ملفات خاصة

 
 
 

«أوذيسه» حياة

نديم جرجوره

عن رحيل الأسطورة

عمر الشريف

   
 
 
 
 
 
 

يبدو أنه مُدركٌ موعد المغادرة قبل أن يحين الوقت. يدخل سرداب النسيان، متيحاً له إمكانية النيل منه قبل أن تأتي اللحظة الأخيرة، فيرحل وحيداً في صمتٍ قاتل، أو في تذكّر أعنف من أن يُسكته شيء. منذ وفاة فاتن حمامة (17 كانون الثاني 2015)، يُعلن أنه ينتظر اللحظة هذه. يقول بوحاً ذاتياً يؤكّد ارتباطه العتيق بها، ويشير إلى أحمد رمزي (1930 ـ 2012)، معتبراً أن رحيله «كسر» ظهره، المنكسر بقوة أكبر مع غياب فاتن حمامة. كأنه لم يشأ البقاء في عالم ملموس وحسّي، فيدخل إلى عالم النسيان («ألزهايمر» بلغة الطبّ)، ويتجوّل في شوارع القاهرة سائلاً الجميع عن زوجته الوحيدة. كأنه لم يرغب في العيش، فـ «حبّ حياته» لم يعد موجوداً، وصديق العمر ملتحقٌ بآخرة لا يعلم أحدٌ شيئاً عنها، والدنيا تضيق، والعمر يتقدّم بخطى بطيئة، حاملاً معه ثقل ذكريات وحيوات وأعمار مديدة.

إنه عمر الشريف. الرجل يحني رأسه أمام الموت. يقبل به، بعد مناداته إياه غداة رحيل فاتن حمامة. يُطلّ في مشهد أخير في فيلم أخير، ويقول أمام الكاميرا: «سأشتاق إليكم» («روك القصبة» للمغربية ليلى مراكشي، 2012). يعرف تماماً أن المشي على طريق النهاية قدرٌ لا فرار منه. يعرف أن العيش الأقصى لن يُؤبّده، وأن الأفلام لن تمنحه أكثر من شهرة ونجومية يُطعّمهما بوسامة لم تنضب كثيراً في شيخوخة تزيده ارتباكاً وعصبيّة، وتضعه في مصاف كبار يصنعون أمجاداً لأنهم منذورون للحياة، ويأتون إلى الموت لأن الموت أخجل من أن يدقّ الأبواب عليهم، كي يرافقهم إلى المثوى الأخير. منذ أشهر، ينادي عمر الشريف الموت، والموت يتردّد في تلبية النداء. غير أن النهاية حتمية، فلا الحبّ أقوى منها، ولا العيش قادر على منعها من الحضور، ولا ملذّات العالم تُبعد الكأس عن طالبها.

من أين الدخول إلى عالم عمر الشريف: الحياة بملذّاتها ومتعها ومساراتها المتناقضة؟ السينما بتقلّباتها وهواجسها ونجوميتها؟ السهر في ليالي المدن الكبيرة من أجل لعبة «بريدج» أو امرأة؟ مصر أو الغرب؟ يوسف شاهين أو ديفيد لين؟ أصل الهوية؟ جذر الحكاية؟ لا أعرف. المداخل عديدة: الحبّ. النساء. صدامه مع الكنيسة. اعتناقه الإسلام إكراماً لـ «حبّ حياته». الإقامة الطويلة في الفنادق. العصبيّة المرافقة إياه، خصوصاً في شيخوخته. علاقاته المتنوّعة. إلخ. عناوين يُمكن اعتبارها والتعاطي معها كمحطّات حقيقية في سيرته الذاتية. كجزءٍ من سيرته. التمثيل مهنة. شيء ما بين الوظيفة والعمل على إيجاد مناحٍ «إبداعية» لها. ليس تقليلاً من القيمة الفنية والجمالية لأدائه. الخيط رفيعٌ جداً بين المهنة والخلق في عالم التمثيل. محترفون كثيرون مقيمون في المهنة من دون الانتقاص من متطلّبات الأداء الساحر والجميل. أميل إلى قناعة تقول بهذا، بالنسبة إلى عمر الشريف. ممثل رائع؟ أجل. ممثل محترف؟ طبعاً. ممثل متنوّع الشخصيات والأدوار؟ هذا جزءٌ من المهنة، إن كان العامل فيها مقتنعا بضرورة التطوير والتفعيل. أدوارٌ عديدة له مفعمة بجماليات يتوقّف النقد عندها مراراً. أدوارٌ أخرى لا يُمكن تذكّرها لشدّة بساطتها وعاديتها. الأفلام الأقلّ أهمية المُشارك فيها، تعكس شيئاً من تلك الحرفية في أدائه. حرفية تتوضحّ ببساطة التمثيل وسلاسته، كأنه يؤدّي واجباً لا أكثر، فتكون تأدية الواجب كافية للعمل، وجميلة أيضاً في الوقت نفسه.

إنه عمر الشريف. التداخل كبيرٌ ومتين بين التمثيل والحياة. الأسئلة عنه وحوله لا تنتهي: مصريٌّ من أصول لبنانية؟ يُقال إن الأصل سوريّ، بل شاميّ. غربيّ ذو جذر عربيّ؟ هوليوودي منفتح على الفعل الأوروبي، سينمائياً على الأقلّ؟ لغات يُتقن مفرداتها ولهجاتها ونكهاتها؟ براعة في التفنّن أحياناً بتأدية أدوار؟ هذه كلّها «ميزات» غير موجودة كثيراً في زمن عربي متوسطيّ يُقيم، ذات يوم، في حضن أجمل المدن وأحلاها: الإسكندرية. هذه سمة الإسكندرانيّ، عندما كانت الإسكندرية «أم الدنيا» فعلاً لا قولاً.

الممثل منكبّ على عمل يدفعه إلى واجهة المشهد أعواماً طويلة. الرجل معقودٌ على معنى العيش في عمق الانقلابات ومصائرها، وفي لذّة التمرّد وجنون امتلاكه. يولد في الإسكندرية، وله في بلاد الشام منبتٌ. يستفيق على مهنة التمثيل، فيضع فيها حيويته وسحره وبراعته في تشكيل صورة سينمائية لصناعة متكاملة عربياً وغربياً. يعاند أقداراً من أجل حبّ، ولا يتردّد عن الخروج على ملّته من أجل من تتملّك قلبه وروحه حتى النهاية. يتعرّف ويرتبط ويتنقّل في حراك لا يهدأ، وفي غليان يُنتج إبداعاً على الشاشة الكبيرة، أو يُشارك في إنتاجه، لكنه في الحياة اليومية يخرج من أسطوريته البصرية، كي يستعيد ذاته وحيداً في مواجهة تحدّي البقاء حيّاً بعيداً عن الـ «كادر». ذات يوم، يوافق على خيار يُصبح، بالنسبة إليه، تحوّلاً حقيقياً في حياته، بعد أن يرفض آخرون خياراً كهذا. تستطيب له الإقامة في مدن، لكنه يعود إلى القاهرة بعد أن أتعبه تجواله الطويل في بقاع الأرض، وعلى أسرة فنادق، وفي أحضان نساء، وأمام كاميرات سينمائيين عديدين.

أفلامه العربية والغربية تبقى مادة لقراءات نقدية متنوّعة. قيل فيها الكثير. يُمعن نقّادٌ ومثقفون في تحليلها. لم تعد الكتابة عنها مدعاة لذّة، أو مطلباً لمزيد من المعرفة. تبقى عناوين راسخة في المشهد السينمائي العام، وفي وجدان مشاهدين. رحيله لحظة تأمّل في سيرة وحكايات. لحظة تأمّل في معنى الحبّ أيضاً.

 

####

 

شاب الأسطورة

عباس بيضون

لم يطل الوقت. لم تطل حياة عمر الشريف أكثر من أشهر بعد وفاة فاتن حمامة. هكذا انطوت في زمن قصير أسطورة، بل واحدة من أساطيرنا الأليفة التي شكلت نسيج حياة مرحلة. أي مرحلة هذه التي جمعت في آن عبد الحليم حافظ وعمر الشريف. كان الاثنان شابي عهد هو العهد الناصري الذي كان يومذاك شاباً أي أنه كان شباب الأمة وشباب المرحلة. كان الرئيس الشاب جمال عبد الناصر ومصر الناهضة من حريق القاهرة ومن نكسة فلسطين ومن اغتيالات النقراشي والبنا والعبث الملكي تحتاج إلى الخروج من تراكمات العهد العثماني وعهد الخديويين والملوك، تحتاج مع صعود العسكر إلى السلطة إلى أسطورة جديدة وإلى صورة فتية لم يجدها بين المثقفين الذين كانوا خارجين من صفوف اليسار والليبراليين والمؤسلمين ثم أن العهد الناصري لم يكن بحاجة إلى منظرين فالوقت لم يحن بعد لهؤلاء وسيقوم الرئيس بنفسه برسم الآفاق والدوائر التي تؤلف الناصرية: التحديث، الدولة، الاشتراكية، العروبة والوحدة العربية، لكن العهد الناصري كان أحوج إلى نشيد وإلى ديكور وإلى مواكبة فنية، هكذا انتقلت أم كلثوم من رعاية الملك إلى رعاية الرئيس، كان صوت أم كلثوم هو هذا النشيد، لكن صوت عبد الحليم حافظ حمل أحلام ووجدان ومشاعر وطموحات الشباب. لم يكن عمر الشريف وحده هو الشباب السينمائي، معه كان هناك كثيرون، لكن عمر الشريف كان أكثر هؤلاء شباباً ثم أن قصته مع فاتن حمامة توازي أشعار نزار قباني وروايات محمد عبد الحليم عبد الله بل كانت من صور الرومانطيقية المصرية المدينية التي تحتاج إلى أمثلة في الواقع، والحال أن رشدي أباظة توفي باكراً وشكري سرحان أقرب إلى ابن الريف الوافد إلى القاهرة، وأحمد رمزي العارم الشباب كان خفيفاً وأخف من أن يكون أسطورة من أي نوع، وحده عمر الشريف الذي جاء من المدينة كان ما على المدينين أن يكونوه. كان أيضاً جميلاً وجماله لا يمت بصلة إلى جمال البدو أو جمال أهل الريف، لم يكن بلدياً بأي صفة، كان وسيماً وجديداً جده الطبقة الصاعدة التي بدأت تتكون حول العسكر، الطبقة الطامحة التي تنقسم بين الشرق والغرب، بين البيروقراطية الصاعدة والمثقفين الجدد، كان عمر الشريف شاباً وشاباً أكثر شباباً من شباب السينما الآخرين. دعك من معرفته للغات ومن لعبه البريدج ومن هواياته الأخرى التي تجعله مثالاً للطبقة المتوسطة الصاعدة، شاب عمر الشريف وطال شبابه بل هو بقي شاباً ووسيماً حتى النهاية، وظل بعد أن توفي عبد الحليم حافظ وأباظة والآخرون، الشاهد الأخير والحي لعصر. وفاة فاتن حمامة كانت بداية نهاية الأسطورة، بعدها آن للأسطورة أن تنحط، لم يكن الزهايمر السريع الذي قضى عليه سوى النهاية المزرية للأسطورة، أظن أن الأمر نفسه كان في السياسة فإذا كان التاريخ يعيد نفسه مرة كمأساة ومرة كمهزلة كما يقول ماركس فإن العهد الحالي الذي يدعي الناصرية هو تهريجها وزرايتها.

 

السفير اللبنانية في

11.07.2015

 
 
 
 
 

عمر الشريف: النجومية بالصدفة ... وفاتن ظلّت حبّه الوحيد

كتب إبراهيم العريس

هو الروسي الدكتور جيفاغو، وهو الأمير العربي علي بن الحسين، وهو المناضل المصري الهارب في «في بيتنا رجل»، وهو الفتى الذي جاء به يوسف شاهين إلى الوادي ليقبّل فاتن حمامة وينتزعها في الحياة من زوجها عز الدين ذوالفقار، في «صراع في الوادي» ، وهو الإسكندراني الذي تخرّج من كلية فكتوريا، أسوة بالعاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال وإدوارد سعيد وتوفيق صالح، وهو خبير لعبة «البريدج» في المحافل الدولية، وواحد من كبار النّجوم الذين تقمّصوا شخصية العاشق اللاتيني في أفلام لا تغيب عنها الشمس... لكنه أولاً وأخيراً ميشال شلهوب، الشامي ابن الشامي، الذي لن يعرفه العالم إلا باسمه، عمر الشريف.

أمس، وضع المرض نهاية لمسار عمر الشريف في هذه الحياة الدنيا، بعد شهور قليلة على رحيل «المرأة الوحيدة التي أحببتها في حياتي»، فاتن حمامة، كما هَمَسَ لـ «الحياة» قبل سنوات في الدوحة، حيث رافقناه لتقديم واحد من آخر أفلامه، الفرنسي «السيد إبراهيم وأزهار القرآن». يومها فتح عمر قلبه ولسانه لـ «الحياة»، وحدّثنا عن أمور كثيرة، لكن الموت لم يكن واحداً من تلك الأمور، فالنجم السينمائي المصري- الشامي- العالمي واحد من الذين يعرفون أن الشعراء لا يموتون، وأن الممثلين الكبار من طينة ذاك الذي أبدع تحت إدارة يوسف شاهين ودافيد لين وهنري بركات وفرد زينمان ودزينة غيرهم من كبار مبدعي السينما العالمية، يبقون في الذاكرة وفي الأفلام ما بقيت ذاكرة وبقيت أفلام.

عمر الشريف الذي لم يكن ثمة في طفولته الإسكندرانية ما يوحي بأنه سيصير «مشخصاتياً»، وفق تعبيره، وصل الى الشاشة الكبيرة صدفة، وإلى العالمية صدفة كذلك. معظم أمور حياته رتبتها له الصدفة، هكذا كان يقول. ولنضف نحن: صحيح أن الصدفة تلعب دورها في الوصول... لكن لا دور لها في البقاء بعد ذلك الوصول. ولئن كانت «نجومية» عمر المصرية والعالمية دامت كلّ تلك السنوات ليصبح واحدة من أساطير الفن السابع في القرن العشرين وما بعده، فإنما يعود هذا الى اشتغاله على نفسه، وإلى حبه لذلك الفن... كما الى ثقافته الواسعة ووسامته، التي أبقت له مظهر الشاب الأنيق الواثق من نفسه حتى بعدما تجاوز السبعين من عمره، هو الذي كان بلغ الثالثة والثمانين قبل شهور قليلة من رحيله. وبمقدار ما ارتبط اسم عمر الشريف بأفلام أميركية ومصرية وفرنسية وعالمية لعب بطولتها، وبمقدار ما لعب شخصيات رائعة في أفلام مثل «لورانس العرب» إلى جانب ذاك الذي بقي صديقاً له حتى النهاية، بيتر أوتول، أو «دكتور جيفاغو» الى جانب جولي كريستي التي لا تقل أسطوريتها عن أسطوريته، أو «فتاة مرحة» إلى جانب أسطورة التمثيل والغناء الأميركية باربرا سترايسند... من دون أن ننسى أدواره إلى جانب صوفيا لورين أو أنطوني كوين... ثم خاصة فاتن حمامة، امرأته وأم ابنه طارق، التي ربما أحس وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أنها تنتظره هناك، حيث حطت رحالها الى الأبد.

وارتبط اسم عمر الشريف كذلك بأعداد لا تحصى من النساء، غير أنه لم يكفّ في سنواته الأخيرة عن تأكيد أن «ما الحب لديه إلا للحبيب الأول»... فاتن، التي كان نصف أحاديثه عنها فيما النصف الثاني يتوزع بين ابنه منها طارق وابنتها من «عز» ناديا، وأدواره التي لا تعد ولا تحصى، ومصر التي لم يفارقه حبها لحظة في حياته.

أمس، رحل عمر الشريف عن عالمنا من دون أن يفوته أن تغضبه أحوالنا العربية، هو الذي -على عكس ما كان يشاع عنه- كان شديد الانشغال والحزن بما يحصل في الديار، التي بعدما ابتعد منها طويلاً خلال سنوات نجوميته العالمية عاد إليها مفعماً بالأمل والحنين، ليجد مصر غير مصر، والإسكندرية غير الإسكندرية والسينما غير السينما... ليجد كل الأحلام منهارة وأصحاب الأحلام «بيتخانقوا على مش عارف إيه!»، كما قال لنا يومها في الدوحة حائراً.

 

الحياة اللندنية في

11.07.2015

 
 
 
 
 

عمر الشريف... نهاية عصر

شركاؤه على الشاشة: كان حضوره طاغياً

عباس محمد

القاهرةلم يصدق بعض الممثلين المصريين أنّ عمر الشريف رحل بهدوء، وهو الذي لطالما ملأ الدنيا ضجيجاً وجدلاً في العالم العربي. استقبلت النجمة نبيلة عبيد خبر وفاة بطل «لورنس العرب» بالذهول، خصوصاً أنّ أواصر صداقة جمعتها به. تقول لـ»الأخبار»: «كان عمر هو البطل في ثاني فيلم قدمته في حياتي أي «المماليك» تأليف عبد الحي أديب، وإخراج عاطف سالم عام 1965، وكان أول فيلم مصري له بعد نجاح فيلمه العالمي في «لورنس العرب». كان بسيطاً للغاية يحفظ الحوار ويهتم بالجمل الحوارية ومتعاوناً إلى أبعد حدود. وكان دائماً يذكرني بنص الحوار ويقول لي: «إوعي تنسي».

وأبدت النجمة نادية لطفي حزنها الشديد على وفاة صديقها، مشيرة إلى أنّه من أولى الشخصيات التي تعرفت إليها في مطلع مسيرتها الفنية، واستمرت صداقتهما، وقدما مجموعة من الأعمال الناجحة منها فيلم «حبي الوحيد» (تأليف علي الزرقاني وصبري عزت وإخراج كمال الشيخ) عام 1960. تضيف بصوت مصحوب بالأنين: «عمر يحمل كل معنى الحب الوحيد وجعل علاقتنا حلوة مع العالم العربي. كان رقيقاً وبسيطاً، يسعى إلى أن يكون قريباً جداً من الشارع. كان ينزل إلى منطقة الحسين الشهيرة ليجلس مع العمّال ويعرف مدى معاناتهم، خصوصاً عند تجسيده أدواراً تتشابه معهم كما في فيلم «بداية ونهاية» (قصة نجيب محفوظ وإخراج صلاح أبو سيف) عام 1960». وتحدثت لطفي عن ذكرياتها معه قائلة: «كان شهماً ومقداماً يقدس قيم العدل ويكره الديكتاتورية.

كان ينزل إلى منطقة الحسين الشهيرة ليجلس مع العّمال

كان فناناً مثالياً جداً في علاقاته الإنسانية مع أصدقائه، كما يعد من الفنانين المهمين في تاريخ السينما العربية والعالمية»، مشيرة إلى أن عمر كان يعشق الطبيعة ويتأثر بها، وكذلك البحر ويهوى السهر والخروج، واصفة إياه بالفنان الخفيف الظل والروح. ونعى يوسف شعبان النجم الراحل، مضيفاً أنّه كان شخصاً متسامحاً مع نفسه ومع الآخرين، و«لمست هذا أثناء تعاوني معه في أعمالنا السينمائية منها «في بيتنا رجل» (قصة إحسان عبد القدوس وإخراج هنري بركات) عام 1961». ودخل هشام سليم في نوبة بكاء حال علمه بخبر وفاة الشريف، إذ كان الصديق الأقرب لوالده صالح سليم نجم الكرة المصرية الراحل، وتربى هشام على يديه، وقال الأخير: «عملت مع عمي عمر فيلم واحد هو «الأراجوز» عام 1989 وجسدت شخصية «بهلول» ابن «الأراجوز» عمر الشريف. يعشق الشريف عمله ويقدسه. وقتها لم يجاملني باعتباري ابن صديقه، بل كان يعامل الجميع معاملة واحدة».

الفنان حسن يوسف وصف الشريف بـ»الراقي وأحد أفضل الفنانين الذين تعاملت معهم، فتجربة «في بيتنا رجل» كانت كفيلة بأن أعرفه على حقيقته. إلى جانب موهبته، يمتلك حضوراً طاغياً، إضافة إلى أخلاقه الرفيعة والنادرة».

 

####

 

عمر الشريف... نهاية عصر

الإعلام الغربي يحتفي بـ«الأسطورة المصرية»

عبد الرحمن جاسم

لم يحظ نجمٌ عربي بالشهرة التي حصل عليها عمر الشريف. النجم العربي الوحيد الذي فاز بـ 3 جوائز «غولدن غلوب» عن فيلميه «لورنس العرب» و»دكتور جيفاغو»، ثم خطف الأبصار والقلوب عن دوره في فيلم Funny girl مع باربرا سترايسند. لاحقاً، حاز جائزة «سيزار» الفرنسية المعادلة للأوسكار عن دوره اللافت في فيلم «السيد إبراهيم وأزهار القرآن» (2003). بعد كل هذا، لم يكن مستغرباً أبداً أن «تحتفي» وسائل الإعلام الغربية بـ»الأسطورة المصرية» (كما عنونت الـ«إندبندنت» البريطانية).

«نجم لورانس العرب يرحل عن 83 عاماً» هكذا عنونت الـBBC مقالها الذي تناول حياة الراحل، وهو تقريباً العنوان نفسه الذي اشتركت فيه وسائل إعلام عدة. توقفت «فرانس 24» عند نجاحه الكبير في فيلمين من إدارة المخرج ديفيد لين، مشيرةً إلى وفاته متأثراً بأزمةٍ قلبية في مصر، ومرفقة المقال بمقاطع فيديو من أفلامه. الـ«غارديان» البريطانية بدورها تناولت حياة الراحل، مذكرةً بإعلان طارق ابن الشريف إصابة والده بـ»الزهايمر» منذ فترة. (وهو ما ذكّرت به صحيفة «إل موندو» الإسبانية أيضاً). ورغم أنّ US Today اكتفت بعنوانٍ بسيط (الممثل عمر الشريف يرحل عن 83)، إلا أنها لم تنكر أبداً «مهارة» الشريف التمثيلية، وقدرته على أداء أدوارٍ صعبة.
وفي مقالها عن الراحل، أشارت «دايلي مايل» البريطانية إلى جماله الأخاذ وشخصيته الفذة وقدرته على أداء أصعب الأدوار، فضلاً عن إجادته لغات عدة، ما أهّله بسهولة لأداء أدوار عديدة. بدورها، قدّمت «فوكس نيوز» مقالاً «موسّعاً» عن الراحل. هكذا، تحدثت عن تحقيقه نجاحاً هائلاً في فيلميه الأولين، ليعود ويخفت بريقه بعض الشيء، إلا أنه حافظ على «قدراته» المميزة على تأدية أدوارٍ شديدة التنوع، فمن الثائر الأرجنتيني تشي غيفارا في فيلم «تشي»، إلى البحار الإيطالي ماركو بولو في «ماركو الرائع» وقائد المغول «جنكيز خان» في الفيلم الذي حمل العنوان نفسه، و»جنرالٍ ألماني» في «ليلة الجنرالات»، وأمير نمسوي في «مايرلنغ». حتى إنّه أدى دور مجرمٍ مكسيكي في «ذهب ماكينا
».

 

####

 

عمر الشريف... نهاية عصر

دكتور جيفاغو جاء من الاسكندرية

محمد عبد الرحمن

القاهرةأول منبر أطلق خبر وفاة عمر الشريف أمس كان الصفحة الفايسبوكية لحفيده عمر الشريف جونيور. اكتفى الأخير بكتابة كلمة «البقاء لله» مع نشر صورة تجمعه بالنجم الجَد، قبل أن يثير البلبلة حين حذف الخبر الذي سارعت وسائل إعلام عدة إلى نقله. وسط نفي بعضهم النبأ، خرجت الممثلة يسرا لتؤكد أنّها تواصلت مع طارق عمر الشريف الموجود حالياً في فرنسا، فأكّد لها الخبر الحزين.

يصعب تلخيص مشوار عمر الشريف مع السينما العالمية، ومن قبلها وبعدها المصرية. الممثل الحائز ثلاث جوائز «غولدن غلوب»، أعطى للفن السابع كما لم يفعل غيره من نجوم جيله. دخل المجال في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وظل يمثل حتى وصل إلى عامه الثمانين قبل أن يصاب بضعف في الذاكرة منعه من حفظ النصوص وأبعده عن الكاميرا. مع ذلك، ظلّت عروض التمثيل تلاحقه، وكان مطلوباً من منتجين ومخرجين كثر حول العالم. وقبل أسابيع فقط، اضطرت أسرته إلى الإعلان رسمياً إصابته بالزهايمر.

ولد ميشال ديمتري شلهوب في نيسان (أبريل) 1932 في الإسكندرية لأسرة يعمل عائلها في تجارة الأخشاب، جاء الإسكندرية من زحلة في البقاع اللبناني. أما والدته كلير سعادة، فكانت من أصل لبناني ـ سوري. دخل الشريف «كلية فيكتوريا» الإنكليزية في الإسكندرية، ومنها إلى «جامعة القاهرة» حيث درس الرياضيات والفيزياء. بعد تخرجه، عمل لخمس سنوات في تجارة الأخشاب مع والده قبل أن يقرر دراسة التمثيل في «الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية» في لندن. جاءته الفرصة حين عرض عليه السينمائي الراحل يوسف شاهين بطولة فيلمه «صراع في الوادي» عام 1954 أمام فاتن حمامة، واختير له اسم عُمر الشريف الذي اشتهر به لبقية حياته وفق المعلومات المنشورة عنه في «بوابة السينما دوت كوم». نجح الفيلم في شباك التذاكر، وبسرعة تصاعدت نجوميته، فشارك من 1954 حتى عام 1962 في أكثر من 20 فيلماً. قصة حبه مع فاتن حمامة حفرت في وجدان الجمهور. تزوجها عام 1955 وشاركا معاً تمثيلاً في خمسة أفلام آخرها «نهر الحب» (1960). في عام 1962، كان موعده مع الشهرة العالمية حين وقع اختيار المخرج الإنكليزي ديفيد لين عليه لتأدية دور في فيلمه «لورنس العرب» الذي خوّله للفوز بجائزة «غولدن غلوب» ومعها دخل باب الشهرة العالمية. في هذه الفترة، رفض العديد من نجوم جيله الخضوع لاختبارات للحاق به إلى هوليوود، ليصبح هو رائداً في الخروج من هوليوود الشرق إلى هوليوود الأصلية.

حاز 3 جوائز «غولدن غلوب» قبل أن يعود إلى السينما المصرية

توالت بعدها أدواره العالمية، منها «دكتور جيفاغو» (1965) لديفيد لين أيضاً، وفاز عنه بجائزة «غولدن غلوب» لأفضل ممثل. بسبب صرامة نظام الرئيس جمال عبد الناصر في إصدار تصاريح السفر والخروج من مصر، قرر الاستقرار نهائياً في أوروبا عام 1965، ما أثر في زواجه بفاتن حمامة وأدى إلى انفصالهما عام 1966 ثم طلاقهما عام 1974. ظلت حمامة المرأة الأهم في حياته بعدما أنجب منها ابناً وحيداً هو طارق، ولم يتزوج رسمياً بعدها، رغم كل ما تردد عن علاقات عاطفية جمعته بنجمات عالميات. ومن الستينيات حتى بداية التسعينيات، ظل مقيماً خارج مصر ومشغولاً بأدواره العالمية في السينما الأميركية والأوروبية التي قدم خلالها أدواراً كثيرة ومتنوعة بين الحربي والدرامي والكوميدي. وكان الشريف قد عاد إلى مصر بنحو متقطع في عهد الرئيس أنور السادات، كذلك عاد للتمثيل في السينما المصرية عبر أفلام عدة منها «أيوب» (1983) و«الأراجوز» (1989) و«المواطن مصري» (1991). اللافت أنّه نجح في الحفاظ على هويته المصرية، وإن كان انقطاعه عن هوليوود الشرق لسنوات طويلة جعله لا يتذكر بعض الأفلام التي صنعت جماهيريته مثل «إشاعة حب» (1959) الذي يعدّ الشريط الكوميدي الوحيد الذي شارك في بطولته داخل مصر. ارتبط الراحل بصداقة قوية مع النجم الراحل أحمد رمزي. وفي سنواته الأخيرة، كان مرافقاً لوزير الآثار السابق زاهي حواس. كان الأخير وسيطه مع الصحافة والدوائر المختلفة بعد وفاة مديرة أعماله في مصر ايناس جوهر العام الماضي. حرص الشريف على دعم السينما المصرية من خلال «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» في السنوات العشرين الأخيرة. غاب الشريف عن مصر مجدداً بسبب الأحوال الأمنية بعد «ثورة يناير 2011»، خصوصاً أنه كان يقيم معظم الوقت في أحد الفنادق خلال وجوده في القاهرة، قبل أن يعود ويستقر ويموت على أرضها، تاركاً وراءه إرثاً لم يخلفه ممثل آخر غيره.

* تقام صلاة الجنازة بعد ظهر الأحد من «مسجد المشير طنطاوي» في التجمع الخامس، على أن يوارى الثرى في مقابر الأسرة في القاطمية.

يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويترMhmdAbdelRahman@

 

####

 

عمر الشريف... نهاية عصر

دكتور جيفاغو جاء من الاسكندرية

محمد عبد الرحمن

القاهرةأول منبر أطلق خبر وفاة عمر الشريف أمس كان الصفحة الفايسبوكية لحفيده عمر الشريف جونيور. اكتفى الأخير بكتابة كلمة «البقاء لله» مع نشر صورة تجمعه بالنجم الجَد، قبل أن يثير البلبلة حين حذف الخبر الذي سارعت وسائل إعلام عدة إلى نقله. وسط نفي بعضهم النبأ، خرجت الممثلة يسرا لتؤكد أنّها تواصلت مع طارق عمر الشريف الموجود حالياً في فرنسا، فأكّد لها الخبر الحزين.

يصعب تلخيص مشوار عمر الشريف مع السينما العالمية، ومن قبلها وبعدها المصرية. الممثل الحائز ثلاث جوائز «غولدن غلوب»، أعطى للفن السابع كما لم يفعل غيره من نجوم جيله. دخل المجال في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وظل يمثل حتى وصل إلى عامه الثمانين قبل أن يصاب بضعف في الذاكرة منعه من حفظ النصوص وأبعده عن الكاميرا. مع ذلك، ظلّت عروض التمثيل تلاحقه، وكان مطلوباً من منتجين ومخرجين كثر حول العالم. وقبل أسابيع فقط، اضطرت أسرته إلى الإعلان رسمياً إصابته بالزهايمر.

ولد ميشال ديمتري شلهوب في نيسان (أبريل) 1932 في الإسكندرية لأسرة يعمل عائلها في تجارة الأخشاب، جاء الإسكندرية من زحلة في البقاع اللبناني. أما والدته كلير سعادة، فكانت من أصل لبناني ـ سوري. دخل الشريف «كلية فيكتوريا» الإنكليزية في الإسكندرية، ومنها إلى «جامعة القاهرة» حيث درس الرياضيات والفيزياء. بعد تخرجه، عمل لخمس سنوات في تجارة الأخشاب مع والده قبل أن يقرر دراسة التمثيل في «الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية» في لندن. جاءته الفرصة حين عرض عليه السينمائي الراحل يوسف شاهين بطولة فيلمه «صراع في الوادي» عام 1954 أمام فاتن حمامة، واختير له اسم عُمر الشريف الذي اشتهر به لبقية حياته وفق المعلومات المنشورة عنه في «بوابة السينما دوت كوم». نجح الفيلم في شباك التذاكر، وبسرعة تصاعدت نجوميته، فشارك من 1954 حتى عام 1962 في أكثر من 20 فيلماً. قصة حبه مع فاتن حمامة حفرت في وجدان الجمهور. تزوجها عام 1955 وشاركا معاً تمثيلاً في خمسة أفلام آخرها «نهر الحب» (1960). في عام 1962، كان موعده مع الشهرة العالمية حين وقع اختيار المخرج الإنكليزي ديفيد لين عليه لتأدية دور في فيلمه «لورنس العرب» الذي خوّله للفوز بجائزة «غولدن غلوب» ومعها دخل باب الشهرة العالمية. في هذه الفترة، رفض العديد من نجوم جيله الخضوع لاختبارات للحاق به إلى هوليوود، ليصبح هو رائداً في الخروج من هوليوود الشرق إلى هوليوود الأصلية.

حاز 3 جوائز «غولدن غلوب» قبل أن يعود إلى السينما المصرية

توالت بعدها أدواره العالمية، منها «دكتور جيفاغو» (1965) لديفيد لين أيضاً، وفاز عنه بجائزة «غولدن غلوب» لأفضل ممثل. بسبب صرامة نظام الرئيس جمال عبد الناصر في إصدار تصاريح السفر والخروج من مصر، قرر الاستقرار نهائياً في أوروبا عام 1965، ما أثر في زواجه بفاتن حمامة وأدى إلى انفصالهما عام 1966 ثم طلاقهما عام 1974. ظلت حمامة المرأة الأهم في حياته بعدما أنجب منها ابناً وحيداً هو طارق، ولم يتزوج رسمياً بعدها، رغم كل ما تردد عن علاقات عاطفية جمعته بنجمات عالميات. ومن الستينيات حتى بداية التسعينيات، ظل مقيماً خارج مصر ومشغولاً بأدواره العالمية في السينما الأميركية والأوروبية التي قدم خلالها أدواراً كثيرة ومتنوعة بين الحربي والدرامي والكوميدي. وكان الشريف قد عاد إلى مصر بنحو متقطع في عهد الرئيس أنور السادات، كذلك عاد للتمثيل في السينما المصرية عبر أفلام عدة منها «أيوب» (1983) و«الأراجوز» (1989) و«المواطن مصري» (1991). اللافت أنّه نجح في الحفاظ على هويته المصرية، وإن كان انقطاعه عن هوليوود الشرق لسنوات طويلة جعله لا يتذكر بعض الأفلام التي صنعت جماهيريته مثل «إشاعة حب» (1959) الذي يعدّ الشريط الكوميدي الوحيد الذي شارك في بطولته داخل مصر. ارتبط الراحل بصداقة قوية مع النجم الراحل أحمد رمزي. وفي سنواته الأخيرة، كان مرافقاً لوزير الآثار السابق زاهي حواس. كان الأخير وسيطه مع الصحافة والدوائر المختلفة بعد وفاة مديرة أعماله في مصر ايناس جوهر العام الماضي. حرص الشريف على دعم السينما المصرية من خلال «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» في السنوات العشرين الأخيرة. غاب الشريف عن مصر مجدداً بسبب الأحوال الأمنية بعد «ثورة يناير 2011»، خصوصاً أنه كان يقيم معظم الوقت في أحد الفنادق خلال وجوده في القاهرة، قبل أن يعود ويستقر ويموت على أرضها، تاركاً وراءه إرثاً لم يخلفه ممثل آخر غيره.

* تقام صلاة الجنازة بعد ظهر الأحد من «مسجد المشير طنطاوي» في التجمع الخامس، على أن يوارى الثرى في مقابر الأسرة في القاطمية.

يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويترMhmdAbdelRahman@

 

الأخبار اللبنانية في

11.07.2015

 
 
 
 
 

عمـر الشريـف، اللامُنتمي الذي عاش الحياة إلى أقصاها!

هوفيك حبشيان

تعرّف الملايين حول العالم إلى عمر الشريف وهو يأتي اليهم، خطوة خطوة، ببطء شديد، من بعيد، من عمق البادية. كان ذلك قبل أكثر من خمسين عاماً، في "لورانس العرب" لديفيد لين. رجل عربي متشح بالسواد على ظهر جمل يخرج من اللامكان، يقطع الصحراء تحت شمس قاتلة ويقترب في اتجاه الكاميرا. الكلمة الأولى التي يلفظها في الفيلم، وهو يحدّق في جثة الشخص المرمي على الأرض: "لقد مات!". اليوم، عمر الشريف يعود الى هذا المشهد، الى ذلك الأفق المغبش الذي خرج منه وأعاده اليه مرض الألزهايمر، بعدما ترك بينه وبين العصر الذهبي للسينما نصف قرن من الصعود والهبوط، من الانكسارات ولحظات السعادة العابرة والأحلام والنهايات المكلومة. لكن اليوم، الملايين هم الذي يقولون عنه: "لقد مات"!

مسبّع كارات، كوسموبوليتي، لا منتمٍ، صاحب كاريزما، هذا بعض ما يمكن أن نصف به الرجل المتعدد الذي "قضى" وهو في الثالثة والثمانين من العمر. رحل متعباً، مكسوراً، مرتوياً ربما، بعدما هيمنت عليه وطأة السنين وثقل التجربة، بل التجارب. لم ينتظر كثيراً، سوى أشهر معدودة بعد رحيل فاتن حمامة، السيدة التي عاش معها واحدة من أكثر قصص الحب صخباً في الحياة وعلى الشاشة، ولم يتزوج من بعدها، وفي اعترافه انه لم يحبّ سواها. في رصيده التمثيلي أكثر من ستين فيلماً، متنوعة الاتجاه، إلا أنّ الأفلام الجماهيرية السهلة الخفيفة هي التي طغت على سجله، إذا استثنينا بعض العناوين الكبيرة التي توّرط فيها. لم يملك عمر الشريف عنواناً ثابتاً، ولا رقم هاتف محمولاً. تنّقل بين عواصم العالم، قطنَ في الفنادق وأمضى أيامه بين كازينوات الساحل الفرنسي ممارساً هوايته المفضلة: المقامرة. يمكن القول إنه عاش. عاش كثيراً. عاش بكل ما أوتي من قوة وضعف. قضم الوجود بأسنانه!

روى دائماً أنه أصبح ممثلاً مشهوراً بفضل الفرنسيين. الفرنسيون؟ نعم! فهذا الاسكندراني المولد اللبناني الأصل (اسمه الحقيقي ميشال شلهوب)، التحق في طفولته بمدرسة للكاثوليك في مسقطه، إلا أنّ جودة الأطباق الفرنسية هناك جعلته يزداد وزناً، فنقلته أمّه الى كلية فيكتوريا حيث تعلّم اللغة الانكليزية. لغةٌ أتاحت له أن يتقدّم لدور في "لورانس العرب" مطلع الستينات، وينال عنه لاحقاً جائزة "غولدن غلوب" لأفضل ممثل في دور ثانٍ. باختصار، دورٌ شرّع له أبواب السينما خارج مصر. التحق بالأكاديمية الملكية للفنون المسرحية في لندن. كان في مطلع العشرينات، عندما مثّل في "صراع في الوادي"، إخراج يوسف شاهين. إنه الفيلم الذي جعل حياته تنقلب رأساً على عقب. ظلّ يعمل ثمانية أعوام في السينما المصرية، في إدارة بعضٍ من أهم صناعها، من كمال الشيخ الى صلاح أبو سيف، قبل أن ينطلق الى فضاء العالم الأوسع.

لا يمكن الحديث عن عمر الشريف من دون ذكر "دكتور جيفاغو" (1965) لديفيد لين: بوريس باسترناك، لحن "أغنية لارا" لموريس جار، جولي كريستي... ثم، ذلك التحديق المرّ، الغارق في الدموع، سحر به الشريف عدداً لا بأس به من المشاهدين حول العالم. عرف لين كيف يلتقط رومنطيقيته، وسط أجواء الثورة والنزوح والخراب. عن دوره هذا نال جائزة "غولدن غلوب" ثانية، هذه المرة لأفضل ممثل في دور رئيسي. كرّت سبحةٌ من الأفلام التي طرحت الشريف نجماً بالمفهوم التقليدي للكلمة: "فتاة طريفة" لهربرت روسّ، "مايرلينغ" لتيرينس يانغ، "مايريغ" لهنري فرنوي، وصولاً الى أفلام أقلّ وهجاً في السنوات الأخيرة كـ"موسيو ابرهيم وأزهار القرآن" لفرنسوا دوبيرون (نال عنه "سيزار" أفضل ممثل)، أو "روك القصبة" للمغربية ليلى مراكشي، آخر فيلم مثلّ فيه واضطلع فيه بدور الميت. مصرياً، كان أطلّ في السنوات الأخيرة، في كلٍّ من "المسافر" (2008) لأحمد ماهر الذي شارك في مسابقة البندقية (كرّمه المهرجان الايطالي في مناسبة مرور خمسين عاماً على انطلاقته) و"حسن ومرقص" (2008) لرامي إمام، حيث التقى عادل أمام. يصعب إيجاد خط واضح يعبر كلّ هذه الأفلام، إلا انّها نتيجة حتمية لرغبته في أن يكون حاضراً خارج أسوار التصنيفات. فعندما سأله صحافي من "باري ماتش" مثلاً قبل أكثر من عشر سنين، إن كان نادماً على بعض خياراته، فأجاب: "كرهتُ معظم الأفلام التي أنجزتها، لكني لست نادماً على شيء، سواء في مهنتي أو في حياتي. بل أنني لا أفهم معنى كلمة "ندم". أعرف أني لحظة فعلتُ ذلك كان عليّ أن أفعل. هذا كل شيء. ثم إني لا أحبّ النظر الى الوراء. يبقى لنا مع كل يوم يمضي القليل لنعيشه، وبقدر ما يقصر الزمن تتضاءل رغبتنا في تذكّر الأمور السلبية. المستقبل قصير. الماضي طويل جداً. لا أريد محوه، بيد أني لا أفكر فيه. قررت منذ بضع سنوات أن أحيا اللحظة الراهنة فقط".

hauvick.habechian@annahar.com.lb

 

النهار اللبنانية في

11.07.2015

 
 
 
 
 

عمر الشريف.. الدنجوان المصري الذي تربع على عرش العالمية

«عرافه يونانية» تنبأت بشهرته وقبلة «فتاة مرحة» أسقطت جنسيته

و«أزهار القرآن» منحته سيزار الفرنسية

خاص ـ  «سينماتوغراف»

تعتبر مدينة السينما العالمية هوليود تجسيدا صادقا لمفهوم الكوزموبولوتية، مدينة تحتضن التعدد في جنسيات نجومها وأفكار أفلامها، دينها الوحيد هو الموهبة التي تستطيع إثبات نفسها سواء كان صاحبها أسود أبيض لاتيني إنجليزي سويدي أو حتى عربي، ومثلما صنع فيها الإنجليزي تشارلي شابلن أمجاده، واحتضنت شهرة السويدية إنجريد بيرجمان، وساهمت في انتشار الألمانية مارلين ديتريش، وغازلت جمال الإيطالية صوفيا لورين ومواطنتيها كلوديا كاردينالي وجينا لولو بريجيدا وغيرهم من النجوم غير الأميركيين، أعطت الفرصة لبعض من النجوم العرب الذين استطاعو اقتحام أسوارها الشائكة، ومنهم من حقق شهرة عالمية كبيرة وكان أبرزهم الفنان المصري عمر الشريف، الذي قادته الصدفة وحدها ليصبح نجما عالميا، عندما حضر اختبارات آداء للفيلم الأميركي «لورانس العرب» في دور شخصية العربي صديق لورانس وكان المرشح قبله رشدي أباظة الذي تغيب عن الحضور ليتم اختيار عمر ويحصل بفضل هذا الدور على جائزة الجولدن جلوب ويرشح أيضا للأوسكار..

الوصول إلي العالمية

وكما تنبأت له عرافة يونانية بالعالمية، وضع عمر الشريف أول خطوه في مشواره مع الشهرة من خلال «لورانس العرب»، لكن مشواره مع العالمية لم يكن سهلا،  إذ عانى كثيرا من الصعوبات بمجرد خروجه من مصر في أوائل الستينيات حيث سطوة رأس المال الصهيوني على السينما الأميركية، كما أنه لم يكن حرا في اختيار أدواره بسبب عقد احتكار وقعه لحساب شركة كولومبيا لمدة سبع سنوات، والذي كان بمثابة عقد للعبودية التي وصفها عمر الشريف بالسنوات السبع العصيبة والعجاف، وما أن انتهى ذلك العقد حتى انطلق النجم العالمي باحثا عن النجاح والشهرة؛ بالإضافة إلى اللهجة الأميركية التي وقفت حائلا بينه وبين الأدوار الأميركية في هوليوود مما أهله للأدوار الأجنبية في تلك الأفلام كقيامه بدور عربي أو فرنسي وغيرها من الجنسيات.

قدم له المخرج العالمي دافيد لين جواز السفر الذي مر به إلى العالمية بجدارة في فيلم «لورنس العرب» عام 1962 الذي حقق من خلاله نجاحا لم يكن يتوقعه أحد؛ وجعلت الكاميرات الأميركية تتساءل عن ذلك الشاب العربي الوسيم الذي احتل دور البطولة، وترشح من خلاله لجائزة أوسكار أحسن ممثل مساعد التي اعتبرها المغامرة الفنية والحياتية الأكبر في حياته التي راهن فيها على كل شيء.

ثم شهدت فترة الستينيات انطلاقة حقيقية للدنجوان المصري؛ إذ جسد فيها العديد من أدوار البطولة أمام عمالقة السينما الأميركية التي ترك فيها علامة مميزة ببصمة مصرية عالمية، فقدم «جنكيزخان»، ووقف أمام أنتوني كوين في فيلم «انظر الحصان الشاحب»، ثم جاءته الفرصة الذهبية عام 1965 ليلمع نجمه في سماء هوليوود بدور عمره في فيلم «دكتور زيفاجو» مع دافيد لين للمرة الثانية ليعلن تربعه على عرش العالمية بحصوله على جائزة جولدن جلوب كأفضل ممثل وتم أيضا ترشيحه للأوسكار عن الدور نفسه.

بعدها قدم فيلم «تشي جيفارا»، لكن نجاحه المبهر في فيلمه السابق لم يمنع تعرض جيفارا للعديد من الانتقادات؛ إلا أنه عاد بعدها بقوة ليقف أمام صوفيا لورين في فيلم «سقوط الإمبراطورية الرومانية»، وحقق نجاحا آخر في فيلم «ليلة الجنرالات»، وبعدها توالت أعماله التي منها «الرولز رويس الصفراء»، «الثلج الأخضر»، «الوادي الأخير»، «بذور التمر الهندي»، «مايرلنغ» و«الموعد».

هجوم عنيف عليه بسبب قبلة يهودية

في عام 1967 تعرض عمر الشريف لهجوم عنيف من قبل وسائل الإعلام العربية لقيامه بدور يهودي أمام ممثلة يهودية هي بربارا ستريسند في فيلم «فتاة مرحة» بعد هزيمة 1967، وصلت إلى اتهامه بالعمالة، وكثرت المطالبات وقتها بإسقاط جنسية من باع وطنه بقبلة ليهودية، وبالفعل سقطت الجنسية المصرية عنه في أواخر أيام جمال عبد الناصر لتعاد إليه مرة أخرى في عهد السادات، وفي المقابل أيضا لم يسلم الشريف من هجوم الجماعات اليهودية القوية، واعتراض الصحافة الإسرائيلية على وجوده ضمن نسيج السينما الأميركية!.

قبلة فيلم فتاة مرحة التي اسقطت جنسيته

وفي عام 1979 تعرض لمقاطعة عربية شديدة بسبب فيلم «شانتي» على الرغم من اعتذاره عن دور البطولة فيه بسبب تحديد إسرائيل مكانا للتصوير؛ لكنه اضطر إلى القيام بدور صغير إلا أنه لم يسلم من الهجوم العربي، وكذلك لم يسلم من حملة يهودية شرسة بعد أن أصبح أحد أكبر خمسة ممثلين في السينما العالمية.

وفي الثمانينيات أدارت السينما العالمية وجهها المشرق عن عمر الشريف لتجاوزه الخمسين من عمره لتصبح السينما بالنسبة له على حد قوله «أكل عيش»، فأصبح ظهوره في العديد من الأدوار يرتبط بضائقة مالية بسبب مراهنات الخيل أو خسارة كل نقوده على طاولة لعبة البريدج التي احترفها عالميا، والتي كان لها دور رئيس في انطفاء نجمه لفترة طويلة.

العودة إلي الشهرة والأضواء

وبعدها بسنوات داعبت فكرة العالمية خيال عمر الشريف مرة أخرى، عندما تلقى عرضا للقيام ببطولة المسرحية الإنجليزية «الأمير النائم»، وقد تردد في قبول ذلك العرض إلا أنه أدرك سريعا أنها الفرصة الذهبية لتعيده إلى الشهرة والأضواء في العواصم الأوروبية، وليبرهن لنفسه وللسينما العالمية التي خذلته أن بإمكانه النهوض من كبوته، وبالفعل بارك الجميع تلك الموهبة التي كشفت عن نفسها من جديد، وأعادت الروح إلى فنان ضل الطريق.

بعدها أصر الشريف على أن يتحسس خطواته من جديد، ويختار بدقة أدواره ليفتح أمام نفسه مجالا جديدا يثبت أنه ما زال النجم العالمي، فقدم دور آخر قياصرة روسيا في فيلم «نتاشيا»، ثم «بطرس الأكبر».

وبعد أن اقتصرت أدواره في السينما العالمية لسنوات على الأدوار الصغيرة، أو كضيف شرف يساعد ظهوره لدقائق في نجاح أي فيلم مثل دوره في «المحارب الثالث عشر».

جاءت الألفية الجديدة، لينقل من خلالها خطواته بثقل تاريخه، فقدم فيلم «إبراهيم وأزهار القرآن» في عام 2003 الذي أثار إعجاب النقاد، وأثار ضجة جماهيرية كبيرة بسبب تجسيده دور مسلم يتبنى طفلا يهوديا في دعوة إلى التسامح بين الأديان.

وفي 2005 قام ببطولة فيلم «القديس بطرس» الذي نال إعجاب رجال الفاتيكان؛ إلا أنه أثار حفيظة بعض الجماعات بقيامه بدور قديس مسيحي ووصل الأمر لتهديده بالقتل عبر موقع على الإنترنت.

وكان آخر الأفلام التي قدمها عمر الشريف فيلم «روك القصبة» وهو الفيلم الروائى الثانى للمخرجة المغربية ليلى مراكشى، ولعب خلاله دورا لأب ميت، يتابع أولاده خلال تحضيرات مراسم دفنه، ويتعلق بحفيده الصغير.

أبواب المجد والجوائز

رحلة طويلة اختتمها عمر الشريف الحاصل على جائزة «جولدن جلوب» لأفضل ممثل عن فيلم «دكتور زيفاجو» عام 1966، والذي رشح للأوسكار عن فيلم «لورانس العرب»، لم يظهر خلالها من ينافسه من أبناء جيله في مصر والعالم العربي. وفي العام 2004 تم منحه جائزة مشاهير فناني العالم العربي تقديراً لعطائه السينمائي خلال السنوات الماضية، وحاز أيضا في العام نفسه جائزة سيزار لأفضل ممثل عن دوره في فيلم «السيد إبراهيم وأزهار القرآن» لفرانسوا ديبرون. كما حصل على جائزة الأسد الذهبي من مهرجان البندقية السينمائي عن مجمل أعماله، ليبقى علامة بارزة ينشدها أي ممثل عربي يتجه إلي هوليوود، منتظرا أن تمنحه عطاياها، مثلما فتحت أبواب الشهرة والمجد والجوائز أمام لورانس العرب عمر الشريف.

 

موقع "سينماتوغراف" في

11.07.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004