د.عمرو دوارة يكتب: عن أستاذ الكوميديا الراقية:
المهندس.. نجم المسرح الذي استغلته السينما
> عشرة عوامل ساهمت في نجاحه وتألقه > أذكي ممثلي الكوميديا والوريث
الشرعي لمدرسة الريحاني > «سيدتي الجميلة» درة مسرحياته.. و «أرض
النفاق» درة أفلامه
جاء قضاء
الله ورحل نجم الكوميديا الراقية «فؤاد المهندس» بعد رحلة عطاء فنية ثرية،
وبقدر ما أسعدنا ونجح في تفجير الضحكات من خلال أعماله الرائعة بقدر ما
أحزننا فراقه فذرفنا الدمع مع رحيله.
رحل فؤاد
المهندس بعد رحلة عطاء طويلة تزيد علي نصف قرن قدم خلالها أكثر من خمسة
وستين فيلما وأكثر من عشرين مسرحية، وذلك بخلاف عشرات المسلسلات
التليفزيونية والإذاعية التي استمر في تقديمها لسنوات طويلة، ومع ذلك تبقي
المحصلة للأسف بضع كلمات أو جمل قصيرة يشير فيها النقاد إلي تميزه في أداء
الأدوار المختلفة أو بعض الصفحات الفنية التي تتناول مسيرته الفنية من خلال
مجموعة الأحاديث الصحفية والمتضمنة لبعض الصور الشخصية، وذلك في غياب أي
دراسات نقدية حقيقية تتناول أعماله المختلفة خلال هذه المسيرة الثرية
بالنقد والتحليل لترصد أهم العوامل التي ساهمت في تميزه الفني وفي تكوينه
وتشكيله وكذلك رصد أهم سماته الفنية ومظاهر تألقه بمدرسته المسرحية.
لقد قضي
الفنان القدير فؤاد المهندس سنوات طويلة لاسعادنا مع سبق الاصرار والترصد
وبكل الجهد والمثابرة مما أهله لهذه المكانة المتميزة في قلوب الجماهير،
وأيضا لحصد عدد كبير من الجوائز والتكريم سواء بالمهرجانات المحلية أو
العربية ولعل من أهم هذه الأحداث تكريمه بالمهرجان الأول للمسرح الضاحك
الذي نظمته الجمعية المصرية لهواة المسرح عام 1994وبمهرجان القاهرة
السينمائي الدولي عام 1999 وجائزة المركز الكاثوليكي للابداع الفني، ثم
جائزة الدولة التقديرية عام 2005، وأخيرا تكريمه هذا العام بالمهرجان
القومي الأول للمسرح المصري.
> البداية
والنشأة:
ولد فؤاد
المهندس في السادس من سبتمبر 1924 بمدينة القاهرة وبالتحديد بحي العباسية
وهو الابن الثالث للدكتور زكي المهندس العميد الأسبق لكلية دار العلوم رئيس
مجمع اللغة العربية سابقا، وهو شقيق الاذاعية الكبيرة صفية المهندس (زوجة
الإعلامي الكبير الراحل محمد محمود شعبان) والاستاذة درية، أما الشقيق
الأصغر فهو سامي المهندس. وقد بدأ هواية التمثيل بتقليدالأساتذة منذ
المرحلة الابتدائية والمشاركة بفرق المسرح المدرسي ثم المسرح الجامعي.
وقد دفعه
شغفه بالمسرح إلي التعرف علي الفنان القدير نجيب الريحاني عن طريق زوج
شقيقته (محمد محمود شعبان ـ بابا شارو) وبالفعل احتضنه الريحاني ووافق علي
اخراج أحد أعماله بكلية التجارة ومنح فؤاد المهندس فرصة البطولة والقيام
بدوره.
حصل فؤاد
المهندس علي بكالوريوس التجارة بجامعة فؤاد الأول عام 1948، وتم تعيينه
بادارة رعاية الشباب ومارس الاخراج للفرق المسرحية الجامعية حتي استقال بعد
ذلك للتفرغ للأعمال الفنية.
> المسيرة
الفنية
تعتبر
الاذاعة وبالتحديد برنامج ساعة لقلبك هي نقطة الانطلاق الحقيقية للفنان
فؤاد المهندس حيث انضم إليه عام 1953 واصبح من أهم نجومه بشخصية محمود
المثقف المغلوب علي أمره بسبب زوجته الجاهلة المزعجة والتي جسدتها الفنانة
خيرية أحمد.
ولنجاح
برنامج «ساعة لقلبك» ساهم المهندس مع زملائه من النجوم، ومن بينهم سمير
خفاجي ويوسف عوف وخيرية أحمد، وأمين الهنيدي، وأبولمعة، وبيجو في تكوين
فرقة ساعة لقلبك المسرحية عام 1955 وقام باخراج أول أعمالها «ما كان من
الأول» ومثل في معظم أعمالها ومن أهمها «البعض يفضلونها قديمة».
وتجيء
نقطة الانطلاق الثانية بتأسيس فرق التليفزيون المسرحية فحقق من خلالها
انتشارا كبيرا بمشاركته في بطولة: «أنا وهو وهي» (1962)، «السكرتير الفني»
(1963)، حالة حب (1964) «أنا فين وأنت فين» (1964)، وبعد ذلك ينجح فؤاد
المهندس مع نخبة من نجوم فرق التليفزيون في تأسيس فرقة الفنانين المتحدين
بقيادة سمير خفاجي ليقدم مجموعة من أفضل مسرحياته ومن بينها: أنا وهو وسموه
(1966)، حوار الساعة 12 (1967)، سيدتي الجميلة (1968). وينقطع عن الفرقة
وينفصل عنها ولكنه يعود إليها في آواخر الثمانينيات ليقدم علشان خاطر عيونك
(1987).
وينضم
الثنائي الناجح فؤاد المهندس وشويكار إلي فرقة الكوميدي المصرية عام 1971،
وهي الفرقة التي قام بتأسيسها محمد عوض مع صلاح يسري، ويقدم نجمة الفاتنة
(1971)، هاللو دوللي (1971)، يا ما كان في نفسي (1973)، ليه ليه؟ (1976)،
انها حقا عائلة محترمة (1978)، سك علي بناتك (1979)، قسمتي (1983)
بالمشاركة مع قطاع المسرح، هالة حبيبتي (1984)، وبعد ذلك يشارك المهندس في
تقديم مسرحيتين مع شويكار أيضا هما: روحية اتخطفت (1990)، مراتي تقريبا
(1991)، وهما من انتاج القطاع الخاص.
وفي رأيي
أن درة أعماله المسرحية هي: «سيدتي الجميلة» بلا منازع ليس فقط لجودة النص
الأجنبي أو الإعداد المصري ولكن أيضا لتكامل عناصرها الفنية وتناسب الدور
مع فؤاد المهندس والتوظيف الكامل لقدرات شويكار الفنية.
> المسيرة
السينمائية:
كان أول
الأفلام التي شارك المهندس في بطولتها هو فيلم «غلطة عمر» عام 1953، أما
الفيلم الثاني فكان أول بطولة مطلقة وهو فيلم «بنت الجيران» مع شادية وعمر
الحريري ومن إخراج/محمود ذوالفقار.
وبرغم ذلك
العدد الكبير من الأفلام التي شارك فيها المهندس بعد ذلك إلا أنني أري أن
مساهماته المسرحية أكثر عمقا وأعظم أثرا خاصة وأن عددا كبيرا من الأفلام
التي قام ببطولتها كانت استغلالا تجاريا لموهبته ولنجاح بعض المسلسلات
الاذاعية، خاصة تلك الأفلام التي قدمها في الفترة مابين 1967 و1973، ومثال
لها «اخطر رجل في العالم»، «الراجل ده هايجنني»، «شنبو في المصيدة»،
«مطاردة غرامية»، «العتبة جزاز»، «أنت اللي قتلت بابايا»، «عودة أخطر رجل
في العالم». وان كان هذا لا ينفي مشاركته في بطولة بعض الأفلام الجيدة، ومن
أهمها «أرض النفاق»، «أيوب» «ونسيت أني امرأة» من انتاج التليفزيون
والظاهرة التي تستحق الدراسة حقا أن فؤاد المهندس قد نجح في اظهار تميزه
وموهبته الفنية في بعض الأفلام التي قام من خلالها بأداء الأدوار الثانوية
وليست البطولات المطلقة فنجح في لفت الانظار إلي موهبته وتأكيد حضوره الفني
و أعتقد أن السبب الأول في ذلك يعود إلي جودة صناعة هذه الأفلام وارتقاء
مستواها، وذلك علي عكس تلك الأفلام التجارية التي حاولت استغلال شهرته،
وربما هذا يفسر أيضا تراجعه عن البطولة المطلقة التي قدمها في «بنت
الجيران» وتقديمه لبعض الأدوار الثانوية الناجحة والتي تتسم بالإنسانية
لأنني أري أن «المهندس» ممثل بالدرجة الأولي وحتي في مجال الكوميديا يمكن
أن يلقب بالممثل الكوميدي وليس بالكوميديان الذي يندرج تحت مسمي
«المهرجون».
وتضم
قائمة الأفلام لفؤاد المهندس مجموعة من الأفلام المهمة، ومن بينها «بين
الأطلال»، «نهر الحب»، «الشموع السوداء»، «ألمظ وعبده الحامولي»، «شفيقة
القبطية»، «جناب السفير»، «صاحب الجلالة»، «عائلة زيزي»، و«فيفا زلاطة»
الذي غامر المهندس بانتاجه لاقناعه بفكرته. وأري أن درة أفلام المهندس «أرض
النفاق» عام 1968، وكذلك «عائلة زيزي» و«المظ وعبده الحامولي» و«أيوب بعد
ذلك، ويأتي بعد ذلك مجموعة أفلامه الأخيرة «خلي بالك من جيرانك» «خمسة
باب»، «البيه البواب» و«نسيت أني امرأة». والمؤسف أن السينما قد أدارت
ظهرها «للمهندس» خلال السنوات العشر الأخيرة.
> أعماله
الاذاعية والتليفزيونية:
بدأ تألق
المهندس إذاعيا بـ «ساعة لقلبك» واستمر لسنوات طويلة في المشاركة بالمسلسل
الشهير «عائلة مرزوق أفندي»، واستمر بعد ذلك في ولائه للاذاعة بتقديمه
العديد من المسلسلات الرمضانية الناجحة، ومن أهمها العتبة جزاز، و«شنبو في
المصيدة»، و«إنت اللي قتلت بابايا»، وكذلك برنامجه الشهير «كلمتين وبس»
للكاتب أحمد بهجت، والذي كان يختمه بعبارة «مش كده ولا إيه؟».
أما في
التليفزيون فقد كانت البداية بالستينيات حينما شارك الفنانة سناء جميل في
تقديم برنامج «وراء الستار»، كما شارك في تقديم فوازير «عمو فؤاد» للأطفال،
لأكثر من عشرين عاما، وأيضا بعض المسلسلات المهمة، ومن بينها «عيون» ،
«الزائر المجهول»، و«أزواج لكن أغبياء».
> عوامل
تألقه الفني:
يصعب علي
الناقد والباحث القيام برصد وتحليل العوامل التي تساهم في تكوين وتشكيل
فنان، وذلك لأنها عوامل متعددة ومتداخلة ويؤثر بعضها في بعض، ويكون لبعضها
تأثير مباشر في حين يكون لبعض العوامل الأخري تأثير غير مباشر، ولكن من
خلال تلك المحاولة يمكننا رصد عشر ة عوامل ساهمت في صقل موهبة فؤاد المهندس
ويمكن حصرها في النقاط التالية:
أولا:
المناخ العائلي حيث الأسرة المثقفة وخاصة الوالد وإجادته التامة لقواعد
اللغة العربية، وثقافته الغزيرة، وكذلك شقيقته الكبري صفية المهندس
الإذاعية الشهيرة وزوجها الرائد الإذاعي محمد محمود شعبان «بابا شارو»،
خاصة وأن جميع أفراد الأسرة معروفون بالنظام والالتزام بدقة المواعيد
وبعلاقاتهم الطيبة.
ثانيا:
ثقافته الفنية التي كونها منذ الصغر بمتابعته للعروض المسرحية وخاصة عروض
فرقة الريحاني، وكذلك مشاهدته للأفلام الأجنبية وتأثره في مرحلة البداية
بكل من نجيب الريحاني وبشارلي شابلن وجروشو ماركس (الأخ الأكبر لإخوان
ماركس)، ويضاف إلي مشاهداته القراءة المستمرة التي عشقها منذ صغره أيضا.
ثالثا:
ممارساته للتمثيل المسرحي منذ دراسته في مدرسة العباسية الابتدائية ثم
مدرسة فاروق الثانوية، وبعد ذلك بكلية التجارة بجامعة القاهرة حيث اكتشف
مبكراً قدرته علي التثميل والتقليد وأيضا الاضحاك.
رابعا:
ذكاؤه الحاد وقدرته علي الخروج من دائرة الريحاني بعد أن استفاد منه في
تكوين ذلك الثنائي الفني فبدلا من نجيب وبديعة ومن بعدها نجيب وميمي شكيب
اصبح المهندس وشويكار هذا الثنائي الذي قدم العديد من البطولات في المسرح
والسينما والاذاعة، وإن كان في بداياته قد ارتبط فنيا مع خيرية أحمد في
برنامج ساعة لقلبك.
خامسا:
لياقته البدنية العالية وقدرته علي تحريك جميع عضلات جسمه وتوظيفها للاضحاك،
فهو يستطيع أن يضحك الناس حين يتكلم ويضحكهم أكثر حين يتحرك.
سادسا:
اذنه الموسيقية التي هيأت له فرصة المشاركة بالغناء ببعض الأعمال الفنية
حتي انه نجح في أن يقوم بالتلحين له نخبة من كبار الملحنيين وفي مقدمتهم
محمد عبدالوهاب موسيقار الأجيال، ومنير مراد، وحلمي بكر.
سابعا:
ظهوره مع جيل جديد من المبدعين في مجال الكوميديا يحترم المنافسة الفنية
فبعد رحيل الريحاني والكسار وانحسار الأضواء عن إسماعيل ياسين في نهاية
الخمسينيات كان من الطبيعي أن يتألق جيل جديد بريادة عبدالمنعم مدبولي، وأن
يكون المهندس، والهنيدي وعوض وعبدالمنعم إبراهيم وأبوبكر عزت وحسن مصطفي هم
نجوم الكوميديا الجدد.
ثامنا:
المثابرة والاستمرار في الابداع لسنوات طويلة فبلا شك أن هذا الكم الكبير
من الأعمال في مختلف القنوات الفنية سوف يزيد من خبراته ويساهم في تقديم
أعمال ذات مستوي فني راق خاصة عند تعامله مع كبار المؤلفين والمخرجين،
والحقيقة أن فؤاد المهندس كان مدركا منذ البداية لمشاركته في بعض الأعمال
التجارية لتحقيق الانتشار، وأيضا اصراره علي تقديم بعض الأعمال الراقية
للذاكرة الفنية.
تاسعا:
القدرة علي حماية موهبته باختياره للمناخ الأنسب لابداعه سواء بالتنوع
الشديد في اختياره لأدواره حيث اشتهر بداية بأدوار الموظف المطحون ثم قام
بأدوار المليونير والرجل المثقف، أو عن طريق المشاركة في تكوين بعض الفرق
الخاصة ومنها ساعة لقلبك، ثم الانضمام إلي فرق التليفزيون المسرحية (المسرح
الكوميدي) وبعدها تأسيس فرقة المتحدين مع سمير خفاجي ثم الانتقال للمشاركة
مع محمد عوض وفرقة الكوميدي المصرية وذلك ليحقق رؤيته الفنية.
عاشرا:
حرصه علي اختيار النص المناسب سواء بتقديم بعض روائع المسرح العالمي والتي
قام بتمصيرها أو اقتباسها كل من بهجت قمر وسمير خفاجي وأهمها: «سيدتي
الجميلة»، أو المشاركة بالاخراج أحيانا، كما في «ما كان من الأول» «حالة
حب»، «أنا فين وانت فين»، «حصة قبل النوم»، «سك علي بناتك» «هالة حبيبتي»،
وأيضا ذكاؤه في مشاركة الأطفال في أعماله سواء بفوازير عمو فؤاد أو بعض
المسرحيات مثل «هالة حبيبتي».
رحم الله
هذا الفنان القدير فلا نملك إلا الدعاء له بالغفران جزاء ما أخلص في عمله
وحرص علي اسعادنا بتقديم الأعمال الكوميدية التي تفجر الضحكات بأسلوب راق
لا يخدش حياء الأسرة المصرية.
|