مهرجان فينيسيا السينمائي الـ75 يبشّر بدورة
استثنائية
أمير العمري
مهرجان فينيسيا السينمائي يحتفل بالدورة الـ،75
التي تنطلق في الـ29 من أغسطس الجاري وتتواصل حتى الثامن من
سبتمبر القادم، بعرض مجموعة كبيرة من الأفلام وحضور مكثف للمشاهير
من نجوم السينما.
كان مهرجان
فينيسيا السينمائي قد
أقام دورته الأولى عام 1932 أي منذ 86 عاما، لكنه توقف بضع سنوات
على فترات متقطعة، والدورة الجديدة دورة استثنائية بكل معنى
الكلمة، فالبرنامج الرسمي الذي أعلن عنه مؤخرا، يعكس طموحا كبيرا
لجعل المهرجان يقفز إلى صدارة المهرجانات السينمائية الكبرى في
العالم متفوّقا على مهرجان كان بانفتاحه الكبير وبرنامجه المتنوع.
ونجح مدير المهرجان ألبرتو باربيرا في الحصول على
غالبية الأفلام التي فشل مهرجان كان في اقتناصها، كما رحب بضم
أفلام من إنتاج شركتي نتفليكس وأمازون، اللتين تعملان أساسا بنظام
البث الرقمي، بعيدا عن التحفظات التي واجهتها إدارة مهرجان كان
استجابة للضغوط التي تعرضت لها من قبل أصحاب دور العرض الفرنسية.
وتضم مسابقة المهرجان الرسمية 21 فيلما منها عدد
كبير من أفلام كبار المخرجين الذين تجذب أسماؤهم عادة اهتمام
الجمهور والصحافيين والنقاد، خاصة من مخرجي الأفلام الأميركية
والناطقة بالإنكليزية عموما، التي ثبت خلال السنوات الأخيرة أنها
تنطلق من مهرجان فينيسيا، حيث تعرض للمرة الأولى عالميا، لتحصد في
ما بعد جوائز الأوسكار الرئيسية.
ومن أفلام المخرجين الكبار المرموقين على المستوى
العالمي لدينا فيلم “روما”
Roma
للمخرج ألفونسو كوارون الذي سبق عرض فيلمه “جاذبية الأرض” في
مهرجان فينيسيا ومنه إلى التتويج بعدد من جوائز الأوسكار، أما
الفيلم الجديد ففيه يعود المخرج المكسيكي إلى بلده ليصوّر دراما
عائلية تدور في أوائل السبعينات من القرن الماضي في مدينة مكسيكو،
وبالإضافة إلى إخراج الفيلم كتب كوارون السيناريو واشترك في إنتاج
الفيلم وتصويره ومونتاجه.
ويعرض الفيلم بالمسابقة ممثلا للمكسيك مع فيلم
مكسيكي آخر، هو “عصرنا” للمخرج كارلوس ريغاداس المعروف باهتمامه
الخاص بالإبحار داخل شخصيات أفلامه ومحاولة سبر أغوارها خلال بحثها
الشاق عن معنى لوجودها على الصعيد الروحاني.
الرجل الأول
الأسد الذهبي رمز
المهرجان، وهي أرفع جائزة تعطى للفيلم في فينيسيا السينمائي، وتقدم
الجائزة منذ العام 1949 من قبل اللجنة المنظمة للمهرجان
تتضمن المسابقة الرسمية أيضا، خمسة أفلام أميركية
جديدة، أولها فيلم الافتتاح “الرجل الأول” للمخرج الأميركي الشاب
الصاعد بقوة مدهشة، داميان شازيل (33 عاما) الذي سبق أن حقّق فيلمه
الأول “ويبلاش” نجاحا كبيرا، ثم حصد فيلمه الثاني “لا لا لاند”
الذي افتتح مهرجان فينيسيا قبل عامين، عددا كبيرا من جوائز
الأوسكار.
أما “الرجل الأول” أو “أول رجل” فهو يروي جانبا من
حياة نيل أرمسترونغ، أول رائد فضاء أميركي هبط على سطح القمر عام
1969.
أفلام أميركية وبريطانية
نجح المهرجان أيضا في الحصول على فيلم أميركي آخر
هو “أنشودة بستر سكرودجز” للأخوين إيتان وجويل كوين، وكان في الأصل
مسلسلا من حلقات عدة، ثم أصبح فيلما من نوع أفلام الويسترن من خلال
الأسلوب العدمي الساخر الذي يميز أفلام الأخوين كوين، وهذا هو
فيلمهما الروائي الطويل الثالث والعشرون.
ومن الأفلام الأميركية في المسابقة هناك أيضا “عند
البوابة الأبدية” للمخرج جوليان شنابيل، وسيناريو الكاتب الفرنسي
جان كلود كاريير (رفيق عمل لويس بونويل)، وعنوان الفيلم هو اسم
لوحة فان كوخ الشهيرة التي رسمها عام 1898، ويقوم بدور فان كوخ في
الفيلم وليم دافو أمام أوسكار إيزاك في دور الرسام غوغان، والفيلم
من الإنتاج المشترك مع فرنسا، أما الفيلمان الباقيان من الولايات
المتحدة فهما “الجبل” لريك ألفريسون، و”فوكس لوكس” لبرادي كوربت.
ويأتي إلى فينيسيا المخرج اليوناني الشهير يوغوس
لانتيموس بفيلمه الجديد “المفضلة” من الإنتاج الأميركي-البريطاني
المشترك، بطولة إيما ستون وراشيل ويز، ويروي قصة تدور في القرن
الثامن عشر.
ويعود المخرج البريطاني مايك لي، الحاصل على جائزة
“الأسد الذهبي” في فينيسيا عن فيلمه “فيرا دريك” في 2004، إلى
مسابقة المهرجان بفيلم جديد مختلف عن سياقه وموضوعه عن معظم أفلام
مخرجه الواقعية النقدية، وهو فيلم “بيترلو” الذي يدور حول المذبحة
التي ارتكبتها الشرطة ضد مسيرة من 60 ألف شخص تجمعوا قرب كنيسة
القديس بطرس في مانشستر عام 1819 للمطالبة بتعديلات برلمانية ومد
حقّ التصويت إلى الفئات المحرومة، وقد قتل خلال الأحداث الدامية 15
شخصا وجرح 700.
المسابقة الرسمية للمهرجان تشهد حضور فيلم واحد
لمخرجة سينمائية، وهو "العندليب" للأسترالية جنيفر كنت،
وجدير بالذكر أن “بيترلو” من إنتاج شركة أمازون،
وهي نفسها منتجة الفيلم الإيطالي “سيسبيريا”
Susperia
من إخراج لوكا غوادينينو صاحب فيلم “نادني باسمك”.
والفيلم الجديد من نوع أفلام الرعب (ناطق
بالإنكليزية)، وهو إعادة إنتاج لفيلم شهير من أفلام الرعب
الإيطالية بالعنوان نفسه أخرجه عام 1977 داريو أرجنتو، وتقوم
بأدوار البطولة في الفيلم الجديد تيلدا سوينتون وداكوتا جونسون
وميا غوث.
أما شركة نتفليكس، فتشارك في المسابقة بفيلم ثان هو
“22 يوليو” للمخرج البريطاني بول غرينغراس صاحب فيلم “يونايتد 93”،
وهو يصوّر وقائع ما جرى في ذلك اليوم الدامي من عام 2011، حينما
أطلق شاب يميني متطرف النار على معسكر صيفي على شاطئ البحر في
النرويج، فقتل 77 طالبا وطالبة من شباب حزب العمال اليساري، وكنا
قد شاهدنا فيلما آخر من الدنمارك أيضا عن نفس الحادثة في مهرجان
برلين (فبراير 2018) يحمل نفس العنوان ومن إخراج النرويجي إريك بوب.
وفي المسابقة الرسمية أيضا ثلاثة أفلام من فرنسا هي
“حيوات مزدوجة” لأوليفييه أسايس، و”أخوة الشقيقات” لجاك أوديار،
وهو أول فيلم لمخرجه ناطق بالإنكليزية ومن بطولة جواكيم فينيكس
وجاك غلينهال وريز أحمد ومن نوع الويسترن الكوميدي، و”الأشقاء
إينميز” للمخرج ديفيد أولدوفين.
وهناك فيلم واحد لمخرجة سينمائية من بين جميع أفلام
المسابقة، هو “العندليب” من أستراليا للمخرجة جنيفر كنت، مخرجة
فيلم “بابادوك”، ومن إيطاليا الدولة المضيفة، هناك ثلاثة أفلام هي
“كابري-ثورة” لماريو مارتوني، و”ماذا ستفعل عندما يشتعل العالم”
لروبرتو منريفيني، بالإضافة إلى فيلم “سيسبيريا” الذي سبقت الإشارة
إليه.
وسيعرض المخرج المجري الشاب الموهوب لازلو نيمتش
فيلمه الثاني “الغروب” الذي يدور في بودابست أوائل القرن العشرين،
بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلمه الأول “ابن شاؤول” في مهرجان
كان قبل ثلاث سنوات، كما يشارك المخرج الألماني فلوريان هينكل،
مخرج فيلم “حياة الآخرين”، بفيلم “أوبرا سينزا أوتور”، وأخيرا هناك
فيلم من الأرجنتين وفيلم آخر من اليابان.
ومن أهم الأفلام التي تعرض كحدث خاص في المهرجان
فيلم “الجانب الآخر من الريح” لأورسون ويلز وهو الفيلم الذي بدأ
ويلز في تصويره عام 1970 واستمر ست سنوات على فترات متقطعة، لكنه
لم يتمكن أبدا من إكماله، وقد تم مؤخرا استكمال الفيلم بالاستعانة
بالمخرج بيتر بوغدانوفيتش الذي يظهر فيه كممثل.
كما أمكن استكمال الفيلم بعد العثور على بعض
البكرات التي كانت مفقودة منه وبعد أن تحمّست شركة نتفليكس للإنفاق
على استعادته وبذلت جهودا كبيرة في هذا المجال للتغلب على العقبات
القانونية والتقنية.
والفيلم من نوع أفلام المحاكاة الساخرة التي تصاغ
في قالب تسجيلي “موكيومنتراي”، ويشارك في التمثيل فيه عدد كبير من
الممثلين على رأسهم المخرج والممثل جون هيستون وسوزان ستراسبورغ
وأوغا كادار وليلي بالمر وكاميرون ميتشيل، كما يظهر آخرون في
شخصياتهم الحقيقية مثل المخرج الفرنسي كلود شابرول والأميركيين بول
مازورسكي وجورج جيسيل.
وخارج المسابقة هناك فيلمان للمخرج الإسرائيلي آموس
غيتاي، الأول تسجيلي بعنوان “رسالة إلى صديق في غزة”، والثاني فيلم
روائي هو “ترام في القدس”. وهناك مجموعة كبيرة من الأفلام الجيدة
خارج المسابقة منها فيلم “ظل” للمخرج الصيني جانغ ييمو، و”مولد
نجمة” أول الأفلام التي يخرجها الممثل الأميركي برادلي كوبر، وهذه
هي المرة الثالثة التي يعاد فيها إنتاج هذا الفيلم القديم (من عام
1937)، ويقوم ببطولته برادلي كوبر وأمامه ليدي غاغا وسام إليوت،
والفيلم من نوع الكوميديا الموسيقية.
وفي قسم الأفلام التسجيلية، خارج المسابقة، عدد من
الأفلام لأهم مخرجي السينما التسجيلية في العالم مثل الأميركيين
إيرول موريس وفريدريك وايزمان، والأوكراني سيرجي لوزنيتسا، كما
يشارك المخرج الصربي أمير كوستوريتسا بفيلم جديد بعنوان “حياة
سامية” من الإنتاج المشترك بين الأرجنتين وأوروغواي وصربيا، وهناك
فيلم إيطالي عن تنظيم داعش بعنوان “داعش غدا: أرواح الموصل
المفقودة”.
مسابقة آفاق
في المسابقة الثانية “آفاق” (أوريزونتي) يتنافس 19
فيلما منها فيلمان لمخرجين من العالم العربي، الأول هو “يوم أضعت
ظلي” للسورية سؤدد كعدان، والثاني “تل أبيب تحترق” للفلسطيني سامح
زعبي، وهناك فيلم إسرائيلي هو “تعرّي”، وهو الفيلم الثاني للمخرج
يارون شاني (الذي اشترك من قبل مع الفلسطيني إسكندر قبطي في إخراج
فيلم “عجمي”)، وأفلام مسابقة “آفاق” هي عادة الأفلام الأولى
والثانية لمخرجيها على غرار قسم “نظرة ما” بمهرجان كان.
واعتاد المهرجان أن يخصّص قسما يطلق عليه “أفلام
الحديقة” قام بتغيير الاسم إلى “سكونفيني” بما معناه أفلام
“الجرأة”، ويعرض في هذا القسم ثمانية أفلام منها النسخة الكاملة
الممتدة لفيلم “شجرة الحياة” للمخرج الأميركي تيرنس ماليك، وهي
النسخة التي أعاد مخرجه مونتاجها مؤخرا مضيفا إليها الكثير ممّا
استبعد في النسخة السابقة، بحيث أصبح الفيلم يتجاوز حاليا ثلاث
ساعات.
وتقام تظاهرة “أيام فينيسيا” على غرار “نصف شهر
المخرجين” بمهرجان كان، وينظمها اتحاد السينمائيين الإيطاليين وهي
تظاهرة موازية خارج البرنامج الرسمي، لكن على العكس من كان،
يحتضنها المهرجان الرسمي ويخصّص لأفلامها عروضا في قاعاته الرسمية.
وتنظم التظاهرة مسابقة خاصة تمنح جائزة قيمتها 100
ألف يورو لأفضل فيلم، ويشارك هذا العام 11 فيلما في المسابقة، من
بلجيكا وفرنسا وسويسرا وفلسطين والبرازيل وماليزيا والصين وكندا
وإيطاليا والبرازيل والولايات المتحدة والنمسا.
وفي المسابقة يحضر الفيلم الفلسطيني “المفك” للمخرج
بسام جرباوي، وهو فيلمه الروائي الأول ويقوم ببطولته زياد بكري
وعرين عمري وجميل خوري، ويصوّر الفيلم بطل كرة سلة فلسطيني سابق
يتعرض لتجربة السجن في أحد السجون الإسرائيلية، ثم يخرج ليعاني من
الاضطراب العقلي ويواجه صعوبة في التكيف مع الحياة في بلده، وبمرور
الوقت، تمتزج هلاوسه بالواقع فيُعتقل من جديد ويعود إلى السجن.
وخارج مسابقة “أيام فينيسيا” كأحداث خاصة هناك
احتفاء بتجارب من سينما المرأة، حيث يعرض الفيلم القصير “ابنة
مغنية الأفراح” للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، وفيلم قصير آخر من
إخراج الممثلة الأميركية داكوتا فاننغ.
أسبوع النقاد
ينظم اتحاد نقاد السينما الإيطاليين تظاهرة “أسبوع
النقاد” التي بدأت منذ 33 عاما، وتعرض التظاهرة هذا العام سبعة
أفلام بالمسابقة، وفيلمين في الافتتاح والختام.
ويفتتح الأسبوع بالفيلم الهندي “تومباد”، ويختتم
بالفيلم التونسي “داشرة” للمخرج عبداللطيف بوشناق، ويشارك في
المسابقة الفيلم السوداني “أكاشا” للمخرج حجوج كوكا صاحب الفيلم
التسجيلي “على إيقاع الأنتونوف”
(2014).
ويصف المخرج فيلمه الجديد “أكاشا” بأنه “قصة حب
عالمية استثنائية وساخرة في زمن الحرب، لكن تلك الحرب في السودان
وهي تحدث الآن”، كما يشارك الفيلم التسجيلي “لسه عم نسجل” الذي
أخرجه المخرجان السوريان سعيد البطل وغيث أيوب.
يتم تكريم شخصيتين من الشخصيات السينمائية، هما
الممثلة البريطانية المرموقة فانيسا ريدغريف، والمخرج الكندي ديفيد
كروننبرغ بمنحهما جائزة “الأسد الذهبي” الشرفية في حفل خاص يقام
على هامش المهرجان.
كاتب وناقد سينمائي مصري |