بعد يوم على رحيل الناقد السينمائي المخضرم رفيق الصبان، رحل المخرج
المشهور توفيق صالح صباح يوم الأحد في الثامن عشر من الشهر الجاري. الأول
خدم النقد السينمائي بكل عاطفته، أما توفيق صالح فأحبها حتى خشيها. أقبل
عليها ثم غاب عنها خوفا من أن لا يمنحها أفضل ما لديه. كان صادقا مع نفسه
في أقسى الظروف، وغير مهادن، محققا مجموعة من الأفلام غير المتنازلة
(باستثناء أخيرها) عما شكـله في وجدانه من أفكار. بدوره أحب السينما ولم
يهادن، لكنه انسحب منها منذ مطلع الثمانينات.
هناك اختلاف مراجع بالنسبة لتوفيق صالح. بعضها يرجع تاريخ ميلاده إلى
السابع والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) 1926 والآخر يرجعه إلى عام 1927.
في كلا الحالتين كان لا يزال في العشرية الثانية من عمره عندما نال شهادة
جامعية (فرع الآداب) في جامعة الإسكندرية، مقررا بعدها مباشرة السفر إلى
باريس لدراسة السينما في معهد إيديك (كما كان معروفا آنذاك قبل تغيير اسمه
إلى «La
Fémis».
* بدايات الغياب
* فيلمه الأول كان «درب المهابيل» سنة 1955، أي بعد خمس سنوات من
عودته إلى مصر. دراما عن قصة كتبها للسينما نجيب محفوظ ووضع لها السيناريو
لجانب توفيق صالح مع حوار لعبد الحميد جودة السحـار. باقي الأسماء المشتركة
لا تقل قيمة عن تلك المذكورة، فمدير التصوير كان عبد العزيز فهمي، والتوليف
لسعيد الشيخ. أما الحكاية فكانت من لـبنة اجتماعية حول مجذوب الحارة الذي
يربح ألف جنيه في ورقة يانصيب فيتحلـق حوله كل من يحاول الاحتيال عليه
لسرقة المال منه. وضع توفيق صالح أمام الكاميرا كلا من شكري سرحان وعبد
الغني قمر وبرلنتي عبد الحميد ونادية السبع وحسن البارودي، وفي ثنايا كل
ذلك أسس لمعالجة واقعية وداكنة أراد فيها نقل وجع اجتماعي لما يمكن أن يحصل
بين كل هذه الشخصيات حين تلامس الفرصة أحلام كل منها بثراء مفاجئ.
واحد من معالم المخرج الراحل هو حضوره كحدث كلما صنع فيلما، وفي
المقابل فترات غيابه الطويلة عندما كان ينأى بنفسه عن العمل لأسباب
تداولتها الصحافة طويلا من دون أن تتفق عليها. أول فترات الغياب الطويلة
هذه هي تلك التي امتدت ما بين تاريخ الفيلم الأول ذاك وفيلمه الثاني «صراع
الأبطال» (1962). خلال هذه الفترة أخرج صالح عددا من الأفلام التسجيلية، من
بينها «فن العرائس» (1957) و«نهضتنا الصناعية» (1959) و«نحو المجهول»
(1960). بما أنها لم تعرض (ولا ندري حتى إذا ما كانت محفوظة) فإن أحدا لن
يستطيع تقييمها وملاحظة ما إذا كانت ذات صلة فنيـة جوهرية بأسلوب المخرج
الروائي أو أنها حيـز مختلف من السينما لم يتم الكشف عنه جيدا إلى اليوم.
«صراع الأبطال» أحد أفضل أعمال توفيق صالح قاطبة، حتى وإن كانت اضطرت
للتحايل على الرقابة في ذلك الحين عبر وضع أحداثها في سنوات ما قبل ثورة
1952. الحقيقة أن العودة إلى الماضي كانت قصصيا، وحسب سيناريو شارك في
كتابته عبد الحي أديب عن قصـة لعز الدين ذو الفقار، واقعية من حيث سردها
حكاية الناس المغلوبة على أمرها التي يـقوم بعض المتسلـطين بتدمير حياتها
إذا ما حاولت الرفض. عدد من المتمردين ينتهي إلى مستشفى الأمراض العقلية من
دون أن يكون مجنونا، وهذا يتكشـف لطبيب (شكري سرحان) جاء بقناعات وخرج
بأخرى عندما تبيـن له أن مرض الكوليرا المنتشر هو المسؤول عن الوباء
المنتشر في البلدة.
رغم أهمية الصراع الطبقي الذي يعرضه «صراع الأبطال» فإن الناحية التي
تشهد لهذا الفيلم بنظرة ثاقبة تمتد لما قبل وما بعد فترة أحداثه تتبلور
عندما يستخرج الطبيب جثة لفحصها وتشخيص المرض. كل ما كان أنجزه من ثقة
وتأييد بين جموع الناس انقلب إلى عداء شديد كون التقاليد لا تسمح حتى للعلم
بأن يتدخـل لإنقاذ أرواح أو الكشف عن حقيقة.
* البعد الاجتماعي
* الفيلم التالي، بعد غياب أربع سنوات أخرى، كان «المتمردون» الذي كتب
قصـته صلاح حافظ حول مصحـة في منطقة صحراوية نائية، حيث يكتشف الفوارق
الاجتماعية بين المرضى الذي يملكون والمرضى الذين لا يملكون. «السيد
البلطي» (1967) يدور حول شيوع خلافات بين شخصيات تتضارب توجـهاتها كل حيال
القضية الاجتماعية المثارة: الجديد ضد القديم. أحد معلمي البحر يريد بيع
مراكب الصيد الصغيرة لأنها لا تستطيع الإبحار بعيدا عن الساحل ما يجعل
حمولتها محدودة. يقف في مواجهته عمال تلك المراكب؛ إذ يجدون أن البيع يهدد
مصدر رزقهم الوحيد. في الفترة الناصرية كانت الدعوة هنا واضحة لتعاضد
العمـال ضد أرباب العمل، لكن ما جعل الفيلم مهمـا ليس كنيته السياسية
مطلقا، بل تلك المهارة المباشرة التي عالج فيها المخرج البيئة الشعبية وما
تتداوله من مشاكل وقضايا. كذلك مهارته في استخراج البعد الاجتماعي من
التصرفات والعواطف الصغيرة منها والكبيرة. إلى ذلك عمد المخرج للتصوير (كما
قام به المخضرم وداد سري) بإضاءة طبيعية، وبذا منح الفيلم بأسره دكانة
تناسب وضع بيئة أبطاله المعوزين والفقراء.
لفيلمه التالي، «يوميات نائب في الأرياف» (عن قصـة لتوفيق الحكيم
وسيناريو ألفريد فرج سنة 1969) عاد مجددا إلى حكاية تقع في الريف وقبل
الثورة المصرية، لكن شرارتها الاجتماعية والنقدية صالحة لأن تعكس حال ما
بعدها كما رأى أكثر من ناقد. هذا الفيلم كان آخر تجاربه السينمائية الطويلة
في وطنه. بعده توقـف عن العمل سنوات ثم أم مشروعا تقدمت به المؤسسة العامـة
السورية لتحقيق فيلم مقتبس عن رواية غسان كنفاني «رجال تحت الشمس». في عام
1972 خرج هذا الفيلم ضمن هالة إعلامية كبيرة كون المخرج اكتسب خلال حفنة
أفلامه السابقة مكانة عالية بين النقاد. «المخدوعون»، كما بات عنوان
الفيلم، يتحدث عن أجيال المحبطين الفلسطينيين المنتقلين من نكبة إلى نكسة،
ومن نكسة إلى هزيمة. ثلاثة أفراد من ثلاثة أجيال يختبئون في قعر صهريج
لشاحنة ضخمة للتسلل إلى دولة عربية خليجية للعمل فيها. بعد أن يقدم الفيلم
هذه النماذج (مع مشاهد فلاشباك ضعيفة البنية لكنه ملتزم بطريقة سرد الكاتب
لروايته) ينطلق لينجز أبعادا منظورة: هؤلاء، كما القضية، لا مستقبل لهم
تبعا لضياع مستحكم تداولته السنين والأجيال.
ذلك الفيلم عزز مكانة المخرج العربية (وإلى حد ما العالمية) لكنه آثر
مغادرة سوريا إلى العراق حيث ارتبط بعقد تدريس المادة السينمائية في بعض
معاهد بغداد، وآخر مع مؤسسة السينما العراقية التي كانت نشطة في أواخر
السبعينات ومطلع الثمانينات في تحقيق أفلام ذات غايات سياسية واجتماعية.
* قدمان ثابتتان
* هناك تقدمت منه المؤسسة بطلب لا يمكن رفضه: تحقيق فيلم يروي قصـة
حياة الرئيس (آنذاك) صدام حسين، كتبها عبد الأمير معلة، الذي كان يرأس تلك
المؤسسة. كشف لهذا الناقد خلال التصوير كم من الصعب أن ينجز فيلما عن شخصية
حاضرة مع ذلك القدر من المسلـمات المشروطة. بعد التصوير، وفي لقاء آخر في
القاهرة قال: «حاولت أن أحقق فيلما عن النضال من أجل الاستقلال أكثر من
كونه فيلما عن شخصية محددة. وأساسا رفضت أكثر من مرة كل عرض تقدمت به
المؤسسة العراقية لإخراج الأفلام، لكن مع قصـة تتحدث عن رئيس الدولة نفسه
لم يكن أمامي أي مهرب. كان لا بد لي من القبول».
الفيلم، إذ يتناول جزءا من حياة صدام حسين، استقبل جيدا من قـبل
المسؤولين العراقيين، لكن النقد والإعلام العربيين اعتبرا الفيلم تراجعا
وهزيمة لفكر الأستاذ المخرج. وسواء أشاهد الفيلم كل من كتب عنه أو هو نقل
عمن شاهده موقفه، فإن توفيق صالح عايش فترة اكتئاب نفسية ربما ساهمت في
توقـفه عن العمل مكتفيا بالتدريس في المعهد العالي للسينما حتى السنوات
القريبة الماضية. خلال تلك السنوات حاول يوسف شاهين، إذعانا لرغبته كما
لرغبة مثقـفين آخرين، إعطاء توفيق صالح فرصة تحقيق فيلم ينتجه الأول ويخرجه
الثاني. لحين بدا كل شيء يسير على هذا النحو، لكن المشروع انهار قبل أن يقف
على قدمين ثابتتين. ولم تكن المرة الوحيدة التي تتعرقل خطوات عودة صالح إلى
الإخراج. هل كان عدم إيمان بالمشاريع؟ هل كان السبب في أنه لم يكن واثقا
كيف يمكن له أن يسترجع همم السنوات الأولى؟ أو لعلها الرقابة الداخلية
التي، كما قال للمخرج يوسف ديب ذات مرة، «أقوى من كل الرقابات»؟
مهما كان الجواب، حرمنا توفيق صالح من نفائسه وها هو الموت يحرمنا
اليوم منه.
* د. رفيق الصبان: عاشق السينما الولهان
* الناقد رفيق الصبان كان من أكثر محبي السينما الفرنسية، وكم أعجبته
أفلامها وخرج من عروضها في مهرجان «كان» الذي كان يؤمـه دوما، راقصا على
أنغام مواضيعها وأساليبها، حتى وإن كان يعرف أن بعضها مثرثر والبعض الآخر
بلاستيكي اللمعة.
ولد في سوريا ودرس المسرح أولا، ثم انحاز للسينما حال انتقاله إلى
القاهرة التي عاش فيها معظم سنوات حياته. وضع ربما مئات المقالات في العديد
من الصحف والمجلات، وكتب أيضا أكثر من عشرين فيلما، بينها «الإخوة الأعداء»
الذي أخرجه حسام الدين مصطفى سنة 1974 عن رواية فيودور دوستويوفسكي
«الجريمة والعقاب»، و«الرغبة» (علي بدرخان - 2002) عن مسرحية تنيسي ويليامز
«عربة اسمها الرغبة».
الشرق الأوسط في
20/08/2013
أفلام توفيق صالح
فيلم توفيق صالح الأول عن مجتمع الذين لا حول لهم
الفيلم: درب المهابيل
إخراج: توفيق صالح (1955)
أدوار أولى: شكري سرحان، برلنتي عبدالحميد، عبد الغني
قمر، توفيق الدقن، حسن البارودي، نادية السبع.
النوع: دراما إجتماعية
تقييم الناقد: *** (من خمسة)
إذ لم تتح لي (ولكثيرين غيري) مناقشة المخرج الراحل توفيق صالح في كل
فيلم على حدة [واجب أهمله حتى النقاد القادرين مكاناً وزماناً على ذلك] فإن
ما يبقى لديّ هو قراءة الصورة والتكهّـن من أن بعض الناتج من هذه القراءة
في مكانه الصحيح. البعض الآخر هو في مكانه الصحيح فعلاً، لكن البعض الأول
والمقصود هو ما يرد مثلاً منذ مطلع الفيلم ثم يزداد حضوراً بعد نصف ساعة
وينسحب على الفيلم لباقي مدّة عرضه.
هذا الشيء هو المرجعية التسجيلية التي استلهم منها توفيق صالح معالجته
البصرية والحسيّة. لا ندري إذ ترك مصر إلى باريس لدراسة السينما باكراً ما
هي الأفلام التي استهوته، وكيف أقبل عليها ولماذا هي بالذات، لكن الفيلم
يطالعنا ببعض الإجابات خصوصاً وأنه الفيلم الأول… العمل الأكثر عرضة للكشف
عن الشخصية السينمائية لمخرج جديد.
«درب المهابيل» عن سيناريو لنجيب محفوظ وتوفيق صالح يدور حول ما يحدث
لأهل حارة قاهرية عندما يفوز أحد الساكنين فيها بألف جنيه في اليانصيب. لكن
ماذا لو كان هذا الفائز هو «أهبل» الحارة؟ العبيط الذي يمسك بالبخور ويمر
على المحلات بأدعيته الدينية التي يراها البعض بركة والبعض الآخر يتبرم منه
ومنها؟
إختار المخرج البدء بتصوير البيت: أب (عبدالعزيز أحمد متديّن. أم ذات
خامة طيّبة (رفيعة الشال) وإبنتهما الشابّة (برلنتي عبدالحميد) المخطوبة
للشاب طه (شكري سرحان) الذي يسكن على السطح. من البيت إلى الشارع حيث يتم
تعريفنا بباقي الشخصيات: صاحب محل العجلات البخيل عزوز (حسن البارودي) وإبنه (توفيق
الدقن) الذي على علاقة بإبنة الليل ذات السمعة (نادية السبع)، أصحاب
المحلات عبد الغني الجندي وشفيق نور الدين وأحمد الجزيري والفقير (أحمد
أباظة) والأهبل (عبد الغني قمر). وسيلة توفيق صالح في التعريف بكل واحد من
هؤلاء هي استطرادية وفي بعض الحالات يترك للكاميرا أن «تسجل» دخول الشخصية
الفيلم ثم «تسجل» ما تقوم به في عملية تعريف غير مستعجلة للوصول إلى
نهايتها. يستلم صالح بعض الشخصيات على حدة وبالمتابعة: شخصية المرأة
المشبوهة أخلاقياً تصل إلى المبنى بسيارة أجرة. تخرج مترنّحة. تدفع "مفيش
فكّة". تصعد السلم إلى شقّتها. يتعرّض لها إبن العجلاتي. تصدّه. تدخل. تأخذ
وقتها لتبحث عن الفكّـة وترميها من الشبّاك للسائق.
مباشرة بعد ذلك ترصد الكاميرا العبيط حين تقدّمه- مثل إبنة
الليل- لأول مرّة: يصل إلى شارع الحارة الرئيسي ويدخل ويخرج من المحال
والكاميرا تتابعه. تسجل من يتبارك به ومن لا يأبه له ثم تتركه وقد جلس
ومعزته لجانب رجل فقير على الأرض.
هذا نوع من تسجيل الواقع ولو روائياً. توفيق صالح في تجربته الأولى
يفضّـل هذا الأسلوب على أسلوب روائي بالكامل يلعب به المونتاج (قام به هنا
سعيد الشيخ) دوراً أعلى. ما يبرهنه صالح هنا، لجانب تفضيله هذا النوع من
الرصد، هو رغبته في التدليل على الشخصيات الملوّنة (الفيلم بالأبيض
والأسود) التي يوفّرها. ليس منها شخصية ملائكية، إلا شخصية خديجة (برلنتي
عبدالحميد). حتى طه هو أرعن في نهاية الأمر بعدما فقد رشده حين اكتشف أن
ورقة اليانصيب التي اشتراها من أجرته عاملاً في محل الدراجات هي التي فازت.
هناك شخصية أخرى جيّدة هي شخصية رجل الدين الذي يرمز للوسطية والخير ويحسن
المخرج تقديمه من دون كثير دعاية. الباقون نموذجيون لمن يتخلّـى سريعاً عن
المبدأ تبعاً لمصالح أقحمت نفسها على الحارة كلّـها.
بائعة اليانصيب (إلهام زكي) تحاول بيع ورقتها. يصرفها معظم الشخصيات.
فقط شفيق نور الدين أراد شراء الورقة لكنه عدل عن ذلك عندما نهاه جاره. طه
الفقير الحالم بحياة أفضل تضمّه وخطيبته يدخل على صاحب محل
الدراجات (البارودي) ويطلب منه قرشاً من أجرته. يعطيه ذاك القرش مكرهاً.
يشتري به الورقة ثم، ومن دون تفسير، يعطي ورقة اليانصيب إلى من يحب التي
تدخل بها على أبيها المتديّن فيأمرها برميها في الشارع. يتلقفها صبي
ويعطيها للأهبل. الأهبل يفوز بها في اليوم التالي.
بالطبع سيشعر طه أنه سُـرق عندما يكتشف ما فعله والد خطيبته لكن
المفاجأة هي أن صاحب المحل وإبنه يدّعيان أنهما صاحبا الورقة، ثم ينضم
إليهما آخرين كل يدّعي الأمر نفسه. تنشب معركة بالأيدي يفضّـها البوليس.
لكن النفوس لا تهدأ ويقوم المخرج بإستعراض إزدواجية المواقف (حتى الأب الذي
استنكر على إبنته اليانصيب "عايزة في آخر الزمن تلعبي قمار؟" ينقلب يلوم
نفسه).
مع أن الحبكة ذاتها لا تخلو من إفتراضية كبيرة، إلا أن المخرج يستغل
إحتمالاتها الصغيرة ليصنع الفيلم الذي يريد. ينجح في تفجير الوضع على نحو
جيّد ولو أن الفيلم نفسه يبقى مطّـاط المواقف في أكثر من مكان. بالتالي،
وتبعاً لهذا النجاح، يعبّـر صالح عن وضع الحارة عندما تهبط عليها نعمة
تنقلب إلى نقمة، وكيف يؤثر ذلك على المواقف. هذه الدراما هي حول مجتمع
محكوم بالقدرات المحدودة وأحلام الثراء الذي لن يستطع سوى السير في مكانه
الواحد.
الفيلم مصوّر بأسره داخل الحارة عاصراً رمزياتها لكن ما يزعج هو تلك
الموسيقا (عبدالعزيز محمد)التي لا تريد أن تنتهي وتمثيل عبدالغني قمر لدور
الأهبل الذي يتكرر من دون تمحيص حقيقي ينتج عنه تشخيص واقعي. كذلك بعض
السذاجة في تصوير حالات أريد تصوير تناقضاتها مثل المشهدين
المتقاطعين: واحد بين توفيق الدقن وعشيقته (الحب الخاطيء) وآخر بين شكري
سرحان وحبيبته (الحب البريء). لكن عين المخرج على البعد الإجتماعي يبقى
الأهم والأكثر مدعاة للتقدير حيث يستعد الفرقاء للتخلّـي حتى عن قناعاتهم
الدينية حبّـاً في الثراء إنعكاساً (وهذا هو لب المقصود في الفيلم) لوضع
معوز ومستقبل مسدود.
في النهاية يتم زواج طه من خديجة، لكن النهاية ليست سعيدة على نحو
ساذج، لأن المعز أكلت الثروة التي كان الأهبل ربحها وأخفاها.
مدونة ظلال وأشباح في
20/08/2013
توفيق صالح
يحيى الرخاوى
نعت لنا وسائل الإعلام الرسمية وغيرها نبأ رحيله مخرجاً مبدعاً،
وصديقا كريما، وإنسانا جميلا، فقفز لى حاضرا معى كما يحضر كل خميس وأنا
استلهم تدريبات شيخنا نجيب محفوظ فى موقعى، قفز لى يطمئننى على مصر، وعلى
ناسها، وعلى المستقبل وعلى الإبداع، التفت جانبى فإذا بنجيب محفوظ يربت على
كتفى صامتا، لكننى لمحت عينيه تترقرق بدمعة قرأت فيها مصر وتوفيق وكدر
الحضارة وكدح الإيمان، أجهشت على شرط ألا يسمعنى أحد.
رجعت إلى أوراقى، ووجدت أننى سجلت عن توفيق صالح مع نجيب محفوظ ما
يملأ عشرات الصفحات من الخمسمائة، والثمانمائة صفحة التى ملأها كتاب "فى
شرف صحبة نجيب محفوظ" مع أننى لم أسجل لقاءاتنا (كتابة ومن الذاكرة) إلا ما
بين 16/11/1994، 17/8/1995، ماذا اقتطف من كل ذلك لأنعى هذا الراحل.
هل يحتاج الأمر للتعريف به؟ تكفينى الإشارة إلى ما ورد عنه فى كتاب:
"السينما الواقعية فى مصر" للكاتبة الألمانية "إيريكا ريشتر"، صادر عن دار
نشر هنشل -سلسلة الفن والمجتمع – برلين 1974.
أما عنى فتكفينى الإشارة إلى فيلمه "المخدوعون" لمن نسى، خاصة هذه
الأيام، من هو عدونا الحقيقى طوال سبعين عاما، وهو هو السبب الفعلى لما نحن
فيه حتى الآن (2013).
أكتفى اليوم بمقتطف مما كتبت عن أول تعرفى عليه
"فى شرف صحبة نجيب محفوظ " الاثنين: 19/12/1994
"....
كنا نفس الأشخاص الذين صاحبناه يوم
عيد ميلاده منذ أسبوع، وزاد علينا صديق حميم جدا، كان الأستاذ
منذ التقيته يردد علىّ اسمه، وكان يسألنى عن موعد عودته من
الخارج، مع أننى أكدت له أننى لا أعرفه إلا بصفته العامة من بعيد وبشكل
أقل من قيمته غالبا، وبالتالى لا أعرف تحركاته، ولا أعرف شيئا عن سفره أو
عودته، وكنت أدهش لتعجب الأستاذ من جهلى بصديقه هذا، وتصورت أنه يفترض أنه
بما أنه صديقه جدا، وأنا أصبحت قريبا جدا، فلا بد أننى أعرفه، وأعرف
علاقتهما، وأعرف أخبار صديقه هذا فى حله وترحاله بداهة، المهم هذا الصديق
الصدوق كان متواجدا أثناء الحادث خارج مصر، وبمجرد أن عاد، عاد،
ورأيت فرحة الاستاذ بعودته، عرفت كم يعنى وجوده للأستاذ، وكم
تتميز علاقتهما عن كل ما رأيت، هو الاستاذ توفيق صالح،
المخرج المصرى المتميز، والحرفوش المخلص (المتبقى من الحرافيش
القدامى الحقيقيين).
.....
هل أكمل اقتطاف ما تيسر مما يناسب الحال الجارى فى هذه الزاوية
الكريمة؟
اليوم السابع المصرية في
20/08/2013
نموت ويموت الوطن
يحيى الرخاوى
أرجعنى رحيل توفيق صالح إلى بعض ما كان بيننا مثلا:
"الجمعة: 13/1/1995: فى جلسة مع المرحوم توفيق صالح والأستاذ
نجيب محفوظ حضرها محمد ابنى قلت لمحمد: "ماذا كنت تعنى حين قلت أمس
للأستاذ أنه لم يعد ينتمى للبلد إلا الإرهابى لدرجة أنه- دون غيره- يتصور
أنه يضحى بحياته من أجلها؟ وأعدت عليه قول الأستاذ أمس إنه لو صح ذلك، فقد
تحول الهتاف الرائع، "نموت ويحيا الوطن"، إلى واقع مؤلم يقول: "نموت، ويموت
الوطن معنا".
قال محمد: "إن الشعور الذى نفتقده أنا ومن مثلى هو
أن الواحد منا لا يمتلك هذا البلد، لا يمتلك الشارع،
لا يمتلك المقهى، فى حين أن جيلكم، كان يمتلك البلد فعلا،
وهذا هو ما كان يدفع الواحد منكم أن يدافع عنها، ويضحى فى
سبيلها ويتمرغ فى ترابها.
رد توفيق صالح مخاطبا الأستاذ :"إن
جيلنا لم يكن يمتلك البلد بالصورة التى يتحدث عنها
محمد، بل الإنجليز هم الذين كانوا يمتلكون البلد،
ويمتلكوننا بالمرة".
رد محمد: "إن وجود الإنجليز لا يمنع
الشعور بالامتلاك، قد أشعر أننى أمتلك الشىء حتى لو كان
فى حوزة غيرى، فأنا مالكه برغم أن غيرى يستولى عليه الآن، لكن ما
دام هو ملكى فسوف يعود إلىّ، بل إن سعيى لاسترداده، قد يزيد من شعورى
بامتلاكه".
قال الأستاذ: "إن الجيل الأكبر والسابق والأسبق كان
يولد فى "وطن"، ويعيش فى"وطن"، ويملأ وعيه ما هو
"وطن"، ثم حلت مسائل أخرى بجوار ما هو "وطن"، ذلك أن
الأمور تطورت فحل الدين والأيديولوجى محل الوطن "إسلامية"
"لا قومية"، وكذلك "أممية شيوعية".
وحين انهار الاتحاد السوفيتى، وصار
التعصب الدينى إلى ما صار إليه، لم يعد الشباب يتبين
ما هو الوطن فكان هذا الضياع الذى آلمنى والذى أعلن عنه
محمد".
قلت: "إذن فالمسألة ليست أن الشاب الإرهابى هو الذى
يشعر بالمسئولية، وبالتالى فهو الذى ينتمى إلى ما تبقى من وطن، وحتى لو
أنه يشعر بمسئولية ما فهى مسئولية ضد الوطن، وليست لصالحه ، ثم
إن مسئوليته المزعومة تنقلب إلى دافع أعمى لتحقيق ما
يفتقده شخصيا من حق الإنتماء إلى أرضه وناسه إلى التمسك
المتعصب بأجزاء المفاهيم التى حشروها فى دماغه....إلخ.
اليوم السابع المصرية في
21/08/2013
غياب آخر مخرجى العصر الذهبى
بقلم سمير
فريد
بعد ساعات من وفاة رفيق الصبان، مساء السبت الماضى، توفى صباح الأحد
توفيق صالح، آخر مخرجى العصر الذهبى للسينما المصرية «١٩٣٣ - ١٩٦٣»، وأحد
الأعمدة الكبيرة فى تاريخها، وفى تاريخ السينما العربية، ومن عدد قليل من
مخرجى السينما العرب، الذين تجاوزوا الحدود إلى العالم الواسع بأفلامهم،
ويندر وجود ناقد أو مؤرخ بأى لغة من لغات الدنيا لا يعرف توفيق صالح.
ولد فقيدنا فى الإسكندرية فى ٢٧ أكتوبر عام ١٩٢٦، ودرس فى كلية
فيكتوريا الثانوية وتخرج ١٩٤٤، ثم فى قسم اللغة الإنجليزية فى كلية الآداب
جامعة الإسكندرية عام ١٩٤٩، ودرس الأدب والسينما دراسات حرة فى باريس من
١٩٥٠ إلى ١٩٥٣. إنه ابن الإسكندرية ومن ثمار ثقافة الإسكندرية بامتياز مثل
زميل عمره يوسف شاهين، وهو صاحب نظرية سينما القاهرة وسينما الإسكندرية،
فقد قال لى يوماً إن السينما المصرية تنقسم إلى فريقين كبيرين الأول سكندرى
أو مدرسة الأفق المفتوح من توجو مزراحى، والآخر قاهرى أو مدرسة الشقق من
محمد كريم.
أخرج توفيق صالح ١٨ فيلماً منها ٧ أفلام روائية طويلة و١١ فيلماً
تسجيلياً قصيراً منذ عام ١٩٥٤ وحتى عام ١٩٨٠، وهو عدد يبدو قليلاً
بالمقارنة مع أعداد أفلام مخرجين آخرين، ولكنه العدد المعتاد للمخرجين،
الذى تحركهم دوافع فكرية وفنية لصنع الأفلام.
عندما صدرت جريدة «الأهالى» فى السبعينيات كان الصحفى الذى يعمل فى
جريدة «قومية» مثلى وينشر فيها يتعرض للعقاب، وكنت من بين كتابها، ولكن
باسم مستعار، وقد اخترت أن يكون كامل توفيق نسبة إلى كامل التلمسانى وتوفيق
صالح، فكلاهما عندى أكبر متمردين فى السينما المصرية، وبينما دفع التلمسانى
الثمن، وهاجر إلى لبنان حيث توفى عام ١٩٧٢، كان الثمن الذى دفعه صالح عشر
سنوات بعد فيلمه الروائى الأول «درب المهابيل» لم يستطع فيها إخراج فيلمه
الثانى، واكتفى بإخراج عشرة أفلام تسجيلية قصيرة من ١٩٥٥ إلى ١٩٦٥، وبفضل
القطاع العام أخرج ثلاثة أفلام روائية من ١٩٦٧ إلى ١٩٦٩ وهاجر إلى الأردن
وسوريا والعراق من ١٩٧٠ إلى ١٩٨٠ حيث أخرج فيلماً فى سوريا وآخر فى العراق،
وفى العراق أيضاً أخرج فيلمه التسجيلى القصير الأخير، ثم عاد إلى مصر عام
١٩٨٣، ولم يتمكن من صنع أى فيلم جديد حتى وفاته بعد ثلاثين سنة.
فاز فيلم توفيق صالح السورى «المخدوعون» بالجائزة الذهبية فى مهرجان
قرطاج عام ١٩٧٢، وعرض فى «نصف شهر المخرجين» فى مهرجان كان، ونال المخرج
الفنان وسام العلوم والفنون من مصر عام ١٩٦٧، ومن تونس عام ١٩٨٨، وفاز
بجائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام ١٩٩٧، وصدر عنه أكثر من كتاب ومئات
المقالات والدراسات بعدة لغات، وربطت بيننا صداقة عميقة من ١٩٦٤ إلى ١٩٩٤
حتى إن هناك كتاباً صدر للباحث جلال الجميعى عام ٢٠٠٦ بعنوان «رسائل توفيق
صالح إلى سمير فريد»، لقد فقدت السينما مخرجاً كبيراً، وفقدت شخصياً بعضاً
من روحى.
samirmfarid@hotmail.com
المصري اليوم في
21/08/2013
توفيق صالح يتحدث
بلال فضل
«اخترت يوم الهول يوم وداع.. ونعاك في عصف الرياح الناعي»، كما قالها
أمير الشعراء في وداع الكاتب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي، نقولها في وداع
المخرج الكبير توفيق صالح الذي جاء رحيله في هذه الأيام الحزينة ليكون
نهاية متسقة مع مشوار حياة رجل عاش غريبا عن وسط حاربه الكثيرون فيه بضراوة
لأنه قرر أن يكون مختلفا ومتفردا، رجل كبير دفع ثمن مواقفه الفنية
والسياسية غاليا: تضييقا في الرزق ومحاربة من الرقابة وتطفيشا من المؤسسات
الرسمية وغربة خارج الوطن ثم غربة داخله بعد عودته إليه. أسعدني زماني
بمعرفة العم الجميل توفيق صالح، وتشرفت في عام 1998 بإجراء حوار مطول مسجل
معه يوثق مسيرته الفنية، لكنني لم أجد صحيفة توافق على نشره كاملا للأسف
الشديد، وحتى أقوم بنشره في كتاب هذه مقاطع قصيرة منه تبعث على مزيد من
الأسى لفقده ومزيد من الأسف لما صرنا إليه:
·
بعد عودتك إلي مصر بعد مشوار
الغربة قوبلت بنكران سينمائي؟
ــ كل ما ألاقي حد يوافق يشتغل معايا. بعدها بأسبوع أو أتنين يقول لي
لا، بلاش أنا مش هاشتغل، وأكتشف أن بعض الزملاء يروحوا يحذروهم «ده راجل
أفكاره غريبة».
·
ماكانش في مشاريع سينمائية تحمست
لها؟
ــ كتير. بس مين ينتجها. أول ما جيت كنت أروح للمنتج وأخبط عليه
وأتناقش معاه. لكن من كثر الصد اللى شفته إحتراما لنفسي بقيت أرفض أروح لأي
حد، أنا عندي تليفون واللي عايزني يطلبني، (يضحك بمرارة) وطبعا ماحدش اتصل
بيّ.
·
بعد هذه المسيرة الطويلة من
المشاكل والصراعات. بماذا تحس؟
ــ حاسس إني تعبت. يعني أنا كنت دايما عشان أعمل فيلم أتعب ومدة
الراحة هي مدة تنفيذ الفيلم بس ومافيش فيلم منهم وصل للمستوى اللى أنا
عايزه. أعتقد لو كنت استمريت في السينما كنت عملت علامة.
·
إزاي بس يا أستاذنا إنت عملت
علامة مهمة جدا؟
ــ (بمرارة شديدة) لا.. أنا في نظري كلها محاولات لعمل حاجة.
·
لما يتعمل استفتاء عن أحسن 100
فيلم في تاريخ السينما المصرية فيتم اختيار 4 أفلام ليك وأنت لم تخرج سوى 5
أفلام في مصر وفيلمين خارجها. ألا يعني ذلك أنك صنعت علامة مهمة؟
ــ يعني.
·
بماذا تحس عندما ترى الأجيال
الجديدة تحدثك عن أفلامك؟
ــ بابقى سعيد جدا. لكن عموما أنا أعتقد أنني مشروع لم يتم. وعندما
أوازن بين طموحاتي وما حققته أعتبر إنني بني أدم فشل في حياتي، برغم ما
يقال حولي وحول أفلامي.
·
لو رجع بك الزمن هل تكون أقل
صداما؟
ــ أنا اكتشفت أنني في شبابي برغم أنني كنت عنيفا أحيانا في محاولة
تنفيذ ما أريد لكنني كنت ساذجا وأكثر طيبة برغم إدعائي الوعي وكنت في لحظات
عبيط وأثق في الناس ولم أكن أعتقد أن هناك ناس بتوع فكر وإبداع يمكن أن
يكونوا على مستوى من الحقد والوحاشة. لو رجعت زمان بوعيي بتاع النهارده كنت
أفوِّت حاجات كتيرة بس المهم أشتغل وما أضيعش وقتي في صدام مع الناس
ومقاومة أفكار معينة. كان عملي يعبر عن اللى أنا عايزه وخلاص بس اللى حصل
إن وقت كتير من وقتي ضاع في خناقات. عشان أكون صادق ساعات طلب مني أفلام
زمان ما اعرفش أعملها والله ما اعرف أعملها.
·
زي إيه؟
ــ في واحد جه جاب لي كمية فلوس قد كده ما اعرفش هم كام، طلب مني أعمل
أفلام بورنو للخليج. كان ده في أواخر الخمسينات قبل صراع الأبطال بشوية.
كنا في القهوة اللى على ناصية شارع سليمان الحلبي والتوفيقية. كمية فلوس
كبيرة بس أنا ما اعرفش أعمل ده.
·
شايف المستقبل إزاي؟
ــ أنا مرعوب منه. ولما ولادي عمالين يقولوا لي نسيب مصر عمال بالعند
أقعدهم وأقول لهم مستقبلكم هنا برغم إني مرعوب من مستقبل هذا البلد. دولة
كذابة بتنشر الكذب. هل تصدق أن اقتصادنا بقى من أحسن اقتصاديات العالم. في
كلام الواحد مش عايز يقوله. إنما الأكاذيب والمبالغات عيب. دا إحنا خسرنا
67 بسبب الأكاذيب والمبالغات. إنت لما كنت تسمعنا قبل 67 كنت تفتكر مصر
دولة عظمى. إيدن الخِرِع ومش عارف إيه، وبعدين في 6 ساعات اتهزمنا. على رأي
صديق لي في 67 قبل إعلان الحقائق قلت له إحنا رحنا خلاص. قال لي إزاي قالوا
لنا ذخيرة فاسدة وصدقنا دلوقتي هيقولوا لنا إيه. وطلعوا وقالوا لنا نكسة.
يعني في حاجات الشعب المصري ماخدش حقوقه عشان يقول حتى كلمة لا. ومش باين
هياخدها. وخنوع هذا الشعب مرجعه في الـ 200 أو 300 سنة اللى فاتت من القهر
والاحتياج للقمة العيش. الشعب مذلول من احتياجات لقرش في إيده وضيّع كرامته
وتحمل المهانة.
·
سؤال يشغلني عن نجيب محفوظ صديق
عمرك وتجربته في العلاقة بالسلطة.. استطاع التعايش مع السلطة وقال ما
يريده؟
ــ نجيب محفوظ طول ما معاه قلم في إيده وقاعد في أودة لوحده يكتب من
أشجع ما يمكن وأقدر ما يمكن في إبداء الرأي وكذلك في جلساته الخاصة جدا.
لكن أمام السلطة هو موظف صغير جدا حتى لو كان رئيس مؤسسة يفضل بكل تقاليد
وتخوفات الموظف الصغير.
·
ليه؟
ــ اتربى كده.
·
ولاّ عشان البلد دي ما ينفعلهاش
غير كده؟
ــ لا.. هو اتربى كده. هو يعرف أن الرئيس ليه سلطاته ولذلك جت في
مرحلة معينة بقى يكتب قصص رمزية.
·
انت ما عرفتش تعمل ده.. لأن
الأداة مختلفة؟
ــ أولا لأن الأداة مختلفة.. وأنا اختلف مع نجيب في أن عمري ماتربيت
كموظف وعمري ما وطيت رأسي لرئيس وعمري ماكان لي مدير، دايما كنت أشعر أنني
حر ولكن قاصر عن القدرة على الفعل، حر في داخلي ومعزول وقاعد في ركن
وباتفرج ومستخبي لحد ما أخلص. وباطلب حسن الختام علي رأي العواجيز».
الفاتحة أمانة للأستاذ توفيق صالح. ألف رحمة ونور تنزل عليك أيها
الرجل العظيم.
نشر فى : الأربعاء 21 أغسطس 2013 - 5:02 م
الليلة .. عزاء توفيق صالح بالحامدية الشاذلية
الشروق
تقيم أسرة المخرج الكبير الراحل توفيق صالح، عزاءه فى مسجد الحامدية
الشاذلية بالمهندسين، بعد ظهر اليوم الأربعاء، حسب تصريح المخرج مسعد فودة
نقيب السينمائيين.
وكان المخرج الكبير قد وافته المنية صباح الاحد بعد صراع مع المرض، عن
عمر ناهز 87 عاما، وتم تشييع جنازته من مسجد سيد مكاوى ودفن بمقابر العائلة
بطريق الفيوم.
وقامت جمعية بيت السينما بعزاء أسرة المخرج الراحل توفيق صالح، فى
بيان، قالت فيه: «يتقدم مجلس إدارة جمعية بيت السينما إلى الوسط السينمائى
وإلى أسرة المخرج الكبير الراحل توفيق صالح بخالص العزاء، وتعرب عن حزنها
العميق لرحيل أحد أهم مخرجى السينما فى مصر والعالم العربى».
وأضاف البيان: «توفيق صالح ممن أعطوا للسينما خلاصة فكرهم المستنير
وجل جهدهم، لإبداع فن ملتزم بقضايا الجماهير العربية والوطن الكبير.. لا
نقول وداعا مخرجنا الكبير، بل نقول إلى لقاء فى عالم الخلود والبقاء.
الشروق المصرية في
22/08/2013
الفنانون يغيبون عن عزاء توفيق صالح
كتب : نورهان طلعت
غاب الفنانون عن عزاء المخرج الكبير توفيق صالح، الذي أُقيم أمس بمسجد
الحامدية الشاذلية، حيث حرص على تقديم واجب العزاء المخرج داود عبدالسيد
ود.عماد أبوغازي، وزير الثقافة الأسبق، ومدير التصوير محمود عبدالسميع،
ومصمم الديكور أُنسي أبوسيف، وعدد من المثقفين.
الوطن المصرية في
22/08/2013
رحيـــــل ســـــندبــاد الســـينما العـــربيـــة تــوفيق
صــالــح
سؤال يخطر في البال ما الذي يجعل مبدعاً بقامة المخرج السينمائي
المصري توفيق صالح الذي رحل عن دنيانا قبل أيام أن يأخذ قراراً بالابتعاد
عن الكاميرا وكادر التصوير وهو في قمة عطائه، ليختار مهنة التدريس في
المعهد العالي للسينما في مصر، ليقف على واقع صناعة الصورة السينمائية في
مصر من خلال متابعة أحوال طلاب عسى أن يتخرج من بينهم من يصبح في لحظة ما
مبدعاً سينمائياً يتبنى أحلامه التي ضمنها أفلامه التي أخرجها وكانت علامة
فارقة في تاريخ السينما المصرية والعربية، فاختار بناء الإنسان المحمّل
بأفكار وقيم قد تنهض بهذه الصناعة لتتجدد بتجدد مبدعيها وصنّاعها. ولد
توفيق صالح في الاسكندرية عام 1926 ودرس السينما في باريس، وأثناء دراسته
عمل مخرجاً مساعداً في أفلام فرنسية متنوعة، مما أكسبه إلى جانب الدراسة
الخبرة الميدانية، اللتين كان لهما كبير الأثر في تصنيفه في خمسينيات القرن
الماضي كأحد سينمائيي الواقعية المصرية، قبل أن يتعرف إلى دائرة حرافيش
الروائي نجيب محفوظ حيث كان مدخله الأدبي إلى السينما، فقد كان محفوظ حينها
ناشطاً في مجال السينما، فساعده على اختراق عالم الصورة بتعاونه معه في أول
أفلامه "درب المهابيل" خاصة وأن محفوظ روائي متمكن في رسم الملامح الشعبية
للحارات والفضاءات الإنسانية المصرية، مما سهل طريق صالح إلى عوالم وتفاصيل
أدب محفوظ، قبل أن يكتشف في ذاته تلك القدرة الإبداعية على توظيف اللغة
السينمائية في مقاربة الحكايات، وقد اتهم صالح بأنه مخرجاً نخبوياً بسبب
اعتماده في أغلب أفلامه على نصوص أدبية، كما كان منفتحاً عل الفنون والآداب
الأخرى التي دعمت عمله المميز الذي كان يسعى من خلاله إلى تأسيس رؤية
جمالية، دعمها بدراسات لفنون الرسم والتصوير وعلم الجمال، إضافة إلى هذا
الانحياز الجمالي عمل صالح على التفكير في السينما كأداة للتغيير والتوعية
حين عاد إلى القاهرةعام 1953.
بعد نكسة حزيران وما أحاط بها من تشكيك في جدوى المشروع القومي ذاته،
أصابته حالة من الاغتراب والنفي وخصوصاً مع تراجع دور المؤسسة العامة
للسينما في مصر فقرر الرحيل وتنقل بين سورية والعراق الذي استقر فيه لتدريس
السينما حتى لُقب بـ "سندباد السينما العربية".
في عام 1962 أخرج صالح فيلم "المخدوعون" انتاج المؤسسة العامة للسينما
في سورية، عن رواية "رجال في الشمس" للأديب الشهيد غسان كنفاني حيث نال
عليه العديد من الجوائز عربياً وعالمياً، وكان متوقعاً لتجربة توفيق صالح
المزيد من التألق لولا ظروف الانفتاح الاقتصادي في مصر وطغيان موجة الأفلام
التجارية، فغادر إلى العراق واستقر فيه، وأخرج فيلم "الأيام الطويلة" عام
1980 عن الرئيس صدام حسين، ولم يوّفق في هذا الفيلم كثيراً، فقرر العودة
إلى مصر في منتصف الثمانينيات، لكن كان ثمة جيل آخر يعلن مشروعاً مختلفاً
هو جيل عاطف الطيب وخيري بشارة ومحمد خان وداود عبد السيد، هذا الجيل الذي
تجاوز لغة الرمز التي ميزت سينما صالح وراح يوجه نقداً جمالياً واضحاً لكل
ما عاشته مصر، هذا النقد الذي لم ينج منه جيل صالح نفسه.
قدّم صالح مجموعة من أروع الأفلام السينمائية التي نالت الكثير من
الجوائز العالمية، حتى أن أربعة من أفلامه أُدرجت ضمن قائمة أفضل مئة فيلم
عربي على الإطلاق وهذه نسبة تفوّق فيها صالح على مجايليه السينمائيين،
ولُقب بشيخ المخرجين، وهو الذي اهتم على مدى تاريخه السينمائي بالكيف وليس
بالكم.
اعتبر النقاد صالح أباً للسينما الواقعية وحول هذا قال: "الواقعية في
السينما كان لها تاريخ معين تبدو فيه ملامحها واضحة وحقيقية، وكانت تصلح
بين جيلنا، ولكن الآن الواقع مليء بالقلق والحيرة والضبابية في كل شيء، فلم
يصبح لسينما الواقعية مكان حيث اختفى هذا اللون، وأصبحت السينما اليوم
شيئاً غير الذي كنا نحلم به، فقد كنا نحلم أن تكون للعرب سينما راقية تعلم
الناس وترتقي بهم وبأذواقهم.
فبعد المحاولات الجادة انحرفت السينما الربية وتلونت وسلكت طريقاً آخر
تماماً واهتمت بمواضيع تافهة وهابطة تخاطب غرائز الإنسان.كان توفيق صالح
يسعى دائماً إلى ابتكار لغة سينمائية خاصة جعلته رمزاً يمثل عطاء جيل كامل
رغم قلة أعماله، وظلت السينما التي قدمها توفيق صالح تعبر عن سينما الأمس
وسينما اليوم أيضاً، وتستشرف المستقبل بما طرحته من قضايا وهموم المواطن
العربي بشفافية وصدق.
بلغت الأفلام الروائية الطويلة التي أنجزها توفيق صالح سبعة أفلام هي:
"درب المهابيل 1955، صراع الأبطال 1962، المتمردون 1966، السيد البلطي
1967، يوميات نائب في الأرياف 1968، المخدوعون 1972، الأيام الطويلة 1980"،
والأفلام التسجيلية والقصيرة أيضاً سبعة وهي: "كورنيش النيل 1956، فن
العرائس 1957، نهضتنا الصناعية 1959، من نحن؟ 1960، وهو فيلم باللغة
الإنجليزية عن اللاجئين الفلسطينيين، نحو المجهول 1960، القلة 1961، فجر
الحضارة 1977 (إنتاج العراق وهو عن الحضارة السومرية القديمة)
البعث ميديا- البعث
البعث السورية في
22/08/2013 |