مهرجان أفلام السعودية في دورته الثالثة.. السينما تقتحم المجتمع
العرب/ الدمام
(السعودية)
مهرجان أفلام السعودية هو أحد برامج المبادرة الوطنية لتطوير صناعة الأفلام
السعودية، التي أطلقتها الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون. ويسعى
المهرجان إلى أن يكون محركا لصناعة الأفلام ومعززا للحراك الثقافي في
المملكة، موفرا الفرص للمواهب الجديدة من الشبان والشابات المهتمين بصناعة
الأفلام، كما يحتفي المهرجان بأفضل الأفلام، بهدف خلق بيئة لتبادل الأفكار
والتجارب والتطلعات بين المبدعين.
تختتم الاثنين 28 مارس ورشة التمثيل السينمائي وهي إحدى ثلاث ورش نظمها
مهرجان أفلام السعودية في دورته الثالثة بالدمام مع ورشة الإنتاج الإبداعي
لمحمد سندي وورشة التصوير السينمائي لجوناثان ويتيكر.
وكانت الدورة الثالثة من مهرجان أفلام السعودية افتتحت الخميس الماضي،
وتجدر الإشارة إلى أن الدورة الأولى للمهرجان أقيمت قبل سبع سنوات أعقبها
توقف لهذا الحدث السينمائي الذي استؤنف العام الماضي.
في اليوم الأول من عروض الأفلام بمهرجان أفلام السعودية الثالث، لاقت جلسات
العروض إقبالا جماهيريا حاشدا في مسرح جمعية الثقافة والفنون بالدمام الذي
شهد عرض 18 فيلما امتلأت صالة العرض خلالها بالزوار. وقد اتسمت العروض
بملامستها للواقع المحلي، ونقدها لبعض الظواهر الاجتماعية في مواجهة فنية
يقوم صناع الأفلام من خلالها برفع مرآة في وجه العالم ليرى نفسه فيها.
الدهشة والحزن
قسمت العروض على أربع جلسات حيث رفع المهرجان مرآته الأولى بعرض ثمانية
أفلام، كان أولها فيلم “مفتاح 14” للمخرج هاني القاضي، تناول من خلاله قصة
شاب معاق متفوق دراسيا يطمح إلى تحقيق أحلامه بينما تقف الظروف المحيطة به
عائقا، حيث أنه يعمل مع والده في ورشة لإصلاح السيارات. ثم تلاه الفيلم
الوثائقي “157” للمخرج محمد المطيري وهو عن قصة حقيقية “ديكودراما” من كتاب
المؤلف عبدالله عسيري، يسرد فيها مشكلته مع السمنة ومحاولته للتخلص منها
بأسرع طريقة، والتي كادت تودي بحياته.
المهرجان نظم ورشات مختلفة لهواة السينما منها ورشة التمثيل السينمائي
وورشة الإنتاج الإبداعي وورشة التصوير السينمائي
أما فيلم “عزة نفس″ للمخرج محمد الحمود فقد استعرض أحداثا تكتفي بالصمت
لحكاية فتى تضطره الظروف إلى خوض غمار العمل حتى يعين عائلته على العيش.
المخرج يوسف عبدالله قدم فيلمه الوثائقي “ذاكرة من الصحراء الباردة” الذي
كشف عن مدى التعايش بين المسلمين والبوذيين في منطقة لاداخ في جامو كشمير
بالهند من خلال رحلته إلى تلك الولاية، ويوثق في الوقت نفسه ما يسمى بصحراء
لاداخ الباردة، فيما تدور أحداث فيلم “26 أبريل” للمخرج علي آل غانم، حول
ثلاثة أصحاب خرجوا في نزهة صيد فلقي أحدهم حتفه مما جعل أصابع الاتهام تشير
إلى صاحبيه.
كما تم عرض فيلم “لمار” للمخرج فهد غزولي الذي يتحدث عن لمار، المرأة التي
تحاول العيش بسلام بينما تعيش في بيئة تملأها وجهات نظر مريبة.
أما فيلم “هيومانويد” للمخرجة أروى الساعاتي، فإنه يحكي عن عصر التكنولوجيا
حيث أصبح المجتمع مدمنا على استخدام الهواتف الذكية، غير مدرك لما يحيط به
في العالم الواقعي. واختتمت الجلسة الأولى للعروض بفيلم “جوجو الصرارة”
للمخرجة نادية رضوان والذي يستعرض عادات وتقاليد أهل مكة القديمة، استنادا
على دراسة للباحثة ليلى فدا، في استقبال أهل مكة للأطفال بعد عودتهم من
حجتهم الأولى، وكيفية الاحتفال بهم تشجيعا لغيرهم من الأطفال.
في الجلسة الثانية للعروض تم عرض فيلمي “آل زهايمر” للمخرج عبدالرحمن
صندقجي، وهو وثائقي يتحدث عن واقع مرضى آل زهايمر وذويهم في السعودية في
قالب استقصائي. وفي فيلم “المتاهة” للمخرج فيصل العتيبي، تم تشبيه المتاهة
بالحبل السُّري الذي لا تسير الحياة من دونه.
وبدأت الجلسة الثالثة بعرض فيلم “قارئة الفنجان” للمخرجة خالدة باطويل،
الذي يحكي قصة فنجان سحري يتنبأ بالمستقبل ويضع وصفة سحرية. تلاه فيلم “عش
إيلو” للمخرجة مها الساعاتي، الذي يحكي قصة صديقتين تلعبان بالدمى، فتظهر
امرأة غريبة تخبرهما عن أسطورة فلبينية تثير فضولهما. كما عرض فيلم “أصفر”
للمخرج محمد سلمان، وهو يلخص يوميات سائقي التاكسي الأصفر. وجاء فيلم
“القصاص” للمخرج عبدالله أبوالجدايل، ليروي لحظة مساومة أب لإنقاذ حياة
ابنه من القصاص، في ظل أجواء بدوية. أما فيلم “بسطة” للمخرجة هند الفهاد
فهو يستعرض جوانب من حياة نساء بسّاطات في سوق شعبي يحاولن كسب العيش.
واختتم اليوم الأول بالجلسة الرابعة التي تضمنت ثلاثة أفلام هي فيلم
“طقطيقة” للمخرج وشل حمدي، و”جنة الأرض” للمخرج سمير عارف، وفيلم “زاوية
180 درجة” للمخرج نعيم البطاط.
الأفلام أثارت ردود فعل متنوعة من الجمهور بين الضحك والدهشة والحزن، كما
استثارت أسئلتهم، ولقد وجه أحد الحضور تعليقا للمخرج هاني القاضي عن فيلمه
مفتاح 14 بأن القصة مبالغ فيها وأنه لا يتوقع وجود آباء بهذه القسوة كما
ظهر بالفيلم، عندها أجاب المخرج بأن القصة واقعية. وحول نفس الفيلم شارك في
المداخلات نجم اليوتيوب إبراهيم ميسيسبي بتساؤله عمّا كان يريد المخرج
بالضبط، فالنهاية لم تكن واضحة، فبيّن القاضي بأن النهاية في الفيلم تختلف
عن النهاية في القصة الواقعية وقد تم تعديلها لتناسب دراما الفيلم.
ووجه المخرج حمود الشمري سؤالا للمخرج محمد سلمان عن فكرة فيلمه “أصفر” وقد
تلخصت إجابته في أن الفيلم تأبين للتاكسي الأصفر الذي أخذ في الانقراض. كما
علق أحد الحاضرين على الفيلم نفسه بأن التركيز على التفاصيل والحياة
المحلية كان جميلا بشكل لا يُصدق، وأن الالتقاطات لديه كانت شاعرية، وأن
فكرته كانت واضحة أيضا.
واكتفى أحد الحضور بالتعبير عن إعجابه بفيلم “طقطيقة” مخاطبا وشل حمدي،
بعبارة “لقد صنعت يومي”، فيما تساءل زائر آخر عن رسالة الفيلم الذي رأى أنه
غارق في الرمزية، واستطرد “رسالة الفيلم الواضحة هي أنه صرخة ضد الضجيج
الذي تفشى في المدن الكبيرة”. كما أشاد أحد الحضور بفيلم “جنة الأرض” مرجعا
نجاح الفيلم إلى قوة النص الذي كتبته الفنانة أسمهان توفيق.
تفاعل إيجابي
في يومه الثاني عرض المهرجان 19 فيلما في أربع جلسات. حيث واصلت السبت
الماضي جمعية الثقافة والفنون بالدمام تقديم عروض الدورة الثالثة لمهرجان
أفلام السعودية وسط إقبال جماهيري كبير.
وافتتحت الجلسة الأولى عروضها بستة أفلام أولها فيلم “زينة الحياة” للمخرج
فهمي فرحات، وفيلم “ماطور” للمخرج محمد الهليل، وفيلم “حوار وطني” للمخرج
فيصل الحربي، وفيلم “جواهر” للمخرجة جواهر العامري، وفيلم “المضي قدما”
للمخرجة أثير الحربي، واختتمت الجلسة بفيلم “المنحنى السلبي” للمخرج فهمي
فرحات.
وعرض في الجلسة الثانية فيلما “آمنون” للمخرج طارق الرويلي، و”أديب” للمخرج
عون الملا. واستهلت الجلسة الثالثة عروضها بفيلم “ترددات” للمخرجة نورة
المولد، تلاه فيلم “أمل” للمخرجة هاجر النعيم، وفيلم “ذاكرة ممتلئة” للمخرج
محمد المريط، وفيلم “وحيد” للمخرج أيمن خوجة، وفيلم “أبدي” للمخرج محمد
مكي، وفيلم “مطب” للمخرج محمد الشاهين.
واختتمت الليلة الثانية من المهرجان عروضها بخمسة أفلام هي فيلم “زهرة”
للمخرجة سارة العتيق، وفيلم “هجولة” للمخرجة رنا الجربوع، وفيلم “القناص”
للمخرجة نورة المولد، وفيلم “ران على قلوبهم” للمخرج راكان الحربي، وفيلم
“شيخة” للمخرجة نداء برناوي. وقد تكون لدى الحاضرين البعض من التساؤلات
والتعليقات التي قاموا بتوجيهها إلى مخرجي الأفلام بُعيد كل جلسة، بدأها
أحد الحضور للمخرج فهمي فرحات بتساؤله عن رسالة فيلمه “زينة الحياة” ومن
أين استوحى فكرته.
ليجيب فرحات بأن رسالة الفيلم هي بمثابة تحد خاضه مع زوجته بطلب من جمعية
الصم في البحرين، ويضيف قائلا “تأثرت بالفيلم وبكيت أثناء تنفيذ بعض
المشاهد”. وفي سؤال حول الفيلم نفسه عن حجب متعة الصوت عن المتلقي، وضح
المخرج بأنه أراد من الصمت أن يدخل المشاهد في جو الفيلم وأن يعيش مع
الأبطال دور الأصم لكي يرى الأشياء كما يرونها.
وتوجه أحد الحضور بسؤال للمخرج محمد الهليل حول ما إذا كانت الإضاءة
الطبيعية في فيلمه “ماطور” اختيارية أم قسرية لضعف الموارد، فأجاب الهليل
أن الإضاءة يعود اختيارها إلى مدير التصوير “ولكني بالفعل كنت متعمدا ترك
الإضاءة طبيعية لتتماشى مع جو الفيلم”. كما جاء سؤال آخر عن تصنيف المخرجة
جواهر العامري لفيلمها “جواهر” الذي يحكي عنها شخصيا، فقالت “بصراحة أنا
شخصيا لا أعرف ما هو تصنيف هذا النوع من الأفلام ولم أكن أعتبر هذا فيلما
ولكن بعد دخولي دورة عن الأفلام تعرفت على هذه النوعية من الأفلام، وكان
تحديا لنفسي بأن أصنع هذا الفيلم”.
وتشي مداخلات حضور جلسات عروض الأفلام بطبيعة ثقافتهم الفنية، حيث ينتقد
أحدهم ما عبر عنه بوضوح “التوثيق المصطنع” في فيلم “ترددات” للمخرجة نورة
المولد مستدلا بزوايا التصوير. وتمنى آخر لو استعانت المخرجة بممثلين أكبر
سنا “لأن ممثلي دور المحامي والطبيب كانا أصغر سناً مما يصدّق”.
جاء رد المولد ليبين بعض الصعوبات التي تواجه صانع الفيلم والتي تصل حتى
إلى ندرة الممثلين من غير الشباب أو صعوبة الوصول إليهم، فيما أشاد بعض
الحضور باختلاف فكرة الفيلم وتميزِ أسلوبه.
وقد تنوعت تدخلات الجمهور وتفاعل معها المخرجون بشكل إيجابي ومميز ما ساهم
في خلق فضاء سلس ومفيد من النقاشات، التي ساهمت في إثراء فعاليات المهرجان،
التي لم تقتصر على عرض الأفلام، بل سعت أكثر إلى تشريك المتلقين فيها
بالنقد والتساؤل.
ورشات إبداع
“التمثيل هو أن لا تمثل” بهذا الشعار انطلقت ورشة التمثيل السينمائي ضمن
مهرجان أفلام السعودية في دورته الثالثة تحت إشراف وتدريب الفنان إبراهيم
الحساوي، وهي واحدة من ثلاث ورش احترافية ينظمها المهرجان ويدعمها بالتعاون
مع أكاديمية الأمير أحمد بن سلمان للإعلام التطبيقي وأكاديمية نيويورك
لصناعة الأفلام.
بدأت ورشة التمثيل السينمائي بأسلوب غير معتاد إذ استفز الحساوي ردة فعل
المتدربين من خلال مقابلتهم بردود فعل ومشاعر صادمة، حال مبادرتهم بإلقاء
التحية عليه قبيل دخولهم قاعة التدريب مما أدخلهم في حالة ارتباك وتوتر.
عبر الحساوي عن هذا الأسلوب بأنه استهداف عملي لكيفية تعاطي الممثل مع
الضغوط والقلق والتوتر وضرورة الشعور بوطأة التوتر وعدم الاستعداد للموقف
والتحرر من ذلك أثناء خوض الممثل أدوارا تستدعي تجسيد شخصيات معقدة ومركبة
في الأفلام. السؤال العريض لورشة اليوم الأول “هل التمثيل حقيقة؟” تأرجحت
حوله إجابات المتدربين والمتدربات الذين أبدى كل منهم وجهة نظره قبل أن
يشرح الحساوي أن عملية التمثيل هي فلسفة عميقة تبدأ قبل الوقوف أمام
الكاميرا بوقت طويل.
القدرة على توظيف كل الحواس في تأدية الأدوار السينمائية، وتأثير الماكياج
الخارجي، وإظهار “الماكياج الداخلي” للشخصية للوصول إلى حد الإقناع هي بعض
المهارات التي استفاض وركز عليها الفنان إبراهيم الحساوي مستعينا في ذلك
بتمرين جماعي للمتدربين على تقمص وتأدية دور شخصية الأعمى. تفاعل المتدربون
بحماسة كبيرة وتعرفوا على مكامن الضعف والقوة في أدائهم بالتوجيه والتصحيح
المباشر سواء من الفنان الحساوي أو ملاحظات المتدربين أنفسهم، إضافة إلى
تطبيق تمارين جماعية لتعزيز التواصل وتحريك المشاعر الدافعة للتفاعل مع
الآخرين مهما كانت الآراء والتوجهات والمواقف.
في الثلث ما قبل الأخير من الورشة، تناوب المتدربون على طرح الأسئلة حول ما
يتعلق بتقمص الشخصيات وعزل الذات واكتشاف الشخصية، والتواصل العاطفي مع
السيناريو قبل تأدية الدور ونوه المدرب على أن تكون قراءة السيناريو على
ثلاث مراحل؛ القراءة العامة للسيناريو، وتليها القراءة بعمق لأبعاد
الشخصية، وأخيرا القراءة لاستيعاب الفكرة والتشبع بالقصة. واستشهد بإحدى
حالاته الخاصة مع سيناريو “مونودراما نوستالجيا” من كتابة الشاعر صالح
زمانان الذي بلغ حد البكاء أثناء قراءة نصه، في إشارة إلى أهمية وضرورة
التفاعل العاطفي مع السيناريو للتمكن من تقمص الشخصية.
“هل التمثيل سهل أو صعب؟” أنهى الحساوي الورشة بهذا السؤال، وتباينت آراء
المتدربين حوله بناء على تجاربهم الشخصية، واتفقوا على أن الموهبة الفطرية
عامل أساسي دون إغفال دور التدريب والتثقيف الذاتي لصقل الموهبة والانفتاح
على الجزء الأعمق من الذات. |