كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

جوسلين صعب:

مخرجة في دوّامة الشرق

المصدر: "النهار" - هوفيك حبشيان

عن رحيل «جوسلين صعب»

   
 
 
 
 
 
 

هذه الدوّامة التي أضحت عنواناً لأحد أشهر أفلامها، بقيت تتربص بالمخرجة اللبنانية جوسلين صعب (١٩٤٨ - ٢٠١٩) التي غيّبها الموت هذا الصباح بعد صراع مع المرض. بقيت حتى سنواتها الأخيرة، تخرج من دوّامة سينما لتدخل دوّامة بلد، وبكشل أوسع، دوّامة شرق مريض. أفلمت، التقطت الصور الفوتوغرافية، رسمت، عرضت تجهيزات. لم يهدأ نشاطها ولا غضبها ولا اصرارها على الحياة من خلال الفنّ. عاشت مشتتة الذاكرة والجسد بين باريس وبيروت، عالقةً بين زمنين، بين العقل والقلب، بين السلم الهشّ والحرب التي قد تعود في كلّ لحظة. كانت لا تزال تؤمن بالمقاومة الثقافية حتى لفترة غير بعيدة قبل رحيلها. في الرسالة الإلكترونية المرسلة منها، كتبت: "اسمي جوسلين صعب، مخرجة. على مدى أربعين عاماً، أنجزتُ الأفلام: وثائقيات، أعمال قصيرة، طويلة. صوَّرتُ في الصحراء، في مصر، في إيران، في فيتنام، في لبنان. بدأتُ كمراسلة حرب، شاهدتُ الحروب، بلداناتحوّلت إلى أنقاض، منها بلدي. شهد لبنان صراعات عديدة، وما حدث أخيراً يؤكد اننا لن نكون في أمان. أردتُ ان أفعل شيئاً لبث الأمل وإحداث تغيير. (…) لا يمكنني المقاومة بمفردي. في حياتي، اتّخذتُ العديد من المجازفات، ولم أكن اعلم ما الذي سيحدث في النهاية. كان بإمكاني ان أفشل… ولكن ماذا لو نجحت؟".

المرة الأخيرة التقيتُ جوسلين صعب قبل سنوات، كانت واقفة عند مدخل الصالة القديمة التي فُتحت خصيصاً لاستقبال صحافيين يوم عرضت فيلمها الأخير، "شو عم بصير؟". كانت مهمومة، ارتباكها عفوي. صراحتها مستفزة. واقعها الذي يلفّه التهميش ويحاصره من الجوانب كافة، يجعل أي أحد لا يطمئن إلى مستقبله، بعد نصف ساعة من حديث مرتجل ومتقطع معها.

قدّمت صعب عدداً من الأفلام الوثائقية، تجاوزتالثلاثين، بدءاً من العام ١٩٧٤، أي قبل عام على اندلاع الحرب، ثم انتقلت إلى الفيلم الروائي في العام ١٩٨٤ مع "غزل البنات"، بعد عملها مساعدة مخرج للألماني فولكر شلوندورف الذي كان جاء ليصور "المزور" في حمأة الحرب. يبقى "لبنان في دوّامة"، احدى أهم المساهمات في التوثيق للحرب اللبنانية من وجهة نظر اجتماعية وسياسية. تمّ تصويره مباشرة بعد حادثة بوسطة عين الرمانة (١٩٧٥). عاصرت صعب مارون بغدادي وجان شمعون ورندة الشهال، وبرهان علوية الوحيد من هذا الجيل الذي لا يزال حيّاً. حكايتها الشخصية مرتبطة بالحرب التي كانت أساسية في تشكيل وعيها السياسي ونضالها اليساري، ورسمت لها "خريطة الطريق". من أفلامها أيضاً: "بيروت لم تعد كما كانت"، و"من أجل بعض الحياة" و"رسالة من بيروت" "وسيدة سايغون" و"حياة معلقة" و"دنيا"الذي عرّضها لمشاكل كبيرة في مصر (البلد الذي عشقته) حيث اتُّهِمت بالانحلال الأخلاقي والترويج للحرية الجسدية والرذيلة في مجتمع محافظ. "فيلم جعل ٨٠ مليون مصري يقف ضدي"، كما قالت لي في احدى المقابلات.    

هذه المغامرة ذات العينين الناطقتين، كانت مسكونة بأمل لا يفارقها. تُخرج من جعبتها العبارة الكلاسيكية التي رددتها ألسنة المنبوذين في عالم الفنّ: ما من نبي في بلاده! السعادة لا تكاد تغيب عن واقعها اليومي، لأنها صارت تتعامل مع الحياة وشؤونها بالسرّ نفسه الذي دفعها إلى حمل الكاميرا تحت القذائف، في سبعينات الحرب الأهلية وثمانيناتها، فيما الآخرون حملوا البنادق. بحكمة المرأة التي عبرت نحو خمسة عقود من مأزق السينما والحياة في بلد الصراعات المفتوحة، تتساءل مستغربة: "منيح بعدني موجودة!". جملة لا تكلف كاتبها في هذا المقال شيئاً، لكن ما أفظعها عندما تقولها لك سيدة، وجهاً لوجه.

جوسلين صعب ابنة الزمن الذي عاشته وصوّرته بشغف. بقيت نابضة بروح الشباب والعصر؛ تستشهد بأكيرا كوروساوا ومانويل دو أوليفيرا، اللذين منحاها درساً في عدم الاستسلام لمنطق العمر. رغبتها في مخاطبة الجمهور اللبناني كانت قوية. ولكن كان يحزنها انها ليست "معززة مكرّمة" في بلدها الأمّ. القدر أصلاً جرحها يوم "شتمها" أحد المسؤولين في سلسلة صالات تابعة لأمبراطورية كبيرة، وعبّر عن عدم اكتراثه بفيلمها الأخير لأنه "لا يعني الا المحششين والثملين".

كانت متأصّلة في أرض وبيئة وقضية، ولكن كانت تعنيها العروبة والقومية ومقاومة إسرائيل ومناهضة الامبريالية. بالقدر عينه كانت سينماها متنقّلة ومعنية بالعالم، منبثقة منه. التناقض يختزل طبيعتها وطبعها وسيرتها. فهي تحبّ السينما الكبيرة، وأيضاً أفلاماً مصرية "كيتش"، تعج بالـ"رقّاصات"، اللواتي "أردن ان يتحولن راقصات". كلّ الفرق اذاً كامن في تحريك حرف الألف من مكان إلى آخر. 

"الحياة في لبنان صرنا نجدها في الموت"، واحدة من الجمل التي أتذكّرها منها. فيلمها الأخير، "شو عم بصير؟"، كان من المفترض ان يعيد بناء علاقتها مع بيروت، المدينة التي عادت اليها كلما استاءت منها. علاقتها بمسقطها عضوية، متناغمة مع سلوكها. مع الوقت، أضحت علاقة مختلفة عن علاقتها بها في بداياتها. لم تكن تريد ان تحبها وحدها، انما ان تتشارك هذا الحبّ مع غيرها، انطلاقاً من اقتناعها بأن الحرية تليق بهذه البقعة. مع التذكير بأن الواقع لم يعاملها بالمثل، اذ لم ننسَ كم كان وقع "التحرش الرقابي" قاسياً عليها في مناسبة معرض لها في وسط بيروت.

 

النهار اللبنانية في

07.01.2019

 
 
 
 
 

جوسلين صعب... السينما أغمضت عيونها الزرقاء

أمل عارف

ينسحبون الواحد تلو الآخر من المشهد... جيل صنع سينما مختلفة في لبنان، سينما حقيقية. أمس، انطفأت المخرجة جوسلين صعب (1948) في باريس بعد معاناة طويلة مع المرض. ختمت مسيرة نضال وثّقت خلالها مشهد المقاومة من بندقية الكفاح الفلسطيني، إلى الفتاة المصرية الرافضة للختان

عاندت وشاكست جوسلين في جميع محطات مشوارها، بدءاً من الإذاعة اللبنانية عام 1970، حين توقّف برنامجها الموسيقي «عيون المارسوبيلامي زرقاء»، عن البثّ بسبب خرقها محظورات اجتماعية. في «تلفزيون لبنان»، رفعت صوتها رفضاً لتغييب صوت القضية الفلسطينية، بعد الامتناع عن بثّ تقرير صوّرته.

تعرّضت للمنع من دخول مصر سنوات في عهد السادات، بسبب مادّة صوّرتها مع الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم. وحين عادت الى المحروسة، تمّ إيقافها واعتقالها في المطار. في القاهرة أيضاً، مُنع فيلمها «دنيا» عام 2005 من العرض وتعرّضت مع طاقم العمل للتهديد. مع ذلك، نزلت الى شوارع القاهرة ووزّعت المناشير والدعوات لحضور الفيلم.

لم يثنها شيء. اقتربت من الجبهة لتغطية حرب أكتوبر عام 1973. تعرّضت للإعتداء على يد ميليشيا بشير الجميّل في بداية سنوات الحرب، حين ذهبت برفقة الصحافي الفرنسي إريك رولو الى معسكر الكتائب. رافقت أبو عمّار على متن الباخرة التي أخرجته من بيروت، وأجرت معه مقابلة في عرض البحر، وكانت شاهدة على الوجوه المهزومة والمنسحبة من عاصمة الثورة الفلسطينية. قبل انطلاق الرحلة، هرّبت له مسدسّه كي لا يبقى القائد من دون سلاح رغم الإجراءات المشدّدة.

جالت في الصحراء مع معمّر القذافي، وصولاً الى زيارة مسقط رأسه وعائلته، حين ذهبت لتغطية «المسيرة الخضراء» التي دعا اليها القائد الليبي عام 1973. وفي الصحارى، على الحدود بين المغرب والجزائر، تعرّضت وفريق عملها لإطلاق النار. أصيب زميلها، فاستقبلها الرئيس هوّاري بو مدين. دمّر اجتياح بيروت منزلها عام 1982، فرثت مدينتها في فيلم «بيروت مدينتي» الذي كتبته مع المسرحي روجيه عساف واعتبرته عملها الأهم. الحرب كانت مسرح جوسلين صعب الأول، نقلتها من ميدان الصحافة الى الأفلام الوثائقيّة. كانت صورةً للمرأة التي لم تخمد الحرب طاقتها، بل تحدّتها حاملة الكاميرا الثقيلة على كتفها، كأنها تقف بعكس تيّارها الجارف.

«لبنان في الدوامة» (1975) كان باكورة أعمالها التسجيلية الطويلة، ثمّ «أطفال الحرب»، و«بيروت لم تعد كما كانت» (1976)، ولاحقاً «رسالة من بيروت» و«بيروت مدينتي» عام 1982. كانت واضحة في ميولها اليسارية آنذاك، ومناصرتها القضية الفلسطينية، لكنها كانت منحازة أولاً للإنسان ولضحايا الحرب المدنيين.

كانت لغتها في أفلامها الروائية مختلفة تماماً عن لغة أفلامها الوثائقية. وجدت في كتابتها للسينما مساحةً للأحلام والتأمّل والهدوء. مساحة ربما افتقدتها خلال توثيقها للحرب، فأعمالها الروائية أو التجريبية «غزل البنات» أو «حياة معلّقة» (1985) و«كان يا ما كان بيروت» (1995)، و«دنيا» (2005)، و«شو عمبصير» في 2009، هي صورة مختلفة عن شخصيّة جوسلين صعب. هي جوسلين السمراء المليئة بالحياة، التي نراها في مقاطع خلال مقابلاتها مع الصحافة في الخارج، تركب دراجتها الهوائية، وتنطلق في شوارع باريس، كفتاة صغيرة.

«المقاومة الثقافية» مهرجان سينمائي أطلقته في لبنان عام 2014. وكانت قد صرّحت لـ «الأخبار» في تلك المناسبة، إنّها كانت منهكة، لكن متحمّسة وسعيدة لهذه المبادرة. عروض المهرجان خرجت من بيروت الى أكثر من مدينة، من الشمال الى الجنوب، وكانت جوسلين تتابع تفاصيل التنظيم بشغف. اعتبرت المهرجان بادرة أمل ودعوة الى الحوار والمواجهة. وكانت ممتعضة حينها من «التطنيش عمّا يجري» خلال حديثها عن دوّامة العنف والمشاكل المستمرّة. كان لبنان الذي صوّرته عام 1975، لا يزال في «الدوّامة»، وهي لا تزال على استعداد للمواجهة، على طريقتها

عام 2015، صدر كتاب بالفرنسية عن سيرتها بعنوان «جوسلين صعب، الذاكرة الجامحة» لماتيلد روكسيل. وفي عام 2017، عرضت جوسلين صعب مجموعة من صور التقطتها بعنوان «دولار واحد في اليوم». والعام الماضي، كرّمها كلّ من متحف «مقام» في جبيل و«دار النمر» في بيروت من خلال معرض صور من مسيرتها ومقاطع من أعمالها.

أمس، أكّد ابنها خبر الرحيل على صفحتها على الفايسبوك، من دون تفاصيل أخرى عن مراسم التشييع. كمارون بغدادي، ورندة الشهّال، وكريستيان غازي، ورفيق حجّار وجان شمعون، تركت جوسلين صعب خلفها أعمالاً عن حقبة مهمّة في لبنان والمنطقة. لكنها تركت صورة عن المرأة المغامرة والمعاندة في وجه العنف، والحرب والرقابة والمحظور. صورة عن مخرجة ساندت قضايا الشعوب وقضايا الإنسان في كلّ مكان.

 

####

 

جوسلين صعب... الكاميرا الجامحة

آداب وفنون

جوسلين صعب (1948 ــ 2019) التي غلبها المرض في باريس، تنتمي، مثل برهان علوية ومارون بغدادي ورندا الشهال، إلى جيل سينمائي ولد من رحم الحرب الأهليّة اللبنانيّة. بدأت مراسلة حربيّة، ثم درست الاقتصاد قبل أن تصوّر الثوار ومزارعي التبغ والصيادين. وبعد الاجتياح حققت مع روجيه عساف «بيروت مدينتي» (1982). مرحلتها الروائيّة تمتدّ من «عزل البنات» (1985) إلى «دنيا» (2005) الذي صوّرته في مصر مع حنان ترك ومحمد منير. في العام 2008 خاضت تجربة فوتوغرافيّة تجمع بين البوب آرت والسريالية. ثم أطلقت مهرجان «الثقافة تقاوم» الذي جاء امتداداً لخياراتها الابداعيّة الملتزمة. أفلامها المتمحورة حول الحرب والذاكرة والمقاومة والثورة والجسد والرهان التنويري، هي مادة كتاب لماتيلد روكسيل بعنوان «جوسلين صعب، الذاكرة الجامحة» (2015). في رثائها نستعير كلمات إيتل عدنان: لقد كانت «بين الأكثر ذكاء وشجاعة وحريّة في جيلها، بطريقة تفكيرها المتحرّرة التي كلّفتها كثيراً، يوم كان الالتزام مسألة حياة أو موت».

 

الأخبار اللبنانية في

08.01.2019

 
 
 
 
 

"جوسلين صعب"أنفقت ربع حياتها في السينما ..ثم رحلت

محمد حجازي

كانت السيدة "جوسلين صعب" الكاتبة والمخرجة والرسّامة اللبنانية، عايشت أحداثاً وثورات وإلتزمت قضايا، إشتغلت على أعمال وثائقية ثم قدّمت شريطين دراميين شكّلا مادة سينمائية خاصة، صوّرتهما ما بين بيروت (غزل البنات) والقاهرة (دنيا) خلال الفترة من 1975 و 2005 لتنقطع بعدها عن السينما بحكم ظروف مختلفة، يضاف إليها صعوبة حصولها على تمويل فرنسي أو لبناني لأحد نصّين جاهزين لديها.

إمرأة ديناميكية بإمتياز، لم يكن يُزعجها توصيف "أخت الرجال" عندما يجري الحديث عنها، وفي بيروت كما في باريس كما في القاهرة، عملت ليل نهار، لم تُضيّع وقتها أبداً في الراحة أو التكاسل، مساعدوها كانوا يتلقون إتصالات منها عند الرابعة صباحاً لإعطائهم آخر التوجيهات بشأن ما سيُنجز نهاراً من تصوير وما يجب تحضيره للممثلين والتقنيين، لكنها أبداً لم تتعب لأنها معجونة الشخصية بالسينما وكل متفرعاتها، ومما أغاظها في الأشهر الأخيرة إنسداد أبواب معظم المنتجين الذين طرقت أبوابهم رغم عمق معرفتها بهم وقالت لنا في بيروت قبل أشهر" يحتاجون إلى شباب صغار أو صبايا في عمر الزهور نحن ما عدنا ننفع بتنا على الرف بإنتظار أن نُصبح تحت الأرض".

رحلت عن 70 عاماً في منزلها بباريس أمضت منها عدداً من السنوات وهي تعاني من المرض الخبيث، خبر الوفاة بلغ بيروت ليل الإثنين، وتأكد بعد ساعات قليلة على صفحة إبنها الوحيد ، لنسترجع فوراً شريطاً من الإنجازات والخبرات التي ميّزت عطاءها في مجالي الصحافة كمراسلة حربية، والفنون ما بين الإخراج والكتابة والرسم والتصوير الفوتوغرافي، وكنا إلتقيناها آخر مرة في بيروت حين إفتتحت معرضها للصور الفوتوغرافية في صالة المركز الثقافي الفرنسي ولم تكن مرتاحة نفسياً وجسدياً، وهو ما عبّرت عنه بوجود الكوريغراف اللبناني "وليد عوني" والذي تحادثت وإياه في بيروت حول شكل من أشكال التعاون بينهما إنطلاقاً من الصور المتاحة، لإسقاطها على اللوحات الراقصة.

15 شريطاً قصيراً ووثائقياً، وإثنان من الروائيات الطويلة وحضور في أهم التظاهرات السينمائية أبرزها "كان"، رصدت أجواء الحرب على لبنان من خلال أطفاله وجنوبه، وعاصمته (أطفال الحرب، بيروت أبداً ليست هي، بيروت مدينتي، سفينة المنفى، حياة معلقة) وصوّرت في القاهرة (الراقصات الشرقيات، القاهرة مدينة الموتى).

المييادين نت في

08.01.2019

 
 
 
 
 

وفاة المخرجة جوسلين صعب في فرنسا بعد صراع مع المرض

تحرير:نجوى عبد الحميد

توفيت المخرجة اللبنانية جوسلين صعب، مساء أمس الاثنين في أحد مستشفيات باريس بعد صراع استمر عامين مع مرض السرطان، جوسلين التي توفيت عن عمر 71 عاما بدأت عملها في 1970 كمراسلة صحفية في الحروب بمصر ولبنان، ثم انتقلت بعد ذلك لكتابة السيناريو ثم الإخراج، وقدمت العديد من الأعمال السينمائية، وقد كان آخر أعمالها في 2009 هو الفيلم اللبناني "شو عم بيصير؟". قدمت جوسلين فيلما مصريا وحيدا في عام 2005 وهو فيلم "دنيا" بطولة محمد منير وحنان ترك، وقد هوجم الفيلم كثيرا بعد عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي نظرا لجرأته في تناول قضية الختان.

وقد نعى وزير الثقافة اللبناني الدكتور غطاس الخوري المخرجة اللبنانية جوسلين صعب، قائلا: "برحيل المخرجة جوسلين صعب يفقد الفن السابع شخصية مثقفة تميزت في الحصول على العديد من الجوائز العالمية لأفلامها التي عالجت فيها القضايا الإنسانية من مختلف جوانبها، حيث تفردت عدسة كاميرتها لتأريخ اللحظة وحفظها لتكون مرجعا للأجيال المقبلة".

أخرجت صعب 3 أفلام تسجيلية عن بيروت، منها "رسالة إلى بيروت" (1978)، و"بيروت مدينتي" (1982)، كما أنجزت 4 أفلام روائية؛ أبرزها "كان يا مكان بيروت"، إذ تغوص في ذاكرة المدينة، من خلال مراهقتين، مقدمةً تحية إلى السينما في العاصمة اللبنانية، وحقق فيلمها "دنيا" الذي صورته في مصر نجاحا.

وكانت صعب وراء تنظيم مهرجان أفلام المقاومة الثقافية، الذي عملت على إقامته في أكثر من مدينة لبنانية، لنشر السينما الهادفة.

 

التحرير المصرية في

08.01.2019

 
 
 
 
 

جوسلين صعب... رحلت ولبنان لا يزال في الدوامة

المدن - ثقافة

من المفارقات أن "دار النمر" في بيروت ختمت موسمها الثقافي العام 2018 بعرض أفلام المخرجة اللبنانية جوسلين صعب، ومن المفارقات أيضاً أن جوسلين (مواليد 1948) رحلت في بداية العام 2019

جوسلين التي انهت دراستها في الاقتصاد العام 1970، بدأت العمل كمراسلة حربية في مصر وجنوب لبنان، ثم ذهبت العام 1971 إلى ليبيا، حيث قدمت تقارير عن حرب أكتوبر1973. عملت أيضاً العام 1975 لصالح التلفزيون الفرنسي. كانت تستعد للسفر إلى هانوي، حين حصلت حادثة بوسطة عين الرمانة 1975 التي فجّرت الحرب الأهلية اللبنانية، فاعتذرت عن السفر مع زملائها، واشترت كاميرا، وراحت توثق بيروت المدينة التي سيتغير وجهها مراراً

كغيرها من المخرجين اللبنانيين اليساريين، ممن تزامن وعيهم السينمائي مع الاقتتال الداخلي، مثل برهان علوية وجان شمعون ومارون بغدادي ونهلة الشهال، انتقلت جوسلين إلى السينما الوثائقية. البداية كانت مع باكورتها "لبنان في الدوّامة" (1975) الذي أخرجته بعد أشهر على حادثة عين الرمانة. أظهرت صعب صورة المقاتل يتمرن على السلاح ويتلقى التعليم على فنون الحرب على أيدي اختصاصيين، والخضوع للدروس النظرية والفكرية، وما يسمّى بالتحصين الفكري. كما أظهرت المقاتل الذي تغزو الرسوم الطائفية يديه، كالصليب والشعارات المحمّدية، وعملت على تصوير المقاتلين اليافعين وهم يتحدثون عن رأيهم في حمل السلاح وتأثرهم بالبيئة الاجتماعية التي ينتمون إليها. كما أبرزت المقاتل المسيحي الذي "يدافع عن شرفه ووطنيته وحبه للبنان"، والمسلم الذي "حمل السلاح ضد حزب الكتائب الفاشي، ولحماية مشروعه السياسي". ويظهر انخراط العنصر النسائي في الحرب، تاركاً الأنوثة والجمال "للدفاع عن لبنان الحرّ ومحاربة الفاشية الكتائبية". في فيلمها، حاولت المخرجة أن تبتعد عن السياسة المباشرة وأحداثها. راحت إلى أسباب الحرب بأبعادها الاجتماعية والسياسية، مظهّرة مكوّنات المجتمع اللبناني

منذ ذلك الحين لم تتوقف عن صنع الأفلام. لكن أفلامها الوثائقية أصبحت، بعد عامين، أكثر شخصية. لم تعد أفلاماً وثائقية بالمعنى الكلاسيكي. قدمت "من أجل بعض الحياة" (1976)، ويدور حول مرشح الرئاسة في تلك الفترة ريمون إدّه، وبحثه عن مفقودي الحرب من الطوائف كافة، بما يتعارض واتجاه الحرب في تلك الفترة المشتعلة (بين 1975 و1976). وهناك فيلم "بيروت لم تعد كما كانت" الذي صوّر خلال هدنة العام 1976. طوال ستة أشهر، جالت صعب في الشوارع والتقطت صوراً للركام والدمار والشوارع الخالية إلا من بعض الأطفال الذين خرجوا للعب. تترافق هذه المشاهد مع صوت الشاعرة إتيل عدنان تلقي قصيدة، وأصوات الناس وهم ينقلون رواياتهم ومعاناتهم خلال الحرب. مع تقدّم أحداث الحرب وتطوّر تجربتها السينمائية، صارت صعب تذهب إلى أماكن أكثر خصوصيّة في نظرتها إلى الأحداث، كما في شريطها "رسالة من بيروت" (1978). ينطلق الفيلم من نظرة شخصية إلى الحرب، والشعور بالغربة تجاه مدينة تغيّرت بين ليلة وأخرى. يجري الفيلم على خطّ سردي يجمع الخيال مع التوثيق ليوميات الناس والمدينة والجنوب اللبناني بالتزامن مع الاحتلال الإسرائيلي.

في نهاية المطاف تحولت الى عمل أفلام روائية. تقول في احدى المقابلات: "في ذلك الوقت، كان من الصعب جداً أن تعيش في خضم حرب أهلية. لكني بالضبط كنت أعيش هناك وأرسل تقارير من الجبهة، ما دفعني إلى الحلم بأماكن أخرى. وأتذكر تماماً ما كنت أقوله أحياناً في ذلك.. لا بد لي أن أحكي ما الذي يحرك قلوب البشر. لا أريد فقط تبيان ما يحدث حولهم... لم تكن لي رغبة في عمل أفلام وثائقية، ليروي الناس قصصهم. هذه مسألة تخص الصحافة، لا تخصني. لقد أنجزت الكثير من الأفلام الوثائقية، بالتأكيد حوالى 10 أو 12. ثم أدركت أني يجب أن أحكي قصة هدفها تبيان ما هو غير ظاهر". 

وفي فيلم "غزل البنات" (1984) تقدّم صعب قصة حب على مقاس بيروت وحروبها اليومية التي تؤثّر في علاقات الناس. هنا قصة تجمع الشابة هالة التي تهرب مما يحيط بها إلى الأفلام المصرية، مع الفنان كريم الذي تحميه عزلته داخل شقته في بيروت الغربية على هامش الحرب

ومنذ بداياتها، تلتزم صعب قضايا الإنسان ولا تبتعد عنها، محاولة طرح مواضيع للنقاش تعتبر من المحرّمات في مجتمعات عربية. لذلك اختارت في أحد أبرز أفلامها الروائية وأكثرها إثارة للجدل، "دنيا"(تمثيل حنان الترك ومحمد منير) الحديث عن ختان الفتيات في مصر، فمنع الفيلم من العرض في بعض البلدان، وتعرّضت المخرجة لانتقادات كثيرة. تعالج جوسلين صعب الختان الجسدي والفكري، والزواج القسري، ووضع المرأة، والتسلط الذكوري، وقمع حرية التعبير والرأي. وفي فيلمها "ما الذي يحدث؟" عالجت بشكل نقدي حاضر بلدها المليء بالصراعات. تقول: "في العام 2009 تم اختيار بيروت من قبل اليونيسكو عاصمة عالمية للكتاب، واستقر الرأى علي أن أنتج فيلماً حول هذا الموضوع. بطريقة ما أغضبني هذا التكليف قليلاً. بالتأكيد كنا عاصمة عالمية للكتاب، لكن، في الوقت نفسه، عندنا رقابة، وحرية الإبداع محدودة، ناهيك عن قلة الدعم المالي للفنون. لهذا السبب وجدت الفكرة غير معقولة. فقلت: "حسناً، دعونا نصنع شيئاً ما حول كاتب وخيالاته!". وهكذا انبثقت فكرة تأليف كتاب ضخم على شرفة تطل على أسطح المنازل في المدينة.

بعد شريطها السينمائي "دنيا" الذي أثار نقاشات وآراء متباينة في مصر وبلاد عربية أخرى، انتقلت "ضجة" جوسلين صعب الى بيروت، والسبب ليس فيلماً سينمائياً عن النساء، بل الأمر يتعلق بصور فوتوغرافية التقطتها صعب، في معرض عنوانه "عقل أيقونات وأحاسيس"، وفوجئت بالقيمين على صالة "بلانيت ديسكوفري" يسحبون تسع صور من معرضها بحجّة أنّها تشكل "استفزازاً لفئة لبنانيّة". فقالت في بيان لها إن إدارة صالة العرض "كوكب الاكتشاف" طلبت منها سحب صورتين معروضتين تناولتا الغضب الشعبي إزاء الصراع الإسرائيلي – اللبناني". والمعرض كان يتضمن نحو 40 صورة تطرح تساؤلات حول النظرة العربية للمرأة الغربية. الصورتان "مساحة اللعبة الإسرائيلية الأميركية 1 و2"، تمثّلان أيقونات مسيحية وإسلامية مصنوعة من البلاستيك تصوّر المسيح وأمين عام "حزب الله" حسن نصر الله، على منصّة في سوق الأحد (سوق شعبي في بيروت) جنباً إلى جنب، يشرفان على مقبرة مشتركة للطائفتين، ويضمّان لعبتي باربي، ترمزان إلى التلاعب الأجنبي. إذ تنجز صعب أعمالها بإيحاءات تعبيرية وعناوين ومواضيع، في مشهد بصري عناصره أيقونات ذكورية وأنثوية بنظرة مزدوجة شرقية وغربية، وتكشف خصوصيات شرقية ـــ غربية بميول حديثة

تنقلت صعب بين الأسواق القديمة في بيروت والقاهرة، واختارت شخصياتها التي تجسد رموزاً في الشرق والغرب، منها شخصية الرئيس العراقي صدام حسين، والممثلة الأميركية مارلين مونرو، والرئيس المصري جمال عبد الناصر، والدمية باربي ومنتجات كوكا كولا. وضعت هذه الشخصيات على مكوّنات ملساء أو خشنة مثل الأشواك وأكياس الخيش. كذلك كثفت صعب استخدامها لوسائل إعلام قديمة، مثل المذياع القديم والتلفزيون غير الملوّن. اكتشفت صعب أن صورة الأيقونة الأجنبية ما زالت نفسها منذ أكثر من مئة عام، كذلك صورة الأيقونة العربية الممثلة في الرجل العربي مع الكوفية التي لم تتغير أيضاً. هذا الرجل وجدته الفنانة في الأسواق واستعملته واستطاعت تأليف مشهد سينمائي يضم شخصية البطل والبطلة.

كتبت الباحثة ماتيلد روكسيل كتاب "الذاكرة الجموحة" (دار النهار) عن جوسلين، وتناولت فيه الكثير من الموضوعات المرتبطة بعلاقة صعب بالسينما، كاللغة، الجسد، والفضاء، والتاريخ... وفي هذا السياق قالت جوسلين لـ"المدن" في حوار سابق: "كانت ماتيلد روكسيل في صدد التفتيش عن موضوع لأطروحتها الجامعية، عندما وقعت على مقابلة صحافية، كنت قد أجريتها مع إحدى المجلات الفرنسية. وفي الوقت نفسه، قامت السينماتيك الفرنسية نيكول برونيز، بتكريمي عبر عرض استعادي لأفلامي ضمن مهرجان "مضيئو الكون"، ويومها، كتب أحدهم نصاً عني في موقع إلكتروني. انجذبت ماتيلد إلى عملي، وطرحته كموضوع لبحثها الأكاديمي، وتقدمت بطلب تبادل دراسي بين بيروت وليون. التقيتها، وأخبرتني عن مشروعها، قلت لها أن الطريقة الأفضل لتكون على بينة من أعمالي، أن تساعدني في تنظيم مهرجان "الثقافة تقاوم" السينمائي Cultural Resistance Film Festival، فجرى التعاون بيننا لمدة ثلاثة أشهر، استطاعت خلالها أن تتعرف عليّ عن قرب، وتستمع إلى ما أقوله، وترى ما أفعله. ولما طلبت مني أفلامي، سحبت صندوقاً من تحت سريري في غرفتي المطلة على البحر، وأعطيتها إياه. في تلك الفترة، كنت متعبةً من أحوال عملي، لا سيما أني، في كل مرة أريد أن أخرج فيلماً، أجد أن الظروف في لبنان تعيقني. في النتيجة، لم تعمد ماتيلد سوى إلى إجراء مقابلة واحدة معي فقط، استعملتها في كتابها، الذي حلل علاقتي بالصورة، وقارب أفلامي من وجهات نظر مختلفة، لا سيما انطلاقاً من التزامي الإستيطيقي، والتزامي بمسائل الإجتماع والسياسة في لبنان. بعدما انتهت ماتيلد من رسالتها في الماجستير، حولتها إلى كتاب بمساعدة جنى تامر من دار النهار".

 

المدن الإلكترونية في

08.01.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2019)