الدورة الـ20
لأيام قرطاج السينمائية:
250 فيلما في دورة بدأت علي خط النار
خميس الخياطي
تفتتح هذا المساء، اول تشرين الثاني (أكتوبر) الدورة الـ20 لأيام قرطاج
السينمائية، وهو أقدم مهرجان سينمائي عربي وإفريقي استمرت دوراته بلا
انقطاع منذ العام 1966 رغم العثرات التي شاهدها والتغييرات السياسية
والقيادية التي كادت تذهب به... إلا أنه يحسب للنظام التونسي وللمجتمع
المدني (الجمعيات السينمائية) حرصهما علي إقامة هذه التظاهرة في موعدها كل
عامين، وذلك رغم الركود النسبي الذي يشهده الإنتاج السينمائي التونسي خاصة
والعربي بصفة عامة.
وبحسب المعلومات القليلة التي منت بها إدارة المهرجان في مؤتمر صحفي عقد
ثمان وأربعين ساعة قبل افتتاح هذه الدورة التي قيل أنها ستكون دورة
استثنائية لسبب قدم المهرجان ولسبب انعقادها قبل استحقاقات رئاسية وتشريعية
ستشهدهما تونس في الأسبوع الأخير من تشرين الثاني (أكتوبر)، ستتحلي هذه
الدورة بفقرات ترفيهية خاصة منها ألعاب نارية وعروض سينمائية علي نافورة
ساحة السابع من نوفمبر (كانون) الأول وأخري علي واجهات العمارات بشارع
الحبيب بورقيبة، بتنشيط لعديد مواقع العاصمة وبافتتاح للدورة يكون علي مقاس
الطموحات المعلقة عليها في إقناع الشارع التونسي بأن تونس والسينما
التونسية بخير وعافية...
سينما في ملعب رياضي؟
سرت العادة والمنطق والمعقول أن علي كل تظاهرة إحترام جنسها... الرياضة
تفتتح في الملاعب (دورة 2001 لألعاب المتوسط ودورة الكأس الإفريقية لكرة
القدم)، المسرح يفتتح في المسارح (دورة أيام قرطاج المسرحية 2003) الغناء
في مسرح الهواء الطلق (قرطاج الصيفي) والسينما لها فضاءاتها السينمائية
(دورة قرطاج السينمائية 2002).
غير أن الهيئة المديرة للمهرجان والتابعة لوزارة الثقافة إلا في دورات
ثلاثة من تاريخها وبنية الإحتفاء بالدورة الـ20 ، ابتدعت بدعة ما وراءها.
لقد قررت أن يكون الإفتتاح في ملعب القبة بالمنزه (ضاحية شيك بشرق
العاصمةتونس) وهو المخصص أساسا لمباريات كرة اليد وكرة الطائرة في حين كان
الإفتتاح منذ أكثر من ست وثلاثين سنة يقام في قاعة سينما الكوليزي التي
تعتبر كبري القاعات التونسية بعد أن هدمت قاعة البالماريوم لتصبح مجمعا
تجاريا. مما جعل محسن عبد الرحمن، صحفي بجريدة الشروق ، يقترح في مقال له
أنه بالمقابل ومن ذات المنطق الجديد، يجب أن تقام ألألعاب العالمية لكرة
اليد للعام 2005 بقاعة سينما الكوليزي... هي آخر نكتة تونسية.
ما الذي حدث لأصحاب القرار الثقافي حتي يقلبوا الآية؟ هل لأسباب ترفيهية
كما تزعم الكاتبة العامة للأيام، السيدة نادية عطية (مديرة مصلحة السينما
بالوزارة) في حديث لجريدة لابراس الرسمية أم لأن شبكة القاعات بتونس
العاصمة لا تتضمن ولو علي قاعة واحدة تصلح لإحتفال سينمائي بالحجم الذي
يريدون؟ مهما يكون الأمر، فإن المصاريف التي ستتحملها الوزارة لتهيئة ملعب
القبة (3500 مقعدا) حتي يصلح لعرض سينمائي ستكون باهظة وكل ذلك لليلة واحدة
ورغم أن التقنيين يجزمون أن الأمر لن يكون بالسهولة التي يقول بها
البيرقراطيون. المنطق وجنس التظاهرة والمصلحة العامة أمور تحتّم أنه كان من
المعقول أن تصرف هذه الأموال، مهما كان حجمها، في تهيئة قاعة سينما بحق حتي
يستفيد منها المشاهد التونسي الذي يعاني طيلة السنة فقرا في البرمجة إضافة
إلي فسادا في الصورة والصوت...
قيل كذلك أن الإفتتاح ستحييه خيوط الليزر التي ستتبع وصول النجوم والنجمات
ونزولهم/هن من السيارات مع استقبال من التونسية المقيمة بالقاهرة الممثلة
هند صبري والصحفي التونسي المقيم بهوليوود رمزي الملوكي ويعرض فيه فيلم
الطائرة الورقية للبنانية رندة الشهال. ولحد كتابة هذا المقال بعد المؤتمر
الصحفي، لم ترد إلا أسماء قليلة لضيوف الدورة وبصفة غير مؤكدة، منها من مصر
يسرا وعمر الشريف وقيل هنيدي وآخرون من فرنسا (هكذا بصفة غامضة). وقد علمت
القدس العربي أن ليلي علوي وحنان الترك لن تحضرا الإفتتاح لإنشغال الأولي
بمسلسل رمضاني في حين الثانية لم تصلها الدعوة إلا من أيام... ثم شذي سالم
من العراق و هز يدك مالطبق كما يقول المثل الشعبي... أين النجوم الغربيين
الذين من أجلهم استدرج المنتج العالمي طارق بن عمار؟ قالوا: سيحضرون. طالب
الصحفيون: من سيحضر؟ الجواب:لا يمكن الإجابة علي هذا السؤال لأننا لا نملك
قائمة ثابتة وأنتم تعرفون أن النجوم يبدلون آرائهم في آخر لحظة (رب عذر
أقبح من ذنب).
المخرجون نجوما؟
هل المخرجون الذين ألفوا قرطاج، لأن قرطاج كان منذ 1966 وما زال مهرجانهم،
هم نجوم من أمثال يوسف شاهين وأسامة فوزي (مصر) وبرهان علوية ورندة الشهال
وجون شمعون (لبنان) وعبد اللطيف عبد الحميد ومحمد ملص وواحة الراهب (سورية)
وحسن بن جلون وعبد القادر لقطاع ونور الدين الصايل (المغرب) وبلقاسم حجاج
(الجزائر) وعلي نصار وميشيل خليفي (فلسطين) إلخ... حتي يحتفي بهم في ملعب
لكرة اليد؟ الغرض الترفيهي مفهوم ومشروع علما وأنه في الدورة السابقة وعد
وزير الثقافة الحالي السيد عبد الباقي الهرماسي بأن دورة 2004 ستفتتح في
مدينة الثقافة. أين المدينة؟ سنتان مرتا ولا مدينة ثقافة إلا لوحات تشكيلية
جميلة تغطي السياج الذي يخفة الأعمال المتوقفة عن أنظار المارة...
إن هيئة قرطاج لهذه الدورة خبطت خبطة عشواء حتي في اختيارها أعضاء لجنة
التحكيم الدولية. فلو نحينا جانبا السوري محمد ملص والإيرانية تهمينة
ميلاني والسينيغالي منصور سورا وادي الذي حصل علي الجائزة الذهبية لدورة
قرطاج السابقة، فإن الباقي ليس له الوزن السينمائي والشهرة الشعبية ليكون
عضوا في لجنة تحكيم مهرجان يحتفي بدورته العشرون. فحتي من العالم الغربي،
لم يختر المهرجان إلا دومينيك كابريرا ... غريب هذا الأمر في دورة يريدونها
براقة، لماعة لمهرجان له من العمر 38 سنة ولا هو بمهرجان القاهرة ولا
مهرجان مراكش. أما في ما يخص قسم الفيديو، فإن لجنة التحكيم مكونة من
البوركينابي جان سرفي باكيونو (رئيسا) مع الآنستين سعاد بن سليمان (تونس)
والصحفية اللبنانية هدي إبراهيم...
إضافة لذلك، كانت العادة وللمحافظة علي الجانب الفكري للمهرجان الذي لم
ينشأ لغرض استعراضي أن تقام ندوة فكرية في كل دورة حول موضوع من المواضيع
والإشكاليات التي تمس السينما العربية والإفريقية. صحيح أنه منذ أول دورة
لم تنشر المداخلات التي قدمها بعض المفكرين والسينمائيين والباحثين العرب
والأفارقة والأجانب وعديدهم له قيمة فكرية ومخيالية هامة منها علي سبيل
المثال الروائي الجزائري رشيد بوجدرة او المرحوم لطفي الخولي وغيرهما،
مداخلات دفنت أدراج وزارة الثقافة ولم ينتفع منها لا التونسيون ولا غيرهم.
إلا أن إلغاء الندوة الفكرية في هذه الدورة وعدم مساعدة الجمعية التونسية
للنهوض بالنقد السينمائي حتي تنجز مائدتها المستديرة هي إشارات جد بليغة
حول الهدف الذي يراد من هذه الدورة وهو الترفيه والفرجة كما قالت السيدة
عطية في المؤتمر الصحفي.
تكريم بالغياب
أما علي مستوي التكريم، وهو أمر هام، لا سيما والمهرجان يحتفل بمرور 19
دورة له بلا انقطاع، كان من المتوقع أن يكرم المهرجان أناسا (نساء ورجالا)
من تونسيين وعربا وأفارقة وغيرهم أعطوا لقرطاج وقتهم ومساندتهم وأفكارهم
خاصة في الأيام الصعاب، أيام التأسيس او تلك التي نشأت فيها فكرة إيقافه
لحين... إلا أن الإدارة الوزارية اختارت نسيانهم وكأن المهرجان ولد هذا
اليوم... ودلالة ذلك أن موقع المهرجان علي شبكة الأنترنيت
www.carthage2004.org
(موقع بالفرنسية والأنكليزية ولا وجود للعربية البتة) لا يتضمن في باب
تاريخه إلا الجملة غير المفيدة التالية تأسست أيام قرطاج السينمائية في
العام 1966 ولم يذكر من أداروه مثل المرحومين حمادي الصيد والطاهر قيقة ولا
السادة الطاهر الشريعة والمنصف بن عامر وعزالدين المدني وعلي الزعيم وأحمد
بهاء الدين عطية وعبد اللطيف بن عمار وغيرهم... قيل أن المهرجان سيكرم
مؤسسه السيد الشاذلي القليبي (وزير الثقافة في النظام السابق وأمين عام
جامعة الدول العربية الأسبق)، إلا أن الأمر ألغي في الكواليس. وسألت القدس
العربي عن السبب، فقيل لها بأن الشاذلي القليبي هو الذي رفض ثم قال مصدرنا
المقرب من هيئة المهرجان : كيف لوزير ثقافة حالي أن يكرم زميله وزير ثقافة
سابق؟ (!!). أما هيئة المهرجان، فقد أجابت عبر أحمد بهاء الدين عطية المنتج
ومساعد رئيس الدورة علي هذا السؤال بأننا سنكرمهم بعرض أفلامهم (ويكفيهم
ذلك). وبسرعة البديهة أضاف، ولم نعرف إن كان نكتة : سنكرم المنصف بن
عامر(الجالس بجانبه في المؤتمر الصحفي) والسيد الطاهر الشريعة (الغائب عن
المهرجان وهو المؤسس له وحاميه) . أضعف الإيمان ألا يبرز أحد في الايام
الإحتفالية هذه وكأن لا ذاكرة لأقدم مهرجان عربي/إفريقي إلا ما سيوثقه كتاب
سيصدر عن المهرجان وفي موعد غير محدد.
أما التكريمات الرسمية المعلنة عنها صراحة، فهي للمصرية يسري مع عرض ستة من
الأفلام التي عملت فيها وهي أكثر من سبعين فيلما منذ ظهورها في فيلم ألف
بوسة وبوسة للعام 77، وهي حدوتة مصرية ليوسف شاهين و الأفوكاتو لرأفت
الميهي و البداية للراحل صلاخ أبوسيف و الجوع لعلي بدرخان و الإرهاب
والكباب لشريف عرفة و دانتيلا لإيناس الدغيدي. التكريم الآخر للسينما
المغربية التي تشهد إنعاشة هامة لحد أن لجنة المهرجان اختارت فيلمين
للمسابقة. أفلام التكريم والتي تعتبر من علامات السينما المغربية هي من
إخراج لطيف لحلو (شمس الربيع)، حميد بناني (وشمة)، أحمد المعنوني (أليام
اليام)، أحمد بوعناني (السراب)، سهيل بن بركة (آموك)، محمد الرقاب (حلاق
درب الفقراء)، عبد الرحمن التازي (باديس)، عبد القادر لقطاع (حب في الدار
البيضاء)، سعد الشرايبي (نساء نساء) وفريدة بليزيد بفيلم كيد النساء .
السينما الألمانية تحظي هي الأخري بتكريم خاص وتتضمن علي مجموعة من
كلاسيكيات السينما التعبيرية الألمانية منها فيلم ثلاث إضاءات للعظيم فريتز
لانغ (1921) والذي سيعرض في المسرح البلدي مع مصاحبة موسيقية علي البيانو
بعزف طوماس كونر تليه أفلام مثل أغوير أو غضب الله لفرنر هرتزوغ وهو من
تمثيل كلاوس كينسكي او بائع الفصول الأربعة عن مسرحية لبرخت وإخراج فاسبندر
يختمها فيلم للعبقري ويليام بابست بعنوان أوبرا الملاليم الأربعة (1931) عن
نص لبرحت كذلك.
لفلسطين، في هذه الأيام وكما كان في السابق وسيبقي دوما، مكانة عزيزة
ومركزية في قلوب التونسيين وحتي يستجيب للواقع الذي شهد العيد الرابع
لإنطلاق الإنتفاضة جمع المهرجان، هي ميزة يشكر عليها، عديد الأفلام من جميع
أقسامه تحت محور صور من فلسطين بها أفلام روائية وتسجيلية، سينما وفيديو
ومن جميع البلدان. نجد بها فيلم ميشيل خليفي ويال سيفان الطريق 181 و باب
الشمس للمصري يسري نصرالله عن رواية لإيلياس خوري ومن تمثيل ريم التركي،
الجدار للفرنسية/المغربية/الإسرائيلية الموالية دما وروحا لفلسطين سيمون
بيتون، عطش لتوفيق أبو وائل، ألف يوم ويوم لفريديريك لافون إضافة إلي خمسة
عشرة فيلما وثائقيا مختلفة الطول والأهمية. وقد ذكرت مديرة المهرجان لـ
القدس العربي أن أهم تظاهرة في هذه الدورة هي صور من فلسطين لما بها واقع
مرير ومقاومة صلبة .
خمس سنوات في تسعة أيام
ينقسم المهرجان إلي قسمين وهما أفلام المسابقة (طويلة وقصيرة) وهي حصرا علي
الإنتاج العربي/إفريقي وأفلام خارج المسابقة، ثم قسم آخر خاص بأفلام
الفيديو وهو كذلك قائم علي الإنتاج العربي/إفريقي في المسابقة وعلي أفلام
خارجها. مجمل الأفلام التي ستشاهدها الدورة هو 250 فيلما ستعرض في إحدي
عشرة قاعة سينما في تونس وضواحيها (من مجمل 26 قاعة بكامل الجمهورية)...
مما حدي بمديرة المهرجان القول بأن تونس تستورد سنويا بين خمسين وأربعين
فيلما جديدا وأن دورة قرطاج تعوض استيراد خمس سنوات في تسعة أيام .
إن كان إفتتاح الكبار لهذا المساء بقصر القبة سيكون بفيلم اللبنانية رندة
الشهال-الصباغ الطائرة الورقية الذي حصل علي إحدي جوائز مهرجان برلين في
دورته الأخيرة، فإن الإفتتاح للصغار (وهي بادرة طيبة من المهرجان) ستكون
غدا بعد الظهر في ذات المكان بالفيلم الكارتوني تحيا قرطاج وهو إنتاج
تونسي/أوروبي ومن صنع تونسي. الفيلم الأول لمخرجة لها حتي اليوم ثلاثة
أفلام روائية عرضت كلها في دورات قرطاج وأولها فيلم شاشات الرمل من إنتاج
طارق بن عمار. يعرض الفيلم - وهو من تمثيل زياد الرحباني وفلافيا بشارة -
إلي الحواجز الإسرائيلية في جنوب لبنان والتي تفرق بين أهل عائلة واحدة
وكيف تخترقها الصبية لمياء إلي أن تقع في علاقة حب مع العسكري الإسرائيلي
الذي يراقبها... أما الفيلم الثاني، فهو بطريقة الرسوم المتحركة عن علاقة
ضفتي المتوسط من وجهة نظر جنوبه.
وتتضمن أفلام المسابقة علي إثنين وعشرون فيلما منها ثلاثة عشرة فيلما عربيا
من بينها الفيلم الفلسطيني في الشهر التاسع لعلي نصار (من الناصرة) وقد
عرفه الجمهور التونسي بفيلم درب التبانات من تمثيل محمد بكري. الفيلم
الجديد، من تمثيل أشرف برهومة ونسرين فاور، يعرض لقصة أحمد الذي هاجر إلي
لبنان لمدة عشر سنوات تاركا حبيبته، ويوم يعود خلسة يختفي طفل صغير فيتهمه
أهل القرية بذلك لما له من تصرفات غريبة... المناخ ذاته الموجود في درب
التبانات. أما من لبنان، سيعرض المهرجان فيلمين لدانيال عربيد (معارك حب)
ووبهيج حجيج (زنار النار). أظهرت دانيال عربيد في أفلامها القصيرة، إذ فيلم
معرك حب هو فيلمها الروائي الطويل الأول، حسا خاصا في تلمسها الواقع من
وجهة غرائبيته. وفيلمها الجديد، وهو من تمثيل مريان فغالي وراوية الشاب،
يغوص أكثر في هذا الواقع من زاوية نمو شعور الرشد لدي طفلة وخادمة خالتها
التي تتستر علي غرامياتها وذلك في لبنان ممزق من الحرب الأهلية. أما فيلم
بهيج حجيج الذي يقدم هو الآخر فيلمه الروائي الطويل الأول رغم أنه يدرس
السينما في بيروت وأخرج عديد البرامج التربوية التلفزية، فهو فيلم من تمثيل
برناديت حديب ونداء واكيم ويعرض لذات فترة الحرب الأهلية عبر أستاذ مادة
الأدب المعاصر في الجامعة الذي إكتشف الحب الذي بحث عنه طويلا في عتمة غرفة
الناطور جراء القصف العنيف الذي تعرضت له الجامعة... إلا أنه لا يعرف ملامح
وجه تلك التي أحبها. ويتحول الحب إلي كابوس...
إختار المهرجان من سورية فيلم ما يطلبه المستمعون المخرج عبد اللطيف عبد
الحميد ( القدس العربي بتاريخ 18/19 أيلول/سبتمبر) الذي يحتل اليوم مكانة
هامة في السينما الروائية السورية لغزارة إنتاجه (ستة أفلام) منذ فيلم
ليالي إبن آوي (1988) مقارنة بما تعيشه هذه السينما من صعوبات إنتاجية ثم
لكونه رسم لنفسه خطا يبينه عن أنداده من السينمائيين السوريين (سمير ذكري،
أسامة محمد وريمون بطرس وآخرون). فيلم ما يطلبه المستمعون الذي كتب له
المخرج السيناريو ووقع تصويره التونسي يوسف بن يوسف (عمل مع محمد ملص في
الليل ) هو من تمثيل نبال جزائري وفايز قزق وجمال قبش ويعرض بأسلوب مرح
أهمية المذياع في حياة الناس البسطاء وخاصة في فترات الحرب... نعرف أهمية
أغنية ليلي مارلين ( مارلين دايتريش سينمائيا) في الحرب العالمية الثانية،
هل حاك عبد اللطيف عبد الحميد فيلمه علي هذا النسق؟ الفيلم السوري الآخر هو
فيلم أول للممثلة والمخرجة والفنانة التشكيلية وكاتبة السيناريو واحة
الراهب بعنوان رؤي حالمة ، وهي رؤي لفتاة من عائلة متوسطة بين الطموح
الذاتي والضغط الإجتماعي، بين مطلب الحرية الفردية ونواميس مجتمع محافظ وكل
ذلك إبان الإجتياح الإسرائيلي للبنان.
من المغرب يقدم المهرجان فيلما درب مولاي الشريف و فوق الدار البيضاء،
الملائكة لا تحلق وهما من إخراج حسن بن جلون وعمر عسيلي. الأول سبق وكان في
دورة قرطاج المنقضية وفيلمه الجديدالذي كتب له السيناريو وقام بتصويره كمال
الدرقاوي ويعرض للماضي الماركسي/اللينيني لموظف بالمطار، كمال الذي يحب
زميلته نجاة ولكنه لم ينج من ملاحقة ماضيه له وتعكير صفو الحب. عمر عسيلي،
من جهته، ينتج وينجز أول فيلم روائي طويل له بعد سنين طويلة في المساعدة
والإنتاج. الفيلم من تمثيل عبد الصمد مفتاح الخير وليلي الأحياني ويعرض
للهجرة الداخلية نحو الدار البيضاء التي تأكل كل من يدخلها حتي الملائكة.
أما الجزائر، فإنها ستقدم فيلما وحيدا هو المنارة لبلقاسم حجاج، وهو ثاني
فيلم روائي له بعد مشاهو (1996) وقد حضر عديد الدورات القرطاجنية. الفيلم
الذي شاركت فيه بالكامل أياد جزائرية في كامل مراحله يعرض لثلاثة أصدقاء من
بينهم بنتا يعيشون حياة خالية من النغص إلي أن تأتي أحداث 1988، فتزج بكل
منهما في دوامة تفرق بينهم رغم محاولة الفتاة أسماء ترميم الصدع الإجتماعي
والسياسي و...العاطفي. ثلاثة أفلام أخري مهمة هي من مصر ( بحب السينما
لأسامة فوزي) ومن البحرين ( زائر لبسام الذوادي) ومن العراق ( زمان، رجل
القصب لعامر علوان). الأول من تمثيل ليلي علوي ومحمود حميدة وتصوير طارق
التلمساني شهد في مصر حملة عنيفة ضده كونه صور عائلة قبطية بالصيغة التي لم
يرتئيها المجتمع المسيحي المصري المستقر. وهي من المرات القلائل والقلائل
جدا التي تتطرق فيها السينما المصرية إلي الاقلية المسيحية. بسام الذوادي
أخرج هنا ثاني فيلم طويل في تاريخ السينما بالبحرين بعد أن أخرج فيلمه
الأول الحاجز في العام 1990. يعرض الفيلم كما فعلت السورية واحة الراهب إلي
رؤي المرأة فاطمة ليلا وكيف نشأت علاقة بين هذه الرؤي ومقبرة عالي وشخص
مجهول يزورها في احلامها/كوابيسها. عامر علوان من العراق والذي إمتهن
الأفلام الوثائقية وعمل في التلفزة العراقية يقدم هو الآخر فيلمه الطويل
الأول من تمثيل شذي سالم وسامي قفطان وهو عن مراقبة ومعاينة مؤلمة، متأملة
لماضي وحاضر العراق خلال رحلة علي مياة دجلة لرجل يبحث عن دواء لزوجته.
المشاركة التونسية والتي إختارت أفلامها لجنة خاصة من بين ستة أفلام روائية
طويلة فهي كلمة رجال الفيلم الروائي الطويل الأول لمعز كمون عن رواية لحسن
بن عثمان بعنوان بروموسبور وموسيقي لطفي بوشناق وتمثيل جمال ساسي وجميلة
الشيحي ويعرض لملمصير المأساوي لثلاثة من الأصدقاء (ساسي وعباس وسعد) في
مناخ سوداوي، وقح ورافض للإستقرار المميت. الفيلم الثاني هو الآخر الفيلم
الأول لمخرجه مختار العجيمي بعنوان باب العرش ومن تمثيل محمد إدريس ومحمد
علي جمعة وفتحي الهداوي وهو كما الفيلم الأول نقد للمجتمع التونسي المحافظ
وطمسه للحرية الفردية عبر قصة شاب يترك زوجته ليلة زفافه...
أما الإفلام الإفريقية جنوب الصحراء، فهي رسالة حب زولو لرمضان سليمان
(إفريقيا الجنوبية)، في المدينة الفارغة لماريا جاو غنغا و بطل لزيزي
غامويا (أنغولا)، ليلة الحقيقة لفانتا ريجينا ناكرو و تاسوما، النار لكونا
دانيال سانو (بوركينا فاسو)، صمت الغاب لديديي فلوران وانانغاري وباسيك
باكوبيو (الكاميرون)، باريس بحسب موسي لشيخ دوكوري (غينيا)، السيد عربة
لموسي سيني أبسا و حب طفولي لبن دياغو باي (السينيغال).
طوفان وحق حرية الإبداع
منذ الدورة السابقة ونظرا لتطور وتعدد وسائل التعبير المصور، أضافت إدارة
قرطاج الوزارية مسابقة من نوع آخر عمادها الفيديو وكانت قد رأست مسابقتها
السينمائية سيمون بيتون. هذه المسابقة مهمة إذ تفتح أعين المشاهدين
التونسيين علي نوعية فنية وفكرية أخري لا استغلال لها إلا في القنوات
التلفزية، وهي فكرة طيبة.
تتضمن هذه المسابقة علي سبع وعشرون فيلما (وثائقيا/روائيا) من مصادر عديدة
: اربعة من الجزائر (منها فيلم جان بيار ليدو الجزائر، أشباحي )، ثلاثة من
لبنان (منها سيدة القصر لسمير حبشي، أرض النساء لجان شمعون)، فيلم من
العراق (نحن العراقيون لعباس فاضل) وفيلم من المغرب ( طانجة، حلم الحارقين
لليلي الكيلاني)، أربعة من فلسطين ( صديقي، عدوي لمحمد سعدة، فورد للنقل
لهاني أبو أسعد، خلقنا وعلقنا لأولا طبري و اجتياح لنزار حسن) إضافة لفيلم
مصري أخرجته المصرية-الكندية تهاني راشد عن فلسطين بعنوان سريدا، إمرأة من
فلسطين ، وأربعة من تونس ( فاضل الجعايبي، مسرح بلا قيود لمحمود بن محمود
المقيم ببلجيكا، عندما تغني المرأة لمصطفة الحسناوي المقيم بفرنسا، علي خطي
النسيان لرجاء لعماري المقيمة بفرنسا و الروخ والقلب لملكة المهداوي ...
إضافة إلي مجموعة هامة من الأفلام القصيرة.
وقد تناقلت وسائل الأنباء منذ فترة وجيزة مسألة تعليق عرض فيلم الطوفان في
بلاد البعث للسوري عمر أميرآلاي ووزعت المناشير (خارج تونس) منددة بهذا
المنع ومطالبة العديد من السينمائيين وخاصة السوري محمد ملص، رئيس لجنة
التحكيم الإستقالة إن لم يدرج الفيلم في برمجة المهرجان. فيلم عمر أميرآلاي،
وهو المخرج الذي يشهد له حنكته في نوعية الأفلام الوثائقية العربية مثل
رائعة الحياة اليومية في قرية سورية من 37 فيلما و44 وثائقيا، هو فيلم كصدي
لفيلم آخر أنجزه المخرج منذ ثلاث وثلاثين سنة بعنوان الفرات والذي يبين فيه
إحدي إنجازات حزب البعث السوري... يعود المخرج إلي ذات المكان (قرية
الماشي، شمال شرقي دمشق) ويترك للمتدخلين التحدث بكل حرية وإيجابية مفرطة
عن الإنجازات البعثية... وللمشاهد أن يستنتج.
في غياب مكتب للعلاقات مع الصحافة طيلة عمل الهيئة المديرة للمهرجان وضمن
سياسة التكتم علي الأفلام المختارة (حتي الأجنبية منها)، تمكن صحفي الشروق
من معرفة بعض العناوين المختارة لهذه الدورة ونشرا خبرا مفادة أن فيلم عمر
أميرآلاي سورية بدون البعث (وليس الطوفان في بلاد البعث ) سيعرض في
الدورة... ويوم الغد، إتصلت السفارة السورية في تونس بالجريدة طالبة
الإستفسار، فأحالوا المكالمة إلي وزارة الثقافة، الأمر الذي لم يمنع
المسؤول عن التحرير بالجريدة إلي نشر تعليق يوم الغد منددا في لغة نعرفها
الصهاينة الذين ينجزون مثل هذه الأفلام ويروجون لها في استهداف لسورية وأن
مثل هذا الفيلم (دون أن يشاهده المعلق) يجب منع عرضه من التظاهرة... أتصلت
السفارة بالوزارة، فقيل لها أن المهرجان له هيئته وهي التي تقرر عرض
الأفلام أو لا... وحينها اتصلت السفارة بوزارة الخارجية التونسية التي من
جهتها اتصلت بوزارة الثقافة وسحب الفيلم من التظاهرة...
لم يقف الأمر عند هذا الحد. أرسلت السفارة التعليق الذي نشر في صحيفة
تونسية إلي سورية علي أنه مثال لطلب الإعلام التونسي عدم عرض الفيلم وتمكنت
الصحافة السورية من الخبر ونشرته علي أوسع نطاق. الأمر الذي وصل إلي عديد
السينمائيين العرب المتواجدين في مهرجان بيروت السينمائي الذين تمسكوا به
كقضية ضد حرية التعبير... وهكذا اصبحت المسألة قضية.
فلا هيئة المهرجان دافعت عن اختياراتها ولا الشروق غضت الطرف عن الحادث ولم
تنسق وراء المزايدات اللفظية والسفارة السورية في تونس شطحت كما حلي لها
وتعدت علي اختيارات وزارة ثقافة بللد مستقل. هيئة المهرجان تعلل موقف تعليق
عرض الفيلم بعدم حضور المخرج العرض لمناقشته مع الجمهور (؟) وهو أمر غريب
إذ هي علي علم بذلك قبل اختيار الفيلم ثم تعلن أن الفيلم لم يسحب، بل سيعرض
في عرض خاص بدعوات خاصة. كيف ذلك والفيلم غير مدرج في دليل الدورة الـ 20؟
مثل هذا التخبط شاهده قرطاج في عديد الدورات أتذكر منها حادثة الفيلم
الليبي الضوء الأخضر لعبد الله المصباحي المغربي او عرض فيلم نحن يهود عرب
في إسرائيل لإيغال نظام، المخرج اليهودي السويسري... وبصفة مرنة، تمكن
وزراء الثقافة التونسيون من فصل المهرجان عن الضغوطات الدبلوماسية
والسياسية وأرسوا قواعدا جديدة منها أن الأفلام لا تمثل بلدانها بل
مخرجيها.
وكان ذلك إنتصار للسينما العربية والإفريقية... إلا أنه أبقي علي صلة الرحم
بين الوزارة والمهرجان في تعيين أعضاء الهيئة المديرة (99 في المئة منهم هم
موظفون في الوزارة)، مما يقيد حرية الإختيار وإدخال الإفلام في متغيرات
السياسة. وهو الباب الذي تسللت منه السفارة السورية للضغظ حتي يمنع عرض
فيلم الطوفان في بلاد البعث للسوري عمر أميرآلاي.
هذه الحادثة المؤلمة والتي تعزز بسط يد الوزارة علي المهرجان لا يجب أن
تغيب زخم الأفلام المعروضة وقيمتها، تلاقي عديد المخرجين السينمائيين العرب
والأفارقة علما وأن للقاء ألف منفعة، ليس فقط في ميدان السينما بل في تنقل
الأفكار وغرس بذور الرؤي المتقدمة أمام عالم ينغلق علي نفسه. وان يقوم
التعارف والتلاقح في أيام قرطاج السينمائية، فهي حسنة تحسب لتونس
ولسينمائييها ومثقفيها.
|