«الشرق
الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي ـ 5 :
كرستيان بيل لـ «الشرق الأوسط»: تركت أفلام باتمان
في الوقت المناسب
قال إنه لا يريد التورط في مهنة تحتوي على كل أنواع
الطعن بالظهر
برلين: محمد رُضــا
هناك الكثير مما يحدث في فيلم «أميركان هاسل». صحيح أن كرستيان بيل
هو محور معظم هذه الأحداث، لكن الفيلم ينتقل بينها جميعا كما لو
كان بانوراما للمكان والزمان والشخصيات. سلس وممتع وفي الوقت ذاته
لديه ما يطرحه في حكاية تدور في السبعينات بطلها محتال (أو نصاب
كما يقترح العنوان) عليه الآن توظيف مهارته لصالح الحكومة إلى أن
يجد أن الحكومة لم تعد تريد منه تنفيذ ما طلبته منه.
كريستيان بيل مثل هذا الفيلم المعروض في مهرجان برلين (والمعرض
لجوائز أوسكار متعددة بينها جائزة أفضل ممثل) مباشرة بعد «خارج
الفرن» وبعد سنتين من الراحة إثر انتهائه من تصوير «الفارس الداكن
يرتفع» الذي كان بالتحديد آخر مرة لعب (وسيلعب) بها دور شخصية
باتمان.. من إن عاد إلى الضوء بهذين الفيلمين لم يشأ التوقع. دخل
فيلمان من إخراج ترنس مالك وتبعهما بفيلم تاريخي من تلك التي
يوفرها المخرج ريدلي سكوت كل بضع سنوات.
بايل وصل إلى برلين وحضر عرض «أميركان هاسل» واستمتع بهالة من
الإعجاب والتقدير ينالها أينما حط. وهو في هذه المقابلة يتحدث عن
الفيلم وشخصيته وعن الممثلين الآخرين معه من بين شؤون أخرى.
·
هل قررت تمثيل هذا الفيلم لأن الدور جديد بالنسبة إليك؟
- لهذا السبب ولأن زوجتي نصحتني به. أساسا أحببت السيناريو والفكرة
بأسرها. كنت والمخرج (ديفيد أوراسل) نمشيان في حديقة منزلي
ونتحادثا عن سيناريو إريك سينجر. كان سيناريو جيدا لكنه مكتوب
كدراما تاريخية. وكنت أعلم أن ديفيد لم يكن مهتما بهذا الجانب من
الفيلم لكن الفكرة كانت تستهويه خصوصا لناحية شخصياتها وكيف أن ما
يحدث معها قد يحدث لكل الناس. لكن الوقت لم يكن مناسبا. كنت مشغولا
بأفلام أخرى ولم أجد أنني قادر على إيفاء المشروع حقه من الاهتمام
ولا أن أغير روزنامة عملي.
·
لكنك فعلت ذلك ومثلت الفيلم..
- كان يترك رسائل يلصقها على الباب ويلاحقني للقبول. ذات يوم اتصلت
به زوجتي وقالت له: «أنت تعلم أنه يريد تمثيل هذا الفيلم لكن وقته
لا يسمح. لكن أتركه لي. سأحاول إقناعه».
·
لا بد أن بعض الممانعة إذن تعود إلى مسائل فنية؟
- لم أشعر بأن العمل متكامل وأنه أطول مما يجب. السيناريو الأول
كان من 160 صفحة (النسبة هي دقيقة عرض لكل صفحة) لكن ديفيد إنسان
تلقائي وعندما جلسنا أكثر لنتداول السيناريو أبدى استعدادا لتذييل
كل العقبات. أحيانا كان ينجح في تغيير مشهد خلال دقائق محدودة، ليس
بالضرورة بناء على طلبي، لكنه يعمل كما ذكرت على نحو تلقائي.
·
شخصيتك في الفيلم مثيرة للاهتمام من حيث إنها مضطرة لتفعل الشيء
وتعايش أزمة ذلك الفعل. نوع من تأنيب الضمير. هل يحدث هذا في محيط
عملك؟
- هذا يحدث في محيط العمل السينمائي، لكن ليس معي. أقصد أنني شخص
مباشر ومواجه جدا. لا أحب الدوران حول الشيء. وإذا ما كان هناك
خلاف أقوم بنفسي بالاتصال بالشخص الآخر لتذليله. لن أستطيع تحمل
نفسي لو لم أكن هكذا. على المرء أن يكون صادقا مع نفسه. لا أريد
التورط في مهنة تحتوي على كل أنواع الطعن في الظهر. لذلك لا أترك
لنفسي فرصة الخطأ بحق شخص آخر لأني أحل الخلاف مباشرة أو هكذا
أحاول على كل حال. بالنسبة للشخصية فإن النزاع الذي تتحدث عنه هو
حين أدركت (في الفيلم) أنني خنت صديقي الأول كارمن بوليتو (الدور
الذي يلعبه جيمي رنر) وهذا ما جعل شخصيتي تشعر بالأسى كونها اضطرت
لذلك.
·
قمت بزيادة وزنك لهذا الفيلم. هل كان ذلك من شروط العمل؟
- الحقيقة أنه لم يكن. المخرج (ديفيد) لم يسألني أن أفعل ذلك
مطلقا، لكني فكرت في أنني أريد أن أبدو على عكس المتوقع مني. لقد
مثلت معظم أدواري نحيفا. لسبب وجدت هذه الشخصية تستطيع أن تبدو
بكرش. إلى جانب ذلك كنت أمثل لجانب برادلي كوبر الذي هو أطول مني
قليلا، وأردت أن أبدو أقصر مما أنا عليه وهذا الكرش ساعدني على
تحقيق هذه الغاية.
·
أذكر كيف ظهرت نحيفا لدرجة مخيفة عندما لعبت «أميركان سايكو». طبعا
لا علاقة بين الفيلمين..
- يضحك لذلك الفيلم خفضت من وزني لدرجة أصبحت أخشى تأثير ذلك على
حياتي. لكني أحب ذلك الفيلم. أحب ما أريد التعبير عنه. مرة أخرى لم
يطلب مني المخرج (ماري هارون) أن أفعل ذلك. طبعا كنا ننوي أن يكون
شخصا نحيفا لكن ليس إلى ذلك الحد.
·
هل أنت منزعج كونك لا تزال تبدو أكثر بدانة مما أنت عليه عادة؟
- قليلا. عندما كنت صغيرا كنت أستطيع أن أخسر وزني في ظرف أيام.
الآن ما زالت أعاني من آثار ذلك الوزن الزائد كما لاحظت. هذا من
بعد ستة أشهر من انتهاء التصوير. أعتقد أنه السن.
·
كيف كان العمل لجانب برادلي وجنيفر لورنس؟
- برادلي ممثل جيد وطريف. دائما ما أعجبت بما يقوم به وهو متمكن من
أدائه، كذلك جنيفر لورنس. لا تحتاج إلى نصيحة فرأسها في المكان
الصحيح. حين كنا نمثل معا لم أكن قلقا عليها.
·
هل يطلب منك عادة أن توجه نصائح لممثلين جدد؟
- أحيانا، لكني في الحقيقة لا أملك نصائح ولا أريد أن أمنح نصائح
حتى ولو ملكتها. عندما كنت صغيرا لم أكن أكترث لنصيحة ما لأنني كنت
سأقوم بما أريد القيام به على أي حال. كنت أستمع أولا وإذا أحببت
ما سمعته أقوم بتأدية ما أريد على أي حال.
·
لماذا تعتقد أن النصائح لا يمكن أن تكون مجدية؟
- لأن كل منا شخص مختلف على أي حال. ما تراه صحيحا بالنسبة لك قد
لا يكون صحيحا بالنسبة إلي أو للآخرين. نحن مختلفون كثيرا، لذلك
إذا ما وجهت نصيحة لأحد فسأكون كمن يضحك عليه.
·
جنيفر انضمت بعدك للفيلم. صحيح؟
- تماما. اقترح ديفيد أو راسل على جنيفر في رسالة هاتفية مستخدما
حرفيها الأولين. كتبت له: من هي؟ فخابرني وقال لي إنه يفكر بجنيفر
لورنس. لكني في البداية اعتقدت أنها أصغر سنا من الدور الذي تلعبه.
هي ما زالت شابة فعلا. حين التقينا، هي وديفيد وأنا، اكتشفت كم هي
ناضجة. أذهلتني. تجاوزت ما توقعته منها. برهنت على نضجها ونضجها
كان مطلوبا للشخصية لأن الشخصية مليئة بالمسائل والأفكار. كنت فعلا
أمام مفاجأة رائعة حين شاهدتها تعمل. أرفع قبعتي لها ولديفيد على
اختياره لها.
·
لا يضايقك أن تدخل شخصية وتتركها ثم تدخل شخصية أخرى مباشرة من
بعدها. هل هذا سهل؟
- يعتمد ذلك على الشخصيات. بدنيا كما ذكرت ما زلت أحاول خسارة
الوزن الذي كسبته حين مثلت هذا الفيلم. لكن في معظم الأحيان لا
يضايقني تغيير الشخصيات لأني لا أحيا فيها بعد انتهائها. كنت مثلت
«أميركان هاسل» و«خارج الفرن» واحدا تلو الآخر، ثم دخلت تصوير فيلم
ترنس مالك الجديد من دون راحة أو انقطاع ولم يضايقني هذا الأمر
مطلقا.
·
عدا هذه الأفلام هناك أخرى كثيرة. هل أنت مرتاح الآن إنك لم تعد
تمثل شخصية «باتمان»؟
- كثيرا. أستطيع أن أكون نفسي بين كل فيلم وآخر. أن ارتاح من عناء
العمل بتمضية الوقت مع العائلة.
·
تقصد أن متطلبات العمل في أفلام باتمان كانت مرهقة؟
- طبعا وطويلة الأمد. تركت أفلام باتمان في الوقت المناسب. لم
أتردد. هذا يمنحني العمل على مشاريع أخرى أحبها ولم يكن لدي الوقت
الكافي للاقتران بها. حين بدأت العمل مع كريستوفر نولان على سلسلة
«باتمان» فكرنا سويا أن نصنع ثلاثية ونتوقف بعدها. وهذا ما أنجزناه
بالفعل.
·
قرأت أنهم طلبوك مجددا لباتمان رابع وعرضوا عليك مبلغا كبيرا؟
- أبدا. لم يحدث ذلك. هذا ما تناقلته الصحافة هنا (الولايات
المتحدة) لكن هذا ليس حقيقيا. لم يتصل بي أحد مطلقا ولم يعرض علي
مثل تلك المبالغ المرتفعة التي قيلت في الصحف. هذا ليس صحيحا.
·
عملكما أنت ومخرج باتمان، كريستوفر نولان، كان من بين الأنجح بين
كل ما عرفته هوليوود من تعاون بين مخرج وممثل. ربما لجانب تعاون
مارتن سكورسيزي وليوناردو ديكابريو. لكن على أي أساس تعلن قبولك
لمشروع ما، على أساس السيناريو أو على أساس المخرج، أو على أساس
الطاقم الفني بأسره؟
- ستكون محظوظا إذا ما كان المشروع يحتوي على كل هذه العناصر. لكن
هذا ليس الحال دائما. أحب التجريب ولا أمانع العمل مع مخرج أول
مرة. في الحقيقة مع كل مشروع هناك ثقة متبادلة: أنت تضع ثقتك في
المخرج والمخرج يضع ثقته فيك وأنتما تضعان الثقة في السيناريو.
·
سألتك في المرة السابقة التي التقينا بها عما إذا كنت تفضل العمل
في الولايات المتحدة والحياة في بريطانيا. قلت لي إنك لا تود العيش
في بريطانيا بعد اليوم. هل هذا لا يزال موقفك؟
- اسمع. عشت في أميركا أكثر مما عشت في بريطانيا. ولدت في ويلز
وانتقلت للعيش في هذه البقعة من العالم وأنا ما زلت شابا. من
الطبيعي في رأيي أن أفكر منطقيا وأفضل أن أعيش وأعمل في الولايات
المتحدة. لكن زياراتي لبريطانيا لا تتوقف. كل أفلام باتمان شهدت
مشاهد مصورة في بريطانيا. فيلمي الجديد مع ريدلي سكوت عنوانه «كتاب
الهجرة» صورناه في باينوود. المسألة بالنسبة لي محلولة ولا تشكل
معضلة في حياتي الخاصة. أشعر بأني أنتمي إلى هذا البلد لكني ولدت
في بلد آخر ما زلت أحب زيارته.
·
مر وقت طويل منذ أن شاهدناك في دور رجل بريطاني. أليس كذلك؟
- نعم. آخر مرة كانت في فيلم «الصيت»
The Prestige
سنة 2005. وفي أحد الفيلمين اللذين مثلتهما مع ترنس مالك لدي دور
صغير صورته في ثلاثة أيام وهو دور رجل إنجليزي. لكني لست واثقا من
أنه سيظهر على الشاشة. ربما رأى مالك الاستغناء عنه.
·
لماذا مثلت مع ترنس مالك؟
- لو كنت مكاني هل كنت ستقول لا؟
* حكاية نظيف
* الاسم غير معروف لكن الوجه مألوف بعض الشيء. هو ممثل نال جائزة
مهرجان برلين في العام الماضي اسمه نظيف نوجيتش، وهو موجود في
برلين وبل حضر حفلة افتتاح فيلم أو أكثر. لم تتم دعوته بل حضر من
دون إذن مسبق ولم يأت وحده، بل جلب معه عائلته. توجه منذ وصوله إلى
إدارة مهرجان برلين حاملا جائزته التي حصدها عن بطولة فيلم «فصل من
حياة لاقط خردة» للبوسني دانيس تانوفيتش. قال لإدارة المهرجان:
«جئت طلبا للهجرة إلى ألمانيا ولا أملك من المال ما يعينني من دون
مساعدة. السلطات تريد إجلائي وإعادتي إلى بوسنيا، لكني لا أستطيع
العودة. أنا مفلس وبلا عمل هناك». ثم وضع جائزته على الطاولة وقال:
«مستعد لبيع جائزتي لأجل أن أتقاضى ما يعيلني وعائلتي».
كان الموقف غريبا على الجميع وخصوصا على رئيس المهرجان دييتر
كوزليك الذي أوعز للإدارة بجمع تبرعات فورية وتقديمها إلى الممثل،
ثم اتصل بالسلطات المسؤولة عن أمور الهجرة وتوسط لمنح نظيف تأشيرة
إقامة مفتوحة وهذه مددت إقامته الحالية ثم وضعت الملف تحت الدراسة
الفورية وغالبا، يقول لي أحد مساعدي كوزليك، سيتم منحه التأشيرة
المطلوبة.
نظيف ليس ممثلا أساسا، بل استعان به المخرج لأنه رغب في نقل بيئة
واقعية بطلها جامع خردة في قرية صغيرة حملت زوجته لكنها خسرت الحمل
في بطنها والمستشفيات رفضت مساعدتها إلا إذا تم دفع رسوم مالية لا
يملكها نظيف ما عرض حياة زوجته للموت. الطريقة الوحيدة هي إعادة
إدخال زوجته إلى المستشفى بتزوير هويتها لكي تبدو من المتمتعات
بالمعونة الحكومية.
حين عاد نظيف نوجيتش إلى قريته حاملا الجائزة، انقلب الجيران عليه.
اعتقدوا أنه عاد من برلين بثروة كبيرة وحاولوا مشاركته بها. جاره
الذي كان نظيف يعمل لحسابه أساسا فصله وحوله من جمع الحديد
والأدوات والزجاجات التي من الممكن بيعها إلى جمع الزبالة. هنا
أدرك نظيف أن فوزه ببرلين كان نقمة وليس نعمة وحاول تغيير مكان
عمله وعيشه لكنه لم يستطع. بعد حين أصبح عاطلا عن العمل، لجانب أنه
لم يستلم بالطبع أي عرض للتمثيل، كونه لم يمثل ولا يجيد التمثيل
أساسا. لكن لولا الجائزة ذاتها لما استطاع نظيف استمالة مهرجان
برلين لحمايته ومساعدته. الجائزة التي حصل عليها هي التي احترمها
المهرجان كما لو كانت عقدا بين اثنين. |