رحل يوسف
شاهين ,
وقبلها
رحلت ذاكرته , وغاب عن الوعي في مشهد سينمائي مؤثر لايختلف كثيرا عن
المشاهد
التي حفلت بها أفلامه . بقى شاهين لمدة شهر غائبا عن الوعي وكأن وعيه يرفض
ان يغيب
.
انتهى صراع شاهين مع نفسه بعد صراع طويل مع الأحباب والأصحاب والأصدقاء
والأعداء
والبسطاء
والحكام . غاب أخيرا عن الوعي بشكل رسمي أعلنته الحكومة وأعلنته السماء
واحد من أهم المخرجين العرب الذين أقاموا الدنيا وشغلوا الناس . وسواء شئنا
أم
أبينا وافقنا اوترددنا في اعلان ذلك فان يوسف شاهين نعيد ونؤكد
كما يعيد ويؤكد كل
من
أحب سينماة هو الأب الروحي للسينما العربية الحديثة, وهو المؤسس لهذه
السينما
على مستوى المضمون والشكل . شاهين هو المتمرد ضد جميع أشكال القهر , وهو
المؤسس
لسينما الأنا التي تطرح مشاكلها الذاتية الفردية وتحاول ان
تتواصل مع الأخر من خلال
هذه المكاشفة , , وتعانق حين تنطلق متحررة من أسرها , تعانق الوجود كله .
السينما
التي قدمها لنا شاهين عبر افلامة عالجت كافة الأنواع و تمثل لنا عالما
يلتهم كافة
مظاهر الحياة . قدم لنا الكوميديا؟في ( بابا أمين ) والدراما
الاجتماعية في ( ابن
النيل ) والميلودراما في ( نداء العشاق ) والكوميديا الموسيقية في ( بياع
الخواتم
)
والدراما الملحمية في ( صلاح الدين ) و( المهاجر ) وو( وداعا بونابرت )
والسينما
الحديثة في ( الاختيار ) والفيلم الوطني في ( جميلة بوحريد ) كما قدم لنا
فانتازيا
السيرة الذاتية في ( حدوتة مصرية ) و( أسكندرية ليه ؟ ) و (
إسكندرية كمان وكمان )
و( الاخر
) وفى كل افلامة كان الموضوع الرئيسي هو الهوية
.
ان أية
مراجعة
بسيطة لأفلام يوسف شاهين ولسينما يوسف شاهين إنما هي مراجعة عكسية في واقع
الأمر
للتاريخ العربي المعاصر منذ الخمسينات ولغاية يومنا هذا . منذ ( بابا امين
) وحتى
(
هى فوضى )
ويمكن
إرجاء التناقض الملحوظ في سيرته السينمائية طيلة السنوات
الأخيرة إلى السير المتعرج للعمل السياسي في الوطن العربي الذي خرج إلى
العالم
بمبدأ تطبيق الوحدة بمثل الطريقة التي أدت إلى نشوء عصر
الانفصال , وأخيرا التفتت
الموجود في الوطن العربي الذى يعيش أزهى فترات انحطاطه
.
أفلام
شاهين تحتاج إلى
أكثر من مشاهدة لأنها أفلام تحرض - بعد استمتاعنا بقيمتها الفنية العالية
وجماليتها
الحديثة –على التفكير , وتحثنا على التغيير بجرأة مذهلة ,
وتعلمنا منظومة من القيم
,
لعل أهمها قيمتي التأمل والتسامح اذاكان هناك مايدعو للتسامح
.
يعود
الابن
الضال
ليستريح
ويرحل
فنان جرىْ وشجاع
وتفقد
الثقافة العربية الحديثة واحدا من
أهم أعمدتها
ونقول
وداعا أيها المخرج الكبير
مدونة "سينما اليوم" في 29
يوليو 2008
تحية له فى فراش
المرض
تاريخ حافل بالحب
والمشاكسة والغضب
يوسف شاهين.. رائد
من رواد التنوير السينمائى
كتب عماد النويرى
-
فى ( جميلة
بوحريد ) ركز على السمات
البوليسية والعاطفية
و
فى - العصفور - حديث مهم عن النكسة . وتحول جذرى فى
-
اسكندرية ليه
-
تباينت
الآراء في ماقدمة فى ثلاثيته السبعينية من حيث
الموضوعات و طبيعة البناء الفني
-
فى - وداعا
بونابرت - رفض منطق بكر القائم
على التعصب
وهو الأكثر جرأة من بين المخرجين في معالجة موضوع
الجنس
منذ
البداية أدرك يوسف شاهين
,المولود
عام 1926 , إن صنع الأفلام يتطلب جهدا شاقا ووقتا طويلا . ومن خلال رغبته
في
الخروج من دوائرها التقليدية تمكن من تجاوزها إلى حد كبير
.
ويمكن أن
نحدد
عام 1954
كبداية أول مرحلة جدية خاضها شاهين حين حقق ( صراع في الوادي ) , بعد أن
حقق أفلاما قد تكون جيدة بالنسبة للسينما المصرية السائدة آنذاك إلا أنها
لم تكن هي
المرجوة منة , هذه الأفلام كانت ( بابا أمين ) أول افلامة عام
1950 و( ابن النيل ) 1951
و (
المهرج الكبير ) 1952 و( سيدة القطار ) 1953 و( نساء بلا رجال )1953 . و(
شياطين في الصحراء ) 1954 و( صراع في الميناء ) 1956 و( ودعت حبك ) 1957 و(
أنت
حبيبي ) عام 1957 ثم ( باب الحديد ) 1958
.
نجاح
وشاعرية
سينمائيا
كان ( باب الحديد ) أول نجاح عالمي لشاهين واذارتبط نضوج شاهين
بالمرحلة التي تلت
ثورة يوليو بسنوات , فان هذا النضوج لم يكتمل إلا بعد فترة طويلة خضعت فيها
تجربته
لظروف التطور الاقتصادي والسياسي مما دفع بافلامة إلى ان تكون تعبيرا عن
واقع الحال
.
وبعد
أربعة أفلام هي ( حب العباد ) 1959 و( بين ايديك ) 1960 و( رجل فى حياتى
) 1961
و( نداء العشاق) 1961 وبعد خمسة أعوام من ( باب الحديد ) قدم
شاهين عام 1963 (
صلاح
الدين الايوبى ) أول افلامة الملونة وأفضل الأفلام التاريخية المصرية
,
وكانت مصر آنذاك في وحدة مع سوريا وصلاح الدين الايوبى من اكبر رموز الوحدة
العربية
.
وفى ( فجر
يوم جديد ) حاول شاهين تقديم الجانب المشرق من الحياة المصرية ثم
يرحل إلى لبنان قبل هزيمة 67 بعامين ليقدم أول أفلام المطربة
فيروز ( بياع الخواتم )
عن مسرحية
للأخوين رحبانى , ومن بطولة وغناء فيروز وتكمن اهميتة في كونه استفاد
إلى حد كبير من أجواء الرحابنة الساحرة وأسس هذا الفيلم لتعامل شاهينى مع
الأغنية
والموسيقى سوف ينمو لاحقا في بعض مشاهد ( عودة الابن الضال )
ثم ( رمال من ذهب )
عام 1966
الذي صور في لبنان والمغرب واسبانيا ثم بعد ذلك فى ( اليوم السادس ) و(
الاخر ) و( المصير
) .
وفى عام
1970 قدم شاهين فيلم ( الأرض ) حيث عاد إلى أجواء
(
صراع في الوادي ) واقتبس رواية لعبد الرحمن الشرقاوي أضفى عليها رؤيته
السينمائية
التي كانت قد ازدادت مع الأيام تميزا وسموا , ليجعل من هذا الفيلم واحدا من
أفضل
ماانتجتة السينما العربية ليس في نظر النقاد , بل في نظر
الجمهور أيضا.
وفى
عام 1972 ظهر فيلم ( العصفور ) ليخبرنا أن شاهين يعيش قدرا
كبيرا من التشويش ,
ويملك
أسئلة أكثر من الأجوبة , ولان شاهين أراد أن يقول فيه أشياء كثيرة وعديدة
,
ظل غامضا على الفهم لكن كان ( العصفور ) يمثل حديثا مهما عن هزيمة 67 ,
واستقبل
حيثما عرض بترحاب شديد . ومن الناحية السينمائية شهد هذا الفيلم تطويرا
جديا في
استخدام شاهين للغته السينمائية . لقد كانت أخر عشرين دقيقة من
الفيلم من ا جمل
واقوي واصدق المشاهد السينمائية العربية على الإطلاق , وفيها يصور شاهين
كيفية وقوع
الهزيمة على إفراد الشعب العربي, واكتشافهم حقيقة وقوعهم ضحية
لوسائل الإعلام
الكاذبة. أن الصدق الذي يختم بة شاهين فيلمه في أجواء ملحمية وشاعرية مفعمة
بالحماس
جاء دليلا على وعى الفنان لشعبة وقضايا امتة
.
وفى عام
1973 قدم شاهين فيلم
(
الناس والنيل ), وكان فيلم الاختيار ( 1971 ) بداية مرحلة ,ونهاية مرحلة
أخرى
..
ومنذ فيلم
( الاختيار ) وشاهين يعلن المرة تلو الأخرى انه ومنذ كارثة 67 : (لم يعد
يستطع أن يحكى حدوتة, فليس ثمة قصة يمكنها أن تعكس افكارة ومشاعره على نحو
متكامل
,
وهو يريد أن يعبر بأسلوب خاص ومتحرر من وسائل السرد التقليدية عن رؤيته
واحساسة
بالتلاحق
السريع للأحداث والتغيرات التي تلحق بالوطن
في (
الاختيار ) من الممكن
إن
تلمس واحدة من أفكار شاهين : فالمظهر النظيف المستقر غالبا مايخفى مضمونا
سيئا
ومتهالكا , فوراء نجاحات سيد مثقف السلطة الانتهازي سلسلة من الجرائم
والخيانات
.
إن خصوصية
هذا الفيلم تكمن – حسب رأينا – في إن شاهين اخرج شريطا مصمما تصميما
سرديا على المثال الاوروبى , ينحو فيه منحى طلائعيا , وتتعرج
فيه العقدة على النحو
الذي تاخذة فى الرواية أو في الفيلم البوليسي ,. وهو لذلك يعتبر فيلما
لايساير
توجهات سوق السينما العربية , الطاغية أنذالك , وبالتالي لايلبى مطالب
الجمهور
.
وفى (
العصفور )( 1972 ) نجد أن وراء الملصقات والإعلانات الثورية التي ملأت
الشوارع والجدران قبل حرب 67 بأيام قليلة , والتي تتحدث عن
تماسك الجميع وعن القوة
القاهرة التي لن يصمد العدو أمامها نجد إن وراء هذا المظهر جريمة مروعة
كان يوسف
شاهين
بحسه الفني وبصدقة المفرط في تعامله مع الواقع أكثر الناس تشاؤما , وكان
واقع
السبعينيات المضطرب سريع التغير الملىْ بالصراعات يفرض نفسه بقوة على
افلامة
.
منطق كونى
فيلم (
أسكندرية ليه ؟ ) ( 1978 ) في خط من خطوطه كان
امتدادا أصيلا لأفلام يوسف شاهين رغم ماقيل أيامها أنة مجرد حدوتة ذاتية
تدور داخل
طبقة محدودة وأقلية معينة باعتبار أنة .. ( لايمكن لأحد أن
ينكر دور الأقليات التي
عاشت في مصر . لقد لعبت هذه الأقليات دورا مؤثرا في الحياة الاقتصادية
والثقافية
والسياسية للمجتمع المصري وتصويري لهذا المناخ المنفتح يرد على ادعاءات
الصهيونية
الخاصة بان العالم الاسلامى عالم متعصب
)
فيلم (
أسكندرية ليه ؟ )والذى قدمه
شاهين عام 1978 قابل لأكثر من قراءة و ظهر خط جديد في رؤية يوسف شاهين : خط
باتجاه
التسامح ولا نقول المسالمة قال ايامها ( من حقي مناقشة بعض
الشعارات والأسئلة إلى
اطرحها من منطلق كوني شامل .)
أن ثمة
تحولا جذريا تاما قد مس أسلوب شاهين
السينمائي في ( إسكندرية ليه ؟ ) . أن هذا القلق الدائم الذي نلاحظه يعترى
مسيرة
تطوره السينمائي ذلك الذي يدفعه دائما من فيلم إلى فيلم ., إلى
الإضافة والى توسيع
الرؤية , قد أوصل اسلوبة ألان في هذا الفيلم إلى مرحلة كاملة من الممكن ان
نسميها
بالمرحلة التركيبية وكان لهذه المرحلة إن تلقى بظلالها على اغلب افلامة
اللاحقة
.
محاكمة
وحسابات
وفى (
حدوتة مصرية ) ( 1982 ) قدم شاهين محاكمة
لنفسه وفى ( أسكندرية كمان وكمان ) 1990 أكد فيه شاهين على المنحى الذاتي
والنفسي
الذي يتميز بين المراوحة والتداخل بين هموم الوطن ورغبات الفرد
الفنان .
وتؤكد
الثلاثية على إن شاهين قد تعلم عن طريق ملاحظاته المباشرة التى
ميزت أنماط الأفلام
التي تتقبلها المهرجانات السينمائية الغربية بعد تجاربه في مهرجان كان مع
فيلم
(
ابن النيل ) ومهرجان برلين مع فيلم ( باب الحديد ) ومع مهرجان موسكو مع
فيلم
(
جميلة
) .
تحوير
وحذف
وفى (
وداعا بونابرت ) رفض شاهين منطق بكر
القائم على الانغلاق والتعصب) . وفى فيلم ( اليوم السادس ) عام 1986 نجد
الحضور
الطاغي لولع شاهين بالسينما.. وإذا كان شاهين في اغلب افلامة
يهتم بتناول الجنس
وتصويره بشتى أبعادة ومستوياته : الواقعية والرمزية , الاجتماعية
والسيكولوجية
,
السوية والشذوذية , المتحررة والمكبوتة فأنة في ( اليوم السادس ) يظهره
كعنصر أو
محرك اساسى يحكم العلاقات ويحدد توجهات الأفراد . أن شاهين هو الأكثر جرأة
من بين
المخرجين المصريين في معالجة موضوع الجنس والأكثر حساسية تجاه
هذا العنصر الجوهري
منذ ( باب الحديد ) وحتى أخر أعمالة .
ويتناول
فيلم ( المهاجر ) 1994 قصة
سيدنا يوسف مع بعض التحوير والحذف والإضافة وهو يذكرنا بملحمته هذه بروائح
الأفلام
التاريخية الهوليودية مثل ( الوصايا العشر ) و( شمشون ودليلة )
و( بن هور ) وكان من
الواضح إن الفيلم يحتشد بأفكار شاهينية خاصة عن التعصب والتسامح والسلطة
الدينية
والعسكرية لكن كما يبدو فان تناول شاهين للمجتمع المصرى القديم جاء بصورة
مسطحة
وتبسيطية للغاية وكاريكاتورية في اغلب الأحيان وبما يتناقض مع
الأفكار الكبيرة
والقيم النبيلة التي مثلها بطل الفيلم .
متناقضات
وتكريم
وفى عام 1997
وفى
الدورة الاحتفالية لمناسبة مرور نصف قرن على مهرجان كان عرض فيلم ( المصير
)
ليوسف شاهين وكان الفيلم العربي الوحيد في المسابقة الرسمية للمهرجان وعبر
الفيلم
وكعادته دائما طرح شاهين مجموعة من الإشكاليات والتساؤلات. فاذا كانت
الاديان في
الأساس جاءت وأحدثت طفرة وقفزات في تاريخ البشرية فما الذي حدث
حتى تستخدم الأديان
لإرجاع حركة التاريخ إلى الخلف ,؟ ! وهل هو حتمي إن تصطدم سلطة الفكر في
اغلب
الأحيان بفكر السلطة ؟1 ومزج الفيلم في اسلوبة بين عدة متناقضات وأنواع
سينمائية في
وقت واحد . وفى هذه الدورة حصد شاهين على أهم جائزة سينمائية
في حياته وهى تكريمه
وتقدير عن مجمل أعمالة السينمائية .
ولم يتوقف
شاهين بعد إن نال تقدير العالم في
مهرجان كان وإنما كان ذلك دافعا له لتقديم المزيد من النتاجات السينمائية
فقدم فيلم
(
الأخر ) عام 1999 وبعدها بعامين قدم ( سكوت حنصور ) ثم ( اسكندرية نيويرك )
2004 .
و( هى
فوضى ) عام 2007 مع المخرج خالد يوسف .
وغير
افلامة الروائية الطويلة
قدم شاهين مجموعة من الأفلام القصيرة وهى ( عيد النيترون ) 1968 , و( سلوى
) 1972
و(
الانطلاق ) 1973 و( القاهرة منورة بأهلها ) 1993
.
إن الصورة
التي قد
تحمل , بلا حرج , شيئا من الادعاء بالنسبة لطبيعة التزامات شاهين السياسية
لأتمنع
من
القول إن هذا السينمائي ترك في الأذهان انطباع تمتعه بنظرة تقدمية ظلت على
يسار
المنهج السياسي الدائر ويمكن إرجاء التناقض الملحوظ في سيرته
السينمائية طيلة
السنوات الأخيرة إلى السير المتعرج للعمل السياسي في الوطن العربي الذي خرج
إلى
العالم بمبدأ تطبيق الوحدة بمثل الطريقة التي أدت إلى نشوء عصر الانفصال
وأخيرا
التفتت الموجود في الوطن العربي . لذا فان أية مراجعة بسيطة
لأفلام يوسف شاهين
ولسينما يوسف شاهين إنما هى مراجعة عكسية في واقع الأمر للتاريخ العربي
المعاصر منذ
الخمسينات ولغاية يومنا هذا . وتحية الى مخرج كبير فى فراش المرض
.
مدونة "سينما اليوم" في 29
يوليو 2008
|