حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

المهرجان الدولي للفيلم بمراكش ـ 2012

"مراكش 12" للجميع!

هوفيك حبشيان ـــ مراكش

الطائرة التي اقلعت من مطار أورلي قاصدة مراكش كانت تغص بضيوف فرنسيين. الممثلة الرقيقة جولي غاييه، التي خاضت ايضاً مجال الانتاج، جلست كسائر المهنيين في الدرجة السياحية. يبدو انه لم يكن هناك أماكن شاغرة في درجة الأعمال. نحن على بُعد ساعات من انطلاق الموعد السينمائي الذي ينتظره اهل المدينة القرميدية في المغرب: مهرجان مراكش.

الاستعدادات بدأت منذ أشهر في باريس، حيث الرأس المدبر لهذه التظاهرة. حاملو الكاميرات ومعدات التصوير، تقنيون فرنسيون وآخرون من اصول مغاربية، بدأوا يخططون لمهماتهم في الأيام المقبلة: هذا سيلتقط مشاهد "اينسرت" للمدينة من أجل ريبورتاج يعدّه، ذاك سيحاور النجوم الذين سيحضرون من اماكن مختلفة. فعلى الرغم من ان المهرجان دخل عامه الثاني عشر، الا انه لا يزال تحت رعاية فرنسية. شركة باريسية هي التي تتولى الاعداد من الالف الى الياء. هذا الشأن مادة لسجال كبير في المملكة منذ تأسيس المهرجان عام 2001، عقب 11 أيلول. لكن يبدو ان لا بديل من هذا التوجه، حتى اشعار آخر: فالجهة المنفذة للمهرجان تملك الخبرة والعلاقات الدولية المطلوبة التي تضمن نجاح مثل هذا الحدث الضخم الذي يجند من أجله مئات العناصر. منذ الدورة الاولى، لم يخفِ "مراكش" طموحه: تظاهرة ثقافية دولية، فرنسية الهوى، مغربية التمويل والاقامة، وأوروبية الرسالة.

السينما تلعب دوراً تثقيفياً هنا ويكاد يصير تربوياً في بعض الأحيان، حتى عندما تكون البهرجة في اعلى مستوياتها. يشكل المهرجان نافذة على السينما ومستجداتها، في بلاد تعاني من محدودية الدخل، شأنها شأن السلك السينمائي الذي يشكو تراجعاً مخيفاً في عدد الصالات على مستوى المغرب، ما جعل القرصنة اكثر الوسائل شعبية لمشاهدة الأفلام. حفنة من السينيفيليين المغاربة يحضرون المهرجان كل عام، والباقي من اصحاب الفضول المتعطشين للمعرفة يتجمعون قبالة قصر المؤتمرات في طوابير طويلة ريثما تصبح الصالات مستعدة لاستقبالهم. مهما تكن حال المهرجان التنظيمية والسياسية، ومهما ضاق همّه السينمائي، فانه يتيح للمغاربة الاطلاع على أفلام جديدة، والتعرف الى القديم في استعادات مفيدة جداً. يخطئ من يظن ان مهرجان مراكش، على الرغم من الكثير من الانتقادات التي يمكن توجيهها اليه، مجرد احتفالية مسلوخة من محيطها، هدفها تسلية الوفود الأجنبية عبر اقامة حفلات باذخة في فنادق فخمة.

"مراكش" مثله مثل كانّ، يوفر لكل طالب طلبه. هذا مهرجان للجميع. مَن يريد الاكتفاء بالتلصص على حسنوات الشاشة، فليس عليه الا ان يأتي الى شارع السينما مساءً، اثناء التقاط الصور على السجادة الحمراء. أما الذي يريد الغوص في اعماق السينما، في مدلولاتها وتفاصيلها الفيلمية، فالطريق الى ذلك سالكة أمامه: ماستركلاس لكبار المخرجين (هذه السنة: أرونوفسكي، ديمي، غاروني، مندوزا)؛ ندوات ومؤتمرات جانبية، تكريمات لأسماء شكلت علامات مضيئة في تاريخ السينما (ييمو، اوبير، ابو عبيد، ديمي). "مراكش" لا يبخل بالكلام عن السينما، وإن كنا لا نشعر بالهمّ السينمائي الذي يلازم التظاهرات السينمائية الكبيرة، وهذه مشكلة كل المهرجانات العربية (اذا صحّ اعتبار مهرجان مراكش عربيّاً). ثم، يكفي ان تدخل الصالات، خصوصاً عند عرض الأفلام المغربية، لترى الاحتشاد المحلي، والاهتمام الذي يولده هذا النشاط عاماً بعد عام لدى الشباب المراكشي. كأن المهرجان لا يأبه لكل ما يقال من حوله في الصحافة المغربية الصفراء التي تلوك دائماً المسوغات نفسها لتجريد المهرجان من رصيده. عرف "مراكش" أن يحمي نفسه، خصوصاً في كيفية ابتكار "زواج مصلحة" بين الشعبي والنخبوي.

ماذا في دورة هذه السنة التي انطلقت الجمعة الماضي وتستمر الى السبت المقبل، موعد توزيع الجوائز؟ بداية، هناك لجنة التحكيم التي يرأسها جون بورمان، صاحب "خلاص" و"اكسكاليبر". المخرج البريطاني بات في الثمانين اليوم، وبدت حركته ثقيلة وهو يتقدم على خشبة المسرح، ليلة الافتتاح، ليلوح بيده الى الجمهور. في لجنته، هناك مخرج اميركي يُعتبر واحداً من افضل الخلاقين في العقدين الأخيرين: جيمس غراي. سخرية القدر جعلت غراي يسلّم ايزابيل اوبير، واحدة من الفنانات اللواتي يكرمهن المهرجان هذه السنة، جائزة فخرية، هي التي كان قد اختلف معها يوم كان عضواً في لجنتها في كانّ، في خصوص قائمة الجوائز. طبعاً، هذا لم يمنع غراي من أن يتوجه لأوبير بأجمل التعابير...

في هذه النسخة ايضاً، تكريم من العيار الكبير للسينما الهندية. اول عرض لفيلم هندي يعود الى 21 نيسان 1913. وها مهرجانات كثيرة بدأت تتسابق لتكريم هذه السينما التي تتوزع بين بوليوود وعاصمتها مومباي والسينما المستقلة المصنوعة في أماكن عدة. هذا التكريم شهد فصوله الاولى هنا في مراكش، لكنه سينتقل ايضاً الى دبي، في الاسبوع المقبل، حيث اكبر جالية هندية في الشرق الاوسط. أكثر من 40 فناناً وفنانة من الهنود وصلوا الى مراكش للمشاركة في هذا الحدث. وشكل هذا لحظة مهمة للمهرجان لاستقطاب تعاطف الجمهور، خصوصاً ان للسينما الهندية رصيدا كبيرا في قلب الجمهور المغربي. بين 20 و25 في المئة هي حصة السينما الهندية من مجمل الايرادات في الصالات المغربية. هذه الشعبية لم تمنع أميتاب باتشان، من أن يعلق ليلة الافتتاح تحت حبات المطر، حاله حال كثيرين، ممن تبللت ملابسهم على الرغم من المظلات التي احتموا تحتها. اما شاروخان، فأشعل حشد الشباب المتجمهر أمام القصر لدى وصوله، ساحباً البساط الاحمر من تحت باتشان، الذي يُعتبر النجم البوليوودي الأكثر شهرة في العالم.

هناك 15 فيلماً في المسابقة الرسمية. اعمال، منها التجربة الأولى أو الثانية لمخرجيها، من الدانمارك وكوريا الجنوبية والارجنتين والهند واستونيا، الخ. هناك فيلم ممتاز سبق أن عُرض في البندقية وابو ظبي: "خطف" لتوبياس ليندولم الذي وقّع سيناريو "الاقتناص" لتوماس فينتربرغ. في شريطه هذا كمخرج، هناك القدر نفسه والنوعية نفسها من شحنات الادرينالين. التشويق يمسك بضلوع المتلقي ولا فكاك منه، الا بعد صعود الجنريك. الحكاية بسيطة: سفينة لشحن البضائع تتعرض للخطف على أيدي قراصنة صوماليين وهي تعبر المحيط الهادئ. فيلم ايراني اسمه "طابور" لوحيد فاكيليفار، البالغ الثلاثين من العمر، يبعث على الفضول: رجل ترتفع حرارة جسمه، فيصنع لنفسه بزة من الألمنيوم يضعها تحت ملابسه. "يا ولد" للالماني يان أولي كيرستر يقدم صورة عن المجتمع البرليني المعاصر من خلال هذه الكوميديا التي التُقطت مشاهدها بكاميرا محمولة على الكتف.

هناك ايضاً فيلم الافتتاح "لمسة ضوء" لتشانغ جونغ شي: عمل انتجه وونغ كار ــ واي، وله لمسة بصرية سحرية، مستوحى من سيرة عازف البيانو المعجزة هوانغ يو سيانك، الذي يضطلع أيضاً بدور البطولة. سيانغ، شاب كفيف، يخرج فجأة الى الحياة العملية مع التحاقه بالجامعة، حيث سيكتشف ما كانت تخفيه عليه اعاقته الى الان، وسيتزامن هذا مع تعرفه إلى آنسة جميلة ووقوعه في غرامها. اما الكندي "شاحنة" لرافاييل أويولي، فهو دراما اسرية عن والد وابنيه الاثنين. الرجل سائق شاحنة يتسبب ذات يوم بمقتل سيدة اثر حادث سير. هذا كله سيدفعه الى التخلي عن المهنة واللجوء الى العائلة والهوية والارض.

في الأيام المقبلة، نحن في انتظار فيلمين، على أحرّ من الجمر، سيعرضان داخل المسابقة: "زيرو" للمغربي نور الدين لخماري و"الصدمة" للبناني زياد دويري، الذي يعود الى السينما بعد غياب ثمانية أعوام. لخماري يعتبر هذا الفيلم الجزء الثاني من ثلاثية عن الدار البيضاء، باعتبار ان "كازانيغرا" كان جزءها الأول. أمين برطال، شرطي يمضي معظم وقته وهو يتلقى شكاوى الناس وترافقه دائماً العاهرة الشابة. هذا شرطي يعاني من اهانات رئيسه المتكررة له. أمام هذا الواقع البائس، يقرر طي صفحة من حياته موشومة بالخوف والدونية، والذهاب للبحث عن فتاة اختفت في المدينة الضخمة، حيث عالم بلا رحمة أفسده المال والسلطة. أما "الصدمة" فسبق وصوله الى مراكش صيت لاذع، بعد عرضه العالمي الاول في تورونتو، ايلول الماضي. أمين جعفري، جراح فلسطيني يعيش في تل ابيب، ذات يوم يهتز استقراره وتنهار حياته عندما يعلم ان زوجته متورطة في هجوم انتحاري أودى بحياتها. الشريط اقتباس لرواية ياسمينا خضرا، لم تعجب صاحب الرواية، ورفضه مهرجان الدوحة الذي شارك في انتاجه، لكونه صوِّر في اسرائيل وينطق بالعبرية.

hauvick.habechian@annahar.com.lb

5 أفلام ضمن مهرجان السينما الأوروبية في بيروت

هـ. ح.

يواصل مهرجان السينما الأوروبية (29 ت2 ــ 9 ك1) الذي يُعقد حالياً في "متروبوليس" اقتراح بعض من آخر انتاجات السينما التابعة للاتحاد الاوروبي. في الآتي، اخترنا لكم خمسة أفلام، انتم على موعد معها في هذا النشاط المحصور بعشاق الفن السابع والراغبين في اكتشافه.

"حصة الملائكة" لكن لوتش: تجري حوادثه في غلاسكو، ويضعنا برفقة شاب متزوج على قدر من الحماقة والسذاجة، يحال دائماً على المحكمة بتهم صغيرة، ولكن هذه المرة يُحكم عليه بتنفيذ اعمال ذات منفعة اجتماعية. هو وثلاثة من المشاغبين سيعملون تحت ادارة هنري، وسيكتشفون فنّ تذوق... الويسكي. يتابع لوتش هاجسه الاجتماعي عبر تصوير واقعيّ وحوارات يتخللها "هيومر" على الطريقة البريطانية، امتداداً لسجلّ سينمائي يتضمن محطات مهمة في هذا المجال. لكن مع تحول مراهقي "سويت سيكستين" (2002)، الى شباب مشاغبين، باتت النظرة أقل لؤماً والنهايات مكللة بالبهجة. لا غبار على نية لوتش في نقل وقائع يومية تظهر من خلاله قلة الاهتمام التي لدى السلطات في المملكة تجاه الشباب. انه فيلم مسيس، كما كل شيء لدى مخرج "الرياح التي تهز الشعير". لكن، خلافاً لبعض افلامه الجيدة كـ"اسمي جو" أو "انه عالم حر"، يغرق النصّ (كتابة بول لافرتي) في تفاصيل الحبكة الدرامية، وهذا يمنع لوتش من تحقيق ذاته السينمائية، فتخلص النتيجة الى شريط تلفزيوني انتزع منا بعض الضحك المتضامن.

"واقع" لماتيو غاروني: بعد الفيلم المافيوي "غومورا" الذي أعاد السينما الايطالية الى الصدارة، يختار غاروني موضوعاً حساساً بات في ماضينا القريب: تلفزيون الواقع، انطلاقاً من النسخة الايطالية لبرنامج "بيغ براذر"، هذا البرنامج البليد الذي يراقب سلوكيات مجموعة أشخاص ويصورهم 24 ساعة على 24. عدوى البرنامح تنتقل الى صاحب متجر سمك، فيبدأ بالعيش كما لو كانت الكاميرات تنقل حياته وتفاصيلها...

"عمر قتلني" لرشدي زيم: أثار ترشيحه لأوسكار افضل فيلم أجنبي من جانب المغرب ضجيجاً، لكونه ليس فيلماً مغربياً بل فرنسي. عن قضية عمر الرداد، البستاني المغربي المهاجر الى فرنسا الذي اتهم في أواسط التسعينات بأنه قتل السيدة التي يعمل عندها، قبل أن تقع القضية في يد وسائل الاعلام فتروح تتضخم. فيلم ذو خلاصات تقليدية لكن فاعلة ومؤثرة، خصوصاً في الجانب المتعلق بأداء سامي بوعجيلة الذي استحق عنه جائزة أفضل ممثل في مهرجان الدوحة ترايبيكا.

"الرحمة" لماتياس غلاسنر: هذه قصة سيدة (بيرغيت مينيشماير) تعيش في القسم الشمالي من النروج، على حافة القطب، حيث الشمس تغيب من 22 تشرين الثاني الى 21 كانون الثاني. السيدة تصدم مراهقة ولكن تواصل طريقها وتفلت من العقاب في غياب أي شاهد على الحادثة. غنيّ عن القول انها ستغرق في الكآبة وعذابات الضمير، فترى نفسها، في ختام الجولة، مضطرة الى الاعتراف. نحن أمام نموذج غير تقليدي من النساء، وخصوصاً من الامهات. فهي لا تبدي أي نوع من الحنان تجاه ابنها المصاب بنوع من انغلاق وتوحد، لكنها متيمة بزوجها إلى درجة أنها تغفر له خروجه مع امرأة أخرى. فيلم يستحق المشاهدة.

"طفل المرتفعات" لأورسولا ماير: تذهب المخرجة الفرنكو سويسرية الى حكاية انسانية، بعيداً من كل مغزى سياسي يمكن أن يلتصق بهذه الحكاية، مفضلة الطرح الانساني الصرف. تنطلق بما هو متناهٍ في الكبر (محطة التزلج الواقعة بين سماء وأرض تغطيها الثلوج) لتبلغ ما هو متناهٍ في الصغر (صبي في الثانية عشرة، يعتاش من سرقة الزلاجات واعادة بيعها). بين هاتين اللحظتين، تعرج على سينما ذات قلب كبير، يمكن موضعتها في مكان ما بين الأخوين داردين وسينما أوروبية تفضل الشخصية على الموقف. ماير، اكتشفناها في "منزل"، قبل ثلاثة أعوام، تعرف كيف تدير ممثلها اليافع كايسي موتيه كلاين، كذلك الشابة التي تضطلع بدور شقيقته ليا سايدو. تسرق منهما لحظات قاسية، حقيقية، غير مساومة. تراهن على رد فعل المشاهد حيال اكتشافه في منتصف الفيلم عنصر مفاجأة قد يأخذنا الى مكان آخر، والى بعد ثانٍ.

للاطلاع على البرنامج الكامل وجدول العروض، ترجى زيارة الموقع الآتي:

http://eeas.europa.eu/delegations/lebanon

النهار اللبنانية في

04/12/2012

 

 

درس أرونوفسكي:

التحدي الأكبر هو أن تروي قصة بطريقة مؤثرة

رامي عبد الرازق/ مراكش- المغرب 

في عام 2007 اطلق المهرجان الدولي للفيلم بمراكش برنامج درس السينما (ماستر كلاس) على غرار درس السينما الشهير في مهرجان كان وهي أحد اكثر التظاهرات حيوية واقبالا والتي تعكس مدى اهمية الثقافة السينمائية واستغلال حضور كبار المخرجين والسينمائيين من كل العالم ليلتقوا بمحبي السينما وعشاقها ودراسيها والمهتمين بها.

شهدت دورة 2007 اول درس في السينما القاه المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي منفردا ثم تلاه في الدورات التالية توسعا في اختيار الأسماء والشخصيات السينمائية، بعضهم يتم دعوته خصيصا من اجل القاء الدرس وبعضهم يتم الأتفاق معه على القاء الدرس اثناء وجوده في المهرجان سواء كان عضوا في لجنة التحكيم او مشاركا بفيلم من اخراجيه او كتابته.

حملت الدورات التالية لدرس السينما بمهرجان مراكش اسماء مثل جيم جارموش الكاتب والمخرج الأمريكي وامير كوستوريتسا المخرج البوسني صاحب "تحت الأرض" والمخرج الفرنسي جان جاك انوي والتركي نوري بيلجي سيلان والإيطالي الكبير ماركو بيلوكيو.

هذا العام وخلال فعاليات الدورة الثانية عشرة من المهرجان والتي تستمر في الفترة من 30 نوفمبر لغاية 8 ديسمبر تمت دعوة ثلاثة من اهم المخرجين الذين لم تتم دعوتهم من قبل وهم الأمريكي دارين ارنوفسكي صاحب "مرثية حلم" و"المصارع" و"البجعة السوداء"، والفلليبيني بريلانتي ميندوزا الذي يعرض له المهرجان أحدث افلامه "الرحم" وذلك في الاختيار الرسمي خارج المسابقة، والإيطالي ماثيو كارون صاحب الفيلم الشهير "الحب الاول" إلى جانب المخرج الامريكي جوناثان ديم مخرج "صمت الحملان".

ويضم درس السينما ايضا هذا العام نقاشا مفتوحا مع كل من المخرج البريطاني جون بورمان رئيس لجنة التحكيم الدولية بالدورة الثانية عشر والفيلسوف الفرنسي ادجار موران.

ويلاحظ في درس السينما ذلك التنوع في الاختيار ما بين مدارس السينما المختلفة او توجهاتها فلدينا السينما الأمريكية والإيطالية والأسيوية والمدرسة الفرنسية في الكتابة الفلسفية عن السينما ممثلة في موران نفسه احد اشهر الفلاسفة الفرنسيين الذين كتبوا في السينما, كما ان كل من ارنوفسكي وميندوزا ينتميان في جانب من اعمالهما، إلى تيار السينما المستقلة في العالم سواء على مستوى الجيل او الفكر السينمائي او طبيعة الأفلام التي انجزوها خلال مشوارهم الفني.

خمسة افلام فقط

ولد دارين ارنوفسكي في حي بروكلين بنيويورك وانجز اول افلامه وهو في العشرينيات من العمر عام 1998 بعنوان "بي" وقد صور بالكامل بالأبيض والأسود في اطار من السينما ذات اللمسة التجريبية الواضحة والمغامرة المونتاجية والأنتاجية على حد سواء تلاه في عام 2000 الفيلم الذي وضعه بين قائمة اهم المخرجين الشباب في العالم"مرثية حلم" عن اربعة شخصيات كل منها يدمن شيئا ما, ثم توقف لمدة ستة سنوات قبل ان ينجز فيلمه الفلسفي "النافورة" بطولة هيوجاكمان عن طبيب مخ واعصاب يجاهد من اجل انقاذ زوجته من السرطان فيدخل في رحلة صوفية عن معنى الحياة والموت والخلود.

وفي عام 2008 قدم فيلمه "المصارع" بطولة ميكي روك والذي حصد الأسد الذهبي بمهرجان فينيسيا من نفس العام وحصل ميكي روك على جائزة الجولدن جلوب كأحسن ممثل.

وفي العام الماضي قدم ارنوفسكي قصيدته السينمائية "البجعة السوداء" الذي ترشح لاربعة جوائز اوسكار وحصلت نتالي بورتمان على اوسكار احسن ممثلة عن دورها وصنف الفيلم كأفضل عشرة افلام في سنة انتاجه وحقق ايرادات بلغت 380 مليون دولار.

ومؤخرا انتهى ارنوفسكي من تصوير احدث افلامه "نوح" من بطولة راسل كرو والمأخوذ عن قصة ابو البشر الثاني نوح كما وردت في العهد القديم ومن المنتظر أن يعرض الفيلم عام 2013.

وبهذا يكون كل تاريخ هذا المخرج الهام خمسة افلام فقط وفيلم واحد قيد الانجاز ولكنها افلام تحمل في طياتها عشق هائل لفن تلاوة القصص عبر طرق بصرية غير تقليدية ومن خلال موضوعات تتماس مع ما هو انساني وفلسفي وعاطفي وذهني لدى المتلقين في اي مكان بالعالم.

طريقتنا في الحكي

في رابع ايام المهرجان كانت قاعة السفراء بقصر المؤتمرات "مقر المهرجان" بمدينة مراكش قد امتلأت عن اخرها بالحضور والذين تنوعوا ما بين الأعلاميين والصحفيين والنقاد والمهتمين وطلبة السينما وعشاق افلام هذا ارنوفسكي.

لم يكن الدرس عبارة عن محاضرة تلقينية من نقاط محددة ولكنه اشبه بحوار مفتوح بدأه مضيف الدرس بأسئلة تراكمية زمنيا عن بدايات ارنوفسكي وعشقه للسينما وصولا إلى انجازه فيلمه الأول.

في البداية بدا الأمر اشبه بحوار صحفي ثنائي القطب ما بين أرونوفسكي والمحاور الفرنسي ولكن بعد قليل بدأت الأسئلة تكشف من خلال اجابات ارونوفسكي جانبا من عبقريته الأبداعية وخبراته السينمائية الكبيرة التي حصدها عبر تجاربه المختلفة خلال الخمسة عشر سنة الماضية.

قال ارنوفسكي: ان مشاهدة الأفلام كثيرا هي ما تجعلك ترغب في صناعة الأفلام لقد تعلمت السينما من كثرة المشاهدة خلال سنوات السبعينيات عندما كنت فتى صغيرا ادخل إلى نوادي الفيديو في بروكلين, ولكم ان تتصورا انني حتى قبيل ان اتخرج من الجامعة لم اكن ادري ما هو بالظبط عمل المخرج داخل الفيلم، كانت بداخلي رغبة في صناعة الأفلام ولم اكن ادري سوى انني اريد ان اكون مخرجا دون ان يكون لدي ادنى فكرة عن ذلك.

فيما بعد سوف يصبح المونتاج هو مدرستي الحقيقية استطيع ان اقول انني تعلمت السينما في غرفة المونتاج لقد كنت اساعد الجميع في البداية اثناء عملية مونتاج افلامهم وهناك تعلمت ان فن السينما يعتمد على امر اساسي هو الحكي عبر الصورة وقطعها.

دعني اقول لكم ان الفيلم يأتي للحياة في غرفة المونتاج فمهما كانت جودة التصوير والتمثيل والكتابة فإن العنصر المهم هو كيف تدخل إلى اللحظة في المشهد وكيف تخرج منها! انت تجلس في غرفة مظلمة مع المونتير وهناك يولد الفيلم لقطة بعد اخرى ويخرج للحياة.

ويضيف ارنوفسكي : لقد تأثرت بأفلام كثيرة في شبابي اهمها "الحياة حلوة" لفلليني ولكن دعوني اقص عليكم حكاية صغيرة لقد اتيت إلى مراكش عندما كنت صغيرا ورأيت رجلا يقف في ساحة الجامع الشهير- ساحة جامع الفنا- يروي قصة لمن حوله, وهو ما كان خارقا بالنسبة لي ان ارى حجم القوة والسيطرة التي يملكها الرجل على المستمعين إليه، لم اكن افهم كلمة واحدة ولكني كنت ادرك مدى كون القصة مشوقة من ملامح المحيطين به ودرجة انصاتهم. وعندما كبرت تدريجيا تعملت ان الحكي هو اقدم انواع الفنون منذ عصر الكهوف الاولى وصناعة الأفلام هي طريقتنا في الحكي واهم ما في الحكاية هي أن تمس بشرا اخرين او تحتوي على ما يمسهم او يشغلهم او يدور في اذهانهم, انني اصنع الأفلام لانني احب ان احكي القصص.

وضع الكاميرا

ويتحدث ارنوفسكي عن أهم الخبرات التي اكتسبها خلال رحلته السينمائية فيقول: هناك مكان واحد فقط لوضع الكاميرا في المشهد هكذا تعملت من أحد اساتذتي ولكي تعلم اين هو هذا المكان عليك ان تعلم جيدا ما هي فكرة فيلمك ونوعه وطبيعة شخصياتك والموقف الذي تتحدث عنه وما تريد للمتلقي ان يفهمه من اللقطة!

باختصار عليك ان تستوعب كل شئ وتدقق في كل شئ وساعتها لن تجد اي مشكلة في وضع الكاميرا في المكان الصحيح, وعند التصوير فإن التفاصيل تصبح هي اهم شئ, عندما تقوم بالتصوير عليك ان تسأل نفسك ما هو الحقيقي وما هو غير الحقيقي في اللقطة والحقيقي هنا بمعنى الذي يرتبط بمعنى الفيلم واحداثه وطبيعة القصة على سبيل المثال اذا ظهرت شعرة وحيدة على وجه الممثل لم تكن تريدها عليك ان تتوقف وتزيحها لأنها لا تخص الحالة التي تتحدث عنها.

وعن عمله كمخرج يقول: العمل كمخرج هو ان تقود، أن تمنح فرصة للاخرين ان يكونوا اعضاء في فرقة تريد الغناء دون ان تجبر احدا على ذلك, انت لا تتحكم في الممثل انت تقوده فقط وهو نفس الحال في طاقم التصوير, الجميع لديهم قدرات جيدة و جل ما تريده ان توظف هذه القدرات لخدمة التعبير عن افكارك وبعثها للحياة, أن أهم ما ابحث عنه في الممثل هو ان يوليني ثقته. ان يثق في انني اقوده في الاتجاه الصحيح.

والخبرة شئ مهم لا يمكن ان تعوضه دراسة او موهبة, في البداية كنت اعمد إلى كتابة كل مشهد ورسم الديكوباج خاصة في الأفلام الثلاثة الأولى "بي" و"مرثية حلم" و"النافورة" ولكن بمرور الوقت اصبحت اعتمد على الهام اللحظة عند التصوير, التزم فقط في الحوار قدر ما استطيع واترك للمثل حرية تغيير بعض الكلمات اذا ما وجدت انها اقرب للتعبير عن افكار الشخصية وحالتها.

وعن افلامه يقول: البداية عادة تبدأ بفكرة وأحيانا بلقطة، في فيلم النافورة بدأ كل شئ بلقطة لشجرة الحياة التي صعد بها البطل إلى السماء، ان لقطة واحدة قد تجلب فيلما بأكمله، ثم تأتي مرحلة الكتابة، ولكنها تحدد ما سوف يحدث في الفيلم وليس ما يحدث بالفعل, السيناريو مجرد تخطيط فلا يهم كيف تصف المشهد في السيناريو انه مجرد خريطة تقودك من نقطة إلى أخرى، لا تعمل على العشرين صفحة الأولى كي تصنع سيناريو جيدا يبهر كل من يقرأه، استمر في العمل من البداية للنهاية.. عليك ان تصل للنهاية حتى لو اتتك فكرة جيدة، استمر في الكتابة نحو النهاية ثم عد مرة اخرى لتصنع ما تريد ولكن لا تتوقف.

لا تحاول ان تجعل الفيلم يبدو جيدا اكتب ما لديك وانظر له عندما تفرغ منه، وبعد ان تنتهي من التصوير ابدأ بالحذف, ان الأفلام لا تكتمل إلا إذا تخليت عن افضل المشاهد بالنسبة لك وابقيت فقط على المشاهد التي يمكن أن تكون الأفضل بالنسبة للمتفرج.. لا يهم اذا استغرقت في تصوير مشهد يوما بأكمله ثم تحذفه في المونتاج, لا تفكر في انه يروقك فكر فيما اذا كان سيروق المتفرج لأنه ضمن سياق الفيلم ام لا.

كذلك لدينا ايضا عنصر الصوت. إنه عنصر مهم جدا وللأسف قد لا يوليه بعض المخرجين الاهتمام الازم, عندما افكر في الصوت افكر في حالة الشخصية ومشاعرها وكيف يمكن للصوت أن يساعد المتلقي على فهم هذه الحالة ان القدرة على استخدام الصوت او الموسيقى لهي موهبة قائمة بذاتها ويجب ان ننتبه إلى ان لكل فيلم موسيقاه الخاصة, فهناك بعض الأفلام حين تضع لها الموسيقى ومهما كانت جيدة فمن الممكن أن تفسد الفيلم بأكلمه.

وعن فيلمه الجديد نوح يقول: لقد حكينا قصة نوح آلاف المرات دون ان نصورها في فيلم وصناعة فيلم عنها هو محاولة لأعادة اكتشافها من جديد, انها تحوي الكثير من الأفكار بين السطور التي تتضمنها قصة من صفحتين في العهد القديم. والتحدي الاكبر هو أن تروي قصة معروفة لكل الناس ويصبح عليك أن تحكيها بطريقة جديدة ومؤثرة.

وكنصيحة أخيرة لدراسي السينما يقول: قد يقول لك الكثيرون لا تعمل بالسينما ولكن كلما شعرت بالحماس والاثارة عليك أن تعمل، ان كل الأفلام التي صنعتها بدأت بكلمة مرفوض، كل فيلم شرعت فيه رفض، ان ما يحمسك لتلاوة قصة هو ما يجعلك تعمل.. انها شهوة الخيال وقوة الفكر. عليك ان تحيط نفسك بأشخاص يثقون بقدراتك وبموهبتك حتى تتمكن من العمل وصناعة الأفلام.

عين على السينما في

05/12/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)