كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

رحيل مفاجئ لنجيب عياد راعي سينما الجنوب

طاهر علوان

أيام قرطاج السينمائية الثلاثون

   
 
 
 
 
 
 

المنتج والناقد السينمائي نجيب عياد رحل تاركا أثرا لا ينسى عبر مسيرة تميزت بالجد والتوازن في إدارته لمهرجان قرطاج والمشاريع السينمائية الأخرى التي خاضها وأثبت فيها جدارة تستحق التقدير.

فقدت الأوساط الثقافية والسينمائية في تونس والعالم العربي المنتج والناقد السينمائي نجيب عياد (1953 – 2019) الذي وافته المنية صباح الجمعة إثر نوبة قلبية مفاجئة، بحسب بيان لوزارة الثقافة التونسية.

وكأنه توقيت لانتهاء تعاقده مع وزارة الثقافة التونسية لإدارة مهرجان قرطاج السينمائي لدورتين هما دورة 2017 و2018، رحل نجيب عياد تاركا في أوساط السينمائيين في تونس والعالم العربي شعورا فادحا بالخسارة.

وقد نعت وزارة الشؤون الثقافية والمؤسسات الفنية والسينمائية في تونس نجيب عياد. وكتب المركز الوطني للسينما والصورة على صفحته بموقع فيسبوك “السينما التونسية تفقد أحد أهم خادميها”. كما نعته مهرجانات سينمائية عربية وغربية منها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومهرجان مالمو للسينما العربية في السويد.

عياد كان فخورا بمنجزه في إدارة المهرجان وفي كل مناسبة كان يحرص على تأكيد تقاليد العمل والرؤية الواضحة في إدارة المهرجان، أنجز دورتين ناجحتين، وكان متطلعا إلى دورة جديدة كانت ستقام خلال شهور قليلة.

يقول عياد بفرح “نحن إذ نملك هذا الجمهور العظيم الذي هو رأس مال المهرجان وهذا التاريخ العريق والخبرة الطويلة… فلا شيء ينقصنا لنكون بحق سوقا سينمائية عربية وأفريقية"

عياد وبعد مدة من إدارته تلك، واستعدادا لدورة هذا العام من المهرجان التي تحمل الرقم 30، كان مهتما بتعميق ما أنجزه، في حديث له قال إنها المرة الأولى في تاريخ المهرجان يصبح له مقر ثابت، ويصبح لديه فريق سينمائي يعمل على مدار العام، حتى وصل فريق المهرجان إلى قرابة 300 شخص. وزارة الشؤون الثقافية التونسية كانت قد أعلنت عن تعيين عياد مديرا للدورة 28 لأيام قرطاج السينمائية سنة 2017 والدورة 29 لسنة 2018 ثم ليواصل الرحلة، لكنها لم تكتمل.

وُلد نجيب عياد في 13 ديسمبر من سنة 1953، وعمل صحافيا وناقد أفلام في ما بين 1975 و1980، ثم أصبح عضوا في لجنة الأفلام التونسية التابعة لوزارة الثقافة، حيث كان المنتج التنفيذي لعشرة أفلام قصيرة وطويلة. في 1998، أسس شركة الضفاف التي من أفلامها “أوديسه” الذي أخرجه إبراهيم باباي سنة 2003، و”ملائكة الشيطان” إخراج أحمد بولان سنة 2007. وقد أنتجت شركته عددا من المسلسلات التلفزيونية، آخرها مسلسل ”ناعورة الهواء”، و“فلاش باك”..

وقد ترأس الفقيد العديد من المهرجانات قبل إدارته مهرجان أيام قرطاج السينمائية، منها المهرجان الدولي لفيلم الأطفال والشباب. كما كان رئيس اتحاد نوادي السينما في تونس في 1975.

التقيت سابقا عياد من خلال حوار تلفزيوني لحساب قناة آسيا الفضائية، وتشعب بنا الحديث عن الإنتاج السينمائي وإدارة المهرجان وعن آخر دورات المهرجان، كان يتحدث عن أهم المستجدات وهو امتلاك مقر قار بمدينة الثقافة بعد سنوات من التشتت والتنقل من مكان إلى آخر، وكذلك الانتفاع بولادة قاعات جديدة للسينما ستتيح العمل في ظروف أفضل وتوفر للجمهور فرجة رائقة بعيدا عن الازدحام والتدافع.

لم يتوقف طموح عياد عند حد فيما يتعلق بإدارته للمهرجان وبقي يردد حتى عندما التقيته أنه لا يريد أن يغادر موقعه كمنتج سينمائي وتلفزيوني، وإن غادر إدارة قرطاج فسوف يعود لمكانه الطبيعي منتجا محترفا.

عياد وبعد مدة من إدارته تلك، واستعدادا لدورة هذا العام من المهرجان التي تحمل الرقم 30، كان مهتما بتعميق ما أنجزه، في حديث له قال إنها المرة الأولى في تاريخ المهرجان يصبح له مقر ثابت

وفي سياق الاحتراف حرص عياد على منح المهرجان ميزة في هذا الجانب بتعزيز حضور المحترفين في المهرجان، ليكون منصة مهنية ذات أثر ونتائج ملموسة في أيام قرطاج السينمائية وحاضنة للأفكار والمشاريع وفرصة للترابط بين سينمائيّي الجنوب ونظرائهم في الشمال.

يقول عياد بفرح “نحن إذ نملك هذا الجمهور العظيم الذي هو رأس مال المهرجان وهذا التاريخ العريق والخبرة الطويلة… فلا شيء ينقصنا لنكون بحق سوقا سينمائية عربية وأفريقية”.

وبعد هذا فلا شك أن رؤية عميقة هي ما كان يقود عياد في إدارته للمهرجان إذ يقول في حوار سابق له مع جريدة “المغرب” “لقد اخترت أن يكون شعاري في إدارة أيام قرطاج السينمائية هو الرجوع إلى الثوابت والحفاظ على هوية المهرجان العربية الأفريقية وذلك بخلق توازن أكبر بين أفريقيا والدول العربية من حيث اختيار الأفلام والضيوف. وأيضا دعم خصوصيّته الإقليمية والعالمية باعتبار أنه مهرجان ذو توجه ثلاثي يهتم بقارات أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية”، مضيفا “كما لا ننسى دائما وأبدا ضرورة تعميق الخيارات الإبداعية التي تدعم سينما النضال والمقاومة والإنسان. كما أراد الأب المؤسس طاهر شريعة لمهرجان أيام قرطاج السينمائية أن يكون”.

رحل نجيب عياد تاركا فراغا مهما وأثرا لا ينسى عبر مسيرة تميزت بالجد والحرص والتوازن في إدارته لهذا المشروع السينمائي والمشاريع السينمائية الأخرى التي خاضها وأثبت فيها جدارة تستحق التقدير.

كاتب عراقي مقيم في لندن

 

العرب اللندنية في

17.08.2019

 
 
 
 

نجيب عياد أعاد مجد مهرجان قرطاج وبيتر فوندا خرج عن التقليد في أميركا

المنتجان رحلا بفارق ساعات

بالم سبرينغز: محمد رُضـا

لم تمض سوى بضع ساعات على وفاة المنتج مدير مهرجان قرطاج السينمائي نجيب عياد حتى رحل الممثل - والمنتج والمخرج أحياناً - بيتر فوندا. السينما هي جامعهما من على بعد شديد. كل منهما ساهم في وضع رؤية أخرى مختلفة في المجال الذي عمل فيه. نجيب عياد طرح نفسه منتجاً لأفلام منفذة بعناية، و- لاحقاً - مدير أيام قرطاج السينمائي بالعناية ذاتها. في كلا الحقلين، مارس رغبته في توفير منصات فنية تونسية يخدم بها طموحه وبلاده معاً.

بيتر فوندا، بدوره، بلور في الستينات ومطلع السبعينات شخصية البديل السينمائي للثقافة السائدة؛ سعى لتمثيل أدوار تعكس لا مرحلة شبابه فقط، بل تلك المرحلة بالتزامن مع بحث أميركا في تلك الفترة عن بديل لأميركا المؤسسات المحافظة.

- مهّد لسنة الحسم

جاء نبأ وفاة نجيب عياد مفاجئاً. كان يمضي ساعات عمله حثيثاً في سبيل تقديم دورة جديدة من المهرجان التونسي العريق، بعدما كان قد أدار دورتين سابقتين، وودع أصدقاءه وجمهور المهرجان في دورته السابقة في العام الماضي، مؤكداً أنه يريد العودة إلى حياته الفنية السابقة، مكتفياً بالإنتاج وحده. هذا لم يتيسر له لأن وزارة الثقافة أقنعته بأن النجاح الذي حققه في الدورتين السابقتين (2017 و2019) ليس من السهل تركهما من قبل تعزيزهما بدورة ثالثة، يستطيع بعدها ترك إدارة المهرجان وقد أرسى قواعده الجديدة. وافق نجيب على ذلك، وحضر مهرجان «كان» الفرنسي الماضي، حيث بدا بكامل نشاطه، متحدثاً للصحافة العالمية عن الخطوات التي قطعها المهرجان حتى الآن، والاستعدادات الجارية للدورة الثالثة.

ولد نجيب في الثالث عشر من ديسمبر (كانون الأول) 1953. وبعد سنوات الدراسة، توجه صوب العمل الفني، ناقداً في البداية (لخمس سنوات بين 1975 و1980)، ثم منتجاً لحساب وزارة الثقافة، قبل قيامه بالإنتاج لشركة أسسها باسم «ضفاف».

قام نجيب بإنتاج أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية عدّة. في السينما يحضرنا «مملكة النمل» الذي أخرجه شوقي الماجري، وتم تصويره في الأردن، من بطولة عابد فهد وصبا مبارك. فيه سردٌ خيالي لعالم تحت الأرض، يعيشه الفلسطينيون بعدما استطاعوا بناء أنفاق توصلهم بعضهم ببعض، تجاوزاً للجدار القائم وللمستوطنات التي تفصل بين البلدات والمدن.

من أفلامه أيضاً «الحي يروّح» لمحمد أمين بوخريص (2013)، وهو فيلم غير روائي يتعامل وثورات الربيع العربي التي بدأت شرارتها في تونس، ثم امتدت لما امتدت إليه من دول عربية أخرى. وقبل هذا الفيلم بعشر سنوات، أنتج «أوديسة» للمخرج التونسي المعروف إبراهيم باباي. ذلك الفيلم، على الأرجح، كان آخر ما حققه باباي الذي صاحب مهرجان قرطاج منذ إنشائه في الستينات.

وقبل تسلم نجيب عياد إدارة مهرجان قرطاج، كان قد أنشأ مهرجانه المستقل باسم «مهرجان الأطفال والشباب»، وأنجز منه عدة دورات ناجحة. ونظير كل ذلك، لم يكن غريباً أن تتوجه إليه وزارة الثقافة التونسية بطلب إدارته لمهرجان قرطاج الذي هو العنوان الأكبر للنشاطات التونسية في السينما. ما كان سيبدو غريباً هو عدم إسناد هذه المهمة إليه، نظراً لخبرته. وما هو غريب بالفعل عدم إسناد المهمّة إليه من قبل، عندما تواكبت الإدارات السابقة عليه، التي كانت قد أصبحت وظيفيه خالية من الجهد الذاتي والرؤية المستقبلية، ومليئة بثقوب الشللية والمحسوبيات.

خلال حديث قصير بيننا، إثر مؤتمر نجيب عياد الصحافي في مدينة «كان»، قال: «عدت عن قرار الاستقالة من مهرجان أيام قرطاج السينمائي لأني أدركت أنني لم أنجز بعد كل ما أردت إنجازه، وأدركت أنني إذا ما تركته من دون تكملة، فإن من سيخلفني قد يجد من الصعوبة بمكان مواصلة ما بدأته».

ووعد أن تأتي دورة أكتوبر (تشرين الأول) المقبلة وقد تخلصت من كل عثرات الدورتين السابقتين: «المهمة كانت صعبة في البداية، وكان عليّ تذليل هذه المصاعب، لأن مهرجان قرطاج مثّل دائماً الفرصة الكبيرة لكي يتبوأ المهرجان مكانته المنفردة على ساحة السينما العربية والأفريقية. الدورة الجديدة ستؤكد على هذا الشأن، وستكون أفضل تنظيماً، بعدما عملت منذ عامين على تأسيس فريق عمل دائم يتابع العمل في مختلف نشاطاته وأقسامه».

يأتي غياب نجيب عياد بعد أسابيع قليلة من رحيل السينمائي الآخر يوسف شريف رزق الله الذي ترك بصمته الكبيرة على مهرجان القاهرة، وكان عماده الفعلي.

- الخارج عن المألوف

بيتر فوندا، على جناح الطرف الآخر من العالم، هو ابن الممثل الراحل هنري فوندا (1905 - 1982)، وشقيق الممثلة جين فوندا (ولدت سنة 1937، وتبلغ حالياً 81 سنة). الشقيق الأصغر بيتر اتجه للسينما باكراً مثل جين، وكلاهما اختلف عن والده. لقد غرفا حب المهنة منه، لكنهما اختلفا عنه بانتمائهما لمرحلة سياسية واجتماعية جديدة. وفي حين اتجهت جين فوندا لنشاط سياسي مناوئ للحرب الفيتنامية، حصر بيتر فوندا نشاطه في أفلام تعبر عن أميركا الشابة في تلك الفترة.

كلاهما يلتقي في أنهما من جيل مختلف لم يتفق مع الكلاسيكيين في شيء يذكر، خصوصاً أن والدهما، كما نشرت جين فوندا في مذكراتها، كان من النوع الذي لا يمكنه إظهار حبه لأولاده. هذا من قبل أن يختفي برود العلاقة بين جين وأبيها، عندما قاما بتمثيل فيلم مشترك (الأول والأخير بينهما)، وعنوانه «على بحيرة ذهبية» (1981).

كان بيتر ما زال شاباً يافعاً عندما صفّق له الجمهور والنقاد، حين شاهدوه على خشبة مسارح برودواي سنة 1961 يؤدي الدور الرئيسي في مسرحية بعنوان «دم وعرق وستانلي بول»، وضعها الأخوين جيمس وويليام غولدمان عن تجربتهما في الجيش.وشجع هذا النجاح الممثل الشاب على الظهور في مسلسلات تلفزيونية في أدوار مختلفة، منها المسلسل البوليسي «Naked City» ومسلسل الوسترن «Wagon Train»، وأحياناً في مسلسل أكشن مشابه بعنوان «المدافعون» (The Defenders).

وبعد عامين على ظهوره على خشبة المسرح، اختير لبطولة فيلم «تامي والطبيب»، أمام ساندرا دي: كوميديا عابرة انتقل بعدها إلى فيلم «المنتصرون» لكارل فورمان (1963 أيضاً)، الذي تجلّى عن نيله جائزة غولدن غلوب كـ«أفضل ممثل جديد». لكن معظم سنوات تلك الفترة المنتصفة من الستينات أمضاها بيتر في المسلسلات التلفزيونية المختلفة (من بينها أيضاً حلقات من «ساعة ألفرد هيتشكوك»، وكل حلقات المسلسل الدرامي «شانينغ»). فوندا شارك كذلك في عام 1964 الممثل وورن بايتي بطولة فيلم «ليليث».

في تلك الفترة، تعالى صدى الأحداث والمتغيرات الطارئة على المجتمع الأميركي الذي انقسم لواحد تقليدي محافظ، في مقابل آخر شبابي معارض. شارك فوندا سنة 1966 في مظاهرة في لوس أنجليس أراد منظموها التعبير عن رغبتهم في التغيير، والاعتراف بمطالب الجيل الجديد. لكن المظاهرة انقلبت، في الواقع، إلى أعمال شغب، ووجد بيتر فوندا الذي شارك في شكلها السلمي الأول نفسه مقيد اليدين، بعدما ألقى البوليس القبض عليه، وتم اتهامه بإثارة الشغب.

الحادثة ساهمت في تحويل اهتمام فوندا، على نحو أو آخر، صوب ما كان الشباب الأميركي آنذاك يريد التعبير عنه من مناهضة النظام السياسي السائد. هذا ما دلف به إلى أفلام دراجات شبابية، بعضها كان من إنتاج روجر كورمان الذي كان قد ألّف من حوله عدداً من الكتاب والممثلين الشبان، بينهم جاك نيكولسون وبروس ديرن ودايان لاد (ابنة الممثل الراحل ألان لاد).

كانت الدراجة النارية بمثابة رمز لسعي الشباب الخارج عن القانون إلى الانتماء بعضهم لبعض، وليس إلى الوطن كما عهدوه. إلى هذا الخضم انضم بيتر فوندا، ومثل بطولة «الملائكة المتوحشون» (The Wild Angels)، ثم فيلم آخر عن ثقافة العصر، عنوانه «الرحلة» (The Trip)، الذي كتبه جاك نيكولسون، وشارك في تمثيله شاب آخر اسمه دنيس هوبر.

الثلاثة (فوندا ونيكولسون وهوبر) أمّوا في عام 1969 فيلماً آخر عن شباب الدراجات النارية، هو «إيزي رايدر» الذي لم يتبوأ فقط المركز الرابع في أعلى إيرادات ذلك العام، بل تبوأ كذلك الصدارة بين كل الأفلام الشبابية التي تحدثت عن فتيان أميركيين ينشدون الحرية، بعيداً عن التزامات المجتمع التقليدية.

ولم يكن النجاح محلياً فقط، بل عالمياً، إذ تحلى الفيلم بجديد طارئ، وتمتع بتوزيع شركة كولمبيا ذات النفوذ. ووفر الفيلم لجاك نيكولسون ترشحه لأوسكار أفضل ممثل عنه، ولدنيس هوبر مهنة، ولو قصيرة، في مجال الإخراج.

بعد ذلك بعامين، بلور بيتر فوندا فيلم وسترن أكثر هدوءاً والتزاماً، بعنوان «The Hired Hand»، الذي قام ببطولته وإخراجه. في هذه الفترة، وبينما كان بيتر قد بدأ يشق طريقه، مبتعداً أكثر فأكثر عن صورة الهيبي الجانح صوب التغيير، كانت شقيقته تتخذ مواقف يسارية أشد، وتقف ضد حرب فيتنام في الواقع، كما في الأفلام.

استمر هنري بعد ذلك في العمل السينمائي بلا توقف (رصيده من الأفلام التي مثلها يبلغ 75 فيلماً)، وهو الوحيد الذي لم يفز بأوسكار في عائلته، لكن هذا لم يشغله عن المتابعة، متحوّلاً بالتدريج إلى الممثل المختلف عن أي مرجعيات سياسية، وقابلاً بأدوار في أفلام مختلفة. وباستثناء «3:10 ليوما» لجيمس مانغولد (2007)، قلما وجدناه في فيلم رئيسي خلال السنوات الخمسة عشرة الأخيرة التي حفلت بأدوار مساندة، آخرها فيلم لم يعرض بعد، بعنوان «المعيار الكامل الأخير» (The Last Full easure)، يشارك فيه إلى جانب سامويل ل. جونسون وإد هاريس وكريستوفر بلامر وويليام هيرت.

وإلى جانب «اليد المأجورة» سنة 1971، أخرج فيلمين آخرين، هما: «Idaho Transfer» سنة 1973 و«واندا نيفادا» (1979)، لكن أي من أفلامه مخرجاً لم ينجز أكثر من حضور في ذاكرة الراغبين في الاستعادة.

 

الشرق الأوسط في

18.08.2019

 
 
 
 

نجيب عيّاد... رغبة التجديد

نديم جرجوره

من يقرأ كلمات الأسى والحزن في صفحات فيسبوك، لأصدقاء وزملاء مهنة، بعد وقتٍ قليلٍ على إعلان نبأ رحيل نجيب عياد، يُدرك سريعًا موقع الراحل في المشهد السينمائي العام. ونبأ رحيله (صباح الجمعة، 16 أغسطس/آب 2019)، تنبيهٌ إلى ندرة الاهتمام العربي، النقدي والصحافي والإعلامي، بمن يعمل في مجالات سينمائية غير الإخراج والتمثيل والكتابة والتصوير والتوليف، وإنْ يكن الاهتمام بالمجالات الـ3 الأخيرة أقلّ من الاهتمام بـ"الوظيفتين" الأولى والثانية. إذْ يصعب العثور على مقالات وحوارات وتحقيقات، جدّية وسجالية وعميقة، مع موزّعين ومنتجين وناشطين في المجال السينمائي العربي، من دون تجاهل اشتغالات فردية نادرة في هذا الإطار. 

رحيل نجيب عيّاد (1953 ـ 2019) مفاجئ. الرجل ناشطٌ منذ 44 عامًا، بدءًا من النقد السينمائي في Le Temps التونسية منذ تأسيسها عام 1975. حاضرٌ في المشهد التونسي تحديدًا، نقدًا وأندية سينمائية، والمُطّلع على حركة تلك الأندية في دول المغرب العربي، وليس في تونس فقط، يُدرك ماهية الدور، الثقافي والاجتماعي والفكري، الذي تُتقن تلك الأندية ممارسته، في أعوامٍ عديدة. فالنادي السينمائي، المنبثق من رغبة في المُشاهدة والتأمّل والتثقيف والتحريض على التساؤل والبحث، يبقى أحد المداخل الأساسية للوعي المعرفي، المتجذّر في علوم إنسانية وآداب وجماليات أيضًا، ترافق صناعة السينما وتؤثّر بها. 
بين عامي 1973 و1979، يتولّى نجيب عيّاد منصب السكرتير العام لـ"الاتحاد التونسي للأندية السينمائية"، ثم يُصبح رئيسًا له، قبل تعيينه مديرًا لـ"الجمعية التونسية للإنتاج والتوزيع السينمائي"، بين عامي 1980 و1988، المعنيّة بالإنتاج، كما بالترويج الدولي، ما يتيح لعيّاد فرصة إنتاج، أو المشاركة في إنتاج أفلامٍ تونسية مختلفة. أما التأكيد على تلك الأعوام، فمنبثق من كونها انعكاسًا لتبدّلات في الاجتماع والثقافة والصناعة السينمائية والاقتصاد، في بلدٍ يحاول استكمال مشاريعه النهضوية المتنوّعة، رغم فداحة القمع الأمنيّ لاحقًا. 

ينتقل نجيب عيّاد من سبعينيات القرن الـ20، المُقيمة في غليان التفكير والسجال وطرح أسئلة الحياة والهوية والعلاقات والانتماء والبحث عن معاني الأشياء وتفاصيلها، إلى ثمانينيات القرن نفسه، بما هي عليه من خضّات وارتجاجات ومحاولات جدّية ودائمة لجعل السينما التونسية مرايا واقع وذاكرة وانفعال وذات وحقائق. فلعيّاد جهد مبذول من أجل فيلم أو حوار أو نقاش أو إنتاجٍ، أو من أجل تحسين شروط تنظيم دورات سنوية لـ"أيام قرطاج السينمائية"، منذ تكليفه بإدارتها عام 2017، خلفًا لإبراهيم لطيّف. لكن الـ"أيام"، المالكة صيتًا محبَّبًا في تاريخها، خصوصًا أنّها حيّز لكشف بعض غليان السينما، التونسية والعربية والأفريقية تحديدًا، في مقارباتها المتنوّعة أحوال العالم ومتغيراته، وأحوال الاجتماع والناس والعلاقات، الـ"أيام" هذه نفسها تعاني تخبّطات وارتباكات في أعوام عديدة سابقة، ومحاولات إنقاذها جادّة، لكنها عاجزة عن فعل المطلوب، لاهتراءٍ حاصل في مؤسّسات رسمية، أو في علاقة مؤسّسات رسمية وغير رسمية بها. 

في مطلع الألفية الثالثة، يُشير نجيب عيّاد إلى حيوية اشتغال، يراها أكبر من سابقاتها. يقول إنّ الإنتاج واصلٌ إلى 6 أفلام روائية طويلة و15 روائياً قصيراً، أي 3 أضعاف المُنتَج قبل 10 أو 15 عامًا (حوار منشور في "لو سوار الجزائر"، 4 يونيو/حزيران 2005). يُشير عيّاد إلى أنّ كثرة الإنتاج تلك "غير كافية"، وأنّ لهذه السينما مشاكل، "بداية مع جمهورها المحلي، ثم مع الجمهور الأجنبي". 

يقول إنّ أسباب ذلك عديدة: لعلّ الكتّاب "يلتزمون أعرافًا أكثر من قبل"، أو ربما هم "أقلّ جرأة وتساهلاً". لكن، "هناك الرقابة أيضًا. فالمخرجون يعتمدون منطق الرقابة الذاتية، المادية وربما الأخلاقية". ورغم إقراره "أنّ الشعلة لم تعد حيّة"، يرى أن هناك "مواهب شابّة كثيرة تكشف عن ذاتها، وتُبدي اهتمامًا متزايدًا بالتصوير السينمائي". 

هذا حاصلٌ بوفرة في مرحلة لاحقة. "ثورة الياسمين" تحوّل فعلي وخطوة "إيجابية" جديدة للسينما التونسية، نحو إيجاد توازن جمالي بين وقائع العيش في لحظة التبدّلات الكبيرة (الفردية والجماعية)، وكيفية نقل الوقائع تلك إلى سينما سجالية ومُثيرة لمتعة المُشاهدة، رغم القسوة. وجيب عيّاد شاهدٌ على هذا، في لحظة صدام بين رافضين ومنغلقين ومتزمّتين، واشتغالات تصنع جديدًا وتجديديًا رغم كلّ شيء. 

 

####

 

بهجة السينما التونسية

أشرف الحساني

كان المنتج التونسي نجيب عيّاد (1953) ـ الذي توفي صباح الجمعة، في 16 أغسطس/ آب 2019، بسكتة قلبية تعرّض لها في منزله ـ علامة بارزة في المشهد العربي. فهو أحد أولئك الذين قدّموا كثيرًا للسينما التونسية، من سبعينيات القرن الـ20 لغاية اليوم. لذا، سيحفظ التاريخ السينمائي التونسي اسمه، كمنتج وناقد سينمائي، وكعضو في لجنة الأفلام السينمائية، التابعة لوزارة الثقافة التونسية. بعدها، صار مديرًا عامًا لـ"أيام قرطاج السينمائية"، الذي يمثّل منارة سبّاقة لعرض الأفلام العالمية، وأحد أبرز المهرجانات العربية، التي أصبح لها في الأعوام القليلة الماضية ميسمًا لخصوصيته العربية والأفريقية، باختيار الضيوف والأفلام، متماشيًا ـ منذ تعيينه مديرًا له عام 2017 ـ مع السياسة العامة والتوجّه الإبداعي، الذي رسمه الطاهر شريعة (1927 ـ 2010)، مؤسّس الـ"أيام" نفسها عام 1966، بصوغه مشروعًا فنيًا تشهده تونس سنويًا مع عيّاد، بعد أن كانت الـ"أيام" تُقام مرة واحدة كل عامين. 

من ميزات "أيام قرطاج السينمائية"، عدم احتكار أفلام العرض، والإبداع وتعميق الهوية العربية، بما فيها من خصوصية متنوّعة. فالـ"أيام" مهووسة بالطابع العربي ـ الأفريقي، وشأنه يكبر عامًا تلو آخر، خصوصًا مع تعيين نجيب عيّاد مديرًا لها، فصار التونسيون ينتظرونها، هم الذين يملأون صالات العرض، ويلتقون يوميًا عشّاق الفن السابع، في "شارع الحبيب بورقيبة". هذه الخصوصية الفنية العربية ـ الأفريقية، جعلت الـ"أيام" أحد أهمّ التظاهرات السينمائية في العالم العربي، فمهرجانات عربية عديدة أخرى باتت مجرّد صدى، أو نسخة هجينة، لسينما الغرب. 

هذا كلّه من دون تناسي نباهة عيّاد، المؤدّية إلى انفتاح الـ"أيام"، في دوراتها الأخيرة، على سينما الجنوب وبعض دول آسيا وأميركا اللاتينية. بالإضافة إلى حرصه على التعريف بالسينما التونسية الجديدة، بأطيافها وألوانها كلّها، ويتغييرات مفاهيمها وتبدّلاتها الفنية والجمالية، التي شهدتها عبر تاريخها الطويل، منذ زيارة الأخوين لوميار لها، لتصوير بعض المشاهد عام 1896، بل منذ عرض أول صور سينمائية لسماسة شيكلي، بإعطاء قيمة أكبر لسينما التحرّر والاستقلال، ثم بإطلاق تعبيرات الجسد والذاكرة والفضاء.

يُمثّل نجيب عيّاد نموذجًا لما ينبغي أن يكون عليه المنتجون السينمائيون العرب، لامتلاكه خصوصية فريدة، تتجلّى في قدرته على اختيار الأفلام، وعلى حسّ نقدي وجمالي، وعلى هوسه بالاختلاف والتنوّع والتجريب، وعلى قدرته الفعّالة على التواصل مع عشّاق الفن السابع بلغة الكبير المتواضع، الطامح دائمًا إلى الرقي بالسينما والتلفزيون التونسيين أمام سياسات الترفيه والاستهلاك الطافية بقوة في المشهد السينمائي العربي، التي أصبحت عند البعض شعارًا لإنتاجه. 

ظلّ عيّاد، عبر مساره الفني الطويل، منذ عضويته في الأندية السينمائية التونسية، مهتمًّا بإنتاج سينما نظيفة من الشوائب، وحقيقية تقوم على الإبداع والخلق، ولا تحتكر الأسماء الفنية، وتعمل على تكريسها، بل ظلّ يعطي فرصًا للشباب الحالمين بسينما عربية مغايرة، ومغامرة في الخلق والتجريب، تفتح لنفسها آفاقًا جديدة، وتبحث عن جماليات أكثر التحامًا بالواقع التونسي، وما شهده الواقع نفسه منذ الربيع العربي من تغييرات جذرية في الأصعدة كلّها، السياسية والاجتماعية والثقافية. 

هذا ظاهر في أفلامه السينمائية وأعماله التلفزيونية، كـ"الريحانة" (2001)، و"يا زهرة في خيالي" (2000)، و"قمرة سيدي محروص" (2003)، و"مملكة النمل" (2012)، و"لأجل عيون كاترين" (2012)، و"يوميات امرأة" (2013)، و"ناعورة الهواء" (2014)، بالإضافة إلى المسلسل الدرامي "فلاش باك" (2016) في جزئه الأول كمنتج، والثاني (2017) كمنتج منفّذ، مشتغلاً فيه مع المخرج مراد بن الشيخ. هذا العمل احتضن تجارب سينمائية شابّة، بمنح الشباب أدوارًا رئيسية، رغم مشاركتهم الأولى، ما جعل العمل يُحقّق طفرة نوعية، على مستوى منتوجه، الذي فيه لغة تحرّر واحتجاج وثورة وجهر بحقائق، وأيضًا لغة نقد لاذع للسلطتين السياسية والدينية، بالإضافة إلى حرية التعبير في البلد، والإنتاج الغزير، الذي تتبناه وزارة الثقافة التونسية في دعم المشاريع السينمائية، فضلاً عن الشراكات التي تعقدها مع بعض المؤسسات الفنية والثقافية خارج البلد.

 

العربي الجديد اللندنية في

18.08.2019

 
 
 
 
 

رحيل

نجيب عياد: نهاية المرحلة المضيئة في السينما التونسية

أنيس الشعبوني

تونسشيّعت الأسرة الثقافية ظهر أمس الأحد في مدينة تونس مدير «أيام قرطاج السينمائية» المنتج السينمائي والتلفزيوني نجيب عياد (1953 ـ 2019) بعد نوبة قلبية مفاجئة. وكان الوسط التونسي قد أصيب بصدمة الجمعة الماضي لنبأ رحيل عياد، إذ أنّه لم يكن مجرّد منتج سينمائي، بل كان منتجاً ومنشطاً ثقافياً منحازاً إلى الثقافة التقدمية. كان من ألمع وجوه حركة نوادي السينما في أواخر الستينيات والسبعينيات الذي كان ملاذ المثقفين من الشباب التونسي الرافض للثقافة الرسمية للسلطة. تولى عياد رئاسة «اتحاد نوادي السينما»، كما تولى «مهرجان قليبية الدولي للسينمائيين الهواة» في مرحلة دقيقة من تاريخ تونس حين اشتدت الرقابة على الإعلام والثقافة في السبعينيات، بالتزامن مع تصادم النقابات مع رئيس حكومة الزعيم الحبيب بورقيبة آنذاك الهادي نويرة. مرحلة انتهت بالزج بالنقابيين في السجون، وكان «اتحاد نوادي السينما» و«الجامعة التّونسيّة للسّينمائيين الهواة» آنذاك في واجهة المعركة الثقافية، مع نظام «المجاهد الأكبر» كما كان يسمّى في تونس. وفي الثمانينيات، لعب نجيب عياد دوراً بارزاً في الانتعاشة التي شهدتها السينما التونسية التي ذاع صيتها مع أفلام النوري بوزيد والمنصف ذويب وغيرهما. وقد كان وراءها المنتج الراحل أحمد بهاء الدين عياد رفيق درب نجيب عياد، وكان وقتها الأخير في «الشركة الوطنية للإنتاج والتنمية السينمائية» التي انخرطت في دعم مشاريع الإنتاج الخاصة قبل حلّها في التسعينيات. بدءاً من عام 1998، انخرط نجيب عياد في تجربة الإنتاج السينمائي، عبر العديد من الأفلام القصيرة والطويلة من بينها: «بوتليس» لنصرالدين السهيلي، و«صباط العيد» لأنيس لسود، «مملكة النمل» لشوقي الماجري، و«أوديسة» لإبراهبم باباي وغيرها، كما أنتج للتلفزة مجموعة من أشهر المسلسلات التونسية مثل «صيد الريم» و«ناعورة الهواء» و«وداعاً كاترين» وغير ذلك

ترك نجيب عياد بصمات واضحة في الحركة السينمائية. فقد أسس في التسعينيات مع رفيق دربه حسن عليلش «المهرجان الدولي لفيلم الطفولة والشباب» في مدينة سوسة، وتولّى إدارته لسنوات. كما ترأس منذ ثلاث سنوات «أيام قرطاج السينمائية»، أحد أعرق مهرجانات سينما الجنوب. وقد أعاد عياد المهرجان إلى طابعه الأصلي كمنصة لسينما التحرر الاجتماعي والسياسي ومقاومة الاستبداد والقمع وانتهاك الحقوق الاقتصادية والسياسية للشعوب والمواطنين أيضاً. لم يكن نجيب عياد مجرّد منتج سينمائي أو تلفزيوني يبحث عن الربح السهل، بل كان منتجاً ثقافياً منحازاً للمبدعين ومنخرطاً في كلّ القضايا المتعلقة بالحريات والديمقراطية والتعددية منذ أن كان طالباً مطلع السبعينيات في الجامعة التونسية التي شهدت أوج المصادمات مع الحكومة. وكان عياد في طليعة الحركة اليسارية والتقدمية التي قادت النضال ضد حكم الحزب الواحد والرئاسة مدى الحياة والثقافة الرسمية. ورغم أنه لم ينخرط في أيّ تيار يساري من التيارات المهيمنة آنذاك على المشهد السياسي والطلابي والنقابي، إلا أنّه كان فاعلاً في اليسار الثقافي الذي كان يقود الحركة السينمائية من خلال منظمتَي «حركة نوادي السينما» و«الجامعة التّونسيّة للسّينمائيين الهواة». وقد حافظ عياد على استقلاليته عن السلطة السياسية في ظلّ تعاقب الحكومات، وعُرف بقدرته على التفاوض مع السلطة لحماية نوادي السينما التي كانت مستهدفة من السلطة في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات. إذ كانت تُعتبر «وكراً» للشباب اليساري المناوئ للسلطة. وقد كان الناشطون في نوادي السينما إلى حدود «14 جانفي» 2011 مستهدفين من السلطة، لكن نجيب عياد كان في واجهة المدافعين عن الشبان السينمائيين والمنتمين لحركتي «نوادي السينما» و«السينمائيين الهواة». وهو ما يجعل من رحيله بمثابة رحيل «أب» حركة نوادي السينما بعد انطفاء جيل المؤسّسين، بعدما كان عياد أصغر المؤسسين آنذاك

رحيل نجيب عياد إعلان عن نهاية المرحلة المضيئة في السينما التونسية؛ فهو خلافاً لجيل المؤسسين، اتخذ مواقف سياسية ونقابية وانحاز لقضايا الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان. برحيله، تخسر السينما التونسية منتجاً مغامراً وفاعلاً ثقافياً بارزاً يصعب تعويضه. بعد أحمد بهاء الدين عطية رفيق دربه، يرحل نجيب عياد بعدما صنعا معاً مجد السينما التونسية في الثمانينيات واقتحما مغامرة الإنتاج السينمائي الخاص الذي كانت تحتكره الدولة بشكل كامل. وداعاً «سي نجيب» كما يناديك الممثلون والتقنيون والصحافيون.

 

الأخبار اللبنانية في

18.08.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004