كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

محسنة توفيق:

نجومية أمّ وحِرفية أداء ومتانة حضور

نديم جرجوره

عن رحيل بهية مصر المناضلة

محسنة توفيق

   
 
 
 
 
 
 

ترحل محسنة توفيق قبل أشهرٍ قليلة على بلوغها 80 عامًا (29 ديسمبر/ كانون الأول 2019). تغادر بعد أسابيع قليلة على تكريمٍ لها في أسوان (الدورة الثالثة لـ"مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة"، المُقامة بين 20 و26 فبراير/ شباط 2019). تترك، بعد سنين طويلة، بهيّة وأم يحيى وأنيسة، فهي مُتعبةٌ، وثقل الأزمنة ضاغطٌ، ورغبة الانعتاق والراحة مُلحّة. لمحسنة توفيق فعلٌ أدائيّ يتمثّل في بلورة حضور درامي وجمالي لشخصية الأمّ، وهو فعلٌ أهمّ وأرقى وأعمق من ممثلات كثيرات غيرها، يَبْرعْن في تأديته، لكنهنّ يبقين أقلّ مرتبة من تلك التي تبلغها محسنة توفيق، وإنْ في أعمالٍ قليلة.

هذا لن يكون مجرّد رأي. رحيلها صباح أمس الثلاثاء، 7 مايو/ أيار 2019، دعوة إلى استعادة حضور سينمائي لها، بمعاينة اشتغالها في "العصفور" (1974) و"إسكندريه ليه!" (1979) ليوسف شاهين،و"ليالي الحلمية" (الأجزاء الثاني والثالث والرابع والخامس، تأليف أسامة أنور عكاشة، إخراج إسماعيل عبد الحافظ) تحديدًا، فمعاينة كهذه كفيلةٌ بتبيان جمالية اختبار دور الأمّ وتنوّعه، وكثافة حضور الممثلة وجماله. 
فبهيّة، المصنوعة كرمزٍ لمصر، بل لرؤية شاهين لمصر، هي أمٌّ (أبناؤها شعبٌ بكامله) تريد خلاصًا من بطش هزيمة، وخيبة انكسار، وتفكّك بيئة واجتماع، متأتٍ (التفكّك) من انقلابات الداخل وتمزّقاته. وأم يحيى تنكمش في ذاتيّة منكشفةٍ في صورتين: أولى كأمّ شاهين في وداعه قبل سفرٍ إلى خارج شارع ومكانٍ، وثانية كأمّ تائهة، ولو قليلاً، بين رغبةٍ لاواعية في الإمساك بابنها وإبقائه إلى جانبها، واستسلام واعٍ بضرورة أن تكون له حرية قول وفعل. أما أنيسة، فتعكس بهاء علاقة بين أمٍّ مكتفية بتربية ابنٍ ليس ابنها البيولوجي، وابنٍ يجعل الوفاق والتواصل والطاعة، غير الخانِعة أو المنكسرة، أسس ارتباطٍ يتفوّق على ذاته في صنع مَتانة علاقة، مشوبة بشوق وتماهٍ، بين ابن وأمّه، قبل أن تنقلب الأقدار، فيُسرف الابن في تمرّدٍ قاتل على أبٍ ينفضّ طويلاً عن ابنه رغم اقترابٍ ما منه، وتغوص الأم (أنيسة) في غيابٍ تدريجي.
وإذْ تُختصر السيرة المهنيّة لمحسنة توفيق بصُوَر مختلفة عن الأم، فهذا لن يحول دون تنبّه إلى مشاركاتٍ لها في أعمالٍ أخرى، لن تكون كلّها متساوية في اشتغالاتها الفنيّة. مع عاطف الطيّب مثلاً، لها فيلما "الزمار" (1985) و"قلب الليل" (1989). مع شاهين نفسه، لها فيلم ثالث: "وداعًا بونابرت" (1985)، وفيه تؤدّي دور أمٍّ أيضًا، كأنّ الممثلة معقودة عليه، أو كأنّ الدور اختبار دائم لها، يحثّها على ابتكار أدواتٍ جديدة لتقديم شخصية واحدة. أو كأنّ شاهين، بفطنته الواعية وخبثه السينمائي وجماله المعرفيّ، يُدرك أنّ فيها قدراتٍ على جعل الأمّ أجمل وأصدق وأعمق في كلّ مرة، وعلى دفعها إلى تخوم المغامرة المصنوعة بمفرداتٍ، تمزج بين حساسية الشخصية في الحياة الواقعية، ومتطلّبات اللغة السينمائية في إضفاء مزيج من الواقعية المطلوبة، والتفلّت الجماليّ في تأدية الواقعية تلك.

تقول محسنة توفيق إنّها مهتمّة بكلّ ما يُحيط بالشخصية التي تختارها، وليس فقط بالشخصية نفسها. تُنقِّب في بيئة الشخصية وتكوينها النفسيّ ـ الاجتماعي. تبحث عن مفرداتها الواقعية، كي تتحصّن فيها منعًا لخطأ أو خلل، فالتمثيل، وإنْ يكن أداءً ومهنة وانشغالاً عن الواقع لحاجته إلى الخيال، مُطالبٌ بحِرفية التماهي بالواقع، أو على الأقلّ بضرورة الاستناد إلى الواقع، كي يكون المتخيّل أكثر تحرّرًا في وظيفته، كابتكارٍ وجمالياتٍ. فهل يأتي هوسها بالاشتغال على الشخصية، وعلى ما يحيط بها من تفاصيل ومناخات وعوالم وتأثيرات، من دراستها الجامعية في شؤون الزراعة؟ أم أنّ تطوير صورة الأمّ نتاج تفاعل لاواع بين حياتها وانهماكها في بناء سينمائي لتلك الشخصية تحديدًا؟

مع عاطف الطيّب، تذهب محسنة توفيق إلى المختلف تمامًا، إذْ تنتقل من حساسية امرأة تحتضن ابنًا، إلى امرأة تحتضن رجلاً تائهًا في مصائب حياة، وتوّاقًا إلى خلاصٍ معلَّق، وراغبًا في انعتاقٍ من سلطة أبٍ. في "قلب الليل" (قصّة نجيب محفوظ، سيناريو وحوار محسن زايد)، تحتلّ هدى هانم صديق (توفيق) مكانة بارزة في مقاربة التوهان الشبابيّ، إذْ تُصبح زوجة ثرية لشابٍ (نور الشريف)، يُفترض به أن يكون ثريًا هو أيضًا، لكن تمرّده سببٌ في تشرّده القاسي في مناحي العيش والعلاقات والبحث عن منافذ ملتبسة لنجاة غامضة. محسنة توفيق، بتأديتها دور السيّدة الثرية، تؤكّد أنّ للتمثيل أولوية، وأنّ للشخصية متطلّبات لن تحول دون تقديم المُستَحَقّ للشخصية والفيلم، ولها هي أيضًا كممثّلة محترفة.

وإذْ تختبر محسنة توفيق، في اشتغالاتها السينمائية تحديدًا، مسالك مخرجين وكتّاب، وأمزجتهم وأنماط تفكيرهم، فهي غير متردّدة عن تجربة "البؤساء" (1978) لعاطف سالم. العنوان يُحيل إلى رواية (1862) للفرنسي فيكتور هوغو، والفيلم محاكاة مصرية لنصٍ مفتوح على العالم، من خلال سيرة الفقر والتشرّد والبطش السلطوي، قبل التحوّل إلى سلطةٍ بفضل المال. سرقة رغيف خبز سببٌ كافٍ لسجن فقير يتمكّن لاحقًا من الهرب، ويحصل على مال، ويعود برغبة الانتقام.

رغم تنقّلها الأدائي المتنوّع، ولها في التلفزيون والمسرح حضور مختلف أيضًا، تتمكّن محسنة توفيق من تحصين ذاتها إزاء مغريات النجومية، فنجوميتها الحقّة مستمَدّة من تفنّنها في انتقاء الأدوار، وإعلاء الصوت، وتحويل النبرة إلى تنصّت عميق يكشف غليان ذات وبيئة، ويعكس مسارات حياة وانقلابات. مع هذا، تشعر أنّ هناك نوعًا من غيرةٍ بين مخرج وممثل جيّد، فللأخير وهجٌ لن يحصل عليه الأول، وإن يحصل عليه فلن يكون بالقدر نفسه، كما تقول. تُدرك أنّ وهجها أكبر من ذاك المتعلّق بمخرجين متعاونين معها، ما يُؤدّي إلى غيرةٍ لن تحول دون استمرار التعاون معها، وهذا تأكيدٌ على أنّ لها ما لا يُمكن تجاوزه: حِرفية تمثيل، ومتانة أداء، وقدرة إقناعٍ بواقعية دور ومصداقيته. 

هذا كلّه صانع نجوميّة لها، تبدو أهمّ من تلك المُستندة إلى أضواءٍ استعراضيّة، وحضورٍ دائم ومُملّ خارج الـ"كادر"، هي التي تُتقن، مرارًا، كيف تصنع في الـ"كادر" أجمل نجوميّة ممكنة.

 

####

المسيرة السياسية لمحسنة توفيق:

من معارضة عبد الناصر إلى ميدان التحرير

القاهرة ــ مروة عبد الفضيل

غابت محسنة توفيق عن عالم الفن لحوالي 14 عاماً بسبب ظروفها الصحية الصعبة، التي عانت منها. لكن أيضاً بسبب منع آخر مسلسلاتها "أهل الإسكندرية" (تأليف بلال فضل، وإخراج خيري بشارة)، الذي كانت قد انتهت من تصويره قبل أربع سنوات وذلك لأسباب أمنية. إذ اتّهم العمل بالإساءة لصورة الشرطة المصرية. هكذا كانت إطلالتها الفنية الأخيرة في مسلسل "المرسى والبحار" (2005 ــ تأليف محمد جلال عبد القوي، وإخراج أحمد صقر)، مع الفنان يحيى الفخراني. أما الظهور الجماهيري الأخير فكان في "مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة" بدورته الثالثة، حيث تمّ تكريمها. 

وفي ندوة التكريم في أسوان، كشفت توفيق عن الكثير من أسرارها الفنية والسياسية أيضا. فتحدثت عن مشاهدتها لتنحي الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، ومشاركتها في التظاهرات الرافضة لمغادرة الرئيس منصبه، معتبرة أن هذا اليوم كان نقطة تحوّل في حياتها. لكن رغم ذلك تطرّقت في الندوة نفسها، إلى معارضتها سياسة عبد الناصر خلال سنوات طويلة، مؤكدة أنه أخطأ في بعض الأمور السياسية. هذا الموقف أدى إلى اعتقالها مطلع الستينيات ضمن حملات اعتقال الشيوعيين منتصف ستينيات القرن الماضي. وكان من بين الكتاب والفنانين، 21 اسماً، إلى جانب توفيق، بينهم فتحية العسال، وصافيناز كاظم، وكريمة الحفناوي. علماً طبعاً أن عبد الناصر عاد وكرّم محسنة توفيق بعد خروجها من الاعتقال بمنحها وسام الدولة للعلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1966 تقديرًا لقيمتها الفنية وقد تسلمت الوسام منه بنفسها. 

"تورّطها" في المواقف السياسية، جعلها أيضاً تعارض الرئيس السابق أنور السادات. فقالت في إحدى مقابلاتها سنة 2017 إن قرار السادات بزيارة فلسطين المحتلة عقب انتصار أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 كان له وقع كبير في نفسها. مضيفة أنه حين أعلن التلفزيون المصري هبوط طائرة الرئيس السادات في فلسطين المحتلة أصيبت بصدمة شديدة، "حتى الآن ما زال صوت المذيع صبري سلامة يرن فى أذني، فقد كنت أصور حينها أحد الأعمال المشتركة في اليونان، وكان يرافقني مجموعة من الممثلين العرب والمصريين، وجدت نفسي أنهار "وألطم على وشي من شدة الحزن". 

كان نتيجة ذلك صدور تعليمات سرية، وفق ما قالت بعدم ترشيحها لأية أعمال فنية: "قيل كثيراً بلاش محسنة توفيق تمثل، ورئيس التلفزيون كان زوج أختي وقتها هو من أبلغني بذلك، بسبب مواقفي السياسية، وقلت له لن أغير مواقفي، لذلك ظلت هناك تعليمات سرية بعدم ترشيحي للأعمال الفنية". 

أما عربياً فاشتهرت توفيق بمواقفها المعادية للاحتلال، فزارت بيروت عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية. أما عام 2006، فزار وفد مصري لبنان في الأسبوع الأخير من عدوان تموز/يوليو، ترأسه جمال مبارك نجل الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك. وقتها كشفت أنها لم تدعَ أساساً لتنضم إلى الوفد، وقالت في مقابلة صحافية في العام نفسه: "لم أفاجأ لأنهم لم يدعوني. هم يراهنون على انتهاء الحرب بعد ساعات، لذا عجّلوا في زيارتهم البروتوكولية إلى لبنان. هل تعتقد أن جمال مبارك كان سيدعوني إلى مرافقته؟ حتى لو طلب مني ذلك كنت سأرفض. اعتذرت مراراً عن تسلّم جوائز وزارة الثقافة المصرية، وأرفض دائماً الحديث مع أي من رموز السلطة المصرية". مضيفة: "لا أنتظر دعوة رسمية. أنا من الشعب، سآتي إلى بيروت مناضلة لا فنانة". 

لم يخفت وهج نضال محسنة توفيق طيلة سنوات حياتها. هكذا كانت من أوائل الفنانين الذين نزلوا إلى الشارع إلى جانب الثوار في 25 يناير/كانون الثاني 2011، وقد انتشرت صورها طيلة أيام الثورة وصولاً إلى تنحي مبارك في 11 فبراير/شباط 2011، خصوصاً صوتها في جمعة الغضب وهي تسير قرب مجموعة من القوى الأمنية المصرية لتنضم إلى الثوار.

 

العربي الجديد اللندنية في

08.04.2019

 
 
 
 
 

شعاع ساحر من ثقب إبرة!

طارق الشناوي

أكثر فنانة دفعت ثمن مواقفها السياسية هى محسنة توفيق، فى عهدى عبد الناصر والسادات، لم يكن مرحبا بها، ناصر أدخلها المعتقل لميولها اليسارية، وإن كان بعد ذلك منحها وسام العلوم والفنون، بينما ظلت وحتى آخر لحظة من حياتها معترضة على معاهدة كامب ديفيد والتطبيع مع إسرائيل.

ذهبت لميدان التحرير فى 25 يناير للتظاهر لإسقاط حسنى مبارك، لم تحسب تبعات أى موقف تتخذه، فهى تبحث أولا عن الانسان داخل محسنة توفيق.

حضورها أمام الكاميرا أو على خشبة المسرح دائما له وميضه الخاص ورغم ذلك كانت تأتى تعليمات من الأجهزة الأمنية لتضعها خارج نطاق الخدمة، منتهى القسوة أن يجد الفنان نفسه، وهم يضعون أمام اسمه علامة (أكس)، وهى أيضا لم تكن تقبل بأى دور، لا أتحدث عن المساحة ولكن يجب أن تقتنع أولا بجدوى العمل، حتى فى عز الحصار المحكم المفروض عليها، فهى لم تفقد أبدا قدرتها على أن تقول لا.

حكى لى المخرج احمد فؤاد وكان مشهورا عنه أنه يقدم الأفلام الكوميدية، التى تعتمد على المباشرة فى الضحك، أنه رشحها للمشاركة فى بطولة فيلمة (بيت القاصرات)، وكانت لديها تحفظات سابقة على أفلامه وطلب منها أن تقول رأيها بعد قراءة السيناريو وتحمست، وبالفعل كان (بيت القاصرات) هو أفضل أفلام المخرج الراحل احمد فؤاد لأنه استند إلى رؤية اجتماعية.

رصيدها السينمائى به لمسة استثنائية ليوسف شاهين فى (العصفور) والذى بدأ كتابته فى اعقاب هزيمة 67 وردد الناس كلمة محسنة توفيق (ح نحارب)، وكانت هى العنوان فهى (بهية) كما كتب الاغنية احمد فؤاد نجم ولحنها وغناها الشيخ إمام فى (التتر) (مصر يا أمه يابهية)، والغريب أنهما أيضا كانا ممنوعين من العمل، ولكن يوسف شاهين تحدى، وإن كان بسبب التدخل الرقابى اضطر إلى حذف اسميهما.

وتابعت مع يوسف شاهين (اسكندرية ليه) و(الوداع بونابرت)، وكان الفيلم الرابع هو (اليوم السادس)، فى البداية وقع اختيار يوسف شاهين على فاتن حمامة ثم سعاد حسنى وبعد اعتذارهما كانت محسنة توفيق هى المرشحة بقوة وأجرت البروفات، ولكن لاح فى الأفق اسم داليدا فضحى بها وهاجمته وقتها بضراوة على صفحات الجرائد، وانتهى بينهما المشوار، وبالفعل بعد عرض الفيلم اكتشفنا جميعا الخطأ الأكبر الذى وقع فيه يوسف شاهين .عاطف الطيب واحد من مخرجى جيل الثمانينيات، الذى قدر موهبتها وأسند لها المشاركة فى بطولة فيلميه (قلب الليل) و(الزمار)، الفيلم الأول بسبب التدخل الرقابى تم إفساده ولم ينجح فى تحقيق التماس الجماهيرى لأن الرقابة رأت فى القضية التى يتناولها- الفيلم المأخوذ عن قصة لنجيب محفوظ- اقترابا من الذات الإلهية، أما (الزمار) فلقد صاحب الفيلم الذى لعب بطولته نور الشريف وبوسى حظ عاثر ولم يعرض تجاريًا حتى الآن.

آخر إطلالة سينمائية، من 16 عاما فى (ديل السمكة) سيناريو وحيد حامد وإخراج سمير سيف، السيناريو قائم على تعدد الأنماط البشرية التى يلتقيها محصل الكهرباء الذى أدى دوره عمرو واكد، يلتقى امرأة وحيدة محسنة توفيق بأستاذية وحميمية ودفء ودخلت مباشرة قلوب الناس.

محسنة توفيق حصلت على جائزة الدولة التقديرية وقبل أقل من ثلاثة أشهر تم تكريمها فى مهرجان سينما المرأة بأسوان، وكان هذا التتويج هو مسك الختام، للفنانة الرائعة، التى ضيقوا عليها بضراوة الخناق، إلا أنها استطاعت أن تنفذ لقلوبنا من ثقب إبرة!!

tarekelshinnawi@yahoo.com

 

المصري اليوم في

08.04.2019

 
 
 
 
 

الموت يغيّب محسنة توفيق «بهية» الفن المصري

مشوارها السينمائي حافل بالأدوار البارزة

القاهرة: عبد الفتاح فرج

ودّعت مصر، أمس، الفنانة الكبيرة محسنة توفيق، التي غيّبها الموت، مساء الأحد، عن عمر ناهز 80 سنة، بعد مشوار فني حافل بالأدوار المميزة والمهمة في تاريخ السينما والمسرح والتلفزيون في مصر. ونعى الفنانة الراحلة الكثير من زملائها وتلاميذها ومتابعيها الذين عبروا عن حزنهم الشديد لوفاتها. وشيعت جنازتها أمس من مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة، وسط حضور أفراد أسرتها وعدد من نجوم الوسط الفني.

نالت محسنة توفيق المولودة في عام 1939، شهرتها السينمائية عبر دور «بهية» في فيلم «العصفور» الذي أخرجه يوسف شاهين عام 1974، وأصبح هذا الدور رمزاً للوطنية، حيث جسدت في نهاية الفيلم بصرختها «لأ، ح نحارب لأ، ح نحارب» رغبة الشعب المصري في النضال عقب تنحي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن الحكم.

ونعى المجلس القومي المصري للمرأة الفنانة الراحلة، في بيان صحافي: قال فيه «فقدت مصر فنانة عظيمة أثرت السينما والمسرح والدراما المصرية بأدوار كثيرة متنوعة، ذات رسائل هادفة وتركت بصمة واضحة عند جميع متابعيها داخل مصر وخارجها، وستظل أدوارها علامة في تاريخ الإذاعة والمسرح والسينما والدراما المصرية».

كما نعى الفنان إسماعيل مختار، رئيس البيت الفني للمسرح، الفنانة الكبيرة محسنة توفيق. وقال مختار إن «الفنانة الراحلة حفرت في ذاكرة الشعب المصري والشعوب العربية بتاريخها الفني جزءاً من ذاكرة الدراما في العالم العربي، أسكنها الله فسيح جناته، وألهم أهلها ومحبيها الصبر والسلوان». بينما نعاها الكاتب المصري مدحت العدل على صفحته الشخصية على موقع «تويتر» بقوله: «مصر يا أمة يا بهية يا أم طرحة وجلابية... الزمن شاب وانتي شابة هو رايح وانتي جاية... جاية فوق الصعب... رحم الله بهية (محسنة توفيق) النادرون يرحلون».

وحصلت توفيق على درجة البكالوريوس في كلية الزراعة عام 1968، وعرفت بتعاونها الفني مع المخرج الراحل يوسف شاهين في مجموعة من أبرز أعماله، هي: «العصفور، وإسكندرية ليه، والوداع يا بونابرت».

وقدمت محسنة توفيق، شقيقة الإذاعية الكبيرة «أبلة فضيلة»، دوراً رائعاً في مسلسل «الشوارع الخلفية» رواية عبد الرحمن الشرقاوي الشهيرة، ودور «أنيسة» في «ليالي الحلمية»، كما لعبت دور «الملكة» في مسلسل «محمد رسول الله»، وشخصية الأم في مسلسل «الوسية»، ودور «صفية زغلول» في مسلسل «أم كلثوم». كما قدمت دور «هدى» في فيلم «قلب الليل». وفي المسرح قدمت أدواراً جيدة في مسرحيات مهمة مثل «عفاريت مصر الجديدة»، و«منين أجيب ناس».

وقال الناقد الفني محمود عبد الشكور، عبر صفحته الشخصية على موقع «فيسبوك»: «محسنة توفيق إحدى أهم ممثلات السينما والمسرح المصري... وجهٌ طيب ومشاعر دافئة وقدرات عظيمة، تخرجت مثل كثيرين من الموهوبين في كلية الزراعة، منهم على سبيل المثال لا الحصر (عادل إمام، وسمير غانم، ومحمود عبد العزيز، ومحمد فاضل، وصلاح السعدني)». وأضاف: «محسنة التي حصلت على جائزة الدولة التقديرية عام 2013، لها حضور مكتسح سواء على المسرح أو أمام الكاميرا، تغيب ثم تعود بدور قوي ومميز، ورغم أنها ممثلة مسرحية بالأساس، فإنها من الممثلات النادرات اللاتي قدمن أداءً تعبيرياً منضبطاً أمام كاميرا السينما والتلفزيون، لا ترفع صوتها إلا إذا استدعى الموقف، ولا تحرك يديها باستمرار كما يفعل ممثلو المسرح، يكفيها أن تنظر بعينيها المتصلة بوجدان يقظ وشديد الحساسية، يكفيها أن تقول وتعبر بصوتها ووجهها».

وتابع عبد الشكور: «قدمت الفنانة الكبيرة أعمالاً مهمة، لكني أعتقد أنهم لم يستغلوا كل إمكاناتها كممثلة خطيرة ومن طراز فريد».

وكان آخر تكريم لها في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة في فبراير (شباط) الماضي. وقالت خلال ندوة تكريمها: «أنا من المؤمنين بأن الشعوب هي صانعة التاريخ وليس الأفراد، فهم صناع نجاح أي شخصية شهيرة ظهرت في مصر». وأضافت: «الشهرة التي حصلت عليها في شبابي لم تأخذني لمرحلة الغرور وخشيت منها وأنا كنت فتاة من طبقة وسطى، وشاهدت تغير النظرة للحياة بين المحيطين بي وتغير الأفراد والمجتمع معه».

وأوضحت أن يوسف شاهين، لم يقم يوماً بالسيطرة عليها في العمل، فقد كان شخصاً متعاوناً يوجه الممثل ناحية إحساسه وإيقاع العمل، وأنا أرى أنه من أكثر الناس الذين عرفوا شعب مصر والبسطاء وأحبهم وأحبوه. ولفتت خلال الندوة إلى أنها تحب فيلم «إسكندرية ليه» أكثر من فيلم «العصفور». مشيرة إلى أن دورها في فيلم «وداعاً بونابرت» كان الأصعب.

وعن ابتعادها عن الساحة الفنية قالت: «أنا لست منتجة أو مخرجة ولو عُرض عليّ أعمال مناسبة سأقبلها، وأنا لم أكن أفكر في احتراف الفن والتمثيل، لكنني وجدت نفسي ممثلة وعندما عرضت علي شخصية (هند) في (مأساة جميلة) لم أكن عضواً في النقابة وكنت وقتها أريد دخول كلية الطب أو الزراعة لأكون مع الفلاحين لمعالجتهم أو مساعدتهم في تطوير الأراضي الزراعية».

وعن المخرجين الذين أثروا في حياتها بشكل كبير غير يوسف شاهين، قالت: «عاطف الطيب وخيري بشارة». وأشارت إلى أن «أجمل الأعمال التي رغبت أن يراها الجمهور لم تُعرض، ولم يقدر لها أن تخرج للنور».

 

الشرق الأوسط في

08.04.2019

 
 
 
 
 

رحلت الصبية التي عليها الكلمة والمعنى: وداعاً محسنة توفيق

محسنة توفيق التي غنت مع الشيخ إمام وأحمد فؤاء نجم لم تطل المكوث بعدهما. وإذ يرحل هؤلاء الذين شكلوا فسيفساء وعينا وثقافتنا تباعاً، نشعر بأن فراغات كثيرة تتسع في الذاكرة، من دون أمارات تدل على إمكان سدّها.

بهية في فيلم العصفور؛ ماما أنيسة في مسلسل ليالي الحلمية؛ عائشة في مسلسل الوسية؛ أم السعد في مسلسل المرسى والبحار؛ صفية زغلول في مسلسل أم كلثوم

جميع هؤلاء الباقيات وغيرهنّ كثير هنّ محسنة توفيق التي رحلت عنّا عن عمر يناهز ٧٩ عاماً.

كثيرون ردّدوا معها، بوصفها بهيّة في فيلم العصفور، عبارتها المفعمة بالشموخ والتحدي وهي تجري خارجاً في واحدة من أجمل لقطات السينما العربية: “لأ… هنحارب، لأ… هنحارب”، بعد إعلان عبد الناصر التنحي عن الرئاسة في إثر نكسة حزيران ١٩٦٧.

كثيرون طربوا لغنائها في الفيلم ذاته:

ورفاق مسيرة عسيرة، وصورة حشد ومواكب

ف عيون صبيه بهيه عليها الكلمه والمعنى

مصر يمّا يا بهية.

ولدت محسنة توفيق في عام ١٩٣٩ لأم تركية وأب مصري. حصلت على بكالوريوس الهندسة الزراعية في عام ١٩٦٢. بدأ شغفها بالفنّ منذ طفولتها، وكان ذلك غناءً أولاً، ثمّ نصحها أحد مدرّسيها بترك الغناء والتوجه إلى التمثيل، فالتحقت بفرقة التمثيل المسرحي في المدرسة. وكانت حين تغيب ممثلة تقوم بأداء دورها، وهكذا بدأت مسيرتها الفنية التي تقارب ثمانين عملاً في السينما والتلفزيون.

لا يمكن الحديث عن محسنة توفيق كممثلة من دون التطرق لمسيرتها كمناضلة شيوعية، تشكّل وعيها السياسي في مرحلة من عمرها جدّ باكرة، وبدأت تعي أهمية دور الطلبة والعمال في الثورات وهي تستمع إلى نقاش الكبار وتعليقاتهم إزاء حادثة كوبري عباس، بعدما قام البوليس بمحاصرة المظاهرة التي خرجت من جامعة فؤاد الأول -القاهرة حاليًا- ثم أطلق الرصاص على أكثر من مئتي طالب، وسقط بعضهم في النيل.

ناصر أكثر شخص أحببته لكنه أكثر من تشاجرت معه في حياتي وحبسني، لأنني انتبهت لشيء خطير، وكان لابد أن أنبه الناس له نحن نتعرض لهجوم على أوطاننا، فالثورات من يقوم بها الشعوب وليست القادة

يبدو أنَّ حادثة كوبري عباس تركت أثرًا بالغاً في محسنة توفيق، إذ ربطتها في سن صغيرة بالشوارع والحواري الشعبية والناس وآلامهم. وهذا ما لازمها طوال عمرها، فكان آخر ما قالته في مهرجان أسوان لسينما المرأة، إنها مدينة للشعب المصري، وأضافت: “قدمتُ في حياتي ما أشعر به، وما استفزني وأعجبني من خلال انتمائي للطلبة والعمال منذ صغري، حيث جاءت ثورة ٢٠١١ فشاركت فيها، لذلك أنا مدينة لشعب مصر بوقوفي هنا”.

اعتُقلت محسنة توفيق في عهد عبد الناصر الذي قالت عنه: “ناصر أكثر شخص أحببته لكنه أكثر من تشاجرت معه في حياتي وحبسني، لأنني انتبهت لشيء خطير، وكان لابد أن أنبه الناس له نحن نتعرض لهجوم على أوطاننا، فالثورات من يقوم بها الشعوب وليست القادة، وكونه أن يصادف مرحلة معينة من المراحل وجود ناس مؤهلة لدور في القيادة لا يعنى أنها هي من صنعتها”. وقالت عن تجربة السجن: “السجن جريمة فظيعة، فأسوأ شيء أن تعتقل الناس بسبب أفكارها، فهذه جريمة في حق الإنسانية لا تغتفر”.

أمّا في عهد السادات فقد تمّ عزلها فنياً وسياسياً بسبب مواقفها. تقول في إحدى ندوات مهرجان أسوان الأخير في شهر شباط الماضي: “طُلب مني تغيير مواقفي السياسية، لكنني لم أفعل. فقد كنت دائماً أسأل نفسي عن سبب تظاهر العمال والطلبة منذ أن كنت صغيرة، وعرفت أنهم عانوا من الضغط والكبت وسوء المعيشة، وظلت حكايات كتلك تلازمني في حياتي, ودائماً أنظر إلى الظروف والأوضاع وآخذ بالأسباب”.

حين أُسنِد دور أنيسة إلى محسنة توفيق في الجزء الثاني من ليالي الحلمية كاد الجمهور ينسى فردوس عبد الحميد التي أدت الدور ذاته في الجزء الأول. مع صوت محسنة توفيق الطافح بالأمومة وشخصية أنيسة المفعمة بالنبل بات من الصعب التفريق بين الممثلة والشخصية.

محسنة توفيق التي غنت مع الشيخ إمام وأحمد فؤاء نجم لم تطل المكوث بعدهما. وإذ يرحل هؤلاء الذين شكلوا فسيفساء وعينا وثقافتنا تباعاً، نشعر بأن فراغات كثيرة تتسع في الذاكرة، من دون أمارات تدل على إمكان سدّها.

تغصّ صفحات التواصل الاجتماعي بصور ومشاهد وكلمات تنعى محسنة توفيق, ونغصّ بالذكريات والبكاء.

من أعمال محسنة توفيق في السينماالزمار، البؤساء، قلب الليل، حادثة شرف، العصفور،اسكندرية … ليه، وداعاً بونابرت، قلب الليل، ديل السمكة.

ومن أعمالها في التلفزيونالمفسدون في الأرض، اللص والكلاب، ليالي الحلمية، المرسى والبحار،حبنا الكبير، أم كلثوم، الوسية.

وقدمت في المسرح منين أجيب ناس لنجيب سرور.

وداعاً محسنة توفيق،

وداعاً يا بهيّة.

 

أوان اللبنانية في

08.04.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004