"الفيلم قاسٍ جداً ويثير القهر. هل تمكنتم من مشاهدته الى النهاية؟".
لم تجد مونيكا بيللوتشي الا هاتين الجملتين، لترميهما أمام حفنة من
الصحافيين المتربصين بأقل خطوة تقوم بها هذه الايطالية الساحرة، وهي تنتقل
بفستانها الأسود الذي لا يكشف الا القليل من مفاتنها، من وسيلة اعلامية الى
أخرى، في قصر "السعدي" المراكشي، حيث خُصصت طبقة كاملة لاستقبالها وتنظيم
لقاءاتها مع الصحافة. هي هنا في مراكش لترافق الحملة الترويجية، غير
الرسمية، لفيلم بهمان قبادي "موسم الخرتيت" الذي اكتفى مبرمجوه بعرض واحد
لا غير، وسط دهشة مجمل من التقيتهم من نقاد ومشاهدين.
"موسم الخرتيت" عمل متشعب سياسياً وسينمائياً، استحق عنه قبادي
تصفيقاً طويلاً في مهرجان تورونتو الأخير، ووضع مارتن سكورسيزي عليه اسمه،
بعدما اعرب عن اعجابه بنص واحدٍ من ابرع السينمائيين الايرانيين الأكراد.
لكن، نحن هنا في هذا اللقاء في مهرجان مراكش للتكلم عن مونيكا، مونيكا فقط،
ولا أحد غير مونيكا، وإن يكن الحديث معها اشبه بمباراة شدّ حبال. فهناك، في
مجموعة مقابلات كنتُ شاهداً عليها، مَن يريد أخذها الى أسئلة عامة عن ماركة
المستحضرات التي تستعملها او رأيها في لحم البقر المجفف، اما هي فتجرّ
السائل مجدداً الى الفيلم، عمداً وبلا حرج. لا شيء يقنع سيدة للتوقف عن
الكلام عما تحبه. فكيف اذا كانت هذه السيدة ممثلة وايطالية، وتعرف اين تريد
أن تذهب بعدما باتت على مشارف الخمسين. الشريط يرفعها الى مرتبة أخرى من
مسارها. لم تعد بيللوتشي تلك المرأة التي كان مصير قرية بكاملها معلّقاً
عليها ما إن يدوس كعبها العالي الرصيف. في "موسم الخرتيت"، هي سيدة معذبة،
ذات عينين ذابلتين تراجيديتين، وصاحبة قدر يحيلها على العيش رغماً عنها مع
رجل لا تحبه، بعد أن يصبح الرجل الذي تحبه في قبضة الثورة الاسلامية في
ايران. باختصار، من الواضح هنا، ان بيللوتشي اقرب الى كلوديا كاردينالي
منها الى ماريلين مونرو. هذه الشيخوخة التي كانت من مستلزمات الحكاية،
والتي تزيل عنها مسحوق الغلامور، جعلت احدى الصحافيات تسألها: "لماذا تبدين
عجوزاً الى هذا القدر في الفيلم؟". صمت مهيب يسود فجأة الصالة ويتبخر
السؤال السميك كنفخة سيجارة في الهواء...
حين جاء دوري في محاورتها، جئتها بسؤال تقليدي: "لماذا اخترتِ ان
تشاركي في هذا الفيلم؟ هل كان تضامناً مع مخرج تعرض للاضطهاد أم بدافع
الاقتناع بمشروع سينمائي يخرج عن الدروب المطروقة؟". كان ردّها بسيطاً:
"موهبة بهمان قبادي هي التي أثارت أنتباهي. عندما تقابلنا واقترح عليَّ
الدور، كنتُ سعيدة جداً لأنني سأكون جزءاً من سينماه. أكنّ أحتراماً كبيراً
للأفلام التي صنعها في حياته. هذا مخرج لم تكن حياته سهلة، والسينما التي
قدّمها يمكن اعتبارها صرخة غضب. النحو الذي يصوّر فيه الأشياء يجعل عمله
ثورة شخصية، في مكان ما. ودائماً من خلال مجموعة أفلام عانى من أجل
انتاجها. ما كان يهمّني هو أن أكون في عالم مختلف عن ذلك الذي كنتُ فيه الى
الآن. وايضاً في موقع غير ذلك الذي أنا فيه الآن، اقصد موقع المرأة الحرة
والمستقلة".
كان من البديهي ان اعرف منها رأيها في الجانب العنيف للفيلم، هي التي
لم تتوان عن المشاركة في افلام حملت قدراً عالياً من القسوة والعدائية.
يكفي ان نتذكر مشهد الاغتصاب في "لا رجعة فيه" لغاسبار نويه. الجواب على
تعليقي سريع وغير قابل للذوبان في سوء الفهم: "نعم، هذا فيلم عنيف جداً،
لكنه يتضمن في الوقت نفسه مسحات شاعرية. هناك جماليات كثيرة، واعتقد أن
بهمان لجأ اليها، ليخفف من وطأة العنف والقسوة، وليجعلهما قابلين للتحمل.
قد يرى البعض ان الفيلم موجه ضد السياسة الايرانية المعمول بها حالياً في
ايران، لكن الواقع غير ذلك، اذ نرى ان سوء استخدام السلطة كان موجوداً في
ايران حتى في أيام الشاه. لذلك، ما يظهره الفيلم هو ماذا يمكن أن يحصل اذا
وقعت السلطة في ايدي الظالمين. هذا فيلم يتخطى الحدود الجغرافية للدولة
الايرانية، ويمس عناصر انسانية في بُعدها الشامل. ما يرويه الفيلم يمكن ان
يحصل في أي مكان. السؤال هنا: لماذا يستخدم الرجال نفوذهم لصناعة الخراب؟
لا يزال يصعب على الانسان الى اليوم استعمال ما يُمنَح من قدرة وسلطة.
علاقته بالسلطة لا تزال اشكالية. هذا ما جعل الفيلم يحمل جانباً شاعرياً.
لبهمان القوة المتأتية من الألم. في هذا، هو شبيه بمخرجي العصر الذهبي
للسينما الايطالية، من مثل روسيلليني وفيسكونتي وفيلليني ودو سيكا، الذين
كانوا أولاد الحرب العالمية الثانية. بمعنى آخر، كانوا أولاد الفقر والأمل
الذي لا ينكسر. التعبير عن آرائهم كان بالنسبة اليهم نوعاً من ادانة وكشف
النقاب عن الواقع المتأزم. هذا الشيء ينسحب ايضاً على قبادي، اذا ان الفنّ
بالنسبة اليه هو سبيل ليرفع صوته".
في الدقيقة الخامسة من المقابلة ذات الثواني المعدودة، حصل اختراق
رهيب وخروج على نص سينمائي جعل واحدة من اجمل النساء على الأرض تجلس على
بُعد سنتيمترات قليلة مني، اذ يحضّها احد الأسئلة المطروحة عليها على اشهار
كلام "خطير" عن جسدها. هذا الاعلان وحده يكفي للصحافة الصفراء في بلدان مثل
المغرب أو مصر أو تونس، لتنصيبها أميرة على الكافرات السينمائيات ومفسدة
للأجيال الصاعدة. تقول بيللوتشي: "استعمل جسدي كشيء. جسدي ليس بالمسألة
المهمة بالنسبة إليَّ. أرميه أرضاً وأتركه يشيخ وأفعل به ما أشاء. جسدي في
تصرف الدور الذي اضطلع به. الجسد هو آلة الممثل. والجسد يعرف الكلام أفضل
مما يعرفه اللسان. السينما مختلفة عن المسرح. السينما تعبر من خلال الصور.
أحياناً، الكلام الكثير في فيلم سينمائي يصطحب الفيلم الى قبره. الفيلم
ينطق من خلال عيون الممثلين والألوان والنحو الذي التقطت فيه المشاهد. كل
شيء مهم في الكادر: الطريقة التي تحرّك فيها يديك، الخ. أنا ايطالية،
وكيفية تحريك الجسد شيء غاية في الأهمية بالنسبة الى الايطاليين".
قليلاً قليلاً، يُقحَم النقاش في معمعة الحال الراهنة. رداً على سؤال
لزميل تونسي يريد منها تصريحاً نارياً يزيّن به مانشيت جريدته ويدين به مَن
يريد ادانتهم (على اساس انها لاعبة كبيرة في العلاقات السياسية!)، قالت
بيللوتشي وهي مرتبكة قليلاً لوجودها أمام مثل هذا الهمّ: "الثورة الاسلامية
خطرة. البلد الذي لا تكون فيه المرأة حرة ليس ببلد". طبعاً، ايطاليا لا
تبعد عن تونس كثيراً، مياه واحدة يسبح فيها الشعبان. ثقافة الرجل الفحل
موجودة في كلا البلدين. محور آخر، عودة الى ينبوع السينما. أسألها: "مع ايّ
نوع من السينمائيين تحبّين العمل؟ مع الذين يُكثرون من توجيهاتهم، أم أولئك
الذين يتركونك وشأنك ويمنحونك الحرية الكاملة؟ "أفضل المخرج الذي يعرف ماذا
يريد. هذا الصنف من المخرجين سيسمح لي ايضاً، أنا الممثلة، بأن اعبّر عما
في داخلي، لأنه يكون على قدر من الثقة بالنفس. اميل دائماً الى الممثلين
الذين يمتلكون رؤية معينة وواضحة ومحددة. لصناعة فيلم جيد، نحتاج الى
الكثير من المكوّنات، وهذا يصعب بلوغه، لأنه يحتاج الى أشياء عدة: مخرج
يعرف ماذا يريد، وطاقم من الممثلين يتلاءمون مع الشخصيات، وقصة مثيرة
للاهتمام. وبما انه من الصعب جداً ان يجتمع كل هذا في اطار زماني ومكاني
واحد، من الصعب جداً إنجاز الفيلم الجيد. في النهاية، يفعل الصنّاع ما في
استطاعتهم".
لبيللوتشي اليوم مشاريع سينمائية عدة، كشفت عنها في مراكش. اثنان من
هذه المشاريع مع أمير كوستوريتسا، هو الآخر موجودٌ هنا. "الأول قصة حبّ
تجري خلال الحرب سنصوّرها في صربيا وهذا فيلم من اخراج أمير وتمثيله ايضاً.
هناك ايضاً شريط سيصوّره أمير في المغرب وسيكون أول فيلم له باللغة
الفرنسية، عنوانه "حكاية مغربية"، مع طاهر رحيمي وليلى بختي، لكن اجهل كل
شيء عنه حتى هذه اللحظة".
hauvick.habechian@annahar.com.lb
النهار اللبنانية في
06/12/2012
عن ثلاثة أفلام مغربية في مراكش: كيف وصلنا الى هنا؟
مراكش - سعيد المزواري
لم يحدث أن نال فيلم من الأفلام التي مثّلت المغرب في دورات سابقة من
مهرجان مراكش السينمائي، ما ناله "يا خيل الله" لنبيل عيوش من التنويه لدى
النقاد والجمهور على حد سواء. هذا الشريط اقتباس من رواية "نجوم سيدي مومن"
للكاتب والرسام ماحي بينبين استوحاها من واقعة تفجيرات الدار البيضاء
الإرهابية (16 أيار 2003). يتتبع مسار أطفال منحدرين من حيّ سيدي مومن
الصفيحي، ويسرد كيف تحولوا تحت ضغط البؤس والحرمان إلى قنابل بشرية. قوة
فيلم عيوش في أنه يعرف جيدا نقطة وصوله ويشق طريقه نحوها من دون اعوجاج أو
مواربة. كل تفرعات السيناريو ومساراته تصب في لحظة الصفر حيث تضغط أصابع
شباب في مقتبل العمر على زناد التفجير. من أجل ذلك، تبنّى عيوش لغة
سينمائية كلاسيكية لا تبرح حدود ما يستلزمه الطرح. اسلوب رزين يبتكر
الإبداع من رحم السرد الخطي، يتخذ من ملعب لكرة القدم مرجعا لاختصار الزمن
ويرتفع بنا بين حين وآخر لاستشراف لقطات عامة بديعة لحيّ الصفيحي، أو ما
يسمى بـ"وجهة النظر الربانية". فيصبح التشويق نتيجة لاستشراف سؤال: "كيف
وصلنا إلى هنا؟"، بدلاً من "إلى أين نحن ذاهبون؟" الاعتيادي. على الرغم من
ذلك، اختل ميزان الرؤية الاخراجية في بعض المشاهد، فسقط في فخّ العاطفية
(على سبيل المثال: المشهد الذي يرى فيه الأخوان أمهما للمرة الأخيرة
فتوصيهما بجلب الدواء). لكن يبقى أن نقطة قوة مخرج "علي زاوا" الأساسية هي
براعته في الكاستينغ، بحيث اختار مرة أخرى الاعتماد على ممثلين غير محترفين
من أجل الاضطلاع بأغلب الأدوار. وكم كان هذا الاختيار موفقاً! "كلوز آب"
واحدة لوجه عبد الكريم رشيد في شخصية ياشين (الشخصية الرئيسية) تكفي
للاقتناع بذلك. لا تنتهي المشاركة المغربية لهذه السنة عند هذا الحد، حيث
يدخل "زيرو"، الفيلم المنتظر لنور الدين لخماري، غمار المسابقة الرسمية
صباح اليوم.
"ملاك" هو العنوان الذي اختاره المخرج عبد السلام الكلاعي لفيلمه
الأول الذي عُرض ضمن فقرة "نبضة قلب" عن فتاة قاصر تكتشف أنها حامل، فيتخلى
عنها والد طفلها لتجد نفسها في مواجهة محيط لا يرحم الأم العازبة ولا
يتوانى عن كيل القوالب الجاهزة تجاهها. يمتشق المخرج سلاح السخرية السوداء
لإظهار المفارقات الصارخة التي يعج بها المجتمع المغربي، معتمداً على حوار
ذكي وغير مهادن. أما الإخراج فقد تلون بتنويعات عدة تذهب من التقطيع
الكلاسيكي إلى تقطيع الفيديو كليب، مروراً بجماليات الكاميرا المحمولة
والأجواء الوثائقية التي ميزت مشهدي حلول الفتاة ملاك في نزل طنجاوي، يفترش
فيه النزلاء من المشردين وأفارقة جنوب الصحراء الأرض، ثم نقلهم إلى مركز
الشرطة. هذان مشهدان يمثلان، بلا شك، ذروة الفيلم على مستوى الاخراج
والدراماتورجيا. لكن بعض الهشاشة تتسلل إلى الفيلم من خلال تعدد مسارات
السيناريو ومراجعه التيماتيكية التي تؤدي إلى تشبع ظهر على مستوى الحكي،
وهذا فخّ يسقط فيه عادةً المخرجون في فيلمهم الأول حين يهمّون بالتصدي لكل
المواضيع التي تشغل بالهم دفعة واحدة، وكأنه آخر ما ينجزونه. كما أن بعض
المشاهد افتقرت إلى رؤية اخراجية وتقطيع مناسبين (مشهد العشاء في مطلع
الفيلم). في المقابل، يكشف الكلاعي عن حنكة بالغة حين ينتصر لنهاية مفتوحة
وغير متوقعة تتجنب دروب الميلودراما المقحمة، من تلك التي تستنجد بتعاطف
الجمهور.
أما خارج التشكيلة، فيُعرض الفيلم الكوميدي المغربي "الطريق إلى
كابول" لإبرهيم شكيري الذي يمزج بسخاء بين الكوميديا والحركة ليقتفي قصة
مجنونة يسقط من خلالها أربعة أصدقاء كانوا يحلمون بالهجرة السرية إلى
هولندا، ضحية عملية احتيال تحملهم إلى رحلة ملحمية نحو جبال أفغانستان والى
مغامرات ذات أخطار لا تحصى. جلب الفيلم جمهوراً واسعاً إلى صالات العرض
المغربية، مستعيناً بوصفة تجمع بين عفوية أداء الممثلين وسيناريو فذ لا
يُخرجهم من موقف هزلي إلا ليرميهم في آخر.
جيلان، الاسطنبولي المتشائل
س. م.
فيلمه الأخير، "ذات مرة في الأناضول" (2011)، تحفة سينمائية خالصة،
وفي اعتبارنا المتواضع أرفع ما تم تحقيقه السنة الماضية في مجال الفنّ
السابع. من خلاله، ومن خلال اسلوب متسم بنظرة سوداوية ولمسة انطباعية
خلابة، يمضي هذا الإسطنبولي الخمسيني في غياهب أسئلة الوجود والطبيعة
الإنسانية التي تشكل نخاع التيمات المحببة إلى قلبه. ستة أفلام (فقط!) هي
حجم فيلموغرافيا نوري بيلغي جيلان. غير أن متأمل قيمتها الفنية يجد نفسه في
كون فسيح من السحر السينمائي، يبدو كل عمل فيه مجرة قائمة في ذاتها، من دون
أن يمنع هذا ارتباطها بلحمة متينة هي ميزة اي مخرج مؤلف عن غيره. يقال إن
المخرجين المؤلفين يشبهون أفلامهم. هذا ما اختبرناه مع جيلان حين جالسناه
ذات أمسية من أماسي كانون الأول في حديقة فندق المامونية، على هامش الدورة
الحادية عشرة من "مهرجان مراكش الدولي للفيلم"، دقائق قبل أن يحل ضيفاً على
إحدى حصص الماستر كلاس (دروس السينما). الرجل جميل، هادئ وعميق... تماماً
مثل أعماله. لكن هذا الهدوء الظاهري يخفي بركاناً تعتمل داخله أسئلة ثائرة
حول كنه الحياة والوجود.
منذ كلماته الأولى، يقدّم جيلان مفتاحاً أساسياً للولوج الى عالمه:
"لا أضع حوارات كثيرة في أفلامي لأنني بكل بساطة لا أؤمن بالكلمات. أعتقد
أننا نضع كذباً كثيراً في ما نقوله بعضنا للبعض الآخر، لذا لا أثق كثيراً
بالكلام وأحاول دائماً أن أبحث عما هو مضمر خلفه". هذا ليس غريباً عمّن صرح
بأنه قرر أن يصبح سينمائياً حين شاهد ذات طفولة تحفة برغمان "الصمت" (1963)
وافتتن بها، من دون أن يفقه شيئاً يذكر من القصة أو الحوار! نحن هنا في قلب
اسلوب مخرج نجح في رفع تحدي التقاط لحظات الصمت والسكون الظاهري للنفاذ إلى
عمق مكنونات شخصياته وتناقضاتها الدرامية، ولنا في فيلمه الطويل الثالث "أوزاك"
(2002) أسمى درجات براعته على هذا الصعيد. فمن أين له هذه البراعة؟: "هناك
شيء ما غير سويّ في مسألة وجود الإنسان، وكوني لستُ ممن يلقون باللوم على
الآخرين، هذا يدفعني إلى السير في أعماقي للبحث عن تفسير ما. ربما تكمن
المشكلة في طبيعتي الخاصة. هناك صراع دائم بين عناصر الوجود، لذا لن يجد
الإنسان تناغماً تاماً مع روحه. أفلامي هي تساؤلات حول طبيعة الإنسان هذه.
وهي في جوهرها تساؤلات بسيطة".
هناك نظرة سوداوية وتشاؤمية تطبع أسلوب جيلان، فهل هي نابعة من تصوّر
واع وإرادي للوجود؟: "أتفق معكم في هذا الجانب. أفلامي تغلب عليها نظرة
تشاؤمية، لكنني أعتقد أن المرء حين يكون متشائماً، يسهل عليه أن يجد
التفاصيل التي تبعث على التفاؤل في الحياة. وهذا ما أحاول فعله. حين تكون
نظرتك إلى العالم متشائمة مثلي، تكون في حاجة لقدر من التفاؤل أكبر مما
يمتلكه الآخرون، فتجتهد في البحث عنه لتجعل حياتك أكثر قابلية للعيش. شعوري
أن الحياة لا معنى لها، لذا أعمل لجعلها ذات معنى، بالنسبة إليّ وإلى
الآخرين، ولكن بطريقة غير مباشرة. منهج إنجاز أفلامي هو الآتي: إيجاد معنى
الحياة يكمن في البحث عن تفاصيل متفائلة داخلها".
انها تلقائية المتأمل إذاً وحنكته في عكس تساؤلاته المركّبة في صميم
أعماله بصدق بالغ، لتخرج منها قصائد شعرية تلمس قلب المتلقي ووجدانه. هذه
التلقائية تجعل مقاربته للفضاءات المصوّرة ـ ربوع الأناضول على الأخص ــ
خاضعة بدورها لسلطة رؤيته الجمالية النافذة، بعيداً من الفولكلورية أو
الشوائب السياحية، كما ظهر ذلك جلياً في فيلمه "مناخات" (2006). حين سألناه
عن هذا المعطى وعن سر قدرته على تلافي فخّ النظرة الفولكلورية الذي لا يزال
جلّ السينمائيين المشرقيين يسقطون فيه، أطرق مفكراً قبل أن يمتشق ابتسامة
عريضة ويأتي جوابه مرة أخرى بسيطاً في مظهره، بليغاً في مراميه: "لا أعرف
بصراحة... أنا فقط أحكي الحياة كما أراها. بالطبع، عندما تعيش الحياة فأنت
لا تعيشها بطريقة فولكلورية بل تعيشها بكل أبعادها المعقدة. أعتقد أن المرء
ينجز أفلامه بتصور فولكلوري، حين يقيم حساباً لما ينتظر الآخر أن يشاهده
منه".
تلك هي البساطة السهلة الممتنعة التي تجعل من جيلان أحد أرفع المخرجين
المؤلفين على قيد الحياة. هو من أولئك الذين يجعلون عالمنا مكاناً أفضل
للعيش، فقط لأنهم يتيحون لنا أن نتذكر بين وقت وآخر، وقلوبنا ترقص طرباً،
أننا نتشارك واياهم سماء واحدة. هؤلاء المبدعون الذين لا يزال في وسعهم
مباغتتنا بأعمال خالدة، تؤكد ان زمن التحف لم ينتهِ.
النهار اللبنانية في
06/12/2012
مراكش السينمائي ينتصر لأفكار المبدعين الجدد
رسالة مراكش محمود موسي:
أميتاب شان,شاروخان, مونيكا بيلوتشي, إيزابيل هوبير, المخرج
الصيني الكبير زهانك ييمو, المخرج الامركي جوناتان ديم, المخرج الصربي
الشهير إمير كوستوريتسا , والمخرج البريطاني جون بورما ومن مصر النجوم
يسرا ونور الشريف والمخرجة إيناس الدغيدي إضافه إلي أكثر من100 نجم
وسينمائي من مختلف انحاء العالم هم الموجودون الآن في' مهرجان مراكش
السينمائي', وغيرهم من الأسماء والأفلام المهمة سواء في المسابقة أوخارجها.
هذا التميز يجعلنا نعيد طرح سؤال كل عام لماذا كل الكبار في العالم
يحرصون علي حضور إلي مراكش, والمشاركة في مهرجانها السينمائي الدولي؟.
الاجابة ببساطة ودون مواربة لأن للمهرجان دولة ترغب في استمرار نجاحه وأيضا
هناك اهتمام من أعلي سلطة ليعلو اسم المغرب ويتردد علي كل لسان بالحب
والتقدير, فلماذا لا يكون النجاح عنوانا مهما كانت هناك سلبيات او تجاوزات
فردية؟, و يبقي من الأساس حرص مؤسسة المهرجان برئاسة الأمير' مولاي رشيد'
علي أن يكون المهرجان في كل دورة من دوراته جديدا يحمل هدفا, وليس مجرد
إقامة لفعاليات سنوية سينمائية. ففي كلمة هذا العام قال الأمير مولاي رشيد:
إن الدورة الثانية عشرة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش والتي انطلقت
فعالياتها الجمعة30 نوفمبر تأتي تأكيدا للرؤية الملكية السديدة الهادفة إلي
النهوض بالسينما الوطنية والتي عرضتها الرسالة الملكية الموجهة إلي
المناظرة الوطنية للسينما, وقال: تلقينا أفضل هدية وأوضح خارطة طريق لعملنا
خلال السنوات القادمة كمهمة تعهد بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس من
خلال رسالة ملكية قوية بعث بها إلي المناظرة الوطنية للسينما التي انعقدت
في16 أكتوبر2010, مؤكدا:' بعد أن كنت قد عقدت العزم السنة الماضية باسم
مؤسسة المهرجان الدولي للسينما بمراكش بمناسبة دورته الحادية عشرة للاضطلاع
بدوري في المساهمة في تطوير السينما الوطنية من خلال ما تحمله في إبداعها
وتنوعها من وعود وآمال لا يسعني إلا أن أصفق بحرارة علي مبادرة صاحب
الجلالة الملك محمد السادسالذي أبي إلا أن يتبع النوايا بالأفعال الحية علي
أرض الواقع عبر رسالته التي دلنا من خلالها علي النهج القويم الذي علينا
اتباعه بأن نرسم بخط ثابت السبيل الذي من شأنه أن يضمن تحقيق أكبر إشعاع
للسينما المغربية, وأشار في ختام كلمته إلي أن الجهود المبذولة من قبل
الدولة ومؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش والسينمائيين المغاربة بدأت
تؤتي ثمارها بمشاركة فيلمين في المسابقة الرسمية لدورة هذه السنة. فعاليات
الدورة الثانية عشرة لمهرجان مراكش هذا العام والتي انطلقت الجمعة الماضية
وتختتم بعد غد السبت خصصت لتكريم السينما الهندية في مئوية تأسيسها وحضر من
نجومها حشد كبير تقدمهم' أميتاب شان وشاروخان', والأخير تم منحه وسام
الكفاءة الفكرية من الأمير رشيد. هرجان مراكش لا يقتصر تميزه علي حضور كبار
النجوم والمخرجين وتكريمهم بل إنه يعد واحدا من أهم المهرجانات التي تنجح
كل عام في اختيار نوعية ممتازة ومنوعه الفكر والمضمون للمشاركة في
المسابقة, وأكد نائب رئيس المهرجان مؤسسة مهرجان مراكش ورئيس المركز
السينمائي المغربي نور الدين الصايل أن معايير اختيار أفلام المسابقة توقف
عند مجموعة من الرهانات تشمل الدقة والإبداع في الكتابة السينمائية, فضلا
عن الرغبة في اكتشاف تجارب جديدة وتشجيعها.
ما قاله نور الدين الصايل كان واضحا ففي أول ثلاثة أيام من العروض بدا
واضحا أن أفلام المسابقة تحمل أفكارا تدور خارج صندوق المواضيع التقليدية
ففي ليلة الافتتاح جاء الفيلم التايواني' لمسة ضوء' والذي يشارك في
المسابقة الرسمية ليؤكد أن الصناعة التايوانية التي طالما وصفت في القاموس
الشعبي المصري بأنها بلد الصناعات المقلدة, إلا أنه هذه المرة جاء الفيلم
ليؤكد أن جيل الشباب في تايوان قادرون علي تقديم صناعة تفوق أكبر الدول,
فالفيلم الذي وقف الجميع تحية لمخرجه الشاب عقب عرضه يتناول قصة شاب كفيف
لا يملك سوي حاستي السمع واللمس وأراد تعلم الموسيقي وحقق ما أراد بما يملك
من تفاؤل ورغبة في تحقيق الذات, أو كما قال المخرج نفسه: جئت من مسافة17
ألف كيلومترا لكي أقول أن الإبصار من القلب وليس العين, والفيلم عبارة عن
قصة مستوحاة من حياة عازف البيانو المعجزة الكفيف' هوانك يو سيانك'.
الفيلم الثاني الذي لاقي استحسانا شديدا هو الفيلم المغربي' يا خيل
الله' للمخرج' نبيل عيوش', ويستوحي الفيلم من قصة الانتحاريين الإرهابيين
الذين قاموا هجمات إرهابية في الدار البيضاء في مايو.2003
ورغم ما يحمله الفيلم من إدانة قوية للمجرمين الارهابيين الانتحاريين,
إلا أنه في الوقت نفسه يحمل الدولة مسئولية عدم الاهتمام بالأماكن
العشوائية أو' أحياء الصفيح' التي من السهولة أن تكون بؤرا للإجرام, أما
أبرز التصريحات التي جاءت علي لسان نجوم المهرجان ما قاله النجم الهندي
شاروخان أن رهانه الأساسي في مساره السينمائي يتمثل في جعل الجمهور يشعر
بصدق المشاعر وعمقها والتعبير بشكل مباشر عن ثراء ما يشعر به المرء في
الأعماق دون تنميق, وقال أن سر نجاح السينما الهندية يعود إلي نزعتها
الرومانسية وتمثلها ودفاعها عن قيم الحب والأمل, أما المخرج المغربي نبيل
عيوش قال: أنا حاليا أميل إلي مواضيع المهمشين لأنهم' جيش صامت' له لغته
ومطالبه, وفي النهاية يقول عملاق السينما الهندية أميتاب بتشان: السينما
الهندية نجحت لأنها تحقق العدالة شاعرية في3 ساعات
الأهرام اليومي في
06/12/2012
نور الدين الصايل:
مشاركة فيلمين مغربيين في
مسابقة مهرجان مراكش استحقاق وليس مجاملة
كتب:
البديل
قال نور الدين الصايل نائب الرئيس المنتدب لمؤسسة
المهرجان الدولي للفيلم بمراكش الذي تتواصل دورته الثانية عشرة حتى 8
ديسمبر الجاري: إن اختيار فيلمين مغربيين للمشاركة في المسابقة الرسمية لا
يرتبط بجنسية الفيلمين٬ بل بقيمتهما الفنية المتميزة.
وأوضح الصايل في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء أن فيلمي "يا خيل
الله" لنبيل عيوش و"زيرو" لنور الدين الخماري استحقا عن جدارة المشاركة في
مسابقة المهرجان بالنظر إلى مستواهما التنافسي٬ الأمر الذي يعكس تطور سينما
مغربية باتت قادرة على خوض غمار المنافسة على أعلى مستوى.
وأضاف أن السينما المغربية تشارك في مهرجان مراكش كركيزة صلبة في
البرمجة، مبرزًا أنه "من مجموع 20 إلى 25 فيلم٬ تنتج سنويًّا٬ أصبحت لدينا
ضمانة بتوفر ثلاثة إلى خمسة أفلام على جودة ونضج تنافسي عالمي".
وبخصوص موعد تنظيم المهرجان٬ شدد الصايل على أن ما يحسم في قوة الموعد
ودلالته هو نجاح تظاهرة معينة في فرض نفسها كحدث مهم في زمن معين٬ ذلك أن
هناك مهرجانات تراكم مكاسبها وتصبح مرتبطة بموعد زمني محدد ومنتظم.
وأشار إلى أن "وجود مهرجانات أخرى متزامنة عبر العالم لا يزعجنا"،
معتبرًا أن اختيار شهر ديسمبر الذي تقرر قبل سنوات كان صائبًا، حيث تشكل
التظاهرة آخر مهرجان دولي كبير في السنة٬ وبالتالي "تتاح لنا فرصة
الاستفادة من دروس التجربة التنظيمية للمهرجانات السابقة".
ولم يخف رئيس المركز السينمائي المغربي ارتياحه لدخول المهرجان نادي
الكبار من خلال الاعتراف الذي حازه دوليًّا بجودة اختيار الأفلام المشاركة٬
وبمستوى لجان التحكيم، وكذا الاستقرار في المستوى التنظيمي والإيقاع الفني
الجيد. "وهو سمة المهرجانات الكبرى" على حد قوله.
وتعليقًا على اختيار تكريم السينما الهندية في دورة 2012٬ قال الصايل
إنه جاء انسجامًا مع أجندة الاحتفال بمئوية السينما الهندية التي تصادف
2013. "إنه احتفال بأقوى سينما من حيث الإنتاج عالميًّا٬ إذ تنتج ما بين
1000 و 1200 فيلم". هو أيضًا احتفال بسينما شعبية في كنهها٬ حسب كلام
الصايل٬ الذي يتوقع تجاوبًا استثنائيًّا من قبل الجمهور بفضاء جامع الفنا
مع العروض المقدمة كل يوم.
وراهن في هذا السياق على أن مهرجان "كان" لن يتمكن في احتفاله خلال
الدورة القادمة بالسينما الهندية من جلب القائمة الطويلة من النجوم الهنود
الذين حلوا بمراكش٬ وفي مقدمتهم الأيقونتان أميتاب باشان وشاروخان.
وعن معايير اختيار الأفلام المشاركة في مسابقة المهرجان٬ توقف نور
الدين الصايل عند مجموعة من الرهانات٬ تشمل الدقة والإبداع في الكتابة
السينمائية فضلاً عن الرغبة في اكتشاف تجارب جديدة وتشجيعها.
من جهة أخرى كشف نائب الرئيس المنتدب لمؤسسة المهرجان أن ميزانية هذا
الأخير تناهز سنويًّا كمعدل ستين مليون درهم.
البديل المصرية في
06/12/2012 |