رســائـــل البحــــر
بقلم :ماجدة موريس
الحذر لا يمنع القدر والاختيار.. لا يمنع الطوفان
والوعي وحده هو سبيل المقاومة.. خاصة لو جاء ممن يفترض فيه التسليم..
ورفع الراية البيضاء.
هكذا تبدو رحلة يحيي (آسر ياسين) بطل فيلم داود عبد السيد الجديد (رسايل
البحر) من البداية إلي النهاية، فالنهاية هنا مفتوحة علي الأفق الواسع
للبحر وللسماء، وبرغم الأسماك الميتة الطافية علي السطح والتي قتلها
«الصيادون الجدد» من أمثال الحاج هاشم، فإن القارب يستطيع الإفلات إلي مكان
أفضل يليق بحياة يحيي مع نورا (بسمة) الغنيمة «الإنسانية» الوحيدة التي خرج
بها من العالم.
داود عبد السيد فنان بدرجة مفكر سينمائي. يكتب أفلامه ليخرجها أو يخرج
ما يريد كتابته بالضوء والظل والموسيقي والايقاع معبرا عن مكان وزمان
وشخصيات يرتبط وجودها بالتفاعل مع اللحظة الآنية والرغبة في الإفلات منها
في نفس الوقت، ففكرة القدرة علي الاختيار أو الرغبة فيه وفي الإفلات من
الظروف الخانقة المحيطة من ضمن الملامح المهمة لأبطال داود في كل أعماله،
فهم يبدون أمامنا في حالة تجربة وجدل مستمر لاختياراتهم، يخطئون وتلعب بهم
الحياة لكنهم يرفضون الخمود والاستسلام لما آل إليه غيرهم من انكسار.
يبدأ الفيلم برحلة (يحيي) إلي الإسكندرية تاركا مدينته القاهرة بعد
موت الأب والأم ورحيل الأشقاء إلي كندا، يعقد صفقة مع شقيقه ليرسل له أموال
أرثه علي دفعات ليعيش منها، ويترك الفيلا الواسعة التي ضاق بها صدره طويلا،
ففي كل ركن منها تلقي أمرا من الأب الراحل.. وفي الإسكندرية يذهب إلي شقة
الأسرة القديمة، في العمارة العتيفة حيث تقطن الجارة القديمة فرانشيسكا
(نبيهة لطفي) الايطالية الأصل وابنتها الشابة كارلا (سامية أسعد) التي
هواها قديما، وخارج الشقة والعمارة مدينة كاملة تدعوه للغواية فكل ما فيها
ساحر، يختال بنفسه من الأبنية للشوارع المغسولة، للنوافذ المفتوحة تنبعث
منها أصوات الموسيقي والدكاكين الصغيرة، يقتحم يحيي المدينة بشرب الخمر
لأول مرة حتي الثمالة ليجذب اهتمام قابيل زبون المكان (محمد لطفي) الدائم
فيحمله إلي مسكنه، وبعدها أصبح صديقه، بدون أسباب للصداقة غير قدر من النبل
والطيبة لدي الآخر يتعارضان مع ضخامة حجمه واكتشاف يحيي أنه يعمل بودي جارد
لحراسة كباريه معتمدا علي الخوف من ضخامته، فيما بعد يكتشف يحيي الكثير عن
المدينة التي اختارها للحياة ، كما اختار العمل صيادا في بحرها مع طابور
غيره، بعد أن ترك الطب بلا ندم بعد أن كره أن يكون موضع سخرية أقرانه
لتعثره في الكلام (ربما أرادوا النيل منه لأنه كان أول الدفعة) عجز الطبيب
النابه عن علاج نفسه وهرب من عالمه كله إلي عالم آخر ليعيش يوما بيوم،
يتلقي عطايا البحر وغضبه بمشاعر متقلبة بين الفرح والكرب، وحيث يقدم لنا
الفيلم أحد النوات التي يغضب فيها البحر علي المدينة فنتسمر في أماكننا
ونهتز من روعة الطبيعة وروعة السينما معا (أدار التصوير للفيلم الفنان أحمد
المرسي)، يشغلنا الفيلم من جانب آخر بالبحر حين يستحيل الصيد ويكاد يحيي أن
يموت جوعا مع كل الحيل للبحث عن «رغيف حاف» بالمعني الحرفي بعد ثورة الصياد
علي بحره «اعطيتني حين لم أكن محتاجا.. وبخلت علي وأنا محتاج» لكنه يهدأ،
الرجل والبحر سواء، باحثا عن إنسان يستطيع قراءة رسالة في زجاجة وجدها
تتهادي بقربه وهو يصطاد، ما يفشل الجميع في قراءتها لتظل تشغلنا طوال الوقت
بفحواها حتي كلمة النهاية، وحتي يدرك كل منا - من خلال - تتابع المشاهد
والأحداث أي معان علينا أن ندركها من «رسالة البحر» هذه وتكتمل الصورة حين
يقابل يحيي نورا (بسمة) في ليلة ممطرة بالشارع، يختارها وتختاره بسرعة، فقد
كان وحيدا بعد أن فضلت كارلا رفقة أخري ناوية العودة لإيطاليا وبرغم عقدها
الكثيرة، فإن خيطا من الصدق يربط بينه وبين نورا التي أصبحت جزءا من عالمه
وتسللت إلي قلبه ليضعنا الفيلم في اطار لغة سردية آسرة لعلاقة تخرج من
التأزم لتلتحم تدريجيا بمحيط أوسع وأرحب هو عالم يحيي بكل مفرداته التي
تتشكل من جديد أمامنا في واقع يبدو سحريا غائما لشدة جاذبيته، ولا يجدي
التفكير هنا في مدي واقعيته أو قربه من الإسكندرية التي يعرفها كل واحد منا
شخصيا، ولكن رحلة (يحيي) تثير شجوننا وتطلق أفكارنا تجاه الصورة القديمة
لمدينة ساحرة بداخلنا أكثر مما تتجسد في الواقع الآن، وأصبح رهان الفيلم
علي الحالة كلها، حالة يحيي ونورا وقابيل وحالة المكان والمدينة بعد أن
هاجمها (التتار) من خلال المعلم أو الحاج هاشم (صلاح عبد الله) الذي اشتري
العمارة وأراد أخلاءها من السكان لهدمها وتحويلها إلي مول تجاري، يعرض علي
فرانشيسكا ويحيي شقة في عمارة جديدة أو محلا أو نقودا.. والعرض ليس
اختياريا.. يتمسك كلاهما بالحياة التي يحبانها، لكنهما لا يستطيعان
المقاومة حتي النهاية، تقهر المرأة علي ترك الشقة التي ارادت أن تموت بها،
وترحل إلي إيطاليا مع ابنتها، بينما يطارد صبيان هاشم يحيي ونورا بتهمة
سابقة التجهيز عن الشرف!.. يخرج هو وهي إلي البحر حيث لم يعد باقيا غيره..
فبرغم طوفان الأسماك الميتة من ديناميت هاشم.. فإن فيه مكانا لهما.. هكذا
ينتهي بنا الفيلم في البحر معهما، في رسالة أخيرة، غير الرسالة الأولي..
لنكتشف الرسائل الأخري التي ملأتنا بالنشوة والحنين إلي ما يتجاوز قصة
البطل، وأعني بها رسائل الفن أي القدرة علي انجاز مقطوعة شعرية من خلال
اطار فني محكم لفنان مثل أنسي أبو سيف، ومع بناء موسيقي متكامل يحلق بك إلي
عالم يتجاوز احلامك صاغه راجح داود إضافة لأضواء وظلال المرسي ومونتاج مني
ربيع وممثلين يجبروننا علي تأمل أسلوب الأداء وقيمته في عمل يدفعنا إلي
تذكر ماذا يعني الفن في رحباته وقدراته اللا محدودة علي اشباعنا وإطلاق
اسئلتنا في نفس الوقت.. فتحية لداود عبد السيد وكل العاملين وآمل ألا ينتظر
هذا المبدع الكبير عشر سنوات أخري حتي يوافق السادة المنتجون علي تمويل
فيلمه القادم.. ففي أعماله تعود لغة السينما حية متوهجة ومبدعة.
الأهالي المصرية في
10/03/2010
داود عبدالسيد يتحدث عن رسائله للبحر:
الرقابة الجماهيرية موجودة بسبب التزمت الديني المنتشربجهل
حوار نسمة تليمة
ابتسامة عايزة تبقي ضحكة.. أبدي بإحدي رسائله الخاصة للبحر والتي جاءت
علي لسان بطله «يحيي» الذي يصف ردود أفعال مرضاه في حالة اكتشافهم «لعثمته»
في الكلام.. هو أيضا ابتسامة في ساحة السينما المصرية تحاول أن تقدم أجمل
الأفلام لترصد بها الحزن والألم والأمل في عيوب الناس.. فتكون مرآة
لواقعنا، يشغله الضمير والأخلاق والخطأ والتسامح، أفلامه دائما تنبض
بالحياة وتعيدك إليها فيستخدم مفردات خاصة من صورة وكلمة وموسيقي وديكور
ليصبح بطله الأول هو إحساسه الصادق بما يقدمه وإيمانه به والذي يتسرب إلي
المشاهد من اللقطة الأولي.. لديه من القدرة علي تقبل الآخرين ما يجعلك تعيد
حساباتك في الحياة.. ينظر إلي شخصياته برحمة ويتلمس لهم الأعذار فيرسل لنا
برسالة في قبول الآخر بكل ما فيه، يقدم أبجدية خاصة به جعلت الناقد كمال
رمزي يراه قوة دافعة للواقعية لأنه يجعل شخصياته مصرة علي الفرح علي الرغم
من أن واقعها يسرق أفراحها، أضحكنا وأبكانا في رائعته «الكيت كات» لينسج
نسيجا خالصا من المثل القائل «هم يبكي وهم يضحك» إنه داود عبدالسيد
الابتسامة الجميلة وسط فوضي حياتنا يرسل برسائله الخاصة كوصفة سحرية في شكل
لوحة فنية قريبة منا جميعا.. كان لنا معه هذا الحوار.
·
شخصية «يحيي» في «رسائل البحر»
عندما يكون وحيدا ولا يكون مضغوطا نجده يتحدث بحرية وتختفي «التهتهة» أو
«اللعثمة» هل هي دعوي للوحدة؟
- كل تصرفات يحيي يدعو من خلالها للانخراط في المجتمع والاتصال
بالآخرين وهو بالفعل عندما يكون بمفرده يتحدث جيداً ولكني ذكرت علي لسانه
أيضا أنه «عايز يكلم الناس» لهذا حاول الاندماج مع الآخرين ليخرج من وحدته
فترك الفيلا التي يعيش فيها بمفرده.
·
تتميز بأنك تترك الشخصيات في
أفلامك دون تجميل.. لماذا؟
- أتصور الفن بعيدا عن الرقابة هو طائر حر يحلق في أي سماء دون النظر
إلي اعتبارات السجن الواقعي، ونحن لم نعتد علي هذا والاقتراب من التفاصيل
الخاصة وعرضها.. هو مجرد تعود.
·
شعرنا أن داود عبدالسيد قد يتحدث
عن نفسه في رسائل البحر.. هل هذا صحيح؟
- أنا أتحدث عن نفسي في كل أفلامي وأقدم رؤية للحياة والعالم والمجتمع
من خلالي، فالفن هو أن تحول الهم الذاتي إلي هم موضوعي والأفكار التي أفكر
فيها قد تفهمها الناس وتتعاطف معها لأنها تعيشها أيضا.
·
إلي أي مدي أفادت السينما
التسجيلية داود عبدالسيد؟
- أفادتني كثيرا، أنا ابن المدينة ولست ابن الريف أو البدو، وعندما
أصبح مخرجا تسجيليا أعرض مجتمعي جيدا كما أعرفه، والسينما التسجيلية مهمة
جدا من وجهة نظري فهي «تشحن بطاريتك» إذا جاز التعبير لأنك تلمس الواقع من
خلالها لهذا في رأيي من لا يقدمها علي الأقل يجب أن يشاهدها وأيضا الجمهور
يجب أن يراها.
اللعثمة
·
صرحت قائلا: إنه علي الرغم من
صعوبة دور «يحيي» فإن آسر ياسين قدم دورا عبقريا.. ما هي الصعوبة التي
تراها في الدور وأنت المؤلف والمخرج؟
- هو دور صعب طبعا يحمل مشاعر داخلية كثيرة وتعبيرات خاصة ويصعب علي
أي ممثل تأديته خاصة «اللعثمة» التي يتحدث بها، وآسر استطاع تأديته وتأدية
«اللعثمة» بوضوح الكلام ووصول المعني دون أن يشعر المشاهد بملل، هو دور
مركب وليس بسيطا ومقنع في نفس الوقت وآسر قدمه أفضل مما توقعت.
·
داود عبدالسيد يريد الوصول إلي
الجمهورومخاطبة أكبر عدد من الناس ويريد أن يحقق نضجا فنيا.. هل تراها
معادلة صعبة تعود بنا إلي النجاح الفني والتجاري وكيفية تحقيقه؟
- أكره كلمة معادلة أصلا، هناك أفلام تجاربة أيضا لا تحقق نجاحا ما
حاولت عمله في كل أفلامي هو تقديم عمل فني جيد وجماهيري ناجح وهذا هو
المفروض حدوثه وأنا غير متصور عمل فيلم أتأكد من خلاله أن تكون كراسي
السينما «فاضية».
·
ولكن كيف تري المنافسة في ظل
الأفلام التجارية المعروضة وكيف تراهن علي حضور جمهور واع؟
- كيف يأتي جمهور واع هذا هو السؤال، كيف أصل لجمهور متذوق قادر علي
التفرقة بين ما له قيمة والعكس هذا يحتاج إلي تعليم جيد يهذب ذوقه وهذا عن
طريق أعمال فنية في الأصل جيدة ليستطيع التحليق خارج مشاكله الحياتية من
خلالها وهذا كله غير موجود في الجمهور المصري لا هو متعلم بشكل جيد ولا
ظروفه جيدة ولا وسائل الإعلام تقدم له أعمالا راقية.. ولكني أقول إن
«شكسبير» لم يكتب لجمهور أفضل من الجمهور المصري ونجح في توصيل أفكاره،
الفنان في رأيي دائما يربطه بالجمهور «نفق» يتسع أو يضيق حسب شروط الواقع
ولكن دائما هناك أمل.
·
لماذا تتأخر أفلامك بهذا الشكل
فآخر أفلامك «مواطن ومخبر وحرامي» منذ سبع سنوات تقريبا.. وهذا التأخير قد
نجده مع جميع المخرجين أصحاب الرؤية أمثال خان، بدرخان، هل هي أسباب معينة؟
- قد يحتاج الفيلم لوقت إعداد جيد ولكنه لن يتعدي عاما، المشكلة هي
الإنتاج الذي من الصعب أن يؤمن بفكرتك وهذا يسري علي جميع المخرجين
الجادين.
·
وهل دعم وزارة الثقافة في إنتاج
الفيلم بنسبة 25% فقط قد يكون كافيا لحل هذه المشكلة؟
- طبعا حل جيد وهذا الدعم ضروري إذا كنا نريد عمل أفلام مختلفة عن
الموجودة في السوق وعملية دعم السينما موجودة في أوروبا والمغرب وحتي
إسرائيل مهما كان الدعم مبالغ صغيرة ولكنه مفيد.
نظام سياسي فاشل
·
صرح أحد المخرجين من قبل بأن
الدولة تكره السينما.. فما رأيك؟
- لا أعتقد وجود مشاعر معينة تجاه السينما من الدولة أو النظام
السياسي ولكني أراه يعاني من أزمة كبيرة فهو مطالب بتحقيق المطالب
الاجتماعية وفاشل في تحقيقها ويحاول الحفاظ علي بقائه علي كرسي الحكم
ويعاني من الفساد الكبير لهذا فهو غير مهتم بالثقافة أو السينما بجانب أن
الإعلام موجه لأعلي ونشرات الأخبار موجهة لرئيس الجمهورية، فالنظام السياسي
للبلد فاشل لا قادر يرضي الناس ولا مقتنع بالتضحية ولا مقتنع أن يترك الشعب
فكيف سيهتم بالسينما؟.
·
الإحباطات الموجودة في المجتمع
إلي أي مدي تراها مؤثرة علي المبدع؟
- بالطبع هي مؤثرة إلي حد كبير لأنه يتأثر بها ونجده يتحدث عنها في
أعماله فيحاول أن يؤثر أيضا في المجتمع وفي رأيي المبدع مثل «الإريال» الذي
يجمع موجات كثيرة في الأثير ويعيد تنقيتها ويعيد إرسالها مرة أخري.
·
لماذا نشعر بتعدد النهايات في
أفلامك، فالمشاهد الأخيرة لكل مشهد قد يصلح لأن يكون نهاية منفردة، بجانب
غموض مصير الإنسان؟
- النهاية هي لحظة اكتمال المعني لا يمكنني عمل نهاية إذا لم يكتمل
معناها ولا أشعر بهذا التعدد في أفلامي ولكن هي قراءات تصلح لأي عمل فني
أما غموض مصير الإنسان فمن منا يعرف مصيره هو واقع أعبر عنه أننا جميعا
نحمل مصيرا غامضا.
الساحر
·
«مواطن ومخبر وحرامي» مثلث
الموسيقي فيه نقطة تعريف بالشخصيات الثلاثة وفي «رسائل البحر» كانت
الموسيقي نقطة تعريف البطل وارتباطه بالبطلة حتي قبل رؤيتها، وفي «الكيت
كات» وضعت الموسيقي ضد مشهد «الموتوسيكل» ليتوقف المشاهد عن الضحك ويفكر..
هل الموسيقي بطل أساسي تحرص عليه لهذه الدرجة؟
- نعم أعتقد أن التوظيف الموسيقي في الأفلام مهم جدا وأنا أفضل
الاهتمام بكل تفاصيل الفيلم سواء موسيقي تصويرية أو حتي موسيقي موجودة من
الواقع مثل أغنية قديمة أو مقطوعة معينة لأنها دائما مؤثرة وأسرع في الوصول
ولهذا أفضل العمل مع راجح داود وأعتبره أحسن مؤلف موسيقي في مصر.
·
الفنانة بسمة قالت «إنك جعلتها
تكتشف في نفسها قدرات خاصة» هل المخرج يقبل الممثل بقدراته أم عليه رؤية
طاقات بداخله لإخراجها؟
- «المخرج ليس ساحرا أو صانع معجزات» ولكني كمخرج أجد من يصلح لأن
يقوم مثلا بأدوار مختلفة عن الأدوار التي اعتاد عليها وأجرب وهذا ليس مع
بسمة فقط مع أي ممثل، أحاول اكتشاف وجوه أخري للممثل ولكن السينما التجارية
للأسف حاجبة لهذه القدرات لأنها غير مهتمة بالممثل والمخرج الجيد يحاول أن
يعمل علي قدرات الممثل وإخراج الأفضل وعلي الممثل مساعدته في هذا.
التزمت الديني الجاهل
·
متي تختفي الرقابة الجماهيرية في
رأيك؟
- عندما يفهم المجتمع وأفراده أن هناك آخرين مختلفين في الرأي
والتفكير وأسلوب الحياة ويرضي عن هذا الوجود تختفي الرقابة الجماهيرية
بمعناها القمعي فيحاولوا استيعاب الرأي الآخر دون رفض أو منع وفي رأيي
الرقابة الجماهيرية موجودة بسبب التزمت الديني المنتشر شديد الجهل.
·
ما دور المثقف وسط كل هذا.. وأين
تراه الآن؟
- المثقف ليس دوره الثورة ولكن دوره بسيط جدا وهو القيام بعمله جيدا
سواء أستاذ جامعة أو مواطنا بسيطا أو كاتبا أو فنانا حتي لا يتحول مجتمعنا
إلي فوضي وهو ما يحدث الآن ويتسلل الفساد إلي حياتنا ولا أقصد بالفساد سرقة
فلوس بل أقصد إهمال العمل وعدم إتقانه.
·
هل نعاني من الازدواجية؟
- نعم نحن نتحدث عن التوريث ورفضه فقط في رئاسة الجمهورية ونقبل أن
يورث الأستاذ الجامعي ابنه والفنان وضابط الشرطة والطبيب أيضا يورث المهنة
لابنه حتي القضاة، المجتمع يقبل فكرة التوريث وكأنها ميزة المفروض
استغلالها ولا يوجد مجتمع حديث يقبل هذا.
·
علي ماذا تراهن بأفلامك العميقة
وسط هذه الفوضي؟
- لا أراهن علي شيء بل أصنع شغلي بشكل جيد ليستمتع به الناس وأحاول أن
يكون لي رأي سياسي لو احتاج الأمر.
·
لا تسير حسب قواعد وتقول إنك
تفعل ما تشعر به فقط.. هل المبدع يحتاج إلي البعد عن النمطية والخروج عن
المألوف ليحقق فنا؟
- جانب كبير من الإبداع هو الحرية الشديدة في العمل وعدم وجود قواعد
لتكتمل جاذبية العمل الفني والوصول إلي المستوي الجمالي والوجداني.
علي بدر خان
·
المشهد داخل فيلم «اسكندرية كمان
وكمان» ورفض السينمائيين التجديد لسعدالدين وهبة لفترة ثالثة.. نقطع المشهد
وندخل إلي المشهد الحالي علي الساحة والبحث عن هوية سينمائية في الانتخابات
الأخيرة.. كيف تري المشهدين؟
- ما حدث وقت سعدالدين وهبة وفكرة البقاء الأزلي علي الكراسي التي
نعاني منها حتي الآن ومطروحة علي كل المستويات من رئيس الجمهورية وحتي
الوزير.. أما المشهد الحالي، كنت من مؤيدي علي بدرخان ومازلت من مؤيديه فهو
الأصلح للنقابة ولكننا للأسف في مرحلة النجاح في الوصول للكرسي عن طريق
الخدمات حتي نواب مجلس الشعب «نواب خدمات» ولهذا فالاختيار ليس حسب المصلحة
العامة بل الخاصة وتقديم الخدمات وهو في رأيي بقايا «النظام الإقطاعي» من
يقدم «بطاطين، رشاوي، وخدمات» الناس معاه وهذا تحليلي للموقف.
·
نعود إلي رسائلك للبحر.. هل هي
موجهة لكل شاب موهوب ومحبط؟
- هي لكل إنسان وليس فقط الشباب لمن يستطيع أن يشعر ويتذوق ويحب ويقبل
الآخرين.
·
المشهد الأخير في الفيلم حمل
الكثير من المعاني فالبطلان داخل قارب في البحر وحولهم السمك النافق من
الديناميت.. لماذا؟
- السمك الميت عبر عن العنف الذي ملأ حياتنا ونستخدمه ضد المجتمع وضد
الآخرين وضد الطبيعة فجميعنا في قارب واحد وسط نتائج هذا العنف.
·
صرحت بأن حركة النقد في مصر
متخلفة.. ما دور الناقد في حياة المبدع في رأيك؟
- أتصور النقد مثل «التشريح» فهو يفسر العمل ويبين جمالياته ووظائف
أجزائه ويقارن بينه وبين الأعمال الأخري المصرية وغير المصرية لخدمة المبدع
في النهاية ولكن ما هو موجود في مصر ليس نقدا بل «عرض صحفي» وقد كان لي رأي
حاد من قبل في هذا ولكني بعد سنوات اكتشفت أنه لا يوجد نقد جيد لعدم وجود
أعمال فنية جيدة فالنقد الفني علي نفس مستوي الأعمال المقدمة.
الأهالي المصرية في
10/03/2010
.. وأنسي أبوسيف:
ديگور الفيلم استغرق شهرين فـــي بنائــــه
الديكور.. أحد أبطال فيلم «رسائل البحر» وجزء مهم من مكونات الفيلم
ونجاحه.. اسكندرية التي يراها عبدالسيد العاصمة الثانية ونموذج الانفتاح
الراقي ديكوراتها لم تكن سهلة، شكل الشقق ذات الطراز المعماري الخاص احتاجت
إلي مجهود خاص ويد فنان صاحب رؤية فكان أنسي أبوسيف الذي عمل مع داود
عبدالسيد أيضا في «الكيت كات» وقدم رائعة فنية لحي شعبي مهم.
مهندس الديكور أنسي أبوسيف يتحدث قائلا: عملت مع داود عبدالسيد جميع
أفلامه ماعدا فيلم «البحث عن سيد مرزوق» ويري أن الديكور جزء من العمل لا
يمكن تجاهله فمهندس الديكور يقرأ السيناريو جيدا ليستطيع أن يضع ديكورا
مناسبا، والديكور هو مجموعة مشاهد تحدث في «أماكن» لهذا دائما يطلق مهندس
الديكور عليه «أماكن» والذي يجب أن يخرج بشكل هادف علي الشاشة ليصدق
المشاهد أنها مناظر طبيعية ويشعر بانسجامه مع الحدث، أما عن «رسائل البحر»
فهو فيلم رومانسي يحتاج إلي ديكور دافيء يقدم من خلاله العلاقات بين
الأبطال وقد تم بناء «الشقتين» في الفيلم كديكور والتي يدور خلالها أحداث
الفيلم وهذا للتحكم في الجو العام وهو ما يلائم فكر داود عبدالسيد ويخدم
أسلوبه في الإخراج، حيث يحاول التحكم في إضاءة المكان المهمة جدا للمشاهد
المصورة عكس التصوير في شقق حقيقية.
ويعبر أبوسيف عن عمله بأنه بحث جديد في كل فيلم فأي عمل جاد لا يراه
سهلا ويحتاج لمساحة من الابتكار لمحاولة تقريب الواقع والطبيعة وفن الديكور
يحتاج إلي «خبرة، مزاج، أسلوب، وعمل».
ويتذكر أبوسيف أن ديكور غرفة النوم الخاصة بالبطلة «نورا» أو بسمة
احتاج إلي مكان حي لتصويره فرغم عدم سعادتها لابد أن يكون الديكور لامعا
وهذا هو دور فن الديكور كما يعبر الممثل بجسمه وتعبيراته والمخرج بالكاميرا
يعبر فن الديكور أيضا عن حالة الشخصية، وعن الاهتمام بفن الديكور في
المرحلة الأخيرة يري أبوسيف أن بعض الأعمال الفنية بدأ يظهر فيها هذا
الاهتمام سواء المبنية أو المصورة ولكن في نفس الوقت هناك استديوهات فقيرة
جدا في ديكوراتها خاصة الموجودة في مدينة الإنتاج الإعلامي وعن حبه للعمل
مع عبدالسيد يقول إننا جيل واحد وثقافة واحدة وقريبين فكريا بجانب تميز
داود بالغزارة الفنية، وقد استغرق بناء ديكورات رسائل البحر حوالي 8 أسابيع
وقد اهتم داود عبدالسيد بها ولم يستسهل مثل أي مخرج آخر يصور في أي شقة،
يفضل أنسي أبوسيف أعمال شادي عبدالسلام وصلاح مرعي ومن الجيل الجديد فوزي
العوامري.
الأهالي المصرية في
10/03/2010 |