شيخ الممثلين خاض كل الأدوار
ماكس فون سيدو: لا أستطيع تصوّر نفسي متوقفاًعن التمثيل
محمد رُضا
حين تشاهد فيلم «حرب النجوم: القوة تستيقظ»، الفيلم السابع في
السلسلة، يفاجئك ظهور الممثل ماكس فون سيدو، حتى وإن قرأت اسمه قبل
دخولك إلى قاعة السينما. فهذا الممثل الذي يبلغ من العمر 86 سنة،
لا يزال يقف على قدميه ويقدّم أداءً يلغي الواقفين أمامه. فالمشاهد
التي يمثلها هنا قليلة، لكن بصمته عليها واضحة. تشعر كأنك لا تريد
للمشاهد أن تنتهي، لكن الفيلم ليس مصنوعاً لإثارة الإعجاب بمشاهده
بل لإثارة الإعجاب بتقنياته.
الممثل السويدي الذي وُلد في عام 1929، عاصر الكثير من التجارب،
ولعب في نحو 110 أفلام منذ سنة 1949 حين وقف أمام الكاميرا في
العشرين من عمره لأول مرّة، في فيلم «أم فقط»، لمخرج هو الأب
الروحي لإنغمار برغمن، اسمه ألف سيوبيرغ. وبرغمن هذا لعب دوراً
كبيراً في وقت لاحق من عام 1957، في صقل موهبة فون سيدو، وصياغتها
للناس على النحو الذي أثار وما زال مثيراً للإعجاب.
بعد 13 فيلماً مع برغمن، وافق ماكس فون سيدو، على أن يخطو إلى
قارعة الفيلم الأمريكي، إذ لعب من منتصف الستينات كل ما يخطر من
أدوار درامية على البال، في أدوار الخير، كما في «المهاجرون»
و«طارد الأرواح» (شخصية الراهب الذي يواجه الشيطان الذي تلبّس فتاة
صغيرة) أو شريراً في أفلام بدأها ب «3 أيام للكوندور» أمام روبرت
ردفورد، و«تقرير الأقلية» أمام توم كروز قبل 15 عاماً.
وخلال الأسطر التالية، يحدثنا ماكس فون سيدو، لنتعرف أكثر إلى
حياته وأعماله، وكثير من الأسرار..
·
هل صحيح أنك سميت نفسك «ماكس» لأن صحفيي السويد كانوا يطالبوك
دوماً بتهجئة اسمك الأصلي؟
نعم، هذا صحيح. جعلت اسمي سهلاً عليكم.
·
ولماذا «ماكس» وليس ألفريد أو جوناثان مثلاً؟
حين خدمت في الجندية كنت شاباً هاوياً للتمثيل، وذات مرّة تقمصت
شخصية ذبابة سميتها «ماكس»، وعندما تركت الخدمة وأكملت التمثيل
وبدأت أحظى باهتمام الصحافة، وجدت أن اسمي الأصلي، كارل أدولف فون
سيدو، طويل وأحياناً ما يرد الاسم الثاني (أدولف) قبل الاسم الأول،
أو يُكتب كارل بحرف
«K»
بينما هو بحرف
«C»،
فكان ماكس هو الحل.
·
سيكون لك دور في فيلم «حرب النجوم: القوّة تستيقظ»، هل أنت سعيد
بهذه التجربة؟
لا أعرف إذا كنت تستطيع تسميتها تجربة. المسألة هي أنني استلمت
عرضاً لتقديم دور محدود جداً في هذا الفيلم، لا يتطلب جهداً
كبيراً، وهو دور في فيلم يشاهده مئات ملايين الناس حول العالم،
وهذا ليس من السهل تجاهله.
·
لكنك، درامياً، لست بحاجة إليه. أقصد إنه لا يضيف لما سبق لك
تحقيقه من إنجازات.
هذا يتوقف على كيف تنظر إلى الفيلم وكيف تنظر إلى مهنة الممثل.
درامياً، كما تقول، لا يوجد شيء جديد يُضاف إليه. أنت هنا لا تؤدي
دور «هاملت» مثلاً. لكن الممثل عليه أن يعمل إذا كان لا يزال
قادراً على العمل. وحين تقدّم مني المخرج ج. ج أبرامز لم أتردد في
القبول. وطبعاً قرأت السيناريو، ومثل كل دور أقوم به، لا أحاول فقط
أن أحتل مكاني أمام الكاميرا، بل أسعى لكي أثبت قدراتي. ليس لأني
ما زلت بحاجة إلى ذلك، وأعتقد أنك توافقني على ذلك، بل لأن هذا هو
دور الممثل المحترف.
·
مثلت الكثير من الأفلام الأمريكية، كيف ترى الآن تجربتك في
هوليوود؟
غالباً مثيرة وجديرة، وفي العديد من المرّات وجدت مهنتي في صعود.
لنكن واقعيين، أي فيلم من العالم بأسره يمكن أن يمنحك الظهور في كل
أنحاء العالم غير الفيلم الأمريكي؟ الممثل يرغب دوماً في أن يرتبط
بالجمهور، فهو شيء مهم إليه جداً، والعلاقة بينهما أكثر حرارة من
العلاقة بين المخرج والجمهور، فهي مباشرة أكثر. والجمهور يسمع عن
المخرج لكنه يشاهد الممثل.
·
هل هذه العلاقة مستمدة من المسرح؟
تستطيع أن تقول ذلك، لكنها أيضاً رغبة طبيعية من عند الممثل حتى لو
لم يكن خريجاً مسرحياً، فالدافع الأكبر لدى أغلبية الممثلين هو
إتقان ما يقومون به. بالعودة إلى سؤالك، أريد أن أخبرك شيئاً ذكرته
مرات قليلة من قبل، لم أذكره منذ سنوات، نشأت في أفلام سويدية
طبعاً، وإنغمار برغمن له تأثير كبير عليّ. مثلت له في 13 فيلماً،
بما فيها فيلم «الختم السابع» سنة 1957 أو نحو ذلك، وكان دوري فيه
يعكس شخصية رجل من خارج الأرض، ربما ملاك من السماء وفي الوقت ذاته
يبدو كرجل من الأرض. لم أعرف كيف يمكن لي أن أؤدي هذا الدور. سألت
برغمن أن يعطيني نصيحة، فقال: «مثّل نفسك، المهم هو الشخص الماثل
أمام المشاهد. أما رمزه فهو سيوحى به تلقائياً». لاحقاً، كان أول
دور لي في فيلم أمريكي في فيلم «أعظم قصّة رُويت»
(The Greatest Story Ever Told)
لكن طريقتي في أداء «الختم السابع» تلك التي أوصاني بها برغمن، لم
تكن ملائمة، كما قال لي المخرج جورج ستيفنز حينها. طلب مني أداءً
جامداً لا حياة فيه. كان لا بد أن أقبل وإلا خسرت الدور.
·
لماذا، في اعتقادك، جرى اختيارك أنت دون سواك، في فيلم «أعظم قصّة
رُويت»؟
لا أدري. أعتقد أن له علاقة بما بجعبتي في أفلام برغمن، على الرغم
من أن دوري فيه لا علاقة له بأي تمثيل اختبرته سابقاً. اتصل بي
المخرج جورج ستيفنز وقدّم لي عرضاً سنة 1964، وبما أنني لم أكن
مثّلت في كثير من الأفلام خارج السويد آنذاك فإن ذلك أثار تعجّبي.
تمنّعت كثيراً واختلقت الأعذار، لكن ستيفنز ووكيل أعمالي كانا
مصرّين، ثم استلمت دعوة من المخرج لزيارته في هوليوود حيث أطلعني
على معالجته وسرد عليّ خطابات في الطريقة التي سأقدّم بها الدور،
وذلك أغراني.
·
هل ما زلت، بعد كل هذه السنوات، تحب التمثيل؟
نعم، ما زلت أحبه ولا أستطيع أن أتصوّر نفسي متوقفاً عنه أو
مكتفياً بما حققته. لا تستطيع أن تكمل مشواراً طويلاً كالذي أسير
فيه، إذا لم تكن تحب التمثيل، وعلى الرغم من أنني لم أقف على خشبة
المسرح منذ أعوام كثيرة، فأنا أحب التمثيل المسرحي جداً.
·
أول فيلم أمريكي شاهدته لك لم يكن «أفضل قصة رُويت» هذا شاهدته
لاحقاً، بل «3 أيام من الكوندور»، في دور قاتل.
(يضحك)
دور بعيد جدّاً عن طبيعتي، لكنه فيلم جيّد. أحببت دوري فيه وأحببت
الفيلم حين شاهدته بعد ذلك لأوّل مرّة. أعتقد أنه استحق الاستحسان
الذي حققه، والآن هو فيلم كلاسيكي.
·
أذكر أن سؤالي الأول لنفسي كان: هل يعقل أن يمثل فان سيدو دور قاتل
في فيلم أمريكي بعد كل أفلامه مع برغمن؟
أعتقد أنه سؤال وجيه وطرحته على نفسي أيضاً (يضحك).
·
هل تغيّر شيء كثيراً على صعيد التمثيل بالنسبة إليك في مدة
الخمسينات والستينات، واليوم؟
نعم، قدر كبير من الاختلافات. الآن بات على الممثل أن يبحث بجهد
أكبر عن الدور الصحيح. لم يعد هناك ذلك النوع من المثابرة التي كان
فيها المخرج يتعاون مع ممثلين معينين في كل مرّة. برغمن كان يعمل
معي ومع ليف أولمن وبيبي أندرسون وآخرين طوال الوقت. دائماً يستخرج
منا أشياء جميلة يضعها أمام المشاهدين. ولاحظت أنه مع تقدمي في
السن، أنه أصبح من الصعب إيجاد الأدوار التي أحبها فعلاً. أنا
كثيراً ما ألعب اليوم نصف دور. في مكان ما من السيناريو ينتهي دوري
وأغيب.
·
تركت أثراً كبيراً في من خلال أعمالك مع إنغمار برغمن، وأفلامك
الأمريكية. إلام تعزو نجاح علاقتك المهنية مع برغمن؟
إلى حقيقة أنه كان مخرجاً يعرف الكثير عن المسرح والتمثيل معاً.
كان فنّاناً يحسن معالجة المواضيع ويمنح التمثيل دائماً حضوراً
خاصّاً فيها. كلّنا آنذاك، اشتغلنا معه مدركين أننا نمثّل في أفلام
بطريقة التمثيل للمسرح أحياناً. كان ذلك مهمّاً لنا جميعاً.
والحقيقة أنه لا يوجد تمثيل خاص بالسينما وآخر خاص بالمسرح، لكن
برغمن أنجز أفلامه وأدار ممثليه كما لو كان ينجز أعمالاً مسرحية.
·
أي دور حديث استمتعت به أكثر من سواه؟ في أي فيلم؟
ربما دوري في «تقرير الأقلية»، كل شيء كان مناسباً ومتاحاً.
سيناريو جيد وموضوع رائع وإخراج ستيفن سبيلبرغ وممثل موهوب اسمه
توم كروز.
·
ماذا جذبك إلى التمثيل هذه الأيام؟وماذا تحققه المهنة إليك؟
أعتقد أن سؤالك يهدف لأن يبحث في علاقتي الحالية أيضاً وليس
التاريخية فقط، وما أنا واثق منه أن حبي للتمثيل لم ينته، ولم
يتوقّف في أي وقت. ما زلت أستمتع بمراحله، من قراءة الشخصيات،
ومقابلة المخرجين، وتصوّري لما سأقوم به، كل ذلك. |