فيلم "ستموت في العشرين" يثير جدلًا في السودان وإعجابًا في
البندقية
عزمي عبد الرازق
خطف الفيلم السوداني "ستمون
في العشرين"
الأضواء في مهرجان
البندقية السينمائي،
وأثار دهشة الحضورالذي تابع العرض لأول مرة، من داخل مدينة فينيسيا،
بالتصفيق الحار، وقد حصل الفيلم الذي أخرجه الفنان الشاب أمجد أبو العلا
على جائزة مؤسسة "أدفنتاج" الإيطالية لكونه الفيلم الأفريقي الأكثر تاثيرًا
في المهرجان.
يحاول مخرج "ستموت في العشرين" أمجد أبو العلاء منذ سنوات
وبإمكانيات قليلة تقديم تجربة سينمائية ذات أسلوب خاص
يحاول مخرج الفيلم أمجد أبو العلاء منذ سنوات وبإمكانيات
قليلة تقديم تجربة فنية ذات أسلوب خاص، وهو يخوض في معاناة حقيقية، حيث لا
تتوفر بيئة سينمائية ملائمة في بلاده، لكنه استطاع أن يستقطب الدعم الخارجي
لتخطي أكبر عقبة تواجه صناعة صناعة الأفلام السودانية.
خلال حفل توزيع الجوائز الذي أقيم منتصف هذا الأسبوع، في
فندق اكسلسيور، قدمت المؤسسة الشكر لطاقم الفيلم (المخرج أمجد أبو العلاء،
والممثلين مصطفى شحاتة، إسلام مبارك، محمود السراج، بونا خالد، أمال مصطفى،
وطلال عفيفي) للمشاعر التي شاركوها، وأهدت صناع الفيلم جائزة على شكل تمثال
لفرس أفريقي نحاسي، كرمز للحيوية والابتكار والتنقل بين الشعوب الإفريقية.
"ستموت في العشرين" ينتمي للأفلام الروائية الطويلة التي
غابت عن المشاركة في المهرجانات العالمية باسم السودان لسنوات طويلة، منذ
رحيل المخرج السوداني الكبير جاد الله جبارة، ويعتبر فيلم أبو العلا بداية
مدهشة نسبيًا لتعويض ذلك الغياب، وهو مستوحى من قصة "النوم عند قدمي الجبل"
للكاتب الروائي حمور
زيادة الذي
يخوض أيضًا هذه التجربة لأول مرة، بلا رصيد سينمائي ولا مخاوف، بالاشتراك
مع الكاتب يوسف إبراهيم.
استغرقت مراحل التصوير نحو شهرين، في مناطق وسط السودان،
بالطابع الفلكلوري والأجواء الصوفية والقباب الخضراء والبيئة المحلية التي
ميزت المشاهد المرئية والروحية معًا، حيث تم تصويرها بتحكم كبير، ولقطات
بسيطة، لكنها مؤلفة بشكل بديع، ولحظات قليلة أشبه بالحلم، كانت قد أتاحت
للفيلم أن يتنفس.
يدور فيلم "ستموت في العشرين" حول قصة الطفل مزمل الذي عاش
في قرية فقيرة، تحت وطأة نبوءة أحد رجال الطرق الصوفية، بأنه سيموت في عقده
الثاني على الأكثر، وبالتالي تأتي كل المشاهد اللاحقة منطوية على هذا
الانتظار المرعب، القلق والخوف والترقب والحذر، والتحول من كائن بشري إلى
ملاك لا يريد أن يقابل الموت وهو مثقل بالدنيا، لكنه في الوقت نفسه يظهر
مصور سينمائي في حياته، محاولًا انتشاله من عزلة قاتلة، إلى الحياة والأمل.
خيبة الأم سكينة تكفن ملامح وجهها أثناء حفل الطقوس الدينة
لمولدها الذكر، بعد أن صقعتها نبوءة الشيخ، بينما قرر والده الهجر إلى
أثيوبيا عقب مولد طفله مزمل مباشرة، وما عرفه عن موت صغيره، لكن والدته
تعمل جاهده على حمايته من المجتمع، والأطفال الذي ينظرون له كطفل ميت، أو
أن يواجه مخاطر تعجل بتلك النبوءة، خصوصًا وأنه يعاني من غياب الوالد، إلا
أن مزمل خرج من العزلة، وذهب إلى المدرسة القرآنية، والتقى بالمعالج
الروحي، وهو حبيس الجدران، يواجه مصيره المشؤوم، والوزن الهائل للتقاليد
قبيل أن يظهر المصور سلمان، ليمنح الطفل مبررًا كافيًا لكسب للحياة في
مواجهة الموت، وإبطال النبوءة المشؤمة.
الكاتب الصحفي والقاص السوداني إسحق فضل الله نظر للفيلم من
خلال العرض الأول بصورة مزعجة، واعتبره محاولة تسويق أطروحة علمانية في
مواجهة الدين، وكتب مقالًا في صحيفة "الانتباهة" مستعرضًا مشاهد الشيخ الذي
يقول عن الطفل المولود إنه سيعيش عشرين سنة ثم يموت، حيث الطفل يظل في
شبابه متدينًا يهرب من سوء المصير، والخوف يجعله يشعر بأنه مطارد،
والمطاردة تجعله يكره ما يطارده، وهو الدين، ويتحول ضد الإسلام، وفقًا
لتصور إسحق.
اعتبر فضل الله، الذي ينتمي إلى النظام السابق، أن الإسلام
في الفيلم يصنعه ويأتي به المؤلف والمخرج، وهو وليس إسلامًا يأتي به النبي
محمد، حتى يبدو من القصة "إسلام به من الثقوب والخراب ما يجعل كل أحد
يكرهه". وقد رد عليه حمور زيادة مؤلف القصة في تدوينة على صفحته
بالفيسبوك،
موجهاً حديثه لإسحق "ستموت مشقوقًا بمغسة حرية التعبير والفن.. اصبر بس".
يدور فيلم "ستموت في العشرين" حول الطفل مزمل الذي عاش في
قرية فقيرة تحت وطأة نبوءة أحد رجال الطرق الصوفية بأنه سيموت في عقده
الثاني
عطفًا على كل ذلك، تبدو جهود المخرج أمجد أبو العلا هى
الأكثر تعبيرًا عن تطلعات الجيل السينمائي الجديد، والذي يؤمن بأنه قادر
على العودة وإدهاش العالم، وقد سبق هذا العرض ثلاثة أفلام روائية كانت
كافية لكسر حاجز الصمت الفني، من ضمنها "حديث عن الأشجار" للمخرج الشاب
صهيب عبد الباري، إلى جانب جهود طلال عفيفي المصور الفوتوغرافي والسينمائي
مدير "سودان فلم فاكتوري".
تنتمي أغلب هذه الأصوات تقريبًا إلى مدرسة المخرج الراحل
حسين شريف، الذي مات في القاهرة قبيل سنوات، دون أن يكمل عمله الأخير
"التراب والياقوت"، وهو عبارة عن تأويل سينمائي من سبعة قصائد لشعراء
سودانيين. وبرز نتيجة لموجة الهجرة الجماعية ما عرف بسينما المهجر، التي
بذلت عشرات الأفلام القصيرة، أشهرها "دائرة الألم" و"يوميات في المنفى"،
لكن أمجد أبو العلا وصهيب عبد الباري، ربما تخطيا الحواجز القصيرة، أو
الأفلام الوثائقية، إلى أعمال راوئية طويلة، ذهبت إلى أوروبا لتنافس، على
مهرجانات مشهودة، وقد نالت نصيبها المقدر من الجوائز العالمية.
كاتب وصحفي من السودان |