كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

«مهرجان البندقية»:

عينه على السينما وتحوّلاتها

شفيق طبارة

فينيسيا السينمائي الدولي السادس والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

في أواخر آب (أغسطس) من كل عام تستقبل جزيرة «ليدو» (البندقية – إيطاليا) العالم والفن والسينما. انطلقت النسخة الأولى من «مهرجان البندقية السينمائي» في فندق «إكسلزيور» في ليدو دي فينيسيا عام ١٩٣٢، واليوم ما زال المهرجان يحوّل البندقية إلى قبلة للسينما الدولية بسحرها وعروضها الأولية ونجومها والصحافة والباباراتزي. منذ انطلاقه على يد رجل الأعمال والسياسي الإيطالي جوسبي فولبي؛ تربع المهرجان على قائمة أهم المهرجانات العالمية (مع مهرجاني كان وبرلين). عنوان أساسي لعالم السينما استقطب عدداً لا يُحصى من المشاهير (تشارلي تشابلن، صوفيا لورين، بيار باولو بازوليني، فيديريكو فيلليني، وودي ألن، كلوديا كاردينال حتى سيلفادور دالي حضر المهرجان عام ١٩٨٥)، ومصدر حكايات لا تنتهي: من الممثلة مارلين ديتريش الإلهية التي كرّمت على السجادة الحمراء عام ١٩٣٧، إلى شون كونري الذي وصل عام ١٩٧٦ إلى «ليدو» على طريقة جيمس بوند على متن قارب مائي.

من قصة بريجيت باردو مع عازف الغيتار الفرنسي ومغني الجاز ساشا ديستيل، إلى صورة بول نيومان عام ١٩٦٣ في القارب المائي التي أصبحت واحدة من أكثر الصور شهرة للممثل الوسيم.
هذا العام، يحتفي «مهرجان البندقية»، أو لنكنْ أكثر دقة «معرض الفن السينمائي» أقدم المهرجانات السينمائية العالمية، بدورته السادسة والسبعين (٢٨ آب/ أغسطس حتى ٧ أيلول/ سبتمبر ٢٠١٩). سيُتاح لعشاق الفن السابع فرصة مشاهدة أحدث الأفلام واستعادة الكلاسيكيات السينمائية وأيضاً إنهاء اليوم السينمائي بالاحتفال بالسينما والمشاركة في الحفلات والاجتماعات والمحاضرات المرتبطة بالمهرجان. يهدف الأخير إلى رفع مستوى الوعي وتعزيز السينما الدولية بجميع أشكالها كفن وترفيه وصناعة بروح من الحرية والحوار، وفق ما صرّحت به إدارة المهرجان

ألبرتو باربيرا أسد البندقية المعاصر الواضح والصريح

منذ أن تسلّم ألبرتو باربيرا الإدارة الفنية للمهرجان عام ٢٠١٢، لم يسلم من الانتقادات. سنة تلو أخرى، أثبت باربيرا نفسه تاركاً بصماته الواضحة، بخاصة أنه تسلم المهرجان من ماركو موللر الذي أعاد للحدث بريقه الذي فقده تقريباً في التسعينيات. واكب باربيرا الحداثة بفهم عميق للسينما ومتطلباتها. هكذا، بتنا نشاهد عدداً أكبر من الأفلام المعتمدة على الحبكة والحكاية، كما رأينا أفلاماً ليست سينمائية (نتفلكس). باربيرا، منفتح أكثر، يريد أن يطمئن الجميع إلى مستقبل السينما الذي يواجه تغييراً لا يمكن وقفه. برأيه «علينا أن نكون منفتحين على كل شيء»، وهي الروح التي يتعامل بها في مهرجان عريق مثل «البندقية». لا تبدو نوعية وروح الأفلام المشاركة مختلفة كثيراً عن السنوات الماضية، حددها باربيرا بثلاثة اتجاهات: الأول هو العدد الهائل من الأفلام التي تتعامل مع مشاكل ووضع المرأة في المجتمعات المعاصرة، صنعها مخرجون رجال، فكما أوضح «هذا يكشف عن حساسية جديدة واهتمام خاص بالكيان الأنثوي، وقد يكون مؤشراً إلى الخلافات الأخيرة التي أثارتها الحركات الخاصة بالقضايا النسائية وسوء المعاملة من الذكور في كلّ مجالات المجتمع، وهي الآن قد بدأت تترك بصماتها على الضمير الاجتماعي». الاتجاه الثاني هو الأفلام المكرسة لإعادة إعمار دقيقة موثقة لأحداث من التاريخ الحديث أو القديم، خاصة الأحداث التي يمكن تشويهها بطريقة سهلة. الاتجاه الثالث الذي أشار إليه باربيرا هو «العودة إلى سينما الواقع بدلاً من الهروب إلى أكوان متوازية أو تخيلية بحت لمواجهة المشاكل». هذا بالإضافة إلى الأنواع الكلاسيكية (إثارة، حرب، رسوم متحركة)، فبرأيه لا يمكن الاستغناء عن الأفلام التي تجذب جمهوراً أوسع من جمهور سينما المؤلف. لكن نلاحظ تدني عدد الأفلام الهوليوودية المشاركة، عدا أنّ باربيرا لم يختر واحداً منها كفيلم افتتاح في سابقة هي الأولى منذ عام ٢٠١٢.

المساواة بين الجنسين، نتفليكس ورومان بولانسكي

بدأ الجدال فور إعلان المهرجان لائحة الأفلام المشاركة. إذ جوبه باربيرا باعتراضين: الأول حول أحقية مشاركة فيلم للمخرج رومان بولانسكي، والثاني بسبب عدم مشاركة عدد كافٍ من الأفلام لمخرجات نساءدافع باربيرا عن موقفه اقتناعاً منه بدور السينما وبما يريد أن يقدمه، مؤكداً التزامه بالمعايير الفنية في اختيار الأفلام بصفتها الطريقة الوحيدة لإلغاء التمييز على عكس ما تدّعي غالبية المهرجانات في مناصرتها للكوتا. اتهم باربيرا بالعنصرية، فدافع عنه نفسه قائلاً: «إن كنت سأضع في ذهني كافة الفئات وأنا أختار ٦٠ فيلماً من أصل ١٨٠٠ تقدمت للمهرجان؛ فعليّ أن أختار أفلاماً لمخرجين سود، وأخرى لمخرجين مثليين، ثم لفئات تعرضت للتمييز لأسباب مختلفة. وفي النهاية لن يكون هذا معرضاً للفن إنما مهرجان للحقوق المدنية». لم يرضَ باربيرا الخضوع لمعايير تُفرض فرضاً على الفن، «إذا تركت هذا يحدث، فوظيفتي انتهت وحريتي انتهت». 

أما عن الاعتراضات التي وُجّهت له، لا سيما من قبل حملات «مي تو»، بسبب اختياره فيلماً لرومان بولانسكي المُدان بإقامة علاقة جنسية مع قاصر عام ١٩٧٧، فيوضح باربيرا: «علينا أن نفرق بين الرجل والفنان وإلا ستصيبنا اللعنة. لست قاضياً وما أعرفه أن بولانسكي هو أحد صناع السينما العظماء المتبقين في السينما الأوروبية والعالم». وشدد على عدم رغبته في اضطهاد المخرجكما يفعل العامة وعدم الخلط بين فنه وحياته الشخصية: «عندما تكون أمام لوحة لكارافاجيو، لا تفكر في حقيقة أنك أمام عمل لقاتل. أجد من السخف عدم القدرة على التمييز بين ذنب الشخص وقيمته كفنان. وإذا لم نفهم ذلك، لن نصل إلى أي مكان. ربما يعاني بولانسكي مشاكل مع العدالة أو مع ضميره، ما يهمني أنا هو أنه صنع فيلماً رائعاً». كما أن لباربيرا رأيه الخاص بخصوص أفلام نتفليكس. بينما قرر «مهرجان كان» عدم إشراك نتفليكس في المسابقة الرسمية لأنها ليست أفلاماً سينمائية ولا تتبع القوانين الفرنسية بشأن العرض في الصالات ــ وهو أمر أجده محقاً جداً ـ يرى باربيرا ــ بصفة شخصية ــ أن نتفليكس شركة إنتاج مثل أي شركة أخرى يختار منها ما يوافق المعايير الفنية

الجودة قبل أيّ شيء

عندما كشف النقاب عن الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية وغيرها من الأقسام؛ كان واضحاً خط التطور الذي يسير عليه المهرجان: احتضان أفلام شباك التذاكر والاستوديوهات الكبيرة من دون التخلّي عن سينما المؤلف. بالتالي ضمت القائمة أفلاماً لمخرجين كبار وبعض الأسماء الواعدة. ٣٦٢١ فيلماً تقدّمت للمهرجان وشُوهدت من ٥٣ بلداً. ١٨٣٣ فيلماً طويلاً (١٨٨ منها من إيطاليا). ١٦٢٧ فيلماً قصيراً (١٤٦ من إيطاليا)، و١٦١ فيلماً بواقع افتراضي (virtual reality). ٢١ فيلماً سوف تنافس على «الأسد الذهبي». ١٧ فيلماً خارج المسابقة. ٧٥ فيلماً تقريباً موزعة على المسابقات الأخرى (Orizzonti, Sconfini, Biennale college, short films...). بالإضافة إلى مسلسلين جديدين، أحدهما للإيطالي باولو سورنتينو «البابا الجديد» (الجزء الثاني من «البابا الشاب»)، و٣٦ مشروعاً عن الواقع الافتراضي من بينها ٢٦ داخل المسابقة، و٢٠ فيلماً كلاسيكياً رُممت خصيصاً للمهرجان، وتسعة وثائقيات عن السينما.

الياباني هيروكازو كوريدا الحائز سعفة «كان» الذهبية عام ٢٠١٨ عن فيلم «سارقو المتاجر»، سيفتتح «مهرجان البندقية» السادس والسبعين بفيلمه الجديد «الحقيقة». في هذا العمل (بطولة كاترين دونوف، جولييت بينوش، وإيثان هوك)، تقوم دونوف بدور نجمة سينمائية. وعندما تنشر مذكراتها، تعود ابنتها لومير (بينوش) من نيويورك إلى باريس مع زوجها (هوك) وطفلها الصغير. «سوف يتحول لمّ الشمل بين الأم وابنتها بسرعة إلى مواجهة: تكشّف الحقائق، تسوية الحسابات والاستياء من الاعترافات»، وفقاً لملخّص الفيلم في بيان المهرجان. في كلمة الشكر التي ألقاها، يقول كوريدا: «صورتُ الفيلم على مدى عشرة أسابيع في الخريف الماضي في باريس». وأضاف: «يروي العمل قصة عائلة صغيرة، تجري أحداثه بشكل أساسي داخل المنزل، فقد حاولت أن أجعل شخصياتي تعيش داخل كون صغير، بأكاذيبها، فخرها، ندمها، حزنها وفرحها». «الحقيقة» يمثل العمل الأول للمخرج خارج اليابان، وهذا ما نحن في انتظاره؛ ما يمكن أن يقدمه المخرج خارج بيئته المعتادة التي نجح فيها، خاصة أن عدداً من المخرجين سبقوه وصنعوا أفلاماً خارج بيئتهم ولم ينجحوا إلى حد كبير، نذكر منهم الإيراني أصغر فارهادي الذي صنع فيلمه الأخير في إسبانيا ولم يكن بجودة الأفلام التي قدمها في بلده الأم. الفرنسي البولندي رومان بولانسكي سينافس على الأسد الذهبي بـ «ضابط وجاسوس» (J’accuse (An Officer And a Spy. فيلم تجسس تاريخي مبني على رواية روبرت هاريس التي تحمل العنوان نفسه، من بطولة الفرنسي جان دوجاردان (الحائز جائزة الأوسكار لأفضل ممثل عن فيلم «الفنان» عام ٢٠١١). أراد بولانسكي أن يروي القصة منذ سنوات، وقد يكون فيلمه الجديد الأكثر شخصية وقوةً منذ «عازف البيانو» (٢٠٠٢). علماً أننا رأينا بولانسكي عام ٢٠١٧ في «مهرجان كان» (خارج المسابقة الرسمية) بفيلم «مقتبس عن قصة حقيقية» لم يُستقبل بحفاوة كبيرة ونُسي بعد فترة قصيرة.

روي أندرسون يعود بعد غياب سنوات، وتحديداً منذ عام ٢٠١٤ عندما حاز جائزة «الأسد الذهبي» لأفضل فيلم في «البندقية» عن فيلمه «حمامة جلست على غصن تتأمل الوجود»، وهو الفيلم الثالث من «ثلاثية الحياة». في فيلمه الجديد «عن الخلود»، يتابع السويدي تعبيره السينمائي عن التفكير في الإنسانية بكلّ جمالها ووحشيتها كما فعل في أفلامه السابقة، معبّراً عن سينماه الخاصة، وموضحاً معنى أن نكون بشراً ومعنى البقاء على قيد الحياة.

التشيلي بابلو لارين يعود إلى «ليدو» بعدما شارك في المهرجان عام ٢٠١٦ بفيلم «جاكي» (سيرة جاكلين كينيدي)، وبعدما قدم في السنة نفسها فيلم «نيرودا» عن الواقع الشيوعي في تشيلي عام ١٩٤٨ وكيف اضطر الشاعر بابلو نيرودا للفرار من البلاد. ولا يمكن إغفال تحفة لارين السينمائية «النادي» وهو حلقة مفرغة وهاوية إلى الجحيم، ينتقد فيه السلطة الكنسية غير القادرة على معاقبة أعضائها. وقد فاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم في «مهرجان برلين» عام ٢٠١٥. يقدم لارين هذه السنة شيئاً جديداً لم يقدمه من قبل، حول شخصيات تعبّر عن نفسها من خلال الرقص المعاصر، ولكن الفيلم لن يكون موسيقياً، إذ أوضح لارين: «هذه ميلودراما، لم أقم بها من قبل، حيث تعد عواطف الناس للآخرين ضرورية للقصة، هناك الكثير من الموسيقى والكثير من المشاهد حيث يتقاسم الناس مشاعرهم بشكل أساسي».

الفرنسي أوليفيه أساياس يعود إلى الجزيرة بعدما شارك في المهرجان السنة الفائتة بفيلم «غير خيالي»، وبعدما قدم «كارلوس» عام ٢٠١٠ و«بعد أيار» عام ٢٠١٢ (أفضل سيناريو ـ مهرجان البندقية ٦٩). يقدم هذه السنة «شبكة الدبور» الذي يحكي القصة الحقيقية للجواسيس الكوبيين في الأراضي الأميركية خلال التسعينيات، عندما قامت جماعات مناهضة لكاسترو المتمركزة في فلوريدا بشن هجمات عسكرية على كوبا، وقامت الحكومة الكوبية بالردّ بـ «شبكة الدبور» للتسلل إلى تلك المنظمات. كتب أساياس السيناريو مستنداً إلى كتاب فرناندو موريس «آخر الجنود في الحرب الباردة: قصة الكوبيين الخمسة».

الأميركي ستيفن سودربيرغ الذي كان أصغر من حاز سعفة «كان» الذهبية بفيلم «جنس، وأكاذيب وشريط فيديو» وهو في السادسة والعشرين من عمره؛ يقدم في البندقية هذه السنة The Laundromat. شريط مستوحى من أحداث أكبر تسريب للبيانات في العالم، يستند إلى وثائق بنما وإلى التحقيق العالمي من قِبل اتحاد الصحافيين الدوليين الاستقصائيين وأكثر من مئة شريك إعلامي لفضح المنظومات المصرفية الخارجية «الافشور». 

الأميركي نواه بومباك صاحب الإنتاج الغزير، يقدم «قصة زواج» أو بالأحرى قصة طلاق بين مخرج مسرحي وزوجته اللذين يتشاركان ابناً واحداً. الكندي أتوم أجويان يقدم سيناريو من كتابته هو «ضيف شرف» عن علاقة بين الأب وابنته البالغة عشرين عاماً التي تفضل البقاء في السجن بسبب اعتداء جنسي رغم أنها تستطيع إثبات براءتها. يجد الاب وابنته نفسيهما يتصرفان خارج حدود السلوكيات المقبولة بينما يطاردهما الماضي. الكولومبي سيرو جيرا يقدم «في انتظار البرابرة»، والبرتغالي تياغو غويدز A Herdade، فيما يشارك الأميركي جيمس غراي بفيلم خيال علمي منتظر من بطولة براد بيت يحمل عنوان «أد استرا». أيضاً، يقدّم تود فيليبس فيلماً منتظراً آخر هو «الجوكر»، إلى جانب مشاركات للفرنسي روبير غيديغيان ( Gloria Mundi)، والصيني لو يي (السبت الخيالي)، والإيطالي بيادرو مارسيلو (مارتن ايدن) ومواطنه المخضرم فراكو مارسكو في وثائقي «المافيا لم تعد كما كانت عليه»، والتشيكي فاكلاف مارهول الذي يقدم «الطائر الملون» المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه عن الحرب العالمية الثانية من وجهة نظر صبي صغير. الإيطالي ماريو مارتوني الذي شارك العام الماضي، يعود إلى المسابقة بدراما ممزوجة بجريمة تحت عنوان «عمدة ريون سنانيتا». المرأة الثانية المشاركة في المسابقة الرسمية هي الاسترالية تشانن ميرفي بفيلم BabyTeeth. وأخيراً من هونغ كونغ، يعود المخرج يونفان إلى الشاشة الكبيرة بعد غياب طويل بفيلم رسوم متحركة هو الأول له من هذا النوع بعنوان No.7 Cherry Lane.

كثير من المخرجين سوف تُعرض أفلامهم خارج المسابقة الرسمية وفي مختلف فئات المهرجان منهم المخضرم كوستا غافراس، غاسبار نوي الذي يقدم فيلم Irreversible بتوليفة جديدة، تيم روبنز، اندريا سيرجي وغيرهم. وكما ذكرنا، فـ «البندقية» أقدم مهرجان سينمائي في العالم، وقد أصبح في السنوات الأخيرة نقطة انطلاق مهمة لموسم الجوائز لكل من استوديوهات هوليوود والعالم والأفلام المستقلة. من هنا جاء تعيين المخرجة الأرجنتينية لوكريسيا مارتل رئيسة لجنة التحكيم، هي التي قالت: «إنه لشرف ومسؤولية وسرور أن أكون جزءاً من هذا الاحتفال بالسينما». كما سيتم تكريم الممثلة الإنكليزية جولي أندرزو والمخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار.

«البندقية كلاسيك»: تحف لا تنسى

سترأس المخرجة وكاتبة السيناريو الإيطالية كوستانزا كواترجيلو لجنة تحكيم طلاب السينما التي ستمنح ـ للسنة الثامنة على التوالي ـ جوائز كلاسيكيات البندقية: جائزة أفضل فيلم كلاسيكي مرمّم، وجائزة أفضل وثائقي عن السينما. ستتكون لجنة التحكيم من ٢٢ طالباً، كل منهم موصى به من قبل أساتذة السينما من مختلف الجامعات الإيطالية. ستشمل إعادة الترميم والعرض أفلاماً مثل: The White Sheik للإيطالي فيديريكو فيلليني الذي عرض للمرة الأولى في «البندقية» عام ١٩٥٢. وهناك ثلاثة أفلامٍ للمخرج برناردو بيرتولوتشي، الذي رحل عنا العام الماضي، هي: Double bill وThe Grim Reaper عام ١٩٦٢، The Spider’s Stratagem عام ١٩٧٠. وسيعرض لجويليانو مونتالدو أول فيلم طويل أخرجه وعُرض في المهرجان عام ١٩٦١ هو Pigeon Shoot إلى جانب: تحفة البرتغالي مانويل دي اوليفييرا Francisca (١٩٨١)، وNew York New York (١٩٧٠) لمارتن سكورسيزي التي رمِّمت خصيصاً للمهرجان. لويس بونويل حاضر أيضاً بفيلمه The Criminal Life Of Archibalo De La Cruz (١٩٥٥)، والكوبي توماز جويتيريز أليا بـ Death Of A Bureaucrat (١٩٦٦)، وهو فيلم كوميدي بنكهة نقدية ساخرة عن البيروقراطية الشيوعية في كوبا وكيف تؤثر على حياة عامة الناس الذين يضطرون لإضاعة الوقت والتغلب على العقبات لمجرد الاستمرار في الحياة العادية. The House Is Black هو الفيلم الوحيد الذي صورته الشاعرة الإيرانية الراحلة فروغ فرخزاد. وثائقي (٢٠ دقيقة) أعيد ترميمه وسيعرض في مسابقة الكلاسيكيات.

عدم اختيار فيلم هوليوودي في سابقة هي الأولى من نوعها منذ عام ٢٠١٢

الفيلم عبارة عن مشاهد صورتها فرخزاد في مستعمرة الجذام في بابا باغي، في محافظة أذربيجان الشرقية، في إيران. مع صوت الشاعرة تتلو مقاطع من «الكتاب المقدس» (العهد القديم) والقرآن وبعض أشعارها الخاصة. يعد الفيلم علامة بارزة في السينما الإيرانية، مع واقعية إنسانية حية لمجتمع معزول، يعتبر أنه فتح الباب للموجة السينمائية الجديدة في إيران (١٩٦٠ ـــ ٢٠١٠). في فيلمها واقعية وإنسانية، أطفال نساء ورجال وكبار سن مشوّهون تجتمع أصابعهم ببعض وتلتصق جفونهم بعيونهم. النقطة هنا ببساطة هي الكشف عن صور أشخاص من فئة واحدة (نعم، هذا هو المصطلح الصحيح الواقعي والطبيعي). بكاميرا وثائقية وقحة، سوداء وبيضاء وريفية، وفي الخلفية قصائد وآيات مسؤولة عن إعطاء شيء مختلف عما قد يكون مجرد فيلم وثائقي أرثوذكسي. فرخزاد التي تمثل رمزاً حقيقياً للتطور الثقافي لبلادها؛ اقتحمت المشهد السينمائي بعمل غير مألوف، وإلى اليوم لا يزال الفيلم يثير الحساسية ويزعج كل من اقترب منه. تكمن عبقرية الفيلم في قدرة المخرجة على إعداد الخيوط والصور والشعر والكلمات وتجميعها بهذا الوضوح مع افتقار إلى الأخلاق الزائفة. فرخزاد لا تشفق، تواجه حقيقة الجذام مباشرة وتبين لنا بكل بساطة ما شاهدته وشعرت به. يستمر الفيلم في التقدم بطريقة عدائية وغير مريحة يُظهر لنا الجانب اليومي للحياة البشرية: الأطفال يضحكون ويلعبون ويهرعون الى الكرة. هدوء الفتيات وهن يسرحن شعرهن، النساء اللواتي ما زلن جميلات رغم المرض، والرجال ــ على الرغم من صلابة وجوههم ــ لا يزالون يضحكون. الإيرانية مهتمة بتجسيد هذا المرض، بمشاركتنا الألم والرعب والشعر الغنائي. قلة من الناس تعرف كيفية الحصول على الجمال في تلك الغابة من التشوهات التي تختبئ وراء جدران مستعمرة الجذام. قرب نهاية الفيلم، يسير السكان تجاه الكاميرا بينما تتحرك للخلف، يتوقف السكان وتبدأ أبواب المستعمرة بالانغلاق تاركةً إيانا في الخارج. هذا هو الفصل بين السينما والحياة، الحد الأقصى لما يمكن أن ننظر إليه، يجب علينا البقاء في الخارج. السينما هي فنّ ما هو مفقود، يتجلى ذلك في هذا الوثائقي، فمن خلال السينما نرى ما لا يمكن أن نراه في الحياة اليومية.

المشاركة العربية 

سبعة أفلام عربية تشارك في فئات «مهرجان البندقية» المختلفة، على رأسها فيلم السعودية هيفاء المنصور «المرشحة المثالية»، وهو الفيلم العربي الوحيد الذي يشارك في المسابقة الرسمية على جائزة الأسد الذهبي. الفيلم، الذي صوّر في الرياض، يتتبع مسار طبيبة تقرر خوض انتخابات بلدية في مجتمع رجالي ومحافظ. وكان «وجدة» أول فيلم سعودي يشارك في تظاهرة «آفاق» عام ٢٠١٢ وأول فيلم سعودي يمثل المملكة في منافسات جوائز الأوسكار. بدأت صناعة السينما رسمياً في السعودية قبل أقل من عامين، فمنصور صوّرت «وجدة» بينما كانت مختبئة داخل شاحنة وتواصلت مع طاقم التمثيل والممثلين والتقنيين من خلال اللاسلكي. تغير الوضع كثيراً اليوم وهي الآن تنعم بحرية كاملة في ممارسة صناعة الأفلام، بخاصة أن مجلس الأفلام السعودي موّل جزءاً من مشروعها. فيلم سعودي آخر هو «سيدة البحر» لشهد أمين يشارك في «أسبوع النقاد». الفيلم أيضاً نسائي يحكي قصة ابنة صياد سمك تهرب من قريتها الفقيرة خوفاً من أن يمنحوها لحوريات البحر المتوحشة. فيلم عربي آخر يشارك في «آفاق» وهو «بيك نعيش-أبن» للمخرج التونسي مهدي برصاوي، بينما أدرج فيلم مواطنه النوري بوزيد «الفزاعات» في برنامج الأفلام التجريبية. وهناك فيلم ثالث من تونس في «أيام البندقية» هو «أريكة» لمنال العبيدي، إلى جانب أول مشاركة سودانية متمثلة في «ستموت في العشرين» لأمجد أبو العلاء. أضف إلى ذلك فيلماً عراقياً من إنتاج هوليوودي هو «موصل» لمحمد الدراجي يعرض خارج المسابقة.

العودة إلى الواقع... وترميم الذاكرة السينمائية

من لبنان، يقدّم أحمد غصين باكورته الروائية الطويلة «جدار الصوت» (إنتاج أبوط بروداكشن) التي تدور أحداثها في لبنان (مقتبس عن قصة حقيقية) إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز ٢٠٠٦ . خلال وقف إطلاق النار لمدة ٢٤ ساعة، يخرج مروان من بيروت متجهاً إلى الجنوب بحثاً عن والده الذي رفض مغادرة قريته الجنوبية، ويترك زوجته رنا وحدها تستعد للسفر إلى كندا. لم يجد مروان أي أثر لوالده، وسرعان ما يعود إطلاق النار ويضطر للجوء إلى منزل نجيب، صديق والده. يجد مروان نفسه محاصراً تحت وطأة القنابل مع نجيب ومجموعة من كبار السن وأصدقاء والده. يتصاعد التوتر داخل المنزل وخارجه، تدخل فجأة مجموعة من الجنود الإسرائيليين الطابق الأول من المبنى، يُحاصر مروان ومن معه... ويخرج الوضع عن السيطرة. وكان أحمد غصين (مواليد بيروت ــ ١٩٨١) نال جائزة أفضل مخرج في «مهرجان بيروت الدولي للسينما» عام ٢٠٠٤ عن فيلمه القصير Operation Nb. وحاز أيضاً جائزة أفضل فيلم قصير في «مهرجان تريبيكا الدوحة السينمائي» عام ٢٠١١ عن فيلم «أبي لا يزال شيوعياً». أخرج العديد من الأفلام القصيرة والأفلام الوثائقية ومقاطع الفيديو، وعرضت أفلامه في العديد من المعارض والمهرجانات السينمائية العالمية مثل أوسلو وبرلين. «الحرب ليست فقط موت ودمار، إنها اختفاء للذكريات، لا أريد لذاكرتي أن تمحى» هذه العبارة قالتها والدة أحمد بينما تقف على ما خلّفته الحرب من دمار. وقد صرّح غصين عن فيلمه «جدار الصوت»: «منازل التهمت، قرى بأكملها دمرت. رؤية كل هذا أشعرتني بالحاجة لاستعمال كاميرتي لإحياء هذه الذاكرة، في محاولة لدرء الدمار. مروان ذهب للبحث عن والده لحفظ ما تبقى من نزاهته وعلاقتهما. فيلمي يسأل: هل الخيار الباقي لجيلي وأولادنا في لبنان اليوم هو الهجرة، هل هذا خيارنا الوحيد؟».

 

الأخبار اللبنانية في

26.08.2019

 
 
 
 
 

مهرجان البندقية: كوستا غافراس ولوكا بيجازي من المُكرَّمين، ورومان بولانسكي أبرز الغائبين


من المقرر أن يحصل المخرج اليوناني الشهير كوستا غافراس على جائزة "جيجر-لوكولتر أوورد" لأفضل مخرج سينمائي في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي لهذا العام. وقد اشتهر كوستا غافراس بأفلامه الروائية السياسية مثل
Z في سبعينيات القرن العشرين والذي حاز على ترشيحات أوسكار لأفضل إخراج وأفضل سيناريو، وMissing الفائز بجائزة أوسكار أفضل سيناريو مقتبس في عام 1982 إضافةً إلى Music Box.

حيث يُعرض الفيلم الدرامي السياسي الأخير لهذا المخرج Adults in the Room خارج المنافسة في مهرجان البندقية. ويلقي هذا الفيلم المقتبس عن كتاب Adults in the Room: My Battle with Europe’s Deep Establishment لوزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس الضوء على الأزمة المالية اليونانية، ويتناول الفيلم كما الكتاب المأساة الإنسانية التي نشأت عقب محاولة الحكومة اليونانية اليسارية التفاوض حول خطة إنقاذ مع صندوق النقد الدولي والحكومات التكنوقراطية الأوربية والحكومة الألمانية والتي كان من شأنها أن تحفظ المواطنون اليونانيون من أقصى درجات التقشف القسري، إلا أن المحاولة باءت بالفشل. يقوم بدور البطولة كريستوس لوليس وألكساندروس بوردوميس وأولريخ توكور. وسيقام حفل تكريم غافراس قبل العرض العالمي الأول للفيلم في مهرجان سالا غراندي.

وفي تصريح لمدير مهرجان فينيسيا السينمائي ألبرتو باربيرا قال "هناك العديد من الأسباب التي تجعل كوستا غافراس يستحق أن يكون بين المخرجين العظماء في يومنا هذا، ولكن هناك سبب واحد على وجه الخصوص، ألا وهو قدرته على تحويل السياسة إلى موضوعٍ رائعٍ وشيق ليس لأولئك الذين خاضوا ميدان السياسة وجالوا فيه وحسب، ولكن أيضاً بالنسبة للجمهور الأكبر، وتسخير جميع الوسائل المتاحة للسينما من أجل التأثير في أكبر عدد ممكن من المشاهدين." وأضاف باربيرا: "هذا الأمر مكّنه من تفادي تسميته بالمخرج السياسي، اللقب الذي طالما ارتبط به – غالباً بطريقة جدلية وتصغيرية – والمطالبة أيضاً بإيمان سلمي وديمقراطي بحق بنوع من السينما السائدة التي تجعل المشاهد يفكر ويتساءل وتثير مشاعره العميقة أيضاً."

ومن المقرر أيضاً أن يحصل المصور السينمائي الإيطالي الشهير لوكا بيجازي على جائزة "كامباري باشين أوورد" لهذا العام، وهي جائزة يوزعها مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي لتكريم مواهب فئات غير المخرجين مثل المصورين السينمائيين والمحررين والملحنين ومصممي الأزياء والديكور. عمل بيجازي مع مجموعة كبيرة من المخرجين، بما فيهم المخرج الإيراني عباس كياروستامي Certified Copy وميشيل بلاسيدو Romanzo Criminale وسيلفيو سولديني Bread and Tulips. لكن أكثر ما يشتهر به هو تعاونه الطويل مع المخرج الإيطالي باولو سورينتينو، بعد أن قام بتصوير Il Divo وYouth وThe Great Beauty وغيرها. ووقف بيجازي خلف الكاميرا لتصوير أول عمل تلفزيوني لسورينتينو The Young Pope والجزء اللاحق له The New Pope. وتجدر الإشارة أن بيجازي كان قد ترشح سابقاً لجائزة إيمي للتصوير السينمائي عن مسلسل The Young Pope.

وبهذا الصدد، صرّح مدير مهرجان فينيسيا السينمائي البرتو باربيرا قائلاً: "ترتبط السينما الإيطالية، من النصف الثاني من الثمانينيات وحتى اليوم، ارتباطاً وثيقاً بالعمل الاستثنائي للمصور لوكا بيجازي بفضل منهجه الشخصي غير التقليدي. حيث أحدث بيجازي ثورةً في الطريقة التي يقوم بها المصور السينمائي بعمله: فقد قام بتخصيص وقتٍ محدود لوضع الإضاءة، وتكريس طريقة إبداعية ومبتكرة لاستخدام مصادر الضوء الطبيعية، وتحديد الزوايا الأفضل والحركات الأنسب للكاميرا. كما أنه لا يكنّ أي احترامٍ لأفلام 35 مم، وعلى العكس من ذلك، يجرب الإمكانيات الجديدة التي يوفرها التقدم التكنولوجي في التقاط الصور ومعالجتها. وقد أتاح له تنوعه الشديد العمل مع جميع المخرجين المختلفين، الذين قد يتناقض نهجهم في السينما مع نهجه (على سبيل المثال، شراكته المفاجئة مع سورينتينو). وهذا ينسجم مع موهبته في السرعة والدقة وتجاهل القواعد الموحدة وميله للتكيف مع جميع أنواع الميزانيات. وهذا جعل منه أفضل مصورٍ سينمائي إيطالي في الثلاثين عاماً الماضية."

ومن الجدير بالذكر أن بيجازي سيستلم الجائزة في حفلٍ يقام في الأول من أيلول قبل عرض الحلقتين الثانية والسابعة من مسلسل The New Pope. هذا المسلسل من بطولة جود لو، جون مالكوفيتش، سيلفيو أورلاندو، سيسيل دو فرانس، خافيير كامارا ولوديفين سانييه.

على صعيدٍ آخر، لن يتمكن المخرج رومان بولانسكي، المطلوب بقضية اغتصاب قانوني عام 1978، من حضور الحدث شخصياً بسبب معاهدة تسليم المتهمين بين إيطاليا والولايات المتحدة. في حين سيعرض فيلمه An Officer and a Spy في مهرجان البندقية السينمائي في قائمة المنافسة في أوائل شهر أيلول. ويأتي ذلك لأن الولايات المتحدة وإيطاليا كانتا قد وقعتا على معاهدة لتسليم المتهمين في عام 1983 وعليه فإن بولانسكي، الذي أدين بالاغتصاب القانوني في عام 1978، سيعتقل ويُعاد إلى الولايات المتحدة إذا وضع قدمه على الأرض الإيطالية. 

انتقل بولانسكي عندما صدر أمر الاعتقال بحقه في عام 1978 إلى فرنسا التي يحمل جنسيتها وتحميه محدودية اتفاق تسليم المتهمين بين فرنسا والولايات المتحدة. وسبق أن تعرض بولانسكي لتجربة مماثلة، إذ تم اعتقاله من قبل مسؤولين سويسريين بناءً على طلب من السلطات الأمريكية أثناء وجوده في البلاد لحضور مهرجان زيوريخ السينمائي، حيث كان على وشك الحصول على جائزة إنجاز الحياة. سببت هذه الخطوة غضباً عارماً ما دعا المنتج والمخرج هارفي وياينستاين إلى تقديم عريضة موقعة من عددٍ كبيرٍ من الفنانين من ألفونسو كوارون إلى ناتالي بورتمان وتيلدا سوينتون للمطالبة بالإفراج الفوري عن المخرج، وعبرت العريضة عن الاستياء من استغلال الشرطة لهذا الحدث الثقافي الدولي الذي يشيد بأحد أعظم صانعي الأفلام المعاصرين للقبض عليه. وقد استعد منظمو مهرجان البندقية لتعويض غياب المخرج في المهرجان ويتوقعون أن ينضم بولانسكي للاحتفالية عبر اتصال سكايب مباشر.

 

موقع آفاق سينمائية في

27.08.2019

 
 
 
 
 

غدًا.. انطلاق مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في دورته الـ76

أحمد السنوسي

تنطلق مساء، غدٍ الأربعاء، فعاليات مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، في دورته الـ76، الذي تستمر فعالياته حتى 7 من سبتمبر المقبل، وتبدأ الفعاليات بعرض فيلم الدراما "The Truth" للمخرج الياباني هيروكازو كوري إيدا، الفائز بسعفة كان الذهبية، العام الماضي.

ومن المتوقع، أن يشهد افتتاح المهرجان، حضور كبار صُناع السينما العالميين ونجوم هوليوود الذين يحرصون على التواجد سنويًا، ويشارك فى المسابقة الرسمية للمهرجان21 فيلمًا، ومن أبرزها، فيلم "Marriage Story" للمخرج نوح بومباك، كما ينافس المخرج جيمس جراى بفيلم "Ad Astra" للنجم براد بيت.

وتنافس المخرجة السعودية هيفاء المنصور، للمرة الأولى على جائزة الأسد الذهبي بفيلم "The Perfect Candidate"، الممثل العربي الوحيد في المسابقة الرسمية.

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

27.08.2019

 
 
 
 
 

مهرجان فينيسيا الـ76.. المكان الأخير للديناصورات؟

محمد صبحي

تنطلق الأربعاء الدورة الـ76 من مهرجان فينيسيا (البندقية) السينمائي، ببرنامج حافل بأسماء كبيرة وأفلام منتظرة ومسابقة مرصعة بالنجوم. لكن الدورة الجديدة لن تكون احتفالاً خالصاً، بل شابتها، من قبل انطلاقها، انتقادات عديدة بسبب الاختيارات وعدم وضوح رؤية الإدارة الفنية لأقدم مهرجان سينمائي في العالم.

فلا يزال المهرجان الأقدم، والذي استحدثه الديكتاتور بينيتو موسوليني العام 1932، يدفع بطريقة أو بأخرى إلى استنساخ سحر "كانّ"، لكن حقيقة إقامة فعالياته في الثلث الأخير من العام تكشف خلوه غالباً من المفاجآت، بلا أفق واضح، ويعيش على إلهام اللحظة، فضلاً عن انحصار ألقه تقريباً في الحضور الأميركي المميِّز له خلال السنوات الأخيرة. فليس "فينيسيا" شاباً ومجدداً، كما هو الحال في مهرجاني "برلين" و"لوكارنو"، وليس ساحراً ومجتمعاً لنجوم سينما المؤلف كما هي حالة "كان". حتى فكرة أنه معرض أولي لموسم الأوسكار، تبدو وقد اعتراها علامات طفيفة من التعب هذا العام. العديد من النجوم الأميركيين سيحضرون إلى فينيسيا، لكن ليس بالضرورة أن يكونوا الخيار الأول لجوائز الأوسكار. يشاع منذ فترة أن طبيعة عرض الأفلام في مهرجان تورونتو السينمائي، كمهرجان احتفالي ومعرض فرجة أكثر من كونه مسابقة تنافسية، تحث الاستديوهات الأميركية بشكل متزايد على تحويل وجهة المرشحين المحتملين لجوائز الأوسكار من فينيسيا إلى كندا. كانت المهرجانات المتزامنة موجودة في الأعوام الأخيرة، لكن يبدو أن "تورونتو" يزيد من الضغط الآن.

أيضاً، وجود مخرجتين فقط من بين 21 مخرجاً في المسابقة الرسمية، دفع البعض إلى انتقاد المهرجان بسبب سجلّه التاريخي في عدد المخرجات. في العام الماضي، مع صعود حركات الاحتجاج النسائية ومع تبعات أفرزتها حركات مثل "مي تو" و"تايمز أب" المناهضتين للتحرش الجنسي؛ انتبه مهرجان فينيسيا إلى موقفه الآخذ في التداعي، فوقّع المهرجان اتفاقية تقضي بتكافؤ تمثيل الجنسين في أقسام المهرجان مستقبلاً. رغم ذلك، لا يزال المهرجان السينمائي الأعرق تاريخياً في مرمى نيران الإدانة. ففي حين تتخلّى هوليوود عن تسامحها القديم مع أسماء سينمائية مكرّسة، وودي آلن على سبيل المثال، يغرّد مهرجان فينيسيا وحيداً كأنما لم تدركه "الصحوة" النسوية الأخيرة، فيدعو مخرجين تطاولهم اتهامات بالتحرش والاغتصاب لعرض أفلامهم، ويُبقي على معدله المنخفض في التواجد النسائي ضمن برامجه ومسابقاته.

مغتصبون وشجعان

في العام الماضي، صرّح المدير العام للمهرجان، ألبرتو باربيرا، بأنه يفضّل إلغاء الحدث الذي يستمر 11 يوماً، حيث عُرضت ثلاثة من آخر خمسة أفلام فازت بجائزة أوسكار أفضل فيلم، بدلاً من الرضوخ للضغط وتخصيص كوتا محددة لا تمت للسينما بصلة. ذلك التصريح، وغيره، مما جادت به قريحة إيطالية لا تخجل ولا تتجمّل؛ جلبت عليه لعنات واتهامات نسويات غاضبات رأين فيه تمثيلاً لـ"مستوى منخفض من الوعي الذاتي". هذا العام، ثمة مشكلة أكبر، تمثّلت في دعوة المهرجان، للسينمائي "سيئ السمعة" رومان بولانسكي، لعرض فيلمه الأخير "ضابط وجاسوس" في مسابقة هذا العام. ثم قام بزيادة الرهان عن طريق إضافة "جلد أميركي" للمخرج نيت باركر إلى الاختيارات الرسمية.

مُغتصِب وامرأتان في المسابقة الرسمية لفينيسيا.. يمكن لصوت غاضب التعبير بهذه الطريقة عن إدانته لاختيار بولانسكي المتهم المقرّ باغتصاب قاصر العام 1978، فضلاً عن حفنة من الاتهامات الأخرى تبعت حركة "مي تو". بالقدر الغاضب نفسه، استقبل النقاد الإضافة المتأخرة لفيلم المخرج الأميركي نيت باركر "جلد أميركي" إلى أحد الأقسام الجانبية للمهرجان. وظهر باركر للمرة الأولى في الساحة السينمائية العام 2016 بفيلم "مولد أمة" حول تمرد العبيد، قبل أن يتعثّر مساره المهني باتهامه باغتصاب زميل له (انتحر في وقت لاحق) أثناء دراسته الجامعية. ورغم تبرئة باركر، فقد قال في مقابلة صحافية: "عندما أعود إلى الوراء، في ذلك الوقت عندما كنت مراهقاً، أستطيع أن أقول من دون تردد أنه كان ينبغي عليّ استخدام حكمة أكبر". في المقابل، تعهّد المخرج الأميركي، سبايك لي، بالسفر إلى فينيسيا لدعم باركر "الشجاع".

غضبت هوليوود على بولانسكي وباركر، فطُرد الأول العام الماضي من أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية، بينما لم يستطع باركر تأمين تمويل أفلامه عبر أي منتج هوليوودي، واعتمد على تمويل المنتج التونسي طارق بن عمار، المستثمر السابق وعضو مجلس إدارة شركة وينشتاين. لكن فينيسيا ما زال فاتحاً ذراعيه لأمثال هؤلاء المنبوذين والمغضوب عليهم. حاول باربيرا الدفاع عن اختياراته بالقول: "يتناول العديد من الأفلام هذا العام موضوع الحالة الأنثوية في العالم، التي، حتى عندما يوجّهها الرجال، تكشف عن حساسية جديدة، وهذا دليل على أن فضائح السنوات الأخيرة تركت بصمتها في ثقافتنا". لكن يبقى الأمر بمثابة رسالة عالية وواضحة يلقيها مهرجان فينيسيا في وجه المنتقدين، كمن يفرك الملح في جرحٍ مفتوح ويعلن نفسه المكان الأخير للديناصورات.

رغم ذلك يشار إلى أن رئيسة لجنة التحكيم هذا العام، هي المخرجة الأرجنتينية، لوكريشيا مارتيل، التي تعد سابع سيدة تتولى هذا المنصب.

نجوم وأوسكار

خلال السنوات الأخيرة، أصبح مهرجان فينيسيا منصة انطلاق لسباق الأوسكار. في نسخته الجديدة، هناك اثنان من أفلام هوليوود في المسابقة الرسمية، من المتوقع حضورهما لاحقاً في منصات التتويج مطلع العام المقبل. فإذا استضاف الحدث التاريخي في الإصدارات السابقة، العروض الأولى لأفلام "بيردمان" أو "لالا لاند" أو "مولد نجمة" أو "روما"، فقد حضرت هوليوود هذا العام بـ"أد أسترا"، وهو فيلم خيال علمي عن رائد فضاء يسافر إلى المجموعة الشمسية بحثاً عن والده، من إخراج جيمس غراي وبطولة براد بيت وتومي لي جونز. أيضاً، هناك "جوكر" من إخراج تود فيليبس وبطولة يواكين فينيكس، الذي يتتبع أصول عدو "باتمان" الشهير. ومن المنتظر حضور روبرت دينيرو للعرض الافتتاحي للفيلم.

في المجموع، هناك 21 عنواناً للمنافسة في المسابقة الرسمية على جائزة "الأسد الذهبي"، في طبعة تتوِّج المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار، والممثلة الإنكليزية جولي آندروز، بجائزة "الأسد الذهبي" الفخري. عناوين المسابقة تتوزّع كالتالي: 4 أفلام أميركية، و3 أفلام إيطالية، و3 أفلام فرنسية، وفيلمين من الصين، وفيلم واحد من كل من: السعودية وكندا والتشيك وكولومبيا والسويد وأستراليا والبرتغال واليابان وتشيلي.

على غير العادة، سيكون الافتتاح من نصيب الياباني هيروكازو كوري-إيدا، الحائز على سعفة "كان" الذهبية 2018، وفيلمه الأول خارج بلاده بعنوان "الحقيقة". لا يتخلّى المعلّم الياباني عن موضوعه الأثير، العائلة، فيتابع جديده حكاية نجمة سينمائية فرنسية يحث قرارها في نشر مذكراتها على لمّ شمل أم وابنتها، ويقوم ببطولته جوليت بينوش وكاترين دينوف والممثل الأميركي إيثان هوك.

أحد أكثر الأفلام المرتقبة هو "ضابط وجاسوس"، من تأليف وإخراج رومان بولانسكي، وأسباب ذلك، من بين أشياء أخرى، تعود إلى الأصداء الشخصية التي يمكن استخلاصها من رؤية المخرج لقضية ألفريد دريفوس، وهو قبطان فرنسي من أصل يهودي ألماني أُدين خطأً بتهمة الخيانة العظمى عام 1894 وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، قبل أن يرد اعتباره بعد سنوات بفضل رد فعل المثقفين، مثل إميل زولا، في مقاله الشهير "إني أتهم". من المؤكد أن بولانسكي، المطارد في الولايات المتحدة على خلفية إدانته باغتصاب قاصر العام 1977، لن يخطو على السجادة الحمراء، بسبب اتفاقات تسليم المجرمين مع إيطاليا. رغم ذلك، من المتوقع مشاركته في المؤتمر الصحافي للفيلم عبر الهاتف، مع حضور ممثلي فيلمه: زوجته إيمانويل سينير، جان دوجاردان، لويس غاريل.

وإضافة إلى فيلم بولانسكي، هناك فيلمان من فرنسا. إذ يعود روبرت غيديغيان، كعادته، إلى مرسيليا مع "غلوريا موندي". كما يحضر أوليفييه أساياس بفيلمه السياسي "شبكة الدبابير"، بقصة خمسة سياسيين كوبيين سجنتهم الولايات المتحدة منذ أواخر التسعينيات بتهمة التجسس والقتل، والبطولة لكل من بنيلوبي كروز وإدغار راميرز وغايل غارثيا برنال وفاغنر كورا.

السينما الإيطالية تسجّل حضورها بثلاثة أفلام، أبرزها "عمدة ليوني سانيتا" لماريو مارتوني، وهو فيلم جريمة ودراما، يستند إلى مسرحية تحمل الاسم نفسه للكاتب الإيطالي إدواردو دي فيليبو. ولأميركا اللاتينية فيلمان في القسم الرسمي. التشيلي بابلو لارين، يدير غايل غارثيال بيرنال وماريانا دي جيرولامو، في فيلمه "إيما"، عن قصة زوجين يتعاملان مع تبنٍّ يأخذ مساراً خاطئاً. والكولومبي تشيرو غييرا، يسجل ظهوره الأول في السينما الأميركية بفيلم "في انتظار البرابرة"، وهو مقتبس عن رواية بالاسم نفسه للجنوب أفريقي جي إم كوتزي، مع جوني ديب وروبرت باتينسون في دوري البطولة.

على عكس مهرجان "كان"، فإن "فينيسيا" لا يعادي منصّات البث الرقمي، وهذا يضمن جرعة جيدة من النجوم، فيعرض في مسابقته فيلمين من إنتاج "نتفليكس"، وفيلماً ثالثاً خارج المسابقة. ميريل ستريب وغاري أولدمان وشارون ستون وأنطونيو بانديراس، يحضرون في فيلم ستيفن سودربرغ عن فضيحة "أوراق بنما" بعنوان "المغسلة". كذلك يحضر كل من سكارليت جوهانسون وآدم درايفر في فيلم "قصة زواج"، وهو دراما شخصية للغاية حول طلاق المخرج نواه باومباخ.

في المسابقة أفلام أخرى لكبار المخرجين، حيث يعود السويدي المخضرم روي أندرسون بفيلمه الجديد "عن الأبدية"، بعد 5 سنوات من فوزه بجائزة الأسد الذهبي، ليتأمل وضع الإنسان اليوم. كما يشارك الصيني لوي يي بفيلمه "خيال السبت".

عرب فينيسيا

الحضور العربي في المسابقة الرسمية يتلخّص في الفيلم السعودي، من الإنتاج المشترك مع ألمانيا وكندا، "المرشحة المثالية" للمخرجة هيفاء المنصور، المقيمة في الولايات المتحدة. حظي الفيلم بدعم وزارة الثقافة السعودية، وصُوّر بالكامل داخل السعودية، وهو من بطولة ميلا الزهراني ونورة العوض، وشارك في كتابته براد نيمن مع هيفاء المنصور، ويتابع قصة طبيبة سعودية تقرر خوض الانتخابات البلدية لأسبابها الخاصة في المملكة المحافظة. وتعدّ هذه المرة الأولى التي يشارك فيها فيلم سعودي في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا، أو أي مهرجان سينمائي كبير على العموم.

سبعة أفلام عربية أخرى تشارك في مسابقات وبرامج مختلفة في الدورة الجديدة للمهرجان. في قسم "آفاق" يعرض فيلمان من تونس، هما "الفزّاعات" لنوري بوزيد، حيث يستمر المخرج العتيد في مقاربة مواضيعه الإشكالية وهذه المرة يتابع قصة فتاتين تونسيتين تعودان من سوريا بعد اغتصابهما هناك. أما الفيلم الثاني فهو "بيك نعيش" للمخرج مهدي برصاوي، ويتابع قصة عائلة تونسية ثرية عقب تعرض سيارتها لكمين مسلح، إذ تعود ذكريات الماضي لتطفو على السطح من جديد.

كما يعرض في قسم "أسبوع النقّاد" فيلم "حراشف" للسعودية شهد أمين، ويسرد قصة حياة فتاة شابة تعيش واقعاً مريراً، إذ تواجه تقاليد قريتها التي تقضي التضحية بفتاة من الجزيرة لمخلوقات غامضة تعيش قرب البحر. أما فيلم "جدار الصوت" للبناني أحمد غصين، فيدور حول خمسة أشخاص يحاولون الهرب من القصف في قرية صغيرة جنوبي لبنان، خلال الأيام الأخيرة من حرب يوليو/تموز2006.

ويشهد قسم "أيام فينيسيا" العرض الأول لفيلم "ستموت في العشرين" للسوداني أمجد أبوالعلاء، وهو مستوحى من قصة "النوم عند قدمي الجبل" للكاتب الروائي حمور زيادة. كما يعرض فيلم "بلوز عربي" للمخرجة التونسية المقيمة في فرنسا مانيل لعبيدي، وتدور أحداثه قبيل الثورة التونسية، وتقوم بدور البطولة فيه الممثلة الإيرانية غولشفيته فرحاني. كما يشهد قسم "جسر الإنتاج" العرض الأول لفيلم "العلم" للفلسطيني فراس خوري.

يُشار إلى مشاركة الممثلة التونسية هند صبري في لجنة تحكيم جائزة "أسد المستقبل" التي تمنح لأفضل موهبة ناشئة، كما يشارك المخرج الجزائري الفرنسي رشيد بوشارب في لجنة تحكيم قسم "آفاق".

 

المدن الإلكترونية في

27.08.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004