كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

رحلة النصف قرن من الشاب الحبِّيب.. إلى وزير الداخلية

بقلم: كمال رمزي

عن رحيل دون جوان السينما

كمال الشناوي

   
 
 
 
 
 
 

فى أثر من آثارها، أدت ثورة 1919 إلى ظهور وازدهار طبقة الأفندية من ناحية، واتساع العاصمة وازدياد عدد سكانها من ناحية أخرى، ولأن السينما فن مدينة، من الصعب أن يتحقق فى المناطق الصحراوية أو الريفية، فإن السينما المصرية وجدت مناخا ملائما لانطلاقها خلال الثلاثينيات والأربعينيات، خاصة بعد إنشاء العديد من الاستوديوهات ودور العرض، الأمر الذى تطلب وجوها سينمائية تلبى حاجة الأفلام لنجوم تتجاوب مع مزاج جمهور معظمه من الأفندية، أو على الأقل، يتطلع إلى أن يغدو، هو أو أولاده، من ذوى الياقات البيضاء، برغم أن «الأفندى» لم يكن مرتاحا أو سعيدا، سواء فى الواقع أو على الشاشة، ولكن كان وجيها، محترما، متحضرا، عاشقا ومحبوبا.. من هنا تبلورت صورة حسين صدقى فى «العزيمة» لكمال سليم 1939، حيث بدا مهذبا، متعلما، ينافس «الجزار»، البدائى الشرس، على قلب بطلة الفيلم «فاطمة رشدى».. وفى ذات العام يظهر محمود ذو الفقار بطلا لـ«بياعة التفاح» لحسين فوزى، المأخوذ عن أسطورة «بجماليون»، وطبعا، يحاول الأفندى الارتقاء ببائعة التفاح «عزيزة أمير».. وقبل انضمام شكرى سرحان لطابور الأفندية فى «نادية» لفطين عبدالوهاب 1949، ليرتدى هذه المرة ملابس الضباط ويستشهد فى حرب فلسطين الأولى، يطالعنا عماد حمدى، فى أول أفلامه «السوق السوداء» لكامل التلمسانى 1946، ليتصارع ضد التاجرين: عبدالفتاح القصرى وزكى رستم. إنه يذكرنا فى بعد من أبعاده، بزميله الوقور، حسين صدقى أفندى، وإن جاء عماد حمدى، أعمق منه وعيا، وأشد استنارة.

مولد نجم

كان المناخ مهيأ لاستقبال كمال الشناوى فى «غنى حرب» لنيازى مصطفى 1947، كذلك دخل النجم الجديد عالم السينما مدعما بأسباب النجاح، مضمونا وشكلا: ثقافة سياسية ومعرفة أدبية، استقاها خلال سنوات نشأته فى مدينة المنصورة العامرة بمكتبة عامة تحتوى آلاف الكتب، ثم نشاط مسرحى على خشبة مسرح المدرسة، والأهم، التحاقه بمعهد التربية للمعلمين، بالقاهرة، لدراسة فن الرسم، مما أدى إلى ازدياد وعيه وإحساسه بإيحاءات الألوان ومعانى تعبيرات الوجوه.. أما من الناحية الشكلية فإنه، إلى جانب اتساقه الجسمانى، وجمال ملامحه الرجولية، يوحى بالألفة، والصدق، والثقة. هادئ، بعيد عن الانقلابات الانفعالية، رزين، صاحب شخصية واضحة. عيناه تبتسمان قبل شفتيه، وتغضبان قبل التعبير عن الغضب بالكلمات. وربما لأنه لم يقف فوق خشبة المسرح طويلا، تجد صوته لا يكاد يرتفع ولا يطلق من عقيرته صياحا، ولكن يلون صوته بالإحساس الذى يريده. باختصار، ومن دون مغالاة أو افتعال.. طوال عدة عقود، ومئات الأفلام، لم يرتد جلباب الفلاح أو عفريتة العمال، متأنق غالبا، إنه أفندى بامتياز.

اختلف كمال الشناوى عن نجوم عصره، فهو ليس غارقا فى الأحزان كما الحال عند عماد حمدى، وليس متزمتا أخلاقيا، ولا يدمن إلقاء المواعظ على طريقة حسين صدقى، ويتجنب اندفاعات أنور وجدى، وليس فاترا كما محمود ذو الفقار، ولا يوحى بصغر السن الذى ظل ملازما لشكرى سرحان طوال فترة غير قصيرة.. إنه وإن كان له لون واحد، لكن هذا اللون متعدد الدرجات، يميزه عن زملائه.. الأفندية.

ما إن عرض «غنى حرب» حتى أدرك الجميع أنهم بإزاء وجه جديد، على درجة كبيرة من النضارة، وشخصية تلبى احتياجا عند الجمهور، وتغطى مساحة من الأفلام المتزايدة عددا، عقب الحرب العالمية الثانية، وفورا، توالت العروض عليه، وأصبح من الواضح أنه سيتفرغ تماما للتمثيل.

أرمان دوفال

أنفاس مارجريت جوتييه المتهدجة، المترعة بالوهن والمرض، الأخيرة، لم تبك حبيبها أرمان دوفال فحسب، بل جعلت جمهور المسرح والسينما، فى معظم بلاد الدنيا، ينهنه، ويجفف دموعه.. ميلودراما «غادة الكاميليا» التى كتبها ألكسندر ديماس الابن، تسللت من المسرح الفرنسى، إلى المسرح المصرى، ثم السينما المصرية، لا لتظهر ممصرة فى ستة أو سبعة أفلام فقط، تعترف بها كمصدر، ولكن لتلقى بظلالها على عشرات الأفلام، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر «بنات الليل» و«الجسد»، لحسن الإمام 1955.. وبرغم التغييرات والاختلافات بين الفيلمين من ناحية، و«غادة الكاميليا» من ناحية أخرى، فإن أصداء الأصل تتوافر فى تلك الغانية التى تنغمس فى المجون، ولكنها ترنو إلى النور الذى يتمثل فى الفارس المنقذ، الشهم النبيل، ارمان دوفال، الذى يجسده، فى الفيلمين، كمال الشناوى، حيث يبدو أهلا للثقة، تعقد عليه الآمال، من الجمهور والغانية، فى انتشال المرأة التعيسة، ضحية مجتمع قاس لا يرحم.. وأيا كانت الأسباب، يفشل «الأفندى» فى إنقاذ الحبيبة التى تموت، فى النهاية، بين يديه.

كمال الشناوى، أرمان دوفال، لا يفشل بالضرورة فى إنقاذ الحبيبة، ذلك أن النهاية السعيدة، من الشروط المهمة فى الكثير من الأفلام المصرية، وبالتالى يتزوج من الفتاة الفقيرة، كسيرة الفؤاد، بسبب والدها الذى سجن ظلما فى «ظلمونى الناس» لحسن الإمام 1950، ويعود إلى حبيبته القعيدة وابنتها التى أنجبتها منه فى «وداع فى الفجر» لحسن الإمام 1956.. وسواء كانت الأفلام قاتمة، حزينة، أو مبهجة، سعيدة، فإن أداء كمال الشناوى يكاد يكون موحدا، أقرب للكليشيهات المحفوظة، يعتمد فيها على ابتسامته الساحرة، المشرقة، ونظراته الصادقة، التى تعبر عن انفعالات بسيطة، أحادية الجانب، مثل الانزعاج أو السرور أو الحب أو الغضب.. وهو، فى كل هذا، لا ينسى أنه «نجم»، يحافظ على تأنقه، بشعر رأسه اللامع، الناعم، ولفتاته المتأنية، وشاربه «الدوجلاس» الرفيع، وصوته الرخيم، بنبراته الواضحة، فضلا عن حركته المتأنية، وشعوره الدائم بالثقة.. وعن هذه المعالم الموحدة، التى ينتقل بها من عمل لآخر، يقول للناقد الكبير على أبوشادى، فى الكتاب الذى صدر عنه بعنوان «شمس لا تغيب»: بدأت أشعر أننى لا أقدم جديدا. وكنت أرى أن السيناريوهات المعروضة علىّ قد سبق لى أن مثلت أدوارها من قبل فبدأت اعترض على هذه الأدوار وبدأت أميل للأدوار الأكثر عمقا.. والطريف أننى كنت أحاول حتى فى الأدوار الخفيفة أن أقدم بعض الانفعالات والتعبيرات الإيمائية أثناء إلقاء الحوار.. إلا أننى كنت أفاجأ حين أشاهد الفيلم بأن مجزرة قد حدثت وحذفت الأجزاء التى حاولت فيها أن أقدم أداء مختلفا أو تعبيرا عن موقف ما.. كان المخرجون والمونتيرون يريدون حوارا طويلا تبدأ به اللقطة وتنتهى به.

أدوار.. ذات شأن

عادة، يحقق الممثل نجاحا مرموقا عندما يؤدى دورا مناقضا أو مختلفا عن أدواره التقليدية، وهذا ما حدث مع كمال الشناوى الذى ارتفع بالعديد من أفلام قدمته بألق غير مسبوق، فها هو فى كوميديا «سكر هانم» للسيد بدير 1960، يطالعنا على نحو يختلف عما بدا عليه فى أفلام بدا فيها «دون جوان» لا يشق له غبار، تخفق بحبه قلوب البنات، وتتوله النساء فى رجولته.. هنا، فى «سكر هانم»، يتابع، محبطا، مكبل الإرادة، ما يجرى لحبيبته التى انفرد بها صديقه، عبدالمنعم إبراهيم، المتخفى فى زى امرأة، ويجعلها ترقص له، وتميل عليه ليلثم خدها، بل يطرد الدون جوان المهزوم من الحجرة، ولا يستطيع كمال الشناوى، المحتقن غضبا، أن يفعل شيئا سوى الإذعان، لخوفه من اكتشاف أمره، ويستسلم صاغرا، مرتبكا، لأوامر صديقه، نهاز الفرص.

مرة أخرى، يثبت كمال الشناوى جدارته كفنان مرهف، حين يسند له دور «عباس أبوالدهب» فى «المرأة المجهولة» لمحمود ذو الفقار 1959.. أمام «الفيديت» التى شكلت معه ثنائيا متوائما فى عشرات الأفلام «شادية».. الحب ليس واردا فى علاقتهما هذه المرة، ولكنها أقرب إلى أن تكون علاقة بين جلاد وضحية. كمال الشناوى يتخلى عن معالم الرقة والشهامة ليغدو نموذجا فريدا لبلطجية القاهرة فى الثلاثينيات، والأهم أنه وشادية، يظهران فى مرحلتين عمريتين مختلفتين. الأولى، فى شرخ الشباب، حيث النضارة والحيوية والانطلاق.. والثانية، على مشارف الشيخوخة، حيث الوهن والنظر الكليل والحركة البطيئة وبياض شعر شادية الذى بدا مجعدا، وتساقط شعر رأس كمال الشناوى الذى لم يبق عنده إلا ما يشبه الخصلة الصغيرة، الملتصقة مع بعضها بعضها، بفعل الصابون.. الفارقة أن الثنائى حقق مستوى رفيعا فى أدائهما حين جسدا مرحلة الكهولة، خاصة أن كمال الشناوى، حافظ على النزعة الإجرامية للشخصية وإن اختلفت مظاهرها، فبعد أن كان لا يتورع عن استخدام قوة بدنه، ويواجه بلا تردد، وينتزع نقود فتيات الليل عنوة، أصبح يعتمد على عقليته الشريرة، يناور ويهدد ويبتز، والواضح أنه وجد فى هذا الدور ما كان يبحث عنه من «انفعالات وتعبيرات إيمائية»، فأخذ يوحى، وهو يتجرع، باستمتاع مدمن عتيد، كأس الخمر الرخيص. إننا بإزاء رجل جبل على الضعة والانحطاط، وفى صوته عبر التليفون، الأقرب إلى الفحيح، يبدو كأنه ثعبان فى زى رجل شديد وشرير وعجوز.

بعيدا عن أدوار «الفتى الأول» المسطحة، يثبت كمال الشناوى جدارة لافتة فى الأدوار المختلفة، خاصة فى أدائه المتفهم، بحكم ثقافته، للشخصيات الشريرة، غير التقليدية، البعيدة عن أنماط المزور أو تاجر المخدرات أو رئيس العصابة، فثمة فى المجتمع من هم أخطر، لأنهم من ذوى الياقات البيضاء، ولعل الصحفى، رءوف علوان، الذى جسده كمال الشناوى بمهارة، فى «اللص والكلاب» لكمال الشيخ 1962، أن يكون من أهم هذه النماذج، والتى ظهرت على نحو متباين، حين أدى دور، يوسف عبدالحميد السويفى، فى «الرجل الذى فقد ظله» لكمال الشيخ 1968.. الواضح أن كمال الشناوى قرأ رواية «اللص والكلاب» لنجيب محفوظ قراءة متعمقة وخاصة، وأدرك أن «الذكاء» هو سر ومفتاح شخصية رءوف علوان. إنه يعرف قوانين المجتمع، ويرى أعماق تلميذه «سعيد مهران» ــ بأداء شكرى سرحان ــ وبالتالى يتوقع ما سيفعله، ولا تخيب توقعاته، لذا فإن من أقوى مواقف الفيلم، عندما يعود سعيد مهران لسرقة الفيللا فيفاجأ بصاحبها فى انتظاره.. كمال الشناوى، الهادئ، الأوسع خبرة والأعمق دراية، الأذكى، حسب استيعابه الصحيح لرءوف علوان، يبتعد تماما عن أى مغالاة فى الانفعال، بل لا يغضب ولا يعاتب، فقط يطرده بازدراء. على طول الفيلم، يبدو وكأنه يعرف مسار الأمور، ويساهم فيها، بانتهازيته، وغدره، وذكائه. إنه لون من الشر الأنيق الموجود فى الواقع، الجديد، حينذاك على الشاشة.

ذروة

أسلوب كمال الشناوى القائم على الهدوء، والانفعال الداخلى، والتعبير المكثف، المختزل، بالإيماءة، والنظرة، أتاح له الوصول إلى الذروة، فى أدائه لشخصية خالد صفوان. ففى «الكرنك» لعلى بدرخان 1975. إنه هنا، الامتداد الوحشى لرءوف علوان ويوسف عبدالحميد السويفى، وقبلهما عباس أبوالدهب. ولكنه، هذه المرة، رئيس مؤسسة قمع حكومية، وبالتالى أوسع نفوذا، وأكبر قدرة على الإيقاع بالآخرين. إنه يزاول الشر بتصريح من النظام، ويتحاشى كمال الشناوى أن يبدو ساديا، يتلذذ بتعذيب الأبرياء، وفى ذات الوقت، يتجنب الإيحاء بأنه يقوم بعمله مجبرا، كل ما فى الأمر أنه متوافق تماما مع وظيفته، يمارسها ببساطة، كما لو أنها من طبيعة الأشياء. وبهذا الفهم العميق ينظر إلى الضحايا نظرة تكاد تكون ميتة، من دون كراهية أو شفقة. إنه يؤدى عمله، ومثل كل موظف أو مسئول، قد يتكدر حين لا يتحقق النجاح، وقد يشعر بالرضا عندما يتم تحقيق المطلوب.. وبهذا الفهم يتحرك ويتصرف ويعلق، كوزير للداخلية، فى «الإرهاب والكباب» لشريف عرفة 1992، ولكنه، هذه المرة، يجد نفسه فى ورطة، فمجمع التحرير وقع فى يد من يعتقد أنهم عناصر إرهابية، وبانضباط شديد، يعبر كمال الشناوى عن انفعالات محسوبة بدقة، فلا ينسى لحظة أنه «وزير داخلية»، عليه أن يبدو متماسك الأعصاب، يلجم جام غضبه ويكتمه، ويعبر عنه بنظرة استنكار ممتزجة بالحيرة نحو المبنى الضخم الذى يبدو أكبر وأشد رسوخا من الوزير وقواته، وها هو، الشناوى، يتحدث بضيق وربما بشىء من الحسد، عن بقية الوزراء، النائمين فى بيوتهم، بينما عليه أن يعالج أخطاء الجميع.

كمال الشناوى «1921 ــ 2011»، قطع مشوارا طوله يكاد يتجاوز المائتى فيلم، بدأه بدور «الأفندى» المحبوب، اللطيف.. ووصل إلى مسئول أحد أجهزة القمع، قبل أن يصبح ــ على الشاشة ــ وزيرا للداخلية. إنه جزء مضىء من تاريخ السينما المصرية، بينما السينما المصرية هى تاريخه كله.

1947

● «غنى حرب» تأليف أبوالسعود الإبيارى، شارك فى بطولته: ليلى فوزى وبشارة واكيم وإلهام حسين، وإخراج نيازى مصطفى.

1962

● «اللص والكلاب» قصة لنجيب محفوظ، أعد لها المعالجة الدرامية صبرى عزت وكتب الحوار على الزرقانى، وشارك فى بطولته: شادية وشكرى سرحان، وإخراج كمال الشيخ.

1975

● «الكرنك» قصة لنجيب محفوظ، أعد لها السيناريو والحوار ممدوح الليثى، وشارك فى بطولته: سعاد حسنى ونور الشريف، وإخراج على بدر خان.

1992

● «الإرهاب والكباب» تأليف وحيد حامد، وشارك فى بطولته: عادل إمام ويسرا، وإخراج شريف عرفة.

 

الشروق المصرية في

27.08.2011

 
 
 
 
 

كمال الشناوي.. بصمة مهمة

محمد رضا 

بعد مرور نحو أسبوعين على رحيل الممثلة ذات البصمة هند رستم، توفي الممثل ذو البصمة كمال الشناوي. ومعا مثلا أفلاما من عام 1948 إلى عام 1955 وبعد ذلك ليس معروفا لمَ لمْ يظهرا معا بعد ذلك. تلك الأفلام المشتركة كانت في مطلع عهد كل منهما بالتمثيل: «الروح والجسد» (1948)، «بابا أمين» (1950)، «جحيم الغيرة» (1953)، «طريق السعادة» (1953)، «حدث ذات ليلة» (1954)، «انتصار الحب» (1954)، «بنات الليل» (1955)، «الجسد» (1955)، «اعترافات زوجة» (1955).

مناصفاته الغالبة كانت مع الممثلة والمغنية شادية. في خمس سنوات مثلا معا ستة أفلام والحبل على الجرّار طوال الخمسينات والستينات. الثنائي كان ناجحا لبضعة أسباب، أحدها أنهما كانا لطيف الوقع. هي كانت الفتاة التي تصدق بساطتها، وهو كان، كما في معظم أفلامه شابا وما بعد، كان مقبولا في الأدوار العاطفية والكوميدية الخفيفة ولحلاوة الوجه واللسان.

هذا اللون المتشابه من الأدوار استمر حتى نهاية الستينات ومطلع السبعينات. بعد ذلك نضج أداؤه مع تخطيه السن المشروعة لتمثيل دور العاشق والمحب الذي سيفوز بالبنت الحلوة في نهاية الفيلم. أعتقد أن المخرج كمال الشيخ هو أول من منحه الدور الذي يبقى في البال لاختلافه عن معظم أدواره السابقة. كان لعب أدوارا درامية من قبل، لكن في «اللص والكلاب» (1962) ومع شادية أيضا كان الدور ارتقاء لما قبله وبداية علاقة عمل جيّدة بينه وبين المخرج الذي من بين أفضل من نفذ الفيلم بمهارات تقنية عالية. في العام ذاته مثّل تحت إدارته أيضا «الشيطان الصغير».

تحت إدارة كمال الشيخ مرّة ثالثة في «الرجل الذي فقد ظلّه» (1968) ثم «الهارب» (1974) أحد أهم أفلام السينما المصرية، كتابةً (رأفت الميهي) وتصويرا (عبد العزيز فهمي) وإخراجا وأداء، كان هناك لقاء نوعي جيد آخر بين الشناوي وشادية. هنا يدرك المشاهد، مرة أخرى، قيمة مهمة تتعلق بخبرة السنوات الطويلة التي أمضاها كل منهما، معا أو على نحو منفصل، في التمثيل.

كمال الشناوي الآن لم يعد يُطالب نفسه بأن يكون محبوبا.. لقد تجاوز ذلك. بات الرجل الذي تستطيع أن تثق بنضجه وتقبله كتجسيد متعدد الأداءات. وكان يعلم ذلك عن نفسه ويمارس ما يعرفه من دون لافتات يرفعها للبرهنة على أي شيء. لم يتغير فيه ذلك الهدوء، ومستوى ذلك الاحتراف. على ذلك، فإن السؤال هو: إذا كان كمال الشيخ آمن بموهبة كمال الشناوي، فإن عددا من المخرجين الجيدين الآخرين لم يفعل.. فهل هي صدفة أن المخرج يوسف شاهين لم يطلب الشناوي لكي يمثّل في أي من أعماله؟ لماذا عمد إليه كمال الشيخ ولم يستغله صلاح أبو سيف؟ هل أعاقت أدوار كمال الشناوي الخفيفة السابقة الإيمان بقدراته لاحقا؟

كمال الشناوي كان يلعب على مفاتيح الأداء الواحدة. حركة مكررة عند موقف معين.. نبرة لا تتغيّر في مواقف متشابهة.. تتوقّع فتجد. لكن الشناوي لم يكن وحيدا في ذلك، كل الممثلين (من جيله ومن أجيال لاحقة) تعوّدوا على مفاتيح تحصرهم في نمطية أداء: صلاح سرحان، عماد حمدي، يوسف شعبان، صلاح ذو الفقار، فريد شوقي، رشدي أباظة، شكري سرحان.. كلهم مثلوا بمفاتيح حفظوها نطقا وتعبيرا لكن بعضهم مضى أكثر قليلا مما مضى سواهم.

بالنسبة لكمال الشناوي، فإن مثابرته حملته إلى آخر المطاف.. إلى عام 2001، عندما أدرك أن عليه أن يتوقف عن السينما حفاظا على شأنه. كان لعب أدوار الخير معظم الوقت وجرّب الشر بعض الوقت. وفي كل الأوقات حافظ على احترافه وهدوئه.

 

الشرق الأوسط في

26.08.2011

 
 
 
 
 

أگثر من نصف قرن علي عرش النجومية كمال الشناوي..

نجم الأيام الحلوة

انتصار دردير 

> > بين أن يكون الفنان ممثلا وأن يحقق النجومية مسافة شاسعة لا يقطعها إلا الموهوبون حقاً.. المؤهلون لها واذا كان هناك فنان يستحق لقب »نجم« عن جدارة فهو كمال الشناوي بلا منازع.. فقد تربع علي عرش النجومية لأكثر من نصف قرن ظل فيها الأكثر جماهيرية والأعلي أجرا وصاحب الحضور الطاغي كان كمال الشناوي يدرك ذلك وقد استطاع بذكائه أن يحافظ علي نجوميته حتي اللحظات الأخيرة في حياته > >

كان كمال الشناوي يسكن في الجيزة أمام مدرسة الأورمان الثانوية للبنات وكانت التلميذات الصغيرات يقفن أمام المدرسة يتطلعن إلي اللحظة التي يظهر فيها كمال الشناوي في شرفة شقته أو يستقل سيارته المكشوفة ليلوحن له أو يحصلن علي توقيع بخط يده.

وحين زرته قبل عامين في بيته اطمئن عليه بعد وعكة صحية ألمت به قال لي »اخترت أن أسكن في هذه العمارة منذ الخمسينيات وكانت تعرف في شارع الجيزة كله بأنها »عمارة كمال الشناوي« كانت تطل علي النيل قبل أن ترتفع المباني الشاهقة أمامها.. وكان المنظر بديعا.. وفي وقت من الأوقات كان بامكاني أن انتقل إلي فيلا كبيرة أو أن اشتري قطعة أرض وكانت الأراضي وقتها تبحث عمن يشتريها خاصة بعد ظهور المدن الجديدة وازدحام القاهرة بشكل مثير لكنني لم أفعل.. وظللت أقيم في نفس الشقة ومؤخرا فقط شعرت بالندم لانني لم أعد أجد راحتي في هذا المكان وقد اضطررت قبل أيام لتحرير محضر ضد أحد السكان الذي يجري تجديدات في شقته ولا يحلو له ذلك إلا في الأوقات التي أخلد فيها للراحة فلم أعد أجد الراحة في بيتي واصبحت طلبا عزيز المنال.. وكلما ألحت علّي زوجتي بالانتقال لمكان آخر أقول لها »لقد أصبح قرارا متأخرا«.

مساحة الندم التي شعر بها النجم القدير في حياته لم تتسلل أبدا إلي فنه فقد ظل راضيا سعيدا مزهوا بما حققه من نجومية عريضة.. فقد كان لديه شعور غامض بأنه سوف يصبح ممثلا شهيرا.. كانت ثقته في موهبته بلا حدود بل إنه حين رشحه المخرج نيازي مصطفي لبطولة أول أفلامه »غني حرب« عام ٧٤٩١ طلب أجرا قدره خمسمائة جنيه وثار المنتج ثورة عارمة فقد كان هذا الأجر أكبر من اجور الممثلين الكبار في عصره وتدخل نيازي مصطفي وأقنعه بأن يحصل علي مائة جنيه مؤكدا له بثقة غدا سوف تضع شروطك وبالفعل انتقل الشناوي من نجاح إلي نجاح ليصبح بطلا لـ٢٧٢ فيلما سينمائيا بخلاف مسلسلاته التليفزيونية الناجحة.

وقد قال لي كمال الشناوي: لم أقدم أي دور إلا اذا كنت مقتنعا به ومؤمنا بقدرتي علي أدائه ولم أندم علي عمل قدمته.. فكل دور أديته أنا سعيد به واشكر الله دائما أن أعطاني العمر لكي أعيش حياة عريضة واكتشف أن الحياة حلوة.. لقد كنت دائما في حالة تصالح مع نفسي وكنت محظوظا لأن أيامي كانت حلوة وقد مثلت وأنتجت وكتبت سيناريوهات لأفلامي..  وقدمت برنامجا ناجحا بداية ارسال التليفزيون بعنوان »صور وحكايات«.. كما انني كنت محظوظا بنجوم عصري.

خمسة أفلام من عمره

رغم انه بدأ مشواره الفني بأدوار الفتي الأول »الجان« فإنه لم يقع أبدا أسيرا لهذه الشخصية بل تمرد عليها وقدم أدوارا كشفت عن قدراته الكبيرة كممثل وفي الاستفتاء الذي اجراه مهرجان القاهرة السينمائي عام ٦٦٩١ لاختيار أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما وقع الاختيار علي خمسة أفلام لعب بطولتها كمال الشناوي وهي اللص والكلاب والمستحيل، أمير الانتقام، الرجل الذي فقد ظله، الكرنك.

دويتو مع شادية

اذا كان كمال الشناوي قد ظهر وسط نجوم العصر الذهبي للسينما مثل رشدي أباظة وشكري سرحان وفريد شوقي وعمر الشريف، فقد كانت نجمات عصره فاتن حمامة وشادية ونادية لطفي وقد جمعه ٢٣ فيلما مع الفنانة شادية. وكونا ثنائيا فنيا رائعا حقق نجاحا جماهيريا كبيرا جعل المنتجين يتهافتون علي التعاقد معهما.. وقال كمال الشناوي: لقد كان القدر وراء ارتباطي بشادية وقد اسهم كل منا في شهرة الآخر.. فقد كنا »لا يقين علي بعض« وكانت مساحة التفاهم بيننا كبيرة وقد ظلت شادية هي الأقرب إلي قلبه ونفسه لقد كانت رفيقة كفاح وفنانة رائعة وقد ظلت رغم سنوات اعتزالها هي أكثر من يسأل عني،.

اما الفنان سمير صبري فقد ظل حريصا علي ان يهنئه بعيد ميلاده بباقة ورد كل عام .. وكان كمال الشناوي قد تزوج من شقيقة شادية عفاف شاكر ولم يستمر زواجه بها سوي وقت قصير ولم يؤثر انفصاله عنها علي علاقته بشادية بل استمرا في تقديم أفلامهما معا.

رجم الله كمال الشناوي الذي رحل عن دنيانا يوم الاثنين الماضي عن عمر يناهز 89 عاما.

 

أخبار اليوم المصرية في

26.08.2011

 
 
 
 
 

الشناوي من الموسيقى والرسم إلى السينما

القاهرة - نيرمين سامي 

ستون عاماً من التوهج الفني، بخاصة في الفن السابع، قضاها الفنان الراحل كمال الشناوي الذي وافته المنية منذ أيام عن عمر يناهز 89 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، ليترك خلفه أكثر من مئتي عمل سينمائي وتليفزيوني. ولد محمد كمال الشناوي في 26 كانون الأول (ديسمبر) 1922 بالمنصورة وعاش بداية حياته في حي السيدة زينب في القاهرة وتخرج في كلية التربية الفنية جامعة حلوان والتحق بمعهد الموسيقى العربية ثم عمل مدرساً للرسم. وفي عام 1948 مثَّل أول أفلامه «غنى حرب» وفي نفس العام قام بدور رئيسي في كل من «حمامة سلام» و«عدالة السماء». وفي عام 1965 خاض تجربة الأخراج فحقق فيلم «تنابلة السلطان» وهو الفيلم الوحيد الذي أخرجه.

قدّم الفنان الراحل كمال الشناوي الكثير من الأدوار على مدار حياته وهي أدوار تنوعت بين الخير والشر والدراما والكوميديا؛ حيث تربع على عرش النجومية في السينما المصرية منذ أواخر الأربعينات واستمر بطلها المتميز في الخمسينات، وأستاذها في الستينات لكثرة أعماله وتنوعها وخصب أدائه وتجدد عطائه وثراء شخصياته. وتضمنت أعمال الشناوي طوال مشوار حياته الكثير من الثنائيات الناجحة مع النجم إسماعيل ياسين وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والفنانة المعتزلة لاحقاً شادية. وكان آخر أعماله المشاركة في فيلم «ظاظا» عام 2006. وفي الاحتفال بمئوية السينما العالمية عام 1996 اختار سينمائيون خمسة أفلام شارك فيها الشناوي ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية وهي «أمير الانتقام» و»اللص والكلاب» و»المستحيل» و»الرجل الذي فقد ظله» و «الكرنك».

إلى ذلك جسد الشناوي بطولة عدد من المسلسلات التلفزيونية من بينها «زينب والعرش» و»هند والدكتور نعمان» و»أولاد حضرة الناظر» و»لدواعي أمنية» أما آخر مسلسل شــارك فيه فكان بعنوان «آخر المـــشوار». ومن أشهر الأفلام التي لعب كمال الشناوي دور البطولة فيها «وداع في الفجر»، «قلوب العذارى»، «من غير أمل»، «بنات الليل»، «الوديعة»، «بين قلبين»، «بشرة خير»، «ارحم حبي»، «غرام مليونير»، «معاً إلى الأبد»، «انتصار الحب»، «الأرض الطيبة»، «ليلة الحنة»، «الأستاذة فاطمة»، «الكرنك»، «قليل البخت»، «حياتى أنت»، «ساعة لقلبك»، «حمامة السلام»، «الروح والجسد»، «الهارب»، «المرأة المجهولة»، «عاشت للحب»، «العاشقة، «لواحظ»، «الرجل الذي فقد ظله»، و»المستحيل».

ونال الشناوي الكثير من الجوائز والتكريم في حياته؛ حيث حصل على جائزة شرف من مهرجان المركز الكاثوليكي في 1960 وجائزة الامتياز في التمثيل من مهرجان جمعية الفيلم في 1992. ونعى نقيب الممثلين المصريين أشرف عبدالغفور، الفنان كمال الشناوي، قائلاً: «كان من الفنانين الذين أثروا الحياة الفنية على مدى سنوات طويلة بأعمال لا تنسى».

 

الحياة اللندنية في

26.08.2011

 
 
 
 
 

كمال الشناوي..

مدرس الرسم الذي صار فتي السينما الأول

ترثيه : رشا مجدي 

كمال الشناوى.. ربما ىكون الوحىد الذى ىستحق أن ىطلق علىه الفتى الأول للسىنما المصرىة، لأنه احتكر هذا الدور لمدة طوىلة حتى بعد أن تجاوزت سنه مثل هذه الأدوار.

هو بالطبع كان ىحمل كل الصفات التى تتطلبها أدوار الفتى الأول منها الوسامة وخفة الدم والقدرة الفائقة على إغواء البطلة وإىقاعها فى غرامه لم ىنافسه فى هذا الدور فى الفترة التى ظهر فىها إلا قليلون وبدرجة أقل تأثىرا، وهناك أخبار ومقالات فى الصحف فى الفترة التى ظهر فىها كانت تتحدث عن عدد المعجبىن والمعجبات الذىن ىطاردون كمال الشناوى.

إذا كان فىلما مثل «الأستاذة فاطمة» أمام فاتن حمامة قد احتوى على كل العناصر التى تصنع منه «فتى أول» إلا أن جمهور السىنما المصرىة لن ىنسى أدواره أمام شادىة فهما كونا أشهر ثنائى عرفته شاشة السىنما، ولا أحد ىستطىع أن ىنسى الدوىتو الذى أدياه فى الأغنىة «سوق على مهلك» التى كتبها جلىل البندارى والتى ىقول مقطعا منها «على إىه نجرى كفاىة العمر بىجرى من حولىنا» وبالمناسبة فإن كمال الشناوى درس أكادىمىا أصول الغناء واعتمدته الإذاعة مطربا لكنه وجد نفسه أكثر فى التمثىل.

ولكن ىمكن أن نظلم كمال الشناوى لو قلنا إنه فقط مجرد ممثل وسىم ىجىد أدوار الفتى الأول، كمال الشناوى كان ممثلا من العىار الثقىل، وهناك نقاد اعتبروه من أهم ممثلى السىنما المصرىة وىمكن تصنىفه عالمىا بأدوار مثل «الكرنك» و«اللص والكلاب» و«الرجل الذى فقد ظله» وغىرها من الأدوار المهمة التى ىمكن أن تضعه بلا مبالغة بىن نجوم عالمىىن كبار مثل روبرت دى نيرو وآل باتشىنو.

كمال الشناوى بدأ مسىرته فى أربعىنىات القرن الماضى وتنقل بىن عشرات الشخصىات والأدوار، وتعاون مع كبار المخرجىن الذىن وجدوا فىه الأوراق الرابحة والضمانة لنجاح أفلامهم.

ولد كمال الشناوى بمدىنة المنصورة وسط أسرة متوسطة الحال وكان المفترض أن ىأخذ طرىقه فى الحىاة كمدرس رسم ولكن القدر أهدى مصر ممثلا عملاقا كان له تأثىر مهم فى مسىرة السىنما المصرىة.

 

نصف الدنيا في

26.08.2011

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004