هل محمد خان يساوى مثلًا 24 فيلمًا روائيًا حققها
طوال حياته؟ برغم أهمية القسط الكبير من هذه الأفلام والتى أراها
قادرة على أن تتنفس الحياة فى الزمن القادم، إلا أن محمد خان
الإنسان شكل أيضا حالة إبداعية لا تقل إلهاما.
قبل أسابيع قليلة كنت بمهرجان باريس للسينما
العربية، بعد توقف 12 عاما، بمجرد دخولى معهد العالم العربى، وجدت
صوت خان يملأ سمعى، وصورته تتجسد أمامى فى جنبات المعهد، ليس فقط
لأنه من أكثر المخرجين تواجدا، ولكن حضور خان أى مكان يترك بصمة
إنسانية لا تمحى.
فى السنوات الأخيرة كان كثيرا ما يقول لى لدى ثلاثة
أفلام، وبعدها (أروح) لأنى عملت كل اللى نفسى فيه، لم أكن أتصور
أنها ثلاثة فقط، بين الحين والآخر كان يستبدل أحلامه بأخرى، إلا
أنه حافظ على رقم ثلاثة، وعندما أحصيتها وجدتها تسعة، بينها فيلم
كتبه أو يضع لمساته الأخيرة الأستاذ رؤوف توفيق، الذى كتب له واحد
من أروع أفلامه (زوجة رجل مهم).
أغلب المبدعين يدخلون فى معارك مع الزمن، يهزمهم
عندما يفشلون فى قراءة (الشفرة) الجديدة، الفنان إذا لم يواكب
إيقاع العصر، يُصبح فى عيون الناس ((أنتيكة))، التعامل مع مفردات
العصر لا تعنى أن تتخلى عن قناعاتك، ولا أن ترتدى ثوب غيرك، فقط أن
تدرك أنك لا تنزل البحر مرتين، وهكذا محمد خان فى علاقته بالسينما،
فى كل مرة يعش الفيلم بروح المغامر، يدخل فى تحدى مع نفسه قبل
الأخرين،دائما تراه ابن العشرين فى تمرده على السائد، متابع بشبق
للجديد فى السينما على مستوى العالم، وفى رحلتى مع الأفلام
والمهرجانات أقولها بضمير مستريح، اكثر ثلاثة عشاق للسينما د. رفيق
الصبان ومحمد خان وثالثهم متعه الله بالصحة والعافية الإعلامى
الكبير يوسف شريف رزق الله.
آخر لقاء تليفونى بيننا كان قبل الرحيل بنحو أسبوع،
كان صديقه الحميم خيرى بشارة فى زيارة له، ووجدت صوت خان يأتينى من
تليفون بشارة، وبالطبع اكتشفت اللعبة مع أول (ألو)، لم أكن أعلم أن
خان يعانى من مشكلة فى الحركة، المكالمة كلها قفشات وضحكات، حتى
جاءنى الخبر الحزين شعرت أن خسارتى مضاعفة، فنان كبير منح الشاشة
المصرية ألَقا خاصا، وصديق عزيز سأظل أفتقده طول العمر.
بعد رحلة كفاح فى الحصول على الجنسية المصرية،
منحها له المستشار عدلى منصور، رئيس الجمهورية المؤقت، قبل عامين
من الرحيل، كنت أتعجب هل هناك بين كل السينمائيين المصريين من هو
أكثر مصرية من خان، تنضح كل لقطاته بروح البلد الذى عشقه بإخلاص
وهتف بصدق بحبها، فما الذى من الممكن أن يضيفه جواز السفر؟!
خان لا يغضب من أى كلمة تتناول فيلما له، لم يحدث
أن فرضت الصداقة أى قيود تُكبل انطلاق القلم، كتبت عن فيلمه ((أيام
السادات)) هذا العنوان ((الممثل الغول والمخرج الكسول))، ولم يزد
رد فعله على ابتسامة، آخر أفلامه ((قبل زحمة الصيف))، شاهدته فى
مهرجان ((دبى))، والتقينا على الغذاء أنا وهو والمخرجة هالة خليل،
التى كان يعرض لها فى المهرجان (نوارة)، تحدثنا فى كل شىء ما عدا
(زحمة الصيف)، ووصلت الرسالة لخان، وتناولت الفيلم فى مقال نشرته
فى هذه المساحة، كل ما فعله أنه بدأ يضخ طاقته فى فيلمه التالى
(بنات روز)، وغادر الدنيا قبل استكماله.
قليلا ما التقينا فى القاهرة، أكثر لقاءاتنا خارج
الحدود، (باريس) و(كان) و(قرطاج) و(دمشق) و(دبى) و(أبوظبى) و(وهران
) و(مسقط ) و(المنامة) و(الدوحة) و(نيودلهى) و(مالمو) وغيرها ونقضى
أغلب أوقاتنا معا، وبعد رحلة فى عالم الكتابة الصحفية تجاوزت ثلاثة
عقود من الزمان قرر أن يجمع مقالاته ويوثقها فى كتاب، وأطلق عليه
عنوانه الأثير «مخرج على الطريق»، وفى تليفون صباحى منه، قال لى
ممكن تكتب مقدمة كتابى، اعتبرتها وثيقة عملية منه على أن لى مكانة
خاصة على خريطة قلبه وعقله، كناقد وصديق.
المسافة ليست بعيدة، كما ترى بين الإبداع على الورق
حتى لو كان فى مقال أو الإبداع على شريط سينمائى، وهناك محاذير، لو
قرر فنان الانتظام فى ملعب الكتابة، أهمها ألا يتورط فى توجيه تلك
النافذة الصحفية لتصبح منصة لإطلاق صواريخ ضد كل من يختلف معهم
سياسيا أو فكريا أو فنيا، وألا يحيل قضاياه الخاصة إلى قضية عامة.
خان لم يتجاوز أبدا تلك الخطوط الحمراء، تتخلل
كتاباته رؤية للجيل كله أقصد جيل الثمانينيات، الذى كان هو عنوانه
المضىء، فهو أكثر مخرج امتلك على الشاشة جماليات الصورة وسحرها،
كما أنه أكثرهم قدرة لا ستخراج أصدق ما فى ممثليه، ودائما ما يحظى
أبطاله بجائزة، فهو يمنح عادة مفتاح الأداء للمثل فى كلمة، تستطيع
أن تقرأ مشروعه الفكرى على الشاشة فى دفاعه عن المرأة باعتباره
(قاسم أمين السينما المصرية).
سعاد حسنى هى الأقرب، وكتب عنها عمودًا خفيف الظل
عنوانه «سعاد مورتا»، وهو ما يتبقى فى قعر الحلة بعد تسييح الزبدة،
أراد خان أن يقدم صورة لتلك الفنانة التى تعيش حياتها بتلقائية،
فلم يجد غير «المورتا» التى تشممها وهو يقرع باب بيتها مع بشير
الديك فى حى الزمالك، التقيا فى «موعد ع العشاء» واحد من أهم
أفلامه.
أما أحلى أفلامه وأقربها أيضا إلى قلبى وقلبه (خرج
ولم يعد)، وقبل عامين خرج خان من الدنيا (لكى يعود) بسحر الشاشة
وبهجة الحياة.
tarekelshinnawi@yahoo.com
####
محمد خان.. عاشق في محراب السينما (بروفايل)
كتب: ريهام
جودة
حصل على الجنسية المصرية قبل رحيله بعامين، وبعد أن تجاوز الـ70 من
عمره، إلا أن محمد خان المولود لأم مصرية وأب باكستانى، والذى توجه
للدراسة فى إنجلترا فى شبابه- كان مصرى المولد والهوى والطباع،
مُولعاً بتفاصيل الحياة فى مصر، وهمومها وأحلامها، شوارعها وناسها
وحكاياتها، حلوها ومُرها، ولذلك جاءت أفلامه وكادراته السينمائية
تعبر عن تلك الحياة المُشبعة بأدق التفاصيل، وما يمكن نقله من
الواقع إلى الشاشة، حتى لو كانت طفلا يخربش بأداة معدنية جانب
سيارة، أو ثمرة برتقال تسقط من شجرة كرمز لاكتمال علاقة عاطفية
ونضجها.
«هناك أشياء صغيرة أحاول تمريرها فى أفلامى، أتمنى أن يفهمها
الناس»، هكذا انطلق محمد خان فى أفلامه. لم يكترث بطرح قضايا
محددة، أو ينشغل بعرض حلول لمشاكل ما، لكن كل ما كان يعنيه صناعة
فيلم وسرد حكاية تحمل بعدا إنسانيا مفصلا بمبدأ «لا أهتم بالحدوتة،
ولا أهتم بالحلول للواقع، ما يهمنى فقط التفاصيل».
24 شريطا سينمائيا حملت توقيعه بأسماء نجمات كبار: سعاد حسنى،
نورا، ميرفت أمين، نجلاء فتحى، مديحة كامل، ليلى علوى، وأفلام
أسندها لنجمات شابات ساهمت فى توهج نجوميتهن وآخرهن: غادة عادل
وهند صبرى ومنة شلبى وياسمين رئيس وهنا شيحة، وأعمال أخرى بقيت
أحلاما متعثرة لم يُسعفه الزمن ولا السوق السينمائية الصعبة
والمتقلبة لتقديمها، ولكنه حتى آخر كادر التقطه ظل حالما وهائما فى
حب السينما، وفى نقل الواقعية، متأثرا بتتلمذه على يد رائدها صلاح
أبوسيف، ومتسلحا فى بداية مشواره بشراكة فى الرؤى والأحلام
السينمائية مع رفاقه «جماعة أفلام الصحبة» بشير الديك ونادية شكرى
وعاطف الطيب وداوود عبد السيد، وليتحول منذ أول أفلامه «ضربة شمس»
إلى «خان» مدرسة لصناعة السينما ونقل الحياة، والمقبل على صناعة
الأفلام وتقبل تطوراتها وتقلباتها وصدماتها، مثل عدم تحقيق فيلما
مثل «الحريف» لإيرادات كبيرة، رغم بطولة عادل إمام له، لدرجة تدفعه
للندم على إخراجه هذا الفيلم، مرورا بصعوبة تقديمه أفلاما فى
سنواته الأخيرة، وفى ظل السوق الاستهلاكية، وعزوف نجمات الشباك
الجدد ممن لم يتجاوزن الثلاثين من أعمارهن وقتها عن بطولة أفلامه،
وصولا لمرونته وحبه للتجديد واستيعابه تقديم فيلم بطريقة الديجتال
«كليفتى»، ورغم كل التجارب والإحباطات بقى شغفه وولعه بالسينما
مشتعلين، ولم يُخمدا، وظل محمد خان ذلك «المخرج على الطريق» يعود
من وقت لآخر وراء الكاميرا، يُخرج ويُحب ويحيا بالسينما والموسيقى
والرومانسية والانغماس فى التفاصيل وفى تقديم الشخصيات من لحم ودم،
تحب وتكره، تفرح وتغضب، تعيش وتموت.
كان مولعاً بنسج العلاقات الإنسانية فى أعماله، ففيلم مثل «زوجة
رجل مهم»، ورغم اعتباره عملا سياسيا من قبل كثيرين، فإنه جسد غياب
وموت الرومانسية بين بطليه ليتحولا إلى شخصين آخرين غير اللذين بدأ
بهما شريطه السينمائي.
####
في الذكرى الثانية لرحيل محمد خان..
وسام سليمان: كان مخرجًا بروح مغامر
كتب: سعيد
خالد
«افتقدت مرحه وحالة البهجة والحب والاحتواء التى كانت فى منزلنا،
وحشتنى تعليقاته ومشاركته فى كل الأحداث، وروحه بالتأكيد»، هكذا
وصفت الكاتبة وسام سليمان مشاعرها فى الذكرى الثانية لرحيل زوجها
المخرج القدير محمد خان، وتحدثت عنه لـ«المصرى اليوم» فى ذكرى
رحيله الثانية، مؤكدة أنه كان بالنسبة لها الزوج والأستاذ والأخ
والصديق وكل شىء فى حياتها.
وقالت: كنت محظوظة بإخراجه 3 أفلام من تأليفى «بنات وسط البلد»
و«فى شقة مصر الجديدة» و«فتاة المصنع»، كان يحرص دائما على
الواقعية وأن يعبر السيناريو والحوار عن لغة الجيل والعصر ببساطة
شديدة، يفضل المعايشة ونقل الواقع، إلا أنه فى السنوات الأخيرة كان
يواجه أزمة فى تمويل أفلامه، وصعب عليه الاستمرار فى الإخراج بسبب
ظروف السوق، ورغم ذلك أصر على تحقيق أحلامه وتنفيذ التجارب التى
آمن بها، حتى إنه أنتج فيلم «كليفتى» عام 2004 بنفسه، رغم أنه لم
يعرض فى دور العرض السينمائى، وكذلك فيلم «بنات وسط البلد» واجه
أزمة حتى يوفر جهة إنتاجية وأنتج بميزانية ضعيفة جدًا.
وأوضحت: رغم تحقيق فيلمنا «فى شقة مصر الجديدة» إيرادات جيدة وقت
عرضه فى 2006، إلا أنه ظل بعدها أكثر من 7 سنوات حتى استطاع أن
يوفر جهة إنتاج لفيلمه «فتاة المصنع» فى 2013، وأنتج بدعم من وزارة
الثقافة وعدد من المهرجانات منها دبى، لم يكن مُرحبا به فى السوق
رغم أن أفلامه كانت ناجحة جماهيريًا ومازالت، إلا القليل جدًا
منها.
وأضافت «وسام»: «خان» كان بصدد تنفيذ سيناريو فيلم تحت عنوان «فى
مهب الريح» كتبه منذ سنوات، وكذلك سيناريو فيلم «ستانلي»، وحلم
بتنفيذه قبل وفاته،لأنه كان محبا جدًا لفكرته وقريبا منه وكان يبحث
عن جهة لإنتاجه، وكان من المفترض أن يقوم ببطولته الراحل خالد صالح
لكنه توقف، وبحث تحويله لعمل تليفزيونى، وكذلك كان يحلم بتنفيذ
مسلسل بوليسى، وأن يصدر كتابا. وعن أكثر ما كان يزعجه قالت: أن يظل
بدون عمل وتواجد داخل لوكيشن تصوير لفترة طويلة، وكان يعتبر صناعة
السينما حياته، وأسعد لحظاته حينما كان مع أولاده نادين وحسن خان،
وحينما حصل على الجنسية المصرية رغم أنها تأخرت كثيرًا.
وكشفت «وسام» سر اهتمامه بقضايا المرأة والانتصار لها ورصد القهر
الذى تتعرض له فى أفلامه قائلة: «معروف عن خان أنه كان محبا للمرأة
ومدركا لمعاناتها فى طبقة اجتماعية معينة، وكثير من أفلامه كان
البطل فيها المرأة مثل (أحلام هند وكاميليا) و(فتاة المصنع)، كان
يدافع عن حقوق المرأة».
وتحدثت عن طقوس «خان» اليومية: القراءة ومشاهدة الأفلام، فكان
يشاهد فيلمين يوميًا على الأقل، و«إلا مايعرفش يكمل يومه»، وكان
محبا لاقتناء كل ما يتعلق بالأفلام كصور أو غيره.
وتابعت: لم ير «خان» فى أى مخرج شاب امتدادا له ولمنهجه ومدرسته
ورؤيته، وكان يقول ليس هناك شخص امتداد لغيره ويراها مقولة خاطئة،
وكذلك لم يكن يعتبر نفسه امتدادا لغيره من المخرجين.
وتحدثت «وسام» عن الأسس التى كان يختار وفقا لها أعماله: كان يفضل
أن يكون الفيلم فكرته، ويكلف آخر بكتابة السيناريو والحوار، وكان
مهموما بالقضايا الاجتماعية للطبقة الفقيرة والمتوسطة.
وعن الصديق المقرب له قالت: كانت علاقته بالفنان أحمد زكى هى
الأقرب، وكانت خاصة جدًا، فيها الحب والصراع الدائم، وأخرج كما
كبيرا من أفلام «زكى» قرابة 6 أفلام لأدوار مهمة منها «زوجة رجل
مهم» و«أحلام هند وكاميليا» و«مستر كاراتيه» و«طائر على الطريق»،
وكذلك كانت علاقته بالفنان الراحل نور الشريف جيدة، وأنتج له أول
أفلامه «ضربة شمس»، وكذلك كان يقدر فن يحيى الفخرانى ويعتبره من
أهم الممثلين، وكان سعيدا بتجربته الوحيدة مع الزعيم عادل إمام فى
فيلم «الحريف»، رغم أن الفيلم لم يحقق إيرادات، ولم يستمر طويلا فى
دور العرض، رغم أنه من إنتاج «خان» مع عاطف الطيب ونادية شكرى
وسعيد شيمى.
وتابعت: «خان» كان لديه روح المغامرة بداية من الاختيار بين البقاء
فى لندن أو العودة إلى القاهرة، مرورا بأن يذهب للعمل فى لبنان
كمساعد مخرج فى فترة من حياته.
وعن أحب أفلامه لقلبه قالت: كان محبا لكل أفلامه، ولكنه كان يعتز
جدًا بفيلمه مع السيناريست عاصم توفيق «عودة مواطن»، وكان يشاهد
الفيلم وكأنه يستمع لكلام عاصم توفيق وكان محبا لرؤيته ومشاهدته.
واختتمت «وسام» حديثها عن «خان»: كان ينتقد نفسه، ولكن دون أن
يحاسب نفسه، وكانت دائما نظرته للمستقبل وللتجارب المقبلة، ولا
يفكر كثيرًا فيما فات.
####
في الذكرى الثانية لرحيل محمد خان.. ميرفت أمين: أفلامي معه أحدثت
«نقلة» في مشواري
كتب: المصري
اليوم
قالت الفنانة ميرفت أمين إن المخرج السينمائي الراحل محمد خان «كان
حالة سينمائية وإنسانية خاصة، صديق عزيز قبل أن يكون زميلا، أفلامى
الثلاثة معك من أهم أعمالى، وكانوا بمثابة النقلة فى مشوارى
الفنى».
وأضافت لـ«المصري اليوم»، في الذكرى الثانية لرحيله: «خان صاحب
رؤية خاصة ومختلفة فى كل شىء، وهذا سر تميزك، كما كنت صاحب مدرسة
سينمائية، سعد بها كل من دخلها، وعمل فيها من الفنانين، وأسهمت
كثيرا فى إنعاش السينما المصرية بتقديم القضايا المهمة وتناول
موضوعات جديدة فى أفلامك والدخول فى مناطق شائكة، رغم أن هذا كان
يكلفك كثيرا من الترتيبات والتحضيرات، إلا أنك كنت حريصا على تقديم
فكر سينمائى مختلف، أضاف كثيرا للصناعة، ومن يشاهد أفلامك يدرك
أنها شديدة العبقرية، وتحمل الكثير فى تفاصيلها».
####
محمد خان.. المشغول بالتفاصيل والمهموم بمن لا يفهمه
كتب: أحمد
مجاهد العزب
ذات يوم، كتب المخرج محمد خان مقالا بعنوان «حالة جفاف في النشر
السينمائي» يشكو فيه المجلات الموجودة في العالم العربي لأنها وعلى
حد تعبيره «تعتمد على الخبر والصورة أكثر من النقد الجاد والدراسة
العميقة والتحليل المنور للفيلم»، وفي نفس المقال انتقد كتب
السينما لأنها «إما تعليمي مترجم، أو تحليلي مترجم أيضًا»،
متسائلا: «أين هو العقل السينمائي العربي في عالم النشر؟».
كان المخرج يعاني من أزمة طالته في مناقشة أفلامه على وجه التحديد،
لأنه وكما كان يرى نفسه دائمًا «مهتمٌ بالتفاصيل لا بالحدوتة أو
الحلول» لذلك لم يجد من يناقشه في هذه التفاصيل التي اعتاد
استخدامها داخل أفلامه، ومن يقرأها كما يتمنى ليعيد اكتشافها
وتقييمها ويبعدها عن مبالغات رد فعل المشاهدة الأولى، سواء كان
المشاهد مع أو ضد الفيلم، بل كان النقد العربي في الغالب يكتفي
بالحدوتة فقط.
ازدادت مشكلة خان مع النقد الفني في مصر والوطن العربي تأزمًا لأنه
كان مشغولا أيضا بـ«الاخترال» والذي اعتبره في كتابه «مخرج على
الطريق» شجاعة تحترم ذكاء المشاهد في مشاركته أحاسيس ومفاهيم العمل
الذي أمامه على الشاشة، لذلك كان يدقق في استخدام الرمزية داخل
أعماله، وينتظر من الناس أن تقرأ ما بين السطور دون أن تكتفي
بالقصة والحوار فقط، من أجل تكوين صورة كاملة عن الأحداث ومجرياتها
وطبيعة الشخصيات التي تدور حولها الحكاية.
على سبيل المثال، في فيلمه «موعد على العشاء» إنتاج عام 1981، جسدت
سعاد حسني دور «نوال» الزوجة المطحونة التي تبحث عن حريتها
وسعادتها، وفي الجزء الأول من الفيلم كان من المفترض أن تلتقي
بصديقة من أيام الدراسة مع طفل وزوج، بغرض إلقاء الضوء على حياة
«نوال» قبل زواجها من رجل أعمال ثري بضغطٍ من أمها، وفي نفس الوقت
احتكاك الشخصية بصديقة من الماضي في وجود طفل هي محرومة منه، إلا
أن خان بعد المونتاج الأول للفيلم قرر حذف هذا المشهد كاملا،
واكتفى بلقطة للبطلة وهي تقود سيارتها بينما تنظر إلى امرأة وزوجها
وطفلهما يسيرون على الرصيف، ليعبر عن المعنى المقصود.
حدث ذلك أيضًا في فيلم «زوجة رجل مهم» إنتاج عام 1987، بعد عزل
الضابط «هشام» عن عمله بالمباحث، وشرائه سيارة واستئجار سائق حتى
يبدو أمام سكان الحي وكأنه لا يزال محتفظا بوظيفته وهيبته.
كان مقررا -حسب المكتوب في سيناريو الفيلم- أن تتعطل السيارة على
أطراف المدينة ويحاول السائق تصليحها، بينما لا يكف الضابط المعزول
عن تأنيبه بلهجة قاسية، مما يدفع السائق في النهاية للتمرد عليه
وتركه في وسط الطريق ويطالبه بأجره عن المدة التي عمل بها، إلا أن
خان قرر أن يحذف المشهد بأكمله لأنه وجد أكثر من صورة أخرى تؤكد
نفس معنى سقوط «هشام» وضياع سلطته.
وفي نفس الفيلم، تجد خان يعتمد تفاصيلا صغيرة تكشف لك جوانبًا
مختلفة عن شخصية أبطال العمل إذا دققت فيها، كأن ترى –مثلا-
الكاميرا تتبع قرطا رقيقا على شكل فراشة ترتديه «منى» في أذنها
-التي جسدت ميرفت أمين دورها- وفي نفس الوقت تتبع طريقة تصفيف
«هشام» الذي جسد أحمد زكي دوره، شاربه أمام المرآة، ليفسر ببساطة
ملامح الشخصيتين وتناقضهما بين الشاعرية والجمودية، هذا إلى جانب
صوت عبدالحليم حافظ وارتباط البطلة به، وهي تفصيلة اعتاد المخرج
الراحل على استخدامها داخل أعماله بأن يربط الفيلم بمطرب، بناءً
على إختيارٍ حكيم يربط بين الأغاني وسير الأحداث، لا مجرد إهداء
رمزي أو عشوائي في أول العمل.
هكذا كان خان حكاءً مشغولاً بالتفاصيل، ولا يفوت فرصة في أن يختزل،
وأن يستخدم الرمزية للإشارة إلى معانٍ أخرى أكبر قد تغير في نفس
المشاهد وعقله أفكارا أثناء المشاهدة، وتساعده على التحليل العميق
والوصول إلى ما هو أبعد من الحدوتة والحوار المكتوب، لذلك بحث
دائما عن ناقد فني وكتابة عن السينما تغوص أكثر في العمق، ولا
تكتفي بالخبر، وظل هذا يؤرقه حتى رحل عن عالمنا يوم 26 يوليو عام
2016.
####
في الذكرى الثانية لرحيل محمد خان.. فردوس عبدالحميد: اختلفنا بسبب
«قُبلة»
كتب: المصري
اليوم
قالت الفنانة فردوس عبدالحميد إن المخرج السينمائي محمد خان «إنسان
ملىء بالطاقة والحماس لإنجاز الكثير فى الحياة والسينما، جاء من
إنجلترا ولديه حلم لتقديم سينما مختلفة حيث كانت سينما المقاولات
هى السائدة فى تلك الفترة، واستطاع والطيب وخيرى تقديم سينما جديدة
ومختلفة، سينما تعبر عن الواقع والتغيرات الاجتماعية التى حدثت فى
هذه الفترة».
وأضافت، لـ«المصري اليوم» في الذكرى الثانية لرحيل «خان»: «التقيته
فى منتصف السبعينات عندما كنت فى انجلترا مع محمد العربى وسعيد
شيمى الذى اصطحبنا لزيارة صديق له يمتلك محل ملابس «كان محمد خان»،
وبعد عام باع محل الملابس، وجاء لمصر للعمل بالسينما، وقدم فيلم
«ضربة شمس» مع نور الشريف وحقق نجاحا كبيرا، وأسس مع الطيب وبشير
شركة إنتاج سينمائى وأنتج فيلم «طائر ع الطريق»، كنت أنا وأحمد زكى
وجوها شابة، ولكنه كان يمتلك من الجرأة أن يقدم وجوها شابة فى فيلم
إذا كان ذلك يناسب العمل ويضَيف له، وقد كان حريصا فى معظم أعماله
أن يُقدم وجوها جديدة».
وتابعت: «قدمت معه بعد ذلك فيلم «الحريف» وكان حالة فنية متميزة،
أتذكر أنه رغم طيبته الشديدة وابتسامته الدائمة وعشقه للمرح إلا
أنه كان ديكتاتورا فى العمل، ولا يقبل بأى رأى مختلف، وقد حدث
بيننا خلاف فى فيلم «طائر ع الطريق» فى بداية العمل، وقبل الموافقة
عليه طلبت حذف مشهد «قُبلة» موجود فى الفيلم، وكانت مفاجأة له وبعد
مناقشة طويلة، وإصرار منى على موقفى تراجع «خان» ظنا منه أننى يوم
التصوير وبالأمر الواقع سأخضع وأوافق على تصوير المشهد، وبدأنا فى
تصوير الفيلم وفى يوم هذا المشهد، بدأ التحضير وأبلغته أننى لن
أصور هذه القبلة وأنت تعلم رأيى من البداية، ثار وغضب، ولكنى لم
أتراجع عن موقفى وأمام إصرارى اضطر لتعديل زاوية الكاميرا بحيث
يكون الكادر من خلف أحمد زكى وتظهر كأنها حدثت، وهى لم تحدث».
####
في الذكرى الثانية لرحيل محمد خان.. هنا شيحة: وجودك حيّ في عقلي
كتب: المصري
اليوم
قالت الممثلة هنا شيحة إنها تشعر «بالفخر لأنني عملت مع المخرج
الكبير محمد خان، أشعر بالتفرد لأنني من بطلات أفلامه، أشعر
بالخصوصية لأنه كان صديقى، أشعر بالانتماء لفن من نوع خاص ومدرسة
فنية لمخرج مقاتل من أجل رؤيته وإبداعه ضد كل اعتداء».
وأضافت، لـ«المصري اليوم»، في الذكرى الثانية لرحيل «خان»: «يكفى
أن تقول الاسم فتشعر بالفخر، عملت معه، وهذا وسام أضعه على صدرى
بكل شرف، أن يرانى بطلة فيلمه ويؤمن بى، هذا وحده وسام، كل من عرف
خان يشعر بمكان خاص وخصوصية ليس لأحد مثلها في قلبه وروحه، ما زال
عندى حكايات لم أحكها لك، ومشورة لم آخذها منك بعد وذكريات لم
تقلها لى بعد، كمّ من الكلام المتدافع عنك وعن تجربتى معك لا
ينتهى».
وتابعت: «أتذكر التفاصيل الدقيقة معك ومكالمتك الأولى لى وفرحة
قلبى عندما رأيت اسمك يرن في هاتفى، فرحة لا توصف، محمد خان بيتصل
بيا، وكان فيلم «قبل زحمة الصيف» اختيارك لى كبطلة لفيلمك وتصميمك
وإيمانك بى وحبك الخالص للفن ورؤيتك المتناهية في الخصوصية وبساطة
وسلاسة العمل معك، جعلت تجربة السينما معك من أمتع ما يكون، روحك
شابة مدهشة مندهشة دائما مثل الأطفال، هكذا أنت طفل يحب الحياة،
ويراها مدهشة وممتعة طوال الوقت».
وأردفت قائلة: «أكتب لأنني أريد الحديث عنك بلا توقف، أتذكر
التحذير المبدئى قبل أن أقابلك أول مرة: خان ديكتاتور في عمله
وعصبى ومبيحبش الطلبات الكتير، والرغى الكتير، وأنا رغاية جدا
ومتطلبة جدا في الشغل «معروفة» طبعا غير صوتى العالى السوبرانو،
ذهبت مع وائل عمر، منتج الفيلم لمنزل خان في المعادى، وكانت
المقابلة الأولى، مر الوقت كأنه ثانية مش ساعات! خان أصبح صديقى من
أول لحظة».
واختتمت: «وقعت في غرام عالمه وحكاياته وذكرياته وأفلامه أكثر من
قبل، لم أشعر بالرهبة، بل الاحتواء، استقبلنى كأنى صديقة قديمة،
فتت الخوف والحساسية تجاهه، تكلمنا عن كل شىء كم أنت ملىء بالحب،
قلبك وسع كل الناس، وجودك حى جداً في عقلى، لو ده المشهد الأخير في
فيلمك، ذهابك المفاجئ، كنت حتقول «Not
bad»،
وتضحك وعينك تلمع وتقول «Next»،
بس «Next»
المرة دى صعبة قوى علينا يا خان، كتبت هذا في ذكرى رحيلك الأول،
وتمنيت أن يصلك في ذكراك الثانية».
####
في الذكرى الثانية لرحيل محمد خان.. سلوى محمد علي: أتمنى تكون
سعيدًا
كتب: المصري
اليوم
قالت الممثلة سلوى محمد على إنها تعاونت مع المخرج السينمائي
الراحل محمد خان في أكثر من عمل، مثل «فتاة المصنع» و«قبل زحمة
الصيف» و«بلاش تبوسنى».
وقالت، لـ«المصري اليوم» في الذكرى الثانية لرحيل «خان»: «أتذكر
مشهدا في «موعد على العشا» لحسين فهمى، وهو يقف خلف زجاج الشباك
والكاميرا من الخارج، هذا المشهد تكرر مع خان في فيلم «الحريف»
لعادل إمام وفيلم «فارس المدينة» لمحمود حميدة، وعندما سألت خان عن
سبب تكرار هذا المشهد والمغزى منه أكد أنه استرجاع لذكرى والده
الذي كان يقف بنفس الطريقة عند الشباك إذا حدثت له أزمة أو مشكلة،
وبدون تفكير تكرر المشهد مع أبطال أفلامى إذا تعرضوا لأزمة أو
مشكلة ما يقفون بنفس الطريقة».
وأضافت: «خان أو ميمى كما كنا نناديه كان مُحبا للحياة وللأكل، وهو
من أكثر المخرجين الذين عبروا بالأكل عن مشاعر متناقضة ومختلفة في
الحياة، عبر عن السعادة والبهجة في «خرج ولم يعد»، وعن الموت في
«موعد على العشا» وعن العنف في «زوجة رجل مهم».
وتابعت: «خان كان مولعا بالقاهرة والإسكندرية، وتجول بالكاميرا في
شوارعهما وكأنه أراد أن يؤرخ لمصر من خلال الكاميرا، خان عاش سينما
ولعب في الحياة والسينما كطفل صغير. بحبك، ووحشتنى أوى وأتمنى تكون
سعيدا ومبسوطا في مكانك الأبدى.. إلى اللقاء».
####
«خان المعلم».. فى حب المخرج والإنسان
كتب: المصري
اليوم
في حب محمد خان المخرج والإنسان، المولع بالتفاصيل والكادرات ورصد
البشر وهمومهم وأحلامهم، قدم المخرج أحمد رشوان فيلمه الوثائقى
«خان المُعلم» الذي بدأت فكرة تقديمه من «خان» خلال سنواته الأخيرة
قبل رحيله، وبالاتفاق مع مخرجه أحمد رشوان بحكم قربه من «خان»
وعمله معه كمساعد مخرج.
علاقة «خان» بـ«رشوان» بدأت قبل 30 عاما، واستمرت 28 عاما منذ كان
«رشوان» طالبا في كلية الحقوق يعد نشرة سينمائية يراسل بسببها صناع
السينما، وتفاعل معه «خان» وكان لديه إيمان بأن المسؤولين عن تلك
النشرة السينمائية يقدمون شيئا مختلفا، فأرسل مقالا ونشره «رشوان»
في نشرته، ومن حينها بدأت علاقة الصداقة والأبوة بين «خان»
و«رشوان» حتى رحيله في 26 يوليو 2016، والتى أراد «رشوان» تسجيلها
في فيلم وثائقى في حياة «خان»، حيث بدأت الفكرة قبل عام ونصف من
رحيله، وتحمس وقتها لتقديم الفيلم وصوّر مشاهد تتحدث عن تجربته
ومشواره السينمائيين، مزودا بشهادات لـ8 أشخاص من المقربين منه
وممن عملوا معه، وعلى رأسهم زوجته كاتبة السيناريو وسام سليمان،
إلى جانب مديرى التصوير سعيد شيمى وكمال عبدالعزيز والسيناريست
بشير الديك والمخرجة نسرين الزنط.
«خان المُعلم» لا ينطبق عليه فقط كمخرج شاب عمل مع تلك المدرسة
السينمائية، بل يتعلق بكثيرين ممن عملوا معه وتابعوا كيف كان يختار
الممثلين والفنيين والمخرجين الشباب للعمل معه، ويرصد علاقته
بالأجيال الجديدة، هكذا وصف «رشوان» فيلمه، وقال: «يهمنى أن يصل
الفيلم إلى الجميع، وأن نكون قد نجحنا في تقديم «خان» ليس كفنان
فقط، بل كمخرج موهوب وتجربة لن تتكرر في صناعة السينما وفى الحياة،
وفى الإقناع، مثل أن يقنع نجما كنور الشريف أن يقدم فيلمه الأول
«ضربة شمس»، من بطولته وإنتاجه، أو أن يصور في الشوارع بهذه
الواقعية والتفاصيل، ويقدم تلك التنويعة من الأفلام التي قدرت بنحو
24 فيلما».
اعتماده واختياره لمديرى التصوير بطريقة الكاستينج المتبع مع
الممثلين، وذلك من خلال بعض اللقطات والمقاطع التي يصورونها.. سرّ
آخر من أسرار «خان» الإخراجية يتناولها الفيلم الذي شارك فيه خبراء
مونتاج بعضهم لم يعرف «خان» أو يعمل معه، بحسب «رشوان»، لكنهم
استشعروا من شهادات المقربين منه روحه واقتربوا منه ومن أسلوبه
الإخراجى وشاهدوا أفلامه، وكأنهم يعيدون اكتشاف «خان» واكتشاف
ذاتهم في صناعة الأفلام، ومنهم مدير التصوير مينا نبيل ومهندس
الصوت محمد الخولى، والمونتير محمد أنور الذي شاهد ساعات كثيرة مما
تم تصويره عن «خان»، ليختزله في 54 دقيقة، هي مدة الفيلم، بعد 8
أشهر من العمل على المونتاج، وهو ما يوضحه «رشوان»: «صناعة الفيلم
تحبب الآخرين فيمن لم يعرفوه وتجلعهم يتفاعلون معه من خلال أفلامه
وحواراته وتقربه من أجيال أصغر لم تعمل معه».
الفيلم عرض لأول مرة في مهرجان السينما العربية بباريس مطلع يوليو
الماضى، ولاقى ردود أفعال جيدة، ومن المقرر أن يعرض في بعض
المهرجانات السينمائية والمراكز الثقافية الفترة المقبلة، لتتم
مشاهدته في مصر على نطاق أوسع كما يأمل مخرجه أحمد رشوان. |