ملفات خاصة

 
 
 

رحيل مريم فخر الدين.. الممثلة الرومنسية ذات اللسان اللاذع

نديم جرجوره

سيدة الرومانسية

مريم فخرالدين

   
 
 
 
 
 
 

بين أدوار بطولة أولى ونزق حياتيّ لم يقف حائلاً دون انتقادات عنيفة موجّهة لزملاء أو مسائل، وبين انهماك في تأكيد رومنسية سينمائية عربية شفّافة وهادئة، واختبارات درامية ذاهبة بها إلى أقصى فعل التمثيل، عاشت الفنانة المصرية مريم فخر الدين واحداً وثمانين عاماً، انتهت أمس الاثنين إثر مشاكل صحّية متنوّعة. لاذعة هي. قاسية بأحكامها. لا تخشى شيئاً أو أحداً. ناشئة في عائلة متشرّبة ثنائيات «ثقافية» (إسلام ومسيحية، مصر والمجر، أفريقيا وأوروبا، العربية والألمانية، حرفية مهنية ونجومية باكرة). الشقيقة الكبرى للممثل الراحل يوسف فخر الدين (1935 ـ 2002) عارفةٌ نماذج مختلفة من الأدوار، وحالات متعدّدة من الحياة المصرية والعربية العامة. زمنها السينمائي المتألّق مرتبط بسطوة السينما الرومنسية المصرية في العالم العربي. ألقابٌ عديدة سيقت لممثلات من جيلها، فإذا بها تنال أحدها: «حسناء الشاشة». لكن «حسناء الشاشة» هذه تخفي في ذاتها روحاً عصيّة على التنازل والفهم ربما، وكبرياء تدفعها إلى التخوم القصوى للصراحة اللاذعة.

البطولة الأولى

كأنها مولودة للتمثيل، وإن تغلّب عليها نوع واحد. جمالها فاعلٌ في تحوّل حياتها منذ شبابها الأول. جمالها نفسه مدخلٌ إلى السينما عبر غلاف مجلة. تقول الحكاية إن مريم فخر الدين احتلّت غلاف المجلة الفرنسية «إيماج»، ما أفضى إلى فتح أبواب السينما أمامها. لا أحد يعرف «سرّ» انخراطها في الأدوار الأولى منذ البداية. ليس الجمال فقط. هناك رأي نقدي مفاده وقوع الممثلة في فخّ التشابه الكبير في تأديتها الغالبية الساحقة من الشخصيات: ابتسامتها أو حزنها، فرحها أو انقباض القلب وملامحه، رغبتها في الحبّ وانكسارها أمام قسوته. أميل إلى القول إنها لم تتغيّر كثيراً، وإن في مقابل تبدّل الأنواع. البطولة الأولى لها نعمة تُطالبها بدفع ثمن كبير لقاء الاستمرار، فإذا بها تواجه بارعات أخريات في اقتناص أجمل الأدوار، وأحلى الشخصيات. ليس سهلاً تمثيلٌ يأخذ صانعه إلى عشرات الأعمال التي وضعتها في إطار واحد لم تخرج منه إلاّ قليلاً، من دون مطالبتها بالاجتهاد في اختراع كل جديد ممكن. خمسينيات السينما المصرية وستينياتها مثلاً ملعبٌ لها لأداء دور ساحرة جميلة تستقطب منتجين ومخرجين وممثلين، فتجد نفسها في مواجهة يومية مع ممثلات يُتقنّ فنّ التنويع التمثيلي، كهند رستم ونادية لطفي وفاتن حمامة مثلاً.

إنه زمن انقلابات وتحوّلات. تحاول مصر الخروج من الملكية إلى نظام جمهوري مرتبك عبر ثورة بيضاء. تحاول السينما أن تكتسب من الغرب ما يُعين على إيجاد مرادفات مصرية لما يحدث فيه. تحاول الصناعة السينمائية أن تُطوّر لغتها، وأن تتفرّد في إنتاج ذاك المزيج الرائع بين الرومنسية والغناء. مريم فخر الدين جزءٌ من هذا. وقوفها أمام كاميرا كبار لم يمنعها من الوقوف أمام آخرين أيضاً. لم تشأ سينما تلك الفترة البقاء في مألوف واحد، فتنوّعت عطاياها ونماذجها. هناك أدب مُشارك في الصناعة. هناك أدباء مساهمون في السينما، يُقدّمون روايات، أو يُساهمون في كتابة سيناريوهات. مريم فخر الدين مُعاصرة هذا كلّه، وما بعده. لم تكن مختلفة عن أخريات، سواء في حياتها الخاصّة أو في اشتغالاتها السينمائية. أربع زيجات وولدان. صعود رائع وسقوط عادي، كي لا أقول مدوّياً أحياناً. مع هذا، ظلّت امرأة عنيدة في اختراقها المعمول به غالباً. مُدركة هي منذ طفولتها أن عدم الخنوع قدرٌ لها. أب مسلم يريدها فتاة شرقية، وأم مجرية تكافح هذا لرغبتها في أن تكون ابنتها متحرّرة ومنفتحة. ترتدي المايو وتُقبّل الممثلين، مع أن والدها مانعٌ إياها القيام بهذا. لاحقاً، باتت مريم فخر الدين إحدى علامات التمرّد والعيش إلى أقصى المستحيل.

«سيدة الشاشة العربية»

لسان لاذع نابعٌ من فعل المواجهة ربما. مثلٌ أول: رافضةٌ هي منح فاتن حمامة لقب «سيدة الشاشة العربية»، لاعتبارها اللقب يليق بها أكثر. لعل شيخوختها سببٌ لتفوّهها بكلام قاس عن زملاء ومسائل. مثلٌ ثان: لم تتردّد عن وصف رائحة فم عبد الحليم حافظ (1929 ـ 1979) بالبشعة، بطريقة لا تقلّ بشاعة، هو المُصاب بالبلهارسيا، منتقدة في الوقت نفسه مشاركتها إياه البطولة السينمائية مرّتين اثنتين، الأولى في «حكاية حبّ» (1959) لحلمي حليم، والثانية في «البنات والصيف» (1960) للمخرجين الثلاثة عز الدين ذو الفقار وصلاح أبو سيف وفطين عبد الوهاب. مثلٌ ثالث: مهاجمة الطائفة الدرزية في برنامج «خليك بالبيت» مع زاهي وهبي بطريقــة لا تليق بها كسيدة وفنانة وامرأة. شيخوختها تلك تُشبه، شكلاً، المآل الذي بلغته كلوديا كاردينالي: تجعّد في الجسد. لكن هذا التجــعّد لم يمنــع الممثلتين من تقديم أدوار سينــمائية قليلة، وهما في لحظــة انعدام الجمال الشكليّ.

كثيرة هي أفلامها. عديدة هي مواقفها القاسية. تاريخها جزءٌ من لعبة الفن والسياسة والأمن والأعمال. آخر أيامها مرضٌ وعزلة وانفضاض عن مهنة استنزفتها طويلاً. غريبٌ أمر فنانين كهؤلاء: مستقبلهم رهن ماضيهم، لا أكثر.

 

السفير اللبنانية في

04.11.2014

 
 
 
 
 

مريم فخر الدين «أميرة» الشاشة المصرية

محمد عبد الرحمن, أحمد جمال الدين

شيّعت الممثلة الثمانينية أمس إلى مثواها الأخير في مقابر العائلة في مدينة 6 أكتوبر، تاركةً خلفها أكثر من 250 عملاً والكثير من التصريحات النارية

القاهرة | «انجي ماتت، بس علي لن يموت» هكذا علّق الصحافي محمد الجارحي على خبر وفاة مريم فخر الدين (1933 ـ 2014) أمس، هي التي جسدت شخصيتها الأشهر «إنجي» في فيلم «رد قلبي» (1957 ـــ اخراج عز الدين ذو الفقار) الذي أسّس لبداية الحقبة الناصرية في مصر.

كل حدث في مصر باتت تطارده التعليقات السياسية، بما في ذلك رحيل الممثلة الكبيرة بعد صراع طويل مع المرض. دخلت «أنجي» ذاكرة الجمهور في الفيلم الشهير الذي اعتُبر لاحقاً الشريط الرسمي لـ «ثورة 23 يوليو». فـ «إنجي» هي ابنة الأسرة العلوية التي أطاحت بها الثورة، جمعها الحب بـ «علي» الضابط في الجيش الذي شارك زملاءه في الانقلاب على الملك فاروق الأول. ماتت «إنجي» وعلي لن يموت. كتبها محمد الجارحي على تويتر، مشيراً إلى أنّ «علي» هو الحكم العسكري الذي يرى بعضهم أنّه عاد إلى مصر رغم «ثورة 25 يناير». لكن بعيداً من السياسة، ودّع الجمهور فخر الدين بعد حياة فنية وشخصية حافلة. اشتهرت بشخصيتها المتميزة وبجمالها الأخاذ على الشاشة وإن كانت لم تصنف ضمن الممثلات ذوات القدرات العالية. فخر الدين واحدة من أبرز نجمات زمن الفن الجميل التي قدمت أكثر من 250 عملاً في السينما والتلفزيون على مدار أكثر من 55 عاماً وقفت فيها أمام الكاميرا بعدما بدأت مسيرتها وهي لم تكمل عامها الـ 18. ولدت في 8 كانون الثاني (يناير) 1933 في كنف أسرة مصرية مجرية. والدها من أصول صعيدية، ووالدتها سيدة مجرية انتقلت للإقامة في القاهرة مع عائلتها في طفولتها حتى تزوجت. مع بداية الخمسينيات، كانت السينما قد بدأت في الانتعاش وأصبحت صناعة مربحة للمنتجين والمخرجين. وكانت رحلات البحث عن الفاتنات تبدأ من صفحات المجلات، ما دفع عدداً كبيراً من المخرجين والمنتجين للتوجه إلى منزل أسرة مريم فخر الدين لترشيحها لأدوار من بينهم أنور وجدي.

أسّس «رد قلبي» (1957) لبداية الحقبة الناصرية في مصر إلا أنّ والدها كان يرفض دوماً دخولها هذا المجال. لعبت المصادفة دوراً مهماً في حياة فخر الدين. بعدما حصلت على شهادة البكالوريا من المدرسة الألمانية، أتتها الفرصة عن طريق أحمد بدرخان. كانت صداقة تجمع المخرج المصري بوالدها، وكان دائم التردد على منزلهم يتناقش مع والدها في أمور عدة لا علاقة لها بالفن. في إحدى المرات، عرض بدرخان عليه أن تؤدي فخر الدين بطولة فيلمه الجديد «ليلة غرام» (1951). وضع والدها قيوداً مشددة على عملها الفني في البداية، ورفع أجرها إلى 1000 جنيه في الفيلم في محاولة لكبح تهافت المخرجين عليها، إلى أن فكر المخرج محمود ذو الفقار في الزواج من مريم التي كانت تصغره بـ 23 عاماً كي يطمئن الأب. وكانت هذه أولى زيجة حسناء الشاشة.

الزواج الأول كان بمثابة الباب الذهبي لدخول عالم التمثيل، خصوصاً أنّ موهبتها الفطرية وجمالها جعلا المنتجين يسندون لها أدواراً مهمة في الأفلام التي شهدت زيادة كبيرة في الخمسينيات والستينيات، فكانت أدوار الفتاة البريئة الطيبة من نصيبها باستمرار. أنجبت من زوجها ابنتهما الوحيدة إيمان واستمرت زيجتهما 8 سنوات إلى أن انفصلا مطلع عام 1960 بسبب ما وصفته مريم لاحقاً بمعاملته القاسية لها وإيذائهاً جسدياً.

خلال زواجها من ذو الفقار، قدمت أهم أفلامها على الإطلاق أي «رد قلبي» (1957) مع المنتجة آسيا. جسدت هنا شخصية الأميرة انجي التي تقع في حب علي ابن الجنايني (شكري سرحان). تزوجت مريم للمرة الثانية من محمد الطويل وأنجبت ابنها أحمد. لكن الزيجة لم تدم أكثر من 4 سنوات، لتتزوج بعدها بثلاث سنوات الفنان السوري فهد بلان. زيجة لم تدم سوى أشهر تمت خلال وجودها في بيروت عام 1968 من أجل تصوير بعض الأعمال، فيما كان شريف الفضالي آخر أزواجها وانفصلت عنه قبل أكثر من ثلاثة عقود. الراحلة كانت تؤكد دوماً أنّ أياً من أزواجها لم يحبّها، ما أدى إلى انفصالها عنهم. من أعمالها المميزة أيضاً فيلم «الأيدي الناعمة» الذي شاركت فيه مع أحمد مظهر وتطرق إلى حياة الأثرياء بعد ثورة 1952 والقضاء على الإقطاع. قدمت مريم دور الزوجة الطيبة التي تتعرض للظلم من زوجها في أكثر من عمل أبرزها فيلم «لا أنام» مع فاتن حمامة، و»أبو أحمد» مع فريد شوقي، فيما حصدت عن دورها في «لا أنام» جائزة خاصة من وزارة الثقافة.

اعتزلت السينما مع نهاية السبعينيات تقريباً خلال الفترة التي شهدت مجموعة مختلفة من الأعمال بوجوه صاعدة، فيما تركزت أدوارها لاحقاً على الظهور الشرفي ضمن مشاهد في أفلام عدة كـ»النوم في العسل»، «يا تحب يا تقب». خلال تصريحاتها، كانت ناقمة دوماً على أفلام المقاولات التي انتشرت في تلك الفترة واعتبرتها سبباً في تخريب صناعة السينما. آخر ظهور لها على الشاشة الكبيرة كان في فيلم «كذلك في الزمالك» حيث قدمت دوراً شرفياً، فيما جاء اعتزالها مصحوباً بعدم عرض أدوار عليها خلال السنوات الأخيرة رغم عدم معارضتها العودة إلى السينما مرة أخرى.

اشتهرت مريم فخر الدين بتصريحاتها المثيرة للجدل خلال إطلالاتها التلفزيونية المختلفة. ورغم تعاونها مع فاتن حمامة في أكثر من فيلم، إلا أنّها كانت ترفض وصفها بـ «سيدة الشاشة العربية» منتقدة هذا الوصف الذي يقلل من باقي فنانات جيلها ويعتبرهن جواري لها. كما أثارت حالة من السجال بينها وبين أسرة الفنانة القديرة صباح عندما اتهمت الأخيرة بالزنا في برنامج تلفزيوني. وهددت أسرة الفنانة اللبنانية بملاحقتها قضائياً، فيما اتهمت نبيلة عبيد التي شاركت معها في أكثر من عمل إذاعي، بأنها كانت على علاقة بوزير الداخلية الأسبق اللواء حبيب العادلي المحبوس على ذمة قضايا فساد.

وهاجمت مريم فخر الدين أيضاً يوسف شاهين، معتبرة أنّه أسوأ مخرج، وانتقدت تمثيل منة شلبي. وكان حديثها عن الذكريات المرضية لعبد الحليم حافظ قد أثار استياء جمهور العندليب الأسمر، خصوصاً مع ذكرها مساوئ حالته الصحية. كذلك انتقدت هند رستم وأداءها في الأفلام وهاجمت الجيل الجديد في السينما، مؤكدة أنّه يفتقد إلى الكاريزما في أدواره وغياب المضمون الجيد عن أعماله، خصوصاً مع ابتعاده من الرومانسية والتركيز على أعمال البلطجة.

يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويترMhmdAbdelRahman@

 

####

 

الجميلة والضباط

محمد خير

القاهرةإذا كان جمال الملامح هو أبهى منح الطبيعة للأنثى، فإن اياً من ممثلات السينما المصرية لم تتمتع بتلك النعمة مثل مريم فخر الدين. لقد عرفت هوليوود الشرق جميلات كثيرات، متنوعات الجمال، من هند رستم إلى شويكار إلى سعاد حسني، لكن ما من واحدة منهن استفادت من جمالها قدر فخر الدين، لأنها، على خلافهن، كادت ألا تمتلك سوى هذا الجمال، الذي ظل ذخيرتها الحقيقية حين كانت نجمة ملء الأبصار، وحين صارت أيقونة وذكرى.

مصر الكوزموبوليتانية في النصف الأول من القرن العشرين جعلت من اختلاط الأصول العائلية للفنانين أمراً شائعاً آنذاك، لم تكن مريم استثناءً. من أم مجرية مسيحية وأب مصري مسلم، ولدت سنة 1933. أهّلتها الملامح الأوروبية لنيل أدوار الحب والبورجوازية معاً. مشوار سينمائي طويل تخطى النصف القرن، لكن اسمها ظل يبعث في الأذهان دائماً صورة قصر وأميرة وقصة حب. وبرغم الأجواء الارستقراطية، فإنّ الباشوات سيئو الحظ في أفلام مريم. إنهم ضحية التأميم الناصري دائماً، لكنهم خاسرون سيئون في «رد قلبي» (1957)، يكرهون «ابن الجنايني» (شكري سرحان)، الذي أصبح ضابطاً وتجرأ على طلب ود الأميرة إنجي. أما في «الأيدي الناعمة» (1963) بعد أكثر من عشر سنوات على الثورة، فيبدأ الأمير شوكت حلمي (أحمد مظهر) في تقبل خسارته تدريجاً. ويبدأ الاقتناع أخيراً بأهمية العمل، واستخدام «أيديه الناعمة»، ومرة أخرى، كما كانت مريم في دور الأميرة إنجي أكثر تجاوزاً للفروق الطبقية، فأحبت ابن الجنايني في «رد قلبي»، فإنها أيضاً في دور جيهان، ابنة الأمير شوكت، كانت أكثر تقبلاً منه للأوضاع الجديدة. في الواقع هذه المرة كان الجميع أكثر فهماً «للثورة» من الأمير.

لكن هذه القصص «الثورية» (بمعايير ثورة يوليو بالطبع)، لم تكن صناعة مريم نفسها، ولا حتى لأنّ إحداها في «رد قلبي» كانت من بنات افكار الروائي يوسف السباعي، أحد ضباط «ثورة يوليو»، لكن ربما لأنّ السبب الأساس هو ارتباط مريم فخر الدين بعائلة ذو الفقار. وهي إن كانت عائلة فنانين، إلا أنها قبل ذلك، عائلة كبيرة من الضباط، عمادها الأب قصدي ذو الفقار، الذي كان عميداً في الشرطة قبل «ثورة يوليو»، وأبناؤه الخمسة الذين كان أبرزهم صلاح ذو الفقار، ضابط الشرطة الذي تفرغ للفن، وعز الدين ذو الفقار، خريج الكلية الحربية، ومخرج «رد قلبي»، وأخيراً، وربما الشقيق محمود ذو الفقار، مخرج «الأيدي الناعمة». لم يكن ذو الفقار ضابطاً كإخوته أو أبيه، كان مخرجاً من البداية، وتزوج عزيزة أمير، التي توفيت في سنة الثورة، ليتزوج في العام نفسه مريم. كان مدهشاً أن بطولتها الأشهر خلال زواجهما كانت من إخراج شقيق الزوج عز الدين في «رد قلبي». أما بطولتها الأشهر مع الزوج محمود، فجاءت بعد طلاقهما بثلاث سنوات في «الأيدي الناعمة».

مهما يكن، وطوال عشرات السنين تنقلت مريم بين أدوار ظلت تتقدم فيها عمرياً، لتصبح في ما بعد نجمة «توك شوز» ضاحكة، مشهورة بصراحتها وجرأتها، لكنها ظلت «الأميرة الجميلة التي ورثها ضباط يوليو».

 

####

 

«أسيرة» الأدوار الرومانسية

عبدالرحمن جاسم

لا يمكن لأيٍ كان نسيان الجميلة مريم فخر الدين. الحسناء المصرية التي زيّنت صورتها أكثر من 240 عملاً كانت واحدةً من "رموز" السينما المصرية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. كانت نجمةً من نجوم العصر الذهبي: عصر فاتن حمامة، ناديا لطفي، سعاد حسني، شادية، لبنى عبد العزيز، وماجدة. إنها واحدةٌ من أكثر النجمات المصريات المحبوبات في سني عمرها الأولى: الأرستقراطية الجميلة ذات الملامح الغربية، الحبيبة المرغوبة التي لا يمكن الوصول إليها، والعاشقة المغلوبة على أمرها.

لم يأت نجاح مريم عبثياً. كانت قد فازت بجائزة أجمل وجه في مسابقة مجلة "إيماج" الفرنسية، ما أعطاها فرصة الظهور في أوّل أفلامها عام 1951 وهو "ليلة غرام". كما أنّ النجاح نفسه، لم يكن بلا ثمن، هي التي قالت يوماً (مقابلة نشرت في مجلة «الكواكب» عام 1962) إنّها تعيش في قفصٍ من ذهب. إنّها الحياة "الفنية" التي تجبرها على أن يكون كل شيءٍ بحساب. استغلت السينما المصرية ملامح مريم الأوروبية فدفعتها إلى الأدوار الرومانسية أكثر من أيِ شيءٍ آخر، فكانت تلك الأفلام بوابتها إلى قلوب عشاق السينما. وإذا تحدّثنا عن هذه المرحلة من حياة مريم، لا يمكن نسيان أحد أهم الأفلام العاطفية التي طبعت تلك المرحلة: "رد قلبي" (1957 ـ إخراج عز الدين ذو الفقار) عن قصة الكاتب الكبير يوسف السباعي الذي يتحدث بوضوح عن علاقة حب تجمع بين شاب فقير (شكري سرحان) بأميرة حسناء. فضلاً عن كونه قصة عاطفية، كان هذا العمل "صرخة" في وجه الطبقات الاجتماعية وتسلطها. يشير سامح عبد الفتاح في كتابه "كلاسيكيات السينما المصرية في الميزان" إلى أنَّ دور مريم فخر الدين في الفيلم جعلها أقرب إلى "الحلم" و"الفتاة المشتهاة" لدى جيلٍ بكامله من المصريين والعرب. في الإطار عينه، لا يمكن نسيان دورها في فيلم "لا أنام" (1957 ـ إخراج صلاح أبو سيف) عن قصة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس مع نجومٍ كبار هم فاتن حمامة، وعمر الشريف، ويحيى شاهين وعماد حمدي. أدّت في العمل دور زوجة الأب الطيبة التي تتعامل مع ابنة الزوج الشريرة (فاتن حمامة) ضمن فكرةٍ كانت شديدة الحداثة بعدما اعتدنا دائماً على أن تكون زوجة الأب هي الشريرة والمتسلطة مع الابنة الطيبة والمسكينة.

وحالما شارفت على الأربعين، انتقلت فخر الدين إلى أدوارٍ من نوعٍ آخر. أصبحت تؤدي أدوار الأم أبرزها دور والدة ناهد في فيلم "بئر الحرمان" (1969 ــ اخراج كمال الشيخ) للنجمة سعاد حسني مع كوكبة من النجوم مثل نور الشريف، ومحمود المليجي. امتازت مريم فخر الدين بحسب أغلب من تعاملت معهم بالحرفية الشديدة وسرعة انسجامها في دورها وفق ما أشار مرةً المخرج صلاح أبو سيف، وظلت تتمتع بذاكرة قوية وقدرة على حفظ دورها رغم تقدّمها في السن.

 

الأخبار اللبنانية في

04.11.2014

 
 
 
 
 

«إحنا مش خدامينها».. جملة سببت خلافًا بين مريم فخر الدين وفاتن حمامة

كتب: أحمد النجار

تميزت الفنانة الراحلة مريم فخر الدين بالصراحة الشديدة، وكثيرا ما أوقعتها صراحتها في مطبات عديدة، ولعل أشهر مطب وقعت فيه عندما أعلنت اعتراضها على اختيار الفنانة فاتن حمامة «نجمة القرن العشرين وأفضل ممثلة مصرية طوال 100 عاما».

واعترضت «مريم» على منح «فاتن» لقب سيدة الشاشة العربية، وخرجت لتؤكد أن «الاختيار جانبه الصواب لأن سعاد حسني تستحق هذا اللقب عن جدارة، فأرشيفها من الأعمال والأدوار الهامة يفوق تاريخ فاتن حمامة».

وقالت: «إذا كانت فاتن حمامة سيدة الشاشة فهل نحن خادماتها»، وكان هذا التصريح سببا في فتح عدد من السينمائيين والنقاد النار على «مريم»، واتهموها بالغيرة من «فاتن».

 

المصري اليوم في

04.11.2014

 
 
 
 
 

السينما المصرية تفقد حسناءها مريم فخرالدين

العرب/ القاهرة

الفنانة المصرية اشتهرت في فترة الخمسينات والستينات بأداء أدوار الفتاة الرقيقة الجميلة العاطفية، ولقبها الإعلام المصري بحسناء الشاشة.

توفيت صبيحة أمس الاثنين 3 نوفمبر الجاري الفنانة المصرية مريم فخرالدين عن عمر ناهز 81 عاما، بمستشفى المعادي العسكري بعد صراع مع المرض.

مريم فخرالدين تم إبقاؤها بالمستشفى منذ فترة طويلة لإجراء عملية إزالة تجمّع دموي من المخ، لكن حالتها الصحية تدهورت بعد إجراء هذه العملية وتمّت إحالتها إلى غرفة العناية المركزة حتى وافتها المنية صباح أمس الاثنين.

ولدت مريم فخرالدين بمدينة الفيوم لأب مصري مسلم وأم مجرية مسيحية (8 يناير 1933)، وهي الأخت الكبرى للفنان يوسف فخرالدين.

لقبت بحسناء الشاشة من قبل الإعلام المصري الذي كان في ذلك الوقت متأثرا بالسينما الأميركية وببطلاتها مثل مارلين مونرو، ولذلك جعل الكثيرات، إن لم يكن معظم بطلات السينما المصرية في ذلك الوقت، يشبهن إلى حدّ كبير بطلات السينما الغربية، مثل مريم فخرالدين وهند رستم والتي فعلا لقبت بمارلين مونرو الشرق وليلى فوزي وبرلنتي عبدالحميد وماجدة الصباحي وإلى حدّ ما فاتن حمامة.

بعد أن حصلت على شهاده البكالوريا من المدرسة الألمانية، فازت عن طريق مجلة “إيماج” الفرنسية بجائزة أجمل وجه، وهو الاعتراف الذي أهلها لأن تقوم بدور البطولة في أول أفلامها السينمائية.

اشتهرت في السينما العربية وخاصة في فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين في أدوار الفتاة الرقيقة الجميلة العاطفية المغلوبة على أمرها، وفي أحيان كثيرة قامت بدور الفتاة الضحيّة.

ولكنها نجحت من حين لآخر أن تخرج من هذه الشخصية النمطية التي برعت فيها تماما ولم يستطع أحد منافستها فيها.

مع مطلع السبعينات اختلفت بحكم السن أدوار مريم فخرالدين على الشاشة، وأصبحت تقوم بأدوار مختلفة تماما كدورها الشهير في فيلم “الأضواء” عام 1972، وقبله دور الأم في فيلم “بئر الحرمان” عام 1969. بعد زواجها من فهد بلان عملت معه في بعض الأفلام، ولكنها بعد الانفصال عادت إلى مصر لتأخذ مكانها في أدوار الأم الجميلة.

تعتبر الفنانة مريم فخرالدين من الممثلات المحبات لعملهن والمخلصات له، حيث ظلت طوال حياتها الفنية تعمل دون انقطاع لتخرج من نجاح إلى آخر، كما قامت خلال هذه الرحلة الممتدة بإنتاج وبطولة ثلاثة أفلام هي “رنة خلخال” عام 1955 و”رحلة غرامية” و”أنا وقلبي” عام 1957.

إلى جانب أشهر أفلامها التي نذكر منها “الأرض الطيبة” عام 1954 و”ردّ قلبي” عام 1957 و”حكاية حب” عام 1959 و”البنات والصيف” عام 1960 و”القصر الملعون” عام 1962 و”طائر الليل الحزين” عام 1977 و”شفاه لا تعرف الكذب” عام 1980 و”بصمات فوق الماء” عام 1985 و”احذروا هذه المرأة” عام 1991 و”النوم في العسل” عام 1996.

في عام 1952 تزوجت من المخرج محمود ذوالفقار وأصبحت قاسما مشتركا في أفلامه وأنجبت منه ابنتها إيمان، واستمرّ زواجهما 8 سنوات، حيث تمّ طلاقهما عام 1960، ثم تزوّجت مرة ثانية من الدكتور محمد الطويل بعد 3 أشهر من طلاقها من محمود ذوالفقار، وأنجبت منه ابنها أحمد واستمرّ زواجهما 4 سنوات.

وفي عام 1968 سافرت إلى لبنان وتزوجت هناك من المطرب السوري فهد بلان، إلاّ أن زواجهما لم يدم طويلا بسبب مشاكل أبنائها معه، وبعد طلاقها من فهد بلان تزوّجت من شريف الفضالي ليكون زوجها الرابع، وظلت معه فترة ثم تطلقا.

 

العرب اللندنية في

04.11.2014

 
 
 
 
 

مريم فخر الدين تاريخ سينمائي طويل

العربي الجديد

كانت تعيش داخل الشخصية التي تقوم بأدائها لأيام ولا تخرج منها إلاّ بصعوبة شديدة. رحلت ماري فخري الشهيرة بمريم فخر الدين عن عمر يناهز 83 عاماً بعد صراع مع الغيبوبة نتيجة جراحة دقيقة في المخ بعد آلام استمرت أسابيع طويلة. انطلقت خلالها شائعات تقول إنّها ماتت وكانت لم تمت ليسدل الستار أخيراً على قصة سينمائية جميلة كانت بطلتها الأميرة انجي كما لُقّبت في السينما المصرية استناداً إلى دورها في الفيلم الأشهر الذي كان أيقونة الرومانسية "رد قلبي". والرومانسية نفسها عاشتها أيضاً في فيلمها "الأيدي الناعمة" الذي جمعها بالنجمة ليلى طاهر التي قالت في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد": تلقّيت خبر مرض مريم بحزن شديد للغاية"، أمّا خبر وفاتها فقالت عنه: "أتعس خبر تلقّيته منذ سنوات". ووصفت مريم بأنها فنانة "متغذية" تمثيل. موضّحة، أنّ مريم ماتت إلاّ أنّ أفلامها باقية. وهذا هو الفرق بين الفن الحقيقي والفن المزيّف الذي يموت قبل أن يولد.

أما الفنان أحمد آدم الذي قدّم معها فيلم "يا تحب يا تقب" فقال: "لم تقدم مريم رحمة الله عليها أعمالاً كوميدية، إلاّ أنّها كانت في الكواليس تتمتع بخفة ظل كبيرة، وكنّا نندهش أنّها تجمع بين هذه الرومانسية النادرة الوجود وبين خفة الظل، فكانت تقلد فنانات موجودات الآن وتتهكّم عليهن بشكل طريف جداً. وكنت أنا وفاروق الفيشاوي والمنتصر بالله الذين شاركوا في الفيلم معي ومعها نسقط أرضاً من الضحك بسبب ما تفعله".

مريم فخر الدين اشتهرت بتصريحات إعلاميّة لاذعة بعد دخولها سن الشيخوخة، فقالت عن الفنان الراحل رشدي أباظة أنّه كان "هَيْموت عليها" وخلع باب الشقة عليها ليطلب يدها ويتزوجها، لكنّها رفضت لأنه "بتاع ستات". أمّا التصريح الأكثر سخونة والذي أثار جدلاً كبيراً، عندما صرّحت أنّها أحبّت العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ أثناء تجسيدها إحدى الشخصيات أمامه، بل وقالت إنها تلقت أحلى قبلة في حياتها منه. أثناء هذه التصريحات، اتهمت مريم بأنها وصلت إلى مرحلة الـ "الزهايمر".

في العام 1951 نشرت مجلة "إيماج" الفرنسية صورة الفتاة الجميلة "مريم محمد فخر الدين"، التي فازت في مسابقة اختيار "فتاة الغلاف"، بعدما شاركت بالصدفة، بسبب مرافقتها والدتها إلى المصوّر الذي عرض عليها أن يلتقط صورة لابنتها، على أن يمنحها مقابل ذلك ستّ صور مجّانية. قبلت الأم العرض. لم يمرّ ببال أحد أنّ الصورة لن تفوز فقط، بل ستكون مفتاحاً يفتح باب الشهرة أمام مريم. 

وُلدت مريم في صيف العام 1933 في الفيّوم. كان والدها مهندساً وكانت والدتها سيّدة مَجَرية. كانت ترغب مريم متابعة دراستها، قبل أن يكتشف والدها في صندوق بريد المنزل شيكاً بمبلغ 250 جنيها من مؤسسة "دار الهلال"، كان يمثّل قيمة جائزة مسابقة الصور. ما أغضب الوالد كثيراً، فوجّه صفعة لأمّها وطرد كلّ من حاول الاقتراب من المنزل. حينها، توافدت قوافل الصحافيين بحثاً عن حوار مع "الحسناء الجميلة"، وتوافد المنتجون والممثلون أيضاً في محاولة لإدخالها عالم التمثيل، فكان الطرد من نصيب أنور وجدي، وحسين صدقي. ولم يوافق الأب إلاّ على عملها مع أحمد بدرخان الذي كان صديقاً له واستطاع اقناعه بأنّه سيكون أميناً عليها وسيقدّمها في فيلم يحمل رسالة اجتماعية راقية وبمنظر لائق غير مبتذل. واشترط والد مريم أن يحتوي الفيلم على مشهد تجلس خلاله ابنته على سجّادة الصلاة، كإجراء احترازي لتثبيت وقارها في أذهان الجمهور. وهكذا ظهرت مريم للمرّة الأولى على الشاشة في فيلم "ليلة غرام" العام 1951، ثم قدّمت بعده " السماء لا تنام" و"المساكين. لكنّ دور "سعدية" في "الأرض الطيبة" شكّل انعطافاً مهمّا في مسيرتها، وكان من إخراج زوجها الأوّل محمود ذو الفقار، الذي تُعتَبَر فترة زواجها منه جزءًا من جحيم حياتها. فقد كان يستأثر بأجرها، ويغار عليها غيرة شديدة بسبب فارق السنّ الكبير بينهما، الذي فاق العشرين عاماً.

تروي أنّها هربت منه إثر شجار بينهما، حافية وبقميص النوم، وظلّت تركض في الشارع حتّى وصلت إلى بيت والدتها. ولم تستطع أن تتطلّق منه إلاّ بعد أن جمعت مبلغاً كبيراً من المال خفية عنه، كانت تضعه في جواربها، على حدّ قولها، حتّى لا يأخذه منها. واشترت شقّة في البناية نفسها، واغتنمت فرصة سفره لتنتقل إليها. طلّقها في العام 1960 بعد زواج دام ثمانية أعوام.

حصرها جمالها داخل نطاق ضيّق من الأدوار لا يتعدّى دائرة الفتاة الرومانسية الرقيقة الطيبة، ولُقِّبَت بـ"حسناء الشاشة" و"برنسيسة الأحلام" و"ملاك السينما" و"المرأة الحالمة". لم تخرج مريم من هذا الحصار إلاّ في السبعينيّات، وبدأت بتقديم أدوار الأم في بعض الأعمال، منها: "بئر الحرمان"، التي مثّلت به دور والدة سعاد حسني، "دقّة قلب" و"وداعاً إلى الأبد". وصل رصيدها إلى أكثر من 230 عملاً بين فيلم ومسلسل، وكان آخر ظهور لها في العام 2009 خلال مسلسل "الوتر المشدود".

لم تكن حياتها وزواجاتها مستقرّة. بعد طلاقها من ذو الفقار، ارتبطت مباشرة بالدكتور محمود الطويل، وتطلّقت بعد أربعة أعوام، لتتزوّج من المطرب السوري الشهير فهد بلّان. ثم ارتبطت بشريف فضالي وتطلّقت منه أيضاً. صرّحت مرّة أنّ طلاقها كان دائماً بسبب بحثها عن "الحبّ".

كانت صديقة مقرّبة من الفنّانيْن فريد الأطرش وأحمد مظهر. قد لا يعرف كثيرون أنّ مريم كانت مصابة بمرض وراثي في الأذن كاد يفقدها سمعها تماماً. وكانت تحتاج أحياناً إلى إشارات يدوية من المخرج لأنّها لم تكن تسمع، وأنّها ألقت بنفسها في الماء رغم تحذير الأطباء، وذلك لأداء مشهد في فيلم "إرحم حبّي". كما عطّل فيلماً آخر علاجها هو "البنات والصيف"، لأنّها كانت متمسّكة بدور البطولة أمام عبد الحليم حافظ، ما جعلها تؤجّل السفر للعلاج.

كان جمالها مفتاح دخولها إلى عالم السينما، وموهبتها سلاحاً سيجعل العالم يتذكّرها كواحدة من أجمل الممثلات "صورةً" و"أداء".

 

العربي الجديد اللندنية في

04.11.2014

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004