كواليس الجلسة النهائية للجنة التحكيم في الدورة الأخيرة لمهرجان الأفلام
الروائية:
تعصبت إيناس الدغيدي ضد نادية الجندي ففازت
إلهام شاهين بجائزة أحسن ممثلة
مصطفى محرم
كنا علي موعد في اليوم التالي لنجتمع ونناقش ما
رأينا ونصل إلي رأي قد يختلف فيه البعض ولكنه في النهاية يصل إلي نتيجة نقرها
جميعا.
اختارت إدارة المهرجان أحد فنادق القاهرة الفاخرة
وذلك لتكون مقرا للجلسة الأخيرة ولم نعلن باسم الفندق إلا قبل التحرك إليه
بأقل من الساعة زمنا. المهم ألا نغادر هذا الفندق إلا بعد أن نستقر علي نتيجة
يتم إعلانها في نفس اليوم.
كنت أشعر وأنا في طريقي إلي الفندق مثل الطلب الذي
يذهب لأداء الامتحان، أحسست أنني مازلت طالبا في الكلية، اعتراني شيء من
الخوف، يحدث هذا دائما لي عندما أكون عضوا في لجنة تحكيم علي أفلام سينمائية
أخشي ألا تحظي آرائي واختياراتي بقبول من زملائي أعضاء اللجنة.
وجدت نفسي أتذكر ـ ولا أعرف السبب أيضا ـ ما قاله
الآمدي الناقد العربي القديم رغم أنني قرأت كل مدارس النقد منذ أفلاطون
وأرسطو وهوراس مرورا بسير فيليب سيدني وبن جونسون ودرايدن وبوالو وألكسندر
بوب وكوليردج وتين وسانت بيف وبيلينسكي وهازلت وت. س. إليوت وريتشاردز وكلينث
بروك وألن تيث وباختين وكوندرا توف وغيرهم من أساطير النقد الغربي في كل
العصور لم يخطر في بالي سوي كتاب أبي القاسم الآمدي «الموازنة»، وفي رأيي أن
هذا الكتاب لا يعتبر من أهم الكتب في النقد العربي خاصة بل في النقد عامة.
وينهج الآمدي في كتاب «الموازنة»، منهج المقارنة
والتقدير. وهو يضع شروطا محددة لمن يريد أن يتعرض للنقد. وهذه هي الشروط:
1 ـ الفطرة والطبع
فلابد أولا من الطبع والقريحة فكل إنسان مستعد
لجنس من العلوم ومن يصلح لهذا قد يفسد لذاك. ومعني ذلك أن الإنسان يولد ومعه
استعداده وعليه هو أن يتعرفه أو يتبينه أو يترك لغيره ذلك. المهم ألا يخاطر
فيما لا يوائم ملكاته أو يزج بنفسه فيما لا يناسب قواه.
2 ـ الدراية والخبرة
وهي التجربة الذاتية للنقد والتجربة النقلية فيه.
فالمفترض في الناقد المقوم لما بين يديه والحكم علي ما يعرض عليه أن يكون
منوع التجارب مكثرا منها، فهي ثروته ومدده وهي قواعده وشواهده وهي أدلته
وبراهينه. وكلما زاد نصيبه منها كان حكمه أقرب إلي الصواب وكلما اختلف حظه
منها كان ميزانه أدني إلي العدل، فلا يعود بعد ذلك فج الرأي، محدود الأفق،
ضيق النطاق، جاهلا لما بين يديه.
3 ـ الفطنة والتمييز
وهو يعني بها الميزة العقلية فلن يغني عن الناقد
كل ما تقدم ما انعدم عنده التأمل أو انعدام النظر، بل لابد أن يكون قادرا
علي الفهم ويتعمق فيه ويجب أن يتميز بعقل ليمس الوعي ويجيد الإدراك. وهو بذلك
يجعل من التأمل والنظر علما مثمرا مفيدا. فلا يكون الذي يمارس النقد ناقدا
بتوافر القريحة لديه أو بطول التجربة عنده، بل هو كذلك بصفاء الذهن أيضا
وبسلامة التمييز والفطنة.
4 ـ الإنصاف
وهي الصفة الخلقية حتي لا يتحكم فيه هوي طارئ أو
تنحرف به نزعة جامحة، وهل أكرم لمن ينصب نفسه حكما علي سواه من أن يكون خالص
النية بريء الغرض لا ينحاز بحكمه رغبة ولا رهبة، ولا يخضع ضميره لمؤثر سوي
الحق والصدق.
5 ـ ثقافة الناقد
لابد أن تكون ثقافة الناقد واسعة وشاملة فإن
الناقد بوضعه الطبيعي أفسح مجالا ممن يتعرض للنقد وأشمل وأكبر ثروة منه وعدة.
ولن يصل المرء إلي ذلك بغير «المعاناة والمزاولة»، مع العناية المتصلة حتي لا
تكون هذه الثقافة مجرد قشور أو محض عبث بالعناوين.
اكتمل الأعضاء وقام صلاح عيسي برئاسة الجلسة
وقيادتها بطريقة ديمقراطية سليمة تعطي الحق لكل واحد في أن يعبر عن رأيه
بمنتهي الحرية والصراحة.
بدأنا كلامنا بتصفية الأفلام التي ليس بها أي فروع
تستحق المناقشة فتساقط عدد كبير منها بشكل يدعو للأسف علي ما وصل إليه حال
السينما عندنا.
موقف إنساني
كانت جائزة الديكور هي الجائزة التي دار حولها
النقاش لم يستغرق الأمر طويلا حتي أجمع الأعضاء علي الفور بأن تذهب جائزة
الديكور لفيلم «خلي الدماغ صاحي»، حيث كان الديكور أبرز العناصر الفنية في
هذا الفيلم للفنان محمود محسن.
استعرضنا تميز المونتاج في الأفلام المرشحة لنيل
هذه الجائزة برز لنا اسم معتز الكاتب في فيلم «مافيا»، كنت من المتحمسين لهذا
المونتير الشاب وكذلك إيناس الدغيدي وسلوي بكير ولكن فوجئنا ببعض الأعضاء
يقترحون منحها لعادل منير عن فيلم «اللمبي»، وذلك لأن عادل منير يقترب من
نهايته وعلي وشك الموت.
وأمام هذا الوضع الإنساني الحرج أذعن الجميع وخسر
المونتير الشاب المتميز معتز الكاتب جائزته.
الموسيقي التصويرية
من خلال مشاهدتي للأفلام السينمائية الحديثة
الإنتاج لاحظت أن هناك تفوقا في فرعين من فروع الإبداع وهما الموسيقي
التصويرية وكذلك التصوير السينمائي، كان مستوي الموسيقي التصويرية عاليا
والمنافسة قوية بين عمر خيرت وخالد حماد وراجح داود، وفي الواقع أن عمر خيرت
أسهم كثيرا في تغيير الموسيقي التصويرية في الأفلام قد بدأ مسيرة التغيير
موسيقي شاب ظهر في أواخر السبعينيات وهو محمد هلال جعلني أتذكر ما فعله
أنريكو موردكوني وفرانسيس لي ونينو دوتي في الأفلام الأمريكية والفرنسية
والإيطالية.
وبعد محمد هلال الذي اختفي فجأة لأسباب خاصة وعمر
خيرت الذي انفرد بأسلوب يسهل التعرف عليه حيث تلعب آلة البيانو دورا كبيرا
ظهر راحج داود وخالد حماد ومحمد نوح ومودي الإمام ومحمد علي ماهر وهشام جبر
وكلهم يدركون تماما وظيفة الموسيقي في الفيلم السينمائي ويتجنبون الثرثرة
الموسيقية التي كنا نلاحظها في أعمال من سبقوهم وأعطوا مساحات كبيرة من الصمت
الذي يضفي معني علي المشهد السينمائي واستخدموا اللوازم الموسيقية التي تصاحب
الشخصيات التي هي بمثابة اللحن الدال عندما تتذكر الشخصية الأساسية الشخصية
الأخري التي تحبها أو تكرهها.
كان الاختيار صعبا ولكن عندما يكون الفيلم متميزا
في كثير من الفروع يكون أكثر إغراء في منح الذين شاركوا في صنعه الجائزة.
وذلك عندما يكون الفرق طفيفا بينهم وبين العاملين في أفلام أخري لذلك حصل
راجح داود علي الجائزة كنت من المتحمسين لذلك فقد عاصر راجح داود ظهور مجموعة
من أهم العاملين في السينما في فترة الثمانينيات وعمل معنا في أفلام السينما
التسجيلية في أوج ازدهارها علي يد أحمد راشد وهاشم النحاس وداود عبدالسيد
وخيري بشارة ومصطفي محرم وكان يعتبر واحدا منا ويجلس ويتناقش معنا. كان جزءا
من الحركة السينمائية منذ فترة الثمانينيات ولذلك ارتقي حسه الدرامي
والسينمائي وعرف كيف يقدم الموسيقي التصويرية في الأفلام السينمائية كانت
موسيقاه في فيلم «خريف آدم»، موسيقي درامية ترفع من قيمة الحدث والصورة عن
طريق استخدامه الآلات الموسيقية التي تتناسب مع طبيعة الموضوع الذي يعالجه
الفيلم وتتماشي مع الروح المصرية.
السيناريو
اقتصر التنافس في السيناريو علي ثلاثة أفلام هي:
«معالي الوزير»، وفيلم «خلي الدماغ صاحي»، وفيلم «خريف آدم»، تم استبعاد فيلم
«معالي الوزير»، وذلك لاضطراب بناء السيناريو وغلبة الناحية السردية في
الحوار خاصة مشهد يسرا المقحم الذي كان يمكن استغلال هذه الجزئية بشكل أكثر
فاعلية وأفضل فنيا في السيناريو.
واستبعد فيلم «خلي الدماغ صاحي»، وذلك لأن كثيرا
من مشاهده تكررت في أفلام سابقة وحصل فيلم «خريف آدم»، علي جائزة السيناريو
رغم اعتراض رئيس اللجنة الذي كان يري أن هناك نزعة انهزامية في الفيلم
وتشجيعا علي عدم الحرب ضد إسرائيل ولكن أعضاء اللجنة رأوا أن هذا الإسقاط هو
مجرد هاجس في نفس رئيس اللجنة وأن تقديم الحروب الثلاث حرب 48 وحرب 56 وحرب
67 هي بمثابة علامات لمرور الزمن استخدمها السيناريست والمخرج بمعني آخر وهي
أن الحرب لا تعني سوي الدمار الخارجي والداخلي وأن هناك تطورا حتميا يمليه
الزمن علي الأحداث التي تحمل الكراهية والرغبة في الانتقام وقد يكون هذا
صحيحا ولكن الذي أراه واضحا أن الحروب الثلاث كانت بمثابة علامات زمنية تبرز
مرور الزمن.
الإخراج
برز محمد يس كمخرج يقدم أول أعماله السينمائية
«محامي خلع»، في إطار كوميدي ساخر ساعده علي ذلك السيناريو الذي كتبه وحيد
حامد، ورغم أن حرفية رامي إمام في الإخراج ربما كانت أعلي من حرفية محمد يس
إلا أن رامي إمام كان يخرج فيلما مقتبس الموضوع من عدة أفلام أجنبية مفتعل
الهدف تناثرت في أرجاء السيناريو مشاهد مأخوذة من أكثر من فيلم مما أفقد
الفيلم هويته ومصداقيته. كان هناك إجماع علي أن يحصل محمد يس علي جائزة العمل
الأول.
كان الأمر صعبا بالنسبة لجائزة التصوير فالمستوي
متقارب بين رمسيس مرزوق ومحسن نصر ومحسن أحمد وسامح سليم وعاطف المهدي وللمرة
الثانية تبرز قيمة الموضوع وترجح كفة المصور ولذلك أجمع الكل علي رمسيس
مرزوق، وكان تعليلي لذلك أن هناك في فيلم «خريف آدم»، لقطات في منتهي
الصعوبة، استخدم فيها رمسيس الإضاءة الطبيعية وإضاءة الإكسسوار مثل لمبة
الجاز، والمهم من ذلك أن الفيلم فقد جزءا من بريقه من ناحية التصوير لأن
التحميض والطبع تم في معمل مدينة السينما القديم بينما بقية الأفلام
المتنافسة جري تحميضها وطبعها في المعامل الأوروبية فأضاف ذلك إلي جودة
الصورة.
ذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة إلي صلاح مرعي علي
اعتباره المخرج الفني لفيلم «خريف آدم»، فقد بذل جهدا كبيرا في اختيار
الأماكن وفي اختيار الثياب وألوانها عندما جاء دور الممثل المساعد دار النقاش
حول مكانة مصطفي شعبان في فيلم «مافيا»، فهل هو يقوم بالمشاركة في البطولة مع
أحمد السقا الذي كان أقل بكثير في أدائه من مصطفي شعبان أم أن دور مصطفي
شعبان هو مجرد دور مساعد كان دور الضابط الذي قام بأدائه مصطفي شعبان هو
الأفضل من الناحية الدرامية وكان طوله يتساوي مع دور العميل الذي قام به أحمد
السقا ولكن عناوين الفيلم كانت تثبت أن الدور الأول لأحمد السقا والدور
الثاني مصطفي شعبان وكان هذا من حسن حظ هشام عبدالحميد الذي لم يكن له منافس
في جائزة الدور الأول حصل مصطفي شعبان علي جائزة الدور الثاني تمثيل وكان
يمكن أن نعطيه جائزة لجنة التحكيم الخاصة ونحن مستريحو الضمير.
أما جائزة الدور الثاني نساء فقد ذهبت علي ما
أتذكر إلي سوسن بدر عن دورها في فيلم «خريف آدم».
شريف والقليوبي
انحصر التنافس في جائزة الإخراج بين شريف عرفة في
فيلم «مافيا»، ومحمد القليوبي في فيلم «خريف آدم»، انشق أعضاء اللجنة إلي
فريقين كل فريق يؤيد أحد المخرجين وأقولها مرة أخري إن شريف عرفة يفوق محمد
القليوبي كثيرا في حرفية الإخراج ولكن لا أعلم السبب الذي يدفع مخرجا مبدعا
أسهم إسهاما كبيرا في السينما المصرية إلي أن يقبل هذا المستوي المتواضع من
السيناريوهات منذ أن سار في ركاب مجموعة الشباب من الممثلين والكتاب فقدم
أفلاما هزيلة الفكر لا تتناسب مع ماضيه، كان مستوي شريف عرفة أفضل بكثير من
الأفلام التي كتبها له وحيد حامد كما كان مستوي وحيد حامد أفضل بكثير في
الأفلام التي أخرجها له شريف عرفة وهي في رأيي أفضل أفلام كل منهما. ووفقا
إلي القاعدة التي ناديت بتطبيقها في الجلسة التمهيدية للجنة بألا يحصل المخرج
علي جائزة الإخراج ونحن نجد أن السيناريو الذي يقوم بإخراجه ضعيف فالمخرج كما
أسلفت مسئول مسئولية كاملة عن السيناريو الذي يقدمه فهو يعبر عن مستواه
الفكري ورؤيته الفنية وعندما ناديت بتطبيق هذه القاعدة رجحت كفة محمد
القليوبي بسبب السيناريو المتميز الذي كتبه علاء عزام.
وفي النهاية وصلنا إلي الجائزة المثيرة دائما
للخلافات والمتاعب في كل لجان التحكيم في مصر وهي جائزة الدور الأول نساء أو
بمعني أدق جائزة أفضل ممثلة، ودار النقاش في البداية حول من هي بطلة فيلم
«الرغبة»؟ المفروض أنها نادية الجندي علي اعتبار أنها تؤدي الدور الرئيسي
وعندما نرجع إلي المسرحية التي اقتبسها الفيلم والأفلام الثلاثة الأمريكية عن
نفس المسرحية نجد أن البطلة هي من تقوم بأداء دور بلانسن ديبوا. وفي جوائز
الأوسكار حصلت فيفيان لي علي أوسكار أفضل ممثلة دور أول وحصلت كيم هنتر علي
جائزة أفضل ممثلة دور ثان، ولم يكن هناك مفر من المقارنة بين أداء كل من
نادية الجندي وإلهام شاهين لتحديد من تستحق جائزة الدور الأول وذلك لأن جائزة
الدور الثاني قد حسمت ونالتها ممثلة أخري. وربما كان المستوي في التمثيل
متقاربا ويختلف الوضع هنا عن الوضع لفيلم «مافيا»، فقد كان مستوي التمثيل
متفاوتا بين أحمد السقا ومصطفي شعبان ولا يحتاج إلي جدال أو تفكير. كنت أتمني
أن تحصل نادية الجندي علي جائزة وتحصل إلهام شاهين علي جائزة وذلك بأن تحصل
نادية الجندي علي جائزة الدور الأول نساء وتحصل إلهام شاهين علي جائزة لجنة
التحكيم الخاصة ولكن إيناس الدغيدي دافعت بشراسة ضد نادية الجندي وأخذت تقلد
تمثيلها بسخافة وتعصبت لإلهام شاهين بضراوة وبعد أن كان هناك الكثير من أعضاء
اللجنة يؤيدون وجهة نظري إذ بهم في برهة قصيرة يغيرون من أنفسهم ويقفون خلف
إيناس الدغيدي ولم يعجبني ما حدث هذا.. ولكن ماذا أفعل والأمر شوري بيننا
والديمقراطية لها محاسنها ومساوئها في السياسة والفن. فازت إلهام شاهين
بالجائزة وحرمت منها نادية الجندي ولكني لا أستطيع أن أنكر أن إلهام شاهين لا
تستحق جائزة في هذا الفيلم «الرغبة».
|