كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

«الشرق الأوسط» في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (4):

«بيك نعيش» افتتح قسم «آفاق السينما العربية»

القاهرة: محمد رُضا

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الحادية والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

افتتح قسم «آفاق السينما العربية» أعماله بالفيلم التونسي «بيك نعيش»، وذلك في اليوم الثاني من أعمال مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي انطلق في العشرين ويستمر حتى الثلاثين من هذا الشهر.

المسابقة التي تتخصص في عروض أفلام عربية دخلت عامها السادس هذه السنة، بعدما انطلقت بستة أفلام في دورتها الأولى كسبيل لتعزيز وجود السينما العربية في هذا المهرجان، وتوفير سند إعلامي وجماهيري لها، مع جائزة متواضعة للفيلم الفائز.

الآن، أصبحت التظاهرة إحدى أهم التظاهرات التي ينتظرها القادم إلى القاهرة، جنباً إلى جنب القطاع العريض من المشاهدين، الذين يدركون أن توزيع الأفلام في البلاد العربية، بالنسبة لهذا النوع من الأعمال المختلف عن السينما السائدة، هو أمر مستحيل للأسف.

- أزمة مزدوجة

«بيك نعيش» هو الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجه مهدي البرصاوي، بعد ثلاثة أفلام قصيرة نال بعضها جوائز في مهرجانات أخرى. وكون هذا الفيلم هو الروائي الطويل الأول يجعل المرء أمام توقعات شتّى أسوأها أن يعاني الفيلم مما يطلق عليه عثرات البداية، لكن عكس هذا هو ما ينتهي إليه العمل على مختلف أصعدته.

يحكي قصة عائلة سعيدة من ثلاثة: الأب فارس (سامي بوعجيلة)، ومريم (نائلة بن عبد الله)، وابنهما الصغير يوسف (يوسف خميري)، وهم يمضون وقتاً طيباً مع أصدقاء ومعارف في الريف. تمسح الكاميرا (يقودها الفرنسي أنطوان إبيريل) الجو العام منتقلة بين الوجوه وحركات الأيدي، وتحاول نقل الجو المرح لهذا التجمّع. الطريقة التي اختيرت لعكس هذا الفرح الواضح لا تشي بفيلم غير تقليدي. لكن حالما تركب العائلة سيارتها في طريق العودة على ألحان «دسك» لأغنية شعبية حديثة حتى يدرك المشاهد أن شيئاً خطيراً لا بد سيحدث. ربما حادثة طريق، خصوصاً أن الأب وراء المقود يشارك الرقص والغناء، ونصف عينه على الطريق ومنحنياته.

يقع ذلك الحادث مفاجئاً، على الرغم من توقعه، إرهابيون يطلقون النار على السيارة من دون سابق إنذار. في محاولة فارس الهرب، يُصاب ابنه. يهرع الأب وزوجته به إلى أقرب مستشفى، ثم إلى آخر مجهز بما تتطلبه عملية جراحية قد تبقي الصبي على قيد الحياة، أو تخفق في هذا الصدد فيموت.

يتطلب الصبي يوسف عملية نقل كبد مناسب، وبنتيجة التحليل يكتشف الطبيب المشرف أن الأب ليس الأب البيولوجي للولد. مفاجأة تعصف بالأب الذي عاش حياته الزوجية معتقداً أن يوسف هو ابنه. الوقع قوي كذلك على الزوجة التي كانت على علاقة برجل آخر ابتعد عنها، وهو الأب الفعلي للصبي القابع طوال الوقت بين الحياة والموت.

ما ورد آنفاً هو الجانب الاجتماعي - الأسروي التي تبدلها حادثتان: رصاصة في الكبد وأخرى في العلاقة العاطفية بين الزوج وابنته.

لكن المخرج، الذي كتب السيناريو، أوعى من أن يترك النص من دون دمجه بقضية واسعة مبللة بالوضع السياسي، فكون الأحداث تقع بالقرب من الحدود الليبية، وفي سنة من العنف الدموي هناك (2011)، سمح له بأن يعيل على فكرة أن يوافق الأب على اقتراح شخص غير معروف لديه بجلب كبده عبر الحدود، لإنقاذ ابنه، في الوقت الذي كانت فيه الأم تحاول الاتصال بمن أنجبت منه قبل 11 سنة، لكي يأتي ويتبرع بجزء من كبده، كما أوصى الطبيب.

الطرف الأول من الموضوع هو أول تعرض سينمائي عربي معروف لمسألة الاتجار بالأعضاء البشرية، ضحاياها من الأولاد الصغار. هناك ذلك المشهد الذي يعتقد فيه الأب، وقد ساق سيارته إلى نقطة بعيدة من الصحراء، حسب موعد مضروب، أنه سيستلم كبد صبي بالفعل فإذا به يستلم صبياً حُكم عليه بأن يكون ضحية بريئة يتم الاتجار بها بلا رحمة. الصبي، أسود البشرة، لا يعرف ما الذي سيحصل له نتيجة عملية المبادلة: المال وهو، والفيلم يحسن إخراجه بعد قليل من الحبكة بعدما أدّى دوره الأكبر في الإشارة إلى القضية المنسية التي يمثلها.

- ثلاثية العلاقات

قبل ذلك وبعده، يعمل الفيلم على إيفاء العلاقة المنسوفة بين الزوجين. وأحد أبرع الملامح هنا يكمن في عبارة ترد سريعاً (ولا يعمل المخرج على استنفاذها كاملاً) على لسان الزوجة التي تقول لزوجها الرافض للحديث معها بعد اكتشافه أنه ليس أب الصبي، متسائلة عما إذا كان موقفه الثائر هو ما عاد به من فرنسا، بعد أن هاجر إليها للعيش والعمل. لا يملك فارس جواباً، لكن الفيلم يلكز خاصرة هذه القضية بدورها: عودة الشرقي لتقاليده حالما يعود من الهجرة فإذا به يتصرف كما كان سيتصرف معظم أبناء وطنه.

«بيك نعيش» هو أحد عدة أفلام تونسية تتناول العلاقة بين أب وابن وأم تم تحقيقها خلال العام الماضي، وهذه السنة، وتجتمع في أنها تطرح هذه العلاقة الثلاثية بين زوجين؛ الأب فيها حاضر دائماً، لكن الزوجة غائبة في أحد هذه الأفلام، والابن غائب في فيلم آخر.

كذلك تجتمع في أن «بيك نعيش» ينضم إلى ثلاثة من هذه الأفلام في موضوع مهم هو عودة الأب المهاجر إلى تونس بعد حياة ناجحة في فرنسا. هنا التقريب النموذجي لكيف أن هذه العودة ليس فقط بدنية، بل تحمل في طياتها العودة إلى المفاهيم التقليدية، وتبنيها حال حدوث مأساة كالذي يعرضها هذا الفيلم.

ما يجعل المسألة أصعب على الزوجين حقيقة أن الزوجة هنا لم تكن تعلم مطلقاً أن ابنها يوسف ليس من زوجها فارس. الخبر الذي زُف إليها بقدر كبير من العناية من قِبل الطبيب (نعمان حمدة) فاجأها كما فاجأ، لاحقاً، الزوج عندما علم بالأمر.

بينما يحسن السيناريو التعامل مع الحاضر تحت تأثير ذلك الماضي، يحسن كذلك البقاء في الحاضر عوض فتح نافذة عريضة صوب الماضي. يكتفي بالمفاجأة، وبالحوار الساخن، ومحاولة الزوجة إيضاح أنها لم تكن تعلم، وثورة الزوج، وكل ذلك يفي بالكثير، ويلغي ما كان سيؤول إلى ميلودرامية الموقف لو أن الفيلم سمح لنفسه النهل من الأمس على نطاق واسع.

لكن النهاية هي التي تشرئب بعنقها في عدم تجانس. عملياً هناك إسراع مبرر (ولو غير محبّذ)، في الدقائق العشرين الأخيرة. لكن ما يجعل الفيلم يبدو وقد رزح تحت ضغط إقفال حكايته أن تقديم شخصية سامي، الأب الطبيعي للابن، تم في الدقائق الأخيرة، وموافقته سريعة (ولو أنه سبق وأن رفض ذلك عبر اتصال هاتفي مسبق) بالتالي ليست مبررة جيداً. لو تم تقديم سامي بمشهدين أو ثلاثة سابقة لانضبط موقفه تحت شروط أكثر إقناعاً.

«بيك نعيش» فيلم صلب في موضوعه على جانبي هذا الموضوع. الحكاية العائلية معالجة بإتقان، والعلاقة بين الزوجين موزعة في مشاهد متساوية ومن دون حكم لصالح آخر. الحرب الليبية، التي تحتل جزءاً أصغر من الفيلم، تقحمنا فيما هو خطير وغائب ومغيّب، وهو التجارة بمخطوفين من الأولاد (نراهم يهرعون إلى شاحنة صغيرة كالماشية لسوقهم بعيداً) من قِبل رجال لم تعد تحيا في قلوبهم أي عاطفة ولا في ضمائرهم أي روادع أو واعز.

 

####

 

شراكة سعودية ـ مصرية لدعم السينما العربية

جدة: «الشرق الأوسط»

أعلن مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي عن عزمه منح الفرصة لفريق من السينمائيين العرب في ملتقى القاهرة السينمائي للمشاركة في النسخة الأولى من سوق البحر الأحمر، والذي يعد سوقا سينمائيا دوليا تستضيفه جدة من 13 إلى 16 مارس (آذار) المقبل.

وتأتي الشراكة بين مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي تأكيداً على الرؤية المشتركة في دعم جيل جديد واعد من السينمائيين العرب.

وسيختار فريق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي مشروعاً واحداً من فئة الأفلام الروائية قيد التطوير، على أن يُعلَن اسم المشروع الفائز خلال حفل توزيع جوائز ملتقى القاهرة السينمائي، الثلاثاء المقبل ضمن فعاليات الدورة الحادية والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

حيث سيتم منح فريق المشروع الفائز من مخرج ومنتج فرصة المشاركة في سوق المشاريع ضمن سوق البحر الأحمر السينمائي، شاملة تكاليف التسجيل والسفر والإقامة، حيث سيقوم الفريق بعرض مشروعه أمام أكثر من 150 شخصية رائدة في قطاع السينما. كما يشارك في سوق المشاريع 20 فريقاً، بينها 12 مشروعاً تم تطويرها عبر معمل البحر الأحمر السينمائي. تُتبَع جلسات عرض المشاريع بثلاثة أيام من الاجتماعات المباشرة المكثفة، وتحصل أفضل المشاريع على التمويل والدعم اللازمين لإنتاج هذه الأفلام. ويقدّم مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي العديد من الفرص الهامة للعاملين في صناعة السينما من جميع أنحاء العالم، بهدف التواصل مع نظرائهم من القطاع السينمائي المحلي والإقليمي. ويشتمل البرنامج على ورشات عمل وندوات ومحاضرات وجلسات تواصل لبناء علاقات بين المنطقة العربية والعالم، والترويج للمشهد السينمائي العربي والسعودي.

ويلتزم مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بدعم وعرض الأفلام السعودية والعربية والدولية ببرنامج يقدم أفضل الإنتاجات السينمائية المعاصرة في المنطقة والعالم. في الوقت الذي أعلن مسؤولو المهرجان عن ترحيبهم بطلبات المشاركة من السينمائيين الجدد وأصحاب الخبرة بدءاً من يوم الخميس المقبل عبر الموقع الإلكتروني للمهرجان.

 

الشرق الأوسط في

23.11.2019

 
 
 
 
 

لقطات من مهرجان القاهرة السينمائي..

عن سما المصري وسكورسيزي

هشام أصلان

1

بدأت سما المصري حياتها العامة قبل سنوات، راقصة لفتت النظر بدرجة من التحرر وجسد شرقي رجراج ووجه لا هو جميل ولا هو سيء. وكعادة الظواهر في عصر السوشيال ميديا أعجبت البعض بمعنى تقليدي للذكورة الشرقية ولم تعجب البعض.

بارتباك المجال العام في سنوات ما بعد ثورة يناير، وفي لحظة شديدة التوتر، خصوصاً على الساحة السياسية، حدث أن ظهرت سما في أكثر من مشهد. لا أتذكر التفاصيل، ولكن كان هناك إعلان قبل سنوات عن نية الترشح للرئاسة أو البرلمان أو شيء كهذا، ومعارك مفتوحة مع مرتضى منصور، ومع المطرب الشعبي مصطفى كامل نقيب المهن الموسيقية وقتها، ما ساهم في ظهور متكرر على شاشة بعض الفضائيات وبرامج يقدمها مذيعون من نوعية وائل الإبراشي في حالة ترويج لا يفسدها كون المضيف يهدف إلى استغلالها في زيادة نسب المشاهدة. لا أعرف إن كانت قد توقفت عن الرقص الشرقي أم هي مستمرة، لكن الحاصل أن تلقيها يأتي في سياق كونها شخصية عامة مثيرة للجدل والسخرية في أحيان كثيرة.

رواد "فيسبوك" يتحدثون عن أن المسألة هي مجرد قدرتها الناجحة على ركوب الموجة أو "التريند"، بإمكانيات قوامها رغبة في الظهور أيا كان الثمن ولو حولت نفسها إلى أراجوز مضحك لإثارة الرأي العام، غير أن ذلك الظهور، أيا تكن أسبابه، هو ترجمة مؤكدة لأن هناك مناخاً يلائمه.

قبل عدة أيام، انتشرت صور سما المصري في حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي "دورة يوسف شريف رزق الله"، وهي ترتدي فستاناً ضيقاً غير مكشوف وإن أبرز ملامح جسدها المشغول بوضوح بجراحات بائسة للتجميل، بينما غطت رأسها بحجاب تقليدي، لتأتي عناوين الأخبار من قبيل: "سما المصري تثير ضجة بحجابها في مهرجان القاهرة السينمائي". صفحات الفيسبوك سخرت وضحكت كثيراً مع انتشار الصور التي تدعو حقاً للضحك من باب أن الكوميديا سوداء أحياناً، بينما لم يجب أحد عن سؤال متكرر: من الذي يهتم "سنوياً" بدعوة سما المصري رسمياً لحضور افتتاح المهرجان الدولي الوحيد للسينما المصرية؟ أو أستعير سؤالاً أكثر عمومية طرحه المايسترو المعروف هشام جبر على صفحته: "الواحد يشتغل إيه عشان يتعزم على افتتاح المهرجان؟".

2

مصادفةً، عرفت أن عروض الأفلام المشاركة في المهرجان عادت مُتاحة للجمهور العادي في دور العرض قبل فترة، حيث كانت في أعقاب 2011، ومع التوتر العام، قد تم قصرها على من يحملون كارنيهات المشاهدة من الصحافيين والسينمائيين. كنت أسأل عن إمكانية مشاهدة فيلم "أيرش مان"، إخراج مارتن سكورسيزي وبطولة روبير دينيرو وآل باتشينو، الذي ينتظره المهتمون منذ أُعلن عن بدء تصويره. نجحت إدارة مهرجان القاهرة في الاتفاق على أن يكون الفيلم المنتظر هو فيلم الافتتاح، واعتبره المهتمون حدثاً جيداً وهو كذلك بالفعل. كنت أسأل عن إمكانية مشاهدته عندما عرفت أنه سيعرض مجاناً للجمهور العام صبيحة ليلة الافتتاح، غير أن حضوره في هذه الحالة يتطلب الذهاب قبل موعد العرض بساعات طويلة للحاق بمقعد خالي. المحظوظون إذاً بحضور الافتتاح، ومعهم من يستيقظون مبكراً، هم فقط من سيحصلون على متعة مشاهدة الفيلم المنتظر في دار العرض للأبد، ذلك أن الفيلم لن يُتاح في دور العرض بشكل طبيعي، ولكن سيتم عرضه على موقع "نتفلكس" مباشرة خلال الأيام المقبلة، ما يُفقد محبي السينما عنصرا مهما من عناصر المتعة، وهو عنصر المشاهدة على شاشة السينما.

3

قبل عدة أيام أيضاً، صدر العدد الجديد من مجلة "الفيلم" التي تصدرها جمعية النهضة العلمية والثقافية "جزويت القاهرة"، التي يوافق خمس سنوات على تأسيسها. والعدد الجديد يأتي بالتعاون بين إدارتي تحرير المجلة ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث تحتفي به وبتأثيره في صناعة السينما المصرية، بينما أعطت إدارة المرجان للمجلة فرصة استخدام أرشيف مادته وصوره العملاق، والذي تشكله 41 سنة هي عدد دورات المهرجان.

المجلة، التي يرأس تحريرها الكاتب المصري سامح سامي، هي المطبوعة المصرية الوحيدة المتخصصة في صناعة السينما وثقافة الصورة، وينظر عددها الجديد في تاريخ مهرجان القاهرة السينمائي، الذي هو "ثاني أقدم ملتقى سينمائي في المنطقة العربية بعد مهرجان قرطاج، ويعتبر ساحة كبيرة لعروض أفلام الشعوب".

ويوضح مقال الناقد حسن شعراوي، رئيس التحرير التنفيذي، أن التعاون مع المهرجان كان "فرصة ثمينة لباحثي مجلة الفيلم لقراءة تاريخ المهرجان من أرشيفه الخاص بمطبوعاته ونشراته وصوره".

العدد يضم مقالات منها: "لماذا مهرجان القاهرة السينمائي؟" لسامح سامي رئيس تحرير المجلة. كما يكتب أحمد شوقي القائم بأعمال المدير الفني للمهرجان شهادته تحت عنوان "أن تعمل في المهرجان.. شهادة عن أربعة عهود وسبع دورات". وتكتب صفاء الليثي عن أفلام المسابقة الرسمية، بينما يرصد أندرو محسن 35 فيلماً تشهد عروضها العالمية والدولية الأولى موزعة على البرامج المختلفة، ويستعرض محمد طارق ملتقى "أيام القاهرة لصناعة السينما"، وتكتب ضحى الورداني حول أفلام المخرج البريطاني تيري جليام، الفائز بـ"جائزة فاتن حمامة" التقديرية.

ويضم العدد شهادات لسمير غريب وماجدة خير الله وخالد محمود وآخرين، فضلاً عن ألبوم صور المهرجان من أرشيفه التاريخي، ومختارات لبعض المقالات مترجمة للإنكليزية.

4

قدم الممثل المصري خالد الصاوي حفل الافتتاح بطريقة جديدة وخفيفة الظل، بالأحرى فقرة تمثيلية مرتجلة اختصر فيها واحدة من أبرز المشاكل التي يعاني منها السينمائيون في السنوات القليلة الماضية، وكيف يتم الاتفاق بين الممثلين والمخرجين وكتاب السيناريو وشركات الإنتاج بشكل يتسم بالعشوائية وعدم الوضوح، ما صار الفنان يقبله بسبب من صعوبة العمل في ظل الأزمات المالية وغير المالية التي تعاني منها الصناعة كما كل حالات العمل في المجال العام عموماً. صنع خالد حالة لطيفة وإن لم يستطع، طبعاً، أن يمر بفقرته الساخرة على الأسباب الحقيقية لهذه الأزمات.

 

ضفة ثالثة اللندنية في

23.11.2019

 
 
 
 
 

اليوم.. مهرجان القاهرة ينظم ليلة في حب يوسف شريف رزق الله بمسرح الهناجر

ينظم مهرجان القاهرة في السادسة والنصف من مساء اليوم السبت، ليلة في حب الناقد يوسف شريف رزق الله المدير الفني للمهرجان، والذي رحل يوليو الماضي، أثناء التحضير للدورة 41.

ويعرض المهرجان خلال الاحتفالية الفيلم التسجيلي "رزق السينما" إخراج عبد الرحمن نصر، الذي أنتجه المهرجان ضمن برنامج تكريم "رزق الله" ويظهر خلال الفيلم أكثر من 20 سينمائيا، أبرزهم؛ الكاتب وحيد حامد، والفنانين يسرا، وحسين فهمي، والمخرجين يسري نصر الله، وهالة خليل، وخيري بشارة، ومروان حامد، ومديرا التصوير محمود عبد السميع رئيس جمعية الفيلم، وسعيد شيمي، والنقاد، كمال رمزي، وطارق الشناوي، ومحمود عبد الشكور، وخالد محمود، ورامي عبد الرازق، ورامي المتولي، بالإضافة إلى الإعلامية درية شرف الدين وزير الإعلام السابق، والمهندس أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون الأسبق، والإعلامي شريف نور الدين، والناقدة ماجدة واصف رئيس مهرجان القاهرة السابق، والسيناريست سيد فؤاد رئيس مهرجان الأقصر.

كما يظهر خلال الفيلم أيضا نجليّ الراحل الناقد أحمد رزق الله، والمهندس كريم رزق الله، ومن أسرة المهرجان يتحدث عنه المنتج محمد حفظي رئيس المهرجان، والناقد أحمد شوقي القائم بأعمال المدير الفني.

وكان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، قد أعلن في أغسطس الماضي، عن اهداء الدورة 41 للناقد الراحل يوسف شريف رزق الله، والإبقاء على اسمه مديرا فنيا، كما تم اطلاق اسمه على جائزة الجمهور.

يذكر أن، يوسف شريف رزق الله، ارتبط بمهرجان القاهرة السينمائي، منذ دوراته الأولى، ومنحه حوالي 40 عاما من حياته، بدأت بمشاركته في لجنة اختيار الأفلام بالدورات الأولى، قبل أن يتم اختياره سكرتيرا فنيا للمهرجان عام 1987، ثم مديرا فنيا عام 2000 وحتى رحيله 12 يوليو 2019.

 

####

 

«ابنة اللص».. عن جراح لا تلتئم أبدا

أحمد عزت

ينشر بالتعاون مع مهرجان القاهرة السينمائي

 ("عليك أن تغادر، حين تكون هنا أشعر أنني على وشك الموت، وأنا لا أستطيع أن أموت"

توجه الشخصية الرئيسية بالفيلم "سارا" هذه الكلمات لوالدها "مانويل" حين تذهب لزيارته بمسكنه في مشهد قرب النهاية، قبل أن يدب بينهما شجار بالأيدي. يقوم الأب على إثره بطردها، لكنها قبل أن تخرج يطلب منها في حنان أبوي صادق ألا تبكي!.

هذا المشهد يمثل مدخلا مناسبا لفهم طبيعة علاقتهما المعقدة، والمليئة بالتناقضات، والتي تشكل مركز الفيلم الذي يدور حوله كل شيء وعبر فهم هذه العلاقة نتعرف على دوافع الشخصية الرئيسية ومعنى ما تكافح من أجله بكل ما أوتيت من قوة.

تفتتح المخرجة الإسبانية "بيلين فونيس" فيلمها الروائي الطويل الأول بأصوات غامضة من الواقع اليومي لبطلتها على شاشة سوداء ويستمر الصوت أيضا بعد نزول تترات النهاية، وما بين البداية والنهاية تقدم لنا المخرجة شريحة زمنية مقتطعة من حياة «سارا/ جريتا فرنانديز" فتاة في مطلع عقدها الثاني تنتمي للطبقة الفقيرة في برشلونة، تناضل من أجل العيش تتنقل بين عدة وظائف من أجل أن تدعم طفلها "6 شهور" وأخيها الأصغر الذي يعيش داخل أحد دور الرعاية الاجتماعية وتطالب بحضانته قانونيا.

لا تشغل المخرجة فيلمها بتفاصيل زائدة، تبقي ماضي الشخصيات غامضا ولا تغوص في سيكولجية أبطالها، بل تحاول بواقعية شديدة أن تقدم الواقع اليومي الذي تعيشه بطلتها وترصد أفعالها في عالم شديد التطلب، بينما كل ذلك الزخم الحكائي يظل دائما خارج الكادر.

نحن لا نعرف مثلا ماضيها مع والدها نعرف فقط من ثنايا الحديث أنه دائم التردد على السجن وأنه طالما هجرها وأذاها هي وأخيها، لكن ما ينفذ إلى قلب العلاقة مباشرة على نحو واضح هو ذلك المشهد حين ترى سارا والدها لأول مرة بعد عودته إلى برشلونة، حيث كانت بأحد مؤسسات الخدمة الاجتماعية بحثا عن عمل ومعها طفلها في عربة أطفال، تحمل سريعا طفلها بين ذراعيها وتهرب من المكان، هذا التهديد الذي يمثله الأب الذي نستشعره في نظراتها وفي فعل الهرب، يقول عن العلاقة بينهما أكثر من أي حوار أو ذكريات مستعادة.

نحن لا نعرف أيضا سبب انفصالها عن زوجها، هو رجل طيب القلب ويرعاها جيدا هي وابنهما، لكنه يرفض محاولاتها لاستعادته، لكننا نفهم أيضا عبر الحوارات بينهما أنها وبسبب إحساسها المزمن بعدم الأمان نتيجة علاقتها السامة بوالدها، ترغب دائما أن تفعل كل شيء على طريقتها، كي لا تعتمد على أحد ويخذلها في النهاية.

هذا الحجب المتعمد لبعض المعلومات عن ماضي الشخصية، ونثرها في ثنايا الحكي هكذا بطريقة غير مباشرة يحعل المشاهد أكثر انتباها، كما يجعل منه شريكا في كتابة الحكاية.

هواجس امرأة وحيدة

حين يسألها مدير أحد المطاعم في مقابلة من أجل وظيفة: من أنت، كيف تعرفين نفسك؟ تجيبه بعد تردد: أنا مجرد شخص طبيعي. على الأقل هذا ما تحلم به "سارا"، وبالنسبة لها كي تكون طبيعيا عليك أن تمتلك عائلة، وهو الأمر الذي حرمت منه بسبب والدها الذي طالما تركها وحيدة، لكنها لا ترغب في ذلك لطفلها وأخيها، الهاجس الذي يشغل "سارا" طيلة الوقت وخوفها الأكبر هو أن تترك وحيدة لذلك كل ما تسعى إليه أن تُبقي طفلها وأخيها إلى جانبها وإبعادهما عن أبيها.

وهو ما يتضح في مشهد النهاية، حين يوجه لها أحد القضاة، في جلسة طلب حضانة لأخيها:

لماذا ترغبين بحضانة أخيك، وأنت لا تملكين شيئا؟

في نهاية الجلسة، تبكي في خوف لمحاميها: هل سأترك وحيدة الآن؟ هذه هي الجملة التي تختتم به المخرجة فيلمها.

جماليات واقعية

هناك حس وثائقي ونزوع نحو الواقعية واضح جدا في خيارات المخرجة، الاهتمام بدقة تفاصيل الواقع اليومي، التصوير في الأماكن الطبيعيية، الاعتماد على الإضاءة الطبيعية، شريط صوت يخلو من الموسيقى التصويرية، يكتفي بأصوات الواقع أو موسيقى ذات مصدر داخل الفيلم، الكاميرا المحمولة باليد والتي تعكس اهتزازات الصورة الناتجة عنها قلق الشخصية الدائم. تعتمد أيضا المخرجة على اللقطات الطويلة زمنيا وهو ما يمنح المشاهد إحساسا كبيرا بالطبيعية والتلقائية.

يخبرها زوجها السابق أن تنسي والدها، لكنه تخبره انها لا تستطيع فهي تحمله في وجهها.

تعاني "سارا" من ضعف قدرتها على السمع وغالب الظن أنه بسبب إصابة من والدها، أثناء شجار بينهما تنزف أذنها وكأن الجرح القديم لا يزال مفتوحا، فهذه الجروح التي تخلفها العائلة داخلنا، لا تلتئم أبدا.

 

####

 

الأستاذ.. صباح الخير يا جو

ماجدة موريس

هل جرب بعضنا أن يكون في بداية حياته العملية وأمامه نماذج ساطعة ومؤثرة على الشاشة، تضعها الأيام بعدها بالقرب منه، هذا ما حدث لي مع يوسف شريف رزق الله الذي بدأت علاقتي به بكتابة أخباره كمقدم برامج سينمائية، ومعد، ونافذة نطل منها كمشاهدين على سينما العالم كله وتطورت العلاقة بدخولي المعهد العالي للنقد الفني مع دفعة مهمة، ثم بدايات كتابة النقد السينمائي والتليفزيوني بعد الأخبار والتحقيقات الفنية، ومازال هو البوصلة لي على سينما العالم، خاصة حين يأخذنا معه كل عام إلى مهرجان "كان" أكبر وأهم مهرجانات السينما في العالم ليعطينا دروسا في الجدية والاجتهاد، وكيف نذهب إلى المهرجان من أجل أفلامه، وليس لأجل «الرد كاربت»..

بعدها تلقيت دعوته لأكون ضيفة على برنامج (نادي السينما) وقال لي عبر التليفون إن مقالاتي الأخيرة لفتت نظره، وأنه ودرية شرف الدين مقدمة البرنامج يبحثان دائما عن النقاد الجدد، بعدها أصبحت حريصة على رأيه فيما اكتب، وكان عقله الجميل قادرا على استيعاب كل الآراء المختلفة عن آرائه، وتقديم النصح لأصحابها، وبعدها عملت معه في مهرجان القاهرة السينمائي، في لجنة اختيار الأفلام، وكان قادرا دائما على حسم خلافاتنا في اللجنة بخبرة وثقافة ومعرفة حاسمة بما يجري في عالم الفن السابع، وهكذا كان الأمر بعدها في اللجنة الاستشارية العليا للمهرجان.. ثم في مؤسسة "نون" للثقافة والفنون التي أقامت مهرجان الأقصر السينمائي للسينما العربية والأوروبية قبل أن يصبح مكانه مدينة شرم الشيخ منذ أربع سنوات، وفِي كل هذه الأوقات ظل "چو" أو الأستاذ يوسف شريف، الصديق العزيز، والإنسان النبيل، وحكيم السينما حين يحتاج الأمر إلى حكمة تتجاوز المألوف والشائع. مثل رفضه رئاسة المهرجان واقتراح اسم محمد حفظي، ولَم تكن هذه هي المرة الأولى، فقد كان يفضل العمل الذي شغف به طول عمره، المشاهدة، والقراءة، وكان الصديق الوحيد لي المواظب على شراء كل الجرائد يوميا، والمواظب أيضا على الاتصال بأصدقائه لإبداء رأيه في مقالاتهم، كان نموذجا فريدا للثقافة والإنسانية في سبيكة واحدة، ونموذجا أكثر فرادة للاجتهاد في العمل والاستمرار فيه مهما مرت السنين، ونموذجا مبهرا للقدرة على التواصل مع الأجيال الجديدة واكتشاف مزاياها.. ولهذا لن ننساه، ولن ينساه كل محب للفن والسينما، سواء كان ناقدا، أو متخصصا، أو مواطنا عاديا من مشاهدي برامجه.

 

####

 

الفيلم الأفغاني «حوا .. مريم .. وعايشة».. ثلاث سيدات والمعاناة واحدة

منة عبيد

ينشر بالتعاون مع مهرجان القاهرة السينمائي

هي مغامرة أن تنتج فيلمًا محلّي الفكر والمضمون ومغرقًا في تفاصيل حياة وطنك اليومية التي قد تكون بعيدة بأميالٍ من المسافات الحقيقية والفكرية والثقافية عن دولٍ أخرى تعد ثقافتها وأسلوب حياتها اليومي نموذجًا عالميًّا، تصوير حياة لكل من يريد أن يظهر بمظهر الحرية والثقافة والعولمة المزعومة.

المغامرة هي أن تستهدف بهذا العمل الانفتاح على عوالم جديدة مثل اشراكها في مهرجانات دولية وعالمية.. هذا الطرح يكشفه لنا الفيلم الأفغاني «حوا.. مريم .. وعايشة» الذي نشاهده هذا العام ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الحادية والأربعين.

"قررت أن أصنع فيلمًا يخص من عاشرتهم وعرفتهم بالفعل.. فيلمًا يتناول وضع المرأة في المجتمعات الشرقية والمنغلقة بعدسة الزووم وإحساسًا حقيقيًّا صادقًا لمن عاشوا مع تلك النماذج وتلك الحكايات.. وقد كنت مهتمة للغاية أن تكون الحكايات حقيقية وصادقة فنزلت بنفسي إلى العديد من المناطق متباينة المستوى لكي أحظى بفرصة أكبر للتعرف على القصص المختلفة".

هكذا عرفت المخرجة الأفغانية صحرا كاريمي، التي أخرجت الفيلم وكتبت له القصة والسيناريو أيضًا بمشاركة مواطنها الكاتب سامي حسيب نبي زادة.

وكما يتضح، فإن العمل قد قام بالأساس على إحساس امرأة بمعاناة امرأة أخرى وبمتابعة الأحداث والثلاث قصص التي اختارتها المخرجة ليكونوا نواة لفيلمها سنجد أنه رغم اختلاف الطبقات الاجتماعية وتباين الفئات العمرية لبطلات الفيلم الثلاث ذوي القصص المنفصلة في مضمون الفيلم إلا أنهن يجمعهن همٌّ واحدٌ هو وضع المرأة وقضيتها الأصلية والأولى وحربها الضروس لنيل الحرية والاستقلال وحقوقها الإنسانية الطبيعية.

تدور أحداث الفيلم حول ثلاث قصص منفصلة لثلاث سيدات أفغانيات هن «حوا» و«مريم» و«عايشة» تفرقهن الظروف الاجتماعية وتجمعهن مأساتهن في عيادة طبيبة أمراض النساء وحمل لا يراد له الاكتمال.

حوا زوجة شابة لرجل مستهتر يبقي عليها فقط لتقوم على خدمته هو ووالدته ووالده المسنّ العصبيّ ذي الطباع الجافّة، وهي حُبلى في جنينها الأول الذي لا تجد سلوى - طوال يومها المشحون بالجهد والإهمال وعدم الاكتراث لها ولوجودها - سوى الحديث إليه وتخيل شكله ووجوده.

ومريم مذيعة الأخبار المثقفة التي تعاني علاقة مسمومة مع زوجها الذي أرغمت عليه وتحملت الحياة التعيسة والخيانات المتكررة منه لمدة سبع سنوات إلا أنها تكتشف بعد أن اخذت قرار الانفصال أخيرًا أنها حامل منه وتحمل جنينًا سيربطها به لباقي عمرها.

ثم عايشة المراهقة اليافعة ذات الثمانية عشر عامًا التي تكتشف بعد خطبتها لابن عمتها أنها حامل من حبيبها السابق الذي تركها وتهرب منها حين طلبت منه الارتباط الرسميّ.

تجتمع السيدات الثلاث في عيادة طبيبة النساء لكل منهم شأن يغنيها.

تترك صحرا كاريمي مخرجة العمل وكاتبته نهاية مفتوحة لمآسي السيدات الثلاث ورسالة واضحة للعالم وللجميع ممن سيشاهدون العمل مفادها أن قضية المرأة واحدة وإن اختلفت اللهجات مأساتها واحدة وإن اختلف الظرف المادي والمكاني؛ جميعهن لهنّ الحق في الرعاية والاهتمام والحياة الكريمة؛ جميعهن لهنّ الحق في الاستمتاع بمعجزة الخلق التي خص الله بها أرحامهن بلا ضغط وبلا أسى وبلا همّ يضاف إلى همومهنّ. جميعهنّ من الأفغانيات والإيرانيات وكل مؤنث في كل بقاع الأرض يحق له التقدير والاحتفاء لحملهن معجزة الخلق دون الضغط أو الدفع لقتل تلك المعجزات.

 

####

 

«Wet Season».. فاكهة الحب المحرمة

أمل مجدي

ينشر بالتعاون مع مهرجان القاهرة السينمائي

تعد المشاهد الافتتاحية من الأعمدة الأساسية التي يُبنى عليها العمل السينمائي الجاد، فمن خلالها يتعرف المتلقي على الحالة العامة للفيلم وأسلوبه، إلى جانب طبيعة الشخصيات المحورية وحياتها السابقة.

وفي الفيلم السنغافوري "Wet Season" لأنتوني تشين، يبدأ المشهد الافتتاحي بصوت مذيعة الراديو تُنبئ باستمرار الرياح الموسمية لعدة أشهر، وتشير إلى توتر الأوضاع في ماليزيا، ثم تظهر الشخصية الرئيسية «لينج» تقود سيارتها وسط شوارع ضبابية تهطل عليها الأمطار بغزارة. قبل أن تتوقف، لتحقن نفسها أسفل البطن بطريقة اعتيادية مؤلمة. هذا التتابع البصري والصوتي يربط بين المكان الغارق في ظروف مناخية سيئة تخلق حالة من العزلة والكآبة، والشخصية التي تعيش حياة باردة روتينية دون قدرة على رؤية مهرب من هذا الموت البطيء. كما يحمل لمحة إلى البعد السياسي المستمر على مدار الأحداث الذي يعقد مقارنة بين أحوال سنغافورة المستقرة التي تصل حد الركود، وماليزيا التي تشهد حراكا كبيرا حتى تشرق الشمس بها في النهاية.

تبدو القصة مكررة، تدور حول امرأة في منتصف العمر تشعر بالتهميش في حياتها المهنية والشخصية؛ فهي معلمة لغة صينية لا تعتبر مادتها من أولويات الطلبة أو إدارة المدرسة، وزوجة تعيسة تعاني من الهجر والخيانة، لكنها لا تزال تطمح في تحقيق حلم الإنجاب. تنشأ بينها وبين أحد طلاب فصلها علاقة، تمتزج فيها مشاعر الأمومة والحب بعدما يعوض كل منهما نقص الآخر.

مع ذلك، يختار "تشين" ألا يصب اهتمامه على الأحداث بقدر التركيز على التفاصيل الإنسانية البسيطة التي تجمع الثنائي، معتمدا على لغة بصرية تحتل فيها الألوان مكانة مهمة؛ حيث يسيطر اللون الرمادي على حياة المعلمة، بما يحمله من رتابة وفتور، حتى ملابسها تعتبر مزيجا من الأبيض والأسود المكونين لهذا اللون. بينما يطل المراهق، الذي يخوض تجربة الحب لأول مرة، باللون الأحمر الدافئ في مشاهد عديدة. فيما يظهر لون الطبيعة الأخضر محاولا الصمود في وجه الرمادية الطاغية على المكان والشخصية، حتى نرى البطلة متأنقة به في مشهد طلاقها، بعدما تدرك أنها في حاجة إلى عدم الاستسلام لمصيرها البائس. فيبرز الفيلم كأنه لوحة جميلة تكتمل على مهل دون تعجل أو اندفاع نحو بلوغ النهاية.

علاقة محرمة

في مشهدين من أهم المشاهد الكشافة عن تطور علاقة الثنائي، تحضر فاكهة الدوريان بقوة. الأول عندما تتناولها المعلمة مع المراهق داخل الفصل، ليكون ذلك أول تواصل حميمي بينهما. والثاني بعد فوزه ببطولة رياضية، حيث يخرجان للاحتفال ومعهما حماها المريض بالسكتة الدماغية، فيظهرون معا مثل عائلة صغيرة مترابطة.

الدوريان هي الفاكهة الأولى في العديد من البلاد الآسيوية، ولكن بالرغم من لذة مذاقها، فإن لها رائحة كريهة منفرة. وقد تم حظر تناولها في الفنادق والمطارات والمواصلات العامة، لذلك يطلقون عليها الفاكهة المحرمة. وهي في هذا السياق، تشبه علاقة الحب بين المعلمة والطالب، التي تمنحهما السعادة حتى وإن كان يستهجنها المجتمع ويعتبرها محرمة.

جزء ثان

صحيح أن Wet Season يعد الفيلم الثاني في مسيرة مخرجه بعد Ilo Ilo المتوج بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 2013. لكن نظرا لوجود نقاط مشتركة بين القصتين يمكن اعتباره جزءا ثانيا؛ أبرزها أن المراهق هنا هو من جسد دور الطفل في الفيلم الأول، كما أن أزمته لا تزال قائمة، طالها فقط بعض التطورات. فقد كان يعاني من عدم القدرة على التفاهم مع والديه المضغوطين ماديا، مما جعله مشاغبا ومتمردا، والآن أصبحا منشغلين عنه تماما نظرا لعملهما في الصين، في إشارة إلى قسوة المجتمعات الحديثة وتأثرها على منظومة العائلة.

في كلا الفيلمين ينجذب الولد إلى امرأة من جنسية أجنبية. حيث في الأول يتعلق بمربيته الفلبينية التي يشعر معها بالاهتمام والحب، وفي الثاني يرتبط عاطفيا بمعلمته الماليزية التي تحل تدريجيا محل أبويه. تأتي النهاية أيضًا متشابهة؛ فقد عادت المعلمة إلى موطنها الأصلي بعد الطلاق وفقدان الوظيفة، بالضبط كما سافرت المربية إلى بلدها بعد اشتداد الأزمة الاقتصادية.

أما النقطة المشتركة الأهم بين الفيلمين؛ هي المرأة التي تواجه الكثير من الأزمات بصمود حتى وإن كانت تتألم. حيث ينشغل أنتوني تشين بالنساء الهادئات اللاتي يكتمن غضبهن ويتحملن حتى النهاية، دون شكوى أو صراخ. فهل يتبع مقولة أن المخرج يقضى عمره في صناعة فيلم سينمائي واحد أم أن الأمر مجرد تشابه مؤقت سيتخطاه في أفلامه المقبلة؟

 

####

 

منة شلبى فى تكريمها: طبيب نفسى عالجنى من تأثير بعض الشخصيات

محمود عبد الحكيم

ينشر بالتعاون مع نشرة مهرجان القاهرة السينمائي

أقيمت بالأمس ندوة للفنانة منة شلبي، على هامش فعاليات الدورة الـ41 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والتي حصلت فيها منة على جائزة فاتن حمامة للتميز، في مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية، وأدار الندوة الناقد الأمريكي جاي ويسبيرج.

وشكرت منة شلبي، في البداية إدارة مهرجان القاهرة على اختيارها لتكريمها في المهرجان ومنحها تلك الجائزة، كما شكرت الحضور من الجمهور وصناع السينما الذين حرصوا على حضور ندوتها ومشاهدتها والتحدث معها.

وقالت «شلبى» إن اختيارها لأدوارها يأتي بعد قراءتها للسيناريو بعناية ومعرفة الدور بشكل جيد، ومن خلال تلك القراءة والتحدث بعدها مع المخرج والمؤلف تولد الشخصية وتُرسم ملامحها، مؤكدة أن الشخصية تولد من إحساسها بما تريد تقديمه للجمهور، وأن كل مخرج عملت معه هو صاحب شخصية ومدرسة مختلفة.

وأضافت أنها محظوظة بالعمل مع مخرجين كبار مثل يسري نصر الله، محمد خان ويوسف شاهين، وأن كل من عملت معهم لهم فضل عليها فيما وصلت له الآن، مؤكدة أن للمخرج دورا كبيرا في تجسيد الممثل للشخصية من خلال توجيهه ونصائحه له، وهو ما ساعدها في الوصول إلى ما وصلت إليه، موضحة أنها تحرص على علاقتها بكل فريق العمل معها حتى العاملين في موقع التصوير والفنيين والمسئولين عن الإضاءة وكل العاملين بالموقع.

وقالت «شلبى» إن التعامل بينها وبين المخرجين يشبه اللعب، فحينما تتحدث معهم فهي تلعب، فالتحضير للدور هو نوع من المتعة، فعندما يختارك المخرج فهو يقولك لك «أنا اخترتك لأنني أثق فيك هيا العب معي»، وتدور مناقشات بينك وبين المخرج عن كيف ستخرج الشخصية وكيف يفكر فيها الناس وما هي رؤيتك ورؤية المخرج للأمر، موضحة أنها تحب العمل مع المخرجين والمؤلفين وزملائها في العمل كفريق واحد، تحت قيادة المخرج الذي يقود الجميع، فهو المسئول عن تحويل السيناريو إلى واقع.

وأشارت «شلبى» إلى أنه ليس كل الأدوار تكون جيدة بالضرورة، ولكنها تركز على اختيار الأدوار الجيدة، قائلة: "أنسى نفسي وكل شيء عني ولا أفكر سوى في الشخصية، وأهتم بالعديد من التفاصيل الخاصة بها، وكيف أسيطر عليها وأخرجها بشكل جيد للجمهور الذي سيشاهد العمل"، موضحة أنه تحب الأدوار المختلفة مثل أدوار السايكودراما والغوص داخل تفاصيل الشخصية، ولا تحب الأدوار العادية السطحية ولا تحب تجسيدها.

وعن اختيارها للأدوار التي تقدمها فأكدت «شلبى» أن هناك لعبة تلعبها مع الشخصية بطرحها 120 سؤالا مختلفا عن الشخصية حتى تتعرف عليها جيداً وكيف ستقدمها، مثل اسمها، كيفية مشيها، شعورها، عيوبها وعدد كبير من الأسئلة الأخرى والتي تعجز في أحيان عن إجابة البعض منها، مشددة على أنها لا تختار الدور بالحجم في السينما ولكنها تسأل نفسها هل لو تم حذف تلك الشخصية من الفيلم ستتأثر أحداثه أم لا، فإذا كانت الإجابة نعم فهي تقدم الشخصية لأهميتها في أحداث العمل حتى لو كانت مشهدا واحدا، ولكن في الدراما بالإضافة لما سبق تهتم بحجم الدور.

وقالت «شلبى» إنها تقوم بالعمل حالياً على دور جديد لم تقدمه من قبل ينتمي لنوعية أدوار السايكودراما، وأن كل مرة تذهب فيها للتصوير ويكون لديها ظن أنها على علم بكل تفاصيل الشخصية وأنها تمكنت منها، تتفاجأ أنها مازالت ينقصها الكثير عن فهم تلك الشخصية.

وأوضحت أن كثيرا من الشخصيات التي قدمتها سببت لها اكتئابا، وكانت تذهب لدكتور نفسي للتخلص من آثار تلك الشخصية، لذلك فهي عندما تقوم بقراءة سيناريو كبير في فترة من الفترات تحرص على أن تفصل نفسها في منتصف الوقت وتسمع مزيكا وتشاهد بعض الأفلام في التليفزيون.

وأوضحت «شلبى» أنها تحب العمل مع السيدات أكثر من الرجال، لأنهن يشعرن ببعضهن البعض أكثر، ضاربة مثلا بالعمل مع هالة خليل وكاملة أبو ذكري وغيرهن، مؤكدة أن الأعمال تخرج بشكل مختلف مثل «نوارة» و»أحلى الأوقات»، مؤكدة أنه عندما تقوم المرأة بكتابة وإخراج العمل فهذا يعطيه نكهة خاصة، والمرأة تتفاهم مع المرأة بشكل أكبر من غيرها، وأن الأعمال التي قدمتها تحت إشراف مخرجة أو مؤلفة هي من أفضل الأعمال التي قدمتها في مشوارها الفني.

وأضافت أن السينما هي مرآتها وعينها، وعندما تعمل وتقدم أعمالا مختلفة فإن أبرز ما تفكر فيه هو العمل مع أشخاص يثقون فيها، فالأمر الذي يجعلها تخاف هو العمل مع أشخاص لا يؤمنون بها.

وتحدثت «شلبى» عن الفرق بين العمل في التليفزيون والسينما، قائلة إن الأمر متشابه ولكن هناك اختلافات بسيطة، وبالنسبة للمسلسلات هي تعمل شهورا متتالية وهو أمر متعب جداً بسب طول الوقت، ولكن المميز فيه هو الشعور بأن الشخصية تتدفق بداخلها بشكل يومي، حتى لو حصلت على راحة لمدة يومين فإنها تظل متأثرة بالشخصية، ولكن في الفيلم من الممكن أن تكون هناك إجازات كثيرة وفترات انقطاع عن التصوير طويلة، وقالت إنها تريد تسليط الضوء فقط على أن العمل صعب في الجانبين.

واختتمت «شلبى» كلامها بأنها من الممكن أن تكون دبلوماسية وتقول إن هناك مخرجين ومؤلفين كثيرين جيدون، ولكن الحقيقة أن المميزين فيهم قليلون جداً، موضحة أن صوت المخرج لابد أن يكون أعلى من صوت السيناريو لأنه أكثر شخص لديه رؤية للعالم الذي يريد تقديمه وإخراجه للجمهور في شكل معين، فالفيلم بالكامل أهم من كل مشهد أو اثنين، فالمهم هو المنتج النهائي، قائلة: "أنا عن نفسي عمري ما أزعل لو لقيت مخرج قص مشهد أو اتنين من أحد أفلامي".

 

الشروق المصرية في

23.11.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004