنيسة حقيقية وكافية. نتمنّى، ونودّ أن نصدق.
* The Two Popes
على نتفليكس

 

الأخبار اللبنانية في

30.12.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004