خلال انعقاد مهرجان فينيسيا الأخير من 2 إلى 12 سبتمبر (أيلول)
حضرت الممثلة والمخرجة الفرنسية جولي دلبي بفيلمها الجديد «لولو»
الذي تم عرضه في أيام الدورة الأولى. جولي دلبي أمّت المهرجان
بدورها من دون توقعات كبيرة لأن الفيلم اختير خارج المسابقة في
تظاهرة «أيام فينيسيا».
«لولو»
فيلم كوميدي كتبته الممثلة التي استعان بها المخرج الفرنسي جان -
لوك غودار ليمنحها فرصتها الكبيرة الأولى في السينما مسندًا إليها
دورًا بارزًا في فيلمه «تحري» سنة 1985. بعد ذلك شاهدناها بمعية
عدد مهم من المخرجين البارزين في فرنسا: مع غودار مرّة أخرى في
«الملك لير» وتحت إدارة برتران تافرنييه في «بياتريس» وكريستوف
كيوزلوفسكي في «ثلاثة ألوان: أزرق» (1993) ثم في «ثلاثة ألوان:
أحمر» (1994) وهذا بالإضافة إلى أدوارها في أفلام أوروبية أخرى مثل
«أوروبا، أوروبا» للبولندية أنجيسكا هولاند و«الرحالة» للألماني
فولكر شلندروف.
لكن التجربة الأميركية لهذه الممثلة التي تبلغ الآن 45 سنة، هي
الأكثر لفتًا للاهتمام كونها حطّت الرحال في حفنة من أفلام المخرج
الأميركي رتشارد لينكلاتر بدءًا من «قبل الشروق» سنة 1995 وانتهاء
- حتى الآن على الأقل - «قبل منتصف الليل» قبل عامين.
«لولو»
متأثر بأسلوب لينكلاتر، المتأثر بدوره بأسلوب السينما الفرنسية
الممارس من قِـبل فنانين معينين لا يكترثون للحبكة بقدر ما يكترثون
للحوار. لكن تأثر دلبي بلينكلاتر ليس بصمًا أو استنساخًا، بل هو في
إطار التناول المرهف للشخصيات في حين أن الحبكة لها سعة جماهيرية
أوسع من تلك التي لأفلام أستاذها.
تلعب جولي دلبي فيه شخصية أم تعمل بنجاح في عالم الأزياء. فجأة
هناك شغف برجل جديد في حياتها (يوفر الدور داني بون) وتبدو هي
سعيدة بهذه العلاقة المنشودة بينهما. لكن ما يتحكم فيها أمر مفاجئ
حتى بالنسبة لها: لقد تدخل ابنها المراهق (فنسنت لاكوست، واسمه
لولو في الفيلم) لكي يفسد العلاقة بين أمه وحبيبها لأنه يريد
البرهنة على أنه صاحب الكلمة الأولى في البيت. بكلمات أخرى: رجل
البيت.
الموقف يفاجئ بطلتنا لكن دلبي لن تدخل حبكة نفسية شائكة بل ستتجه
بكل هذه المعطيات صوب أوضاع كوميدية صرفة. بعد تأسيس الشخصيات
ومصادرها ينخفض سقف التوقعات الفنية ويعلو مستوى القفشات الخفيفة
لينتهي الفيلم وقد حقق نصف ما كان مرجوا منه.
هذا هو الفيلم السادس من إخراجها والسادس والخمسون من تمثيلها. وهي
تبدو في غاية اليقظة والحضور حين الجلوس إليها.
·
شخصيتك هنا تختلف عن الشخصيات التي شاهدناها في أفلام سابقة لك ومن
بينها أفلام قمت بتحقيقها بنفسك. ما السبب؟
-
إنه مشروع مختلف. لقد أردت منذ سنوات أن أجد نفسي في فيلم كوميدي.
مللت الأفلام التي علي أن أعامل كل شيء فيها… الحبكة وشخصيتي
والشخصيات الأخرى… بجدية مطلقة. بحثت عن مشروع يلبي هذه الرغبة
والنتيجة هذا الفيلم.
·
لكنك كتبته بنفسك كما كتبت أفلامك السابقة. لم يأت المشروع إليك بل
ذهبت أنت إليه.
-
نعم. كنت مستعدة في وقت من الأوقات لأن أتسلم عرضًا كهذا من مخرجين
أو منتجين. لكن ما عرض علي، وأنا صريحة هنا، لم يلفت نظري باستثناء
فيلم ما زال قيد الإعداد. لم أرد الانتظار. فكّرت في الوضع الذي
يمكن أن يحصل لامرأة في مثل سني إذا ما كان ابنها ينافسها على
إدارة حياتها ويريد التحكم في اختياراتها.
·
لماذا تكتبين أفلامك؟
-
بدأت كاتبة. بدأت وأنا في العاشرة على ما أعتقد. تعودت عليها. أكتب
بسرعة.
·
كم يأخذ منك السيناريو وقتًا؟
-
أسبوعين أو أقل. أكتب بسرعة شديدة. طبعًا لأن السيناريو عمل ذاتي
ولا يحتاج إلى البحث ولا إلى تمويل هوليوودي أو ميزانية كبيرة… هذا
يساعد على إنجازه بسرعة.
·
في الفيلم تبدأ الحديث عنه كما لو كان ولدًا صغيرًا… تسميه «صبييها
الصغير».
-
هذه هي المشكلة في جذورها. لقد عاملته كما لو كان ولدًا صغيرًا
طوال الوقت حتى من بعد أن كبر وصار شابًا في التاسعة عشرة من
العمر. وهو في اعتقادي لا يختار كيف يشعر الآن أو كيف يتصرف. هو
محكوم بالمعاملة الحانية التي تلقاها صغيرًا.
·
هذه الأم مشغولة بين عملها وبين صداقتها الجديدة وبين محاولة فهم
ابنها، لكن الفيلم لا يبتعد كثيرًا داخل هذه الشخصية أو سواها.
صحيح؟
-
نعم. هذا قراري من البداية أن أمنح المشاهد معالجة خفيفة لموضوع
أراه مهمّا وواقعيًا. هناك الكثير من هذه الحالات في كل مكان من
العالم. أعرف ذلك علم اليقين. لكن على ذلك، لا بد أنك لاحظت أنني
في الفيلم امرأة جادة في كل شيء. الأمور ليست سهلة التحليل دائمًا.
·
أين رتشارد لينكلاتر في كل هذا؟ هذا الفيلم يبدو لي أكثر تحررًا من
علاقتك الفنية بالمخرج الأميركي… أكثر تحررًا من فيلمك السابق
كمخرجة «يومان في نيويورك».
-
بالطبع… هذا كان يجب أن يحدث. أولاً «يومان في نيويورك» هو فيلم
أميركي بقدر ما هو فرنسي وهو مثل أفلام رتشارد أكثر جدية من هذا
الفيلم. أعتقد أنني ما زلت معجبة بأسلوبه في العمل لكني مرتاحة
أيضًا في الاختلاف عنه. لكن ألا تعتقد أنه حتى في ذلك الفيلم لم
أقدم على التماثل مع أفلام لينكلاتر التي مثلتها له؟
·
هناك مخرج آخر كنت على عمل شبه دائم معه لكنه رحل باكرًا هو (تهز
رأسها قبل نطق اسمه) كيوسلوفسكي…
-
بالتأكيد. كنت ما زلت صغيرة في مهنتي. شابة في عمري وبحاجة لمساندة
معنوية ولنصائح مهنية. كريستوف قدّم لي هذه المساندة. عقدنا جلسات
كثيرة تحدثنا فيها عن فن كتابة السيناريو وعنه كمخرج ومفهومه
للإخراج. لكني لا أستطيع أن أقول إنني ملتزمة بأسلوبه أو بأسلوب أي
مخرج تعاملت معه. هناك أنا وهناك المعرفة. المعرفة تتنوّع ومصادرها
هي من عملت معهم. لكن هناك أنا في النهاية وأفلامي تمثلني وحدي.
·
هل وجدت التمويل سهلاً لهذا الفيلم، أو لأي من أفلامك كمخرجة؟
-
لم أجهد كثيرًا. طبعًا هناك المشاورات وفترات الانتظار. هناك
المرات التي كنت أجلس فيها وحدي متسائلة إذا ما كان الوقت قد حان
لأتصل بميشال (منتج الفيلم ميشال جنتيل) لأسأله إذا ما كانت لديه
أي أخبار جديدة مع العلم بأني كنت أعلم أنه سيتصل بي حال سماعه
شيئا. لكن كل شيء كان سهلاً أمام هذا المشروع.
أفلامي غير مكلفة وأنا أحسن الاستماع إلى النصائح ولو كنت سأنفذ ما
في بالي في النهاية.
·
أي نوع من الأفلام التي تقومين بها هو أحب إليك عمومًا؟
-
أحب النوع الذي من السهل الحصول على تمويل له (تضحك)… هذا هو
الجواب السريع. طبعًا لكي تضمن أن يكون التمويل سريعًا في المرّة
المقبلة أيضًا، عليك أن تجد التوازن الصحيح بين الفيلم كرغبتك
الفنية وبينه كرغبة الجمهور الترفيهية. إذا وجدت هذا التوازن فإن
أعمالك المستقبلية كلها مؤمّنة.
·
في العموم أي نوع من الأفلام تحبين أكثر؟
-
لا أميل إلى نوع معين بقدر ما أميل إلى فترة زمنية. لقد كبرت على
أفلام الستينات. كنت صغيرة وكنت أحب السينما وكنت أحب التمثيل وكل
هذا الحب من جراء أفلام الستينات والسبعينات. مرّة بعد مرّة وكلما
كان ذلك متاحًا أشاهد «العراب» أو أشاهد «بوني وكلايد».
·
هي الفترة التي شهدت أداءات لم يعد هناك مثيل لها في أفلام اليوم.
-
تمامًا. أعني أنظر إلى فاي داناواي في «بوني وكلايد» أو إلى آل
باتشينو في «العراب» أو روبرت دينيرو في «سائق التاكسي» أو جين
هاكمان في «المحادثة» أو الكثير سواها… هذه أفلام كتبت لكي تتميّز
ولكي يتميّز فيها كل عنصر من عناصرها، التمثيل والإخراج والموسيقى
وكل شيء. |