ثمانون
عاما من العطاء
براندو... رجل التناقضات والواقعية
جيسون إنكني
مارلون
براندو واحد من أشهر ممثلي الشاشة والمسرح من جيل الممثلين الذين ظهروا في
أعقاب
الحرب العالمية الثانية، وإليه يعود الفضل في إعادة صوغ قواعد
التمثيل، إذ تغيرت
الأحوال منذ دخوله عالم التمثيل وتألقه فيه.
وكانت
أعظم إنجازات هذا الأب الحنون ذي العاطفة الجياشة والمفعم بالحيوية قيامه
بتبسيط
طرق التمثيل، بأدائه التحليلي الذي كان يستحضر من خلاله كل
أبعاد القوة والعمق في
مهنة التمثيل. وبالمقارنة مع براندو بدا معظم عمالقة الشاشة في تلك الفترة
سطحيين،
وربما يقدمون أداء سخيفا.
رجل متناقض يميل للقتال ورفض لعب الكثير من الأدوار
التي لا تهدف سوى لتحقيق شيء من خطط هوليوود، كما انه كان يعبر
دائما وبصراحة عن
اشمئزازه من صناعة الأفلام في هوليوود ومن حياة مشاهيرها، كما أنه استغل
شهرته
ليلفت الانتباه للقضايا السياسية ولكنه بعدها كان يقبل أي دور يعرض عليه
حين يكون
الثمن مناسبا. كان أحد أكبر ألغاز الشاشة، ولا يبدو أنه سيكون
هناك شخص مثله تماما.
ولد في الثالث من ابريل/ نيسان العام 1924 في مدينة أوماها بولاية نبراسكا،
وتجلت نزعة براندو الثورية في وقت مبكر من حياته، ما أدى إلى طرده من
المدرسة
العسكرية. أما أول عمل له فهو حفار لمصارف المجاري وقنوات
المياه، وسبب ذلك الكثير
من الاحباط لوالده الذي كان غاضبا من عدم امتلاك ابنه لأي طموح الأمر الذي
بدا
واضحا من مسلكه في الحياة، ولذلك عرض عليه والده أن يدعمه ماليا فيما
يختاره من
طريق لمستقبله، فقرر براندو أن يصبح ممثلا.
كانت والدته تدير فرقة مسرحية
محلية، وأرسله والده إلى مدينة نيويورك ليدرس الطريقة الستانيسلافسكية في
التمثيل
مع ستيلا ادلر. بعدها عمل في استوديو الممثلين تحت إرشاد لي ستراسبيرغ،
الذي وجد
فيه التزاما بمبادئ طريقة التمثيل التي درسها بطريقة لم يسبق
لها مثيل. بعد أن قدم
أول أعماله Bobino
في العام ،1943 ترك براندو المسرح ليعود بعد عام في مسرحية
I Remember Mama
ثم في العام 1946 بمسرحية
Truckline Caf وكانت
ثمرة هذه الأعمال
حصوله على ثناء النقاد الذين اعتبروه اكثر الوجوه الواعدة على المسرح.
لمع نجم
براندو كممثل تجديدي في العام 1947 بعمل من انتاج تينسي ويليامز جاء تحت
اسم
A Streetcar Named Desir
ظهر فيه براندو في دور المتوحش ستانلي كوالسكي،
وقدم أداء
رائعا يتناسب مع آراء الناقد فيه. أذهل براندو جمهور المشاهدين بأداء صادق
ومميز،
وبقوة في التمثيل وقدرة على الاثارة، الأمر الذي حوله بين عشية وضحاها إلى
ثورة
مسرحية. ولذلك سارعت هوليوود لاختطافه، ولكنه قاوم مفاوضات
الاستوديوهات بازدراء
مميز. كان يمثل جيلا جديدا ومختلفا تماما من النجوم، رفض الاغراءات، وتجاهل
اكبر
النقاد، وتنازل عن سحر هوليوود وبريقها. وزاد تمنعه ذلك من رغبة هوليوود
فيه. وفي
العام 1950 وافق براندو على بطولة فيلم
The Man
الذي انتجه ستانلي كريمر، والذي ظهر
فيه براندو في دور ضحية الحرب المشلول، وهو أيضا الدور الذي
تطلب منه البقاء في أحد
مشافي علاج جنود الحرب لمدة شهر واحد استعدادا للدور.
وفي الوقت الذي لم يحقق
فيه هذا الفيلم أي نجاح تجاري، فقد أخطأ النقاد في محاولاتهم الإشادة بأداء
براندو،
وفي العام 1951 تم الإعلان عن نية بطل الفيلم براندو ومخرجه ايليا كازان
تقديم عمل Streetcar
للتلفزيون. حقق العمل نجاحا هائلا، وفاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم، كما
أكسب براندو أول ترشيح لجائزة الأوسكار لأفضل تمثيل، ولكن
نجومه الآخرين لم يتمكنوا
من الحصول على أي ترشيح، من بين هؤلاء النجوم فيفيان لي، وكارل مالدين،
وكيم هنتر.
مرة أخرى اشترك براندو مع كازان، في فيلم العام 1952
Viva Zapata، وبعد أن
انسحب من الفيلم الفرنسي الإنتاج Le Rouge et le Noir
بسبب خلاف مع المخرج كلاود
اوتان لارا قام براندو بتجسيد شخصية مارك انطوني في فيلم العام 1953
Julius Ceasar
الذي كان من انتاج شركة "ام جي ام"، وأثار هذا الفيلم الكثير من الجدل
بسبب أسلوب
براندو المتميز كما أكسبه جائزة أوسكار للسنة الثالثة على التوالي.
في العام
،1954
شكل فيلم The Wild One
منعطفا آخر، وظهر فيه براندو في دور الرئيس المتمرد
لعصابة دراجات نارية، وقدم أداء لا مثيل له. وفي العام نفسه قدم دورا يمكن
اعتباره
واحدا من أفضل ما قدم براندو على الشاشة، حين ظهر في دور ملاكم في فيلم
المخرج
كازان
On the Waterfront
.
في رابع أفلامه فاز براندو أخيرا بالأوسكار، كما حصل
الفيلم على جائزة أفضل مشاهد. ولكن فيلمه التالي Desiree
شكل أول نقاط خيبة آماله،
فعلى رغم حصول الفيلم على دعاية كافية لتجسيد براندو شخصية نابليون في هذا
الفيلم،
فإن المشروع لم يحقق نجاحا كبيرا سواء من الناحية الفنية أو من ناحية
الأرباح.
واصل براندو اثبات مواهبه بتقاسم بطولة فيلم
Gays and Dolls
مع الممثل فرانك
سيناترا، واقتبس هذا الفيلم من المسرحية الموسيقية التي تحمل
الاسم ذاته والتي حققت
نجاحا كبيرا. ومن أفلامه الأخرى التي أخذت من مسرحيات ناجحة فيلمThe
Teahouse of the August Moon
الذي قدم في العام 1956 قبل أن يبدأ براندو العمل في فيلمه الذي
عرض في العام التالي Sayonara
وهو الفيلم الذي أكسبه ترشيحا آخر للأوسكار.
في
فيلم العام 1958 The Young Lions
تقاسم براندو بطولة هذا الفيلم مع الممثل مونتغمري
كليفت، الذي كان من أفضل الممثلين في تلك الفترة الى جانب براندو، وحقق
الفيلم
نجاحا ضخما. بعدها أعلن براندو عن خططه لانشاء شركة انتاج خاصة به. وبعد ان
انسحب
كل من ستانلي كبريك وسام بيكينباه من المشروع قام براندو بنفسه
بانتزاع لجام
الاخراج، وكانت النتيجة أول فيلم رعاة بقر مميز في العام 1961 الذي جاء تحت
اسم One-Eyed Jacks
وحقق نجاحا لا بأس به على شباك التذاكر. في العام 1962 مر فيلم
Mutiny on the Bounty
بعملية ولادة متعسرة مشابهة، فقد رفض براندو
عمليات مراجعة
كثيرة على الشاشة، وأنفقت شركة "ام جي ام" 19 مليون دولار لنقل العمل إلى
الشاشة.
وعندما فشل العمل مع وضع شباك التذاكر
المتقلص، وسلوكه المزاجي بشكل مستمر ما جعله
هدفا للازدراء للمرة الأولى منذ دخوله عالم التمثيل.
استمر مسار الانحدار، وظل
براندو مراقبا، ولكن فجأة بدت الأعمال التي يقدمها تفوق قدراته بكثير مثل
أفلام The Ugly American "1963"،The Chase "1966"،A Countess From Hong Kong "1967".
فرص
العمل الغامضة التي يحصل عليها وسلوكه غير الواضح سواء من الناحية الوظيفية
أو
الشخصية إذ أدى بعض الأدوار غير المهمة، كل ذلك أصبح عنوانا
للكثير من المناقشات في
عالم صناعة السينما في هوليوود. واصل براندو دفع نفسه في مشروعات غير
مضمونة مثل
فيلم eflections in a Golden Eye "1967"
وهذا الفيلم مأخوذ من رواية لكارسون
ماكيولرز، وقدم فيها براندو في دور شخص لديه انحرافات جنسية، وافتقد الفيلم
بصورته
النهائية السحر الذي يضفيه براندو على أي عمل يقوم به. في الوقت الذي حصل
فيه
براندو على احترام وسائل الاعلام وزملائه من الممثلين فإن
الكثير من الأطراف في
هوليوود بدأت تنظر اليه على أساس أنه مجازفة سيئة وغير ضرورية، وهي نظرة لم
تستطع
الكثير من أفلامه تغييرها الا بشكل بسيط مثل فيلم العام 1968andy
، وفيلم
Queimada! "1969"
وقسبم
The Nightcomers "1971"
.
ان الحركة التجديدية بدأت مع فيلم
The Godfather "1972"،
في مقابل اعتراضات شركة باراماونت، واعطاه المخرج فرانسيس فورد
كوبولا دور الزعيم المسن لاحدى عوائل المافيا، وطبقا للكثير من التقارير
فإن سلوكه
أثناء التصوير كان مثاليا. على الشاشة، كان براندو رائعا وقدم
أفضل أدواره من بين
ما قدم عبر عقد من الزمان. فاز بثاني جوائز الأوسكار ولكنه أصبح مادة للجدل
عندما
رفض تسلم الجائزة، وبدلا من ذلك أرسل احدى المتحدثات باسمه وهي ساشين
ليتلفيذر التي
كانت كما يفترض أميركية ولكنه كشف فيما بعد أنها ممثلة
لاتينية، إذ وقفت على المنصة
وألقت خطبة هاجمت فيها تاريخ الحكومة الأميركية
المليء بالجرائم ضد السكان
الأصليين. واستمر هذا الجدل في تعقب براندو مع عرض فيلم Last Tango in Paris "1973"، رائعة بيرناردو بيرتولوشي، التي استعرض فيها بشكل مثير العلاقة
الغرامية
التي نشأت بين أرملة أميركية وشابة فرنسية، وعلى رغم ان النقاد أشادوا
بالفيلم فإن
الكثيرين اعتبروا مشاهد الفيلم فاحشة.
وعلى رغم عودته القوية، فإن براندو لم
يظهر مرة أخرى على الشاشة إلا بعد ثلاثة أعوام بفيلم
The Missouri Breaks
مع جاك
نيكلسون. وعلى رغم أنه اثبت أنه لا يمثل إلا من أجل المال فإن غرابة
اختياراته جعلت
الكثير من المعجبين لا يبالون باصراره ذلك، ولكن لم يحدث ان ظهر براندو في
عمل
تجاري بشكل صريح كما حدث في فيلم العام 1978 Superman
إذ اكسبه 3,7 ملايين دولار
وهو مبلغ قياسي لم يسبق ان حصل عليه ممثل آخر لمثل الدور الصغير الذي أداه
براندو
في الفيلم. بعدها ظهر في ملحمة المخرج كوبولا التي تدور حول حرب فيتنام
Apocalypse Now، ولم يكن أداؤه فيها مقنعا وفي العام 1980
ظهر في الفيلم
The Formula
وفي ثلاثة
مشاهد من الفيلم فقط. بعدها ولعقد كامل اختفى براندو واصبح يعيش في عزلة
فرضها على
نفسها في جزيرته بالمحيط الباسفيكي، أصبح سمينا وبدأ يرفض كل محاولات
اعادته إلى
هوليوود.
أخيرا وفي العام 1989 اجتذبه أحد المشروعات التي تتناسب مع قناعاته
السياسية، فشارك في الدراما التي تدين التمييز العنصري A Dry White Season
وأكسبه
دوره في هذا الفيلم ترشيحا للأوسكار، وكان دوره ثانويا في الفيلم. وبعد عام
من ذلك،
قام ببطولة فيلم The Freshman
الذي يسخر بلباقة من أدائه في فيلمThe Godfather
.
بدأت مآسي براندو في العام 1990 عندما قام ابنه كريستيان بقتل صديق شقيقته
الحامل شيني، الأمر الذي تلته معركة قانونية مريرة، ادين على اثرها
كريستيان وحكم
عليه بالسجن. والأمر الأكثر مأسوية حدث بعدها حينما انتحرت
شيني، وانهكت المحاكمة
براندو ماليا، فعاد بعد تردد إلى التمثيل، إذ ظهر في فيلم
Christopher Columbus: The Discovery
في العام .1992 كما انه قام بكتابة سيرته
الذاتية في كتاب حمل اسم
Songs My Mother Taught Me
.
في العام 1995 ظهر في فيلم Don Juan DeMarco
إذ
شارك جوني ديب بطولته، بعدها بعام واحد قدم أول فيلم من اخراج ديب وهو فيلمThe
Brave .
في العام 1998 ظهر في فيلم ايف سيمون
Free Money
بحيث قام بدور البطولة،
وشاركه الفيلم الكثير من الممثلين مثل دونالد سذرلاند، ميرا
سورفينو، مارتين شين،
تشارلي شين.
واختفى براندو مرة أخرى عن الأعين في أول أعوام الألفية الجديدة،
ولكنه عاد لتتصدر اخباره العناوين مرة أخرى في العام 2001 حين
أجبرته المشكلات
الصحية على الانسحاب من دور صغير في فيلم للمخرج كينان ايفوري وهو فيلم
الرعب Scary Movie .2
ولذلك تم استبداله بممثل آخر هو جيمس وودز، ومع بعض التعديلات على النص
ليتناسب مع الممثل الجديد، انتهى العمل في الفيلم في الوقت
المناسب ليعرض في العام
.2001
بعد ذلك بوقت قصير، عاد براندو بعد غياب دام سنوات ظهر في فيلم المخرج
فرانك اوز
The Score "2001"،
وعلى رغم ان إنتاج الفيلم تعرقل بسبب الكثير من
الشائعات بشأن سلوك براندو العنيف والمتطفل أثناء التصوير، فإن
محبي الفنان ظلوا
متلهفين لمشاهدة هذا الفيلم الذي يعود فيه بطل
Godfather
مع روبرت دي نيرو وادوارد
نورتون وانجيلا باسيت.
|