بالتعاون مع مجلة الفيلم
في الذكرى العاشرة لرحيله..
يوسف شاهين كمان وكمان
(ملف)
يوسف شاهين مخرج استثنائى، يشكل تجربة فريدة فى
تاريخ السينما المصرية، ملهم، كحبة الخردل فهى أصغر جميع البذور
التى على الأرض، لكن متى زُرعت ونمت تصير أكبر الأشجار حتى إن طيور
السماء تأتى إليها وتحول أغصانها مسكنا لها.. شاهين حبة تبدو
صغيرة.. لكنه صار شجرة كبيرة لطيور السماء، إلى الآن تتغذى من
ثمارها.
بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل المخرج السينمائى
يوسف شاهين، التى تحل اليوم، تنشر «الشروق» ملفا خاصا عن المخرج
الكبير، يتناول جوانب مختلفة من سيرته وأعماله، بالتعاون مع مجلة
«الفيلم» الصادرة عن «جزويت القاهرة»، والتي يرأس تحريرها الزميل
سامح سامي، وتخصص عددها الجديد بالكامل عن يوسف شاهين.
اقرأ أيضا:
في ذكرى رحيله العاشرة.. رئيس
أرشيف السينماتك الفرنسى: «يوسف شاهين» إرث للفن والإنسانية
ذكرى رحيل يوسف شاهين.. محمود
حميدة: كنت أحتد عليه بكل الحب وكان يسبّنى بكل الحب أيضًا
ذكرى رحيل يوسف شاهين.. يسرى نصر
الله: ضحيت بـ3 آلاف دولار شهريا لأعمل مساعدا له بـ30 جنيها
ذكرى رحيل يوسف شاهين.. رمسيس
مرزوق: كان يلازمنى فى أول أيام التصوير ثم يقولى «أنا عاوز
جَنُّونة»
ذكرى رحيل يوسف شاهين.. عميد معهد
السينما: لقاءات القاعة 35 كسرت الحواجز بين الطالب والأستاذ
ذكرى رحيل يوسف شاهين.. يحيى
الموجى: منطقه فى إلغاء مقطوعة «مينفعش المزيكا تاكل الحوار بتاعى»
ذكرى رحيل يوسف شاهين.. ننشر نص
تسجيلاته النادرة مع يوسف إدريس حول فيلم «حدوتة
مصرية»
####
بالتعاون مع مجلة الفيلم
ذكرى رحيل يوسف شاهين.. ننشر نص تسجيلاته النادرة
مع يوسف إدريس حول فيلم «حدوتة مصرية»
على مدار 6 أشهر قبل تنفيذ فيلم «حدوتة مصرية»،
اتفق الأديب يوسف إدريس ويوسف شاهين، على عقد جلسات عملٍ أسبوعية
فى بيت شاهين، واتفقا على أن يكون شكل الكتابة بينهما هو أن يسرد
إدريس الحدوتة فى شكل مشاهد متتابعة، وجهاز التسجيل يسجل ما يرويه،
ثم يجمع «شاهين» التسجيلات لاحقًا ويكتبها فى شكل سيناريو، ثم
يرسله إلى إدريس ليضع وجهة نظره النهائية، وفى السطور التالية ننشر
لأول مرة مقتطفات من الجلسات التى عقدها قبل الفيلم.
*
شاهين: إحنا
بنكتب المادة للصورة، إن الأدب والثقافة تكون صورة، انت ككاتب او
انا كمخرج.. ازاى نقدر نإسر الناس، ايه رأيك؟.. اللى علينا اننا
نبدأ بيه كأسلوب، يحتاج أى مشهد جميل زى ما انت بتخش، وقدامك الناس
والكاميرا.
إدريس: الكشاكيل
اللى كانت هنا لقيت فيها شوية تجارب تبتدى من نقطة البداية.
شاهين: كويس
جدا
ادريس: لقيت
فيه واحد بيتألم على سرير.. بيدخل مستشفى مريحه هادية، زى مستشفى
فى لندن، ودكتور مهم ذو شخصيه هامة، مش زى أى كومبارس وبابتسامة..
بيقوله: اسمك إيه؟ ورد المريض عليه انت مش عارف اسمى يا دكتور؟ انا
عايزك تقولى اسمك ايه؟
شاهين: المهم
يعنى قاله على اسمه، فبيقوله: ممكن تستحمل تاخد حقنة فى الوريد؟
فقاله: لا أنا مش هستحمل.. لأ إنت هتخاف.. قاله لأ.. أخاف إيه..
أنا أخاف؟ طب تعرف تمسك ايدك علشان أديلك الحقنة؟ فجه يمسك إيده..
معرفش يقبض على ايده، ف بتدخل اتنين، واحدة منهم راهبة، من شكلها
يبان إنها من طبقه عالية، ومعاها ممرضة اخرى، يعنى فقيرة.
فلقى الراهبة بتقوله أمسك أنا إيده أحسن..
فقولتلها: يعنى تقدرى تمسكيه فى دراعه ماسكة جامدة؟.. قالتله آه..
فمسكت دراعه بتقول ان المادة اللى أنا باديهالك عايزه أشوف تأثيرها
إيه اسمك مثلا.. اسمه كان ثلاثى.. أدهم محمد الشرقاوى فالراجل
بيجيب عرق.
إدريس: ما
اعرفش ليه المخرجين عندكم يخافوا انهم يحطوا الابرة فى العرق، مع
إن ده شىء طبيعى، كل الناس أخدت حقنة قبل كده، وبيحطوا الإبره فى
الوريد، وابتدى يدخل أول سن فى الوريد.. فلقيته بينطق كويس أوى:
مــمــمــمحمد اــاــاــال، لا استنى.. وتبتدى تتحول الاوضة إلى
نوع من الدوامة الأرضية..
شاهين: دوامة
ارضية زى إيه؟
ادريس: زى
نقرة كبيرة أوى، وحواليها جبل، قمة من التلج الابيض.. وبدأت تلف
والتلفزيون هنا يبتدى يتحول.. وده كله بياخد المسافة، كلمة
الشرقاوى بتتحول من حروف وأصوات، فى مزيج من الدوامة الصوتية
السمعية الموسيقية، وفى صمت كامل لمدة 6 ثوانى، وآخر حاجة تسمعها
اخخخخخخ.. الدكتور بيبص وحط ايده فى جنبه وبيقول للممرضة، خدوه على
التروللى.. ويطلع فى الممر، إحنا فى قسم العمليات.. حركه جامدة،
وكل حاجة نضيفة.. وهمس بين الحكيمة والراهبة، بتقولها: بره فيه
اكتر من ميت صحفى، قلتلها أوعى حد يهوّب من دول هيدخلوا عليكى
متخفيين، الكل منتظر العملية.. لأن واضح إن الراجل ده مهم جدا..
واخد بالك؟ إزاى أنا حاسس إن الراجل إللى انا جايبه فى القصة،
عملته عالم مصرى اكتشف اكتشاف خطير اوى فى العلم.. وبعدين لما حب
يجرى عملية جه مصر، علشان يعملها ودى كانت ظاهرة استرعت الانتباه..
شاهين: جه
فين..؟
إدريس: جه
مصر، علشان يعملها.. يعنى الكلمة اللى إحنا قلناها إحنا الاتنين،
لما حبينا نعمل عملية، أنا قلت ان ده جاى مصر، علشان احساسه فى
مصر، أضمن.. وبعدين اذا مات.. برضه يموت هنا.. يعنى ان مصيره و
قدره فى الرأى العام المحلى.. وبعدين بنشوف الجراح بيتكلم مع
الطبيب عن احتمالات خطورة العملية.. وبعدين نخش على الاوبريت.
بعد مناقشات طويلة، يتابع إدريس: أنا بقولك فيه
توازن لازم نعمله.. إنت قلت كلمة مهمة جدا فى بداية كلامك.. قلت:
عايز أصحى المتفرج.. فاتصور انك بتعمل سيمفونية.. يعنى ممكن تكتبها
زى السيمفونية الخامسه لبيتهوفن.. فلابد إننا نحدد النغمة إللى
إحنا هنبتدى بيها.. لأن ده مهم أوى.. أصل الحوادث دية جاية كلها
سواء فى الأول أو فى الآخر.. يعنى مثلا، وانت بتتكلم.. أنا قلت،
بدل ما نكتب إن ده راجل عالم عظيم.. طب وليه ما جبش انا جايزة
نوبل؟ بتسلمه جايزة نوبل، وفى اللحظه اللى بتسلمه فيها الجايزة
يشيلوه على المستشفى.. فيحسوا إن ده مهم.. أنا هدفى من هذا
الإحساس.. إن هذه اللقطة الأولى، تأكيد أهمية هذا العيان فقط..
وبعدين هاعيش معاه، يعنى هافضل عايش معاه ساعتين.. فهل هبتدى
بالسيمفونية الخامسة ولا هبتدى بالتانية؟
شاهين: أنا
رأيى التانية.. والتانية مصرية زيادة..
إدريس: أنا
بقولك إن إحنا بنتناقش..
شاهين: دى
آراء.. وده اختيارى.. وحاسس بيه وأنا بكلمك.
####
بالتعاون مع مجلة الفيلم
ذكرى رحيل يوسف شاهين.. يحيى الموجى: منطقه فى
إلغاء مقطوعة «مينفعش المزيكا تاكل الحوار بتاعى»
عملت فى تأليف الموسيقى لأكثر من فيلم، لكن العمل
مع شاهين كان مختلفًا، هو أكثر المخرجين الذين قابلتهم فهمًا
لتفاصيل الموسيقى التصويرية.
كان عملى يبدأ بعد انتهاء تصوير الفيلم، أشاهد
النسخة مرة واثنتين وثلاث، وبعدها نبدأ فى النقاش، يدلى فيه شاهين
بملاحظاته: «هذا المشهد يحتاج إلى موسيقى، وهذا لا يحتاج»، لكنه
كان مستمعًا جيدًا، فأحيانًا أقترح ما يخالف وجهة نظره، بإضافة
الموسيقى لمشهد يراه هو لا يحتاج، فكان يقتنع، وفى مرات أخرى كان
لا يوافق.
أذكر أننا طوال عملنا ألغى لى مقطوعة وحيدة بعد أن
بذلت فيها مجهودًا كبيرًا، واستعنت فيها بآلات نفخ وأصوات كورال،
كنت أراها جميلةً جدًا، لكنه بعد أن استمع إليها مع المشهد قال لى
كلمة واحدة «وِحشة»، فسألته وِحشة ليه؟ ده أنا بذلت فيها مجهود
خرافى، فكرر «وحشة» ثم بدأ يفسر.. «المزيكا دى جميلة جدًا، وعشان
كده هى وحشة، الناس هتسمع الموسيقى الجميلة وهتنسى الحوار، والحوار
بتاعى مينفعش المزيكا تأكله».
كمال الطويل كان قد اعتزل التلحين قبل فترة طويلة
من فيلم «المصير»، ولكن يوسف شاهين أقنعه بالعودة لتلحين أغانى
الأفلام، وحاول تكرار التعاون معه لاحقًا، لكن الطويل رحل قبل
إكمال هذا التعاون، وعكس الشائع، فإن الطويل لم يؤلف الموسيقى
التصويرية للفيلم، هو لحن الأغانى وقدم جملًا موسيقيةً، بينما وزعت
الأغانى وألفت الموسيقى التصويرية بالكامل.
كان من المفترض أن يغنى على الحجار الأغنيات الثلاث
لفيلم «إسكندرية نيويورك» وهى «إنت» و«بنت وولد» و«نيويورك»،
والأغنيات من تلحين فاروق الشرنوبى وتوزيعى، لكن يوسف شاهين قرر
الاستعانة بصوت فاروق الشرنوبى، ليكون هو صاحب أغنية «إنت» التى
صاحبت تترات البداية.. بعد تسجيل الحجار الأغنية بشكل مضبوطٍ
وسليمٍ جدًا، لكن شاهين قال: «أنا عايز حاجه بعبلها كده، أنا
عاجبنى الإحساس بتاع فاروق أكتر».
يوسف شاهين كان فنانًا شاملًا.. مخرج وكاتب سيناريو
ويرقص باليه وملحن أيضًا، المقدمة الموسيقية لأغنية «آدم وحنان»
الخاصة بفيلم «الآخر«، هو من ألفها، عزفها أمامى على البيانو وطلب
منى أن تكون هى دخول الأغنية التى لحنها فاروق الشرنوبى.
####
بالتعاون مع مجلة الفيلم
ذكرى رحيل يوسف شاهين.. عميد معهد السينما: لقاءات
القاعة 35 كسرت الحواجز بين الطالب والأستاذ
«كان
شاهين حريصًا على صلته القوية بالمعهد، فبالرغم من انشغاله
بأفلامه، فإنه كان يستغل كل فرصةٍ تسنح له للقاء الطلاب فى القاعة
35، فعلاقته بالمعهد بدأت مع نشأته عام 1959 واستمرت حتى عام 1993
كمدرسٍ ومحاضرٍ.
وتشهد قاعة 16 على تصوير فيلم «القاهرة منورة
بأهلها» عام 1991، حيث تم تصويره بالمعهد وزواياه واستعان بطلابٍ
من المعهد وقدم هذا الفيلم التسجيلى.
كان «شاهين» كثير المشاغل ولكنه كان يحضر دائمًا
للمعهد فى يوم الاثنين، حسب وقته، لم يستطع أن يدرس مادةً نظاميةً،
لهذا كان يكتفى بمادة تدعى «سمينار» وهى عبارة عن وصفٍ وشرحٍ
وتحليلٍ للميزانسين (تكوين المشهد) وحركة الممثل، ولم يعتمد كتابًا
بل كان التدريس عمليًا ووصفًا للمشاهد وتمثيلها لتوضيح التأثير
الدرامى للحركة وتكوين المشهد ككل، وكيفية تكوين المشهد السينمائى
لإعطاء التأثير الدرامى المطلوب منه.
حضرت محاضرات «سمينار» (مادة حرة) لشاهين فى عام
1980، وهو عامى الأول بالمعهد وما لاحظته أنه كسر حواجز الطالب
والأستاذ والمسافة التى طالما وجدت بين الطلاب والأساتذة
التقليديين، فكان صديقًا للطلاب يقدم العون للجميع ويدعم مواهبهم،
وهناك من عمل معه فى أفلامه كمساعدين أمثال دكتور نجوى صابر وغيرها.
كانت له عادةٌ جميلةٌ للغاية، كان يحضر إلى المعهد
فى الثامنة والنصف صباحًا، رغم أن المعهد كان يفتح أبوابه من
التاسعة صباحًا، لكنه كان يحضر قبل أى فردٍ ويجلس يتحدث مع «عم
حمدى» وعمال المعهد ويتسامرون حتى يحضر الطلاب، لم يكن أحدٌ يفوت
محاضراته، حيث كانت موسميةً فى أغلب الأحيان، لهذا كان يحضرها
الطلاب من جميع الأقسام والدفعات من داخل المعهد وأحيانًا طلابٌ من
معهد الفنون المسرحية.
شاهين لم يعتمد نهج التدريس النمطى، ولكنه كان
قادرًا على التبسيط والتسهيل للطلاب ولم يك يستعرض قدراته وخبراته،
بل أراد أن يستفيد طلاب المعهد من هذه الخبرات لتكوين كوادر، وكان
يحضر مع مساعديه، فى البداية كان علاء كريم وبعد ذلك خالد يوسف
لنقل تجاربهم، وكان يرحب بالجميع إن رغب فى الانضمام إلى فريقه.
د.محسن التوني
عميد المعهد العالي للسينما
####
بالتعاون مع مجلة الفيلم
ذكرى رحيل يوسف شاهين.. رمسيس مرزوق: كان يلازمنى
فى أول أيام التصوير ثم يقولى «أنا عاوز جَنُّونة»
كانت الثقة بيننا قويةً جدًا لدرجة أنه كان يقول
لى: «عاوز جنُّونة من جنوناتك»، فهو يفهم فى التصوير جيدا.. وأذكر
أنه أثناء عملنا معًا كان يلازمنى فى أول عشرة أيامٍ من تصوير
الفيلم ليرى ما أفعله ويحدد لى ما يريده ثم بعد ذلك لا يتدخل أبدًا
بل يقول لى: «أنا عاوز جنونة»، وحينما كنت أقول له: «أنت بتصعبها
علىّ زيادة، جنونة إيه؟»، يرد: «إعمل ما تريد المهم الجنونة».
وأذكر أننا فى أحد الأفلام كنا نصور فى «المريديان»
على النيل وأراد أن يصور الممر الذى يواجه النيل، وكانت كل الحجرات
مشغولة ولا يمكن فتح أى منها ليخرج منها النور لأن الضيوف أجانب
وإدارة الفندق لا تستطيع أن تدخل أحد إلى حجراتهم، فجلست أفكر فى
طريقة فقال لى بهزار: مش عارف تنوّره؟، ورديت عليه: نوّره إنت،
وجلست أتفرج وبعد دقيقتين جاءتنى الفكرة، ولكن انتظرت لأرى ماذا
سيفعل، استمر يحاول ثلاث ساعات يركب لمبات وأبولوهات ثم قال لى:
أهو صوّر، فقلت له ضاحكا: ما هذا؟ هذا الشغل ينفع فى الثلاثينيات
عندك، أنا لا أضع اسمى على هذا العك، وضحك ونفذت فكرتى البسيطة وهى
إنى غيرت لمبة السقف من 20 وات إلى 150 وات.
فى أحد الأفلام حدث خلافٌ بيننا فاستعان بمدير
تصوير فرنسى بدلا منى، لكنه تركه وعاد ليعمل معى وأرسل لى خالد
يوسف ليقول لى: كلم الأستاذ واعتذر له فذهبت له ووجدته هو الذى
يعتذر لى، فقلت له: كل واحد له وجهة نظره وأنت كانت وجهة نظرك
المصور الفرنسى فرد: لأ ده زفت.
####
بالتعاون مع مجلة الفيلم
ذكرى رحيل يوسف شاهين.. يسرى نصر الله: ضحيت بـ3
آلاف دولار شهريا لأعمل مساعدا له بـ30 جنيها
*
ذات مرةٍ كان يختبر ممثلةً ناشئةً وطلب منى أن أظل موجودًا لأخبره
رأيى فيها وسجلنا معها 11 مرة وعندما سألنى قلت: مش مصدقها، فانفجر
فى: إنت حمار كل ممثل عنده حدود وهى كده كويسة. تركته وأنا أشعر
بقهرة.
لم يكن بينى وبين شاهين احتكاكٌ كبيرٌ كالمجموعة
القريبة منه التى تضم أحمد محرز وخيرية عباس وغيرهما، هو كان مليان
ناس وأنا بعيد، بعد عشرة أيام سمعت صوته يزعق فى أول البلاتوه:
هاتوا لى الولد اللى بيشتغل فى لبنان ده، وقال لى: قف معى حتى ترى
أنه حتى «نور الشريف» عنده حدود، وأذهلنى إنه افتكر إن فى شاب يريد
تعلم السينما فينادى عليه ليرى ويفهم.
*
اضطررت لعدم البقاء حتى ينتهى التصوير وعدت لبيروت
وطلبوا منى عمل فيلم عن المقاومة الفلسطينية وعدت إلى مصر مرة أخرى
سنة 1982 وزرت «شاهين» وقال لى: تعالى اشتغل معى وسأعطيك 30 جنيهًا
فى الشهر، ووقتها كنت أحصل من جريدة السفير على 3 آلاف دولار فى
الشهر، وفورا قبلت العرض وصفيت كل شيء فى بيروت وعدت للقاهرة لأجد
يوسف شاهين قد اختفى، وبعد فترة عرفت إنه فى أربعين «جان خورى»
والد ماريان فقررت أذهب للتعزية وبالمرة أقابله ومددت يدى لمصافحته
فسألنى: إنت مين؟
*
يوسف شاهين بالنسبة لى أستاذى فبعد عملى مساعدا أول معه فى «وداعا
بونابرت»، كتبت فيلمى الأول «سرقات صيفية» ورفض ممثلون كثيرون
العمل فيه منهم يسرا وعزت العلايلى فشاهين قال لى: أنت لا تحتاج
لأحد.. هذا هو ما علمنى إياه فالتكنيك وغيره نتعلمه ونحن نتفرج على
الأفلام، لكن شاهين علمنى إنه لابد أن أحب الممثل.
*
كان يقول لى أنت تقنيًا هائلٌ، لكن لا تعرف عمل المعادلة، وكان يرى
أنه من الجنون أن أعمل فيلمًا بطولة «باسم سمرة» لأنه ليس نجمًا،
كان دقةً قديمةً يرى أن الممثل لابد أن يكون حصل على تدريب المعهد
وتقاطيعه تعدى، ولا يصح أن تستعين بممثلٍ ملامحه عدوانية وليس
وسيمًا بالمعنى المتعارف عليه.
*
أوقف «شاهين» عرض فيلم «المدينة» فترة طويلة وكان غاضبًا بشدة منى
وقتها، وكان فى ذلك الوقت يتردد على دكتور سمع صديقى فى ألمانيا
واشتكى له قائلًا: يسرى خسرنا عدة ملايين وأنا غضبان عليه، فرد
صاحبى أنه أنا من أحضرت تمويل الفيلم فقال: لكن لو وضعت الفلوس فى
فيلم «عِدل» كنا كسبنا.
####
بالتعاون مع مجلة الفيلم
ذكرى رحيل يوسف شاهين.. محمود حميدة: كنت أحتد عليه
بكل الحب وكان يسبّنى بكل الحب أيضًا
دعانى شاهين لاجتماع، ولم نكن على معرفة ببعضنا
البعض، كنت ما زلت فى بداية مشوارى الفنى، وقال لى إنه يخاف من
النجوم الجدد، ومن غرورهم، ومنى أنا؛ لأنى أبدو أكثر تعاليا منهم،
فبادلته القول بأننى أيضًا لا أحبه؛ لأننى لا أفهم أفلامه وهذا
يشعرنى بالغباء، وهو شعور لا أحبه، فضحك وسألنى عن الأجر الذى
أريده، فأخبرته بأننى لن أتقاضى أجرًا، فأخبرنى بأنه يرفض ذلك لأنه
لا يحب أن يضحى أحد لأجله، ولكنى أخبرته بأننى لا أضحى عندما أفعل
ذلك، لأننى سأتعلم من خلال العمل معه، أو كما يقول فؤاد حداد «مفيش
حياة الا عند غيرك تعيش فى خيره ويعيش فى خيرك».
وبالفعل اتفقنا على أجر زهيد، وباشرنا العمل فى
البروفات، وكان الفيلم هو «المهاجر»، وبرغم صغر دورى، فإننى أمتلك
أصولًا للتمثيل، وللعمل، وكان لابد من توضيح هذه الأشياء لشاهين
بالطبع.
«بص
لى فى عينى» هكذا قال، فكان ردى «لأ، بص أنت فى ودانى» فسألنى عن
مقصدى، فأخبرته بأن يخبرنى بما يريدنى أن أفعله، ففعل، ثم طلبت منه
أن يذهب خلف الكاميرا وأنا سأقوم بالتركيز لثوان، وعندما أهز رأسى
فهذا يعنى أننى جاهز.. كنت أقوم بدور ميناهار بينما يدخل المعبد
ليقطع رأس التمثال الكائن خلفه، وكان من المفترض أن أقذف التمثال
بالسيف، وكان من الصعب أن يتم تصوير المشهد من أول مرة، لكن وعلى
عكس المتوقع، سارت الأمور على ما يرام، ووافق شاهين على المشهد،
واستمرت علاقة التوجيه الدرامى بيننا على هذا الأساس، شاهين يخبرنى
بما يريد، وأنا أركز وأنفذ ما يطلبه.
لم يفرض أحدنا طريقته على الآخر، واختلافى معه أدى
إلى نتائج جيدة. هذا الاختلاف أستطيع أن أشبهه باختلافى مع أبى على
بيع قطعة من الأرض، ولهذا كنت أحتد عليه بكل الحب، بينما كان هو
يسبنى بكل الحب أيضًا.
####
بالتعاون مع مجلة الفيلم
في ذكرى رحيله العاشرة..
رئيس أرشيف السينماتك
الفرنسى:
«يوسف شاهين» إرث للفن والإنسانية
*
وهبنا مجموعته السينمائية فى حياته.. وعائلته طلبت
المساعدة لحفظ أرشيفه عام 2010
*
مهرجان «كان» لعب دورا مهما فى شهرة أفلامه
عالميًّا.. وكانت تربطه علاقة قوية بمؤسس السينماتك
*
نقيم احتفالية كبرى بمناسبة ذكراه العاشرة تجوب
فرنسا وتنتهى فى مكتبة الإسكندرية
*
رمَّمنا «المصير» و«وداعا بونابرت».. ونتميز بنسخة حصريّة لفيلم
«النيل والحياة»
جميع ملفّاته كانت فى حالة خطرة ومعرّضة للتلف..
وكان هناك حاجة طارئة لنقل أرشيفه إلى فرنسا وإنقاذه
*
النماذج الأولية للسيناريو تكشف أنه كان يفكر
بالإنجليزية والفرنسية ثم يحول ما يكتب إلى العربية قبل التصوير
لم يكن يوسف شاهين يفكّر باللغة العربيّة، هكذا
تقول النماذج الأوليّة للحوارات التى كتبها لأفلامه، والموجودة فى
أرشيف السينماتك الفرنسى.. فى بداية دخوله مهنة السينما كان يكتب
حواراته وملاحظاته باللغة الإنجليزيّة، وابتداءً من 1984ــ 1985
وبالتحديد مع فيلم «وداعًا بونابرت» وقيامه بإنتاج أفلامه
بالاشتراك مع شركات فرنسيّة، بدأت يكتب السيناريو باللغة
الفرنسيّة، يأتى الحوار باللهجة المصريّة كخطوة نهائيّة قبل تصوير
الأفلام.
يؤكد روبير ريجيس رئيس قسم الأرشيف والبحث فى
السينماتك الفرنسى فى حوار خاص بمناسبة الذكرى العاشرة على رحيل
«شاهين»، أن السبب الرئيسيّ لاهتمام الغرب بيوسف شاهين، أنه يجيد
استخدام الرموز والمصطلحات الغربيّة ويقدّم بواسطتها المجتمع
الشرقيّ، فهو يمثّل نافذة حيّة وحيويّة يطلّ من خلالها السينمائيون
فى أوروبّا على المجتمع الشرقيّ، وبواسطة انفتاحه وإجادته لاستخدام
الأدوات السينمائيّة الغربيّة يمكّنهم أيضا من فكّ شفرة المجتمع
الشرقى فى تقاليده وفنّه وأفكاره التى تختلف تمامًا عن المجتمع
الغربى.
يقول روبير، إن أرشيف شاهين هو إرث للفنّ
والإنسانيّة فى العالم أجمع، والسينماتك الفرنسىّ يعى تماما،
الأهميّة القصوى لأعماله بالنسبة للمجتمع المصرى، ويرى أنه من
واجبه بل رسالته، مساعدة المصريين فى التعرّف على تلك الأعمال
مجدّدًا، وأن يجعلها فى متناول جميع العرب، كما يسعى من خلال مشروع
«شاهين» إلى إعادة اكتشاف أعماله وفنّه العظيم وإقامة جسر من
خلالها بين السينمائيّين والمثقفّين فى الشرق والغرب.
يوضح روبير، أن عائلة يوسف شاهين جاءت إلى
السينماتك عام 2010، لتطلب المساعدة لحفظ أرشيفه الموجود فى شقّته
بالقاهرة. تلك الشقة التى عمل فيها من العام 1971، مشيرا إلى أنه
كان مرسلا من قِبل السينماتك الفرنسيّ لبحث سبل صيانة هذا الأرشيف
وترميمه، لم يكن هذا الإرث عبارة عن أفلام فقط، فقد عمل «شاهين»
كرئيس تحرير إحدى المجلات السينمائيّة، وهناك العديد من لحظات
التكريم والمقالات التى كُتبت عنه والتى تملأ أرجاء مكتبه.
يتابع روبير: «قضيت سبعة أيّام فى تلك الشقّة،
وأستطيع أن أشهد بحضوره الطاغى الذى يملأ أرجاء المكان حتّى بعد
رحيله، ولكن أرشيفه كان يعانى، السيناريو والأفيشات والصور
والأكسسورات، جميع ملفّاته كانت فى حالة خطرة ومعرّضة للتلف، ذلك
لأنّ شاهين كان مدخّنًا شرهًا وسبّب تدخينه خطرًا على هذه
الملفّات، كما قمنا بزيارة «بهنا فيلم» فى القاهرة وهى أوّل شركة
إنتاج تعامل معها فى بداية مشواره، وهناك اكتشفنا كنزًا من أرشيف
الأفلام الغنائيّة التى أغنت تلك الثقافة على مرّ العصور».
يؤكد رئيس أرشيف السينماتك، أنه كانت هناك حاجة
طارئة لنقل أرشيف شاهين إلى فرنسا، لإنقاذ إرثه طبقًا للتخصّص
والخبرة، والسعى بالتعاون مع ابنة اخته لتحليل وصيانة هذا الإرث
الفنّيّ الضخم، وبدأ العمل بالفعل منذ 2010، لذلك كان من الطبيعى
فى الذكرى العاشرة لرحيل «شاهين»، أن يقيم السينماتك احتفاليّة
لتكريم اسمه وفنّه، وهناك العديد من اللقاءات التليفزيونيّة التى
سجّلتها معه وسائل الإعلام الفرنسيّة المختلفة، منها لقاء مسجّل
سيتم الاستعانة به فى الاحتفالية، وهو عبارة عن زيارة خاصّة
لمكتبته ويتحدّث فيه بصورة رائعة عن الأدب وغيرها من الموضوعات.
يضيف روربير، أن أكثر ما يشغلهم، هو دعوة الباحثين
العرب المقيمين فى باريس إلى زيارة السينماتك من أجل اكتشاف هذا
الإرث، وزيارة المعرض الطويل ليوسف شاهين فى الفترة من 14 نوفمبر
2018 إلى 28 يوليو 2019، كما أن هناك
la Retrospective du Film
وهو «الأفلام المعروضة بأثر رجعيّ» ما بين نوفمبر وديسمبر، والتى
ستجوب فرنسا بالكامل، قبل أن تصل مكتبة الإسكندريّة، بالإضافة إلى
احتفاليّات فى المركز الثقافيّ الفرنسيّ فى القاهرة والإسكندريّة
واحتفاليّة بانوراما السينما الأوربيّة التى ترعاها أسرة يوسف
شاهين نفسها.
أما فيما يتعلق بمعرض المانحين
La Galerie des donateurs،
فهو مساحة من متحف السينما مكرّسة للمانحين الذين أغنوا عمل
السينماتك بدعمهم، فهو نشاط لتكريم الأشخاص الذين وهبوا إرثهم
السينمائيّ الشخصيّ للسينماتك الفرنسيّ، وهذا ما حدث مع يوسف شاهين
الذى وهب فى حياته مجموعته السينمائيّة من الأفلام لمركزين
للسينما: السينماتك فى الجزائر وفى باريس، والسينماتك الفرنسيّ
يتميّز بنسخة حصريّة ووحيدة لفيلمه «النيل والحياة» والتى أنقذها،
كما رمم أيضا فيلم «المصير» وعرضه فى مهرجان «كان» الذى لعب دورا
مهما فى جعل سينما يوسف شاهين معروفة عالميًّا، كما قام أيضا
بترميم فيلم «وداعًا بونابرت» قبل عامين.
وختم روبير حواره، بالحديث عن العلاقة القوية بين
شاهين وهنرى لانجلو مؤسس السينماتك الفرنسىّ، والتى كشفها فى فيلم
«حدوتة مصريّة»، إذ تظهر شخصيّة لانجلو فى أحداث الفيلم الذى يمثّل
سيرة ذاتيّة لشاهين. |