رحل المخرج توفيق صالح (1926-2013).. السينمائي المولود في مدينة
الاسكندرية حاز على جائزة الدولة في الإخراج والسيناريو عام 1960، ووسام
العلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1967؛ كما حقق سبعة أفلام قصيرة
ووثائقية، وما يقارب الخمسين عاماً من القلق والتعب والمصاعب والمشكلات
التي تبدأ ولا تنتهي. رحلة طويلة بين النجاح الفني الكبير في أفلام ما زالت
في الذاكرة نظرة؛ ناصعة كبقعة ثلج بيضاء في تاريخ السينما المصرية
والعربية؛ لكن هذا الرجل الذي أبعدته قسوة الأوضاع القائمة وظروف الإنتاج
الصعبة على الفن السينمائي عن فنه الذي أحب وأخلص له وقدم له جلَّ حياته،
يعد نفسه في تلك السنوات رجلاً ميتاً، بعيداً عن الأضواء والعمل والسينما
إخراجاً وكتابة؛ إذ عانى الكثير بسبب التزامه بفنه وشعبه. هذا هو المخرج
السينمائي المصري توفيق صالح...واحد من مخرجين قلائل قفزوا بالسينما
المصرية والعربية نحو بدايات جديدة ومتميزة، ومع كل فيلم من أفلامه كانت
تنشأ المشكلات الإنتاجية والرقابية، وهي على الأغلب لا تعرض جماهيرياً، و
يُكتفى بعرضها في قصور الثقافة ونوادي السينما والمهرجانات، وقد تصل حدود
المنع أو التشويه، وكاد فيلمه (يوميات نائب في الأرياف) يتعرض للمنع
النهائي لولا تدخل الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر الذي أمر بعرض
الفيلم كاملاً بعد أن شاهده وأبدى إعجابه به.
أول أفلامه(درب المهابيل 1955) يطل صالح من خلال قصة لشاب فقير يكسب
ورقة يا نصيب على واقع الأحياء الشعبية في القاهرة ويقدمه بواقعية وحيوية
لافتة، في إطار إنساني يُصور الحياة الطبيعية لبشر يعيشون في واقع مثقل
بالمشكلات الحياتية الملحة، ولقمة العيش والعيش..
أكثر من سبع سنوات ينتظر توفيق صالح ليخرج فيلمه الثاني عام 1962
«صراع الأبطال» الذي قام ببطولته شكري سرحان وسميرة أحمد وليلى طاهر؛
و«صراع الأبطال» فيلم تقليدي في شكله الميلودرامي وسرده للأحداث، لكنه يملك
مضموناً أكثر جدية من سواه من أفلام تلك الفترة..
ينتظر توفيق صالح أربع سنوات جديدة ليحقق فيلمه «المتمردون» عن قصة
لصلاح حافظ؛ فمن خلال قصة مرضى معزولين في مصح عقلي ناءٍ؛ يثورون على الوضع
الاستغلالي السلبي الذي يعيشونه في المصح، ويقررون الاستيلاء على المصحة
وإدارتها بأنفسهم، وما ينتج عن ذلك من محاولة البعض ركوب موجة الاستياء
العام من دون أن يحدد مواقعهم بصراحة ووضوح.... وعبر تلك الحكاية يعالج
صالح وبصورة ذكية بعض القضايا السياسية المهمة في مصر فترة الستينيات ويدين
المغامرين والانتهازيين الذين يحاولون استغلال طموحات وتطلعات الناس من دون
وعي سياسي كافٍ ومن دون إيمان صادق بما يقومون به.
ويخرج صالح فيلمه «السيد البلطي/ 1968» الذي قام ببطولته عزت العلايلي
ومحمد نوح وسهير المرشدي، فمن خلال تتبع شريطه هذا لمجموعة من الصيادين في
صراعهم ضد التخلف والهموم الذاتية الصغيرة والاستغلال الذي يواجههم به
احتكاري كبير؛ يقدم صالح صورة لواقع التطور الاجتماعي الذي يجب أن يقود إلى
متابعة ركب الحضارة والتقنية الحديثة.. وتحصل المواجهة بين العالمين التي
تؤثر في حياة الصيادين الاجتماعية والاقتصادية؛ ما يدفعهم إلى إنشاء
تعاونية لهم توحد جهودهم للوقوف في وجه النظام الاقتصادي الاحتكاري القادم
إليهم كما يرونه.
في العام 1969 يحزم توفيق صالح حقائبه وتاريخه وأفلامه وانكسارات روحه
المستفزة دائماً مبتعداً عن كل هذا الركام الذي يضغط على روحه ويشل حركته؛
بعدما حصل لفيلمه «السيد البلطي» من مشكلات رقابية في مصر؛ .فلم يعد أمام
المخرج المصري الوحيد الذي لم يقدم طوال تاريخه السينمائي الذي بدأ عام
1950 فيلماً تجارياً واحداً..أو أن يتناول قضايا اجتماعية أكثر التصاقاً
بواقع بلاده؛ لم يعد أمامه بعد تجربته المريرة والمتعثرة في مصر التي تمكن
خلالها من أن يُنجز خمسة أفلام روائية طويلة في أربعة عشر عاماً
(1955-1969) محاولاً فيها الوصول إلى أقصى مدى من الحدود التي تفرضها
البرجوازية في ذلك الوقت في حصارها الضاري للسينما، لم يعد أمامه سوى أن
يُهاجر إلى سورية ليُخرج فيلمه السياسي الناضج بعنوان (المخدوعون) عام 1972
عن قصة للمناضل والكاتب الفلسطيني غسان كنفاني الذي حاز ست جوائز عالمية
أهمها ذهبية قرطاج وجائزة حقوق الانسان في ستراسبورغ وجائزة لينين في
موسكو؛.فاضحاً من خلاله طبيعة الدور الذي تقوم به القوى الرجعية في البلاد
العربية في تشويه وطمس معالم القضية الفلسطينية، وعن الدوافع الخاصة لدى
ثلاثة فلسطينيين (عجوز وشابين) يحاول كل منهم الدخول خلسة إلى الكويت، حيث
يخبئُهم سائق شاحنة يمتهن التهريب داخل صهريج المياه الفارغة في سيارته،
فيلاقون في النهاية حتفهم.
ولكنه يُحبط بعد هذا الفيلم مرة جديدة إذ يتعرض «المخدوعون» إلى هجوم
من معظم الأقطار العربية وترفض مصر عرضه جماهيرياً؛ .لكنه يُعرض في سورية
بعد فوزه بجائزة ذهبية «أيام قرطاج السينمائية». ليتوقف حينها هذا
السينمائي الصالح عن العمل سنوات طويلة؛ إلى أن يُخرج بعدها عام 1982
لمصلحة مؤسسة السينما العراقية فيلم «الأيام الطويلة» وينقطع عن ممارسة
الإخراج السينمائي؛ لكنه يظهر مع يوسف شاهين في فيلمه «اسكندرية كمان
وكمان» ممثلاً أمام الكاميرا في عدة مشاهد من الفيلم.
توفيق صالح مخرج سينمائي عربي كبير قدم خلال سنوات عمله التي شكلت مع
مجموعة من المخرجين السينمائيين المصريين ما سمي بـ(الواقعية في السينما)
أفلاماً ما
زالت حاضرة في الذاكرة...لم يُهادن أو يجامل أحداً.. شغله كان السينما
وقضايا الناس.
Ali-sa@scs-net.org
تشرين السورية
في
08/09/2013
رحيل متزامن للمخرج توفيق صالح والسيناريست رفيق الصبّان
هل تأكل السينما أولادها؟
أحمد علي البحيري
فقدت السينما العربية قبل أيام إثنين من أعمدتها، هما “سندباد”
السينما المصرية المخرج توفيق صالح، والناقد والسيناريست الدكتور رفيق
الصبّان، ولهذا الفقد والرحيل الذي جاء وسط زحام وضجيج ودخان القاهرة،
معناه ودلالاته الكبيرة، حيث تم تشييع جثماني الفقيدين وسط غياب كامل
للفنانين ورفقاء المهنة، نظرا للظروف الأمنية التي تعيشها مصر. وفي السّياق
لا أعرف لماذا مرّ بخاطري رحيل المخرج الكبير حسين كمال صاحب فيلم “أبي فوق
الشجرة”، الذي اعتكف في بيته لمدة ثلاثة عشر عاما، مهملا بدون أي عمل، فمات
مهموما، متحسرا في الرابع والعشرين من مارس عام 2003، بعد أن قدّم للسينما
أكثر من ثلاثين فيلما في إطار مدرسة السينما الواقعية، كان أولها
“المستحيل” عام 1965، ثم تتابعت أعماله التي تركت بصمة في تاريخ السينما
المصرية مثل: البوسطجي، شيء من الخوف، ثرثرة فوق النيل، نحن لا نزرع الشوك،
إمبراطورية ميم، كما أخرج للفنان عادل إمام مسرحية “الواد سيد الشغال” التي
نقلها على شريط سينمائي. لقد أثار رحيل المخرج حسين كمال في ظروف صعبة
قاسية، كثيرا من علامات الاستفهام، وكثيرا من الأسف على السينما حينما تأكل
أولادها.
مخرج متمرد
ربما تتماهي حالة رحيل حسين كمال، مع حالة المخرج وأستاذ السينما
المتمرد توفيق صالح (مواليد عام 1926) الذي انزوى في بيته لسنوات طويلة،
بدون عمل حتى رحيله، ويعرف فنيا بإخراجه لعدد قليل من الأفلام الجريئة (قدم
للسينما خلال أربعين عاما 7 أفلام روائية طويلة، و7 أفلام قصيرة)، إلا أنّه
صنف كواحد من أبرز المخرجين السينمائيين من رواد الواقعية الجديدة، واشتهر
خاصة بفيلم “المخدوعون” عن رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس”، وفيلم “درب
المهابيل” المأخوذ عن قصة النوبلي نجيب محفوظ عام 1955، وسجل هذا الفيلم
علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية، أسلوبا ومعالجة وإنتاجا وتقنيات
وموضوعا، وهو ما جلب له اضواء الشهرة والنجاح ودخول محافل السينما العالمية
بقوة وثقة، ثم “صراع الأبطال” عام 1962، التي تجري أحداثه في الريف المصري،
حيث وضحت فيه إشتغالاته الذكية في متانة السرد الجمالي والفكري، ومهارته في
توظيفه المتقن لمفردات اللغة السينمائية المبتكرة، ثم فيلم “سيد البلطي”
عام 1969، قصة وسيناريو وحوار صالح مرسي ثم فيلمه الشهير “المتمردون” عن
قصة الكاتب صلاح حافظ عام 1968، وكان الفيلم قبل عرضه بالشكل الذي يريده
مخرجه، قد تعرّض لانتقادات حادة من الرقابة والحكومة، التي أجبرته على
تغيير نهاية الفيلم بالكامل، ولم يعرض إلا بعد إنتاجه بعامين كاملين، ثم
فيلم “يوميات نائب في الأرياف” المأخوذ عن قصة بنفس الاسم للكاتب الراحل
توفيق الحكيم.
وسط هذه الأجواء من تقييد حرية التعبير، والقيود المفروضة على صناعة
السينما، قرر صالح عام 1972 مغادرة مصر، وفي دمشق أخرج أخطر أفلامه
السياسية بعنوان “المخدوعون” من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وتدور
أحداثه حول تبعات نكبة شعب فلسطين عام 1948، ثم فيلمه “الأيام
الطويلة”1981، وصوره في بغداد، وهو آخر أفلامه الروائية الطويلة وفيه برع
في صياغة مفاهيم جديدة في تيار الواقعية في السينما المصرية، التي تمحورت
موضوعاتها حول الكثير من الآفات الاجتماعية والفساد والبيروقراطية جراء
معاناة حالات الفقر وسيطرة الاقطاع والتهميش والتسلط بفعل سطوة مراكز
القوى، والارتهان إلى تقاليد إجتماعية بائدة، لا تستقيم مع حركة التاريخ
والتقدم الحضاري المتسارع.
عاش توفيق صالح في العراق منذ عام 1973 لتدريس فن السينما، قبل أن
يعود إلى مصر عام 1984 مكتفيا منذ ذلك الحين بعمله كأستاذ غير متفرغ لمادة
الإخراج في المعهد العالي للسينما بالقاهرة. وقد عرف لدى مختلف الأوساط
بأنه زميل دراسة للمخرج الراحل يوسف شاهين في (فيكتوريا كوليدج) وحصل على
بكالوريوس الأدب الانجليزي من جامعة الاسكندرية قبل أن يغادر إلى باريس
لدراسة فن السينما في جامعة السوربون، حيث عمل أثناء دراسته هناك كمساعد
مخرج في ثلاثة أفلام فرنسية، فيما تؤكد مسيرته الفنية، أنه يختلف جوهريا مع
يوسف شاهين في مسألة التناول السينمائي، وتركيزه الشديد على حرفيات سينما
الواقعية، سعيا منه لبناء سينما جماهيرية تخدم ذائقة المتفرج. ما لا يعرفه
البعض عن توفيق صالح أنه كان مهتما بقوة بفن المسرح، فقبل إنهاء دراسته
بجامعة الإسكندرية في كلية اﻵداب وقتها قام بإخراج مسرحية توفيق الحكيم
“رصاصة في القلب” وتم عرضها في جمعية الصداقة الفرنسية هناك.
ولقب الراحل بسندباد السينما العربية لانتقاله بين عدة بلدان عربية
والاشتغال فيها، وكان آخر ظهور للمخرج الراحل توفيق صالح في حفل افتتاح
مهرجان الإسماعيلية السينمائي الدولي قبل ثلاثة أشهر من رحيله، حيث ألقى
كلمة السينمائيين المشاركين في المهرجان. إنه الرحيل المفجع والمؤلم، لتلك
النهاية التي يبدو أنها تطال كل من تسوّل له نفسه الخروج من تحت عباءة
وصاية ثقافة السلطة.
توفيق صالح، لم يكن مخرجاً عادياً، فقد أثارت أعماله مجتمعة أصداء
إيجابية، وجدلا في العديد من محافل الفن السابع، عربيا وعالميا، وذلك لجرأة
أسلوبه الدرامي، وطريقة معالجته للمواضيع ضمن مفهوم السينما العربية
الجديدة، التي قامت على أنقاض السينما السائدة في ذلك الوقت، حتى غدت
أعماله اليوم من كلاسيكيات السينما العربية، والتي ما زالت تعرض بنجاح
وإهتمام نقدي وجماهيري في ملتقيات التذوق السينمائي وأندية السينما التي لا
تنفك بين فترة وأخرى عن تكريم صانع جملة أفلامه على طريقته الخاصة، بعيدا
عن توظيف السينما لخدمة ثقافة السلطة.
سينمائي محترف
من غرائب الأمور أن يتزامن رحيل الكاتب والناقد والسيناريست السوري
المقيم في مصر الدكتور رفيق الصبان (مواليد دمشق عام 1931)، مع رحيل المخرج
توفيق صالح، على الرغم من أنهما لم يجتمعا معا في أي عمل سينمائي، فيما
جمعهما الموت في لحظة منفردة خارج سياق الزمن. يعرف الصبان أنه بدأ مسيرته
الفنية عن طريق المسرح السوري، وأخرج عددا من الأعمال المسرحية هناك، منها
“براكسا جورا” لأرسطو فانس عام 1960، و”طرطوف” للفرنسي موليير عام 1966.
وكان محمد رفيق الصبان وهذا هو اسمه الحقيقي، قد شغل منصب مدير المسرح
القومي السوري، كما أسس فرقة الفن والفكر المسرحية، ثم إنتقل بعدها إلى
القاهرة، وكتب فيلم “زائر الفجر” عام 1972، من إخراج ممدوح شكري، وقد أثار
هذا الفيلم الكثير من الإشكاليات والجدل في مصر لناحية موضوعه الجريء جدا،
ويحكي عن سلبيات الفساد السياسي، وقد جرى منع عرضه لسنوات طوال، لتبدأ
بعدها مسيرته السينمائية الطويلة التي إمتدت لأكثر من ثلاثين عاما أنجز
خلالها كتابة سيناريوهات لما يزيد عن خمسة وعشرين فيلما، بالاضافة إلى جملة
كتبه ودراساته النقدية المتخصصة، وعمله كأستاذ لمادة حرفيات السينما في
أكاديمية الفنون بالقاهرة، حيث عدّ الصبان من بين الأقلام السينمائية
الجريئة في معاينتها للعديد من النتاجات السينمائية العربية والعالمية، حيث
كان الراحل أشبه بموسوعة متحركة أثمرت كتابة أكثر من مؤلف نقدي رفدت
المكتبة العربية بألوان من تيارات الفن السابع الجديدة، وسبق أن منحته
الحكومة الفرنسية وسام الآداب والفنون بدرجة فارس، لمنجزاته في الحقل
السينمائي وخدمة هذا المجال خلال عمله عضوا في اللجنة العليا لمهرجان
القاهرة السينمائي الدولي، وأيضا المستشار الفني لمهرجان الإسكندرية
السينمائي، كما كان عضواً مؤسساً في جمعية كتاب ونقاد السينما في مصر، وجال
في العديد من المهرجانات العربية والدولية، وعمل على تغطية وقائعها
وبرامجها في العديد من الصحف والمجلات والدوريات المصرية والعربية، وكان له
زاوية ثابتة في النقد السينمائي في صحيفة “القاهرة” الثقافية الأسبوعية.
من أبرز الأفلام التي كتبها الدكتور الصبان، “الإخوة الأعداء” عام
1974، من إخراج أحمد السبعاوي وتمثيل نور الشريف، حسين فهمي، ميرفت أمين،
عماد حمدي، نادية لطفي، ويحيى شاهين. وأيضا فيلم “قطة على نار” عام 1977 من
إخراج سمير سيف، والفيلم مقتبس عن مسرحية الأميركي تينيسي وليامز “قطة على
سطح صفيح ساخن”، وقد تحولت المسرحية إلى فيلم بذات الاسم من بطولة اليزابيث
تايلور وبول نيومان، إنتاج عام 1958، أما النسخة العربية من الفيلم فقد جسد
أدوارها كل من نور الشريف، فريد شوقي، بوسي، حسن حسني، مريم فخر الدين،
وليلى طاهر. كما كتب الصبان سيناريو فيلم “ليلة ساخنة” عام 1996، من إخراج
الراحل عاطف الطيب وتمثيل نور الشريف، ولبلبة. وكان آخر السيناريوهات التي
كتبها بعنوان “الباحثات عن الحرية” مع المخرجة إيناس الدغيدي عام 2004، من
تمثيل أحمد عز، داليا البحيري، وهشام سليم. وللصبان سيناريوهات ناجحة كثيرة
منها على سبيل المثال لا الحصر: رحلة داخل امرأة، حساب، البؤساء، قاهر
الظلام، حبيبي دائما، ويبقى الحب، قفص الحريم، عنتر زمانه، دانتيلا، فتاة
من إسرائيل، الرغبة. كما كانت له مساهمات مع المسرح والسينما السورية من
خلال تعاونه مع الممثل دريد لحام، بفيلم “كفرون” عام 1990، وفيلم “الآباء
الصغار” عام 2005، كما قدم عدداً من سيناريوهات المسلسلات في التلفزيون
وبلغت ستة عشر سيناريو، كان أولها المسلسل السوري “الدغري”. ربما تجب
الإشارة هنا إلى القيمة الفنية والوجدانية التي شكلها الصبان برقي فنه
وقلمه، وسمو ودماثة خلقه، في جنبات الوسط السينمائي المصري والعربي، إذ
تأكد بعد رحيله بسبع ساعات فقط، إعلان رئيس مهرجان الأقصر للسينما
الأفريقية الدكتور سيد فؤاد، عن أهداء الدورة الثالثة من المهرجان إلى روح
الصبان، تقديرا لجهوده وإخلاصه لفن السينما، وبخاصة في مصر التي قدم لها
الكثير من جانب التأسيس الفكري والنظري، بإعتباره واحدا من أبرز نقاد
السينما في الوطن العربي، وله بصمة واضحة في تاريخ الأدب والسينما العربية.
الإتحاد الإماراتية
في
29/08/2013
«المخدوعون»
لتوفيق صالح:
ثرثرة قاتلة عند خط الحدود
إبراهيم العريس
«...
طوال حياتي كنت أعتبر كل فيلم جديد أصنعه، بداية جديدة لأنني
أكون قد تعلمت كثيراً من تجاربي السابقة. لكنني أعتبر «المخدوعون» بداية
الوعي السينمائي الحقيقي بالنسبة إليّ، بداية السيطرة على الحرفة، ويا
ليتني حصلت على إمكانية صناعة أفلام بعده، فربما عندئذ كنت أنجز ما كنت
أحلم به. كان أمامي هدفان، الأول هو أن تكون كل جملة في الفيلم إشارة إلى
جانب من جوانب القضية الفلسطينية. والثاني هو أن استخدم «الفلاش باك» –
التراجع الزمني – كبناء أساسي للسرد، ومن أجل «تضفير» هذين الهدفين معاً،
كان لا بد من أن أستخدم «الفلاش باك» على نحو مختلف (خصوصاً أن) الماضي في
سيناريو فيلم «المخدوعون» كان استمراراً للحاضر، لأن المأساة مستمرة، ولذلك
كان البناء الدرامي في الفيلم معقداً أو متشابكاً». قائل هذا الكلام هو،
بالطبع، المخرج السينمائي الراحل عن عالمنا، قبل أيام، توفيق صالح. أما
الفيلم الذي يتحدث عنه هنا فكان الفيلم قبل الأخير الذي حققه طوال حياته.
وهو اقتبسه عن قصة طويلة للكاتب الراحل غسان كنفاني. ونعرف اليوم أن هذا
الفيلم، كان إلى جانب «كفرقاسم» للبناني برهان علوية، أول وآخر فيلمين
كبيرين حققهما سينمائيون عرب عن فلسطين، قبل أن يقبض الفلسطينيون على
سينماهم بأيديهم، ويبدعوا، منذ ثلاثة عقود، أفضل الأفلام العربية.
>
قبل «المخدوعون» و «كفرقاسم»، كان ما يصنع عن فلسطين إما شرائط
نضالية سياسية مليئة بالفصاحة الثورية والقبضات المرفوعة، وإما شرائط
أجنبية تحاول أن تقول، في حق القضية، كلاماً طيباً. أما صالح، وعلوية على
خطاه، فقد سلكا طرقاً أخرى، يهمنا منها هنا الطريق الذي سلكه الأول حين
أنتج في عام 1972، بتمويل سوري – كما سيكون حال «كفرقاسم» – هذا الفيلم
الذي، بعدما حورب في سورية نفسها طويلاً ومنع عرضه – على الأقل كما ذكر
صالح نفسه في مذكراته وأحاديثه الصحافية - تمكن عامها من الوصول إلى مهرجان
«كان»، ثم إلى مهرجان «قرطاج» في تونس، حيث كانت له جوائز وتكريمات رفعت
اسم مخرجه عالياً، وقالت إن في الإمكان صنع سينما فلسطينية جيدة، لا مجرد
شرائط مناضلة تريح ضمير صانعيها.
>
ذلك أن فيلم «المخدوعون» على رغم فقر إنتاجه، والظروف الصعبة
التي تحكمت بصنعة مخرجه الذي كان في ذلك الحين منفياً خارج وطنه، وفناناً
ملعوناً بكل معنى الكلمة، عرف كيف يكون فيلماً جيداً، مفعماً بالأبعاد
الفكرية العميقة والفنية التجديدية، هو الذي عرف كيف يدخل الأدب الفلسطيني
إلى السينما، ويقول جوهر القضية عبر أحداث تجرى على بعد مئات الأميال من
أرض فلسطين، من دون أن يكون فيه مخيمات، أو كفاح مسلح، أو مجابهات بطولية
مع «العدو الصهيوني»، أو طبول حرب تفرع من هنا أو هناك.
>
فأحداث «المخدوعون»، كما أحداث القصة الكنفانية التي أُخذ
عنها، تدور في غالبية زمنها، عند الحدود بين العراق والكويت، في زمن غير
محدد تماماً، لكنه غير بعيد من زمن حدوث النكبة التي شردت مئات ألوف
الفلسطينيين خارج ديارهم، وأودتهم إلى مخيمات اللجوء، مجبرة كثراً منهم على
البحث عن مصادر رزق. وفي زمن أحداث الفيلم، كانت الكويت عند بداية فورتها
النفطية تمثّل مصدراً للرزق بالنسبة إلى عشرات ألوف الفلسطينيين، غير أن
الوصول إليها والحصول على سمة الدخول لم يكونا بالأمر اليسير في ذلك الحين.
من هنا، راجت تجارة تهريب العمال والأفراد عموماً، عبر الحدود العراقية.
وشخصيات الفيلم هي ثلاثة من أولئك العمال الذين وجدوا أن الحل الأفضل
للتسلل إلى الكويت، انطلاقاً من العراق، هو اختباؤهم داخل صهريج فارغ من
تلك التي كانت تتنقل بين العراق والكويت. وكان سائق الصهريج هو المهرّب،
الذي سهل لهم الأمر، مقابل مبالغ مالية، شرط ألا يتنبه أحد إلى وجودهم في
الصهريج. وربما يعرف كثر من القراء هنا بقية الأحداث: خلال تلك الرحلة التي
تجري وسط طقس ملتهب في عز الصيف الصحراوي، يتوقف الصهريج طويلاً – بل أكثر
مما ينبغي بكثير – عند نقطة الحدود، حيث يغوص السائق في حديث سخيف مسهب مع
المفتشين ورجال الجمارك، في وقت يتلظى فيه العمال المهرَّبون داخل الصهريج
لينتهي الأمر بموتهم من دون أن ينتبه إليهم أحد. ونعرف طبعاً أن السيناريو،
لم يكن مجرد سرد خطِّي لذلك الحادث الدرامي، بل قطعته مشاهد عدة تستعيد
ذكريات هؤلاء المهرَّبين، وشظف عيشهم، مع التفاتات ذكية وذات دلالة إلى
الأوضاع العربية، السياسية والاجتماعية، في شكل عام، التي من ناحية جعلت
الفلسطينيين يعيشون تلك المأساة المرعبة، بالمعنى الحدثي والمعنى الرمزي في
الفيلم والقصة، ومن ناحية ثانية جعلت الحدود بين البلدان العربية عصية على
العبور إلى ذلك الحد. فتوفيق صالح، وطبعاً على خطى غسان كنفاني، كان يعرف،
أولاً وأخيراً، أنه إنما يحقق فيلماً سياسياً، وليس شريطاً عن مغامرة
ودراما حياتية فحسب. من هنا، تطعّم الفيلم بمقدار كبير من المشاهد
السياسية، وبمقدار أكبر منه من الحوارات السياسية، التي كان من سوء حظ
بعضها – وحظ المتفرجين بالتالي – أن أتت في بعض الأحيان شديدة الخطابية
والفصاحة، على غرار بعض اللغة – الخشبية، التي كانت رائجة في تلك الأزمنة.
>
غير أن تلك الحوارات، وحتى الإقحامات السياسية والأيديولوجية،
على كثرتها وتهافتها، لم تقلل على أية حال من قيمة الفيلم وقوته، ولن نقول
هنا «جماله» طالما أنه ليس من المنطقي الحديث عن «جمال ما...» بالنسبة إلى
عمل يروي مثل تلك المأساة المريعة، التي قُدِّمت هنا بصورة مزدوجة: كمأساة
أفراد محددين كان من سوء حظهم أن وقعوا بين أيدي مهرّب ثرثار ومخادع، ورجال
حدود لا تعرف الإنسانية طريقاً إلى قلوبهم، من ناحية، ومأساة شعب بكامله،
هو الشعب الفلسطيني الذي كان يلقى، في تلك السنوات – السبعينات – كل أنواع
التعاطف السياسي والإنساني. بيد أن ما يتعين لفت النظر إليه هنا، من دون
مواربة هو أن «المخدوعون»، وكذلك «كفرقاسم» من بعده، لئن حاز كل منهما، على
قسط لا بأس به من ذلك التعاطف السياسي المسبق الذي نشير إليه هنا، ما ساهم
في استقباله، فإن الفيلمين تمكنا في الوقت نفسه من الحصول على إعجاب وتحبيذ
عدد لا بأس به من النقاد الذين لم يكن الواحد منهم قد اعتاد أن يستقبل
السينما المناضلة الفلسطينية، من دون قيد أو شرط، كما على إقبال جمهور رأى
أخيراً أن «سينما فلسطينية حقيقية قد ولدت».
>
بعد هذين الفيلمين، ولا سيما بعد «المخدوعون»، صارت السينما
الفلسطينية شيئاً مختلفاً كلياً عما اعتادت أن تكون عليه، حتى لو أن ما
يمكن ملاحظته – وأشرنا إليه أعلاه على أية حال – كان أن هذه السينما تحولت
من «عربية» و «أممية»، إلى فلسطينية خالصة. ومهما يكن من أمر هنا، فلا بد
من الإشارة إلى أن توفيق صالح نفسه، حين حقق «المخدوعون» لم يحققه كمصري.
فهو، على رغم مصريته، بل اسكندرانيته الخالصة، اعتبر نفسه طوال حياته
مرتبطاً بفلسطين وقضيتها، سياسياً وفكرياً، ارتباطه بها من ناحية القرابة
والزواج أيضاً، ثم إن الفيلم نفسه مأخوذ عن قصة لواحد من أكثر الكتاب
الفلسطينيين فلسطينية، غسان كنفاني، الذي اغتالته الاستخبارات الإسرائيلية،
للأسف، في لبنان في العام نفسه الذي حقق فيه الفيلم، فلم يقيّض له – على حد
علمنا – أن يشاهد عرضاً مكتملاً له. أما، من ناحية أخرى، وعلى صعيد
الموضوع، فإن الأمر يفرض علينا أن نشير إلى إنسانيته وأمميته، حيث إن
موضوعه، المتعلق في جانب جوهري منه، بقضية العمال المهاجرين التي ستنفجر
أكثر وأكثر خلال الأزمان التالية، كان لا يزال جنينياً حتى ذلك الحين، وهو
لاحقاً سيشكل موضوعاً لعشرات الأفلام. وليس هذا فقط، بل إن فرصة – كئيبة –
قيّضت للمراقبين كي يتحدثوا ذات يوم، بعد نحو عقدين من عرض «المخدوعون»، عن
كيف أن الحياة نفسها تحاكي الفن أحياناً، بمقدار ما أو بأكثر مما يحاكي
الفن الحياة. فعند نهاية سنوات الثمانين، جاءت أخبار بائسة من عند الحدود
الصعبة والقاسية والخاضعة لمراقبة شديدة، الواقعة بين المكسيك والولايات
المتحدة، لتتحدث عن حادثة مروعة مشابهة لتلك التي بُني عليها فيلم
«المخدوعون» وقصته «رجال في الشمس» التي اقتبس الفيلم عنها: توقف قطار يقل
عربة صهريج، في الحرّ اللاهب عند نقطة التفتيش لساعات طويلة تأخرت بفعل
حوار سخيف ومسهب راح يدور بين طاقم القطار ورجال التفتيش والجمارك، من دون
أن يدري هؤلاء – أو لعلهم كانوا يدرون – أن ثمة في عربة الصهريج أكثر من
ستين عاملاً مكسيكياً بائساً، كانوا يحاول التسلل، بتلك الطريقة، مختبئين
داخل العربة. فانتهى الأمر باختناقهم وموتهم جميعاً، تحت وقع حرارة الجو،
وفساد الهواء وتراكمهم داخل العربة من دون أن يجرؤ أي منهم على طرق جدران
تلك العربة التي تحولت بذلك إلى قبر جماعي مريع!
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
28/08/2013
توفيق صالح مخرج المثقفين
مشير عبدالله
بعد الكثير من المعاناة في عمله كمخرج في صناعة السينما, رحل عنا
منذ ايام قليلة المخرج السينمائي والمعلم الكبير توفيق صالح عن عمر
يناهز87 عاما بعد صراع قصير مع المرض وقد
لقب بمخرج المثقفين في مصر نظرا لما كانت تحمله أفلامه من أفكار ورموز
للهروب من الرقابة حتي ان العديد من افلامه تم منعها ولم تعرض إلا بعد تدخل
عبدالناصر شخصيا رغم قلة عددها, فعلي مدي يصل إلي ستين عاما أخرج توفيق
صالح سبعة افلام روائية طويلة وستة افلام تسجيلية قصيرة, فقد كان مخرجا من
نوع خاص وقامة كبيرة كما كان يوسف شاهين, كان أول افلامه( درب المهابيل)
عام1955 عن سيناريو لنجيب محفوظ ورغم روعة الفيلم إلا ان توفيق صالح أصبح
بلا عمل لمدة خمس سنوات حتي حصل الفيلم علي جائزة الدولة عام1960 مناصفة مع
أهم أفلام تلك الفترة( رد قلبي) اخراج عز الدين ذو الفقار رغم أنه فيلم
وطني وملون وسكوب, ولكن هذه الجائزة كانت السبب في صداقة بين توفيق صالح
وعز الدين ذوالفقار الذي أنتج له فيما بعد فيلم( صراع الابطال) عام1962 وهو
عن قصة لعز الدين وعبدالحي أديب ومحمد أبو يوسف, ولد توفيق صالح في27
أكتوبر عام1926 في رمل الاسكندرية لأب يعمل طبيبا ودرس في كلية فكتوريا
وتربي علي اغاني عبدالوهاب وموسيقي سيد درويش, والتحق بكلية التجارة لكنه
مكث بها عاما فقط لينتقل بعد ذلك إلي كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية
وحصل علي الليسانس بدرجة امتياز, وبعد انتهاء دراسته سافر إلي فرنسا لدراسة
السينما في معهد السينماتيك, وفيه تمرن علي الإخراج في ثلاثة أفلام فرنسية
وعند عودته بدأ يشاهد الافلام العربية التي لم يرها خلال اقامته في فرنسا
حتي انه شاهدها في سينما الدرجة الثانية منها( لك يوم ياظالم) ومن خلاله
أعجب بنجيب محفوظ ككاتب سيناريو ومتمرس فبحث عن افلامه ليشاهدها وسأل عنه
وتعرف عليه دون ان يعرف أنه روائي كبير حتي اصبحا رفيقي العمر وكانا نواة
شلة الحرافيش وكانت بداية التعاون من خلال فيلم درب المهابيل ونظرا لقوة
وروعة الفيلم, تم وضع توفيق صالح في القائمة السوداء من قبل المتحكمين في
صناعة السينما آنذاك( كانت قطاعا عاما) ليصبح لمدة خمس سنوات محروما من عمل
افلام روائية طويلة حتي أنه اضطر إلي بيع قصة( إحنا التلامذة) اخراج عاطف
سالم, والذي حصل عنه علي ميدالية مجلس رعاية الشباب وفي هذه الاثناء قام
باخراج عدد من الافلام التسجيلية القصيرة هي: العرائس, نهضتنا الصناعية,
طريق المستقبل, اللاجئين, إلي أن حصل علي جائزة الاخراج عن درب المهابيل,
والذي اعلن فيه توفيق صالح عن نفسه كمخرج يعشق الصورة أكثر من الحوار كما
في مشهد الحفلة التي اقامها عادل بك.. وأيضا اتبع اسلوبا في التصوير خاصا
جدا.. فالتحايل علي عدد الكادرات في الثانية الواحدة, وفي العام التالي
أخرج الفيلم التسجيلي( القلة) والذي منع عرضه ليس لسبب سوي ان مصر اصبحت
تنتج ثلاجات كهربائية علي الرغم أنه من انتاج قطاع عام, اي ان الفكرة
مفروضة عليه!. وبعد أربع سنوات عاد ليصور فيلمه الثالث( المتمردون) الذي
تعطل عمله ما يقرب من عامين ومنع من الاشتراك في المهرجانات السينمائية بل
وحاولوا منع عرضه حتي في سينمات الدرجة الثانية لأنه تنبأ بنكسة1967 وفي
عام1967 كان فيلمه( السيد البلطي) قصة صالح مرسي الذي سحب من السينمات بعد
عرضه وعندما عرض مرة أخري كان قد شوه تماما من مقص الرقيب لدرجة ان الاستاذ
توفيق صالح نفسه حينما شاهده لم يفهم شيئا كمشاهد وفي عام1968 أخرج توفيق
صالح فيلمه الجديد من كل النواحي في طريقة سرده للأحداث والذي كان عن قصة
الكاتب الكبير توفيق الحكيم واشترك في كتابة السيناريو مع توفيق صالح,
الفريد فرج( يوميات نائب في الأرياف), ولم يكن احسن حظا مما سبق حيث منع
عرضه نهائيا إلي ان شاهده الرئيس عبدالناصر, وطالب بعرضه وقال عنه( لو
انتجتم أربعة أفلام من هذه النوعية فسنكون افضل دولة في السينما).
ثم ترك مصر ورحل إلي سوريا وبدأ العمل علي تحقيق حلمه الذي يراوده منذ
عام1965 وهو اخراج قصة غسان كنفاني( رجال في الشمس) والذي كتب لها
السيناريو بعنوان المخدوعون وقام باخراجه عام1972, وهو من بطولة محمد خير
حلواني وبسام أبو غزالة, وحينما عرض( المخدوعون) أثار ضجة كبيرة في أوروبا
وأمريكا بل وصف من أهم100 فيلم سياسي في العالم, وحصل عنه المخرج توفيق
صالح علي جائزة الطانيت الذهبي في مهرجان قرطاج1972, والجائزة الأولي من
مهرجان ستراسبورج لأفلام حقوق الانسان, والجائزة الأولي من المركز
الكاثوليكي الدولي في بلجيكا1973, وجائزة لينين للسلام من مهرجان موسكو1973
ثم ترك سوريا وتوجه للعراق لتدريس السينما هناك, وفي عام1981 اخرج فيلم
الأيام الطويلة الذي اسقطه من ذاكرته وكان حلمه الذي لم يتمه لتكلفته
الكبيرة فيلم( عرس فلسطيني) الذي كتب له السيناريو حتي عاد إلي مصر مرة
أخري1984 ويبدأ في التدريس في معهد السينما ليقوم بتعليم أجيال من
السينمائيين. رحل توفيق صالح ولكن ابناءه وبناته وتلاميذه لن ينسوه فقد كان
معلما من طراز نادر ومخرجا كبيرا رغم قلة اعماله إلا ان حلم الكبير يوسف
شاهين قالها قبل وفاته بعدة سنوات( نفسي اتعكز علي توفيق صالح ونعمل فيلم
سويا) رحل يوسف شاهين ورحل توفيق صالح.
الأهرام اليومي في
28/08/2013
توفيق صالح.. الفراق الطويل
خيرية البشلاوى
فارقنا المخرج الكبير والعزيز توفيق صالح بعد صراع طويل مع المرض.
فارق الحياة في صمت جليل مثلما عاش جليلا ومحترما تاركا فراغاً معنويا لأن
مثله يصعب تعويضه تاركاً فراغا فنياً لأنه يمثل حاله استثنائية لا تتكرر.
ولا أتصور أن أحدا من الأجيال التالية من الممكن أن تشغل مكانه!!
توفيق صالح صاحب "بصمة" فريدة. عاش وعايش ظروفا وحالات سياسية
وأيدولوجية لونت أفلامه وأضفت عليها أهمية كبيرة .. استند في أفلامه علي
أعمال أدبية لكتاب معروفين بانحيازاتهم الليبرالية الاجتماعية. والاوضاع
الصعبة التي تعيشها الطبقات الدنيا في المجتمع المصري وطبيعة الصراعات في
مجتمع يعاني.
أعماله الأولي "درب المهابيل" "1955" و"صراع الابطال" "1962"
و"المتمردون" 1967 وتعاون فيها مع نجيب محفوظ وصلاح حافظ وصالح مرسي في
فيلم "السيد البلطي " وكذلك فيلمه الأهم "يوميات نائب في الأرياف" عن رواية
لتوفيق الحكيم.
لم يكن تفويق صالح كصانع فيلم من المخرجين الذين تعتبرهم شركات
الانتاج الخاصة "الفرخة التي تبيض ذهبا" فقد كان بالنسبة لهم خارج السياق
التجاري الترفيهي. وبعيدة شكلا وموضوعا عن التيار السينمائي السائد
والمتسيد علي طبيعة الإنتاج.
سافر توفيق صالح إلي سوريا وأخرج فيلم "المخدوعون" عن قصة للكاتب
الفلسطيني غسان كنفاني لحساب المؤسسة العامة للسينما بدمشق وسافر إلي
العراق وعمل تحت حكم صدام حسين الذي كان رغم استبداده وديكتاتوريته.. يدرك
قيمة الرجل فأسند إليه إلي جانب التدريس إخراج فيلم عن حياته بعنوان
"الأيام الطويلة" الذي اعتبره البعض سقطة فنية في مشواره مما جعله يزداد
عزله ودفع بسبب تجربته في العراق ثمناً من حياته واستقراره النفسي والمادي.
بعد هذا الفيلم وكان آخر أعماله وبعدها لم يقف وراء الكاميرا. واكتفي
بالتدريس في المعهد العالي للسينما في القاهرة.
قدر الفنان أن يصارع الظروف السياسية والأحوال العامة الجائرة. وفي
كثير من الأحيان يضطر أن يداهن السلطة إذا لم يستطع ترويضها لحساب ما يؤمن
به من أفكار. قدره أن يلعب في مساحة "الممكن" حتي وإن ضاقت عليه هذه
المساحة. ومن المحزن أن توفيق صالح الذي حصل علي تعليم راق وجيد وكان زميلا
في نفس المدرسة التي تعلم فيها يوسف شاهين ولكنه لم يكن يمتلك نفس القدرات
ولا ملكة التواصل مع المؤسسات الثقافية الغربية ولم يكن ضمن قدراته عمل "مواءمات"
تمهد سبل الوصول إلي تمويل لأفلامه.
برغم أي شيء عاش توفيق صالح "رمزا" للسينما الجادة والملتزمة والمتسقة
مع أفكاره وقناعاته وسوف تظل أفلامه باقية في تاريخ السينما المصرية
والعربية وفي ذاكرة صناع السينما الجادة وعشاقها كنماذج لوسيط "الفيلم"
كمنتج ثقافي يلعب دوره في تسجيل الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية
والفنية في حياة الشعوب.
آخر ما شاهده توفيق صالح وهو في النزع الأخير - نقلا عن زوجته -
الحرائق التي أشعلتها جماعة الإخوان في القاهرة. وصور الدم وضحايا الإرهاب
الأسود. فقال معلقا: "هل وصلنا إلي هذا الحال؟!" وطلب أن ينام.
تذكروا توفيق صالح.. وادعوا له بالرحمة.
المساء المصرية في
25/08/2013
ذهبا إلي باريس للدراسة وعادا
للعمل في السينما ورحلا في زمن الثورة.. توفيق
صالح ورفيق الصبان
ماجدة موريس
ولد لعائلة ثرية وذهب لدراسة السينما في باريس فتغيرت بوصلة حياته،
وقرر أن يقدم أفلامه عن هؤلاء الذين لم يعرفهم في طفولته وصباه، ولكنه
أدركهم في شبابه من خلال انفتاحه علي كل تيارات الفكر في الخارج، واختياره
الانحياز إلي اليسار وإلي الناس العاديين الذين يمثلون الأغلبية في مصر،
وهب توفيق صالح موهبته وقدراته ككاتب وصانع للسينما للتعبير عن هؤلاء في
أفلامه الروائية الطويلة، القليلة، التي أنجزها علي مدي ربع قرن من بعد
عودته من باريس عام1953، وعمره 22 عاما آنذاك، وحتي 1980، وقاده غرامه
وقتها بمعرفة كل شيء عن القاهرة وهو السكندري القادم من عاصمة النور إلي
لقاء نجيب محفوظ وشلته العاشقة للقاهرة بكل تجلياتها، خاصة القاهرة
القديمة، ليبدأ من خلال هذه المعرفة رحلته مع السينما بفيلمه الأول (درب
المهابيل) الذي كتب له السيناريو نجيب محفوظ وشارك في كتابة الحوار ايضا مع
عبد الحميد جودة السحار وليأتي الفيلم (1955) كما لو كان اكتشافا سحريا
لعوالم المجتمعات الشعبية في العاصمة، من خلال المكان (الحارة) والناس
ونماذجم، ومهنهم وأساليبهم في التعبير ثم هذه المفاهيم الآتية من موروثات
شعبية حول «ثروة» تهبط عليهم لتحسن أحوالهم، سواء كان ارثا أو ورقة
يانصيب.. تضيع من صاحبها بعد أن شغلت الجميع لينتهي الحلم.. بعده قدم توفيق
صالح أفلام (صراع الابطال) عام 1962 عن الصراع السياسي الذي يتخفي في اشكال
اجتماعية عديدة لتستمر الاغلبية علي حالها وتستمر الاقلية من ملاك الأرض
وأصدقاء الاستعمار (الانجليز) في ملكية كل شيء، وجاء الفيلم الثالث
(المتمردون) ليطرح صورة أخري للعسف بالفقراء من خلال مصحة لعلاج السل يتمرد
نزلاء قسم العلاج المجاني فيها علي الإدارة والاطباء الذين اصبحوا
كالسجانين وليسوا ملائكة رحمة وقد أنتج الفيلم من خلال المؤسسة العامة
للسينما التي اقيمت عام 1963 فيما اطلق عليه القطاع العام السينمائي، ولكن
هذا لم يشفع للفيلم (المأخوذ عن رواية الكاتب صلاح حافظ) فتم قصه رقابيا
بتعسف شديد، وهو ما واجهه توفيق صالح في أفلامه التالية وهي (يوميات نائب
في الارياف) عن قصة توفيق الحكيم ثم (السيد البلطي) عن قصة صالح مرسي والتي
تدور في البحيرات حيث مجتمع الصيادين الفقير.. بعدها شعر صالح بالغربة،
فسافر إلي سوريا وهناك انتجت له المؤسسة العامة للسينما فيلمه السادس(
المخدوعون) عن رواية غسان كنفاني (رجال في الشمس) التي تحكي عن غربة وشتات
الفلسطينيين بين البلاد العربية، بعدها ذهب توفيق صالح إلي العراق بدعوة
لتدريس السينما لطلبة معهدها الوليد آنذاك عام 1976، وهناك انجز فيلمه
الروائي الطويل السابع (الأيام الطويلة) عن رواية عبد الامير المعلة عن
حياة صدام حسين في جزئها الأول، ثم عاد إلي مصر بأعمال ومشروعات عديدة لم
تتحقق ابدا بعد أن اغلقت مؤسسة السينما المصرية ورفعت الدولة في عصر مبارك
يدها عن السينما ودعمها كما رفع المنتجون يدهم عن المشروعات السينمائية
الطموحة، ظل توفيق صالح يدرس في معهد السينما بمصر ويرأس لجنة المهرجانات
بوزارة الثقافة التي تختار الافلام التي تمثلها بالخارج ويشارك في كل
الاحداث الثقافية ويكرم في المهرجانات السينمائية هنا وهناك دون أن تتغير
أفكاره عن السينما كوسيلة توعية وتغيير وليست تسلية وترفيه كما هو سائد..
فوداعا فنان السينما الكبير.
رفيق الصبان.. والكتابة حتي اللحظة الأخيرة
مثل توفيق صالح، درس رفيق الصبان الفن في باريس، وحصل علي الدكتوراه،
وعاد إلي سوريا ليعمل في المسرح مخرجا، وضاقت به السبل فسافر إلي القاهرة
في الوقت الذي تركها فيه صالح تقريبا، بداية السبعينيات.. وفي مصر بدأ رفيق
الصبان عمله مدرسا للسيناريو في معهد السينما بأكاديمية الفنون، وفي معهد
النقد الفني، وفي نفس الوقت بدأ ممارسة النقد السينمائي والمسرحي، بعدها
بدأ يمارس الكتابة للسينما بفيلم أول أثار ضجة كبري في حينها (1972) هو
(زائر الفجر) الذي يتعرض لتجاوزات البوليس السياسي، اوقف الفيلم ومنع عرضه
وسار د. الصبان في طريقة الأول كمدرس وكاتب نقد حتي بدأ يكتب من جديد
للسينما أفلاما غير سياسية مثل (قطة علي نار) حتي وصل مرة أخري إلي ساحة
الفيلم السياسي ولكن بدون مباشرة وبلا التباس، فقدم (كونشرتو درب سعادة)
و(ليلة ساخنة) ثم (الباحثات عن الحرية) وبين مسيرته كتب العديد من
المسلسلات ايضا سواء كتابة السيناريو فقط أو (القصة أم العمل بكامله) وفي
كل هذا الزمن لم يتوقف قط عن كتابة النقد السينمائي والدرامي وأيضا الكتابة
عن عروض الأوبرا ا لمصرية، وفي السنوات الأخرية استطاع تأسيس أول ناد
للسينما في دار الأوبرا بعد أن انتهي (نادي السينما) المصري وأغلق ابوابه
منذ عقدين من الزمان.. في العامين الماضيين لم يتوقف رفيق الصبان عن الذهاب
إلي المستشفي للعلاج أو لإجراء جراحات، وفي كل لحظات الافاقة بينما لم
يتوقف بعباراته الفريدة وأسلوبه الذي لن يتكرر في تحليل الأعمال الابداعية
والاضافة إليها.
وداعا للناقد المبدع الكبير.
الأهالي المصرية في
21/08/2013
درب المهابيل
كمال رمزي
ما من مرة أشاهد فيها هذا الفيلم إلا وأجد فيه شيئا ثمينا لم ألحظه من
قبل. إنه، كالمنجم كلما توغلت فيه، كشف لك عن خيوط الذهب بداخله.. شاهدت
الفيلم صبيا، فى سينما «شبرا بالاس» التى تحولت إلى محلات تجارية. حينها،
بدا العمل صادما، مزعجا ومؤثرا، فهو يخلو من المناظر الجميلة التى عودتنا
الشاشة عليها. لا فيللات، ولا حديقة، ولا سيارة، ولا ثريات مضيئة فى صالات
واسعة، ولا أصحاب ياقات بيضاء أو نساء يتدثرن بمعاطف من الفرو، ولا صراع
بين امرأتين من أجل رجل، أو صراع رجلين من أجل امرأة.. وهذه كلها من مفردات
السينما المصرية السائدة فى تلك الأفلام. «درب المهابيل»، يدور فى زقاق
ضيق، نماذجه البشرية أقرب إلى القاع: عجلاتى بخيل ــ حسن البارودى، يقهر
العامل عنده، واسمه طه ــ شكرى سرحان. ابن البخيل ــ توفيق الدقن ــ يكره
والده.. طه يحب خديجة ــ بدايات ظهور برلنتى عبدالحميد ــ ويشترى ورقة
يانصيب، يمنحها لخطيبته، لكن والدها، الورع، يجبرها على القائها فى الطريق
ليلتقطها المجذوب «قفة» ــ عبدالغنى قمر ــ وحين يعلن عن فوز الورقة بمبلغ
ألف جنيه ينقلب الدرب رأسا على عقب، فكل واحد، وواحدة، يرى أنه الأحق
بالمال الذى لا يمكن ان يذهب لمجذوب. تندلع صراعات، ومؤامرات، تنتهى بتحطيم
عشة «قفة» المبنية من الصفيح، ووفاة العجلاتى البخيل، وابنه، وعودة «قفة»
ملفوف الرأس بالشاش وقد خبأ المال بين طيات خيش عنزته.. وأثناء نومه،
تتساقط العملات الورقية لتلتهمها الماعز، ويستيقظ الدرب على صباح جديد،
وتنتهى القصة التى دارت وقائعها خلال دورة شمسية واحدة.
مشاهد من الفيلم المزعج ظلت زاهرة فى الذاكرة، منها صرخات توفيق الدقن
المفعمة بالغضب والرجاء والتهديد، حين يردد «الفلوس فين يا قفة».. وانعكاس
وجه برلنتى عبدالحميد الصبوح، المصرى، على مرآة السرير المزمع شراؤه لشهر
العسل.
بعد سنوات، شاهدت الفيلم مرة ثانية، فى سينما «نادية» بالنعام، قبل ان
تتحول إلى مخزن لشركة بيع المصنوعات ــ أين الشركة الآن؟ ــ وتنبهت إلى ذلك
الاهتمام بالشخصيات الثانوية، على نحو يكسبها حضورا قويا وعميقا، فوالد
خديجة الورع «عبدالعزيز» يبدى الندم لأنه أجبر ابنته على التخلص من ورقة
اليانصيب. وبائع الأثاث القديم «عبدالغنى النجدى» يتحمس للقبض على شكرى
سرحان، بعد ان دفع الأخير عدة أقساط من ثمن السرير الذى لم يتسلمه بعد..
وفتاة الليل «نادية السبع»، العليلة، يهاجمها الرجال علنا، ويتقربون لها
سرا.. انه السيناريو القوى، المتفهم، المحكم، لعبة توفيق صالح وعمنا
الكبير، نجيب محفوظ، صاحب القصة.
تحت الكبارى، تدفقت مياه كثيرة، تتابعت مشاهدة مئات الأفلام، لكن بقى
لـ«درب المهابيل» حضوره الخاص، تجلى ليلة عرضه فى برنامج «ذاكرة السينما»
الذى يعده، بفهم ودراية، الناقد على أبوشادى، وتقدمه المذيعة المرموقة،
سلمى الشماع، وتستضيف فيه كبار السينمائيين، وليلتها، كانت بمثابة اكتشاف
جديد لعروق الذهب فى المنجم، ابتداء من الأداء التمثيلى المختلف، المبتعد
عن المغالاة والافتعال والتصنع، المقترب من الصدق والاقتصاد والتوازن بين
العقل والعاطفة، إلى مغزى الفيلم الجدير بالالتفات، وهو أن الثروة لا تأتى
إلا عن طريق العمل، ولا يمكن ان تتحقق بضربة حظ.
«درب المهابيل»، الذى غاب عنا صاحبه، الأستاذ والصديق الغالى، توفيق
صالح، يطل علينا من منتصف القرن الماضى «1955»، لينبهنا إلى مغبة اللهاث
وراء المنح والعطايا، التى أضاعت عاما من حياتنا، ولاتزال، فالمال الذى
يأتى من دون عرق شريف، بالتأكيد، سيذهب سدى، ولن يخلف إلا مأساة. إنه فيلم
عن الحاضر.
الشروق المصرية في
20/08/2013 |