كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان القاهرة السينمائي:

تاريخ من المشاكل والأزمات

أمير العمري

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الحادية والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

ستظل العلاقة بين الدولة والمهرجانات السينمائية الدولية في مصر علاقة شائكة وملتبسة كثيرا. فالمهرجانات من جهة، تريد أن تكون مستقلة في اختياراتها وقراراتها، بينما الدولة من جهة أخرى، تريد أن يكون لها اليد الطولى، وأن تتحكم فيما يعرض من أفلام، وفيمن يدعى من الضيوف، ومن يعمل في المهرجان، ومن يدير ويوجه دفة الأمور، ولا تكتفي بتعيين من يراقبون من النواحي المالية والقانونية، بل وتضع ممثلين "رسميين" لها داخل الهيئة العليا للمهرجان.

بين الدولة والمهرجان مشاكل كثيرة، قديمة وجديدة ومعلقة، وقد تسببت هذه المشاكل في الماضي القريب في استقالة أربعة من رؤساء المهرجان. وجاءت استقالاتهم مصحوبة بصخب وضجيج إعلامي كبير، بل ولم يخلُ الأمر أيضا من اتهامات بوقوع تجاوزات مالية أو غير ذلك، طالت بعض رؤساء المهرجان، أو "إشاعات" أطلقها الإعلام.

خصصت مجلة "الفيلم" وهي المجلة السينمائية الوحيدة التي تصدر في مصر بصفة فصلية، عددا خاصا عن مهرجان القاهرة السينمائي، وهو عدد دسم يمتلئ بالمقالات والمعلومات والشهادات والصور. ومن أهم الشهادات المنشورة في العدد شهادة كل من شريف الشوباشي وماجدة واصف اللذين ترأسا المهرجان من قبل. وهناك أيضا شهادة الناقد خالد عبد العزيز عن فترة رئاسة الناقد الراحل سمير فريد للمهرجان، ومقال عن فترة رئاسة حسين فهمي، وموضوع عن فترة سعد الدين وهبة، وعن فترة التأسيس الأولى التي امتدت لعدة سنوات ورأس المهرجان خلالها كمال الملاخ. ولكن العدد يخلو من تقييم فترة رئاسة (عزت أبو عوفسهير عبد القادر).

واللافت للنظر أن العدد بشكل عام "احتفالي"، وبالتالي يتجاهل ما وُجه من نقد شديد للدورات الأولى التي كانت خلالها جمعية كتاب ونقاد السينما التي رأسها الصحفي كمال الملاخ هي المسؤولة عن المهرجان، وخاصة أن الجمعية الأخرى المنافسة، أي "جمعية نقاد السينما المصريين" - عضو الاتحاد الدولي، شنت في 1976 مع الدورة الأولى للمهرجان، حملة قاسية موثقة وموجودة وثائقها وكان يمكن الرجوع إليها، ضد المهرجان الذي أطلقت عليه "مهرجان شيراتونالقاهرة" كون تلك كانت الصيغة التي اعتمدت في منشوراته الدعائية التي نشرت في الصحافة الفنية العالمية مثل مجلة "فاريتي" وغيرها.

وقد عاصر كاتب هذا المقال، تلك الفترة وكان طرفا ضمن الاشتباك الذي اتخذ في ذلك الوقت أيضا طابعا سياسيا بين اليسار الذي كانت تمثله الجمعية المشار إليها، واليمين الرسمي الذي يدعم سياسات الرئيس السادات وكانت تمثله جمعية كمال الملاخ التي أسست المهرجان.  وقد قمت برصد وتحليل تلك المرحلة في كتابي "حياة في السينما" الصادر عام 2010.

استمر المهرجان حتى عام 1985 يقام من خلال تلك الجمعية ولما تكرس فشله، سحبت منه الصفة الدولية فقررت الدولة تنظيمه من خلال وزارة الثقافة دون أن يصبح تابعا لها بشكل مباشر بل أبقت على اعتباره "جهة شبه مستقلة" يتلقى دعما من الوزارة. وهو وضع ملتبس أظنه لا يزال قائما حتى يومنا هذا.

الأمر الآخر الذي غاب عن العدد الخاص من المجلة، وهو عدد ممتاز ومتميز دون أدنى شك - هو نفسه ما غاب عن الكتاب التذكاري الذي صدر في العام الماضي عن تاريخ المهرجان بمناسبة 40 عاما على إقامته، أي الملابسات التي أحاطت بالدورة التي رأستُها شخصيا عام 2013 بقرار من وزير الثقافة آنذاك ولم تكتمل، فقد عملت لفترة قصيرة دون أن أتمكن من استكمال ما بدأته بسبب الأحداث السياسية الساخنة التي وقعت في صيف تلك السنة وانعكست بشدة على المهرجان وتغير الوزير والحكومة كلها، ودفعت شخصيا ثمنا لها، كما توقف المهرجان في ذلك العام نتيجة لها تغير الإدارة وتولى الناقد سمير فريد من بعدي رئاسة المهرجان.

وليس معنى أن الدورة لم تنعقد أن هذه الحلقة من حلقات مهرجان القاهرة قد سقطت إلى الأبد، فقد كان هناك قرار من وزير أي من ممثل الدولة المصرية، وكان هناك عمل، وكان هناك إنفاق مالي، وكانت هناك معركة كبيرة شرسة نشبت بين العاملين في المهرجان وبين المسؤولين في وزارة الثقافة انتهت بإغلاق الأبواب ومنع العاملين من دخول المقر بالقوة. وهو جانب مظلم من تاريخ الصراع على هذا المهرجان، ويقتضي الإنصاف التعرض له من قبل أي مؤرخ محايد، فليس معنى أن الرئيس محمد نجيب قد أُقصي عن السلطة في 1954 أنه لم يكن هناك محمد نجيب بل ولم يوجد أصلا. وعلى أي حال كان يمكن الرجوع الى الشهادة التفصيلية التي كتبتها ونشرتها في هذا الموقع والاستفادة مما ذكرته من معلومات في سياق التحقيق أو التأريخ للمهرجان.. ولكن يجب أن أستدرك لأقول إنني أتفهم تماما "مناخ الرعب" الذي يحول دون التطرق إلى تلك المرحلة من تاريخ المهرجان!

انتهت علاقة كمال الملاخ بالمهرجان باستيلاء وزارة الثقافة عليه وإقصائه منه وهو أمر وصل إلى القضاء دون أن يُحسم لصالح الملاخ. وانتهت رئاسة سعد الدين وهبة الذي استمرت 13 دورة بوفاته عام 1997، أما حسين فهمي فقد اختلف مع وزير الثقافة واستقال، كما اختلف من بعده شريف الشوباشي واستقال أيضا، ثم اختلفت ماجدة واصف واستقالت، ثم جاء سمير فريد من بعدها ليستقيل أيضا بعد أن تعرض لاتهامات عنيفة من جانب الصحف ولم يجد دعما من صديقه الوزير جابر عصفور الذي رفض تبرئته من اتهامات تمس سمعته، فاستقال. وهو الفصل الذي يرويه في المجلة خالد عبدرالعزيز بإسهاب. والآن أصبحت النكتة التي تتردد هي: متى سيستقيل الرئيس الحالي محمد حفظي؟

في الحوار الذي أجراه محمد عادل مع شريف الشوباشي يشكو الشوباشي من تقاعس الوزارة عن دعمه، ورفض الوزير الأسبق فاروق حسني رفع ميزانية المهرجان، وتدخل محافظ القاهرة بإجراءات أفسدت بعض ما كان يعتزم تنفيذه، وتقاعس رجال الأعمال عن دعم المهرجان ورعايته باستثناء نجيب ساويرس، ورفض كبار نجوم السينما المصرية حضور المهرجان مثل عادل إمام الذي أبدى سخريته من القيمة الفنية لأي فيلم وقال إن ما يهمه فقط هو النجاح التجاري للفيلم، لكنه حضر رغم ذلك، افتتاح مهرجان الجونة - في دورته الأولى - الذي يعتبره الشوباشي "مهرجان أزياء". وقال الشوباشي إن أسباب استقالته كانت نفس أسباب استقالة سلفه حسين فهمي أي ضعف الميزانية. أما عزت أبو عوف فقد خرج من المهرجان بعد التغيير الذي حدث والذي كان محتما أن يأتي بإدارة جديدة بعد ثورة يناير 2011، لكن هذا التغيير لم يستمر كما هو معروف.

بعد الثورة كان وزير الثقافة عماد الدين أبو غازي قد اتخذ قرارا بأن تقام المهرجانات السينمائية في مصر من طرف جمعيات المجتمع المدني على أن تمدها الوزارة بالتمويل. لذلك تكونت جمعية لمهرجان القاهرة كانت تضم يوسف شريف رزق الله وماجدة واصف وآخرين، وحصلت من الوزارة على مليون جنيه وبدأت العمل لعدة أشهر لدورة 2012. لكن الوزير تغير وجاء الوزير صابر عرب من بعده، وذهب وعاد ثلاث أو أربع مرات، في عهد حكومات المجلس العسكري والإخوان المسلمين ونظام ما بعد يوليو 2013، واتخذ قرارا بعدم الاعتراف بالجمعية وأعاد إسناد المهرجان مجددا إلى "الحرس القديم" برئاسة عزت أبو عوف وسهير عبد القادر. وهذا الجانب لا يتم ذكره أو الإشارة إليه أو تناوله بالتفصيل في هذا العدد التذكاري من المجلة عن تاريخ المهرجان. لكن ما سيحدث أن الوزير سيتغير مرة ومرات ليأتي يوسف شريف رزق الله مدير فنيا، وماجدة واصف رئيسة إلى أن تستقيل

في الحوار الذي أجرته فايزة هنداوي مع ماجدة واصف التي تولت رئاسة المهرجان بعد سمير فريد واستمرت لثلاث دورات (من 2015 حتى 2017) تقول ماجدة أنها حصلت على تفويض بسلطات كاملة من وزير الثقافة الأسبق جابر عصفور لكن الوزير تغير مرتين ففقدت هذا التفويض وزادت تدخلات الوزارة في عملها، خاصة بعد أن كان سمير فريد قد أخضع المهرجان بشكل كبير لسلطة وزارة الثقافة حسب ما تقوله ماجدة واصف. ومع ضعف الميزانية أصبح المهرجان مثقلا بالديون، وتأخرت رواتب الموظفين، وتضيف ماجدة أن "شركة السياحة التي نفذت خطط الافتتاح والختام في دورة سمير فريد (2014)  لم تحصل على مستحقاتها حتى الآن!

وقد ضُربت دورة 2016 التي رأستها ماجدة واصف بحادثين مهمين أولهما تدخل سلطات عليا لمنع عرض فيلم "آخر أيام الدينة" بالمهرجان لأسباب غير معلنة، بعد أن كان المهرجان قد أعلن عن مشاركته في المسابقة الرسمية مما أحرج الإدارة التي اضطرت للقول إن السبب يرجع إلى مشاركته في مهرجانات أخرى كثيرة حسب ما تعترف ماجدة واصف بكل شجاعة في الحوار المنشور معها.

والمشكلة الثانية ما أثاره عرض فيلم "البر التاني" الضعيف فنيا في المسابقة الرسمية، وكان منتجه وبطله ممثل مغمور هو محمد علي صاحب شركة "أملاكك"، وشراء جميع التذاكر لأنصاره حتى يصفقوا للفيلم وهو ما شهدته بنفسي في تلك الدورة. ولم يكن أحد في ذلك الوقت يعرف من هو محمد علي الذي ظهر فجأة ينفق ببذخ، لكن ماجدة واصف تنفي أن تكون بعض "الجهات" العليا قد تدخلت لفرض فيلم محمد علي الذي كان مقربا من تلك الجهات في تلك الفترة (قبل أن يغادر مصر)، وربما تكون  هي نفس الجهات التي أمرت بمنع عرض فيلم "آخر أيام المدينة" رغم رفض الرقابة إصدار قرار بمنع الفيلم رسميا كما تقول ماجدة واصف، وكل هذه الأمور تشير إلى ما يواجهه أي مسؤول يتولى رئاسة هذا المهرجان وإن كنت شخصيا أرجو أن يستمر محمد حفظي وينجح ويفتح آفاقا جديدة أمام هذا المهرجان وينقله ليصبح ضمن المهرجانات الكبرى في العالم. وإن كان هذا مرهونا، كما تقول ماجدة واصف، بوجود "صناعة وسوق سينمائية قوية"!

 

موقع "عين على السينما" في

21.12.2019

 
 
 
 
 

قال لـ«الشرق الأوسط» إنّه لا يمكنه العيش بعيداً عن بلاده

هيثم عبد الرزاق: «بغداد في خيالي»... ينقل أحلام المهاجرين وآمالهم

القاهرة: انتصار دردير

بعدما لعب بطولة عدة مسرحيات ناجحة، وحصد جوائز عدة كأفضل ممثل، إضافة إلى تقديمه عدداً من المسلسلات الناجحة في التلفزيون العراقي، خاض الممثل العراقي هيثم عبد الرزاق البطولة السينمائية للمرة الأولى، عبر فيلم «بغداد في خيالي» الذي شهدت الدورة الأخيرة من مهرجان لوكارنو السينمائي في سويسرا عرضه العالمي الأول، كما شارك أخيراً في مهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ41، وضمن مسابقة «آفاق عربية». والفيلم إنتاج مشترك بين كل من سويسرا وألمانيا وبريطانيا والعراق، ويطرح أزمة المهاجرين العراقيين في أوروبا، وبينما يحاول البعض نسيان ماضيه والانسلاخ عنه، متبعاً المثل القائل «إذا كنت في روما، فافعل مثلما يفعل الرومان»، يظل هناك آخرون ينغمسون في ماضيهم رافضين مجتمعهم الجديد، وبين هؤلاء وهؤلاء تظل كل محاولات البحث عن الحب والسعادة والاستقرار مهددة لدى كل من كُتب عليه أن يعيش بعيداً، بينما بغداد بماضيها المشرق لا تزال في خياله.

هيثم عبد الرزاق، أحد أبطال الفيلم، أستاذ الفن المسرحي في جامعة بغداد، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن الفيلم قائلاً إنّ «الفيلم يؤكد أنّ الذين اضطروا لهجرة مدينتهم لأسباب سياسية تظل بغداد حاضرة في خيالهم وفي حياتهم، ويتعرض الفيلم لمجموعة من المهاجرين العراقيين الذين يعيشون في لندن، والذين يجتمعون في مقهى (أبو نواس) الذي تمتلكه عراقية مهاجرة، وأجسد من خلاله شخصية توفيق الكاتب الذي اضطر لمغادرة بغداد بعد تعرضه للتنكيل خلال الحكم السابق، واتهامه بالانتماء للحزب الشيوعي».

وعن كيفية اختياره لبطولة الفيلم، يقول هيثم: «كنت أعرض مسرحية في ألمانيا، وأخبرني أحد الزملاء أنّ شركة إنتاج تبحث عن ممثل عراقي بمواصفات معينة، وأن يكون قد تجاوز الخمسين من عمره، وطلبوا صورتي، فأعطيتهم إياها ونسيت الأمر تماماً. وبعد عامين، فوجئت برسالة عبر بريدي الإلكتروني تخبرني بترشيحي للفيلم، وبدأوا يتحدثون معي عبر (سكايب) عن الفيلم، والدور الذي سأؤديه، وبعد ذلك قالوا لي: مبروك، تم اختيارك لأداء شخصية (توفيق)».

وقبل بدء تصوير الفيلم، كانت هناك مرحلة تحضير طويلة لإعداد الممثلين للتصوير، يوضحها هيثم قائلاً: «أرسلوا لي سيناريو الفيلم، وكان الحوار يتضمّن بعض الأجزاء باللغة الإنجليزية، فطلبوا منّي الالتحاق بمعهد لإجادتها والتمكن منها، وفعلت ذلك، وبدأت العمل بشكل مكثف على الشخصية، وتعايشت معها لفترة طويلة، واستدعيت شخصيات أعرفها عاشت ظروف الدور نفسها لمعرفة كواليس الغربة والابتعاد عن الوطن كافة».

وعن أجواء تصوير الفيلم، يقول: «بدأنا التصوير في مدينة بون في ألمانيا، ثم انتقلنا إلى سويسرا، وأغلب المشاهد صوّرناها في لندن، ولم نصور في العراق سوى مشاهد معدودة. وكانت أجواء التصوير إيجابية للغاية، وشعرت بمتعة كبيرة منذ بداية التصوير، لأنّ الفيلم كان كمن يتحدث عن تاريخ أمة. ففي بلادنا، نعيش الغربة أيضاً، وليس عند هجرتنا فقط».

ويتعرض الفيلم لظاهرة التطرف الديني لشاب عراقي يعيش في لندن، ويرتكب جرائم قتل باسم الدين، بإيعاز من متطرف جنّده، ويؤكد هيثم: «تسعى جماعات الإرهاب لاستقطاب الشّباب وتجنيدهم ليكونوا يدها التي تبطش بها داخل مجتمعاتنا، ولا بد أن نهتم ببناء الشباب ثقافياً ودينياً حتى لا تُخترق عقولهم». وتختتم مشاهد الفيلم بلقطة بانورامية لبغداد، بينما البطلة تحتضر، وتحلم بأن تستعيد مدينتها ألقها ومجدها القديم، وهو ما يقرّه هيثم، قائلاً: «إنّه الحلم الأكبر الذي نتمنى أن يكون موجوداً في بغداد التي أنتمي إليها، ولم أغادرها في كل الأحوال، فلم أخرج من بغداد إلا لأيام بحكم عملي، وقد عشت كل أحداثها منذ الحرب العراقية الإيرانية حتى الاحتلال الأميركي والصّراعات الداخلية، ولا يمكنني رغم ذلك أن أعيش بعيداً عنها، حتى لو قامت بها حرب عالمية ثالثة... بغداد أراها دوماً امرأة جميلة، سيرتها عطرة، لكنها تعرضت لإهمال كبير».

ويمارس هيثم الفن بروح الهواية، وعن ذلك يقول: «بحكم عملي أستاذاً جامعياً، أُدرّس الفن لأجيال جديدة، وأشعر بالتفاؤل لمستقبل الفن في بلادي، فلدينا مواهب شابة تفجرت، وستحتل مكانها بعد أن صقلتها التجارب المرّة التي عشناها، والتي تكفي زاداً إبداعياً لـ200 عام».

 

الشرق الأوسط المصرية في

21.12.2019

 
 
 
 
 

المخرج السوري جود سعيد:

“قراءة القسوة عبر العبث الساخر هي طريقة عيش ولا وجود لحرية مطلقة”

بواسطة فيصل شيباني

يرى المخرج السوري جود سعيد في هذا الحوار مع  أوراس أنه يحب مزج الأنواع في الفن، وهي طريقة لتمرير ما يريد قوله سواء على مستوى الجمهور أو بالعلاقة مع الآليات الرقابية، مضيفا أنه يشكّ في أن يمتلك فنان ما حريةً مطلقة، ولاسيما في الفنون الجمعية التي تتطلب تمويلاً كالسينما.

·        مخرج سوري يحمل هاجس واقعه السوري المؤلم ولكن السخرية في أفلامك ربما قاسم مشترك بينها، هل هو هروب من الواقع المؤلم أم خيار فني بحت لجود سعيد؟

هناك شيء ما في هذا يشبهني أنا كجود في الحياة، أنا من أولئك الذين يعتقدون أن قراءة القسوة عبر العبث الساخر هي طريقة عيش.

من هنا أحب مزج الأنواع في الفن ولست من ابتكر ذلك فالأمثلة في السينما كثيرة، وإن أردنا إسقاط ذلك على الواقع السوري، فأراها طريقة لتمرير ما نريد قوله سواء على مستوى الجمهور أو بالعلاقة مع الآليات الرقابية.

·        هل يملك جود سعود كل الحرية في قول ما يريد، عبر سينماه طبعا؟

أشكّ في أن يمتلك فنان ما حريةً مطلقة ولاسيما في الفنون الجمعية التي تتطلب تمويلاً كالسينما، ومعيار السخرية هنا نسبي يرتفع وينخفض بحسب الظرف الإنتاجي ومصدره وطبيعته الرقابية.

إذا أردنا أن نأخذ السينما السورية التي تصنع في الداخل السوري والتي تموّل المؤسسات الثقافية الرسمية أغلبها فسنجد أن المحددات الرقابية كثيرة، مما يجعلك تصنع فيلمك ضمن حقل من الألغام وتصير حريتك هنا في كيفية إنجاز الفيلم وأنت تقبل المساومات لتضمن قدرتك على قول الحد الأدنى مما تريد.

·        هل تنزعج من وصفك بالمخرج المدلل خاصة مع من يختلف مع السينما التي تصنعها؟

كنت أنزعج، أما اليوم فلا، فكل التوصيفات ستذهب وتبقى الأفلام، بالمناسبة أوصف في الداخل بنعوت أسوأ ممن لا يختلفون مع مضمون ما أصنع، ولكني أعرف من أنا وماذا أفعل وعلى أي قيم نشأت، لذا أمضي نحو ذلك النور في آخر الطريق لأعيش فيلمي لنهايته ولا ألتفت لمن غادر الصالة.

·        إلى أي مدى يمكن للسينما أن تقول الحقيقة السورية وتنقل ذلك الوجع؟

صدقاً لست أعرف، من يمتلك الحقيقة كاملة؟! كل منا يمتلك حقيقة ما رأى وما عاش، أو حقيقة ما عاش من هم حوله وعليه صدق نقلها والصدق هذا سيصل للناس وسيحارب كي يبقى، وأعتقد أن تناول الحالات الإنسانية من أي طرف كان هو صدق، وسيبقى كشهادة من فن عن هذه الحرب.

·        ما هي همومك السينمائية حاليا،  وهل ترغب في خوض تجربة مختلفة عن طروحاتك السينمائية السابقة؟

أنا أحد المهوسيين بالصورة وقدرتها التعبيرية وأعشق السرد بها كعنصر أول، ولكنّنا نعيش في مجتمعات سمعية عموماً، ولكي تصل للناس عليك أن تنزح أكثر باتجاه الحكاية، أحاول أن أقيم التوازن بين الاثنين كي أجد فرصة لصنع الفيلم، ولا أعتقد أن الأطروحات فنياً كانت متشابهة، حتى لو غلبت ثيمة الحرب السورية على أفلامي ما عدا الفيلمين الأولين، فالطرح كان يبحث في كل مرة عن جانب مختلف من جوانب هذه الحرب وتأثيراتها.

وللشق الأخير من سؤالك، أود أن أصنع قصة حبّ مجنونة ولكن لم أجد لها منتجاً بعد.

·        فيلمك ما قبل الأخير “مسافرو الحرب” نال نجاحا كبيرا وجوائز عديدة وهو إنتاج خاص منحك مساحة حرية أكبر في التعبير عن أفكارك، أما فيلمك الأخير “نجمة الصبح” نال انتقادات خاصة من ناحية الطرح والسخرية الزائدة عن اللزوم، كيف تعلق على هذا الأمر؟

هذا دليل أن الطروحات والمعالجة في الأفلام مختلفة، صحيح أن انقسام نقدي حصل في نجمة الصبح، وهذا لا يزعجني فما من أحد يتناول سينمائية الفيلم ولكن الحديث كان عن خلط الأنواع وطريقة تناول الشخصيات ومعالجتها، هي تجربة وأنا مؤمن أن تراكم هذه التجارب يغني السينما التي أصنع.

من البديهي أن مساحة الحرية في مشروعي مع القطاع الخاص كانت أوسع وهذا يحسب لشركة الأمير اللبنانية.

·        الملاحظ للسيرة الذاتية لجود سعيد يلاحظ أنه مخرج نشيط وتقريبا حاضر كل سنة بفيلم، هذا الأمر يراه البعض سلبيا وأن المخرج عليه أن يأخذ وقتا كافيا في الكتابة، ما رأيك في الموضوع؟  

منذ العام 2008 يوم شرعت بتصوير فيلمي الطويل الأول أنجزت خلال اثني عشر عاماً ثمانية أفلام بمعدل فيلم كل عام ونصف وأعتقد أن ذلك طبيعي، إذا توفر الانتاج وهذا التراكم نجده عند عديد المخرجين في العالم، ربما سيأتي الوقت مع التقدم في السن الذي سيجعلني أطيل الزمن بين الفيلم والآخر ولكن اليوم لدي الكثير لأقوله وسأفعل طالما استطعت ذلك. 

·        عادة ما يوصف المثقف أو الفنان الذي اعتاد على الاشتغال مع دوائر وزارة الثقافة في كل البلدان العربية تقريبا بأنه مثقف أو فنان السلطة، فهل تنزعج من هكذا أوصاف؟

المتاح في سورية حالياً هو الانتاج عبر القنوات الرسمية، فالقطاع الخاص السوري لا يستثمر في السينما، ولا زال يبحث عن إحياء الميت وهو الدراما السورية التي أتاحت لهذا القطاع ربحاً سريعاً على مدى عقدين من الزمن.

كل السينمائيين السوريين منذ ستينيات القرن الماضي عملوا مع المؤسسة العامة للسينما،  ولكننا لم نسمع بنعت مثقف السلطة إلا مؤخراً، أعتقد أنه من الحماقة أن أمالئ أي سلطة كانت ولكن أرى طرق النقد بعين مغايرة.

·        ما هو أقرب عمل إليك من بين منجزاتك الفيلمية؟

يبقى لفيلمي الأول مرة أخرى مكانة خاصة في قلبي فهو من فتح لي باب السينما ووضعني على أول الدرب.

·        تشتغل كثيرا عبر أفلامك مع الممثل أحمد الأحمد، ماذا وجدت في هذا الفنان؟

عملت مع عديد الممثلين وكررت التجربة معهم كأيمن زيدان والمخرج عبد اللطيف عبد الحميد وحسين عباس مع حفظ الألقاب ولكن تمت الاضاءة على التجربة مع محمد ربما لقرب العمر بيننا وللجدل الذي أثاره مطر حمص.

عموماً أرى في محمد موهبة عظيمة وممثلاً قادراً على التلوّن وأداء أدوار مختلفة ناهيك عن الصداقة التي تجمعنا والتي تجعل محمد يجنّد نفسه لمشروعنا الفيلمي مضحياً بعروض كثيرة أكثر منفعة له مادياً فنحن في سورية نتقاضى قروشاً عندما نصنع الافلام.

وهنا لابد أيضاً أن أحيي الكبير أيمن زيدان الذي أعتبر أنه شريك حقيقي في كل فيلم ننجزه وتراه يفرّغ نفسه تماماً للمشروع، أحب الممثل الشريك وهذا ما أراه في الأستاذ أيمن والصديق محمد.

 

موقع "أوراس" في

22.12.2019

 
 
 
 
 

"شارع حيفا" فيلم عن ضيف يتلقى في رأسه رصاصة قناص

العراق يحتاج إلى الكثير من الأفلام الجريئة للخروج من سينما البروباغاندا

لمى طيارة

بعد المشاركة العالمية الأولى للفيلم العراقي “شارع حيفا” في مهرجان بوسان في كوريا الجنوبية وحصوله على الجائزة الكبرى، وعرضه ضمن المسابقة الرسمية في مهرجان أيام قرطاج السينمائية، يشارك الفيلم ممثلا للعراق في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضمن مسابقة آفاق السينما العربية، في حضور لافت لهذا العمل على خارطة المهرجانات السينمائية الكبرى.

في الوقت الذي تعاني فيه بعض الدول العربية الرائدة في الإنتاج السينمائي من قلة الأفلام وربما ضعفها في حال وجدت، تتقدم أفلام أخرى لتتصدر الساحة السينمائية ليس فقط عبر الحضور بل وعبر الجوائز، فالعراق البلد الجريح ورغم حالة الفوضى التي يعيشها، يقاوم شبابه بكل أسلحتهم بما فيها الفن، والسينما تعتبر واحدة من تلك الأسلحة التي يحاول أصحابها المقاومة بها.

يدخل فيلم “شارع حيفا”، للمخرج العراقي مهند حيال، في عمق الحياة العراقية، يقتطع زمنا منها ويرميه في وجه متلقيه. ويُعرف شارع حيفا على أنه أحد الشوارع الرئيسية والهامة والأكثر حيوية في مدينة بغداد العراقية، وأن تسميته جاءت نسبة إلى مدينة حيفا التي تقع شمال فلسطين، بني هذا الشارع قبل انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي في العام 1981 ليكون واحداً من واجهات المدينة المعمارية.

ساعتان في العراق

حول ما دفع مهند حيال لاتخاذ هذا المكان مركزاً لأحداث فيلمه، وما يخفيه هذا الشارع من خبايا، يقول مخرج الفيلم إن هذا الشارع يحتوي على قسمين رئيسيين، قسم حديث كان يسكنه الفنانون وأهم أساتذة الجامعات في بغداد إلى جانب الفلسطينيين أنفسهم طبعا، وهذا يعني تشكيلة غريبة إلى حد ما، وقسم قديم يحتوي على المطاعم الشعبية، والأهم من كل ذلك أن شارع حيفا يبعد عن مركز قيادات الجيش الأميركي والتي تعرف بالمنطقة الخضراء ما يعادل خمس دقائق بالسيارة، فكيف سقط هذا الشارع ولمدة عام كامل بيد القاعدة، وكيف يتواجد هؤلاء القناصون الذين يقتلون الناس، وكيف حصلت فيه مذبحة كبيرة هناك، والأوقح من كل ذلك أن الأمر مقصود، فعندما يسألون السفير الأميركي حول هذا الشارع ولماذا لا تتم حمايته من هؤلاء الإرهابيين، يجيب بأن وجودهم يفيد في خلق نوع من توازن الرعب بين الطوائف.

تدور أحداث فيلم شارع حيفا حول ضيف قادم لإحدى العائلات فتصيبه رصاصة قناص، وطيلة زمن الفيلم الذي يمثل زمن الحدث يحاول سكان الشارع مساعدته وإنقاذ حياته دون جدوى، فعين القناص ترقبه. وقد اختار المخرج هذه اللحظة بالذات ولم يرصد الحياة العامة لهؤلاء السكان ومعاناتهم الإنسانية وسط هذا الحصار.

أزمة الهوية أصبحت عقدة داخل المواطن العراقي وأصابته بالخواء، ولذا لا بد من سينما جريئة لتعري ذلك

يوضح المخرج اختياره هذا قائلا “بكل بساطة لأن فكرة الفيلم ومقولته كانت ‘تعالوا نعيش معاً ولمدة ساعتين وسط هذا الضغط العالي مع هذه العائلة وهؤلاء البشر، لكي تعرفوا مدى صعوبة الحياة التي يحياها هؤلاء الناس‘، أما بالنسبة إلى قصة القنص التي ظهرت كحدث رئيسي فلم تكن هدفي، هي كانت مجرد فكرة أو غلاف لحكاية استخدمتها لأحكي عن عملية تحول شاب بسيط لا يملك القدرة على الكلام إلى أمير للجماعات الإرهابية وقاتل شرس، بمعنى أدق ما كان يهمني هو كيف تحولت الضحية إلى قاتل أو القاتل إلى ضحية، فالقناص شاب يعيش بمفرده تماماً ولطالما كان يحاصرني السؤال حول هؤلاء الشباب فهل هم قتلة فعلاً أم ضحية العنف، ولم أصل يوماً إلى إجابة واضحة عن هذا السؤال، وهل ما نعيشه اليوم من حرب داخلية هي حرب أهلية أو طائفية؟ في الحقيقة نحن لا نمتلك إجابات واضحة للأشياء التي تحدث ونعيش في جزء من دائرة، الكل يرى نفسه على حق ويرى الآخرين على خطأ، وهناك أشخاص لديهم ألف تبرير للقتل بينما آخرين ليس لديهم أي تبرير له“.

سينما بلا خوف

يقول مهند حيال “أردت عبر الفيلم أن يعرف الجميع كم من الوقت سنحتاج نحن كعراقيين حتى نستطيع الخروج إلى الشارع، ربما العشرات من السنين، فنحن نعيش في ظل ظروف صعبة جدا وضغط شديد وأنتم كجمهور عايشتم منها ما يقارب الساعتين فقط، نحن لا نملك متنفسا، وبالتالي لا يمكننا اتخاذ أي قرار فهل نبقى أو نرحل أو نَقتل أو نُقتل، هذا بالإضافة إلى شعورنا بأن هويتنا قد شقت، فالعرب على سبيل المثال يقولون إن العراق بلد عربي لكن هل هو بلد عربي فعلا، وماذا حول العشرات من القوميات المتبقية؟

وبعضهم يقول العراق إسلامي، فهل فعلاً العراق إسلامي؟ وأين الآشوريون والسومريون والبابليون؟ أصبحت أزمة الهوية تشكل عقدة داخل المواطن العراقي وأصابته بالخواء من الداخل، ويتساءل كيف لنا اليوم أن نتكلم بهذه الطريقة البلهاء عن بلد كالعراق مؤسس ثقافياً، بلد كان غارقاً في الشعر والروايات والحكايات القديمة والأساطير، بلد قبل تسعة آلاف عام كان يغني ويصنع القانون ويكتب الشعر ولديه الكثير والكثير، وفجأة يحكمه دكتاتور يقوده إلى العديد من الحروب، ثم يحتله الأميركان، لدرجة أن المواطن العراقي في لحظة ما يقول أنا لست عراقياً، العراق اليوم يحتاج إلى الكثير من الأفلام التي واجبها تشريح المجتمع لآن زمن البروباغندا قد انتهى بالفعل وأثبت عدم فعاليته”.

حاول المخرج في فيلمه إقحام الجمهور في أحداث الفيلم فوضعه تحت تأثير التوتر والضغط العالي الذي تعيشه الشخصيات، ساعده على ذلك طريقته في التصوير التي اعتمدت القرب الشديد من الشخصيات ومن وجوههم وحتى أنفاسهم ومن انكساراتهم ووجعهم، يقول المخرج “أولاً أردت عبر تلك الطريقة من التصوير ونقل الإحساس أن أشير إلى أن القرارات التي تصدر تحت ضغط عال لا يمكن أن تخضع للمنطق، وحاولت وضع المتلقي ليبدو كجزء من الحكاية أو من صناعة هذه الحكاية وليصبح الطرف الثالث الذي سيربط مشاهد الفيلم بعضها ببعض، بمعنى الجسر الذي سيربط شخصيات العمل وسيبحث عن الحكاية معهم، أردته أن يرى بشاعة ما نعيشه وأن يصل إلى الجواب الذي كنت أبحث عنه، هل هذه حرب أهلية أم هي الطائفية”.

ويستطرد محدثنا، السينما في العراق وتحديداً بعد العام 2003، أصبحت تتخذ إما موقفا سلبيا وإما إيجابيا من الدكتاتور، ولكنها نسيت ما نعيشه اليوم، نسيت أن تتكلم عن المجتمع الذي تدمرت بنيته وأصبحت ثقافته واحدة بعد أن كان متمتعاً بالتنوع، صحيح أن صدام حسين قتل هويتنا ولكن بعد العام 2003 تم دفنها، واكتفينا بكوننا ننتمي للطائفة السنية أو الشيعية أو حتى الشيوعية، نحن في الحقيقة ضحايا أنفسنا.

ويتابع “جميعنا كما شخصية سلام بطل الفيلم بطريقة أو أخرى، والقتل لا يتجسد فقط بالرصاص والموت فهناك لحظات أخرى مخيفة أكثر من لحظة الموت نفسها، ونحن كشعب نحتاج للكثير من الصراحة مع أنفسنا، لأنه تحكمنا عصابات لا تعطي بالاً للطائفية ولا حتى للدين وكل ما يعنيها هو الحكم والسرقات واللصوصية، وبالنسبة إلي لم يعد هناك ما أخشى خسارته  وعلى السينما التي أعمل عليها أن تشبهني”.

كاتبة سورية

 

العرب اللندنية في

22.12.2019

 
 
 
 
 

" القاهرة السينمائي".. زخم مشاهدة غير عادي

نائلة إدريس

حسب رأي الجميع، الدورة الـ41 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي التي انتظمت من 20 إلى 29 نوفمبر 2019 كانت نجاح حقيقي، خاصة من حيث حضور عدد كبير من الجمهور وتحديدا الشباب منهم (15000 تذكرة بيعت في 2017، 30000 تذكرة في 2018، 40000 تذكرة في 2019).

هذا التصاعد في عدد الجمهور ابتدأ منذ السنة الفارطة تحت الرئاسة الجديدة للكاتب والمنتج محمد حفظي، وتأكد هذه السنة بفضل حملة ترويجية كبرى بالجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزية، وبالخصوص بفضل عديد التدابير الجديدة الواقع اتخاذها تحديدا من اجل جلب جمهور جديد وبأعداد كبيرة.

من أول التدابير المتخذة سنة 2018 هي تنظيم سهرة احتفالية أو السجاد الأحمر في كل الأمسيات. ويتم اختيار سبعة أفلام التي تعرض بحضور العديد من طاقم عملها عندما يكونون بالقاهرة، ولكن أيضا بحضور عدة شخصيات هامة، أساسًا أكبر الممثلين والممثلات المصريين.

بالنسبة لهذه الدورة 2019 تقرر رفع عدد هذه العروض إلى ثلاثة عشر. ونظرا للنجاح الكبير لهذه التجربة في السنة الحالية أيضا، وسيقع رفع عدد العروض إلى ستة عشر سنة 2020، أي اثنين كل ليلة كامل مدة المهرجان.

قبل دورتي 2018 و2019 وما عدا بعض الاستثناءات النادرة مثل الممثلة "سلوى محمد علي" أو المخرج "محمود كامل" اللذان يذهبان من عرض إلى آخر، كان فعلا من النادر رؤية النجوم أو مختلف محترفي السينما بمصر خارج احتفالي الافتتاح والاختتام أو الحفلات الخاصة، لكن منذ بدء سهرات السجاد الأحمر، أصبحوا متواجدين كل ليلة بالعشرات متأنقين في ملابس جميلة، ويأتون لالتقط صور لهم ولمشاهدة الأفلام في عرض احتفالي.

في الحقيقة تعد مبادرة رائعة من طرف المنظمين، وعلى عكس ما يعتقده البعض، فهذا القرار لم يقع اتخاذه لا من اجل الفساتين ولا من اجل البريق والإبهار وليس طبعا من اجل تقليد مهرجان "كان"، لكنه جيد من أجل الترويج للسينما وخلق حدث في كل مرة حول الفيلم المسلطة عليه الأضواء. بهذه الطريقة كل ليلة يأتي عشرات الصحفيين لتغطية العروض الاحتفالية، واخذ صور، وحوارات ليس فقط مع الفريق العامل في كل فيلم، لكن أيضا مع مختلف الضيوف الحاضرين في هذه العروض.

حسب تصريح احمد شوقي المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي: "أنه من الطبيعي وككل المهرجانات الكبرى، أن يكون لنا سهرات احتفالية ونشجع بالتالي حضور محترفي السينما وان نعرض كل ليلة فيلم جديد بحضور طاقمه ونجومه. بل انه من غير الطبيعي أن مثل هذا الديكور والسجاد الأحمر، من تصميم الفنان الكبير محمد عطية، لا يقع استعماله إلا في الافتتاح والاختتام، ليس من الطبيعي أيضا انه وخلال أسبوع كامل تبقى الأضواء مطفأة.

في الواقع، الخطأ كان في عدم القيام بذلك إلى الآن. في 2018 قمنا بتجربة لنرى ولاحظنا أن الجمهور أتى بكثرة، بالرغم من أن سعر التذاكر كان مرتفع مقارنة بالعروض الأخرى. هذا النجاح دفعنا لإعادة التجربة وتوسيعها. هذه السنة أصبح من الواضح أن العروض الاحتفالية هي التي تجذب أكثر جمهور وأكثر نجوم.

كل عرض احتفالي شهد حضور ليس فقط مخرج، بل أيضا عدد أكبر، يمكن أن يصلوا إلى 4/5 بخلاف العاملين بالفيلم. هذا يعطي أكثر بريق للمهرجان ويسلط أكثر الأضواء على الأفلام المبرمجة. بالنسبة للسنة القادمة نفكر في تنظيم عرضين احتفاليين كل ليلة وبالتالي نمر من ثلاثة عشر إلى ستة عشر عرض احتفالي في الدورة".

إجراء ثاني تم أيضا اتخاذه ساهم في جذب المشاهدين: زيادة عن التطبيق على الهاتف الجوال التي توفر أوقات العروض ومختلف النشاطات، هذه السنة قرر المهرجان إصدار وتوزيع "كتالوج" مصغر على العموم يتضمن ملخصات كافة الأفلام المبرمجة.

في الدورات السابقة ومثل كل المهرجانات الأخرى، مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كان يصدر "كتالوج" كبير يتضمن ملخصات وتفاصيل الأفلام، لكن لم يقع توزيعه إلا على ضيوف المهرجان، في حين أن الجمهور لم يكن في متناوله إلا برنامج صغير عن العروض دون أي معلومات أخرى. هذا النقص تم تفاديه هذه السنة بهذا الكتالوج المصغر الذي يمكّّن من اخذ فكرة على كل الأفلام وبالتالي يكون الاختيار أكثر سهولة.

لجذب اقصى ما يمكن من الشباب، تم اتخاذ إجراء ثالث: اتفاقية وقع إمضاؤها مع جامعة القاهرة تمكن الطلبة من التمتع بأسعار تفاضلية، بل وشراء تذاكرهم على عين المكان من داخل الجامعة نفسها. بعد نجاح هذه المبادرة، من المقرر تعميمها على جامعات أخرى في 2020.

إجراء رابع اتخذ هذه السنة وكان له نجاح هائل وحتى أكثر مما هو متوقع: فضاء الأكل le Food court في الواقع، داخل المركز الثقافي للأوبرا أين تدور العروض، قام المهرجان ببناء أكشاك بمواد خفيفة لبيع الطعام والمشروبات، والتي زيادة عن البيتزا ومختلف السندويتشات بها أكلات مصرية مثل "الكشري" و"الطعمية"...  والتحلية اللذيذة "الزلابيا" (والتي تختلف تماما عن الزلابيا التونسية). 

في فضاء الأكل، زيادة عن بعض الطاولات الصغيرة الفردية، هناك طاولات جماعية كبيرة جدا التي يجلس حولها الجميع معا، حتى دون معرفة بعضهم، بحيث أن الناس يأتون لمشاهدة فيلم ويمرون لشراء الطعام والشراب ويجلسون مع بقية الجمهور وتبدأ المناقشات.

فضاء الأكل ساهم بشكل كبير في نجاح هذه الدورة 41 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، فقد خلق جو من الودية ومكن الضيوف الأجانب سواء كان طواقم تصوير الأفلام أو النقاد أو الصحافيين القادمين من العالم اجمع لتغطية المهرجان، ومن لقاء محترفي السينما والجمهور المصريين وربط علاقات واكتشاف ثقافات بعضهم.

كل هؤلاء الناس كانت لهم الفرصة للحديث والمناقشة وتبادل الآراء وتشجيع بعضهم على مشاهدة أفلام أخرى أكثر فأكثر.  في فضاء الأكل هذا اتخذ خاصة وظيفة شبيهة لنادي للسينما أين يأتي البعض فقط من باب الفضول ولمشاهدة فيلم واحد والعودة إلى المنزل، فيجدون أنفسهم يشاهدون الثاني والثالث ثم العودة في اليوم التالي واليوم الذي يليه.

في الحقيقة كل هذه التدابير التي تبدو هامشية، كان لها تأثير هام على الحضور بالمهرجان، ليس فقط على عدد التذاكر المباعة، بل أيضا على الجو العام. مشاهدة فيلم شيء جميل جدا، لكن التمكن من الحديث عنه ومشاركة الأفكار والعواطف شيء أجمل. أكد محمد حفظي انه يتمنى بذلك صد الأفكار الرجعية والمتطرفة، وقد يفوز فعلا بهذا التحدي.

بالرغم من أن مهرجان أيام قرطاج السينمائية تمكن من جذب جمهور غفير وفي اغلب الأحيان يقع التعليق أن العروض محجوزة بالكامل، يمكنه مع ذلك أن تَحذو حِذوَ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي على الأقل بالنسبة لثلاث تدابير: نشر البرنامج وملخصات الأفلام في تطبيقه على الهاتف الجوال وعلى كتالوج، وتنظيم مكان ودي في مدينة الثقافة يمكن من تناول الطعام، لكن وخاصة من تبادل الآراء والحديث وتنظيم عروض في شكل حفل سجاد احمر كل ليلة، خاصة بالنسبة للأفلام التي تنقل طاقمها إلى تونس.

صحيح انه كل سنة وإثناء مهرجان أيام قرطاج السينمائية، يحصل جدل حول السجاد الأحمر، فالبعض لا يرى فيه إلا جانب الإبهار، بالرغم من انه وسيلة لترويج المهرجان والأفلام، ويكفي أن يكون منظم جيدا. في القاهرة مثلا، السجاد الأحمر ليس مسموح به إلا للأشخاص المتحصلين على بطاقة دعوة خاصة وللصحافيين المعتمدين لهذا الغرض.

 

موقع "أويما 20" في

25.12.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004