نقد السيناريوهات المتنافسة على الأوسكار
محمد رُضــا
يحصل أعضاء الأكاديميات والجمعيات النقدية أو سواها من المؤسسات
التي تمنح جوائز سنوية على نسخ من أهم السيناريوهات التي يُـراد
لها خوض مسابقات السيناريو. ويبدأ كل شيء مع التحضيرات للتصويت على
جوائز "جمعية مراسلي هوليوود الأجانب" المُسمّاة غولدن غلوبس
Golden Globes (التي
ينتمي إليها هذا الناقد) فيغرق الأعضاء بقراءة ما يريدون منها
وصولاً لترشيحها (أو عدم ترشيحها) إلى تلك الجوائز.
معظم الأعضاء في كل الجمعيات والأكاديميات يكتفون بمشاهدة الفيلم
للحكم على السيناريو. هذه المشاهدة لابد منها، فلا يمكن الحكم على
السيناريو من دون مقارنته بالنتيجة إلا إذا كان السيناريو مشروعاً
مُقبلاً. لكني من بين قلّـة من العاملين الحريصين على قراءة
السيناريوهات التي سيتم ترشيحها لجوائز الموسم. هذا يستهلك وقتاً
طويلاً بالطبع لكنه مجز للناقد حتى بصرف النظر عن التصويت الذي
يزعم القيام به.
عبر هذه القراءة يستطيع الناقد أن يلقي المزيد من الضوء على الفيلم
الذي شاهده أو سيشاهده. سيستطيع الحكم فعلاً على العمل من ناحية
أين وكيف التزم المخرج أو لم يلتزم ولماذا؟ ولمن يهوى كتابة
السيناريوهات، فإن المسألة فرصة ذهبية لفهم العملية السينمائية
المناطة بهذا النطاق من العملية السينمائية.
حالياً، ولجوائز الأوسكار المنتظرة هناك عشرة سيناريوهات متنافسة
خمسة في قسم السيناريوهات المكتوبة خصيصاً للسينما وخمسة أخرى في
قسم السيناريوهات المقتبسة عن وسيط مختلف أو، كما هو عنوان
الأوسكار في هذا القسم المأخوذة عن «مادة سبق إنتاجها أو نشرها".
في هذا القسم تتبارى السيناريوهات الخمسة التالية:
«ذا
بيغ شورت»
The Big Short
من كتابة المخرج "أدام ماكاي" والسيناريست "تشارلز راندولف" عن
رواية مايكل لويس بالعنوان نفسه.
«بروكلين»
Brooklyn
من كتابة "نك هورنبي" وإخراج "جون كراولي" عن رواية كولم تولبين.
«كارول»
Carol
الفيلم الذي أخرجه "تد هاينز" عن سيناريو نقلته السيناريست "فيليس
ناغي" عن رواية الكاتبة "باتريشا هايسميث" نشرت في الخمسينات تحت
عنوان «سعر الملح».
السيناريو الرابع هو «المريخي»
The Martian
الذي وضعته "درو غودارد" عن كتاب "أندي وير" بالعنوان نفسه وقام
بتحقيقه "ريدلي سكوت".
أما السيناريو الخامس المرشح في هذه الفئة فهو لفيلم «غرفة»
Room
عن رواية (بالعنوان ذاته) وضعتها "إما دونوهيو". أخرج هذا الفيلم
"لَـني أبراهامسون".
أولى الملاحظات هنا هي أن ثلاثة من هذه الأفلام تدور عن ومن بطولة
امرأة وهي «بروكلين» و«كارول» و«غرفة». الفيلمان الآخران، «ذا بيغ
شورت» و«المريخي» لا يحتويان على شخصيات نسائية في الأساس. فقط في
الجوانب.
وهذا الوضع مختلف تماماً بالنسبة للأفلام الخمسة المرشّـحة في قسم
السيناريو المكتوب خصيصاً للسينما وهي «جسر الجواسيس» لـ"مات
شارمان" و"إيثان وجووَل كووَن" إخراج "ستيفن سبيلبرغ"، «إكس
ماشينا» الذي وضعه وأخرجه "أليكس غارلاند"، و«إنسايد آوت» لأربعة
كتاب بقيادة المخرج "بيت دوكتر"، «سبوتلايت» الذي وضع السيناريو له
المخرج "توم مكارثي" بمعاونة "جوش سينجر"، ثم «مباشرة من كومبتون»
الذي قام بكتابته كل من "أندريا برلوف" و"جوناثان هرمان" (أخرجه ف.
غاري غراي).
هذا الاختلاف مردّه أن كل الأفلام المرشحة في مجال السيناريوهات
المكتوبة خصيصاً للسينما تتعامل مع أبطال رجال والمرأة لها دور
مساند، حتى في الفيلم الكرتوني «إنسايد آوت» حيث الأنثى حاضرة
لكنها لا تقود إلا بمعية الذكور.
موضوع صعب
لا يوجد سبب فعلي لذلك التباين ولا يأتي انعكاساً لتيار ما. في
العام الماضي لم تجد المرأة نفسها حاضرة كشخصية تقود العمل مطلقاً
لا في فئة السيناريوهات المكتوبة خصيصاً ولا في فئة السيناريوهات
المقتبسة. في أفضل الأحوال هي شخصية مساندة وفي فيلم واحد هو
«نظرية كل شيء». أما في بعض ما تبقى فهي نوع من الشريك الصامت
والمبتعد.
ولا يجب أن يعني أن تمحور سيناريوهات حول شخصية معيّـنة أنها
مكتوبة بتشابه ضمني أو مباشر. كل سيناريو له شخصية كاتب مختلفة
بأسلوبها وقدر فهمها للمطلوب وضعه على الورق. والمقارنة الأكثر
إفادة في هذا الشأن تقع بين «بروكلين» و«كارول» حيث تختلف الكتابة
تماماً في كل منهما عن الآخر علماً بأن الأحداث، لكل منهما تدور في
رحى الخمسينات.
«بروكلين»،
الذي يدور حول فتاة أيرلندية تنتقل إلى نيويورك لتعيش فيها لكنها
تبقى مرتبطة عاطفياً بحنينها إلى ثقافتها ومجتمعها ووطنها، يبدو
مكتوباً بإيجاز في الشرح خصوصاً من ناحية الأماكن والتصرفات. يعتمد
أكثر على الحوار ويعكس رغبة الكاتب ترك القرارات الرئيسة كلها
للمخرج لكي يتصرّف أو لفريقه لكي يتخيّـل تصاميم الإنتاج والديكور
المناسب للفيلم.
على عكسه، فإن كتابة "فيليس ناغي" أكثر تشويقاً للقراءة لأنها أكثر
امتلاكاً لحرفة الشرح من دون أن تخرج عن شروط الكتابة للسينما. لا
تتدخل في شغل أحد آخر، لكنها تمتلك الأداة الأدبية الصحيحة وفوقها
الرغبة في شرح المكان وتأكيد الحضور العاكس للنفس والذات لدى كل
شخصية.
موضوعها أصعب كونه يدور حول المثلية. في الصفحة التاسعة يأتي
اللقاء الأول بين كارول (كايت بلانشيت) وتيريزا (روني مارا) وفي
الصفحة 24 يأتي اللقاء الثاني، وبين اللقائين عودة لزمن لاحق لأن
السيناريو (كما الفيلم) يبدأ في ربيع 1953 قبل أن يعود لشتاء 1952
وينتقل أكثر من مرّة بين التاريخين.
«كارول»
يبقى أكثر السيناريوهات العشرة لعباً على الماضي والحاضر. هناك قدر
محدود من الماضي في «مباشرة خارج كومبتون» وحده. الماضي في «غرفة»
و«سبوتلايت» و«بروكلين» يأتي ذكراً وليس تصويراً.
مكان وزمان
هذا يدلف بنا إلى جانب مهم آخر في هذا الاستعراض لمزايا
السيناريوهات المتسابقة وهو المواقع الزمنية والأماكن التي تدور
فيها الأحداث.
التاريخ يأخذ بأهداب سيناريو «جسر من الجواسيس» كونه يدور في نهاية
الخمسينات ومطلع الستينات أيام الحرب الباردة بين الشرق والغرب.
وهو، مثل «كارول» مكتوب بمعرفة ذكية بالكيفية التي سيرى فيها
المشاهد هذا السيناريو المكتوب. تقرأه، إذا ما شاهدت الفيلم أولاً،
ويخطر لك أنك تشاهد الفيلم ثانية. والمخرج ستيفن سبيلبرغ في حديثه
إليّ في لندن عن «جسر الجواسيس» قال أن السيناريو الأول، ذاك الذي
وضعه مات شارمان، كان مختلفاً إلى الحد الذي دفعه ليطلب اشتراك
المخرجين والكاتبين إيثان وجووَل كووَن في الكتابة.
«سبوتلايت»
يعود إلى العقد الأخير من القرن الماضي وهي فترة شبيهة بتلك
الموجودة في «مباشرة خارج كومبتون» لكن هذا ليس الرابط الوحيد:
كلاهما مأخوذ عن واقعتين حقيقيّـتين. من المثري جدّاً مشاهدة
الفيلمين والربط بينهما على هذا الأساس.
ثم هناك الإيحاءات الزمنية والقصصية: «غرفة» مستلهم من حكاية
حقيقية لوحش بشري سجن ابنته في قبو لثلاثين سنة واعتدى عليها.
الرواية تنقل كل شيء لأميركا وتعامل وحشية الرجل بالإيحاء وحده
وهذا ما يفعله السيناريو- ولاحقاً - الفيلم.
«ذا
بيغ شورت» (والمعنى المقصود هو اقتصادي ينبع من الفيلم ذاته ويمكن
ترجمته إلى «النقص الكبير» على أساس أن التعبير يتعلق بأولئك
الواقعين تحت الحاجة). هذا أيضاً مستلهم من الواقع (شأن الرواية)
وهو واقع يستبق العام 2008 الذي اندلعت فيه الأزمة الاقتصادية
الكبرى.
سيناريو «إنسايد آوت» ينتمي إلى عمل مختلف فانتازي بالكامل كونه
فيلم «آنيميشن» ومكتوب بسهولة ومن دون رسالة أو مفاد على عكس
الأعمال الأخرى جميعاً.
أما «المريخي» و«إكس ماشينا» فخيالهما لا يضن على القاريء
(والمشاهد) بالمفادات: الأول عما قد يحدث لإنسان تُـرك وحيداً على
سطح المريخ، والثاني حول وضع مستقبلي آخر عندما يتم صنع نساء روبوت
فتحاول النساء امتلاك الشخصية المستقلة أيضاً. «المريخي» هو الأفضل
كتابة ووصفاً من «إكس ماشينا»، لكن هذا التباين يأخذ في الاعتبار
حقيقة أن الأول مكتوب وفي البال فيلم كبير الحجم، بينما كُـتب
الثاني وتم تنفيذه كفيلم صغير ومستقل. |