كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

الحدث السينمائي الأول في فرنسا

فيلم "جوكر".. آو "جعلوني مجرما"..

فن راق.. أم بضاعة تجارية استهلاكية، مفبركة، ومزيفة، و رخيصة؟

بقلم صلاح هاشم

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الثانية والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

من أقوى الأفلام الأمريكية التي خرجت منذ يومين فقط للعرض التجاري في فرنسا فيلم " جوكر " للمخرج الأمريكي تود فيليبس، وبطولة الممثل الأمريكي القدير يواقيم فينيكس، ويشاركه في التمثيل العملاق روبير دو نيرو، وكان من أقوى الأفلام المنتظرة، التي يتلهف الفرنسيون هنا على مشاهدتها، لسببين:

أولا : بسبب الضجة الإعلامية الرسمية التي أثارها الفيلم " المثير للجدل" حين خرج للعرض في أمريكا، وانقسام النقاد والجمهورالأمريكي بشأنه، ووصفه، بآنه لايمت بصلة للفن، بل مجرد " بضاعة" تجارية استهلاكية، تحض على العنف الدموي، والثورة وقتل الأثرياء، وإثارة الفتن في البلاد..

وضم الفيلم الى " القائمة السوداء" للأفلام الأمريكية التي لايوصى بمشاهدتها، تلك الأفلام مثل فيلم " ولدوا ليقتلوا " من إنتاج عام ١٩٩٤ للمخرج الأمريكي أوليفر ستون، التي تمجد الشر، وتغري فئة من الشباب والعزّاب الأمريكيين الذين يعيشون بمفردهم ويعانون من عذابات الوحدة، على تقليد بطل الفيلم في توجهاته وقناعاته وسلوكياته " الشيطانية {،حيث يخلق الفيلم – من وجهة نظرهم - من أمير الجريمة والشر" جوكر" في الفيلم بطلا، بل " أسطورة" للشر والرذيلة، في مجتمعات الوفرة الليبرالية الأمريكية الإستهلاكية المحافظة..

أما السبب الثاني الذي جعل الفرنسيين يتلهفون على مشاهدة الفيلم،المثير للجدل، فهو حصوله على جائزة " الأسد الذهبي" ،في مهرجان فينيسيا السينمائي العريق، وترشيح بطل الفيلم يواقيم فينيكس، للحصول على "أوسكار" أحسن ممثل في حفل الأوسكار القادم..

غير أن فيلم " جوكر " الجديد، لايريد آن يصنع للشر بطلا ونموذجا يحتذى، بل ينزع عن جوكر في الفيلم الجديد، كل تلك القدرات والمقومات، التي جعلت منه بطلا للشر في أفلام باتمان السابقة، ويضعه في إطار تلك الظروف السياسية والاجتماعية والتاريخية – فترة الثمانينات- التي صنعته، في تلك المدينة الخيالية " جوتام"، حيث تقع أحداث الفيلم، ويجعل منه إنسانا وبشرا من جديد، وإبنا لتلك الظروف التي جعلت منه مجرما..

وهي تلك الظروف التي لاتختلف كثيرا، كما يظهر في الفيلم " الفطن "عن تلك الظروف التي يعيشها المجتمع الأمريكي برئاسة دونالد ترامب الآن، وبكل ما فيه من تناقضات، وإهمال للمرضى الذين يطلبون المزيد من العلاج كما في حال " جوكر " المريض المجنون في الفيلم، وإستغلال فاضح للطبقات الفقيرة المهمشة والمهاجرين، وعنف دموي قبيح، وكره للأجانب.. ..

يقدم الفيلم إذن نوعا من " السيرة الذاتية" بواقعية مذهلة ،لشاب مريض ويعالج من الجنون، وكان يتمنى فقط " أن يحبه الناس، وأن يصبح ممثلا فكاهيا مشهورا في عرض فكاهي ضاحك في التليفزيون " غير أن ظروفا موضوعية، شاءت غير ذلك، وتعمل تلك السيرة وتشتغل في الفيلم على" تفكيك" شخصيته، من خلال التفتيش في أصله، وفصله، تاريخه وذاكرته..

يعود الفيلم الجديد- كمبحث وتحقيق في " هوية " الجوكر - الى فترة الثمانينيات، في مدينة " جوتام"- التي تشبه مدينة نيويورك - ويحكي لنا عن شباب "جوكر " ،والمدينة القذرة التي أنجبته ، والظروف التي صنعته، وجعلت منه مجرما ،في نظر سادة المدينة وحكامها،و " بطلا " للمعذبين في الأرض، من الخدم والعبيد، المحرومين من الحب والرعاية الطبية والأمن..

فيلم" جوكر" أو " جعلوني مجرما" المحمل بالعديد من الإشارات والارتباطات الفنية، ويحيل في بعض مشاهده الى أفلام للمخرج الأمريكي العملاق مارتين سكورسيزي مثل فيلم " سائق التاكسي" ..

هو أحد أهم الآفلام التي تعرض لوجه أمريكا القبيح، خلف القناع ،الآن ، حيث يصبح الموت فقط، كما يقول " جوكر " في الفيلم ، وبسبب الظروف، هو الشيء الوحيد على مايبدو، الذي يمنح لكل الفقراء، والمظلومين، والمهانين، والمعذبين في الأرض، من أمثاله، قيمة ومعني، للحياة ذاتها، في الأرض الخراب..اللعنة..
"
جوكر " فيلم " سياسي " رائع، يشمخ فيه يواقيم فينيكس بتمثيله ليصبح " أيقونة"، ويستحق المشاهدة عن جدارة
..

 

سينما إيزيس في

12.10.2019

 
 
 
 
 

«الجوكر»: ورقة الـ«دي. سي» الرابحة

عبدالرحمن جاسم

نجح فيلم «الجوكر» في تصدر شباك التذاكر الأميركي منذ دخوله إلى سباق الأفلام ونزوله إلى صالات السينما قبل أيامٍ؛ ويمكن اعتباره الفيلم الأنجح لشركة «دي سي» المنتجة للكوميكس منذ سنواتٍ طويلة، إذ تفوق على نظرائه من شركة «مارفل» المنافسة وبمقدرةٍ كبيرة. ويذكر أن الفيلم حقق أهم جائزة في مهرجان البندقية السينمائي في دورته الحالية الواحدة والسبعين وهي جائزة الأسد الذهبي التي تعطى لأفضل فيلم.

تنجح أفلام السيرة، حتى الخيالية منها، في أن تكون جذابةً إلى حدٍ كبير، خصوصاً حين تضم بين جنباتها واحداً من أهم الـmethod actors المتواجدين في العالم حالياً خواكين فينيكس. يأتي فيلم «الجوكر» (The Joker) (إخراج تود فيليبس وكتابة فيليبس نفسه وسكوت سيلفر) ليروي قصة حياة أحد أشهر «الأشرار» (villains) في القصص المصوّرة (الكوميكس) «الجوكر» العدو اللدود والأهم للرجل الوطواط (Batman). إذاً نحنُ أمام قصة حياة «متخيلة» لشخصيةٍ «متخيلة» لكنها منذ اللحظة التي قام بها كاتب الكوميكس الإنكليزي المهم جداً في عالم الكوميكس آلان مور (بالتشارك مع الرسام براين بولاند) بخلق «قصة ولادة» لهذه الشخصية من خلال قصة «المزحة القاتلة» The Killing Joke في العام 1988، حتى تغيّرت وأصبحت واحدةً من أهم شخصيات الكوميكس عبر العصور: إنها فتنة أن تعرف لماذا هذا القاتل يقتل، أصل هذه الجريمة التي لا تنتهي، وأصل هذا الأمر منذ اللحظة الأولى. ولربما كانت تلك المرة الأولى في تاريخ الكوميكس، التي تخصص فيها قصة كاملة لشريرٍ دون أن يكون للبطل إلا دورٌ جانبي غير ذي قيمة.

يرسم الفيلم قصة حياة «آرثر فليك» الذي يعيش مع والدته ويعاني من عدّة أمراضٍ نفسية، أبرزها التهيئات والتخيلات فضلاً عن حالة خاصة من عدم قدرته على السيطرة على ضحكاته، إذ يضحك بطريقةٍ هستيرية ذات صوتٍ مرتفع. يبرع فينيكس في تقديم الشخصية بطريقةٍ شديدة الإبهار، ينجح كثيراً في إعطاء الدور الكثير من الأبعاد النفسية، مما يذكرنا بالإداء المذهل لذات الشخصية والتي أداها الأسترالي الراحل هيث ليدجر في فيلم «فارس الظلام» في العام 1988؛ ذلك الإداء المميز الذي أودى بحياته لاحقاً. اخراجياً تبدو «كادرات» ومشاهد المخرج الأميركي تود فيليبس شديدة الإحترافية، إذ ينجح في أحد المشاهد في «تعريف» مشاهد الصورة والألوان وتدرجاتها، فضلاً عن خلق جو «كئيب» للغاية في الفيلم من خلال مزج التفاصيل الصغيرة للشخصية مع محيطها: كألوان الحوائط، إذ ليس في الفيلم حائطٌ ليس «ملوناً» أو مرسوماً عليه على نحوٍ عشوائي. الشخصية عينها تظهر عشوائية طوال الوقت، تتحرك وتتصرف كما لو أنّها معلقة بخيوطٍ وهمية ودائماً لا منطقية في تصرفاتها، تحركاتها، أو حتى ما تقوله. بذل فينكس الكثير من الجهد للدخول إلى عالم الشرير الأكثر «خبلاً» في عالم الكوميكس، حتى إنه يمكن ملاحظة «جسده» الذي فقد وزناً كبيراً مما جعله يبدو كما لو أنه يعاني من مرض فقدان الشهية الشهير Anorexia؛ إذ تبين عظام ظهره وصدره. منذ اللحظة الأولى للفيلم يبدو البنيان الدرامي قوياً ومتماسكاً بشكلٍ مذهل: إنها الحكاية الأشهر في الدنيا: البطل الذي تسحقه الدنيا؛ كل شيء يدير ظهره -كل الوقت- لبطلنا: الأم الذي تحقنه كل الوقت بمعلوماتٍ غير حقيقية حول حياته ووالده، العمل الوحيد الذي يحاول إجادته لكنه يفشل دائماً في ادائه، الأدوية التي يأخذها والتي سرعان ما توقفها الدولة بحجة أنه لا أموال لهكذا أنواع من الخدمات العامة، الوالد الذي أخبرته أمه بأنه والده والذي رفضه وطرده شارحاً له بأن «والدته تزيف الحقيقة» و«متوهمة»؛ المجتمع الذي يعذبه ويهينه وحتى يضربه دون أي سببٍ منطقي أو عقلاني. كل هذه الأمور تقود آرثر إلى «إفلات الأمر»، إلى ترك «جنونه» يتولى الأمر، مما يجعله يخلق تلك الشخصية التي أرادها أن تكون «درعه» وواقعه بدلاً من «آرثر فليك» الضعيف والتافه والفاشل في كل شيء. إنها إذاً علم النفس 101: أي بمعنى أصح، إنها مبادئ علم النفس: استبدال المريض شخصيته غير المرغوبة بأخرى «مرغوبة»، «قوية» و«محبذة» وهو الأمر الذي استخدم كثيراً في السينما (حتى السينما العربية استخدمته كذلك، كما في فيلم «بئر الحرمان» (1969) الذي أدت دور البطولة فيه الراحلة سعاد حسني وأخرجه كمال الشيخ).

ما يميّز الفيلم فعلياً، ليس فقط الأداء شديد المتعة لفينكس، بل أيضاً وجود ممثلين كبار في العمل مثل روبرت دي نيرو الذي يحضر إلى العمل في شخصية فرانكلين موراي مقدّم لأحد أهم البرامج الكوميدية الـStand up على شاشات التلفزة في مدينة «غوثام» (المدينة المتخيلة حيث تجري فيها القصة). تبرز حرفة المخرج كما نجميه دي نيرو وفينيكس حين يلتقيان في مشهد العرض التلفازي من الفيلم حيث يبرز بشكلٍ كبير «تحديهما» لبعضهما البعض في إطار يذكرنا بالمسرح سواء أكان البريشتي أو الستلانسلافسكي الكلاسيكي: يعترف الجوكر بقتله لأشخاصٍ في البرنامج الكوميدي الأشهر في المدينة مباشرةً على الهواء. هنا أيضاً استعارة من أحد أشهر الجمل في عالم السينما: The Revolution must be televised؛ «الثورة يجب أن تكون متلفزة» في إشارة إلى أنَّ كل شيءٍ دون «تغطية» إعلامية لا يساوي شيئاً. تطرح الشخصية/الجوكر واحداً من أهم الخيارات في الدنيا: «إذا ما كنتم تحددون ما هو مضحك وما هو ليس كذلك، لماذا لا تفعلون ذلك في أموركم الحياتية أيضاً؟ كالسياسة مثلاً». دي نيرو ينجح هو الآخر في البقاء في الواجهة على الرغم من كل الجهد وقوة النص الذي يقوله فينيكس؛ إنها حرفة الممثل التي لم تصدأ أبداً. المشهد الذي يمكن اعتباره مشهد الـGrand Finale بحق، إذ يختتمه الجوكر بخلق شخصيته عبر الفعل الأبرز: القتل مباشرةً على شاشة التلفزة.

يبرز في العمل كذلك الموسيقى التي أبدعت الأيسلندية هيلدور غوانادوتير في صناعتها وتذكرنا كثيراً بإبداعات هانز زيمرمان، كذلك مصمم الديكور مارك فرايدبيرغ الذي خدم بشكلٍ فاعل رؤية المخرج فيليبس الإخراجية؛ كذلك يمكن الحديث عن مهارة المصوّر لورانس شير والذي قدم زوايا كاميرا تذكر كثيراً بالأفلام الكلاسيكية المهمة في تاريخ السينما.

في الوقت عينه، تصر شركة «دي سي» دائماً على «تدمير» ممنهج لعالم الكوميكس وجمهوره، لربما في محاولة لجذب جمهور جديد مختلف عن الجمهور الذي تعتقد أنها «لا تزال تحتفظ به»، فمثلاً الإشارة في الفيلم إلى أنَّ «الجوكر» هو «ابن توماس واين» هو مختلف عن «معتاد» الكوميكس، وهي «لعبة درامية» لا حاجة لها. يضاف إلى ذلك الإصرار على «خلق» تبريرات منطقية أو غير منطقية لسلوكات الجوكر الإجرامية، فيما في الكوميكس جرائم «الجوكر» هي ببساطة مزج بين حالته النفسية ووقوعه في مستوعب من المواد الكيميائية التي أثّرت على عقله وشكله في آنٍ معاً، فأصبح شعره أخضر ووجه وجلده أبيضين. في الفيلم لم يجد عشاق الكوميكس أياً من هذا؛ بل كانوا أمام شخصية مريضة نفسياً، ترسم بالألوان على وجهها وتصبغ شعرها، فيما تقوم بأعمالها «الشريرة» دون أي سببٍ سوى الإنتقام.

شخصية المهرّج

خلقت الشخصية في العام 1940 مع مؤلفي باتمان الأوائل بوب كاين، بيل فينغر، وأضافا إليهما جيري روبنسون، كان الجميع بيحث عن «شريرٍ» يناسب شخصية «باتمان» القاسية والحادة الطباع، شخصيةٌ ترتدي ثياباً «كاريكاتورية» تشابه تلك التي يرتديها البطل: شريرٌ «مسلٍ» يرتدي ألواناً ضاحكة. ولأن «المهرج» في المجتمع الأميركي شخصية شديدة التناقض وتشكل جزءاً من الأساطير المحلية (urban legends) حينما يصبح «المهرج» قاتلاً أو شخصية «مخيفة» أو «مرعبة»؛ كتلك التي استخدمها غير كاتب كما في فيلم IT (بأجزائه الكثيرة) مع كاتب الرعب الأشهر ستيفن كينغ. الجوكر الذي خلقت شخصيته عبر وقوع مجرم أقل من عادي في مستوعب للمواد الكيماوية إثر ملاحقة الرجل الوطواط له، أصبح واحداً من أهم شخصيات الكوميكس بسرعة بالغة. ميزة الجوكر أنه يقوم بجرائمه بطريقةٍ ذكية وعبقرية للغاية إنما دون أي سبب منطقي لها سوى أنه يرغب بذلك. إنه «أنارشي» بشكلٍ مطلق: رافض لأي نوع من أنواع السلطة، سوى الفوضى بحد ذاتها. إنه يعرف شخصية باتمان السرية، لكنه لايرغب في أن يخبر أحداً بها، فذلك يفسد لعبته الأزلية: أن يجد خصماً يليق به، يرفض كذلك أن يقتل باتمان حتى ولو استطاع، يريد أن «يتسلى» كما يقول دائماً. التسلية بالنسبة لهذه الشخصية هي على حساب الآخرين وبالطريقة الأسوأ دائماً. فتنة الشخصية كما يشار الدائمة في أنها تمثل "اللحظة" التي يفقد المرء إتصاله بأي قانون أو منطق من أي نوع، ولابد هنا من أن نتذكر فيلم «البحر بيضحك ليه» للمخرج محمد عبدالعزيز والممثل محمود عبدالعزيز حينما يدخل البطل إلى عمله ويبدأ بصفع الناس على وجوههم من البواب وصولاً حتى مدير المؤسسة مروراً بجميع من كانوا هناك واحداً واحداً. هذا المشهد هو حلم كل موظف في العالم، وهو ذاته ما يجعل «الجوكر» شخصية جذابة إلى أقصى الحدود.

ما يسر عشاق الكوميكس:

في الفيلم العديد من المفاجأت Easter Eggs التي تسر عشاق الكوميكس كثيراً، إذ يعاد تشكيل مشهد مقتل والدي بروس واين والذي أدى لإيجاد شخصية باتمان، خلق المخرج فيليبس المشهد كاملاً حتى مع تفاصيله الدقيقة؛ وهذا نوع من الـ Tribute للكوميكس ولشخصية باتمان. كذلك هناك مشاهد كثيرة من قصص الكوميكس: ظهور باتمان الطفل؛ بروس واين وخادمه المخلص ألفرد كبداية، ثم مشهد رقص الجوكر مرتدياً ثيابه الشهيرة من قصة «المزحة القاتلة»: البزة البنفسجية والقميص الأصفر، المهرجون المتناثرون بكثرة من قصص متعددة، مشهد مستشفى «أركهام» لعلاج الأمراض العقلية، ظهور اسم عائلة «كاين» عبر المعالجة النفسية للجوكر، وعائلة كاين هي عائلة والدة باتمان، وبنفس الوقت عائلة «المرأة الوطواط».

 

الأخبار اللبنانية في

13.10.2019

 
 
 
 
 

مارتن سكورسيزي محق:

أفلام مارفل ليست أعمالاً سينمائية بل جولات تهريج متخشبة

كاسبر سلمون 

لو جاءت تعليقات المخرج قبل بضع سنوات لما سببت موجة الغضب الحالية نفسها لكن المؤسسة النقدية أصبحت تعتبر منتجات المصانع هذه فناً مشروعاً

ما زالت المعركة بين جمهور مارتن سكورسيزي ومحبي أفلام مارفل حامية الوطيس. وزبدة الكلام هي: السبق الصحافي الذي يحيّر الأذهان يتلخص في أن سكورسيزي، المخرج الموقر الذي يدرج أعمالاً مثل يوغيتسو مونوغاتاري للمخرج الياباني كنجي ميزوغوشي، والفهد للمخرج الإيطالي لوتشينو فيسكونتي بين أفلامه المفضلة، ليس سعيداً بشكل خاص بالنجاح المدوي الذي تحصل عليه أفلام تدور أحداثها حول شخصيات الحركة.

وقال مارتن في مقابلة مع مجلة إمباير الأسبوع الماضي في حديثه عن أفلام مارفل: إنها "ليست أعمالاً سينمائية... إن أقرب ما يمكن أن أفكر فيه، بالنظر إلى سويتها وقيام الممثلين ببذل قصارى جهودهم ضمن تلك الظروف، هو مدن الملاهي". ربما لم يكن تعليقه ليثير هذا الكم من الغضب لو جاء قبل بضع سنوات، لكن المؤسسة النقدية خُدعت منذ ذلك الحين وراحت تنظر إلى هذا المنتوج المصنعي على أنه فن مشروع.  بالنسبة لمعجبي مارفل، ليس كافياً أن تهيمن أفلامهم باهظة التكلفة على شباك التذاكر على حساب المحتوى الأصلي، لكن بات واجباً الآن التعامل مع هذه الأشياء بالاحترام المطلوب. يتعين على المواقع التي تمنح تقييم خمس نجوم لأعمال مثل زاما للمخرجة الأرجنتينية لوكريسيا مارتيل، على سبيل المثال، أن تقدم خمس نجوم مماثلة لفيلم "المنتقمون 18: الجيدون يفوزون مرة أخرى". يعرف نقاد السينما في جميع أنحاء العالم أن انتقاد أحد أعمال مارفل، أو الكشف عن إحدى تطورات الحبكة غير المألوفة العديدة، سيواجه بطوفان من الذم من المعجبين المخلصين الغاضبين.

لهذا، فإن ما يسمى "النقاش" يستمر بين عشاق السينما الذين يعتبرونها  شكلاً من أشكال الفن المقدس، وأولئك الذين لا يكتفون بالاستمتاع ببساطة بالقيمة الترفيهية لأفلام مارفل، ولكنهم يطالبون بأن يُنظر إليها كجزء مُعتمد . وما يزيد الطين بلة، هو أن هناك للتو شخصيات عامة بارزة مدافعة عن هذه الأفلام - قام باري جينكينز ، مخرج فيلم مونلايت بنشر تغريدة تتحدث عن حبه لفيلم "المنتقمون: نهاية اللعبة" في وقت سابق من العام، قائلاً:  "[المخرجان] الأخوان روسو نجحا للغاية في طريقة توصيلهما للعلاقات المكانية بين الشخصيات خلال المشاهد المصورة". (سيتعين علينا أن نتفق على ألا نتفق هنا - المعركة المحورية في فيلم "كابتن أميركا: الحرب الأهلية"، على سبيل المثال، هي عبارة عن هرج جغرافي، تتداخل فيها مشاهد مصورة في مواقع مختلفة بسرعة مذهلة وبطريقة تشوش تماماً الدراما الموجودة). ومع ذلك، وجد سكورسيزي حليفاً لم يكن متوقعاً هو الممثلة جينيفر أنيستون، التي علقت أن الأدوار الجيدة "تتناقص" مع ظهور أفلام مارفل، مضيفة أنها "لا ترغب في العيش على شاشة خضراء."

تجدر الإشارة إلى أنه بالنسبة لكثير من الناس ، تعتبر أعمال مارفل رائدة التنوع على الشاشة، مع نجاحاتها في فيملي "كابتن مارفل" ذي البطولة النسائية، و"النمر الأسود" بنجومه من أصحاب البشرة السوداء،  قد يجادل هذا الكاتب بأن تلك الانتصارات هي وسيلة لإرضاء الجماهير في حين أن مارفل تُبْطِلُ رواج أنواع الأعمال التي تقوم بها الأقليات والنساء، لكن هذه نقطة مختلفة. وما هو أكثر من ذلك، أن نعت هذه الأفلام بصيغة الوصفة ليس إهانة بقدر ما هو بيان للحقيقة. لقد حصلت مارفل على وصفة لتحويل الفيلم إلى منتج، وهو ما يجعل هذه الأفلام تصمد ضد الإخفاق. تلتزم هذه الأفلام بنموذج جامد بشكل كامل من الناحية الجمالية والناحية السردية. ولا بد أن يتبع مجموعةَ مشاهد المعركة الكبيرة فترةُ سكون،  وبعض التحولات الصادمة، والكثير من المزاح، وبعض المشاهد التي تجمع بين التماثيل المتحابة إرضاء للجمهور، عفواً، أقصد الشخصيات - ومن ثم معركة كبيرة نهائية تجمع كل الشخصيات المفضلة عند المعجبين. إن مقارنة سكورسيزي بمدينة الملاهي تناسب تماماً هذا النوع من الترفيه.

ومما يبعث على السخرية، أن ما يمكن للمرء أن يعتبره سينما "حقيقية" وفقاً لتعريف سكورسيزي - السينما التي تحكي قصصاً عن نفسية الإنسان، مثلاً - قد باتت الآن تتقاطع مع أفلام تلك العلامة التجارية. تمكن فيلم الجوكر من تحقيق أرباح كبيرة في شباك التذاكر في الولايات المتحدة من خلال تقديم شخصية محبوبة من القصص المصورة، ولكن تمت معالجتها بطريقة سكورسيزي نفسه. ومهما كانت صفات الفيلم، فإن الاعتماد على جمهور جاهز سلفاً يحمل في ثناياه أخباراً سيئة لصانعي الأفلام ذات المحتوى الأصلي.

انضم سكورسيزي إلى مجموعة متنامية من المعارضين بين النقاد، وربما بين المشاهدين (على الرغم من أن ما يسمى بـ "تعب الامتياز" لم يترجم حتى الآن إلى انخفاض في أرباح شباك التذاكر). في مراجعة شهيرة للجزء الرابع من سلسلة أفلام "مين إن بلاك" هذا الصيف ، قارن الصحافي نيك بينكرتون هذا العمل بفيلم "نهاية اللعبة"، وكتب بسخرية قاتلة أن "مين إن بلاك 4" كان يعتبر فيلماً تجارياً سيئاً بينما اعُتبر "نهاية اللعبة" عملا جيداً. وكتب: "في الحقيقة، الاختلافات النوعية بين الإثنين غامضة لدرجة يصعب ذكرها؛ الأهم هو أن فيلم "مين إن بلاك" للمخرج إف غاري غري أقصر بساعة كاملة من فيلم الأخوين روسو الملئ بنجوم من الأبطال الخارقين، لذا يمكنك الخروج إلى الشارع ومواصلة حياتك بصورة أسرع قليلاً". وتابع بينكرتون قائلاً: "لدي إحساس يزداد قوة بأن هذه الأشياء ليست أفلاماً: إنها عبارة عن محتوى، ومعرّفات رقمية، وتمارين لإدارة العلامات التجارية."

في مواجهة هذا النوع من القدح، مُنح نجوم من امتياز أفلام مارفل مساحة فاترة جداً للرد. قال الممثل روبرت داوني جونيور، الذي استضافه المقدم الإذاعي هوارد ستيرن للرد على الاقتراح القائل بأن هذه الأشياء ليست أفلاماً: "أقصد ، إنها تُعرض في القاعات". بينما قال الممثل صامويل إل جاكسون، في الوقت نفسه: إن "الأفلام تبقى أفلاماً". وهذا كلام سليم.

من جهة أخرى أعلنت شركة مارفل الآن عن "المرحلة الرابعة" في امتيازها الذي تعادل قيمته مليارات الدولارات - ليست هذه الكلمات صاعقة على الإطلاق - بينما أطلقت شركة ديزني خدمة ديزني بلس للبث التدفقي واشترت حقوق أفلام منافسة سابقة مثل "إكس مين"، مما دفع البعض للقلق، ولديهم سبب وجيه في ذلك، من أن الشركة تحكم قبضتها بشكل يضر  بهذه الصناعة. يمكن للشركات الضخمة مثل ديزني ومارفل أن تتحمل الصفعة القوية - لكن عليكم أن تقلقوا على الصغار.

 

الـ The Independent  في

13.10.2019

 
 
 
 
 

"جوكر" تود فيليبس..مصّاص دماء، يتغذى على أفلام أخرى

محمد صبحي

1

نادراً ما حضر مثل هذا النقاش المحتدم حول فيلم لم تبدأ عروضه بعد، كما حدث مع "جوكر"* تود فيليبس. فمنذ فوزه بجائزة الأسد الذهبي لمهرجان فينيسيا السينمائي أيلول/سبتمبر الماضي، لم يتوقف نقاش وجدل النقاد، ممن شاهدوه في إيطاليا، حول ما إذا كان تفسير الأنا البديلة لشخصية جوكر، آرثر فليك، باعتباره رجلاً مظلوماً، يعد تحليلاً ملائماً للحالة الأميركية المعاصرة أم محفزاً خطيراً لهذا النوع من الرجال البيض المسلّحين. مثلاً، في مجلة تايم، سأل أحد المراجعين مؤخراً لماذا يجب على المرء حتى سرد هذه القصة، في ظل "اختبار أميركا أعمال عنف من قبل رجل مثل آرثر فليك كل أسبوع تقريباً".

احتدم النقاش عندما أصبح من المعروف أن الجيش الأميركي قد حذر أفراده من هجمات  "إنسلز" محتملين (بالإنكليزية Incels، وتعني العازبين/العذريين غير الطوعيين، وهم أشخاص غير قادرين على العثور على شريك رومانسي أو جنسي على الرغم من رغبتهم في ذلك)، بمناسبة العرض الأول لجوكر في دور السينما الأميركية. في النتيجة، يشعر الـ"إنسلز" بالرفض من قبل محيطهم، وغالباً ما يكون معظمهم من الرجال طالبي وصال امرأة لا تأتي أبداً، فيحرضوّن في منتدياتهم الإنترنتية على كراهية الجنس الآخر وبصورة أقل على العنف أيضاً. أحد أمثلة المشهد الأميركي المتوتر بتأثير عرض "جوكر"، هو القاتل جيمس هولمز، الذي كان قد أطلق النار خلال عرض فيلم "ذا دارك نايت رايزس" (2012)، ليحصد أرواح اثني عشر شخصاً في إحدى دور السينما في أورورا بولاية كولورادو. آنذاك، قائد شرطة نيويورك قال بعد الحادثة في مؤتمر صحافي، إن هولمز قد ادعى أنه الجوكر. في ما بعد كشف المدعي العام المسؤول في القضية في كولورادو أن هذا التصريح كاذب. في الواقع، لم يطلق هولمز أبداً على نفسه اسم جوكر، لكن الشائعات الخاطئة ظلت تجوب العالم: المهرّج الخيالي الشرير، جوكر، ألهم رجلاً أميركياً أبيض ليقتل.

2

"هل جوكر مجرد فيلم؟" سؤال طرحته جوزفين ليفينغستون في "نيو ريبابليك"، ولم تكن الإجابة عليه سهلة. منذ ثلاثين عاماً، هي العمر السينمائي لعدو باتمان اللدود على الشاشات، تسوق الجوكر غريزة اللعب العدمي على أنقاض الليبرالية الأميركية. نظرة بسيطة على تواريخ إنتاج وظهور أفلام "جوكر"، كافية لربطها بمراحل عانت فيها الحالة الأميركية من علل وأورام جسدّت مخاوف الشريحة التقدمية من الأميركيين. لذلك كان جوكر دائماً سياسياً، وقراءة أفلامه دائماً هي في صلب تحليل المشهد الأميركي الراهن، والاعتراضات المصاحبة لها أيضاً مفهومة تماماً على ضوء المعرفة بأطياف أميركا المحافظة والتقليدية التي ترى في أفلام مثل "جوكر" تحريضاً مبطناً ضدها وضد مصالحها.

في فيلم تيم بيرتون، "باتمان" 1989، جعل جاك نيكلسون من الجوكر تجسيداً للخوف الأميركي من الخروج على النظام والقانون في بلد لا يتوقف عن تصدير صورته كمثال ملتزم في احترام النظام والقانون (عهد الرئيس اليميني رونالد ريغان). في عام 2008، ابتكر هيث ليدجر أداءه الشجاع في فيلم "ذا دارك نايت" لكريستوفر نولان، وقدّم، بمكياج مبهرج، شخصية أناركية بلا حافز، وقوة مدمرة للطبيعة تبتهج لقتل الناس وإحداث الفوضى (عهد جورج بوش الابن واستراتيجية الفوضى الخلّاقة). في عام 2016، ظهرت نسخة عابرة من "جوكر" في فيلم "سويسايد سكواد"، قدمها الممثل غاريد ليتو، كمستفِز إنترنتي ذي وشوم وهيئة غريبة (نهايات عهد أوباما وصعود نجم دونالد ترامب).

الآن، جاء دور يواكين فينيكس لتجسيد جوكره الخاص. رجل هزيل البنيان، من أبناء الطبقة العاملة، مجروح عقلياً وعاطفياً؛ في تكرار شبيه لما حققه من قبل في "ذا ماستر" (2012) مع بول توماس أندرسون و"أنت لم تكن حقاً أبداً هنا" للبريطانية لين رامساي. المخرج تود فيليبس، المعروف سابقاً بسلسلة أفلام الكوميديا "ذا هانغ أوفر"، لا ينظم "جوكر" كفيلم بطل خارق، ولكن كدراما اجتماعية. بصرياً وموضوعياً، يمثل من نفس معين أفلام أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، خصوصاً أعمال مارتن سكورسيزي في تلك الفترة. ثمة تسلسل بصري كامل من كل من "تاكسي درايفر" (1976) و"ذا كينغ أوف كوميدي" ​​(1982) تحضر أصداؤهما في "جوكر". على سبيل المثال، ظهور الجوكر في برنامج السهرة الكوميدي مع مقدّمه موراي فرانكلين (روبرت دي نيرو) هو إعادة مكررة لفكرة "ذا كينغ أوف كوميدي"، حيث يلاحق ممثل كوميدي غير ناجح (روبرت دي نيرو لعب الدور حينها) مثله الأعلى مقدم البرامج الليلية الشهير جيري لانغفورد ليحلّ ضيفاً على برنامجه ذات مرة.

كأسطورة كوميكسية وإعادة تقليب حكايات عالم قصصي استهلاكي، فإن "جوكر" جيد للغاية. إنه يعمل على المشهد التأسيسي لعداوته مع باتمان بإعادة تفسير جديدة لها، كما يغيّر من نبرته لمسايرة الوضع العالمي الجديد وشحنات الغضب الملبدة أجوائه. بدلاً من السؤال الشعري شبه الوجودي، "هل رقصت قط مع الشيطان في ضوء القمر الشاحب؟"، الذي يقوله "جوكر" تيم بيرتون بابتسامة واسعة؛ نحصل في "جوكر" تود فيليبس على "أنت تحصل على ما تستحقه"، بغضب متفجر ودماء متناثرة. هذا الجوكر الجديد لا يسقط كبرق سماوي يسعى لتدمير العالم، بل هو نتيجة عالم مدمر. لكن لسوء الحظ، يريد "جوكر" أن يكون أكثر من مجرد أفلمة لشخصية كوميكس. وهذا يدفعه للسير في الطريق الخاطئة.

 

####

 

"من أجل سما".. "درامات"متعددة بوثيقة واحدة

ياسر أبو شقرة

لعله أحد الأفلام القليلة جداً، الّتي تؤثر في السوريين وغيرهم بالقوة نفسها، والذي تستطيع معه أن تقترب من تعريف الوثيقة الذي يشتق هذا النوع من الأفلام إسمه منها.

يصور فيلم "من أجل سما" حكاية بسيطة لثلاث شخصيات تمتد على مدار ستة أعوام، بدءاً من عام الثورة السورية 2011 وصولاً إلى عام سيطرة النظام على مدينة حلب 2016. تختار المخرجة طلاب جامعة حلب كأبطال للحكاية، تندلع الثورة أثناء دوامهم في أخر سنوات دراستهم، وعد مخرجة الفيلم/ المصور/ الراوي، وحمزة صديقها ولاحقا زوجها، خريج طب، وابنتهما الرضيعة سما.

تهدي وعد الفيلم إلى سما، كي تتفهم دوافع والديها لقرار البقاء في حلب الخارجة عن سيطرة النظام، ولتريها ما الذي كان يجري هناك أثناء ولادتها وسنين عمرها الأولى، الخط الناظم للسرد الذي يشبه رواية الأمهات أي حكاية لأطفالهم، لكن الحكاية هنا مختلفة، الحكاية أقسى من أن تُروى، لكنها ابنة الواقع، فتارة نسمع مع سما، وتارة نرى ما لا تدركه، في ظل كل تداخلات الحرب التي تتغير يوما إثر يوم، وفي هذه الطريقة من السرد، لا تستعجل المخرجة تعاطف متلقي الفيلم، المتلقي الذي لا يعرف عن سوريا سوى أن حربا طاحنة تدور هناك، حربا عبثية الأجدى عدم الالتفات إليها كما أشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أيام، فتعقيد الوضع في سوريا دائما ما أدى إلى تيهٍ منفرٍ لأي متابع مهتم، أما جمهور السينما العالمية، ففي معظمه لا يعرف عن الحكاية السورية أكثر مما تعرفه سما، وها هم يبدؤون بتلقي الحكاية السورية مع سما.

إعلامية وطبيب أسس مشفى ميدانياً في حلب لمعالجة جرحى قصف النظام، والخارجين من تحت أنقاض بيوتهم، وفي إحدى اللحظات القاسية تنهار الإعلامية أمام إحدى الحالات الطبية المؤلمة لأحد الجرحى، ما يدفع الطبيب لأن يعترف لها بحبه، ليتزوجا لاحقا. قصة الحب هذه هي الحامل الأساس لحكاية الفيلم، ببساطتها، وعفويتها، في تحديها لقسوة ما يحصل حولها، انطلاقا من الرغبة في الانتقال إلى مكان مناسب للسكن، وإيجاده، وبث الحياة والحب فيه، ومن ثم الحصار والمعاناة من نقص الأغذية، فالخروج من المكان مجبرين وهذه المرة للأبد بعد أن كانوا قد خرجوا وعادوا متحملين كل مخاطر العودة بناء على أمل ضئيل بأهمية أدوارهم في هذا المكان.

تصلح هذه الحكاية لأن تكون وثيقة على حياة المدنيين في حلب، لكن المخرجة لم تكتف بهذا، إنما جعلت قصة حبها غشاءً إنسانياً رقيقاً يغلف عدداً من حكايا المدنيين التي تشكل في تسلسلها وبقسوتها المهولة أمتن خيوط الفيلم. لعل بعض المشاهدين تعِب من الدم والقسوة الموجودة في الفيلم، وهنا عندما نتكلم عن القسوة، لا نقصد العنف بأي حال من الأحوال، وشتان بينهما، فالعنف يفترض التركيز على مشاهد عنيفة دون سواها، وإظهار ما بها من "دراما" إن صح التعبير، إلا أن القسوة الموجودة في هذا الفيلم فبإمكاننا أن نشرح من خلالها العديد من الحكايات الصغيرة المنفصلة/ المتسلسلة في الفيلم وهي على كل حال واقع المدينة، والدافع الأساسي للفيلم، يدخل طفلان بشكل مزرٍ كما لو أنهما خرجا من تحت الأنقاض، يأتيان مع أخيهما المصاب ويشرحان في المشفى كيف كانا ينظران إليه من البلكون عندما نزل صاروخ النظام بجانبه، يبكيان بانتظار أن ينجو، فننتظر معهما بأمل ولا يطول انتظارنا فيتوفى. أمٌ يصاب  ابنها يُجلب للمشفى وعندما تلحق به إلى هناك تكتشف أنه توفي فتحمله معانقة إياه، وتهيم على وجهها واجمة في الشارع لا تعي ما حولها ولا أحد يجرؤ على الحديث معها لشدة هول اللحظة وجحيميتها.

وصولا إلى مشهد الفيلم الأقسى وهو عملية ولادة قيصرية، تجرى لجريحة من قصف النظام، جُرح الجنين في بطنها أيضا، نشاهد الولادة وندرك أن الجنين ميت، فنيأس قبل أن نصل إلى اللحظة التي يعيد فيها الأطباء الجنين للحياة بأبسط الوسائل وبأطول الدقائق على المشاهد محبوس الأنفاس، يبكي الطفل فتعود الحياة إلى صالة السينما، فما هو العنف في مشهد الولادة؟ بل هي القسوة الموجودة في زاوية من زاويا فيلم، تدور معظم أحداثه في مشفى ميداني، لا يخلو أي كادر من كوادره من طفل أو امرأة، يعيشون أصعب المواقف على هذا الكوكب كونهم في زمان ومكان غير مناسبين فنسمع حكايتهم مع سما ونراها بعين الوالدين.

لا أبطال في هذا الفيلم، إنما أناس كل ما يحاولون تقديمه هو أن يكون ضميرهم راضياً عن دورهم في خدمة مجتمعاتهم في أقصى لحظات الحاجة، وكل ما يأملونه هي ألا تجبرهم الظروف، وأن يجبروها هم على الانصياع لئلا يشعروا بالندم تجاه خيار يتخذونه مضطرين، فالندم أقسى من كل لحظات الدم هذه من وجهة نظرهم، لا استجداء للعالم إنما تقديم صورة حقيقية عما يجري يوميا في مدينة كانت تصنف الأخطر على وجه الأرض في تلك السنوات. تقديم صورة أشخاص أوفياء لإنسانيتهم في لحظات ضعفهم.

لا غموض في التمييز بين المجرم والضحية، الفيلم يصور المظاهرات، وتطور الأحداث التدريجي، النظام في الفيلم لا نراه إلا أثناء اعتقاله وضربه للشبان أثناء المظاهرات، عدا ذلك هو جحيم قادم من السماء، وسرطان ينهش أحياء حلب المحررة من سطوته واحداً تلو الآخر. تقترب المجزرة كلما اقترب الفيلم من نهايته، وجود السلاح بين المدنيين لا ينشز المقطوعة، لأن باقي العزف يصم الاذان خلال دقائق الفيلم جميعها، أما التنويه لوجود الإسلاميين في المدينة، فتدينه وعد في فيلمها كما يدينه كل سوري خرج للحرية والعدالة، ودون مزايدات، إنما بالحجم الطبيعي الذي يجسد حال السوريين الفعلي تحت قذائف النظام، يكرهون الإسلاميين لكن خطر النظام في كل لحظات حياتهم يشغلهم عن أي مجرم سواه.

في ذلك تكون وعد الخطيب استطاعت تقديم وثيقة لسنوات من الموت، تحكي حال الناس الأضعف والأكثر تهميشا في مدينة الاقتصاد السوري، وثيقة ستراها سما حينما تكبر، ويراها جيلها، ويسمعون نداء وعد الخطيب الأخير في الفيلم وهي تصور المدينة بكاميرا الدرون الطيارة وتسير مع ابنتها في الأزقة المهدمة، أن كل هذا كان من أجل ألا تعيشوا ما عشناه مع آل الأسد.

(*) يعرض في الصالات في فرنسا

 

المدن الإلكترونية في

12.10.2019

 
 
 
 
 

شاهد يسرا ومحمد حفظى

فى الصورة الرسمية لأعضاء أعضاء أكاديمية الأوسكار 2020

على الكشوطى

نشر رئيس مهرجان القاهرة السينمائى "محمد حفظى" الصورة الرسمية لأعضاء لجنة الأوسكار 2020، ويظهر فى الصورة مع أعضاء اللجنة، والتى تضم النجمة يسرا، وهى الصور تم التقاطها فى حفل استقبال لجنة الأوسكار 2020 فى لندن.

وكانت لجنة اختيار الفيلم المصرى المشارك فى الأوسكار والمشكلة من قبل نقابة السينمائيين استقرت على اختيار فيلم "ورد مسموم" للمخرج أحمد صالح لتمثيل مصر فى المنافسة على جائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبى بأغلبية الأصوات.

الفيلم يتتبع حياة "تحية" عاملة نظافة مراحيض، لم تترك لها الدنيا شيئا سوى أخيها "صقر" عامل المدابغ، الذى تعيش لأجله وتفنى حياتها فى خدمته، تنقلب حياتها رأسا على عقب حينما تعلم أنه يحاول البحث عن فرصة للخروج من جحيم المدابغ، وهو ما ترفضه تحية فتحاول عرقلته بشتى الطرق، وتقرر القيام بأى فعل لإبقائه بجانبها.

عرض الفيلم فى العديد من المهرجانات الدولية، وحصل مؤخرا على 3 جوائز من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، جائزة أفضل فيلم عربى، جائزة لجنة التحكيم للإسهام الفنى، جائزة الأمم المتحدة لشئون السكان (UNFPA)، كما حصد  جائزة الجمهور لأفضل فيلم أجنبى من مهرجان ديوراما الدولى للأفلام فى الهند، وهى الجائزة السادسة التى يحصل عليها الفيلم.

"ورد مسموم" من تأليف وإخراج أحمد فوزى صالح، وبطولة محمود حميدة، ومريهان مجدى، وصفاء الطوخى، وإبراهيم النجارى، وكوكى.

 

عين المشاهير المصرية في

13.10.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004