السودانيون يستعيدون السينما من عتمة النسيان
مخرجون شبّان ومخضرمون يحيون السينما السودانية بعد منعها
خلال حكم البشير
إندبندنت
عربية ووكالات
لمدة 30 عاما، شهد حكم الرئيس السوداني السابق عمر حسن
البشير تدهورا في قطاع السينما في البلاد، وقد تفاقم الوضع بعدما منعت
العقوبات الأميركية استيراد معدات التصوير بالإضافة إلى منع استيراد وعرض
الأفلام الأجنبية، في بلد كان سابقًا بين الدول الأفريقية التي منحت
السينما مكانا مميزا في الحركة الثقافية.
عودة الأمل
ومنذ سنوات، يعمل طلال عفيفي على إحياء السينما السودانية
التي عانت لعقود من الحكم الاستبدادي. ومع سقوط البشير، عاد الأمل بإمكانية
استعادة دور ومجد السينما السودانية. عندما حضر عفيفي مهرجان سينمائي قصير
في ميونيخ عام 2008، ألهمه الفيلم الفائز- وهو فيلم وثائقي عراقي تم تصويره
بكاميرا عادية – وعندما عاد إلى السودان أسس معهدا للتدريب والإنتاج. كما
أنشأ معملا سينمائيا، يقع في فيلا بضواحي الخرطوم، حيث بدأ تدريب أكثر من
300 شاب وشابة على مختلف جوانب صناعة الأفلام.
واليوم، بعد الإطاحة بالبشير في أبريل (نيسان) الماضي، يأمل
عفيفي وزملاءه في إحياء إنتاج الأفلام الجديدة في شمال شرق إفريقيا.
ويعود تاريخ السينما السودانية إلى تصوير أول فيلم صامت عام
1898، بعد سنوات قليلة من اختراع الصور المتحركة، وفقًا للمخرج المخضرم
إبراهيم شداد.
وبحلول عام 1946، ظهر العديد من عربات عرض الأفلام المتنقلة
في أنحاء البلاد.
وقال شداد "لم تكن هناك صالات سينما مغلقة في ذلك الوقت
بسبب الحرارة الشديدة ونقص مكيفات الهواء".
من جهته قال سليمان إبراهيم، رئيس مجموعة الأفلام السودانية
- وهي نادي لصانعي الأفلام المخضرمين - إن حكم البشير اعتبر إن السينما
قطاع غير مفيد للبلاد، وترافق ذلك مع فرض حظر تجاري أميركي جعل استيراد
الأفلام الأجنبية أو الحصول على المعدات في منتهى الصعوبة. على الرغم من
هذه العقبات، حافظ عفيفي وفريقه على إبقاء السينما على قيد الحياة حتى في
ظل نظام البشير، حيث اعتادوا عرض أفلام وثائقية وأجنبية على أسطح المنازل
في العاصمة.
ويتذكر إبراهيم ليلة "لا تنسى"، عام 2010 ، عندما عرض ستة
أفلام قصيرة على سطح معهد جوته بالخرطوم من إنتاج 15 طالب بعد دورة تدريبية
في مصنع الفيلم السوداني.
وذكر عفيفي "ربما كانت هذه هي المرة الأولى منذ فترة طويلة
تعرض فيها الأفلام السودانية على جمهور سوداني على الأراضي السودانية".
نجاح عالمي
وشارك خريجو المعهد في إنتاج فيلم "سوف تموت في سن
العشرين"، وقد نال استحسان النقّاد حول صبي سوداني مات مبكرا. وعُرض الفيلم
في مهرجانات دولية، منها برلين والبندقية وفي الجونة في مصر، حتى أنه فاز
بجوائز في البندقية والجونة.
وبغض النظر عن العزلة والقيود التي مارستها الحكومة
السودانية والرقابة على المخرجين، وعن حالة التخلي عن دور السينما، يمكن
اعتبار موسم الأفلام الجديد في السودان واعداً، ليس فقط من حيث وفرة
الإنتاج الجديد ولكن أيضًا من حيث جودة الأفلام التي تصل إلى المهرجانات
السينمائية الأوروبية والدولية.
وبعد أقل من ستة أشهر على النجاح الذي حققه المخرج حجاج
كوكا عن فيلمه "عكاشة" في مهرجان البندقية الدولي للسينما، عرض زميله صهيب
قسم الباري فيلمه الوثائقي "الحديث عن الأشجار" في مهرجان برلين السينمائي
التاسع والستين، وفاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي. يحكي الفيلم عن قصة سليمان
النور وثلاثة أعضاء آخرين في نادي الأفلام السوداني وهم يحاولون إحياء
المسرح القديم. وكان المخرجون الأربعة متحدون ليس فقط من خلال حبهم
للسينما، وشغفهم في استعادة فيلم سينمائي قديم وجذب الانتباه إلى تاريخ
السينما السودانية، ولكن أيضًا بحقيقة أنهم جميعًا درسوا صناعة الأفلام في
المنفى.
في مهرجان برلين اكتملت صورة السينما في السودان من خلال
الاحتفال بأربعة مخرجين سودانيين عرضوا بعضًا من عناوينهم المستعادة مثل
"القبر"، و"المحطة" للمهدي مهدي، و"لا يزال يدور" لسليمان النور، وثلاثة
أفلام لإبراهيم شداد: "الاغتصاب"، "الجمل" و"حفلة الصيد".
إلى جانب السودان، عُرض في مهرجان برلين فيلم اللبناني غسان
سلهب "الوردة المفتوحة"، وفليم "النص" للفلسطيني أكرم الزعتري، والفيلم
التجريبي القصير "إنه طريق طويل من الحسيكة" لكمال الجعفري. كما كانت هناك
3 أفلام قصيرة من مصر والعراق والكويت.
بينما يعرف صانعو الأفلام السودانيون أن أمامهم طريقا صعبا
جدا، قالت المخرجة السينمائية ماهيرا سليم: "لا يكفي حب السينما فقط لصنع
السينما، بل السينما صناعة... وهذه صناعة غير موجودة في السودان، ولكن أصبح
هناك أمل الآن". |