أمجد أبو العلا، مخرج سوداني قضى سنوات طويلة من حياته في
الإمارات. بعد تجربة طويلة من العمل الوثائقي للقنوات التلفزيونية وتجارب
صناعة أفلام قصيرة ناجحة انطلق بفيلمه الطويل الأول إلى أهم مهرجانات
العالم، إذ بدأ بـفينيسيا؛ الذي حصل منه على جائزة أفضل عمل أول، ثم مهرجان
تورنتو، قبل أن يطير فيلمه إلى مهرجان الجونة وأول لقاء مع الجمهور العربي.
VICE
عربية: فيلمك هو السوداني الأول الذي يحصل على جائزة بمهرجان فينيسيا. كيف
تتذكر لحظة حصول "ستموت في العشرين" على جائزة أفضل عمل أول من المهرجان
السينمائي العالمي؟
أمجد: كان شعورًا رائعًا تلك اللحظة التي أعلن فيها على المسرح "فوزستموت
في العشرين للمخرج السوداني...". فالسودان عانى كثيرًا من العزلة بسبب نظام
البشير. ويومًا ما قالها محمد ناجي الأصم، المتحدث باسم تجمع المهنيين
السودانيين: "إننا نعتذر على 30 عامًا من الغياب".. في تلك اللحظة على
المسرح شعرت أنني أرد على الأصم وأقول له لقد عدنا بعد 30 سنة غياب. أسد
فينيسا الذهبي شئ عظيم للمنطقة العربية كلها، ولي بالطبع. كنت أحلم بهذا
الأسد وبالسعفة الذهبية مثل أي صانع أفلام في العالم. أما أن أمسكه بيدي
فهذا أمر لا يمكن وصفه. شعرت بالفخر بنفسي وبفريق العمل الذي بذل كل ما في
وسعه، وكنت أيضًا فخورًا بالسودان التي استطاعت خلال هذا العام 2019 أن
تصنع انجازات عظيمة. أنا فخور بأن فيلمي جزء مما تحقق في العام 2019 الذي
لن ينساه السودانيون أبدًا. غير أن كل التصفيق الحار الذي أعقب عرض الفيلم
لم يكن ليعوض غياب معظم الممثلين في الفيلم الذين لم يتمكنوا من السفر إلى
إيطاليا مع فيلمهم لأسباب تتعلق بالتأشيرة التي حرمتهم من لحظة رائعة بكل
المقاييس. لكنني متأكد من أن اليوم الذي نتخلص فيه من هذه العقبات كلها
قادم لا محالة. على الأقل في المجال الفني والثقافي.
·
كيف وصلت إلى هناك برأيك؟
كيف وصلت إلى هناك!.. حسنًا أنا من مواليد برج العقرب
ومواليد هذا البرج عندما يضعون هدفًا ما أمامهم يسعون إليه حتى الوصول.
وبعيدًا عن عالم الأبراج، وحتى عالم التنمية البشرية أنا مؤمن بأهمية
الإيمان بالهدف والسعي لتحقيقه. عندما وصلنا إلى فينيسيا وعندما حصلنا على
الجائزة قلت لشركائي المنتجين أنني غير متفاجئ، وإنما سعيد بأننا حققنا ما
سعينا إليه. أسد فينيسيا كان أحد أهدافي، وهناك أهداف أخرى كثيرة لم أصل
اليها بعد لكنني أعمل من أجلها. إنجاز هذا الفيلم بحد ذاته وبكل عناصره
الحالية كان هدفًا. مثلًا تمنيت أن تتولى توزيع الفيلم شركة بيراميد التي
كانت توزع أفلام يوسف شاهين في الخمسينيات، كنت أشعر بنوستالجيا كبيرة تجاه
هذا الأمر، وقد تحقق بالفعل. ثم تمنيت العمل مع أسماء بعينها وتحققت
امنيتي. أظن أن السر وراء ذلك هو السعي بجد لتحقيق الأهداف، معادلة واضحة
لا تحتمل الصدفة. وهي المعادلة التي مارسها فريق العمل أيضًا. فما الذي
يجعل مجموعة من الأشخاص الذين لا يمارسون صناعة الأفلام كل يوم بسبب كل
الأوضاع التي نعرفها في السودان مقبلون على العمل بهذا الحماس طول عام أو
أكثر. بالطبع لم يكن المال هو الدافع لأننا لا نملكه، وإنما لأنهم أحبوا
الحكاية والشخصيات والمشروع كله حتى تحولوا إلى جزء من الحلم أو تحول حلمي
إلى حلم المجموع.
·
ستموت في العشرين هو فيلمك الروائي الأول بعد 7 أفلام
قصيرة، وتجربة تسجيلية ليست بالقصيرة. لماذا قررت أن هذه هي اللحظة
المناسبة لمشروعك الروائي الطويل؟
بدأت التفكير في عمل فيلمي الطويل الأول منذ كنت في الثامنة
والعشرين من عمري أي قبل 10 سنوات. وفي كل مرة كان أمر ما يجري بيني وبين
النص يباعد بيننا فلا أعود راغبًا في تطوير المشروع إلى فيلم. حتى التقيت
نص الكاتب السوداني حمور زيادة في مجموعته النوم عند قدمي الجبل، شعرت أنني
وصلت إلى الحكاية التي أرغب في حكايتها. وصلت إلى حكايتي، شاركني كتابة
السيناريو الصديق العزيز جدًا كاتب السيناريو الإماراتي يوسف إبراهيم؛
فبالإضافة إلى أننا أصدقاء مقربين كنا قد عملنا معًا في فيلمين سابقين،
وأنا أثق في يوسف ابراهيم وأشعر دائمًا أن هناك الكثير من المشتركات
الفكرية بيننا. وعلى الرغم من أنه لم يزر السودان يومًا، كانت لدي ثقة
كبيرة في أنه يعرف جيدًا كيف أرى السودان وكيف أريد أن أعبر عنها، وهو ما
فعله بالتحديد. وأنا سعيد جدًا لأننا تشاركنا هذه التجربة.
·
فيلمك هو الروائي السوداني الطويل السابع بعد انقطاع 20
عامًا، وقد كلفك رحلة طويلة من العمل الشاق والتواصل مع مؤسسات في بلدان
مختلفة لتأمين إنتاجها.. حدثنا عن رحلة إنتاج الفيلم؟
الإنتاج بالتأكيد كان أصعب التحديات التي واجهت صناعة
الفيلم؛ ففي بلد لا يمتلك أي مقومات للإنتاج السينمائي بسبب الحكم الإسلامي
الذي يسيطر عليه طوال سنوات، يصبح البديل الوحيد المتاح والمعروف هوا
لإنتاج المشترك. هناك شركات قليلة تساهم بشكل محدود جدًا في المشهد الثقافي
بشكل عام في السودان لكن ليس الإنتاج السينمائي. بيد أن الإنتاج المشترك
أيضًا ينطوي على تحديات غير قليلة، كانت البداية من عند المنتج المصري حسام
علوان بهدف الوصول إلى مصادر تمويل أجنبية، واستغرقت الرحلة سنوات، لكن حتى
بعد ظهور المنتجين الأجانب تصبح فكرة تقريب وجهات النظر بين أشخاص من
خلفيات ورؤى مختلفة أمر شاق، لكن في النهاية وصلنا إلى بر الأمان. لا
يمكنني أيضًا إغفال الإنتاج المحدود من شركة تايا وهي شركة سودانية مؤسسة
في دبي. من خلال تجربتي أنا مقتنع حاليًا أن صناعة الأفلام في السودان
تحتاج إلى أن تكون نسبة لا تقل عن 30% من الإنتاج في أي فيلم من مصادر
سودانية، وهو أمر صعب في الوقت الحالي لكنه غير مستحيل.
·
حدثنا عن محطات صناعة الفيلم والتحديات التي واجهتها بداية
من كتابة السيناريو والبحث عن الممثلين وتدريبهم والتصوير في السودان؟
قبل عام أو اثنين من بدء التصوير كان البحث عن مواقع
التصوير ولم تكن التجربة صعبة فالسودان بلد بكر لم تطأها كاميرات التصوير
بعد، لذلك فإن أي موقع يتمتع بقدر من الإبهار. كان هدفي من خلال الفيلم أن
أقدم صورة جديدة للسودان مبنية على حقيقتها البصرية التي لم يطأها أحد
سينمائيًا، لكن الصعوبة النسبية ظهرت مع بداية البحث عن فريق الممثلين
والممثلات.ففي بلد لا يتمتع بالحد الأدنى من الانتاج السينمائي والتلفزيوني
يصبح العثور على كوادر مدربة أمر صعب. أعلنا عن نداء مفتوح للممثلين وتقدم
الكثيرين، وبينهم عدد كبير من طلاب المسرح، بيد أن فريق الممثلين يضم أيضًا
ممثلون محترفون من بينهم محمود سراج الممثل السوداني الأشهر والذي طالما
حلمت بالعمل معه. كانت هناك بعض الصعوبات في تعامل الممثلين مع الشخصيات
لكنها كانت تجربة ممتعة جدًا. فقد عملنا معًا كثيرًا لمدة عام، وقبل بدء
التصوير دعيت الممثلة المصرية القديرة، سلوى محمد علي؛ لتدريب الممثلين
لفترة قصيرة، وكنت سعيد أيضًا بحضور الفنان محمود حميدة وإقامته في السودان
طوال خمسة أيام استطاع خلالها أن يمنح فريق التمثيل ثقة هائلة من روحه
وخبرته. بالتأكيد كان لهذه التجربة القصيرة قبل التصوير دور كبير في أداء
الممثلين. كما واجهتنا صعوبات في نقل المعدات وفرق التصوير وتوقف التصوير
لفترة بسبب مشكلات التأشيرات؛ فمعظم فريق التصوير والإضاءة مصريين، وقد مرت
العلاقة بين البلدين بفترة توتر أثرت على التصوير لكنها كانت قصيرة
وتجاوزناها بمساعدة فنانين مصريين كثيرين.
·
هل كانت مرحلة ما بعد الإنتاج سهلة من حيث إمكانيات
المونتاج والميكساج وغيرها؟
لم تكن مرحلة ما بعد الإنتاج صعبة مقارنة بصعوبات فترة
التصوير وما قبل التصوير، لكنني اخترت أن تتم عملية المونتاج في مصر، فهي
بالضرورة تستغرق وقتًا طويًلًا وقد رغبت والحال كذلك في أن أقضيها في مكان
أحبه ومع مونتيرة رائعة هي هبة عثمان. بيد أن الأحداث في السودان اشتعلت
خلال فترة المونتاج؛ فغادرت إلى السودان للمشاركة فيما يجري، وغيرت تلك
التجربة الكثير في نفسي، غيرتني. عدت من السودان محملًا بمشاعر هي خليط من
الحزن والسعادة. كان المتبقي من الزمن المقرر لانتهاء المونتاج أسبوعًا،
وأزعم أنه خلال هذا الأسبوع الأخير الذي شاركت خلاله في اعتصام القيادة
العامة، إذ عدت من السودان بشحنة هائلة، لتجري بقية مراحل ما بعد الإنتاج
بسلاسة.
·
هل تستطيع رصد ملامح مميزة للسينما السودانية الجديدة
برأيك؟
من المبكر جدًا أن نتحدث عن ملامح للسينما السودانية. لكن
يمكنني الحديث عن بلد محرومة من السينما لسنوات طويلة مؤكد أنها أرض
الحكايات غير المحكية. أتوقع أن تظهر ملامح السينما السودانية خلال السنوات
العشر القادمة. وربما يمكن طرح هذا السؤال بعد عشر سنوات من الآن. لكن أحد
ملامح الشخصية السودانية التي أنا سعيد بها والتي من المؤكد تؤثر في
السينما هي ذلك المزج الكبير في الثقافة السودانية بين الجذور العربية
والأفريقية. هذا المزيج هو الجزء المميز والجميل في الشخصية السودانية،
وأنا لا أحب الخوض في جدل هل نحن عرب أم أفارقة لأنه سؤال لا محل له من
الإعراب.
·
هل منصات تعليم السينما في السودان كافية حاليًا، وكيف ترى
مستقبلها لو تحدثنا عن خلق كوادر محلية قادرة على خوض غمار العمل السينمائي
بقوة؟
لا يوجد في السودان مصادر لتعليم السينما لكن توجد محاولات
متناثرة مثل مصنع الفيلم السوداني، ومبادرات أخرى تعمل على تنظيم الورش
لتطوير صناع السينما والتقنيين. بيد أن تلك المحاولات لم تبدأ سوى قبل
ثمانية أعوام. وأعتقد أنها مع ذلك تمكنت من خلق جيل جديد من صناع الأفلام
السودانيين الذين يحلمون بصناعة الأفلام ويحبون السينما. مثلًا خلال عملي
في مهرجان السودان للسينما المستقلة كنا نبذل كل ما بوسعنا لدعوة أفلام
تستفز صناع الأفلام الصغار لصناعة أفلامهم، خاصة من خلال تلك الأفلام
الجميلة ذات الميزانية المنخفضة، حتى يعرف الشباب أن صناعة الأفلام أمر
ممكن، وأن الأموال لا يمكنها أن تكون عقبة. وبالإضافة إلى صهيب سر الباري،
ومروة زين، هناك جيل من صناع الأفلام السودانيين الذين أراهم من الآن في
المستقبل، من بينهم محمد كردفاني، وشهاب ساتي، وغيرهم من صناع الأفلام
الشباب الذين لديهم الكثير من الطاقة والإمكانات والموهبة. أنا في انتظارهم
بكل تأكيد، وهناك حاجة ملحة لأن تكون هناك كيانات وأشكال لجمعهم معًا شرط
أن تكون مبنية بشكل مدروس.
·
المهرجانات العربية كانت أحد الداعمين لإنتاج فيلمك ومن
بينها مهرجان دبي السينمائي.. كيف يؤثر غياب مهرجانات بحجم "دبي" على صناع
الأفلام العرب حتى مع ظهور مهرجانات جديدة مثل البحر الأحمر؟
غياب مهرجان دبي السينمائي أزعجني كثيرًا ليس لأنه منحني
الدعم يومًا ما؛ وإنما لأنني أنتمي إليه وهو ينتمي إلي. دبي بالنسبة لي هي
المدينة التي تربيت فيها، وكان المهرجان بالنسبة لي نافذة لمشاهدة العشرات
من الأفلام التي كنا نسمع بوجودها دون أن نشاهدها في السودان. عملت أيضًا
لفترة كمساعد برمجة في العامين 2006 و2007 بمهرجان دبي. أنا ابن هذا
المهرجان. توقف المهرجان بهذا الشكل المفاجئ كان صادمًا ومؤلمًا ومؤذيًا
بالنسبة لي. كنت أحلم بعرض فيلمي الطويل الأول بمهرجان دبي لأنني أحفظ كل
بقعة في المهرجان عن ظهر قلب. فضلًا عن أنني حتى هذه اللحظة لا أعرف السبب
وراء إيقاف المهرجان بعد كل هذا النجاح. لا زلت آمل في عودة مهرجان دبي وفي
أن يعيد القائمين عليه النظر فيما حققوه وحققه المهرجان خلال 14 عامًا. لقد
كان مهرجانًا مهمًا للسينما العربية. أما بالنسبة لمهرجان البحر الأحمر فهو
مهرجان جديد، غير أنني كصانع أفلام أنتمي أيضًا للخليج فإن حزننا على غياب
مهرجان دبي، وأبو ظبي، ومهرجان الخليج يجعلنا نأمل في أن يستمر مهرجان
خليجي. معرفتي بالقائمين على مهرجان البحر الأحمر ومن بينهم أصدقائي
الأعزاء محمود الصباغ وأنطون خليفة، يجعلني مطمئنًا لمستقبله ولأسلوب
إدارته. انا سعيد بوجود مهرجان جديد يغطي الفجوة التي احدثها غياب مهرجانات
الخليج الأخرى التي لا زلت آمل في عودتها.
·
اختير فيلمك ستموت في العشرين ضمن 5 افلام عربية بالمسابقة
الرسمية لمهرجان الجونة؟ هل توقعت أن ينال فيلمك هذا الاحتفاء من مهرجانات
دولية وعربية كفينيسا والجونة وغيرها؟
كنت أدرك أننا نصنع فيلمًا جيدًا ولم يكن نجاحه مفاجئًا
لأننا بذلنا كل ما نستطيع ليظهر في أفضل مستوى ممكن، لكن لا يمكنني أن أخفي
سعادتي بالاحتفاء الكبير بالفيلم الذي يفوق توقعاتي ويشعرني بالخوف أيضًا
ربما من ارتفاع سقف التوقعات. أنا خائف قليلًا لكنني سعيد أيضًا؛ فالفيلم
حكاية جميلة أداها الممثلون بطريقة رائعة وتستحق المشاهدة. ورغم سعادتي
بالاحتفاء بالفيلم في فينيسيا وتورونتو؛ إلا أن عرض فيلمي في "الجونة"
يجعلني مترقبًا لردود أفعال وانطباعات الجمهور العربي.
·
ما هي خطوتك القادمة؟
هناك عدد من المشروعات في رأسي لكنني لا أعرف على وجه الدقة
ما هي خطوتي القادمة كمخرج، لكن كمنتج فقد بدأت بالفعل في مشروعين أحدهما
روائي طويل مع محمد كردفاني اسمه "وداعًا جوليا" سأقوم بانتاجه من خلال
شركة أسستها مع محمد العمدة وأطلقنا عليها اسم "ستيشن" أو "محطة"؛ بهدف دعم
صناعة الأفلام في السودان. الفيلم الثاني لحجوج كوكا الذي حصل على جائزة
الجمهور في مهرجان تورنتو منذ ثلاثة أعوام. وفيلمه هذا وثائقي يصور اعتصام
القيادة العامة في السودان الذين كنا جميعًا جزء منه. وقد اعتقل حجوج خلال
مشاركته فيه. الفيلم بعنوان "جمهورية أعالي النفق". وكمنتج اشعر بالسعادة
والحماس للعمل على هذين المشروعين، أما كمخرج فربما أحتاج إلى وقت أطول
لأحدد الخطوة القادمة. |