كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

دورة أثارت الجدل ومفاجآت مع إعلان الجوائز في مهرجان كان

أمير العمري

كان السينمائي الدولي

الدورة الحادية والسبعون

   
 
 
 
 

"الفيلم الياباني "لصوص المحلات" ينتزع "السعفة الذهبية، و"سعفة ذهبية خاصة" للمخرج الفرنسي جان لوك غودار عن "كتاب الصورة".

بعد مسابقة ضمت 21 فيلما، من بينها بعض الأفلام الفقيرة فنيا، منحت لجنة التحكيم الدولية في مسابقة الدورة الـ71 جائزة “السعفة الذهبية” إلى فيلم “لصوص المحلات” Shoplifters للمخرج الياباني هيروزاكو كوريدا، الذي شارك مرات عدة من قبل في مسابقة كان خلال السنوات الأخيرة.

وبذلك يتفوّق الفيلم الياباني على كل الأفلام الفرنسية التي شاركت في المسابقة باستثناء فيلم "كتاب الصورة" للمخرج الفرنسي- السويسري الكبير جان لوك غودار.

ففي خطوة استثنائية لم يسبق لها مثيل من قبل، منحت لجنة التحكيم جائزة “السعفة الذهبية الخاصة” إلى المخرج المرموق الذي لم يسبق له الحصول من قبل على مثل هذا التكريم من مهرجان بلده.

وربما تكون هذه الجائزة الاستثنائية قد منحت بالاتفاق مع إدارة المهرجان لأن لائحة المهرجان لا تجيز للجان التحكيم منح أكثر من “سعفة ذهبية” واحدة، وإن كانت تجيز منحها لفيلمين معا كما حدث عام 1979 عندما فاز بها فيلم “سفر الرؤية الآن” لفرنسيس فورد كوبولا وفيلم “الطبلة الصفيح” لفولكر شلوندورف.

جائزة أخرى غير مستحقة إلى المخرجة اللبنانية نادين لبكي عن فيلمها الروائي الثالث "كفر ناحوم"المفكك المليء بالاستطرادات

 وكنت قد كتبت من قبل عن هذا فيلم غودار البديع هنا، وقلت إنه ربما يكون الوصية الأخيرة السينمائية لمخرجه الكبير (87 عاما) أحد الروّاد الأوائل لحركة الموجة الجديدة الفرنسية التي ظهرت في أواخر الخمسينات من القرن الماضي.

يتفوّق الفيلم الياباني أيضا على فيلم “مربي الكلاب” الإيطالي الذي كان مرشحا بقوة للجائزة، والفيلم الروسي “ليتو” (صيف) الذي نال حماسا كبيرا من جانب النقاد الفرنسيين الذين رشحوه منذ عرضه في اليوم الثاني للجائزة المرموقة، كما يتفوق الفيلم الياباني على الفيلم الصيني “الرماد هو أكثر المواد البيضاء نقاء” للمخرج جيا جانكي الذي كان مرشحا بقوة رغم عدم إعجابي شخصيا به كونه أقل كثيرا في مستواه من الفيلمين السابقين للمخرج نفسه “لمسة الخطيئة” (2013) و”الجبال قد تنفصل” (2015) رغم أنه يقدّم لوحة جميلة واقعية للصين الحديثة من خلال قصة تدور في أوساط العصابات الإجرامية.

تماسك أسرة بائسة

يصوّر الفيلم الياباني المتوّج بالسعفة الذهبية أسرة يابانية فقيرة تعيش “تحت السلم” إذا جاز التعبير، أي على الهامش تماما في شقة ضيقة مكوّنة من غرفة واحدة، يقيم فيها ستة أفراد، بينهم طفلان وفتاة مراهقة، هذه الأسرة التي توجد في مجتمع صناعي ثريّ هي نموذج للبؤس والرغبة المستمرة في التغلب على الظروف الاجتماعية الشاقة، لكنها أيضا نموذج للتماسك الأسري المدهش والتحايل من أجل الاستمرار في الحياة.

الزوج الذي تخطى الأربعين يقنع زوجته بتبنّي طفلة مسكينة عثر عليها تحت المطر في ضواحي طوكيو الفقيرة، فتزداد مسؤولية الأسرة حيث يتعيّن عليها إطعام هذا الفم الجديد الوافد، فهناك صبيّ لدى هذه الأسرة يعرف أنه ليس ابنها وغالبا تم أيضا انتشاله من الضياع والتشرد بنفس الطريقة من قبل من دون مراعاة للإجراءات القانونية المتعلقة بالتبنّي وهو ما سيؤدي إلى اتهام الأسرة في ما بعد، أي مع تفاقم الأحداث والكوارث، بـ”الاختطاف”.

وهناك شقيقة الزوجة الشابة التي تلجأ لتعرية جسدها عبر “غرف التشات” من خلال الإنترنت حيث تعمل في أحد محلات التعري أمام الكاميرا “أونلاين” لتكسب بعض المال حتى يمكنها شراء أدوات التجميل المطلوبة. وهناك أخيرا الجدة العجوز التي يتعيش الجميع على ما تحصل عليه من معاش قليل.

لكن هذا المصدر لا يكفي، ويأتي وقت ينقص أيضا إلى النصف، كما يقوم الزوج مع زوجته بالسرقة من محلات السوبرماركت، ويلقن الطفلين أيضا كيفية السرقة وانتشال الأشياء البسيطة من المحلات.

هناك تركيز واضح على مشاهد تناول الطعام، ففي هذه الحالة يصبح الطعام هو أساس الوجود نفسه، أما الجنس فقد هجره الزوجان منذ زمن بعيد ربما بغرض اقتصاد الطاقة، أو أفول الرغبة، وعندما تأتي الرغبة أخيرا ويحاولان للمرة الثانية ممارسة الجنس داخل الغرفة الضيقة، يقطع خلوتهما وصول الطفلين من الخارج.

كيف يمكن أن تسير حياة هذه الأسرة الغريبة؟ هذا ما يسعى كوريدا للكشف عنه تدريجيا بأسلوبه الواقعي المغرق في واقعيته، الذي تشوبه مسحة رومانسية إنسانية هادئة، وميل لتوليد الضحك من داخل المأساة من دون مبالغات ميلودرامية، بل يبدو الفيلم بأكمله مصنوعا بحسابات دقيقة في طول اللقطات، وزمن استغرق كل لقطة على الشاشة، وتجاور اللقطات مع بعضها البعض، وعلاقة الداخل بالخارج، والأطفال بالكبار، مع براعة في اقتناص الأداء المناسب في الوقت المناسب من الطفلين. والفضل يعود بالطبع لقدرة كوريدا في السيطرة على ممثليه الصغار والكبار، بحيث ينتزع منهم ما يعادل الحياة نفسها. إنه عمل متميز كثيرا في السينما اليابانية منذ رحيل العملاق كيروساوا.

ضد العنصرية

ذهبت الجائزة الكبرى للجنة التحكيم، التي تأتي في المرتبة الثانية بعد “السعفة الذهبية”، “لى الفيلم الأميركي البديع “رجل الكوكلوس كلان الأسود” BlacKkKlansman لسبايك لي، وهي جائزة في مكانها الصحيح تماما، فالفيلم عمل إبداعي ساخر يعتمد على مذكرات شخصية حقيقية لضابط شركة أميركي من أصول أفريقية هو “رون ستولوورث” (يقوم بدوره جون ديفيد واشنطن) ينجح في اختراق منظمة الكوكلوكس كلان العنصرية في كولورادو في السبعينات من القرن الماضي عن طريق الاتصال التليفوني مع رئيس الفرع، ثم يتفتق ذهنه عن فكرة الاستعانة بزميل له من البيض هو “فليب زيمرمان” (يقوم بدوره آدم درايفر) لكي يتقمص دوره أمام المنظمة العنصرية ويقوم بتسجيل اتصالاتها وخططها للإيقاع بها في النهاية، فهو لا يمكنه الظهور بنفسه كرجل أسود ولا ساءت العاقبة.

والفيلم من أكثر الأفلام التي خرجت من هوليوود فضحا وسخرية وتعريضا بالسياسات العنصرية في الولايات المتحدة، وصولا إلى تعرية ونقد موقف الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب في نهاية الفيلم حينما يربط سبايك لي بين أحداث فيلمه وبين الاعتداءات العنصرية العنيفة التي وقعت العام الماضي في ولاية فرجينيا والتي تقاعس ترامب عن إدانتها بوضوح.

جوائز التمثيل

جائزة أحسن ممثلة نالتها الممثلة الكازاخستانية الشابة سامال يسلياموفا عن دورها في الفيلم الروسي- الكازخستاني- الفرنسي- البولندي “أيكا” (أو الصغيرة) للمخرج سيرجي سفورتسفوي. وهو يدور حول البؤس الإنساني وكيف تواجه فتاة شابة غريبة الفقر والفاقة والديون والأكثر، الحمل ثم التخلص من الجنين والإصابة بنزيف لتدخل في سلسلة لا تنتهي من المتاعب.

المخرجة المغربية الشابة مريم بن مبارك نالت جائزة أفضل سيناريو عن فيلمها الجميل البسيط الجديد في موضوعه "صوفيا"

أما جائزة أحسن ممثل وكما توقعنا في مقال سابق، فقد فاز بها الممثل الإيطالي مارشيللو فونتي عن أدائه الرائع في فيلم “مربي الكلاب” لماتيو غاروني، وهو من أفضل ما عرض في المسابقة وكان يمكن له الفوز بالسعفة الذهبية، ويعتبر الفيلم دراسة بالكاميرا في شخصية رجل يبدو ضعيفا خاضعا يعمل في تربية وتنظيف الكلاب، شديد العطف عليها، لكنه يحمل في داخله شراسة لا تقل عن شراسة العملاق العنيف الفظ سوني الذي يقوم بتعذيبه، ولكن على نحو أكثر قسوة وذكاء.

تقاسم جائزة أفضل سيناريو فيلمان هما “ثلاثة وجوه” للإيراني جعفر بناهي، وهي جائزة غير مستحقة في رأيي، كون الفيلم لا يقدّم جديدا بل يبدو موضوعه معادا ومكررا في سياق السينما الإيرانية خاصة التيار المرتبط بتجربة المخرج الراحل عباس كياروستامي، أما الفيلم الثاني فهو “لازارو السعيد” للمخرجة الإيطالية أليس رورواتشر، وهو بدوره قد يكون فيه بعض المشاهد الجيدة لكنه مفكك البناء ومتعدّد الأساليب مع كثير من الغموض والارتباك الناتج عن تداخل الأحداث والشخصيات، كما يميل إلى التسطيح والنمطية في بناء الشخصيات. لكنه من إخراج امرأة.

وكما توقعنا من قبل كان لا بد أن تنحاز لجنة كيت بلانشيت إلى أفلام المخرجات. لذلك فقد منحت جائزة أخرى غير مستحقة إلى المخرجة اللبنانية نادين لبكي عن فيلمها الروائي الثالث “كفر ناحوم” المفكك المليء بالاستطرادات والتكرار، الذي يتفرع في شتى الاتجاهات ويعاني من الترهل الشديد والتكرار والميلودراما والخطابة والمبالغات.

إن هذا الفيلم بدا وكأنه ترك تأثيرا كبيرا على أعضاء اللجنة، ربما بسبب تصويره الوجه غير السياحي لبيروت، ولحياة الأطفال المشردين في شوارعها التي تمتلئ بالقمامة والمخلفات والذين يتاجرون في كل شيء.

وكان الفيلم الأجدر بهذه الجائزة هو الفيلم الروسي “ليتو” أو حتى الفيلم المصري “يوم الدين” وهو أكثر تماسكا من حيث السيناريو وأكثر وضوحا في شخصياته وحبكته من كثير من الأفلام التي شاهدناها.

وقد منحت اللجنة جائزة أفضل إخراج إلى المخرج البولندي -المقيم في بريطانيا- باول باولكوفسكي عن فيلمه البديع “حرب باردة” أحد أفضل أفلام المسابقة وسنخصص له مقالا مستقلا مقبلا.

الكاميرا الذهبية التي تمنح عادة لأفضل عمل أول ذهبت إلى الفيلم البلجيكي “فتاة” للمخرج لوكاس دونت، الذي يصور بشكل بديع ومؤثر كيف يعاني صبي أو بالأحرى فتاة في جسد صبي، في الخامسة عشرة من عمرها، من أجل التحول الجنسي لتصبح فتاة بشكل كامل وتصبح أيضا راقصة باليه.

جوائز "نظرة ما"

جائزة أحسن فيلم من الأفلام التي عرضت في قسم “نظرة ما” حصل عليها الفيلم الدنماركي “الحدود” للمخرج علي عباسي (من أصل إيراني) وهو واحد من أفضل ما شاهدناه في المهرجان عموما، وكان بالتأكيد يستحق أن يكون في المسابقة الرسمية فهو أفضل من كثير ممّا عرض في هذه المسابقة.

ورغم أنه قد يبدو فيلما من أفلام الرعب، إلا أنه مبتكر في كل شيء: في الموضوع، وشكل بناء السيناريو، والتكوينات التشكيلية، والشخصيات الغريبة الفريدة التي يصوّرها، كما يتميّز بالأماكن التي تدور فيها أحداثه، والموضوع والمغزى الإنساني والفلسفي الكامن في طيّات موضوعه. إنه عمل يتمتع بخيال مدهش يدور حول المصير الإنساني في عالم متغيّر.

ونالت المخرجة المغربية الشابة مريم بن مبارك جائزة أفضل سيناريو عن فيلمها الجميل البسيط الجديد في موضوعه “صوفيا” وهو من نوع الدراما الاجتماعية التي تفاجئنا بمسارها الذي يختلف تماما عن ما سبق أن شاهدناه في الموضوع نفسه.

وحصل فيكتور بولتسر على جائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم “فتاة”، بينما فاز المخرج الأوكراني سيرجي لوزينيستا بجائزة أحسن مخرج عن فيلمه “دونباس” الذي افتتحت به التظاهرة.

بذلك يسدل الستار على دورة أثارت الكثير من الجدل سواء بسبب مقاطعة شركة نيتفليكس للمهرجان وحرمانه بالتالي من عرض عدد من الأفلام الجديدة الجيدة التي كان من الممكن أن تجعل المسابقة أكثر ثراء، أو النظام الجديد في تقسيم العروض ومنع الصحافيين من مشاهدة أفلام المسابقة قبل يوم من عرضها العام كما كان الحال طيلة السنوات السبعين الماضية، وحظر صور “السيلفي” على البساط الأحمر، وهو أهون الضرر بالطبع وإن كان البعض قد اعتبره أكبر اعتداء على الحرية الشخصية!

كاتب وناقد سينمائي مصري

العرب اللندنية في

21.05.2018

 
 

حصاد «مهرجان كان» دورة المفارقات والتحف المنسيّة!

عثمان تزغارت

كانما الذي سيبقى ماثلاً في ذاكرة السينما من جوائز الدورة الـ 71 من «مهرجان كان السينمائي»، الذي أُسدل الستار عن فعالياته أول من أمس؟ لا شك في أن اللحظة التي لن تُنسى ستكون، بلا منازع، «السعفة الخاصة» التي مُنحت لـ«شيخ» السينمائيين، جان لوك غودار، لا عن رائعته «كتاب الصورة» فحسب، بل عن «مجمل إسهاماته في تطوير الفن السابع وتثويره»، كما قالت رئيسة لجنة التحكيم، الأوسترالية كيت بلانشيت، لحظة الإعلان عن هذه الجائزة الاستثنائية

سيبقى راسخاً في الأذهان أيضاً المشهد المؤثر والشجاع، الذي وقفت خلاله المخرجة والممثلة الإيطالية سونيا أرجنتو، التي اختيرت لتسليم أولى الجوائز (جائزة أفضل ممثلة)، في مواجهة أكبر صناع السينما الحاضرين، قائلة: «عام 1997، هنا في «مهرجان كان» تحديداً، اغتصبني هيرفي وينستين، وكان عمري 21 سنة. كان هذا المهرجان بمثابة ميدان صيده المحمي. أستطيع التنبؤ بأن وينستين لن يعود الى المهرجان أبداً، بعدما أدار له حميع العاملين في صناعة السينما ظهورهم، بمن فيهم الذين تستروا طويلاً على أفعاله. لكنني أضيف بأن هناك آخرين ممن هم جالسون الآن في هذه القاعة يجب أن توجه لهم أصابع الاتهام بسبب سلوكهم غير اللائق تجاه النساء. لهؤلاء أقول: إنكم تعرفون أنفسكم، والأهم أننا نعرفكم. ولن نترك، بعد اليوم، تصرفاتكم المشينة تمر دون 
عقاب
».

من اللحظات المؤثرة أيضاً الخطاب الذي أرسله من طهران السينمائي الإيراني جعفر بناهي، وقرأته باسمه ابنته التي تسلّمت جائزة أفضل سيناريو بالنيابة عنه. في رسالته المؤثرة، لم يأسف صاحب «الدم والذهب» على بقاء كرسيّه شاغراً في «كان» مجدداً، لأنه لا يزال محظوراً من السفر، بل تحسّر لأن معلمه الراحل عباس كياروستامي، الذي كان يأتي الى بيته خصيصاً، في ختام الدورات السابقة من «كان»، ليتابع معه احتفال توزيع الجوائز، عبر التلفزيون، تخلّف عن الموعد هذه السنة

جائزتا أفضل ممثلة (الكازاخية سامال يسلاموفا، عن دورها في فيلم «أيكا» لسيرغاي دفورستيفوي) وأفضل ممثل (الإيطالي مارشيللو فوتني، عن دوره في Dogman لماتيو غاروني) كانتا من المحطات الأكثر تميزاً في الاحتفال. فقد كافأتا ممثلين أبعد ما يكونان عن النموذج النمطي لنجوم السينما التجارية. ممثلان مغموران وبسيطان خطفا الأضواء بأدائهما لشخصيتين مسحوقتين ومهمشتين: عاملة تنظيف كازاخية مغتربة في موسكو، ومنظف كلاب مقهور في حي شعبي إيطالي، وكلاهما يعانيان الفقر والعزلة والتعنيف

بالنسبة إلينا كعرب، تضاف الى كل هذه المحطات المميزة، بالطبع، اللحظة السحرية التي شهدت فوز أول سينمائية عربية بثالثة أهم جوائز المسابقة الرسمية في «كان»، بعد «السعفة الذهبية» و«الجائزة الكبرى»، وهي اللبنانية نادين لبكي التي خطف فيلمها «كفرناحوم» جائزة لجنة التحكيم (راجع المقالة أدناه).

لكن احتفال توزيع الجوائز لم يلبث أن سلك، في جزئه الأخير، منحى خالف كل التوقعات. فقد أجمع النقاد على أنّه لا البولندي باول باوليكوفسكي كان جديراً بجائزة أفضل إخراج، التي منحت له عن فيلمه «حرب باردة»، الذي لم يرق الى مستوى رائعته «أيدا» (أوسكار أفضل فيلم أجنبي – 2015)... ولا الأميركي سبايك لي استحق الجائزة الكبرى، التي منحت له عن فيمله Blackkksman، الذي لم يرق الى مستوى التوقعات التي علقت على عودة صاحب «مالكوم أكس» الى الكروازيت بعد طول غياب.

الإجحاف الأكبر كان من نصيب «في حالة حرب» لستيفان بريزي

أما «السعفة الذهبية» التي منحت الى الياباني هيروكازو كوري إيدا، فقد انقسمت بشأنها الآراء. صحيح أن صاحب «الابن مثل أبيه» (جائزة لحنة التحكيم ـــ كان ـــ 2013) لم يخيّب الآمال بجديده «قضية عائلية»، الذي عاد فيه ليطرق تيمة الطفولة المشردة. تيمته الأثيرة، التي سبق له أن تناولها في رائعته «لا أحد يعلم» (2004)، التي كرسته ضمن كبار صناع الفن السابع. لكن منح «السعفة» لـ«قضية عائلية» أثار موجات من الاستهجان لدى النقاد والجمهور في «كان»، لأن هذا الخيار رافقه إقصاء كامل لأبرز ثلاث روائع عرضت في هذه الدورة، وتجاهلتها لجنة التحكيم

المعلم التركي نوري بيلج شيلان أبهر الكروازيت مجدداً، رغم أن تحفته «شجرة الإجاص البرية» كانت آخر عرض ضمن فعاليات المهرجان، وبالتالي لم يحظ بالتغطية الإعلامية التي كانت تستحقها. أما الروسي كيريل سيريبرينيكوف، الموجود هو الآخر ـــ على غرار بناهي ـــ في الإقامة الجبرية في بلاده، فقد تصدر الترجيحات النقدية، طوال فترة المهرجان، بفيلمه «صيف». لكنه خرج بدوره خالي الوفاض من الجوائز. لكن الإجحاف الأكبر، في خيارات لجنة التحكيم، كان من نصيب الفيلم الفرنسي «في حالة حرب» لستيفان بريزي، الذي استبعد من الجوائز، رغم أنه ألهب الكروازيت، جمهوراً ونقاداً

بالرغم من أن «في حال حرب» لم ينل أي جائزة، إلا أن المشهد المؤثر الذي وقف فيه أكثر من 1500 شخص في «صالة لوميير»، أبرز قاعات العرض في «كان»، للتصفيق طوال أكثر من نصف ساعة لبريزي وممثليه، شكل اللحظة السحرية الأبرز في هذه الدورة. لحظة ستبقى، بالتأكيد، راسخة في ذاكرة السينما، وستتذكرها الكروازيت، على مدى عقود، بعد أن يكون الجميع قد نسي بأن هناك فيلماً اسمه «قضية عائلية» فاز بـ«السعفة الذهبية» ذات أيار 2018!

####

نادين لبكي: الهم المحلي طريقاً إلى العالمية

عثمان تزغارت

حظيت السينما العربية بنصيب وافر في حصاد جوائز الدورة الـ 71 من «مهرجان كان السينمائي»، إذ حصلت ثلاثة أفلام عربية، من لبنان ومصر والمغرب، على أربع جوائز في مختلف تظاهرات المهرجان. في مقدمة هذه الأفلام «كفرناحوم» (الصورة) للبنانية نادين لبكي، الذي خطف جائزة لجنة التحكيم، التي تعد ثالث أهمّ الجوائز في «كان» بعد «السعفة الذهبية» و«الجائزة الكبرى». رهان نادين لبكي على الهم المحلي، من خلال طرق مجموعة من الإشكاليات الحارقة المرتبطة بالراهن اللبناني، كالفئات الاجتماعية المقصية، والطفولة المشردة، وعاملات البيوت المضطهدات، واللاجئين السوريين، جعل الفيلم صوت من لا صوت لهم. مما دفعه إلى شق طريقه الى العالمية، من دون الحاجة الى تملق الاستبلشمنت الغربي المهمين، كما يفعل كثيرون ممن يطمحون الى تحقيق مكان لأفلامهم تحت شمس المهرجانات السينمائية الكبرى

صاحبة «سكر بنات» لم تكتف بأن تكون أول امرأة عربية تنافس على «السعفة الذهبية»، وتنال ثالث أهم جائزة على الكروازيت. فقط أحرز فيلمها أيضاً جائزة Jury oecuménique، التي تعنى بالقيم الانسانية المشتركة بين مختلف الديانات. رهان الاغراق في المحلية رفعه أيضاً المخرج المصري أبو بكر شوقي. ففي باكورته الساحرة «يوم الدين»، رسم شوقي بورتريهاً انسانياً مؤثراً لشخصيتين مهمشتين من سكان العشوائيات في مصر: كهل تربى في دير للمصابين بالجذام، وطفل نشأ في ملجأ للأيتام. ولم يكن مفاجئاً أن ينال هذا الفيلم «جائزة فرانسوا شاليه»، التي تكافئ الأعمال السينمائية الأكثر تثميناً للقيم الإنسانية في مختلف تظاهرات «مهرجان كان».

بدورها غاصت المغربية مريم بن مبارك في عوالم الفقراء والمهمشين في بلاد، وحققت في فيلمها «صوفيا» عملاً ذا نفس نسائي قوي عن الرياء السياسي والاجتماعي في المغرب، إذ يجرم القانون إقامة علاقات جنسية خارج الزواج، فيما تزدهر السياحة الجنسية في ربوع مملكة محمد السادس. وقد نال الفيلم جائزة السيناريو في تظاهرة «نظرة ما».

الأخبار اللبنانية في

21.05.2018

 
 

أبوبكر شوقى فتح الأبواب المغلقة أمام الشباب!

طارق الشناوي

عاشت مصر وهى تحلم بجائزة ينالها فيلم (يوم الدين) أول إخراج لأبوبكر شوقى، الشريط السينمائى أحدث حالة من النشوة العارمة فى قصر المهرجان عند عرضه لأول مرة فى بداية الفعاليات، وحظى بالتصفيق المتواصل، إلا أن هذا لم يكن كافيا لكى نضمن أن لجنة التحكيم التى ترأسها كيت بلانشيت ستتوجه فى نهاية الرحلة إليه بجائزة.

حصل الفيلم على جائزة موازية تحمل اسم الصحفى الراحل (فرانسوا شاليه) للعمل الفنى الذى ينطوى على قيم إنسانية، تيمة تقبل الآخر كانت واحدة من الرسائل التى حملها الفيلم، الإنجاز الذى حققه (يوم الدين)، فى تلك الومضة الدافئة التى تركها فى قلوب مشاهديه. المخرج يترقب عرض الفيلم جماهيريا، لا أتحدث قطعا عن إيرادات فهذا أقرب للأحلام، الناس ترفض عادة ما لم تألف، هناك دائرة من الجمهور لا شك سيصل إليها الفيلم، تلك الدائرة من المهم مع الزمن أن يتسع محيطها، الأهم أن التجربة فتحت الباب أمام العديد من المخرجين الشباب للانطلاق بأفلامهم إلى المهرجانات الكبرى.

أشعر بسعادة غامرة لفوز المخرجة اللبنانية نادين لبكى بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن فيلمها (كفر ناحوم)، شاركنا فى المهرجان لثانى مرة بعد قرابة خمسين عاما بفيلمين عربيين، وهى أيضا من الحالات النادرة التى نتوج فيها بجائزة من هذا المهرجان العريق، الذى منحنا جائزة سعفة ذهبية مرة واحدة فى منتصف السبعينيات للجزائرى محمد الأخضر حامينا عن (وقائع سنوات الجمر)، ولدينا أيضا رصيد من جوائز لجنة التحكيم الفلسطينى إيليا سليمان (يد إلهية) وقبلها مارون بغدادى (خارج الحياة)، ويوسف شاهين عن مجمل أفلامه.

الفيلم اليابانى الفائز بالسعفة (سارقو الدكاكين) ويحمل أيضا اسما آخر بالفرنسية (مسألة عائلية) إخراج هيرو كازو كورى إيد، يجعلك تتعاطف مع كل جرائم تلك العائلة الفقيرة، وكانت لجنة التحكيم قد عثرت على حل عبقرى يجنبها الصراع بين الفيلم اليابانى الذى يستحق السعفة، والفيلم الفرنسى (صورة الكتاب) للمخرج جان لوك جودار، الذى تواجد فى منطقة سينمائية لا تخضع للمنافسة، فكان الحل هو منحه سعفة ذهبية رمزية، موازية للسعفة وتحمل فى عمقها رسالة بأن المخرج الفرنسى الكبير الذى يقترب من عامه التسعين، لا ينافسه فيها أحد.

من الجوائز الهامة ما ناله الفيلم البولندى (الحرب الباردة) إخراج بافل بافليكوفسكى، الفيلم كان مرشحا بقوة للسعفة، جائزة الإخراج فى عمقها تنطوى على إشادة متكاملة بكل تفاصيل العمل الفنى.

أيضا مناصفة السيناريو لفيلمى (السعادة على طريقة لازاروا) و(3 وجوه) للإيرانى جعفر بناهى، وهى جائزة مستحقة لا علاقة لها بالضغوط السياسية التى يتعرض لها المخرج فى إيران وتحول دون سفره.

هناك توجه ما نسائى فكرى للتعاطف مع القضايا الاجتماعية ستجد أن العديد من الأفلام حملت هذا الإحساس، فى مختلف التظاهرات وعلى رأسها (نظرة ما) مثلا فيلم (الحدود) الدنماركى الفائز بجائزة أفضل فيلم والمخرج على عباسى الإيرانى الأصل فهو يتعاطف مع شخصيات تقف فى مرحلة متوسطة بين البشر والحيوانات، وليس أيضا صدفة أن الفيلم المغربى (صوفيا) الحائز على جائزة السيناريو لمريم بن مبارك، البطلة تبحث عن حقها فى نسب طفلها إليها رغم أنه مجهول الأب، أيضا الفيلم الفرنسى (فتاة) حيث يناصر الحرية فى اختيار الجنس الذى ينتمى إليه وحظى الفيلم بجائزة أفضل ممثل.

المهرجان ملىء بالقضايا التى تناصر المرأة والحريات بوجه عام، ليس فقط ما يجرى على الشاشة هو الهدف ولكن أيضا التظاهرات على سلالم المهرجان المدافعة عن حقوق النساء فى المساواة فى الأجور مع الفنانين الرجال، ومظاهرة أخرى للدفاع عن أصحاب البشرة السمراء، وتظل السينما هى الأنقى والأبقى مهما بلغت سخونة الأحداث داخل وخارج الأشرطة السينمائية، والمهرجان انحاز فى النهاية لسينما المعذبون فى الأرض!!.

tarekelshinnawi@yahoo.com

المصري اليوم في

21.05.2018

 
 

أسئلة "كانّ 71": للفن أولوية وللسياسة حضور

كانّ ــ نديم جرجوره

تنتهي الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي، باحتفالٍ يجمع السياسي ـ الأخلاقي ـ الإنساني بجماليات سينمائية مختلفة. توقّعات معتادة تحصل قبل ساعات من بدء الاحتفال، مساء السبت 19 مايو/أيار 2018، و"مراهنات" بين أصدقاء وزملاء مهنة، مبنية على مشاهدات وتحليل ونقاشات وأهواء. أمزجةٌ عديدة تؤدّي دورًا بارزًا في التوقّعات، وبعض المعنيين بالسينما يقول إن أمزجة كهذه تُشبه أمزجة أعضاء لجنة التحكيم، التي تتحكّم في علاقتهم بالسينما، لغةً وأسلوبًا ومعالجةً واشتغالاً ومعارف والتزامات وقناعات.

العالم يغلي. أشهر قليلة تفصل بين الإعلان عن فضيحة المنتج الهوليوودي هارفي وينستين (تحرّشات واعتداءات واغتصابات) والدورة الـ71 لـ"كانّ". هذا كافٍ لاتّخاذ موقف أخلاقي وإنساني إزاء مسألة المرأة، فلوينستين نفسه مكانةً بارزة في المهرجان، وبعض "أفعاله" منفَّذٌ في دورات عديدة سابقة له. مهرجان "كانّ" منخرطٌ ـ بشكلٍ أو بآخر ـ في التزام موقفٍ أخلاقي إزاء المسألة: الدفاع عن حقوق المرأة ككائن بشري حيّ، وعن موقعها في الصناعة السينمائية. تكليفُ الأسترالية كايت بلانشيت برئاسة لجنة التحكيم الخاصّة بالمسابقة الرسمية ترجمةٌ عملية لموقف المهرجان. بعض النتائج/ الجوائز انعكاسٌ لتوافق حاصل بين أنماط التفكير الخاصّة بكايت بلانشيت وأعضاء لجنة التحكيم وإدارة المهرجان.

لكن، من أصل 20 فيلمًا مُشاركًا في المسابقة الرسمية، هناك 3 فقط لمخرجات: "كفرناحوم" للّبنانية ندين لبكي (جائزة لجنة التحكيم)، و"سعيدٌ مثل لازارو" للإيطالية أليس روهرواشر (جائزة السيناريو لروهرواشر، مناصفة مع الإيراني جعفر بناهي عن فيلمه "3 وجوه")، و"فتيات الشمس" للفرنسية إيفا هوسّون. الممثلة الكازاخستانية سامال يسْلياموفا تنال جائزة التمثيل النسائي عن دورها في "أيكا" للكازاخستاني الروسي سيرغي دْفورتسيفوي: معاناة امرأة في مواجهة مظالم اجتماع وحياة وعيشٍ.

يسأل البعض: "هل السياسة حاضرة، إلى هذا الحدّ، في توزيع جوائز سينمائية؟". المسألة أبعد من هذا بكثير. السينما حاضرة غالبًا. لكنها غير متمكّنة، دائمًا، من لجم الاندفاع إلى قضايا غير سينمائية، لكنها مُحقّة. مهرجان عريقٌ ومهمٌّ، كذاك المُقام منذ 71 دورة في المدينة الجنوبية الفرنسية "كانّ"، قادرٌ على مزج السياسة بالسينما، من دون انتقاصٍ من أولوية الفن السابع وصناعته وابتكاراته وجمالياته، ومن دون تغاضٍ مطلق عن أحوال عالمٍ مرتبك ومضعضع وتائه وممزّق ومشحون بألف حرب وخراب وقلق وخوف.

المآسي فاعلةٌ وحاضرةٌ. الشرق الأوسط يغلي، والاندفاع إلى ارتكاب شرورٍ حاصلٌ في جغرافيا ممزّقة ومسكونة بأوجاعٍ وخيبات. ندين لبكي تغوص في بعض خراب لبناني، فيه جانبٌ عنصريٌ طاغٍ في العيش اليومي إزاء عرب وأجانب (كفرناحوم). الأميركي سبايك لي مهمومٌ بعنصرية بيضٍ إزاء سود، وبديع في انجذابه إلى سخرية بديعة، واقعية وحيوية، في مقاربة المسألة (Blackkklansman)، فيحصل على الجائزة الكبرى. جعفر بناهي يهجس بيوميات أفرادٍ ينتمون إلى بيئته وناسه وجغرافيته، رغم اختلاف لغة وتقاليد وممارسات عيشٍ والتزامات وأقوال وهواجس (3 وجوه). البولوني بافل بافليكوفسكي يختار البدايات الأولى للحرب الباردة، كي يرسم ملامح تحوّل ومعالم حبّ وحيوية إبداع وشغف عيش رغم قسوة المنبثق من الحرب العالمية الثانية، عبر الأغنية والصوت والجمال، وتقنية الأسود والأبيض (حرب باردة).

هذه تفاصيل أساسية. للسياسة دورٌ، لكن للسينما طغيان تتفاوت جمالياته بين فيلم وآخر. الفقر والتهميش والتسلّط والقسوة والفوضى والعنف الفردي والبهتان الإنساني، أمور حاضرة في أفلام تنال جوائز أساسية، كما في أخرى تحتفظ بميزة اختيارها الرسمي في المسابقة أو خارجها، في مهرجان هو الأول في العالم. الخروج منها إلى عناوين عامة تتناول الاجتماع والناس والتحوّلات والعيش اليومي بديهي وضروري. الجوائز تكريم وموقف. لكن السينما عامل جاذب للفوز بجائزة، وعامل أساسيّ لمتعة مشاهدة وتحريضٍ على سجال وقول ونقاش، رغم المصاعب والأهوال والمآسي والمآزق.

لن يكون صائبًا عدم التطرّق إلى الحضور العربي. فوز اللبنانية ندين لبكي بجائزة لجنة التحكيم عن "كفرناحوم"، دعوة إلى قراءة مسألتين اثنتين: الحضور السينمائي العربي بحدّ ذاته في المهرجان العريق، والمعاني السينمائية في فيلمٍ يعكس شيئًا من خراب بلد وبيئة وناس، بلغة قاسية لكن من دون قطع، وبأسلوب حاد لكن من دون إدانة مباشرة، بل على العكس من ذلك: أسلوب ينتهي بإيجابية واضحة لركنٍ من أركان النظام اللبناني الحاكم، يتمثّل في الجانب الأمني.

لكنه حضور عربي يُكمل حضورًا قديمًا. عربٌ عديدون يُشاركون في المهرجان الدولي، ويفوزون بجوائز. ندين لبكي نفسها حاضرة في برامج ومسابقات مختلفة عن المسابقة الرسمية، التي تضمّ إلى "كفرناحوم" فيلمًا مصريًا بعنوان "يوم الدين" لأبي بكر شوقي، تمامًا كمشاركة عربية في برامج الدورة الـ71 (2018)، تؤدّي إلى فوز "صوفيا" للمغربية ميريام بنمبارك بجائزة أفضل سيناريو في مسابقة "نظرة ما". لكن الفرق بين "كفرناحوم" و"صوفيا" شاسعٌ، رغم أهمية الموضوعين وأولويتهما وضرورة طرحهما، فنيًا وثقافيًا واجتماعيًا وفرديًا. 

تنتهي الدورة الـ71 بإعلان نتائج ومنح جوائز. هذه عادة سنوية لمهرجانات سينمائية مختلفة. لكن النقاش النقدي حول الأفلام مستمرٌّ.

####

"صوفيا" لميريام بنمبارك: جائزة السيناريو؟

كانّ ــ نديم جرجوره

أثار فوز "صوفيا" للمغربية ميريام بنمبارك بجائزة السيناريو في برنامج "نظرة ما"، في الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي الدولي، جدلاً في أوساط صحافية ونقدية عربية، بسبب إجماعٍ على ضعف السيناريو، وعدم قدرته على تكوين سياقات درامية وفنية وجمالية متماسكة وقادرة على تحويل النواة الأصلية للقصّة إلى عملٍ متكامل. 

فالروائي الطويل الأول لمخرجته يكشف وقائع اجتماعية معقّدة في بلدٍ محافظ، أبرزها انعدام أي تسامحٍ ـ أخلاقي أو ديني أو قانوني ـ إزاء العلاقة الجنسية خارج الزواج. وإذْ تُصدِّر بمنبارك "جينيريك" البداية بمادة قانونية تُعاقب المتورّطين في علاقة كهذه بمحاكمة وسجن، فإنّ النصّ السينمائي مفتوحٌ على تشابك وصدامات مبطّنة وخفيّة بين أفراد العائلة، وعلى تعرّض المرأة لاغتصابٍ لن تعترف به، أو توجِّه اتّهامًا لمرتكبه.

ضعف السيناريو كامنٌ في توهان المسارات، وانعدام القدرة على تبيان المسائل بأسلوب سرديّ، يُمكن أن يستند إلى أساليب كثيرة في التعبير عنه. ورغم وجود إشارات تلمّح إلى مواقف عديدة لميريام بمنبارك من أحوال بلدها، كالاختلاف الاجتماعي ـ الطبقي داخل أركان العائلة والأقارب، ومسألة التضحية بمنتمٍ إلى طبقة فقيرة لتفعيل التستّر على مرتكب الفعل الجرمي، وأولوية المصالح على حساب العلاقات الإنسانية؛ إلاّ أن "صوفيا" ـ الذي يروي حكاية شابّة تُدعى صوفيا (سارة المحمدي)، منذ لحظة مخاضها، بعد أشهر من الحمل المخفيّ عن أهل بيتها وعالمها الضيّق ـ يعجز عن تحويل العناوين المختلفة ـ الاجتماعية والواقعية والإنسانية والتربوية والمسلكية ـ إلى بناء درامي متين الصُنعة السينمائية.

لذا، يُشكِّل فوز "صوفيا" بجائزة السيناريو مفاجأة غير متوقّعة، مع تساؤل عن سبب منحه إياها من قِبَل لجنة تحكيم "نظرة ما"، برئاسة الأميركي البورتوريكيّ بينيتشيو دِلْ تورو. لكن الإجابة تبدو واضحة إلى حدّ ما، في ظلّ ميل مهرجان "كانّ"، في دورته هذه، إلى "الدفاع عن المرأة وحقوقها"، بعد فضيحة المنتج الأميركي هارفي وينستين، ومع اختيار الأسترالية كايت بلانشيت رئيسةً للجنة تحكيم المسابقة الرسمية، هي المجتهدة في تمتين حضور المرأة في صناعة السينما، ومساواتها مع الرجل داخل هوليوود وخارجها.

رغم هذا، لن يكون مُنصفًا اختزال "صوفيا" في مسألتي الجائزة وسببها، أو في حالة الوهن الحاصل في السيناريو والتمثيل والمعالجة. فالقصّة مستلّة من واقعٍ حقيقيّ، يعاني أفرادٌ كثيرون فيه مواجع مختلفة من جرّاء ممارسات تناهض المرأة غالبًا، وتحاصرها بسلوك ذكوريّ حادّ، ما يستدعي استعانة نساءٍ بحيل ومواربات لتحصين حضورهنّ في اجتماع قاسٍ. فصوفيا تحتال على محيطين بها كي تنجو من عقابٍ تراه أشدّ وأعنف إنْ تشي بمرتكب الفعل الجرمي بحقّها، وإنْ تذهب باحتيالها إلى "توريط" شابٍ تلتقيه ذات مرة بشكل عابر. 

عناوين "صوفيا" مُهمّة، لكن الاشتغال محتاجٌ إلى تمتين أقوى للسرد والمعالجة والأداء.

العربي الجديد اللندنية في

21.05.2018

 
 

نظرة موسعة حول مهرجان كان السينمائي لهذا العام: تحذير من عودة العنصرية لأمريكا والنساء يفرضن وجودهن

حسام عاصي

كان – «القدس العربي»: أيقظَ المخرجُ الأمريكيُ العريقُ سبايك لي ونجومُه مهرجانَ كان السينمائي من سباتِه في أسبوعِه الثاني في العرضِ الأولِ لفيلمِه المشاركِ في المسابقةِ الرئيسيةِ وهو «بلاك ك كلانسمان». وبعد العرضِ، قُوبلَ الفيلمُ بالتصفيقِ الحارِ، ولاحقا لقي المدح من كل النقاد بلا استثناء، واصفين إياه بأفضل فيلم في المهرجان.

أفلام هوليوودية

عادةً يعرضُ مهرجانُ كان أفلامَ هوليوود في أسبوعِه الأول، ولكن الأمورَ انقلبت هذا العام إذ عُرضت كلُها في الأسبوعِ الثاني. فيلم لي «بلاك ك كلانسمان»، المقتبسٌ عن القصةِ الحقيقيةِ لضابطِ مباحثِ أسودٍ، يلعب دوره جون ديفيد واشنطن، نجل النجم العالمي دينزل واشنطن، اخترقَ حركةَ الـ «كلو كلاكس كلان» العنصريةَ في ولايةِ كولارادو الأمريكيةِ في بدايةِ السبعينيات من خلالِ اقناعِ زعيمِهم عبرَ التلفون بأنه مناصرٌ لهم، وبأنه يكره السود، ثم بعث زميله الضابط اليهودي الأبيض لمقابلته وللانضمام إلى الحركة وسرعان ما حاز على ثقته وترشيحه لرئاسة الحركة، مما مكنه من كشف مؤامرات أعضاء لارتكاب عمليات إرهابية ضد السود.

وفي حديث مع لي، قال لي إن الحافز لصنع الفيلم لم يكن القصة نفسها وإنما أراد أن يطرح القصة لكي يحذر الناس من دونالد ترامب، الذي أعاد روح الحياة في حركة الـ «كلو كلاكس كلان»، التي كانت في حالة خمود. وليذكر الناس بالجرائم التي كانت ترتكبها هذه الحركة بحق الأقليات العرقية والدينية وتروّج لأمريكا بيضاء. «ديفيد دوك (زعيم الكو كلاكس كلان) لم يكن ليظهر على شاشات التلفزيون في مظاهرات شارلوتسفيل لو لم يلق دعما من ترامب»، يصيح لي. 

يذكر أن أعضاء حركة الكلو كلاكس كلان هاجموا حركة الدفاع عن حقوق السود في مدينة شارلوتسفيل العام الماضي وقام واحد منهم بدهس بعضهم بسيارته مما أسفر عن مقتل واحدة من المتظاهرات. ورفض ترامب استنكار ذلك.

المثير هو أن رغم دكانة القصة ومضمونها إلا أن لي استخدم الكوميديا الساخرة لطرحها «أنا أعتقد أنه بامكانك أن تستقطب الجمهور إذا نجحت في إيجاد توازن بين الكوميديا والدراما في طرح هذا النوع من القصص»، يوضح لي.

وفي اليومِ التالي، عُرض الجزءُ الأخيرُ من سلسلةِ أفلامِ حربِ النجومِ وهو سولو- قصةُ حربِ نجوم في قسم خارج المسابقة الرسمية. ويحكي الفيلمُ قصةَ احدِ من أهمِ شخصياتِ السلسلةِ، وهو هان سولو، قبلَ انضماِمه إلى المتمردين في الجزءِ الأولِ من السلسلةِ. وكان واضحا من نهاية الفيلم المفتوحة أن ديزني تخطط لصنع أجزاء أخرى لهذا الفيلم، ولكن مخرجه رون هاوارد أكد لي أن الأمر ليس حتميا «هذا يتعلق بقبول معجبي حرب النجوم للفيلم. سوف نصنع ثلاثة أفلام إذا نجح هذا الجزء في شباك التذاكر».

كما حضرت المهرجانَ نجمةُ هوليوود الجزائريةُ الأصلِ، صوفيا بوتيلا، مع فيلمِها «فهرنهايد أربعمئة وواحد وخمسين»، المقتبسِ عن روايةِ الكاتبِ ري برادلي، التي تحكي قصةَ نظامٍ شموليٍ في المستقبل يُسَخِرُ التلفزيون في الدعايةِ السياسيةِ له، ويحرقُ الكتب. وفي الفيلم، تؤدي بوتيلا دورَ متمردةٍ، تُدعى كلاريس، تنجحُ في اقناعِ رجِل الاطفاءِ، الذي يحرقُ الكتبَ، بالانضمامِ إلى المتمردينَ ضدَ السلطة. هذه هي المرة الثانية التي تطرح فيها هذه القصة سينمائيا. ففي عام 1969 طرحها المخرج الفرنسي العريق فرانسوا تروفو في فيلم سخري ومرح، ولكن النسخة الجديدة، التي قدمها المخرج الأمريكي – ايراني الأصل رامين بهراني، تبدو داكنة وسوداوية، وبينما كانت كلاريس مدرّسةٌ بريئةٌ ومرحة في نسخة تروفو، تُجسدُ بوتيلا شخصيةً داكنةً ورماديةَ الأخلاقيات.
«كما تعلم، برادلي طرح هذه الشخصية في مسرحيات باشكال مختلفة وهذا هو طرح جديد لها وأنا أفضله لأنها تبدو أكثر نضوجا وتعقيدا»، تعلق بوتيلا. فعلا فإن كلاريس تخون زملاءها في البداية لكي تحصل على حريتها من السلطة قبل أن تعود وتساندهم بعد أن تسفر المعلومات التي سربتها لضابط مخابرات عن مقتل واحدة من زميلاتها.

قضايا النساء

رغم جودة طرح الفيلم الفنية إلا أن موضوعه غير مناسب لهذا العصر، وذلك لأن السلطات لا تعير اهتماما بالكتب هذه الأيام أو تخشى فحواها بل تركز اهتمامها على مواقع التواصل الاجتماعى، التي تقوم بمراقبتها وأحيانا بمنعها. فلهذا بدلا من أن يكون فيلما علما خياليا يبدو كفيلم من عالم آخر.

استمرت النساءُ في أسبوع المهرجان الثاني في حملاتِ المطالبةِ بالمساواةِ في الحقوقِ مع الرجالِ وقبلَ عرضِ فيلمِ المخرجةِ الفرنسية أيفا هاسون، وهو «فتيات الشمس»، قمن بمظاهرةٍ على الِبساطِ الأحمرِ ألقت خلالَها رئيسةُ لجنةِ التحكيمِ كيت بلانشيت خطابًا انتقدت فيه شحَ أفلامِ النساءِ في مسابقاتِ المهرجانِ عبرَ السنين.

واُختير فيلمُ «فتيات الشمس» لهذا الغرضِ لأنه يروي قصةَ بطوليةً لنساءٍ تتمحورُ حولَ فتياتٍ كرديات يخضنَ معاركَ ضاريةً في صفوفِ القواتِ الكرديةِ ضد تنظيمِ داعش، بعدَ أن نجحن في الهربِ من أسرِه، حيث تعرضن للاغتصابِ والعبودية. 

رغم أهمية موضوعه وصلته بمجريات حركات النساء إلا أن «فتيات الشمس» لم يلق قبولا شاملا، فبينما مدحَه البعضُ لعرضِه بطولاتٍ نسائيةً، انتقدَه آخرون لتزويرِه الحقائقَ ولكونِه غيرَ واقعيا، وذلك لأن ضحايا تنظيم داعش كن يزيديات ولسن كرديات، كما أن المقاتلات يقمن ببطولات تشبه بطولات شخصيات هوليوودية على غرار رامبو، مما يقلل من مصداقية الفيلم. ولكن في حديث مع المخرجة هاسون أكدت أن الفيلم ليس وثيقة تاريخية وإنما ارادت من خلاله أن تحتفي ببطولات نساء لم يستسلمن وقاومن بجانب الرجال من أجل تحرير أهاليهن وبلدهن.

وأضافت ضاحكة: «على الرجال أن يتعودوا على مشاهدة نساء تقوم بأعمال بطولية في الأفلام. نحن نعيش في زمن جديد وهو زمن النساء».

فعلا ضغطُ النساء لم يذهب سُدى، إذ أن مديري المهرجان وافقوا بعد المظاهرة على التوقيع على وثيقةٍ تعهدوا فيها بالشفافيةِ في المساواةِ بين الجنسين.

أفلام عربية

فلمان عربيان عُرضا في الأسبوع الثاني من المهرجان. الأول عرض ضمن مسابقة «نظرة ما»، وهو فيلم المخرجة المغربية مريم بن مبارك «صوفيا»، الذي يتمحور حول فتاة عزباء من طبقة راقية تنجب طفلا تكشف أنها حملته من شاب من الأحياء الفقيرة، وترغم عائلتها الشاب على الاعتراف بالمولود والزواج منها للتستر على الفضيحة. 

«صوفيا» يعالج مواضيع مؤهولة في العالم العربي، بداية يسبر قيود العادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع والسلطة على الفتيات، التي كثيرا ما تسفر عن مصائب ودمار أفراد وعائلات. ولاحقا يقلب حبكة الفيلم رأسا على عقب ويقود المشاهد في اتجاه آخر ليكشف عن الظلم، الذي يتعرض له الفقراء في المجتمعات العربية من قبل السلطات، التي تباع وتشترى برشوات الطبقات الغنية. 

وفي المسابقة الرئيسية على السعفة الذهبية، أشعل فيلمُ المخرجةِ اللبنانيةِ نادين لبكي وهو «كفر ناحوم» تصفيقًا لمدة خمسَ عشرةَ دقيقةً بعد عرضِه مساءَ الخميس. الفيلم يسبرُ واقعَ الأطفالِ المهملين في الشوارعِ اللبنانيةِ وظاهرةَ الزواجِ المبكرِ للإناث، وحرمانَ الفقراءِ من تسجيلِ أطفالِهم رسميًا من خلالِ سردِ قصةِ طفلٍ، يدعى زين، لعائلةٍ فقيرةٍ يهربُ من بيتِه ويعيشُ في الشوارعِ بعد أن أجبرَ أهلُه اختَه الطفلةَ على الزواجِ من صاحبِ متجرٍ في حارتهم. ويلق ملاذا عند عاملة أثيوبية غير قانونية ويقوم بعناية رضيعها عندما تذهب للعمل. وبعد اختفاء الاثيوبية المفاجئ، يعود زين للشوارع مع الرضيع، الذي يقوم بعنايته.

«كفر ناحوم» يطرح مواضيع مأساوية يواجهها الأطفال الفقراء في معظم دول العالم الثالث، ولكن ما مميزه هو أداءات الممثلين الأطفال غير محترفين وخاصة العلاقة الأخوية بين زين والرضيع، التي لم تعرض في السينما من قبل. مشاهد زين يجر الرضيع على عربة ركّبها بنفسه واستخدام مرآة لعكس صور الرسوم المتحركة من تلفزيون الجيران ليطربه أو خلط مسحوق الحليب بالثلج لكي يغذيه ربما أكثر مشاهد السينما أثارة للعواطف. 

لبكي تضع اللوم في الفيلم على الأهالي الذين ينجبون الأطفال بدون أن يملكون امكانية توفير الرزق له أو حمايتهم، ولا تحمل السلطة المسؤولية بشكل مباشر ولكن في حديث معها قالت إن مشاهد المحكمة كانت مواجهة مع السلطة. 

في المحكمة يرفع زين دعوة ضد أهله بسبب انجابه ويرد أهله متهمين الدولة باهمالهم وتجاهلهم ومطالبتهم بمبالغ باهظة من أجل تسجيل أطفالهم رسميا لكي يحصلون على خدمات مؤسسات الدولة.

ولكن لبكي تصر على تحميل الأهالي مسؤولية انجاب الأطفال، رغم أن هؤلاء الناس لا يتلقون الخدمات الطبية أو توعية تحديد النسل من مؤسسات الدولة.

بلا شك أن الدورة الـ 71 كانت انتصارا ليس فقط للسينما العربية بل للمخرجات العربيات. فبينما تشكو النجمات الهوليووديات من شح أفلام النساء في المهرجان، قدمت السينما العربية ثلاثة أفلام نساء من أصل أربعة أفلام عربية مشاركة في المنافسات الرسمية.

####

فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان: «كفرناحوم» للبنانية نادين لبكي: الحياة على هامش المجتمع

كان ـ «القدس العربي» ـ نسرين سيد أحمد :

لعلَّ أول سؤال يتبادر إلى الأذهان عند معرفة اسم فيلم «كفرناحوم» للمخرجة اللبنانية نادين لبكي هو لم اختارت لبكي هذا الاسم؟ وما مغزاه في سياق أحداثه. هو اسم محير يقودنا للبحث في محركات البحث حتى نفهم مغزاه. إضافة إلى كونها بلدة توراتية عتيقة في أراضي فلسطين، أصبحت كلمة «كفرناحوم» تشير إلى مكان تعمه الفوضى والجلبة ويختلط فيه الحابل بالنابل. وهذا تحديدا ما يصوره سياق الأحداث في فيلم لبكي، المشارك في المسابقة الرسمية في مهرجان كان في دورته 71 (8 إلى 19 مايو/أيار الجاري)، الذي تشير التوقعات إلى أنه منافس قوي للحصول على السعفة الذهبية في المهرجان.
يصور الفيلم حياة الفقراء والمعوزين الذين يعيشون على هامش المجتمع اللبناني. هم خليط كبير من البشر من بينهم الأطفال الذين يأتون إلى الدنيا ليجدوا أنفسهم لأسر معدمة، تستخدمهم قبل أن يشبوا عن الطوق أو يشتد عودهم للعمل في التسول وبيع الأغراض على قارعة الطريق، أو وسط إشارات المرور، ومن بينهم أيضا عاملات المنازل اللاتي يأتين من دول مثل إثيوبيا والفلبين وغيرها، بدون أوراق رسمية للعمل في منازل الطبقات المتيسرة في لبنان. حياة لا ترحم تطحن الفقراء طحنا وتدفعهم بدورهم إلى طحن أطفالهم في محاولة لإيجاد قوت يومهم. 

يبدأ الفيلم في قاعة المحكمة وتستخدم لبكي المحاكمة كنقطة انطلاق للأحداث، حيث نجد الصبي زين (زين الرفيع، في أداء مميز) الذي لا نعرف عمره الحقيقي لأسباب تتضح لاحقا وتقدر المحكمة عمره بنحو 12 عاما، مقيدا بالأغلال لأنه يمضي عقوبة لطعن شخص بالسكين، ويؤكد أنه لو أُعيدت الكرّة، لطعنه مجددا. ولكن سبب وجود زين أمام المحكمة ليس بسبب قضية الطعن، ولكن لأنه رفع دعوى قضائية على والديه لمنعهما من الإنجاب مجددا لأنهما يجلبان أبناء إلى الحياة ليلقوا فيها الفقر والقهر وشظف العيش. 

وعلى الرغم من أن رفع زين دعوى على والديه لأنهما أنجباه وزجا به في هذه الحياة يبدو ذريعة واهية غير مقنعة لبداية الأحداث، إلا أن لبكي تنقلنا بدون إطالة إلى أرض الواقع الذي يعيشه زين. يبدو زين، رغم حجمه الصغير، ناضجا علمته الحياة الشاقة أن يكون رجلا قبل الأوان، وأنضجته بدون أن يعيش طفولة، وحمّلته من المسؤوليات الكثير. هو طفل سلبت منه طفولته ويحمل في قلبه من الحزن والغضب الكثير. وتتعامل لبكي مع قضية الأطفال في المناطق العشوائية الفقيرة في لبنان بحساسية وفطنة كبيرتين وبإنسانية كبيرة.

يعيش زين مع أمه سعاد (كوثر الحداد) وأبيه (فادي كامل يوسف) في شقة فقيرة رثة تغص بالأطفال، فلدى زين من الأخوة والأخوات الكثير. هم أطفال لا تعنى بهم الأم ولا يحني عليهم الأب، بل يعملون لجلب قوت يومهم ولجلب المال إلى أبويهم. لا يهم مدى مشروعية ما يقومون به، طالما يجلبون دخلا. نرى زين يجوب صيدليات الحي لشراء الأدوية المسكنة والمخدرة لبيعها على مدمنيها في المنطقة. لا نرى أي صلات عاطفية تربط بين زين وأي من أفراد أسرته، بخلاف أخته سحر التي يبلغ عمرها نحو 11 عاما (سيدرا عزام)، التي يحبها كثيرا ويحميها ويسعى جاهدا لإنقاذها من مصيرها المحتوم، ففور أن يأتيها المحيض ستزوجها أمها لرجل يكبرها كثيرا حتى ترتاح من نفقاتها، وحتى يجلب زواجها بعض الدخل من المال الذي سيمهره الزوج لأسرتها. لعلّ أحد أكثر المشاهد تأثيرا في الفيلم هو هذا الذعر الذي يرتسم على وجه زين حين يلحظ بقعة دماء على ملابس سحر، فيعلم أنها جاءها الحيض لأول مرة، فيسعى جاهدا لإخفاء تلك الحقيقة عن أبويه حتى ينقذ سحر الصغيرة النحيلة البريئة من زيجة لا قبل لها بها نفسيا أو جسديا.

اختارت لبكي للعب أدوار شخصيات أبطالها الرئيسيين ممثلين غير محترفين يتشابه واقعهم لحد كبير مع أدوارهم في الفيلم. فقد كان زين الرفيع، قبل اختياره للعب دور زين في الفيلم، يعمل في توصيل السلع إلى المنازل منذ أن كان في العاشرة، بينما وقع الاختيار على سيدرا عزام، وهي لاجئة سورية في لبنان، وهي تبيع الحلوى في شوارع بيروت. 

يذكر أن الفيلم حصد أول أمس السبت جائزة لجنة التحكيم في الدروة الحادية والسبعين من مهرجان «كان» وقد استقبله المشاركون في كان بالتصفيق، وأثنوا على أداء ممثليه الذين وقفوا أمام الكاميرا لأول مرة، وبينهم بطل الفيلم الطفل زين الرافعي وهو لاجئ سوري في لبنان..

القدس العربي اللندنية في

21.05.2018

 
 

"كفرناحوم" وجائزة تحكيم "كان" لنادين لبكي.. تقنيات البؤس

شفيق طبارة

فاز فيلم "كفرناحوم" للمخرجة اللبنانية نادين لبكي، بجائزة التحكيم في مهرجان "كان" الـ71. هذا الفيلم الذي تلقّى تصفيقاً مدوّياً لمدّة 15 دقيقة بعد انتهاء العرض، يعتبر جاهزاً منمّقاً لمهرجانات السينما، بدءاً بـ"كان" ووصولاً إلى "الأوسكار" ربما. كل شيء معلب، من صور عشوائيات المدن وأسقف الصفيح الملتقطة من الطائرات، إلى موسيقى الكمان الحزين، وصولاً إلى وجهي طفلين بائسين في ملصق الفيلم.. 

في حيلة "كفرناحوم" بؤس جامح، كل الموضوعات مجهّزة للظفر بجائزة. العالم الثالث، مخرجة امرأة في ظلّ ضوضاء التحرّش وقضايا مساواة أجور النساء، طفل مهدور الحقوق، الفقر المدقع، العمّال الأجانب، الدعارة، العمالة غير شرعية، الهجرة غير القانونية، استرقاق الأطفال، البيدوفيليا وزواج القُصَّر

يلائم فيلم لبكي، بمثاليته، قوالب جمعيات الأمم المتحدة الجاهزة. ولا يبدو أن المخرجة مهتمة بالقصص التي ترويها في "كفرناحوم" ولا حتى بالسياق الاجتماعي والمكاني للبلد بقدر اهتمامها بتحريك عواطف المشاهدين. في هذا الفيلم، تتراكم القصص، لكننا نبقى على السطح، لا ندخل في تفاصيلها لأنها كثيرة التشعّب. نبدأ بـ"زين" مقيّد اليدين (زين الرفيع)، المسجون بتهمة محاولة قتل زوج شقيقته القاصر، انتقاماً لها. ثمّ نراه في المحكمة. هنا، لم يعد الجاني بل المجنيّ عليه، فهو قرّر رفع دعوى على والديه لأنهما أتيا به إلى هذه الحياة. من هنا يبدأ الفيلم بفلاش باك إلى حياة ابن 12 عاماً في أحد الأحياء العشوائية الفقيرة. من منزل العائلة الذي يشبه كلّ شيء إلّا المنزل، نبدأ مسار "زين" الثائر والمتمرد على مجتمعه وواقعه بهروبه احتجاجاً على تزويج أخته القاصر. يلتقي بالعاملة الاثيوبية "رحيل" (يوردانوس شيفراو) التي تستقبله في بيتها لقاء اعتنائه بطفلها، خلال غيابها في العمل، وهو طفل غير شرعي تخفيه خوفاً من القانون والمجتمع. ثم تختفي العاملة فجأة، وهي أيضاً لديها مأساتها التي لا نعلم بها حتى نهاية الفيلم. يبقى "زين" وحيداً مع الطفل، ويقرر في لحظة "التخلي عنه" ليعود إلى منزله، فيجد اخته متوفاة، ويقرر الانتقام، وهنا نعود الى السجن والمحكمة. أربكت لبكي فيلمها ومشاهديها، فحوّلت الدراما الواقعية الى صورةٍ ثقيلة عن معاناة الأطفال، ما أدّى الى تسخيف قصتهم المؤلمة. راكمت الأزمات الحقيقية فوق رؤوسنا، لكنّ واقعية هذه الأزمات تفرض بدورها طرحاً موضوعياً يرفع من شأن القضايا من دون حاجة للتلاعب بالعواطف

خيارات الألم والبؤس مختلفة ومتنوعة في قاموس "كفرناحوم"/لبكي: صراصير في الزنزانة، صنبور المياه المهترئ، مياه الشرب الملوّثة، الأوساخ في أرجاء المنزل، الأم التي تتخلى عن أطفالها ثمّ تصرّح عن حبها لهم، أطفال يتاجرون بالمخدرات.. 

نسأل أنفسنا أين تدور أحداث الفيلم؟ لا نعرف تماماً.. بطبيعة الحال سنقول إنها بيروت فالمخرجة لبنانية، لكنّ هذا غير كافٍ لنجزم.

تمزج لبكي القليل من نهج المخرج دي سيكا بنكهة لبنانية، تلعب على السرد البطيء وتستخدم الموسيقى في اللحظات الحزينة، الكثيرة بالمناسبة. تصور البؤس من قرب، ولقطات الأطفال ودموع غضبهم وحزنهم، إذ لازمت كاميرا لبكي وجهي الطفلين لأكثر من نصف الفيلم، فوضعتنا بالتالي أمام التزام عاطفي تجاه الفيلم، ألا يشكل هذا ابتزازاً؟ نتبع "زين" الذي يجرّ الطفل الصغير وراءه، لقطات طريفة هنا وهناك لتجميل الاختناق.. يتمكّن الممثلون من الاستيلاء على قلوبنا، هم غير محترفين لكنّهم قدموا أداء كاريزماتياً اكثر من رائع.

كان يجدر بالذرائع الدرامية التي قامت عليها قصة الفيلم، أن تصبّ في مكان آخر بعيداً من العيون الباكية، ومن دون أيّ حاجة إلى الموعظة والتبشير. لكننا، في أسلوب لبكي، لم نشعر بعمق القضية أو جوهر الاشكالية، كل شيء بقي ثانوياً أمام غايتها الواضحة: استدرار الأحاسيس للوصول إلى مشاهدين باكين فقط، على قاعدة أنّ البكاء=النجاح.

بهذه المقوّمات بات "كفرناحوم" أشبه بالافلام الوثائقية التي تستخدم لحملات التوعية عن الفقر في العالم الثالث، بل إنّ هناك نوعاً من نهج وثائقي مزيف، وهذا الاستنتاج تكرّس أكثر بنزوع مخرجة العمل إلى الموعظة.

على "زين" التعامل مع كل شيء في هذا العالم القاسي، وعلى نادين لبكي وضع اصبعها على كل شيء سيء في هذا العالم، بفيلم طموح جداً يحاول هز روحنا البشرية. وحتى لو أن أحداً منا لا يفهم حماقة عصرنا، تأتي لنا نادين بأرخميدس صغير، بذكاء فائق ووعي بحقوق الإنسان، ليفسّر كلّ شيء. وهنا نصل إلى الحوار، يقال الكثير طبعاً في هذا المجال.. هناك عناصر تكرار كثيرة، تُلعب الحوارات دائماً على وقع كثيرٍ من الضجيج، البكاء، العنف.. أمّا ابن الـ12 عاماً فيقول عباراتٍ لن يقولها أقرانه بكلّ تأكيد، "نحن اقل من لا شيء نحن طفيليات"، يسدي النصائح مثل: "لا تنجبوا أطفالاً لا تستطيعون تربيتهم" ثمّ يتلو عبارات معقّدة عن الكرامة، كأنها تخرج من فم فولتير

آثار السينما الايطالية بعد الحرب، باديةٌ في سيناريو "كفرناحوم": كلّ الرجال سيئون لا يتحمّلون مسؤولياتهم، ويأتي الصبي الصغير "زين" ليصلح الوضع بمساعدة امرأة طبعاً.

تتراكم المشاكل، ثم فجأة يحصل "حلٌ سحريٌ": وصول المحامية (التي تلعب دورها نادين لبكي) هو حبل الخلاص. أتخمت لبكي فيلمها بالقضايا حتى وصلت إلى نقطة اللاحل، فرمت بنهاية خيالية تقطع التطوّر السردي الحقيقي، إن وُجِد أساساً. ومع هذه النهاية تكتمل صورة الفيلم الهزيلة، حتى لا تتعب نادين لبكي نفسها بحلحلة العقد. حتى عنوان الفيلم يبقى مبهم المعنى، وإن بحثت قليلاً تجد خلفياته التبشيرية. فكفرناحوم هي البلدة الفلسطينية التي ألقى فيها المسيح أول خُطبه الشهيرة "موعظة الجبل". وإن بحثت أكثر، تجد تفسيراً لاتينياً، كفرناحوم هي الفوضى والاضطراب، وهكذا تماماً تركنا الفيلم...

سؤال لا بدّ منه: ما هي نية نادين لبكي في تقديم هذه الخلطة المأسوية، وبأي صدق نقلت المعاناة؟ المؤكّد أنّ النوايا الطبية وحدها لا تُنجح عملاً سينمائياً. بكلّ أريحية، يمكن القول أننا أمام ابتزازٍ واضحٍ. فخلال ساعتين أمام الشاشة، نتكيّف مع كمٍّ لا بأس به من الشرور، ولم يكن التكيف غاية نادين لبكي بكلّ تأكيد... فالقضايا التي أثارها الفيلم أساسية طبعاً، لكن هل يجب أن تنتقل إلى شاشات السينما في هذا القالب العاطفي البحت؟ هل تحِلّ سينما القضايا المعلّبة مكان تلك القيّمة الخلّاقة، فنياً وتقنياً، في مهرجانات السينما القديرة؟ "كفرناحوم" فيلم مثالي للجوائز التي باتت تنحدر إلى مستوى الموضوع/القضية من دون كثير توقف عند معالجته الفنية، لكنه دليل مقلق على الإنتاج الذي يمتصّ قضايا المستضعفين ثم يفرّغها من أجل دموعٍ تُنسى على أعتاب الصالات. هنا الميلودراما البحتة، التي لا تحاكي الأفكار ولا تنتهي إلّا بالسعادة الخيالية. هنا، لا مناطق رمادية بين الطيبين والأشرار، لا شخصيات معقّدة، فقط مآسٍ متقاطعة.

"كفرناحوم" لنادين لبكي، رغم أنه أفضل ما قدمت إلى الآن، ورغم التصفيق المطوّل وجائزة لجنة التحكيم وتطبيل جزءٍ من الإعلام حتى قبل مشاهدة الفيلم، يظل بعيداً من السينما الجيدة، بكل جدارة واستحقاق

المدن الإلكترونية في

21.05.2018

 
 

الفيلم الياباني "لصوص المحلات" ينتزع "السعفة الذهبية"

أمير العمري- مهرجان كان

"سعفة ذهبية خاصة" للمخرج الفرنسي لغودار عن "كتاب الصورة"

في مفاجأة كبرى من مفاجآت مهرجان كان، منحت لجنة التحكيم الدولية التي ترأستها الممثلة الاسترالية كيت بلانشيت جائزة "السعفة الذهبية"، أرفع جوائز المهرجانات الدولية شأنا، للفيلم الياباني المشغول جيدا "لصوص المحلات" للمخرج الياباني الكبير هيروزاكو كوريدا.

بعد مسابقة ضمت 21 فيلما، من بينها بعض الأفلام الفقيرة فنيا، منحت لجنة التحكيم الدولية في مسابقة الدورة الـ71 جائزة "السعفة الذهبية" إلى فيلم "لصوص المحلات" Shoplifters للمخرج الياباني هيروزاكو كوريدا " الذي شارك مرات عدة من قبل في مسابقة كان خلال السنوت الأخيرة. وبذلك يتفوق الفيلم الياباني على كل الأفلام الفرنسية التي شاركت في المسابقة باستثناء فيلم "كتاب الصورة" للمخرج الفرنسي- السويسري الكبير جان لوك غودار. ففي خطوة استثنائية لم يسبق لها مثيل من قبل، منحت لجنة التحكيم جائزة "السعفة الذهبية الخاصة" إلى المخرج المرموق الذي لم يسبق له الحصول من قبل على مثل هذا التكريم من مهرجان بلده.

وربما تكون هذه الجائزة الاستثنائية قد منحت بالاتفاق مع إدارة المهرجان لأن لائحة المهرجان لا تجيز للجان التحكيم منح أكثر من "سعفة ذهبية" واحدة، وإن كانت تجيز منحها لفيلمين معا كما حدث عام 1979عندما فاز بها فيلم "سفر الرؤية الآن" لفرنسيس فورد كوبولا وفيلم "الطبلة الصفيح" لفولكر شلوندورف. وكنت قد كتبت من قبل عن هذا فيلم غودار البديع هنا، وقلت إنه ربما يكون الوصية الأخيرة السينمائية لمخرجه الكبير (87 عاما) أحد الرواد الأوائل لحركة الموجة الجديدة الفرنسية التي ظهرت في أواخر الخمسينات.

يتفوق الفيلم الياباني أيضا على فيلم "مربي الكلاب" الإيطالي الذي كان مرشحا بقوة للجائزة، والفيلم الروسي "ليتو" (صيف) الذي نال حماسا كبيرا من جانب النقاد الفرنسيين الذين رشحوه منذ عرضه في اليوم الثاني للجائزة المرموقة، كما يتفوق الفيلم الياباني على الفيلم الصيني "الرماد هو أكثر المواد البيضاء نقاء" للمخرج جيا جانكي الذي كان مرشحا بقوة رغم عدم إعجابي شخصيا به كونه أقل كثيرا في مستواه من الفيلمين السابقين للمخرج نفسه "لمسة الخطيئة" (2013) و"الجبال قد تنفصل" (2015) رغم أنه يقدم لوحة جميلة واقعية للصين الحديثة من خلال قصة تدور في أوساط العصابات الاجرامية. 

تماسك أسرة بائسة

يصور الفيلم الياباني المتوج بالسعفة الذهبية أسرة يابانية فقيرة تعيش "تحت السلم" إذا جاز التعبير، أي على الهامش تماما في شقة ضيقة مكونة من غرفة واحدة، يقيم فيها ستة أفراد، بينهم طفلان وفتاة مراهقة، هذه الأسرة التي توجد في مجتمع صناعي ثري هي نموذج للبؤس والرغبة المستمرة في التغلب على الظروف الاجتماعية الشاقة، لكنها أيضا نموذج للتماسك الأسري المدهش والتحايل من أجل الاستمرار في الحياة. الزوج الذي تخطى الأربعين يقنع زوجته بتبني طفلة مسكينة عثر عليها تحت المطر في ضواحي طوكيو الفقيرة، فتزداد مسؤولية الأسرة حيث يتعين عليها اطعام هذا الفم الجديد الوافد، فهناك صبي لدى هذه الأسرة يعرف أنه ليس ابنها وغالبا تم أيضا انتشاله من الضياع والتشرد بنفس الطريقة من قبل من دون مراعاة للإجرءات القانونية المتعلقة بالتبني وهو ما سيؤدي الى اتهام الأسرة فيما بعد، أي مع تفاقم الأحداث والكوارث، بـ"الاختطاف". وهناك شقيقة الزوجة الشابة التي تلجأ لتعرية جسدها عبر "غرف التشات" من خلال الانترنت حيث تعمل في أحد محلات التعري أمام الكاميرا "أونلاين" لتكسب بعض المال حتى يمكنها شراء أدوات التجميل المطلوبة. وهناك أخيرا الجدة العجوز التي يتعيش الجميع على ما تحصل عليه من معاش قليل. لكن هذا المصدر لا يكفي، ويأتي وقت ينقص أيضا الى النصف، كما يقوم الزوج مع زوجته بالسرقة من محلات السوبرماركيت، ويلقن الطفلين أيضا كيفية السرقة وانتشال الأشياء البسيطة من المحلات.

هناك تركيز واضح على مشاهد تناول الطعام، ففي هذه الحالة يصبح الطعام هو أساس الوجود نفسه، أما الجنس فقد هجره الزوجان منذ زمن بعيد ربما بغرض اقصاد الطاقة، أو أفول الرغبة، وعندما تأتي الرغبة أخيرا ويحاولان للمرة الثانية ممارسة الجنس داخل الغرفة الضيقة، يقطع خلوتهما وصول الطفلين من الخارج.

كيف يمكن أن تسير حياة هذه الأسرة الغريبة؟ هذا ما يسعى كوريدا للكشف عنه تدريجيا بأسلوبه الواقعي المغرق في واقعيته، الذي تشوبه مسحة رومانسية انسانية هادئة، وميل لتوليد الضحك من داخل المأساة من دون مبالغات ميلودرامية، بل يبدو الفيلم بأكمله مصنوعا بحسابات دقيقة في طول اللقطات، وزمن استغرق كل لقطة على الشاشة، وتجاور اللقطات مع بعضها البعض، وعلاقة الداخل بالخارج، والأطفال بالكبار،مع براعة في اقتناص الأداء المناسب في الوقت المناسب من الطفلين. والفضل يعود بالطبع لقدرة كوريدا في السيطرة على ممثليه الصغار والكبار، بحيث ينتزع منهم ما يعادل الحياة نفسها. نه عمل متميز كثيرا في السينما اليابانية منذ رحيل العملاق كيروساوا.

ضد العنصرية

ذهبت الجائزة الكبرى للجنة التحكيم، التي تأتي في المرتبة الثانية بعد "السعفة الذهبية"، الى الفيلم الأميركي البديع "رجل الكوكلوس كلان الأسود" BlacKkKlansman لسبايك لي، وهي جائزة في مكانها الصحيح تماما، فالفيلم عمل ابداعي ساخر يعتمد على مذكرات شخصية حقيقية لضابط شركة امريكي من أصول افريقية هو "رون ستولوورث" (يقوم بدوره جون ديفيد واشنطن) ينجح في اختراق منظمة الكوكلوكس كلان العنصرية في كولورادو في السبعينات عن طريق الاتصال التليفوني مع رئيس الفرع، ثم يتفتق ذهنه عن فكرة الاستعانة بزميل له من البيض هو "فليب زيمرمان" (يقوم بدوره آدم درايفر) لكي يتقمص دوره أمام المنظمة العنصرية ويقوم بتسجيل اتصالاتها وخططها للإيقاع بها في النهاية، فهو لا يمكنه الظهور بنفسه كرجل أسود ولا ساءت العاقبة. والفيلم من أكثر الأفلام التي خرجت من هوليوود فضحا وسخرية وتعريضا بالسياسات العنصرية في الولايات المتحدة، وصولا الى تعرية ونقد موقف الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب في نهاية الفيلم حينما يربط سبايك لي بين أحداث فيلمه وبين الاعتداءات العنصرية العنيفة التي وقعت العام الماضي في ولاية فرجينيا والتي تقاعس ترامب عن ادانتها بوضوح.

جوائز التمثيل

جائزة أحسن ممثلة نالتها الممثلة الكازاخستانية الشابة  سامال يسلياموفا عن دورها في الفيلم الروسي- الكازخستاني- الفرنسي- البولندي "أيكا" (أو الصغيرة) للمخرج سيرجي سفورتسفوي. وهو يدور حول البؤس الإنساني وكيف تواجه فتاة شابة غريبة الفقر والفاقة والديون والأكثر، الحمل ثم التخلص من الجنين والاصابة بنزيف لتدخل في سلسلة لا تنتهي من المتاعب.  

أما جائزة أحسن ممثل وكما توقعنا في مقال سابق، فقد فاز بها الممثل الإيطالي مارشيللو فونتي عن أدائه الرائع في فيلم "مربي الكلاب" لماتيو غاروني، وهو من أفضل ما عرض في المسابقة وكان يمكن له الفوز بالسعفة الذهبية، ويعتبر الفيلم دراسة بالكاميرا في شخصية رجل يبدو ضعيفا خاضعا يعمل في تربية وتنظيف الكلاب، شديد العطف عليها، لكنه يحمل في داخله شراسة لا تقل عن شراسة العملاق العنيف الفظ سوني الذي يقوم بتعذيبه، ولكن على نحو أكثر قسوة وذكاء.

السيناريو والاخراج

تقاسم جائزة أفضل سيناريو فيلمان هما "ثلاثة وجوه" للإيراني جعفر بناهي، وهي جائزة غير مستحقة في رأيي، كون الفيلم لا يقدم جديدا بل يبدو موضوعه معادا ومكررا في سياق السينما الإيرانية خاصة التيار المرتبط بتجربة المخرج الراحل عباس كياروستامي، أما الفيلم الثاني فهو "لازارو السعيد" للمخرجة الإيطالية اليس رورواتشر، وهو بدوره قد يكون فيه بعض المشاهد الجيدة لكنه مفكك البناء ومتعدد الأساليب مع كثير من الغموض والارتباك الناتج عن تداخل الأحداث والشخصيات، كما يميل الى التسطيح والنمطية في بناء الشخصيات. لكنه من اخراج امرأة.

وكما توقعنا من قبل كان لابد أن تنحاز لجنة كيت بلانشيت الى أفلام المخرجات. لذلك فقد منحت جائزة أخرى غير مستحقة الى المخرجة للبنانية نادين لبكي عن فيلمها الروائي الثالث "كفر ناحوم" المفكك الملئ بالاستطرادات والتكرار، الذي يتفرع في شتى الاتجاهات ويعاني من الترهل الشديد والتكرار والميلودراما والخطابة والمبالغات. لا أن هذا الفيلم بدا وكأنه ترك تأثيرا كبيرا على أعضاء اللجنة، ربما بسبب تصويره الوجه غيرالسياحي لبيروت، ولحياة الأطفال المشردين في شوارعها التي تمتلئ بالقمامة والمخلفات والذين يتاجرون في كل شيء. وكان الفيلم الأجدر بهذه الجائزة هو الفيلم الروسي "ليتو" أو حتى الفيلم المصري "يوم الدين" وهو أكثر تماسكا من حيث السيناريو وأكثر وضوحا في شخصياته وحبكته من كثير من الأفلام التي شاهدناها.

وقد منحت اللجنة جائزة أفضل إخراج الى المخرج البولندي- المقيم في بريطانيا- باول باولكوفسكي عن فيلمه البديع "حرب باردة" أحد أفضل أفلام المسابقة وسنخصص له مقالا مستقلا مقبلا.

الكاميرا الذهبية التي تمنح عادة لأفضل عمل أول ذهبت الى الفيلم البلجيكي "فتاة" للمخرج لوكاس دونت، الذي يصور بشكل بديع ومؤثر كيف يعاني صبي أو بالأخرى فتاة في جسد صبي، في الخامسة عشرة من عمرها، من أجل التحول الجنسي لتصبح فتاة بشكل كامل وتصبح أيضا راقصة باليه.

جوائز "نظرة ما"

جائزة أحسن فيلم من الأفلام التي عرضت في قسم "نظرة ما" حصل عليها الفيلم الدنماركي "الحدود" للمخرج علي عباسي (من أصل يراني) وهو واحد من أفضل ما شاهدناه في المهرجان عموما، وكان بالتأكيد يستحق أن يكون في المسابقة الرسمية فهو أفضل من كثير مما عرض في هذه المسابقة. ورغم أنه قد يبدو فيلما من أفلام الرعب، الا أنه مبتكر في كل شيء: في الموضوع، وشكل بناء السيناريو، والتكوينات التشكيلية، والشخصيات الغريبة الفريدة التي يصورها، كما يتميز بالأماكن التي تدور فيها أحداثه، والموضوع والمغزى الإنساني والفلسفي الكامن في طيات موضوعه. إنه عمل يتمتع بخيال مدهش يدور حول المصير الإنساني في عالم متغير.

ونالت المخرجة المغربية الشابة مريم بن مبارك جائزة أفضل سيناريو عن فيلمها الجميل البسيط الجديد في موضوعه "صوفيا" وهو من نوع الدراما الاجتماعية التي تفاجئنا بمسارها الذي يختلف تماما عن ما سبق أن شاهدناه في الموضوع نفسه.

وحصل فيكتور بولتسر على جائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم "فتاة"، بينما فاز المخرج الأوكراني سيرجي لوزينيستا بجائزة أحسن مخرج عن فيلمه "دونباس" الذي افتتحت به التظاهرة.

بذلك يسدل الستار على دورة أثارت الكثير من الجدل سواء بسبب مقاطعة شركة نيتفليكس للمهرجان وحرمانه بالتالي من عرض عدد من الأفلام الجديدة الجيدة التي كان من الممكن أن تجعل المسابقة أكثر ثراء، أو النظام الجديد في تقسيم العروض ومنع الصحفيين من مشاهدة أفلام المسابقة قبل يوم من عرضها العام كما كان الحال طيلة السنوات السبعين الماضية، وحظر صور "السيلفي" على البساط الأحمر، وهو أهون الضرر بالطبع وان كان البعض قد اعتبره أكبر اعتداء على الحرية الشخصية!

عين على السينما في

21.05.2018

 
 

ختام النسخة 71

مخرج ياباني يحصد ذهبية «كان»

عصــام عطـية

أسدل الستار علي الدورة الـ71 من مهرجان »كان» السينمائي لعام 2018، وطويت فعالياته ونشاطاته، وكالعادة أجاد المشاهير لعبة خطف الأنظار بإطلالاتهم، وإثارة المواقف الجريئة المثيرة للجدل.

منذ سبتمبر 1939، يستضيف هذا المهرجان شخصيات من عالم الفن، وأهم ما يميز »كان» هو الريد كاربت، التي أصبحت رمزية ثقافية واجتماعية مع الوقت، ودائما شهدت جنون نجمات هوليوود، وكانت آخرهن وقبل الختام  الممثلة الأمريكية الشابة، كريستن ستيوارت التي كسرت قواعد وبروتوكول المهرجان وسارت حافية القدمين.

في حفل قدمه الممثل إدوار باير. وعرض خلاله فيلم الاختتام »الرجل الذي قتل دون كيشوت» للبريطاني تيري جيليام، فاز الياباني هريكازو كوري إيدا بالسعفة الذهبية للدورة 71 للمهرجان عن فيلم »مسألة عائلية».

في »مسألة عائلية»، تعترض طريق أوسامو وابنه طفلة مهملة في الشارع. بعد تردد في تبنيها، تقبل زوجة أوسامو التكفل برعاية البنت لا سيما حين تدرك أن الصغيرة كانت تتعرض للعنف داخل عائلتها. عائلة أوسامو تنتمي للطبقة الفقيرة، ولأن معاشاتهم ضعيفة، يعتمد أفرادها علي عمليات سرقة واحتيال صغيرة لتوفير حاجياتهم. رغم الفقر، تبدو العائلة سعيدة لكن حادثة تفجر أسرارها الرهيبة.وقال كوري إيدا عند تسلمه الجائزة »السينما مكان مليء بالشجاعة ففيه يمكن للعوالم المتنازعة أن تلتقي».

وقرر المهرجان منح سعفة ذهبية خاصة للسويسري الفرنسي جان لوك جودار تكريما لمسيرته المهنية. وشارك جودار في المسابقة الرسمية بفيلم »كتاب الصورة» وهو عمل تجريبي غامض لكن يتضمن في طياته رسالة.

أما الأمريكي سبايك لي الذي عاد إلي المهرجان بعد عشرين عاما من الغياب بفيلم »بلاك ككلانسمان» الذي فاز بالجائزة الكبري، ثاني أكبر جوائز المهرجان. ويسرد الفيلم قصة (مستوحاة من الواقع) رون ستالورث أول شرطي أسود ينجح في نهاية سبعينيات القرن العشرين في الانضمام إلي شرطة كولورادو. سريعا ما ينطلق الشاب في مهمة مخابراتية تتمثل في اختراق منظمة »كو كلوكس كلان»! تؤمن هذه المنظمة التي تعمل فروعها حتي اليوم، بتفوق العرق الأبيض ومعاداة السامية وكراهية السود.

وفي الفيلم معاني انتقاد لاذع ومباشر لسياسة الرئيس دونالد ترامب، ومواد وثائقية تحيل علي أحداث »شارلوتسفيل».

اللبنانية نادين لبكي الملقبة بطفلة »كان» المدللة تحرز جائزة لجنة التحكيم بعد 27 عاما علي فوز زميلها المخرج اللبناني مارون بغدادي بها، فازت نادين عن فيلم »كفر ناحوم» بجائزة لجنة التحكيم، وهو أول عمل لبناني منذ 27 عاما نافس علي السعفة الذهبية، بعد مشاركة الراحل مارون بغدادي عام 1991.

وقالت لبكي عند تسلم الجائزة »السينما ليست فقط للترفيه وللحلم بل للمساعدة والتفكير». والطفولة المهمشة، واللاجئون السوريون، وعاملات المنازل من إثيوبيا والفلبين المهضومة حقوقهن، وزواج القاصرات كل هذه المواضيع جمعت في الفيلم فكان حقا »كفر ناحوم» بمعني فوضي عارمة. وتابعت لبكي »الطفولة المهمشة هي سبب الشر الذي يسود العالم».

أيضا فازت الإيطالية أليس روهفاشر، وهي أيضا إحدي النساء الثلاثة المشاركات في المسابقة الرسمية نحو السعفة الذهبية، إلي جانب نادين لبكي والفرنسية إيفا هوسون ، بجائزة أفضل سيناريو عن فيلم »سعيد مثل لازارو» بالتساوي مع الإيراني جعفر بناهي عن فيلم »ثلاثة وجوه».

وفاز بجائزة أفضل إخراج البولندي بافل بافليكوفسكي عن فيلم »حرب باردة». وكان المخرج قد فاز بأوسكار عام 2014 عن فيلم »إيدا». عاد بافليكوفسكي ليصور بالأبيض والأسود، معلما بارعا في تركيب شكل كلاسيكي يعد درسا في السينما. طغي علي »حرب باردة» لون رمادي من خمسينيات القرن العشرين، ولون الأحزان العاطفية، فالقصة تتناول حبا مستحيلا.

وفازت الممثلة سامال يسلياموفا وهي من كازاخستان بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم »أيكا» للمخرج الروسي سيرغي دفورتسيفوي. وتلعب دور أيكا وهي عاملة فقيرة من قرغيزستان تضطر إلي العمل في موسكو لتسديد ديونها وتضطر للتخلي عن مولودها حتي لا تخسر عملها.

أما جائزة أفضل ممثل فكانت من نصيب الإيطالي مارسيلو فونتي، الذي تقمص دور »مصفف شعر الكلاب» في فيلم مواطنه ماتيو غارون الذي يحمل نفس العنوان. مارسيلو رجل طيب يحبه الجميع، يرفق بالحيوانات التي يعتني بها في محله الصغير. يخرج المجرم سيموني، صديق مارسيلو، من السجن ليبث من جديد الرعب في الحي ويجره ليورطه معه في عمليات سرقة. مارسيلو فونتي تميز بأداء مرموق لشخصية انزلقت في دوامة عنف المافيا وولدت داخلها غريزة الانتقام.

وسلط المهرجان الضوء هذا العام علي النساء والمساواة بين الجنسين وترأست الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت لجنة التحكيم والتي نم قرار اختيارها عن عزم إدارة المهرجان علي دعم جهود مكافحة التحرش الجنسي منذ تفجر فضيحة هارفي واينستين التي هزت قطاع السينما. هكذا شاركت ثلاثة نساء هذا العام في السباق نحو السعفة، وهن الفرنسية »إيفا هوسون» بفيلمها »بنات الشمس»، واللبنانية نادين لبكي بفيلم »كفر ناحوم» والإيطالية اليس روهفاشر بفيلم »سعيد مثل لازارو».

خلال أيام المهرجان أثارت الممثلة الأمريكية الشابة، كريستن ستيوارت، جدلا علي مواقع التواصل الاجتماعي، بعد مخالفتها لقواعد مهرجان »كان» السينمائي الدولي.والتقطت عدسات المصورين صورا لستيورات (28 عاما) بطلة سلسلة أفلام »توايلايت» الشهيرة، وهي تخلع حذاءها ذا الكعب العالي، علي السجادة الحمراء في المهرجان، أثناء حضورها العرض الخاص لفيلم BlacKkKlansman»

واشتهر مهرجان »كان» علي مدار سنواته الأخيرة، بإلزام الممثلات بارتداء الزي العالي، وهو ما جعل مجموعة من النساء الثائرات في عام 2015، بالتعبير عن غضبهن من هذه السياسة، لرغبتهن في ارتداء الأحذية المسطحة والمريحة لهن، وفقا لصحيفة »ذا جارديان» البريطانية.

آخر ساعة المصرية في

22.05.2018

 
 

قائمة لا تفوتك لأفضل أفلام مهرجان كان 2018.. لوحات فنية في Cold War واوجاع المهمشين تسيطر على المشهد

أمل مجدي

قبل يومين، أسدل الستار على الدورة الـ71 لمهرجان كان السينمائي الدولي، وذلك بعد فعاليات استمرت لمدة 12 يوما على التوالي.

شهدت الدورة مشاركة كم هائل من الإنتاجات السينمائية من مختلف دول العالم، وتضمنت عروض المسابقة الرسمية 21 فيلما، فيما بلغ عدد الأفلام في مسابقة نظرة ما 18 فيلما وفي مسابقة الأفلام القصيرة 8 أفلام، بالإضافة إلى البرامج الموازية مثل أسبوع النقاد ونصف شهر المخرجين.

وفي السطور التالية، نرصد أفضل الأفلام الروائية الطويلة التي تمكنا من رؤيتها خلال هذه الدورة، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك العديد من الأفلام خارج هذه القائمة لضيق الوقت المتاح للمشاهدة.

Cold War

فيلم البولندي بافيل بافليكوفيسكي، الفائز بجائزة أفضل إخراج من قبل لجنة التحكيم التي رأستها الممثلة الأمريكية كيت بلانشيت. في مدة لا تتجاوز 85 دقيقة، يتمكن المخرج من إمتاع المشاهد بلوحات فنية مصورة بالأبيض والأسود وموسيقى تصويرية تعلق في الأذهان، وحالة كلاسيكية عذبة.

الفيلم الذي تجمع قصته بين الحب والأحداث السياسية في أوروبا منتصف القرن الماضي، يركز على حبيبين من خلفيات ثقافية مختلفة يلتقيان خلال تجارب اختبارات أداء، وتستمر علاقتهما في أجواء قمعية ممتدة بين حدود بولندا وألمانيا ويوغسلافيا وفرنسا

Blackkklansman

بعدما أعلن المخرج الأمريكي سبايك لي عن عدم تسامحه مع فكرة خسارته في عام 1989 عندما شارك بفيلم Do the Right Thing، فاز فيلمه الجديد المشارك في المسابقة الرسمية بالجائزة الكبرى. لكن هذا لا يعني أن لجنة التحكيم منحت الفيلم الجائزة لمراضاة المخرج، وإنما لأنه يعد واحدا من أفضل أفلام الدورة.

اعتمد سبايك لي على أحداث حقيقية لتقديم فيلمه الذي يدور في فترة السبعينيات كي ينتقد بشكل لاذع وساخر ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الحالية، مؤكدا أن التاريخ يعيد نفسه وأن العنصرية فكرة مترسخة في أذهان الشعب منذ سنوات طويلة.

تركز الأحداث على ضابط من أصحاب البشرة السمراء يدعى "رون ستالورث"، يلتحق بشرطة كولورادو في وقت يحيط الانقسام ومشاعر الكراهية بين السود والبيض. يتولى مهمة يقوم خلالها بتغيير نبرة صوته ويتصل هاتفيا بأحد زعماء منظمة الكو كلوكس كلان العنصرية، ليقنعه بأنه ينتمى إلى العرق الأبيض ويمقط الملونين. وعندما يحين موعد اللقاء وجها لوجه، يتم التحايل على الموقف وإرسال ضابط آخر أبيض اللون يهودي يخفي ديانته المضطهدة ويقنع الأعضاء بأنه "ستالورث".

Happy as Lazzaro

شاركت إيطاليا بفيلمين في المسابقة الرسمية للمهرجان، وتميز الاثنان بأسلوبهما المختلف وقصصهما الخارجة عن المألوف. الأول فيلم المخرجة الإيطالية أليشيا روروتشر الذي نال جائزة أفضل سيناريو مناصفة مع فيلم Three Faces للإيراني جعفر بناهي.

الفيلم ينقسم إلى نصفين بطلهما شاب ساذج طيب القلب يدعى "لازارو"، يستغل من قبل المحيطين به لكن لا يأبه بالمعاناة بطريقة تضفي عليه هالة من القدسية.

النصف الأول من الفيلم يدور في منطقة ريفية حول مجموعة من الأشخاص يتعرضون للاستغلال على يد سيدة لديها مزرعة للتبغ؛ بطريقة أشبه للعبودية. هؤلاء الأشخاص رغم ما يتعرضون له، يقسون بدورهم على "لازارو" الشاب الذي يعيش معهم ولا يعيرونه اهتماما ويلقون على عاتقه المزيد من المتاعب، التي يتقبلها بنفس راضية.

بعد فضح السيدة وتحرير الأشخاص جميعهم عدا البطل الذي تعرض لحادث ودخل في غيبوبة، ننتقل إلى النصف الثاني من الفيلم الذي يوجد فارق زمني طويل بينه وبين النصف الأول لم يتم تحديده بشكل دقيق. إذ نرى الأطفال الذين عاشوا في الزرعة أصبحوا رجالا وسيدات، ورغم تحررهم وأسرهم لم يتمكنوا من عيش حياة كريمة، بل ظلوا على هامش المجتمع يحاولون كسب قوتهم معتمدين على النصب. يعود "لازارو" من الغيبوبة دون تغير في شكله كأن الزمن توقف عنده وكأنه قديسا عاد من الموت ليحيى من جديد بين أناس يحاولون التأقلم مع تطور العالم الحديث ومتطلباته التي تقتل الإنسانية وكأنها عبودية حديثة.

Dogman

الفيلم الإيطالي الثاني الذي يحمل بصمة المخرج ماتيو جارون، فاز بطله مارشيلو فونتى بجائزة أفضل ممثل، وحصل الكلب المشارك فيه على سعفة الكلب التي تم تأسيسها منذ عام 2001.

أحداث الفيلم مبنية على واقعة حقيقية، وتركز على ضاحية إيطالية يسيطر عليها أجواء الجريمة والعنف بطريقة تدفع البشر إلى فقدان إنسانيتهم. بطل الفيلم "مارشيلو" رجل هزيل منفصل عن زوجته ولديه ابنة صغيرة، ويمتلك صالونا للاعتناء بالكلاب وتنظيفهم، لا يخشى من أحجامهم الضخمة بل ينجح في ترويضهم ويجيد التصرف معهم، لكنه يخاف من "سيمون" فتوة الحي الذي يهابه الجميع ويحصل على ما يريد بقوة ذراعه

يورطه "سيمون" في عدد من المصائب ويتسبب في دخوله السجن، ورغم أن هذا يحدث رغما عن إرادته فإن "مارشيلو" في كل مرة يتعامل بطريقة جيدة كأنه أًصبح يمتلك صفة الوفاء مثل الكلاب التي يعاشرها. تزداد الضغوط النفسية، ويتحول معها من إنسان مسالم إلى آخر ينتقم ببشاعة.

كفرناحوم
فيلم المخرجة اللبنانية نادين لبكي الذي بدأت رحلتها مع مهرجان كان السينمائي منذ عام 2005 بسيناريو فيلم "سكر بنات". تمكنت المخرجة من اقتناص جائزة لجنة التحكيم عن الفيلم الذي يشهد مشاركتها الأولى في المسابقة الرسمية، كما نالت جائزة لجنة التحكيم المسكونية التي تمنح لأعمال فنية تكشف عن أعماق البشر وما يثير قلقهم وألمهم وإخفاقاتهم في الحياة.

اختارت نادين لبكي أن تقتحم عالم من يعيشون على هامش النظام ومحرومين من الاحتياجات الأساسية، وغير مدرجين بالأوراق الرسمية متعمدة على فكرة خيالية لطفل متورط في جناية يقرر إقامة دعوى قضائية ضد والديه لأنهما أنجباه دون الحق في هوية شخصية أو حياة كريمة.

الفيلم الذي يحمل خطابا سياسيا في طيته لا يركز على قضية الهوية فقط، بل يتطرق إلى عدد من المشكلات الأخرى ويغرق في عرض تفاصيلها أحيانا مثل الزواج المبكر ومعاناة المهاجرين والعبودية الحديثة، وذلك من خلال رحلة طفلين أحدهما رضيع، في عشوائيات لبنان.

Image Book

تجربة مشاهدة أحدث أفلام المخرج جان لوك جودار مختلفة عن باقي الأفلام المشاركة في المهرجان، نظرًا لأن أسلوبه مغاير للسائد. خصصت لجنة تحكيم كيت بلانشيت جائزة تحمل اسم "السعفة الذهبية الخاصة" لتمنحها إلى المخرج صاحب الـ87 عامًا وفيلمه الجديد.

يعتمد الفيلم على السرد البصري والصوتي طارحا مجموعة من الأزمات المختلفة التي تواجها الإنسانية منتقدا الأوضاع السياسية والاستغلال الديني والفكري. وقد اعتمد جودار في بناء فيلمه على لقطات ومقاطع من أفلام روائية وتسجيلية من مختلف أنحاء العالم، مصحوبة بموسيقى أو حوار من المقطع أو تعليق صوتي على الحدث.

وخصص الجزء الأخير من الفيلم لحكاية تتناول شخصية الشيخ بن كاظم من ولاية دوفو الخليجية، يستعرض من خلالها الوضع في المنطقة العربية والثورات. وتضمن الفيلم لقطات من أعمال مصرية وعربية شهيرة، إلى جانب مقطوعات موسيقية، تستعرض هذا الجزء من العالم وتظهر طبيعته الثقافية.

Girl

فيلم المخرج البلجيكي لوكاس دونت، الذي يمكننا أن نقول عليه أنه نال إعجاب كل من شاهده خلال عرضه ضمن مسابقة نظرة ما. وقد فاز بعدد من الجوائز منها الكاميرا الذهبية التي تمنح لأفضل عمل أول وتنافس عليها هذا العام 19 فيلما، وجائزة أفضل ممثل لصالح فيكتور بوليستر.

تدور الأحداث حول شاب يمر بمرحلة علاج كي يتحول إلى فتاة تحمل اسم "لارا"، بمساندة الأب والشقيق الأصغر. تنتقل العائلة إلى مكان جديد وتسعى الفتاة إلى تحقيق حلمها في أن تصبح راقصة باليه، وسط معاناة إخفاء جسدها الذكوري أثناء التدريب، وصعوبة اقتحام عالم الفتيات المختلف.

يوم الدين

العمل الروائي الطويل الأول للمخرج المصري أبو بكر شوقي، الذي توج بجائزة فرانسوا شاليه، التي تمنح سنويا منذ عام 1997 في مهرجان كان السينمائي.

اقتحم شوقي عالم يعرفه جيدا منذ إخراجه الفيلم التسجيلي "المستعمرة" قبل ما يقرب من 10 سنوات، عندما التقى بمرضى الجذام المنعزلين داخل مستعمرة بعيدا عن أسرهم وتأثر بحكاياتهم وتفاصيل حياتهم الصعبة.

فضل أن يكون بطل فيلمه الروائي، شخص غير محترف التمثيل متعافي من المرض لكن الأثر لا يزال محفورا على وجهه. راضي جمال الذي يجسد دور "بيشاي"، رجل أسمر، قصير القامة، تضررت ملامحه وتلفت أطرافه بفعل المرض. وبعدما أخذت منه الحياة زوجته، قرر خوض رحلة للبحث عن عائلته في محافظة قنا حتى يجد من يتذكره بعد أن يموت. يشاركه في الرحلة، طفل يدعى "أوباما" تجمعهما حالة الهجر؛ فالأول هجرته عائلته في الصغر أمام مستعمرة الجذام، والثاني هجرته أسرته دون إرادة بسبب الموت فأصبح يتيما. ومعهما حمار هزيل يجرهما بعربة حتى منتصف الرحلة ثم يموت في سلام.

Shoplifters

خلال تواجده للمرة السابعة في المهرجان السينمائي الأهم في العالم، نجح المخرج الياباني هاروكازو كويردا، في اقتناص السعفة الذهبية عن فيلمه العائلي الجديد.

تدور الأحداث حول عائلة تعيش على سرقة المتاجر، لكنها ليست عائلة بالمعنى المعروف بل مجموعة من الأشخاص يعيشون معا في أجواء دافئة وحميمية.

يطرح الفيلم مجموعة من التساؤلات حول معنى العائلة الحقيقية، وأهمية رابطة الدم التي تجمع الآباء والأبناء، ومفهوم العدالة الاجتماعية في ظل أشخاص يعيشون على فتات الآخرين.

Burning

فيلم المخرج لي تشانج دونج الذي حقق رقما قياسيا جديدا في تاريخ لجنة تحكيم مجلة Screen Internation المكونة من نقاد وصحفيين تابعين لمجلات ومواقع سينمائية عالمية شهيرة، وذلك بعد حصوله على متوسط تقييم 3.8 من 4. كما نال الفيلم جائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي) نظرًا لكونه مبهر بصريا ويقدم صورة عاطفية تنتقد المجتمع المعاصر.

الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب الشهير هاروكي موراكامي، وتدور أحداثه حول شاب بسيط يتمنى أن يصبح كاتبا، يلتقى بجارته القديمة التي تتقرب منه ثم تطلب أن يعتنى بقطتها خلال سفرها في رحلة إلى أفريقيا. تعود الفتاة مرة ثانية لكن بصحبة شاب غني يمتلك كل شيء

يوضح الفيلم الفرق بين الطبقات الاجتماعية والصراع بين الأغنياء والفقراء في كوريا، كما يتضمن مجموعة من الأفكار الفلسفية حول الهدف من الحياة والبحث عن الذات وقيمة الحب في مواجهة المادة.

موقع "في الفن" في

22.05.2018

 
 

كانّ ٧١: فرهادي يكرر نفسه، بافليكوفسكي يغوي وغودار خارج التصنيف

كانّ - هوفيك حبشيان

انتهت مساء السبت الماضي الدورة الحادية والسبعون لمهرجان كانّ السينمائي. أكثر من مئة فيلم عُرضت في أقسام هذه التظاهرة السينمائية، بعضها نال الإعجاب وبعضها الآخر مرّ ولم ينتبه اليه كثر. تضمّنت المسابقة...

لقراءة هذا الخبر، إشترك في النهار Premium بـ1$ فقط في الشهر الأول

النهار اللبنانية في

22.05.2018

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)