حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

رحيل توفيق صالح

رحيل السينمائي المصري توفيق صالح

الفرص «الضّائعة»

خميّس الخيّاطي (ناقد وإعلامي تونسي)

رحل توفيق صالح (1926 - 2013) عن مصر التي أحبّ، وصوّر في العديد من أفلامه، في الفترة التي عاشت فيها مصر أحلك فترات تاريخها المعاصر، ليس لجهة التجاذبات السياسية التي ألفها منذ اكتشافه اليسار المصري ومواجهته الرأي السائد، بل بسبب التقاتل الطائفي والمذهبي بين أبناء الشعب الواحد، الذي كان يفتخر بالانتماء إليه. كأن الراحل اختار توقيت رحيله الأبدي حتى لا يرى ولا يسمع بما آلت إليه أمور بلده الذي أحبّ. وقد ينطبق عليه ما كُتب من أنه «أكبر من الحياة».

لا يُمكن التطرّق إلى تاريخ السينما المصرية، ولا إلى صورة المأساة الفلسطينية (سينمائياً)، ولا إلى علاقة السينمائي بالسياسي في عالمنا العربي، إن فنياً أو فكرياً، من دون أن نمرّ بأفلامه السبعة، التي تحتلّ في كل هذه النواحي مكانة مرموقة. كان بإمكان الراحل إنجاز أكثر من الافلام السبعة هذه، لكن العبرة ليست في الكَمّ طبعاً. لعلّ الرحيل الحقيقي والفعلي لتوفيق صالح (السينمائي) لم يحدث اليوم، بل منذ سنين مضت، وعلى فترتين: الأولى بدأت بعد انتقاله من سوريا (حيث أنجز رائعته «المخدوعون») إلى العراق (حيث أخرج سخافة «الأيام الطويلة») في العام 1973، لأسباب عدّة أساسها عائلي، على الرغم من أن خروجه من مصر حدث في نهاية الستينيات لأسباب عديدة هي الأخرى، منها الفكري الفني طبعاً. هذا الخروج يبقى غير مفهوم مقارنة بخروج نظيره الإسكندرانيّ يوسف شاهين إلى لبنان منتصف الستينيات، والذي عاد إلى بلده في أقرب فرصة. الثانية خفية، متمثّلة بخوفه المرضي الدفين من العودة إلى الإخراج بعد فشل «الأيام الطويلة». 

تبعا للقاءات عديدة، مهنية أو «مجانية» جمعتني به في تونس وفرنسا والعراق وكندا، أسوق ملاحظات قد لا تكون موضوعية، علماً بأن التاريخ يُكتب أيضاً اعتماداً على الفراغات التي لم تملأ. الشخصيّة الطبيعية للراحل، كما ذكرها من اقترب منه أو عمل معه، «عصبية» نوعاً ما، بها استفراد بالرأي، كالشخصيات الفريدة في الفكر والفن. ذكر لي صلاح أبو سيف مرّة سوء تفاهمه المؤسف مع صالح، عندما كان أبو سيف مديراً لشركة «فيلمنتاج»، إحدى شركات القطاع العام في منتصف الستينيات، التي اقتنت حقوق روايات مصرية، منها روايات لنجيب محفوظ. وقع الاختيار على صالح لإخراج أولى روايات ثلاثية محفوظ «بين القصرين»، لكن صالح رفض وأصرّ على عدم التعامل مع كاتب السيناريو يوسف جوهر، المتعاقد مع الشركة، وهو ما لم تقبله الإدارة. طال الصراع ودام إلى أن تمّ إسناد الإخراج لحسن الإمام (مع الروايتين التاليتين لاحقاً)، وحُرمنا، نحن محبّي السينما وتوفيق صالح ونجيب محفوظ، من عمل كان يُمكن أن يكون رائعاً. يضيف أبو سيف أن صالح كتب له رسالة (مئة صفحة تقريباً)، فكان تعليق الأول: «لو الوقت إللي استغلو في كتابة الرسالة راجع فيه السيناريو كنا خلصنا».

بالنسبة إلى «الأيام الطويلة»: من حسن أو سوء حظّي أني كنت الملحق الإعلامي لأفلام «مؤسّسة السينما العراقية»، يوم أُنجز هذا الفيلم المقتبس عن رواية لعبد الأمير معلى مدير المؤسّسة. بحسب ما علمت حينها، ولم أحصل على معلومة تفنّد ذلك، فإن صالح هو الذي، من بين الإنتاجات الروائية العراقية كلّها، لم يختر إلا ّرواية معلى، وحصل على كل ما طلب. قبل أن يسهر على إدارة تصوير الفيلم نهاد علي، كان مدير تصويره حاتم حسين، الذي تربطه علاقة صداقة متينة بصالح لجهة التوافق الإيديولوجي بينهما، لا سيما أنه من المنتمين (سابقاً) إلى الحزب الشيوعي العراقي. حدث تأخير غير محتمل إنتاجياً، لا سيما أن ميزانية الفيلم مفتوحة. ما راعني إلاّ استبدال حسين، الذي يشهد له بصورة سينمائية خارجة عن المعتاد، بعلي الذي يعرف مهنته، ليس أكثر.

أتذكّر أنه في إقامة مع الراحلين توفيق صالح والطاهر الشريعة في «خزينة السينما» في مونتريال (كندا) لمدّة أسبوع منذ أكثر من عقد مضى، استوقفتني ملاحظة عابرة لصالح في حديث مسترسل عن السينما المصرية، حين قال ما معناه: «هناك صعوبة في العودة إلى السينما. أمس، كنتُ قادراً على ترتيب الإضاءة في ساعة. اليوم، حتى بعد أربع ساعات، لستُ قادراً». منذ تلك اللحظة، اقتنعت بأنه لن يعود إلى السينما قطّ، وأن عزاءنا في قلّة أفلامه يقابله الثراء الذي تركه لدى طلبته في مصر وسوريا والعراق. أساس هذا الثراء كامنٌ في حبّ السينما والحرية الفكرية». 

قتلة الدولة

أحمد فوزي (مخرج مصري)

تُعتبر أفلام توفيق صالح تجارب طليعية في زمنها. اختار الانحياز إلى القضية الاجتماعية، من دون أن يتجاهل السؤال الفني. لم يتماه مع رأي الجمهور، أو يستجب لما تمليه عليه الدولة. كانت له وجهة نظر خاصة، لهذا «قتلته» الدولة الناصرية. تمّ التضييق عليه بشدّة من قِبَل المسؤولين عن الإنتاج، الذي تحكّمت فيه الدولة، ليخرج من مصر مضطراً. في تلك الفترة، لم يُقدّم سوى فيلمين: الأول في سوريا، والثاني دعائي عن صدام حسين. عندما عاد بعد ذلك إلى مصر منتصف الثمانينيات، كانت الدنيا تغيّرت. ثمّ ترك نفسه لأزمته الخاصة: أزمة الفنان الذي لديه شيء كبير، لكن الوقت لم يعد مناسباً لتقديم هذا الشيء

سيظلّ توفيق صالح ملهماً للأجيال الجديدة الذين يطرحون على أنفسهم سؤالي الفن والانحياز الاجتماعي.

ثلاثة أساتذة

باسل رمسيس (مخرج مصري)

فصيلة صغيرة مؤلّفة من ثلاثة من أساتذتنا من جيلين مختلفين: جيل الخمسينيات، ومنه المرحوم توفيق صالح. وجيل السبعينيات، ومنه يحيى عزمي، الذي علّمني السيناريو، وداود عبد السيّد، المخرج الذي تربّيت على سينماه. في أواخر العام 1996، عملت أول فيلم قصير بعنوان «العرّاف الأعمى». في الحقيقة، من الصعب أن يوصف بأنه فيلم. عُرض الفيلم في المعهد. دعوت الدكتور يحيي وأستاذنا توفيق صالح. قبل العرض بنصف ساعة. شخص ما من الإداريين المهمّين في الدولة قال لي: «بس توفيق صالح ما بيدرسلكش. ليه تعزمه؟». قلت: «يعني مخرج زي توفيق صالح يبقى في المعهد وماهتمّش برأيه؟». قال لي: «طب قول للدكتور يحيي قبل ما يدخل القاعة عشان هم الاتنين ما بيكلموش بعض». قلت للدكتور يحيي، فابتسم وردّ عليّ قائلاً: «ما فيش أي مشكلة. إحنا الاتنين زُمَلا في المعهد، وأنت طالب هنا». نُظّم العرض، وقال الرجلان كلاماً عاماً مُشجِّعاً. لكن، بعد هذا العرض، تحدّثت مع الدكتور يحيي على انفراد. ثم دعانى توفيق صالح إلى بيته. وقد «بهدلا» الفيلم بحب وتواضع. اتّفقا على الشيء نفسه: «قبل ما نحاول نتكلّم بلغة معقّدة ومركّبة، ونحاول نعمل حاجات حداثية، لازم نتعلّم نحكي بطريقة سهلة وبسيطة وخطية». التقيت عبد السيد: «تبقا قاعد قُدّام سينمائي عظيم، أنت طبعاً مرتبك. هو بيعاملك كأنك واحد صاحبو. راسك براسو. وما يتكسفش يستفهم منك عن الـ«ديجيتال» اللي كان لسه داخل مصر ساعتها». 

السفير اللبنانية في

22/08/2013

 

كبار النجوم فى تأبين توفيق صالح

سيد شعراوى 

اقام الدكتور محمد توفيق صالح وشقيقتها ريم وريهام والدتهم عزاء والده المخرج توفيق صالح وذلك في مسجد الحامدية الشاذلية بالمهندسين بحضور الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة والمخرج علي بدرخان ومحمد ابوداود ويوسف شريف رزق الله ومدير التصوير محمود عبدالسميع ومحسن علم الدين وشادى ابوعلى والمخرج عمرعبدالعزيز وامام عمر ومدير التصوير سمير فرج وهانى مهنى والناقده خيرية البشلاوى وبشير الديك وخالد عبدالجليل وماهرسليم والناقد طارق الشناوى وكمال عبد العزيز مدير تصوير والموسقار عمروسليم والموسقاررضا رجب والدكتورة هدى وصف والمخرج ايهاب لمعى والدكتورة ايناس عبدالديم وممدوح الليثى والسفير محمد صبيح والمخرج داود عبدالسيد وسهير عبدالقادرصرحت تأجيل الدورة السادسة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي التي كان من المقرر عقدها في شهر نوفمبر المقبل إلى الموعد نفسه من العام القادم 2014.

وقال بيان من وزارة الثقافة إن "مجلس إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بحضور صابر عرب وزير الثقافة والناقد سمير فريد رئيس المهرجان وقرر بالإجماع وضع أسس جديدة أولها أن يتم عقد الدورة الجديدة في نفس موعدها العام القادم" دون أي إشارة إلى عقدها هذا العام بما يعني تأجيل المهرجان.

وقرر مجلس إدارة المهرجان ,حسب البيان "إقامة سوق القاهرة للأفلام بواسطة غرفة صناعة السينما وأن يستمر المهرجان طوال العام في تنظيم برامج سينمائية مختلفة وأن يشارك في مهرجان فنيسيا السينمائي الدولي الذي يفتتح نهاية شهر أغسطس الجاري ومهرجان برلين السينمائي الدولي في شهر فبراير من العام القادم.

وقال الناقد سمير فريد رئيس المهرجان قبل أيام إنه من المتوقع تأجيل المهرجان دورته لهذا العام بسبب الكثير من المعوقات بينها الظروف السياسية والأمنية في مصر إضافة إلى عدم تجهيز أفلام ومسابقات وفعاليات الدورة وغيرها من التفاصيل الفنية التي لا يمكن أن تكفي الفترة المتبقية قبل موعد المهرجان لإنجازها.

وقرر مجلس إدارة مهرجان القاهرة في تنظيم ثلاثة برامج جديدة ضمن فعالياته هي "آفاق السينما المصرية" وتنظمه نقابة المهن السينمائية للأفلام المصرية والعربية و"أسبوع النقاد" للمخرجين الجدد من كل الدول وتنظمة جميعة نقاد السينما عضو الإتحاد الدولي للصحافة السينمائية "فيبريسي" وبرنامج "سينما الغد" للأفلام القصيرة من كل الدول وينظمه اتحاد طلبة المعهد العالي للسينما.

ولم يعقد المهرجان أيضا دورته في عام 2011 بسبب الظروف الأمنية التي شهدتها مصر في أعقاب الثورة على الرئيس الأسبق حسني مبارك بينما عقدت العام الماضي وسط تشديدات أمنية مكثفة وتقليل أيام المهرجان وإقامة حفل ختام محدود وبلا فعاليات فنية

أخبار الحوادث المصرية في

22/08/2013

 

رفيق الصبان وتوفيق صالح... مبدعان يرحلان 

كتب الخبرفايزة هنداوي 

في أقل من 24 ساعة رحل عن عالمنا اثنان من مبدعي السينما العربية بعدما أثريا المكتبة السينمائية بأعمال ستظل محفورة في الذاكرة، هما الناقد والسيناريست رفيق الصبان الذي وافته المنية عن عمر يناهز 82 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، والمخرج توفيق صالح عن 87 عاماً.

رفيق الصبان الملقّب بعاشق السينما، بدأ مسيرته في المسرح السوري، حيث أخرج مسرحيات سورية، وفي أوائل السبعينيات انتقل إلى مصر،  فكتب فيلم «زائر الفجر» (1972) الذي أثار ضجة عند طرحه في صالات السينما، ما اضطر السلطات آنذاك إلى منعه. استمرّت بعد ذلك مسيرته السينمائية الطويلة التي تضمنت حوالى 25 فيلماً و16 مسلسلاً، ومن أبرز الأفلام التي كتبها: «الإخوة الأعداء»، «قطة على نار»، «ليلة ساخنة»، وآخرها «الباحثات عن الحرية» مع المخرجة إيناس الدغيدي.

عمل الصبان أستاذًا لمادة السيناريو في المعهد العالي للسينما، واشتهر بكتاباته النقدية المهمة، ويعدّ أحد أهم النقاد في العالم العربي.

أما توفيق صالح فلقب

بـ {سندباد السينما العربية} لتنقّله بين  البلدان العربية، ويعدّ أحد رواد السينما الواقعية المصرية على رغم قلة أفلامه، إذ قدم سبعة أفلام روائية طويلة وسبعة أفلام قصيرة، لعل أشهرها: {درب المهابيل} (1955) المأخوذ عن قصة الأديب المصري نجيب محفوظ، {صراع الأبطال} (1962)، {المتمردون} (1966) عن قصة الكاتب صلاح حافظ الذي قوبل بمعارضة حكومية وأجبر على تغيير نهايته بالكامل، ولم يعرض إلا بعد إنتاجه بسنتين.

في المقابل، أجيز عرض فيلمه {يوميات نائب في الأرياف} (1968) المأخوذ عن قصة للأديب توفيق الحكيم بالاسم نفسه من دون حذف أي مشهد بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر، على رغم طلب أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي حذف 16 مشهداً منه.

بعد ذلك غادر توفيق صالح مصر هرباً من القيود المفروضة على صناعة السينما، وفي عام 1972 أخرج فيلم {المخدوعون} في سورية، من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، عن رواية غسان  كنفاني {رجال في الشمس} ويدور حول تبعات نكبة 1948.

انتقل عام 1973 إلى العراق  لتدريس السينما، وقدم آخر أفلامه {الأيام  الطويلة} (1980)، قبل أن يعود إلى مصر (1984) ويكتفي بعمله كأستاذ غير متفرغ لمادة الإخراج في المعهد العالي للسينما في القاهرة.

شهادات وفاء

عن رفيق الصبان قال أيمن بهجت قمر إنه أحد أكثر النقاد الذين ساندوه في بداياته في كتابة السيناريو، من خلال كتاباته النقدية المشجعة له، على رغم عدم معرفته به أو لقائه به شخصياً، مترحِّماً على هذا السيناريست الكبير والناقد المخضرم.

أعرب الناقد السينمائي وليد سيف بدوره عن حزنه لرحيل صديقه وأستاذه رفيق الصبان، واصفاً إياه بعميد النقاد السينمائيين وصاحب تاريخ في مجال السيناريو... وله أيادٍ بيضاء على هواة السينما في مصر وتلامذتها وصانعيها، ولا يبخل بالعطاء بعلمه أو معلوماته أو مكتبته السينمائية العظيمة، مشيراً إلى أن ثقافته السينمائية عظيمة وشاملة وموسوعية، وهو بالنسبة إليه أستاذ وحليف وصديق، لم يتأخر عن معاونته أو إسداء المشورة إليه في أي نشاط سينمائي، سواء في فترة رئاسته قصر السينما أو مهرجان الإسكندرية أو سلسلة آفاق السينما. وآخر ما طبع للصبان كتاب {السينما كما رأيتها} الذي تضمّن خلاصة خبرة الرجل واطلاعه على السينما العالمية.

عن توفيق صالح قال وليد سيف إنه أحد فرسان السينما المصرية الذين ظهروا في بداية عصرها الذهبي في مطلع الخمسينيات وأثروا الساحة السينمائية، مشيراً إلى أن جرأة توفيق صالح ولغته الفنية المتميزة حفزتا كثيرين للخروج عن قوالب الفيلم المصري المعتادة، بداية من رائعته {درب المهابيل} وحتى تحفته {المخدوعون}...

أضاف: {توقف عطاء توفيق صالح الإبداعي منذ زمن طويل، وبعد تجربة قاسية في مصر وسورية والعراق، لكنه تابع مشواره الفني كأستاذ للسينما وعضو ورئيس للجان فنية وتحكيمية، سعى خلالها إلى الانتصار لفن السينما وفق رؤيته ومفهومه ومن دون خضوع أو ادعاء}.

الناقد طارق الشناوي تحدث عن رفيق الصبان وقال: {على رغم أن جواز سفره يشير إلى أنه سوري الهوية، لكن عشقه لمصر، بكل ما فيها، يؤكد مصريته، فهو مصري الهوى وعميد النقاد العرب، بدأ حياته بالمسرح ليتحول بعدها إلى ناقد وكاتب سينمائي كبير، ويصبح علامة فارقة في النقد وكتابة السيناريو، فاسمه على الفيلم يعني علامة للجودة}...

أوضح الشناوي أنه كان يلتقي الصبان في {مهرجان كان} على مدى أكثر من 15 عاماً، {لكن في السنوات الخمس الأخيرة لم تكن لياقته الصحية تسمح له بالذهاب، باعتبار أن  المهرجان يتطلب سرعة في الحركة من دار عرض إلى أخرى، فيما الإنهاك الجسدي بلغ مداه معه، لكنه لم يتوقف لحظة عن الاهتمام بالسينما}...

أضاف الشناوي: {لا أتصور أن في عالمنا العربي أحداً يملك هذا الأرشيف الضخم من الأشرطة والأقراص المدمجة للأفلام العالمية والعربية، فمكتبته السينمائية والأدبية تحتوي على عيون الكتب والمراجع.

أخيراً أكد المخرج محمد خان أن السينما فقدت الكثير برحيل عاشق السينما رفيق الصبان، مشيراً إلى أن نقده وكتاباته عن الأفلام عاطفية تكاد تكون شاعرية أحياناً، سواء انتقدها أو امتدحها، وقد جمعتهما ندوات ومهرجانات وتبادلا الحديث حول السينما، مشيراً إلى أن حبه للسينما كان مُعدياً لمن حوله ومن ثم سيفتقده تلامذته وزملاؤه ومشاركوه.

أما المخرج أحمد عواض فوصف توفيق صالح بأنه علامة بارزة في تاريخ السينما العربية، على رغم أعماله القليلة في السينما، وأنه  أحد رواد السينما الواقعية.

الجريدة الكويتية في

23/08/2013

فجر يوم جديد:

المتمردون... والمخدوعون!

كتب الخبر مجدي الطيب 

عرفت المخرج الكبير توفيق صالح (1926-2013) في موقفين شديدي التناقض؛ أولهما أعرب فيه عن غضبه الشديد لأنني انتقدت، في مجلة {روز اليوسف} المصرية، موقفه الرافض لمشاريع المخرجين الشباب، وطالبته بألا يقف حجر عثرة في طريقهم، وأن يمنحهم الفرصة التي انتزعها ورفاقه من الجيل السابق، وكانت القطيعة التي طالت فترة من الزمن، لكنها انتهت مع اختياري في مارس 2007 لعضوية لجنة تحكيم الدورة الثالثة والثلاثين لـ {مهرجان جمعية الفيلم السنوي للسينما المصرية} التي ترأسها المبدع الكبير. فكانت فرصة مؤاتية لمزيد من التقارب الإنساني، قبل الالتقاء الفكري، واكتشفت أنه لم يكن {الديكتاتور} الذي تم الترويج له طويلاً، وأن تواضعه كثيراً ما دفعه، هو المخرج المخضرم، إلى الاستماع إلى وجهة نظر أصغر عضو في اللجنة من دون أن يتأفف أو يُبدي تبرماً!

يومها، وقبل أن تنتهي أعمال لجنة التحكيم، أهداني قرصاً مدمجاً يتضمن نسخة من فيلمه {المتمردون} (إنتاج 1966)، وفي يوليو من العام الماضي فوجئت به، وهو القامة الكبيرة، يبادر بتهنئتي بعيد الفطر المبارك، ولم أبالغ عندما قلت له في ردي على رسالته الرقيقة: {تهنئتكم بالعيد جعلت له طعماً آخر}، وبعدما علمت في مايو الماضي بأن أزمة صحية داهمته، دعوت له في رسالة هاتفية بسرعة الشفاء كي يعود إلى محبيه ومريديه!  

أدرك توفيق صالح، في وقت مبكر للغاية، أهمية التواصل بين الفيلم والرواية، ومن بين سبعة أفلام روائية طويلة، هي كل رصيده، استلهم {المتمردون} ( 1966) من رواية للكاتب الصحافي صلاح حافظ، «السيد البلطي» (1967) من رواية للكاتب صالح مرسي، «يوميات نائب في الأرياف» (1968) من رواية للأديب الكبير توفيق الحكيم، «المخدوعون» (1972) من رواية «رجال في الشمس» للأديب الفلسطيني غسان كنفاني. وفي تقديري أن ثقافة المخرج الكبير توفيق صالح الموسوعية، فضلاً عن جرأته في تبني مواقف مختلفة من دون مواربة، كانا سبباً في التباين والخلاف أحياناً، بينه وبين يوسف شاهين (1926- 2008 )، رفيق دراسته في كلية «فيكتوريا»؛ فهو الذي وصف «شاهين»، في حوار نادر مع قناة «نايل سينما»، بأنه «حرفي وصاحب عين سينمائية ليس أكثر»، واتهمه، أي شاهين، بأنه طالبه بقطع إقامته في العراق والعودة إلى مصر للعمل في فيلم من إنتاجه، ولما فعل حنث شاهين بوعده، وطالبه بأن يُساهم أولاً في إنتاج الفيلم!

هل استشعر توفيق صالح بأنه ظُلم كثيراً مُقارنة بآخرين اهتمت بهم وسائل الإعلام، واحتفت بهم الأقلام النقدية، وأخذوا أكثر مما أعطوا؟

واقع الحال يؤكد هذا؛ فالمخرج الذي عُرف بأنه مُقلّ، لم يخن نفسه وجمهوره يوماً، وفي مجمل أفلامه بدا مشغولاً بقضايا حياتية، كما فعل في «درب المهابيل» (1955)، و»يوميات نائب في الأرياف» (1968)، ومُدركاً للدور الذي تؤديه السينما كأداة للتغيير والتحريض، كما رأينا في «صراع الأبطال» (1962)، و»المتمردون» (1966) و»السيد البلطي» (1967)، وشديد الإيمان بالقومية العربية، وهو ما عبر عنه بقوة في فيلم «المخدوعون» (1972) الذي أنتجته «المؤسسة العامة للسينما» في سورية، عن رواية للأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، وتناول القضية الفلسطينية من منظور غاية في الجدة والجدية والنبل الإنساني الممزوج بالحس الوطني؛ حيث الفلسطينيون الثلاثة الذين خططوا للهروب إلى الكويت، عبر الاختباء داخل صهريج إحدى الناقلات في طقس شديد الحرارة، وينتهي الأمر بوفاتهم وإلقاء جثثهم في مقلب نفايات، في إسقاط واضح على التجاهل الصارخ الذي يواجه القضية الفلسطينية!

خلافاً للأثر الإيجابي الذي حققه الفيلم السوري «المخدوعون»، ظل الفيلم العراقي «الأيام الطويلة» (1980) وصمة طاردت المخرج الكبير توفيق صالح فترة غير قصيرة من حياته؛ إذ لم يغفر له كثيرون إنجازه فيلماً يحكي سيرة ومسيرة صدام حسين، وعلى رغم دفاعه عن نفسه بأنه عاش ظروفاً استثنائية اضطرته إلى إخراج الفيلم، نافياً اتهامه بأنه تقاضى أموالاً طائلة نظير موافقته على إخراجه، فإن السقطة بدت كبيرة، وتحولت مع مرور الزمن إلى جرح لا يندمل، وظل «صالح»، الذي غادر مصر إلى فرنسا عام 1950 ليدرس السينما، لكنه درس الرسم والفوتوغرافيا، ودرّس السينما في العراق، على قناعة بأنه دفع ثمناً باهظاً!

الجريدة الكويتية في

23/08/2013

 

توفيق صالح:

أفكار كثيرة وأفلام قليلة لأزمنة جاحدة

إبراهيم العريس 

لم يفاجأ محبو وأصدقاء المخرج المصري الكبير توفيق صالح بالأخبار التي اتت من القاهرة، قبل أيام، تنبئ بموته، أو بالأحرى كما كان من شأنه هو ان يقول: تعلن نهاية الآلام التي كان يسببها له المرض منذ سنوات... وكذلك نهاية أزمنة البؤس والجحود التي عايشها وكانت، بقدر ما تؤلمه، تثير سخريته ولكن من دون مرارة. فتوفيق صالح كان واحداً من كبار الساخرين، تماماً كما كان واحداً من كبار محبي الأدب وفن السينما، حتى وإن كان المتن السينمائي الذي أنجزه طوال سنوات حياته لا يعدّ على اكثر من أصابع اليدين. ونعرف جميعنا ان السبب الرئيس الكامن خلف قلة عدد أفلامه، كان عدم رغبته في القيام بأية تنازلات لأية جهة تريد ان تنتج له فيلماً مكبلة إياه بألف قيد وقيد. ولن نخفي هنا ان توفيق صالح وجد نفسه مضطراً الى خوض مثل تلك التجربة «المقيتة» - كما وصفها بنفسه - مرة واحدة في حياته، وذلك بالتحديد حين حقق آخر أفلامه «الأيام الطويلة» مضطراً وهو منفيّ خارج مصر وقد تقطعت به السبل.فالفيلم كان عن حياة لصدام حسين رواها هذا بنفسه لعدد من الكتاب دوّنوها. ويومها، إذ كان صالح قد خرج من تلك التجربة السورية المريرة التي كانها تصوير وانتاج فيلمه الكبير «المخدوعون» عن قصة «رجال في الشمس» للكاتب الشهيد غسان كنفاني، وفوتح بأمر تحويل «الأيام الطويلة» فيلماً وافق وقد استبد به فضول كبير لمعرفة كيف سيكون مشهد ديكتاتور عربي وهو يتعامل مع فريق يريد تصوير فيلم روائي عن «حياته».

ولئن كان من الأمور الممتعة وذات الدلالة قراءة النصوص التي كتبها توفيق صالح لاحقاً عن تلك التجربة، فإن ما من شأنه ان يبدو أكثر متعة، كان تلك الجلسات الطويلة الصاخبة التي كانت تضمنا وتوفيق وأصدقاء آخرين في القاهرة او غيرها من المدن العربية ولا سيما مراكش في المغرب التي كان يحبها كثيراً. فهو في تلك الجلسات، كان لا يتوقف عن الحديث المرح الصاخب الساخر عن مرحلة تصويره الفيلم في العراق، ولا سيما عن لقاءاته مع صدام... والحقيقة ان رواياته لتلك اللقاءات كانت من الطرافة والعمق - في تفسيرها بخاصة شخصية الديكتاتور وفهم هذا الأخير للفن والسينما ودور المبدع في المجتمع!! - الى درجة كانت دائماً ما تدفعنا الى مطالبة ذلك «الحكواتي» المبدع بأن يحوّل حكاية تلك اللقاءات في حد ذاتها الى فيلم سينمائي وأكثر، وهو حين كان يسمع رأينا الملحّ في هذا، كان يضحك ملء فمه ويقول: «إعملوها انتو... فأنا اكتفيت من الراجل وأكثر، ولا أريد لأي شيء ان يعيدني اليه والى ذكره!».

لقد كان واضحاً ان ذلك الفيلم الأخير خلّف لدى توفيق صالح مرارة مزدوجة. ولكن لم لا نقول هنا، ان كل فيلم من أفلام هذا الرجل انما كان ينتهي بمرارة؟ فهو، بعد كل شيء، لم يكن من اولئك الذين يرضون عن اي شيء بسهولة... ومع هذا، كان، ونحن في رفقته لمشاهدة افلام كثيرة، عربية غالباً وفي الكثير من المهرجانات ولا سيما في نيويورك التي تجولنا في أزقتها وصالاتها معاً طوال ايام، او في القاهرة، حيث كنا غالباً ما نصحبه الى مشاهدة الأفلام ولكن كذلك الى حضور انواع مختلفة من الندوات الفكرية والفلسفية ناهيك بالسينمائية - وكان آخرها ندوة في القاهرة قبل سنتين ونيّف، ألقى فيها المفكر المصري المعروف الدكتور حسن حنفي محاضرة قيمة حول «السينما الفلسفية لدى توفيق صالح» -، كان لا يتوقف عن إبداء دهشته وفرحه بكل جديد... وهو في هذا السياق كان واحداً من اوائل الرفاق المصريين الذين يخبروننا عن مخرجين جدد برزوا من دون علمنا معلناً انهم «سيزينون مستقبل السينما المصرية»، وكذلك كان هو اول من يخبرنا عن روايات جديدة تظهر في القاهرة (كاتب هذه السطور يدين له بالتعرف الى الراحل خيري شلبي ورواياته، وبالنسخة الأولى من رواية «عمارة يعقوبيان، لعلاء الأسواني... بين ابداعات مصرية أخرى).

قلة من أفلام رائعة

وإذ نعود هنا الى توفيق صالح السينمائي، لا بد من ان نؤكد على الفور انه كان بالتأكيد واحداً من سبعة أو ثمانية مخرجين مصريين رفعوا السينما المصرية الى مستويات ما كان لها أن تبلغها لولاهم، كما كان بالتأكيد كذلك واحداً من عشرين أو ثلاثين سينمائياً عربياً عرفوا كيف يجعلون السينما جزءاً اساسياً من التراث الإبداعي العربي الحقيقي. وحتى إن اقتصر كلامنا على انتماء هذا المبدع الكبير الراحل الى وطنه مصر، فسنجد ان توفيق صالح، الى جانب مبدعين مثل كمال سليم وصلاح أبو سيف وبركات وصولاً الى يوسف شاهين وكمال الشيخ، وخصوصاً شادي عبدالسلام ولكن في اتجاه آخر تماماً لهذا الأخير -، كان ينتمي الى ذلك السياق الذي دفع الفن السابع المصري الى الأمام بقوة وتألق، مؤسساً لتلك التيارات التي ورثت كل هؤلاء منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، وأعطت العالم أفلاماً مصرية وغير مصرية حقيقية اعتبر معظمها علامات في تاريخ السينما. ولعل اللافت في مسار توفيق صالح، انه كان الأكثر من بين كل هؤلاء وكل ورثتهم، ارتباطاً بالقضايا العربية ككل، من ناحية، ومن ناحية ثانية - وفي اعتقادنا ان الوقت حان لقول هذا بكل وضوح - انه كان الأكثر كسلاً بينهم. أو هذا على الأقل ما كانت تقوله الحكاية والتي رددناها هنا بدورنا مرات ومرات الى درجة دفعت المخرج الكبير الى الرد علينا، بتهذيبه المعتاد، متحدثاً عن «حظ سيئ» و«مؤامرات» اتهمها بأنها كانت وراء قلة عدد انجازاته طوال سنوات وسنوات.

ومهما يكن من أمر نعتقد ان هذا لم يعد كبير الأهمية إذ رحل الرجل، حتى وإن كان هو نفسه سيظل بشكل أو بآخر لغزاً غريباً. وكيف لا يكون لغزاً هو الذي سمعنا منه عن مشروع عن «ابن رشد» قبل سنوات من ولادة مشروع يوسف شاهين عن فيلسوف قرطبة الكبير («المصير»). ومنه سمعنا عن مشاريع تحويل روايات عدة لمحفوظ الى السينما، ولا سيما منها «حضرة المحترم» و«الحرافيش» قبل أن يفكر أي شخص بذلك... ثم لا شيء. ومنه سمعنا للمرة الأولى، قبل نحو عشرين سنة، عن رواية خيري شلبي الرائعة «وكالة عطية»، لمناسبة إخبارنا انه يحضّر سيناريو عنها، ثم... لا شيء. هل نتابع؟ حسناً: قبل سنوات اتصلت الفنانة لوسي وزوجها المنتج سلطان الكاشف، بتوفيق صالح واتفقا معه على مشروع سينمائي، ودفعا له العربون. تحمس لأيام، ثم اتصل بهما وأرجع المبلغ من دون أي تفسير! وقبل سنوات أيضاً، في جلسة ودية في مدينة خريبكة المغربية، حدث أن روى توفيق صالح، حكاية تصويره فيلمه «صراع الأبطال» (1911) في الريف المصري. وبدت روايته للحكاية من الروعة بحيث رأينا على الفور انها يمكنها ان تشكل موضوع فيلم سينمائي من نوع سينما عن السينما. يومها، ما إن انتهى صالح من حكايته، حتى وقف كاتب هذه السطور وسأل الفنان الكبير: «لماذا يا صديقي لا تحقق فيلماً انطلاقاً مما تروي؟».

نظر توفيق صالح يومها بدهشة كأن أحداً يغدر به، فيما كان المنتج التونسي حسن دلدول يمد يده الى جيبه ليخرج دفتر شيكاته معلناً استعداده الفوري لتمويل المشروع ودفع الدفعة الأولى فوراً... والناقد المغربي العامل في «قنال بلوس» الفرنسية في ذلك الحين نور الدين صايل، يؤكد سهولة الحصول على بقية التمويل من «قنال بلوس». عندما وجد توفيق صالح نفسه «محاصراً» الى هذا الحد... ضحك وقال: «أنتم عاملين عليّ مؤامرة ولا إيه؟». رافضاً أي بحث في الأمر، قائلاً: «يا أصدقائي، عندي مشاريع أكثر جدية بكثير!».

طبعاً كنا جميعاً نعرف ان لدى توفيق صالح مشاريع كثيرة... لكننا كنا بدأنا نعرف أيضاً ان توفيق صالح لن يحقق أياً منها... ولا نعرف لماذا.

من شلة الحرافيش

المهم، بعد ذلك بسنوات قليلة أنهى توفيق صالح عامه الثمانين. وهو انتظر الوصول الى هذه الشيخوخة حتى يبدي بعض علامات المرض والإعياء، حتى وإن كان هذا لم يمنعه من أن يمضي جلّ وقته في السينما ومن حول السينما. وهو الشيء الذي لم يفعل على أي حال سواه، طوال أكثر من سبعين عاماً، باستثناء صحبته لنجيب محفوظ. إذ من المعروف أن توفيق صالح كان واحداً من «الحرافيش» الذين التموا منذ وقت باكر من حول صاحب «الثلاثية». ولم تكن مصادفة ان يكتب نجيب محفوظ لتوفيق صالح سيناريو فيلمه الأول «درب المهابيل» (1955). منذ «درب المهابيل» بدأ اسم توفيق صالح يلمع في فضاء السينما المصرية، أسوة بلمعان اسم مجايله وابن مدينته الاسكندرية، يوسف شاهين. وكان متوقعاً، نظراً الى ان نجيب محفوظ كان دخل ممارسة الكتابة للسينما بقوة منذ ذلك الحين، أن يتواصل التعاون بينه وبين توفيق صالح. لكن الذي حدث هو العكس: طوال العقود التالية غاب التعاون تماماً وبقيت الصداقة الحميمة. وحتى إذا كان كثر توقعوا، عند صدور أجزاء «الثلاثية» المحفوظية، أن يتولى توفيق صالح نقلها الى السينما، خاب هذا التوقع تماماً. ولاحقاً بعد سنوات طويلة حين طرح كاتب هذه السطور سؤالاً حول هذا الأمر على توفيق صالح، في حضور نجيب محفوظ، اكتفى صالح بابتسامته الغامضة وقال: «الحق على الأستاذ... لو كتب السيناريو بنفسه لفعلت». ومن المعروف ان نجيب محفوظ لم يرض أبداً بكتابة سيناريو لأي من أعماله... لكنه مع هذا كتب سيناريوات لروايات إحسان عبدالقدوس، ولأعمال أمين يوسف غراب ويوسف السباعي!!

مهما يكن من أمر، حقق توفيق صالح، طوال مسيرته المهنية التي دامت نحو ستة عقود، عدداً قليلاً جداً من الأفلام: 7 أفلام روائية طويلة، وأكثر منها قليلاً من الأفلام القصيرة والمتوسطة. ونعرف اليوم ان لكل فيلم من أفلامه الطويلة مكانة أساسية في تاريخ السينما - إذا استثنينا آخر أفلامه «الأيام الطويلة» عن سيرة حياة الديكتاتور العراقي صدام حسين كما كتبها عبد الأمير معلا، وهو فيلمه الروائي الوحيد بالألوان، والذي يجب إسقاطه تماماً من فيلموغرافيا توفيق صالح! -. فتوفيق صالح بعد «درب المهابيل» حقق «صراع الأبطال» في العام 1962، و «المتمردون» في العام 1966، و «يوميات نائب في الأرياف» في العام 1968، و «زقاق السيد البلطي» (1969) ثم «المخدوعون» في سورية (1971) وأخيراً «الأيام الطويلة» الذي أشرنا اليه، في العراق، عام 1981. أما بالنسبة الى الأفلام القصيرة، فمعظمها تسجيلي حول رحلة عبدالناصر الى الهند والتصنيع في مصر، وصناعة الدمى و «كورنيش النيل»... علماً أن هذا النوع الأخير من الأفلام لا يمثل نقاط قوة في تاريخ الرجل. فتوفيق صالح، الحكواتي بامتياز كان صاحب خيال عريض لا يتناسب مع التقاط الواقع كما هو وتصويره. وهو كان لديه من المثل العليا والتطلعات الإنسانية الثورية، ما جعل الناقد التونسي الطاهر شريعة يكتب دراسة حول «ماركسية» سينما توفيق صالح، وإن كان من الصعب علينا تقبل هذا التوصيف كقانون.

فالحقيقة ان توفيق صالح وسينماه يحملان رفضاً لواقع البؤس والتخلف، من دون أن يحملا أي تصوّر أو مشروع للتخلص من هذا الواقع. فحتى حين يبدو أبطاله إصلاحيين ايجابيين، فإنهم لا ينتصرون في النهاية، على طريقة البطل الإيجابي، بل غالباً ما ينتهي بهم الآمر خاسرين. ولعل هذا ما يميز سينما توفيق صالح عن سينما بقية «الثوريين الماركسيين». فهو كان وظل على الدوام يرى أن على الفن أن يطرح الإشكاليات، لكن ليس عليه أن يوجد الحلول جاهزة. «الفن ليس إجابة. هو سؤال» كما كان يردد دائماً.

وعي مبكر

والحقيقة ان فناناً مفكراً من طينة توفيق صالح عاش طفولته في الاسكندرية وبعض سنوات شبابه في باريس وأقام في القاهرة منذ العام 1953، داعماً لثورة جمال عبدالناصر ثم منتقداً لها من الداخل «لأنها هي التي تغيرت وخيبت الآمال» كما أكد منذ البداية وظل يؤكد طوال حياته -، وأن سينمائياً من نمط توفيق صالح الذي ارتبط باكراً بالسينما السوفياتية الكبيرة من ناحية الأشكال ولعبة التوليف والتجديدات الفنية، لا من ناحية البعد الايديولوجي، تاركاً للواقعية الجديدة الإيطالية ان تساعده على صوغ أفكاره، ما كان يمكنه ان يكون «تبسيطياً ماركسياً» كما أراده بعض النقاد الذين أفرطوا في حبه الى درجة أن ضمّوه عنوة الى أفكارهم وتطلعاتهم!

منذ البداية، أحب كثر توفيق صالح. وكثر توقعوا منه أكثر مما كان يمكنه ان يقدّم وهو في قرارة نفسه عانى هذه الازدواجية طويلاً إذ وقفت حائلاً بين التفكير والتنفيذ لديه. ولكن مهما يكن من أمر، بكسل أسطوري أو من دونه، بماركسية أو من دون ماركسية، يبقى ان توفيق صالح، على قلة الأفلام التي حققها طوال مساره المضيء، عرف دائماً كيف يحفظ للسينما كرامتها، هو الذي، ووفق تعبير المخرج يسري نصرالله الذي سلمه خلال حفلة تكريم له في مراكش قبل سنوات، درع التكريم، «صَنع سينمائيين وجمهوراً ومكانة للسينما أكثر مما صنع أفلاماً بكثير». وهو الذي، إذ عرضت في مراكش يومها أربعة من أفلامه الأساسية وأقبل الجمهور بكثافة لمشاهدتها، كشفت هذه الأفلام انه، ومنذ تلك الأوقات المبكرة، شاهد من الحقائق ما عجز عن مشاهدته معظم أبناء جيله، وجدّد في فن السينما وفي علاقة الجمهور مع هذا الفن، أكثر مما فعل أي مخرج عربي آخر، باستثناءات قليلة جداً.

الحياة اللندنية في

23/08/2013

 

ذكريات

توفيق صالح.. الفنان الوطني

بقلم : عبدالرحمن فهمى 

نعم.. هناك ثنائيات في الكرة مثل ديستيفانو وبوشكاش في ريال مدريد ومحمود الخطيب ومختار مختار في الأهلي.. وهناك ثنائيات في الفن لعل أهمها وأقدمها لوريل وهاردي في السينما الأمريكية الصامتة وفؤاد المهندس وشويكار في الأفلام والمسرح.. بل هناك ثنائيات في التأليف والسيناريو مثل سمير خفاجة وبهجت قمر ونجيب الريحاني وبديع خيري.. ولكن.. ولكن هناك ثنائيات أيضا في الموت.. فهذا شيء عجيب!! 

مات منذ أيام في يوم واحد اثنان من عمالقة الفن القديم عندما كان عندنا فن علي أعلي مستوي.. اثنان من أوائل رواد السينما المصرية "توفيق صالح" وزميله وصديقه "رفيق الصبان".. كما سبق أن توفي كامل الشناوي في نفس صباح اليوم الذي توفي فيه أحمد الألفي عطية.. وكلاهما كاتبان ساخران بنفس الأسلوب.. عملا في الصحف المصرية ككاتبين خارجيين!!!! حتي نفس الوظيفة.. توفيا معاً فكانت الصلاة عليهما معاً في مسجد عمر مكرم بعد ذلك جنازة مهيبة واحدة فقد كان المشيعون جميعاً من رجال دولة وأدباء وصحفيين كانوا يريدون جميعاً السير وراء الاثنين معاً!!!! 

وعندما مات ساحر الكرة.. من أوائل المحترفين في انجلترا بعد حسين حجازي.. ألف عنه مدربه الإنجليزي كتاباً اسمه "المارد الأسمر".. عندما مات محمد الجندي في الفجر ايقظوا صديقه عمره حنفي بسطان كابتن مصر والزمالك وأخبروه بخبر الوفاة فقام مسرعاً من نومه وخلال ارتدائه البدلة سقط علي الأرض فاستدعوا جاره الطبيب الذي قال لهم: "البقية في حياتكم"!! توفي بعد صديق عمره بساعة واحدة!! 

ومنذ شهور قليلة.. نشرت الصحف خبر وفاة نجمي الكوميديا معاً.. وحيد سيف ونبيل الهجرسي ماتا معاً ونشر خبر وفاتهما معاً!! 

***

واسمحوا لي أن أكتب عن "توفيق صالح" آخر مخرجي العصر الذهبي للسينما العربية.. وهو من العدد القليل جداً من مخرجي السينما العربية الذين تجاوزوا الحدود في ظل كل المهرجانات العالمية وذهب بأفلامه إلي العالم الواسع لذا يندر وجود ناقد أو مؤرخ أو مخرج بأي لغة من لغات العالم لا يعرف توفيق صالح

عرفت توفيق صالح في بداية عملي كمحترف بالصحافة عام 1950 في جريدة "المصري" وكان صالح أحد كتاب الفن الرفيع الهادف مع حسن فؤاد.. وعندما صودرت جريدة "المصري" عام 1954 طلق النقد والصحافة بالثلاثة!!!! ولم يعد إلي قلمه إلا في السبعينيات عندما صدرت جريدة "الأهالي".. كان نقده ومقالاته مثل أفلامه.. دفاعاً عن حرية الرأي ومعاناة الناس.. ذهب بفيلمه إلي حياة الناس في القرية وهو فيلم "صراع الأبطال".. ثم ذهب إلي مجتمع الصيادين ونضال الإنسان اليومي ليبحث عن لقمة عيشه في الحياة بفيلم "السيد البلطي".. ثم عاد لحياة الريف من وجهة نظر وكيل نيابة في القري برواية "يوميات نائب في الأرياف".. ثم عاد إلي القرية ليرسم كل شخصياتها في "درب المهابيل". 

كان مثقفاً لأبعد الحدود.. ثقافته باللغة الإنجليزية في كلية فيكتوريا ثم آداب إنجليزي جامعة الإسكندرية ثم درس السينما في جامعة باريس عام .1950 

كانت تربطني به علاقة قوية من علي بعد عندما ترك مصر عقب مصادرة جريدة "المصري" وعاش في الأردن وسوريا والعراق.. وأخرج أفلاماً هناك نالت جوائز مهرجان قرطاج.. ولم يعد إلا في السبعينيات مع أنور السادات.. تقابلنا صدفة في آخر مهرجان للإسكندرية السينمائي فتعانقنا لمدة دقائق مع الغزير من الدموع لفتت نظر الأخ ممدوح الليثي.. رحم الله توفيق صالح

الجمهورية المصرية في

23/08/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2013)