حاتم علي
..
النجاح رغم عوائق الرقابة
عدسة حاتم علي تقتحم منطقة شائكة في سوريا
أبوظبي- من محمد الحمامصي
الزنزانة بمثابة لوحة تشكيلية مأساوية، تتناثر فيها الأحلام
والأفكار والآراء، وتلونها أوراق الماضي.
اقتحم فيلم حاتم
علي "الليل الطويل" منطقة شائكة في عالمنا العربي، تتجاهلها السينما
العربية منذ
زمن ليس بالقصير، تلك المنطقة المحذورة للقمع السلطوي للرأي الآخر، وأثره
المخرب في
بنية المجتمعات العربية.
يدخل "الليل الطويل" إلى السلطة القمعية مباشرة من خلال أربع شخصيات رهن
السجن
مدد طويلة تصل إلى 20 عاما، قررت السلطة الإفراج عن ثلاثة منهم، وبالفعل
تطلق اثنين
منهما مع غروب الشمس ويبقى الثالث إلى صباح إلىوم التإلى.
الحوار يكشف عن أنهم جميعا مثقفين وسياسيين، ربما منهم مسرحيا وكاتبا
وصحفيا،
وأن كل منهم من مدينة مختلفة،عندما يصلون إلى الشارع نستشعر
دهشة وفرحا مجروحا
بالخروج للحياة التي تغيرت، يطلق أحدهم قدميه مستبقا نفسه إلى فندق متواضع،
فزوجته
هربت بابنته فور اعتقاله وأخوه كفره، وآخر يطلق ليرى ابنته وحفيدته، بينما
بطلنا
"كمال" يؤجر سيارة تاكسي لتوصيله إلى مكان، نعرف بالنهاية أنه مسقط
رأسه وبيته
القديم ليموت هناك.
يعرف نبأ الإفراج عبر حما "عروبة" الذي يأتي ممثلا لسلطة غابرة لعبت دورا "أساسيا"
في سجن هؤلاء الذين كانوا أصدقاءه، بل إن "أبو نضال" ـ كمال ـ كان صديقه
الحميم والمقرب الذي شهد على عقد زواجه، لكنه لم يتوان أمام مصالحه من أن
يخونه
ويزج به إلى السجن.
نبأ الإفراج يطير للأبناء لنتعرف على تمزق واضح في الرؤى الفكرية
والإنسانية،
ابن يرى أن أباه أضاع الأسرة والأبناء من أجل رأي كان من
الممكن ألا يتمسك فيه، وهو
الابن الذي يستولي على شقة الأسرة، وهناك الابن وأيضا الحفيد الذي تتوافق
رؤاه مع
ما آمن به الجد، فالوطن أهم من الأسرة.
نمضي ليلا طويلا حقا مع رحلة إنسانية نرى فيها لعذابات الإنسان، الإنسان
المثقف
الوطني المصر على مبادئه وأفكاره ولا يزال لديه الاستعداد لدفع
أي ثمن دفعا عنها،
لأنها تخص الوطن وبناءه، الإنسان الجلاد الذي يندم على فعله وزجه بأصدقائه
بالسجن،
ويجني من وراء ذلك سلطة ونفوذ، الإنسان الذي لا يبالي بشيء لا أبيه ولا
زوجته،
الإنسان الذي لا يرى إلا مصالحه، وهكذا.
لقد قدم الفنانون المشاركون في الفيلم أداء تمثيلا متميزا جدا، يرقى إن لم
يكن
على قدم المساواة مع الأداء العالمي، وهكذا التصوير الذي حمل
حرفية عإلية على
التقاط أدق تفاصيل الذات الإنسانية داخل وخارج محيطها.
تكامل الفنون أحد أبرز سمات هذا الفيلم ـ أيضا ـ فالفيلم يدخل على المشاهد
دخولا
مسرحيا ملفتا، وقويا، المطر يتساقط وشخصية "حسن" ـ الفنان نجاح
سفكوني ـ تزلزل
أركان المكان، لندخل إلى الزنزانة التي تمثل لوحة تشكيلية مأساوية، تتناثر
فيها
الأحلام والأفكار والآراء، وتلونها أوراق الماضي.
أيضا شارع أو شوارع الليل الطويل لم تكن مجرد مشاهد بصرية لكاميرا تمر على
متغير
إنساني وسجين أطلق من سجنه، بل تجاوزت ذلك لتخلق حالة من
التفاعل بين الماضي
والحاضر، وقد لعبت الإضاءة دورا مهما في رسم وتشكيل ما يضرم داخل شخصية
"كمال" ـ
خالد تاجا ـ وتجلى ذلك حين سقط المطر وتوقفت السيارة ونزل يستقبل المطر
رافعا وجهه
للسماء، وسط دهشة سائق التاكسي، الذي كان يشير له بدخول
السيارة، لقد نجح حاتم علي
في تحقيق تكامل للفنون البصرية والتشكيلية والتمثيلية، حتى إنه عندما أنهى
الفيلم
أيضا على لوحة تشكيلية خضراء تجمع الماضي "الجد" والمستقبل "الحفيدة"،
"الشرق"
الجد، "الغرب" الحفيدة في رؤية تفاؤلية لهذه العلاقة المهمة والمصيرية بين
الحاضر
والمستقبل، قد تتحقق يوما.
إن هذا الفيلم على كل مستوياته من إخراج وسيناريو وحوار وتمثيل وتصوير،
فضلا عن
قضيته الجوهرية في حياة الإنسان العربي وجرأته في تناولها دون
خطاب زاعق أو افتعال
مقصود، وبشفافية إنسانية راقية، يضع الفيلم السوري على أعتاب مكانة مهمة،
كان لابد
له أن يجتازها منذ زمن طويل.
ميدل
إيست أنلاين
في
13/10/2009
####
عيش الوحدة بين
الاخرين
فاتنة.. لا أمل إلا الموت!
أبوظبي – من محمد
الحمامصي
حرس الملالي يطارد الاطباق اللاقطة من أعلى السطوح في فيلم
عن تكميم الاصوات بايران.
حقا إن الأفلام الثمانية التي عرضت في إطار مهرجان الشرق الأوسط السينمائي
الدولي في دورته الثالثة، وحملت عنوانا عاما "عاطفة"، كانت ـ
دون مبالغة ـ بمثابة
ثماني طلقات أصابت القلب، على الرغم من اختلاف رسائلها التي
توزعت بين السياسي
والاجتماعي والثقافي، والملاحظات التي يمكن أن تؤخذ على بعضها، لكنها
بالنهاية مست
أوتارا وحركت مشاعر وطرحت تساؤلات مهمة.
الفيلم الفلسطيني"فاتنة" يرمي سياسيا إلى أن سرطان الدولة الصهيونية ينتشر
في
الجسد الفلسطيني، وأن عمليات استئصاله لا جدوى من ورائها، وإنسانيا يكشف
بشاعة
العيش تحت وطأة الاحتلال.
فاتنة فتاة فلسطينية تسكن مخيم الشاطئ وتعمل خياطة وتحب زميل لها في العمل،
تصاب
بسرطان الثدي، تكتشفه مبكرا، ولأنه لا طب ولا وزارة صحة ولا
مستشفيات في غزة
المحتلة، يتغلغل المرض، وتضطر إلى أن تلجأ لإحدى المستشفيات الإسرائيلية،
لنرى اللا
إنسانية التي يتعامل بها الجيش الإسرائيلي حتى مع المرضى، رحلة عذاب من غزة
لدخول
إسرائيل، رحلة عذاب لا يشفع فيها المرض والعجز أو أي شيء آخر.
يصيب المرض اللعين العمود الفقري، ويتوقف الأمل إلا من الموت، وعلى الرغم
من أن
الفيلم انتهى بطلب فاتنة فتح الشباب المطل على البحر، وحلمها
بالرجل الذي تحبه، لكن
إحساسا جارفا يصلك بأنها تفارق الحياة.
صنعت شخصيات الفيلم كارتونية، لكن المشاهد الخاصة بغزة وشوارعها وبيوتها لم
تكن
كذلك، لماذا كانت الشخصيات كارتونية، هل بسبب صعوبةفي قبول
فتاة عادية أو ممثلة
تلعب هذا الدور؟ ربما، وربما أراد المخرج أحمد حبش أن يقول لنا: إننا
أصبحنا مجرد
كارتون!!
رعب الملالي من التلفزيون
الفيلم الإيراني "الفيلم الأول" لباناه باناهي يكشف رعب حكام إيران من
الفضائيات، وإلى أي مدى وصل قمع الحريات باعتبار أن هذه الفضائيات تحمل
مختلف
التوجهات والآراء والأفكار.
إننا أمام حكم يسلب المواطن حقه في المعرفة، مشاهد الفيلم منقسمة ما بين
الشقة
التي يتم التصوير منها، وأسطح العمارات حيث يقوم رجال الحرس
الثوري بقطع وتكسير
الاطباق اللاقطة، من سطح لآخر، دون أن يصعد أحد ليعترض، الأمر الذي يكشف
حجم
المأساة يعيشها المواطن الإيراني تحت الحكم الملالي.
الفيلم نفسه يتم تصويره خلسة من شقة في بناية عالية ومن وراء ستائرها، حتى
إذا
رآهم أحد العسكر، صعدوا إليهم، وسط رعب المصورين.
الأم الوحيدة بين الآخرين
على الرغم من بساطة فيلم "الأم ماتيكا" لجيكوب بياتك إلا أنه أكثر من رائع،
حتى
ليمكن القول أن هذا ليس فيلما وإنما مشهد طويل عابر، تم تصويره كما هو،
امرأة عجوز
لا أحد ينظر إليها، لا أحد يخاطبها، لا أحد لتفعل شيئا، لا أحد
يدعوها لتأكل أو
لتشرب، لا أحد يتحدث إليها، بينما يمرون من حولها وبين يديها أبناء وأحفاد
وزوجات،
الكل يعبر دون أن يبالي بحضورها، إنها مأساة يعيشها المسنون.
رسالة الجنوب الى الشمال
"الآخرون"
فيلم هشام زمان يمثل قطعة فنية رائعة على مستوى فنيته ومضمونه
الإنساني والسياسي، إنه يحمل رسالة الجنوب الفقير للشمال الغني، أن خذ
أبناء وتكفل
بهم لأننا لا نملك لهم عيشا.
رجل أبيض يمضي بسيارته على طريق تملأه الثلوج التي تتساقط بكثافة، يتصدر
الطريق
أمامه شخص لا نتبينه، ينزل الأبيض من سيارته ويقترب ممن اعتقد
أنه أصابه، فيهاجمه
الآخر، يتخلص منه ويسرع إلى سيارته، وبعد أن ينطلق تخرج طفلة سوداء من بين
الأشجار
وتنادي على أبيها، لم تكن أكثر من حيلة ولكن يبدو أنها لم تفلح.
الرجل الأبيض ثري يعيش في بيت ضخم مجهز بأفخم الأجهزة ووسائل الراحة، وبعد
فترة
يفاجأ بطفلة سوداء تقتحم عليه بيته، يأخذها لمركز الشرطة بعد
أن ترفض الكلام لكي
يجدوا أهلها، يتركها أمام المركز ويمضى، لتعود إليه في إليوم التإلى،
يتقاسم معها
الأكل، وفجأة يأتي أخيها الصغير حاملا حقيبته، ويشير إلى أبيه من النافذة،
يمضي
الأب، ويحاول الرجل الأبيض اللحاق به، وحيث يستدر هذا الرجل،
وهو أسود، ينظر نظرة
عميقة ثم يعاود السير متجاهلا الرجل الأبيض، تاركا له مسئولية ابنيه.
الطفل في أداء محترف
أيضا يشكل فيلم "رجل بـ 6.50 دولار" وهو حول طفل يتمتع بالجرأة والصلابة
والذكاء، فيلم لا يمكن حكيه وفهم كنهه بسهولة، لكنك ترى أداء متكاملا
وتصويرا فنيا
بديعا، استطاع بطله "الطفل" أن يقدم لنا أداء ممثل محترف، نظرة
التحدي، نظرة الثقة،
حركة القوة في خطوه ومواجهاته، وقدرة ملامحه على التعبير النافذ.
إن سر هذه القوة التي يتمتع بها هذا الطفل هو "الحب" نظرة الحب من زميلته
في
الفصل الدراسي، وهي نظرة تدفع للثبات وتدعو للقوة وتحرك الفعل الداخلي.
مفتح القوة هو الحب.
المخرجة مريم جمعة تكشف لنا في فيلمها "هي شرطية" الذي يتناول مسيرة عمل
امرأة
أردنية في الأمن العام، شرطية، أن المرأة العربية لا تزال تعاني من سيطرة
المجتمع
الذكوري، وأن هذا المجتمع لا يزال رافضا لخروج المرأة وعملها
بمواقع حساسة كالشرطة
والأمن العام، باعتبار أنها لا تصلح لذلك.
أجرت المخرجة لقاءات مع رجل الشارع قبل أن تصحبنا إلى حديث بطلة الفيلم وهي
شرطية أردنية، رجل الشارع يرفض المرأة والأهل يرفضون التحاق
ابنتهم في الأمن العام،
ثم يقبلون ذلك حين يجدونها شخصية متميزة.
وهم الحب
أما فيلم "ربيع 89" لآيتن أمين، فلم يقدم جديدا في تلك الفترة المهمة من
حياة
الفتاة في مراهقتها وشغفها للتعرف على الآخر، فتاتان زميلتا دراسة تعيشان
وهم الحب
من شاب، كل منهما تعيش مع نفسها حلما خادعا، كل منهما تخدع الأخرى بحقيقة
حلمها، كل
منهما لا تستطيع مواجهة ذاتها ومن ثم مواجهة صديقتها.
إنه عالم المراهقة، لكن الفيلم لم يقدم زاوية رؤية جديدة لهذا العالم الثري.
والأهم مما حاولنا قراءته من هذا الأفلام التي عرضت في مهرجان الشرق الاوسط
السينمائي الدولي في أبوظبي، أنها جميعا تؤكد أهمية حضور
الفيلم القصير، وأن دوره
يمكن ألا يقل أهمية وتأثيرا عن دور الفيلم الطويل إذا توفرت له شروط العرض
المناسبة.
ميدل
إيست أنلاين
في
13/10/2009 |