كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

بيللى وايلدر وهجاء الصحافة بين فيلمين

إسراء إمام

 

"قل الحقيقة".. هذه الجملة تصدرت فيلمين للمخرج بيللىوايلدر. فيلمان شغلته فيهما قضية الصحافة، منطومتها، ومشتغليها، آلية عملها، ومشروعية وجودها وتأثيرها. فيلمان حملا إنطباعا محددا لم يحيدا عنه، شحنة سلبية، وانتقادات لاذعة، وتشبيهات مباشرة لهذه المهنة ولمعظم المتواطئين للعمل فيها. لم يخفى قُبح تصوره عنها وعنهم، قدمه على طبق من صفيح، دون أن يخفى الإطلالة البائنة لوجه التهكم داخله. فيلمان، انتهى فيهما إلى ذات المعنى، واستقر عند نفس الموقف، ولكنه صاغ فى كل منهما موضوعا مختلفا، يمس الرأى العام، ويُعرّى العلاقة الدنسة التى قد تجمع الصحافة بالسياسة.

الورقة الرابحة في الثقب

إختار وايلدر فى هذا الفيلم "الورقة الرابحة في الثقب" Ace in the Hole(1951) أن يكون جادا، بداية من إختيار الموسيقى، ومرورا بإختيار الممثلين، ونهاية بالسيناريو الذى لم يدع منفذا واحدا لإيفهات وايلدر المعتادة، والتى لم يعيقها مدى جدية الموضوع المطروح. وايلدر حسم أمره بأن يقدم المأساة كما يجب أن تكون.

المعالجة بأكملها، تمحورت حول شخصية أكثر من إرتباطها بطبيعة الحدث. فالمتفرج ينفتح على شخصية تشارليز تاتوم (كيرك دوجلاس). الصحفى المخضرم، والذى سبق له العمل بأكبر صحف أمريكا، ولكن لسوء تصرفه الشخصى البحت، تم طرده منها شر طردة. فهو على الرغم من موهبته الملحوظة فى اصطياد الحدث، لم يكن ليحسن الخُلق وخصوصا مع زوجات رؤساء تحريره. تاتوم تقوده حيلته للعمل فى جريدة صغيرة، يعتبرها مجرد جسر للوصول إلى حدث ساخن جديد، يعيد إليه مكانه فى احدى الصحف الكبرى. وحينما يقع تاتوم على هذا الحدث، ويظن أنه بداية عودته تتضح إرادة القدر بأنه القبر الذى سيدفن فيه جسد اسم تاتوم إلى الأبد.

من بداية الفيلم، والسيناريو يكشف للمتفرج خِصال تاتوم، لامبالاته، وقوة بصيرته، حدة ذهنه، وقدرته الفائقة على التعامل مع معطيات العالم من حوله. إنتهازيته البائنة، وأنانيته المُفرطة. يكشف الحوار عن كل هذا، فتجد تاتوم يخبر زملاءه ولو على سبيل المداعبة برغباته الدفينة فى اختلاق حدث ما، حتى وإن كان على حساب موتهم أو تأذيهم، ويقول لرئيس تحريره "إن لم يوجد حدث سأعض قدمى وأخلقه". هذه الصفات الفوضوية المتعالية، ستواجه حادثة قوية، لا تتوقف قوتها على طبيعتها فقط، بينما يمكن وصفها بذلك لأنها وحدها من وضعت تاتوم قبالة نفسه كمرآة حادة، لم يقف أمام مثلها من قبل، فتبدت بقية سماته كإنسان هش، يقع فى موضع متوسط ما بين التمادى فى الشر، ولفظه بقوة. وهنا كانت نهايته.

صراع داخلى غاية فى الجمال، نسجه وايلدر بحذق، وكشف عنه تدريجيا. لينسج هذا التعقيد المتوارى فى نفس تاتوم، والذى كان سببا وجيها وكافيا لأزمته ونهايته المفجعة. ففى بداية الفيلم، يعرف تاتوم بالصدفة البحتة، أنه بصدد قصة صحافية هائلة، حينما يقابل حكاية "ليو"، العامل البسيط الذى يعلق فى كهف أثرى بعدما كان يزاول الحفر لإقتناء أحد التحف. يمكننا أن نلاحظ هذا التوازى الخبيث الذى حققه وايلدر منذ أول مشهد جمع بين تاتوم وليو داخل الكهف، حيث تطلع تاتوم الجنونى حول تفاصيل القصة، وفى الوقت ذاته، حرصه الغريب على الرفع من معنويات "ليو". فنجده فى نهاية المشهد، يُحمس "ليو" ليغنى الأغنية التى كان يغنيها زملائه فى الجيش، ليرفهوا عن أنفسهم، بعد أن يلحظ إمارات الخوف على قسمات ليو. ومن ثم يعود ليتواطىء مع المسئول الحكومى ومقاول الحفر على إطالة المدة التى يهمون فيها لإنقاذ ليو. فبدلا من أن يدّعموا الكهف بالأخشاب ويدخلون لجلب ليو، وهو ما سيستغرق ساعات قليلة، يحفرون فتحة فى سقف الكهف ويهبطون بشكل رأسى لإستعادته، وهو ما سيستغرق أسبوعا كاملا. إذا، تاتوم يتعاطف مع ليو، ويكن له خير صديق، يداوم على زيارته فى الداخل، ولا يشرع فى تنفيذ خطته إلا بعد أن يسأل الأطباء حول مدى تحمل ليو مدة أسبوع كامل داخل هذا المكان المغلق، وفى الوقت ذاته، يجيز لنفسه التكسب من وراء روحه الحبيسة فى الظلام والوحشة. فالمسئول الحكومى عندما وافق تشارلز على مخططه، لم يكلف نفسه السؤال عن النتائج المترتبة على اتفاقهما بخصوص ليو. فهو فكر فيما سيعود عليه من تبعات ما سيحدث، بعدما وعده تاتوم بلغط مكثف سيكتبه فى حقه، سيزيد له عدد أصواته الإنتخابية. ولكن تاتوم تورع أن يسأل عن مؤديات فكرته، حتى ولو على المستوى النظرى، بالرغم من أنه الشيطان الذى اقترحها. هذه المنطقة المُلغزة فى نفسه. كانت الثغرة التى جعلت من صراعه الداخلى جحيما حقيقيا، لم يكن ليشعر به غيره لو مر بنفس الموقف، وقد لا ينتهى مثل هذه النهاية أيضا.

خط آخر، أضافه السيناريو ليدلل بشكل غير مباشر على المنطقة الملغومة فى شخصية تاتوم، مستخدما اياه فى أحسن صوره، ليُحمى وطيس معاناة تاتوم، ويقوده بمنطقية لمصيره الغائم. إنها تلك العلاقة التى ربطته بزوجة ليو، والتى وإن تأملنا شكل تورطه فيها سنجدها دليلا آخر على القدم التى يضعها تاتوم فى الجنة، والأخرى التى يموطأها فى النار. فهو منذ بداية الفيلم، يصد رغبة زوجة ليو فيه، يردها بقسوة، على الرغم من الإيحاءات التى أصر وايلدر على أن يسلط الضوء عليها فى مشهد لقائهم الأول، والتى تفيد بقوة إلى أنه بادلها شعورها. فحينما ركبت فى سيارته وهما في طريقهما إلى الكهف الذى علق فيه ليو، بدا أنه ينظر إليها نظرة شهوانية ملحوظة. بينما تراجع تصريحه بشعور مماثل، بعدما اطلع على موقف ليو السيىء، وبات مسؤولا بشكل أو بآخر عن سلامته. ولكنه يعود من جديد ويتورط معها فى علاقة جسدية، حينما يخشى أن تعود إليها فكرة هجر المكان بأكلمه والهرب نحو تطلعاتها فى المدينة. وهو ما سيضر بالصورة الصحفية التى تضمنتها تقاريره اليومية عن الحادث، والتى يعلم أنها الأفضل فى التأثير على الناس.

مناطق توهج

المشهد البديع الذى كان بين تاتوم، ورئيس تحرير جريدته المتواضعة التى توقف عن إرسال التقارير إليها، مستعيضا عنها بالعروض التى انهمرت عليه من الصحف الأخرى. المشهد الذى يعد دعامة الفيلم بأكمله، حيث حدثت آخر أشكال المواجهة المباشرة التى خاضها تاتوم مع نفسه. فالرجل الذى أمامه يمتلك صحيفة أمينة لا تنتهج الطرق الملتوية، يأتيه الى مكان الحادث خصيصا، ليستحثه على معاودة النشاط بصدق، متشككا فى وجود ليو داخل الكهف من الأساس.

يتحاور الإثنان أمام الصليب. تاتوم، يدافع بنفس ضعيف عن ما أراده، والآخر يقف متنمرا محتميا بالحقيقة، واثقا من نهاية الطريق الذى قرر تاتوم قطعه. فى بداية المشهد يتعازم تاتوم على رئيسه بكأس من الشراب، ولكنه يقول فى جملة لها دلالتها الرمزية "من الواضح أنه لا يوجد اثنان من الكؤوس هنا، مثل هاتين الشمعتين" مشيرا إلى الشمعتين المنتصبين أمام الصليب. فالكأس أقرب له، ولا يوجد لرئيسه واحد مثله. بينما يبقى وجود الشمعتين فى غرفة والدى ليو رغما عنه، بل وتأتى والدة ليو فى نهاية المشهد لتبدلهما بأخرتين متقدتين. ومن جديد يمكننا أن نرتئى قدرة تاتوم، على لوم نفسه رغم اصراره على قطع الطريق إلى نهايته، فالجملة التى قالها أمام رئيسه لم تكن سخرية من الرمز الدينى بقدر الخشية منه.

نقطة أخرى تمثلت فى اختيار زمن تفعيل الحدث. فمثلا توقيت تورط تاتوم مع زوجة ليو كان مثاليا، حيث نمى إلى علمه أن ليو يحتضر، وأنه لن يستطيع إخراجه من مكانه بالطريقة القدمية لأن حفرة السقف أضعفت الكهف، كل هذا وليو ينعته بـ "أفضل أصدقائه"، ولا يتوقف فى حديثه إليه عن حبه لزوجته. السيناريو هنا، نصب لشخصية تاتوم فخا نموذجيا، يسوقها إلى إنهيار عصبى مفاجىء، فيه نسبة من الخبل، فيهرع إلى مكان الزوجة، ويجبرها على ارتداء الفرو الذى أطلعه ليو أنه ابتاعه لها كهدية زواجهما، يضعه فوق جسدها وبنازع لاارادى يحاول خنقها، فلا تملك سوى بأن تطعنه طعنة تؤدى إلى موت مؤجل.

هذا التحول غير المتوقع، والمفجع فى شخصية تاتوم، سواء على مستوى الشعور النفسى، أو الأفعال الملموسة. مهد لها السيناريو طوال الفيلم بإشارات خفيفة، لوح بها من على بعد. ليجعل المتفرج مبهوتا، وفى الوقت ذاته قادرا على التصديق.

لمسات المخرج

يمكننا أن نتعثر بلمسات وايلدر المتمكنة والجلية، فى عدد من التفاصيل البسيطة المضفية على إدارة الحدث قيمة وتفردا. فنجد مثلا صوت طرقات العمل على حفرة السقف بداية من منتصف الفيلم تقريبا، صوتا مزعجا، مُلِحا، وموشيا، له دوره فى رفع نسبة التوتر والترقب، وهولة الفعلة التى قام بها تاتوم فى حق المسكين ليو، والتى حكمت عليه هذه الطرقات بأن يرقد فى مكانه إلى الأبد.

الطريقة التى اختارها لتبيان قرار الزوجة بالبقاء بعدما كانت قد قررت هجر المكان، بينما لفت تاتوم نظرها إلى الأهمية التى ستقع فيها المنطقة بعدما سيتم الكتابة عنها فى الصحف، مما سيدر أموالا وفيرة ستغنيها عن الذهاب للمدينة.

يقف تاتوم ليوسوس لها كشيطان، بينما هى تقف فى محطة الحافلة، ويتركها ويمضى إلى الداخل، تاركا إياها فى لامبالاة، وثقة بأنها ستعود، تأتى الحافلة، وتغطى على وجودها الذى كان مواجها للكاميرا، ومن ثم بعد ثوانى تتحرك، لتظهر الزوجة وهى تتحرك عائدة، وقد استدارت فى نقيض آخر كادر لها قبل مجىء الحافلة. صورة وثيقة الإلتصاق بتوكيد حكى السيناريو عن الشخصيتين، شخصية تاتوم الموهوبة فى التأثير على كل من حولها، وشخصية الزوجة الضعيفة أمام تاتوم والنقود.

إصرار وايلدر على بناء ستديو كامل يبدو مبالغا فى صدقه، لمنطقة الكهف الذى ابتلع ليو ولم يخرجه. وقدرة وايلدر على أن ينقل المتفرج لأجواء معايشة حقيقة لهذا المكان، سواء فى حالته الموحشة الأولى، ومن ثم مظاهر الكرنفالية التى تغشاه، ومن ثم عودته إلى حالته القديمة مجددا فى نهاية الفيلم.

حينما قرر تاتوم أن يخبر مسئول الحكومة عن خطته البديلة فى اخراج ليو من محبسه، بعدما عرف عن احتضاره، كان يغتسل وقد أتى لتوه من الكهف الذى يتواجد فيه ليو، وبالرغم من تعدد الزيارات التى مرق فيها تاتوم على ليو هناك، لم يظهر وهو يفعلها أبدا، بينما أراد وايلدر إبرازه وهو على هذه الوضعية حينما اراد بجنون التكفير عن ذنبه فى حق ليو، وكأنه يتطهر منه إلى الأبد.

تفضيل وايلدر لأن يصمت شريط الصوت تماما، فى اللقطة التى ذهب فيها تاتوم وهو مطعونا ليحضر الكاهن لليو فى محبسه، حتى يموت تحت يده. فهذه اللقطة الصامتة التى لم يظهر فيها شكل استدعاء تاتوم للكاهن، فعليا، بينما ظل الكادر على السيارة حتى دلف تاتوم وحده وخرج فيما بعدها بالكاهن، احتدمت بالكثير من المشاعر القاسمة والمكتومة والتى ساهم السكوت فى إنماء أثرها ووقعها.

فى اللقطة الأخيرة التى نظر فيها تاتوم للمكان الذى عاد لموته مجددا، وجد أبو ليو وهو موليا ظهره محاطا بفراغ ووحشة المكان. فوايلدر حرص على أن يكون الرجل فى وضعية يختبىء فيها وجهه، مفسحا مجالا فضفاضا لشكل جسده الكسير، المطأطأ وسط المساحة المصمتة والواسعة أمامه، والتى عادت لتشبه من البؤس ما يحمله فى نفسه بعد وفاة ابنه، على يد أكثر رجل كان ومازال يظن أنه أوفى الرجل التى انبرت للدفاع عن خروج ابنه من رقدته.

كادران أحدهما فى أول الفيلم، والآخر قرب نهايته، بدا كل منهما بنفس الإضاء المتعمة والمقبضة. الأول حينما تبدت أم ليو وهى تدعو لإبنها، والمتفرج لا يعلم لماذا تصلى بهذا الخشوع، ولكن شكل اللقطة يوحى بأن ثمة أمر جلل حدث ويجر فى قدمه أحداث أكثر هولا. والكادر الآخر، الذى ظهر فيه رئيس التحرير الصادق فى اللقطة التى فاجىء فيها تاتوم بوجوده فى الغرفة حينما تواجها، فبدا شكل وقفته وإطلالتها المقدسة كضمير تاتوم الذى داهمه بغلظة ويقظة. 

فيلم "الصفحة الأولى"

الفيلم هو "الصفحة الأولى" The front page - 1974وهو هذه المرة يحاكى وايلدر مسرحية الكاتب بن هيخت Be Heshtالتى تعبر عن ازدرائها للصحافة، على كل المستويات، سواء من جانب الخط الدرامى الخاص بالبطل هيلدى جونسون "جاك ليمون" الذى سأم الصحافة، وقرر أن يتخذ خطوة جدية فى اعتزال امتهانها، مستقبِلا حياة أكثر هدوءا مع إمرأة أقدم على الزواج منها. أو على الصعيد الآخر، الذى أظهر فيه حقيقة معدن عينّة بعينها من الصحفيين، قد تمثل للأسف أغلبية يمكن التعويل عليها فى المتاجرة بقضايا الرأى العام، وتزييف الحقائق، والتحالف الفاسد مع السلطة كما سبق وأشار وايلدر فى الفيلم السابق.

وجه أشرس للهجوم

هنا عامل النزاهة البديل ضعيف مقارنة بنقيضه القوى الذى كان فى فيلم ace in the hole، فالرمز الواضح للصحفى الشريف (رئيس تحرير الجريدة المتواضعة) الذى يُقدم الحقيقة والمبدأ الإنسانى فوق إعتبار المهنية، يتأرجح وقعه هذه المرة، يبدو مائعا، لا يحسم أمره، فلا تتردد أصداء وقعه. فـ والتر "والتر ماثيو"رئيس الجريدة التى يعمل بها هيلدى، يتباهى أمام هيلدى فى المشهد الأول، أنه توصل إلى طريقة جهنمية تمكنهم من إلتقاط صورة "إيرل ويليامز" الشاب الذى سيتم إعدامه بعدما قتل بغير عمد شرطيا أسود، فتحول إلى كبش فداء استغلته الحكومة، مختلقة كذبة وهمية عن كونه شيوعيا، قام بقتل شرطى أسود بتحريض من نزعة عنصرية داخل نفسه. فى مقابل حصد أصوات كافية فى الإنتخابات الوشيكة.

والتر يُخطط لتصوير ويليامز الساذج وهو معلق على حبل المشنقة، وينتوى وضع صورته على الصفحة الأولى ليضاعف مبيعاته، والمحافظ الأمريكى يدّعى عليه ما ليس فيه ليصبح بطلا فوق عنقه. فما الفارق بينهما. وبالرغم من محاولات والتر فيما بعد توضيح إنحيازه لإبراز الحقيقة، فإن المتفرج لن يقوى على انتزاع نيته المبيتة التى كانت بدم بارد فى التعدى على حرمة المسكين الموعود بتهشم عنقه فوق المشنقة. فـ "والتر" وهيلدى على الرغم من اعتبارهما نسخة محسنة من صورة الصحفى، فإنهما يملكان ذات الجينات الصحفية التى جاءت على لسان هيلدى فى المشاهد الأولى من الفيلم، حيث وصف الصحفيين عموما بأقذع تهم إنتهاك خصوصية الآخرين، والتعامل مع أحداثهم بفوضوية وهمجية، على أقل تقدير. هيلدى فى حوار هذا المشهد، ساوى بين جميع من بالمهنة، بين نسخته المُعدلة هو ووالتر، وبين النماذج الدنسة التى قدمها السيناريو إلى جانبهم.

إنها النماذج التى ظهرت فى غرفة الصحافة. مكان مغلق، يتحوط فيه مجموعة من الرجال المتدليين كترهلات البطن، حول طاولة كبيرة، بدلا من أن يمارسوا عليها مهنتهم بضمير، يحولوها إلى منضدة قمار. ومن حين لآخر، يتصل أحدهم بالخط المباشر لجريدته، ويخبرها وهو لم يبرح مقعده، أن لديه من الأخبار جديدا، يختلقه لتوّه فى انسيابية من يعتاد الأمر. أصر وايلدر، على أن يرسخ فى نفس متفرجه كره متأصل صوب هذه المجموعة من الرجال، فصورهم مسوخ آدمية، لا يعبأون لموت إمرأة أمامهم، بل يهرعون ليستجوبوها طالما تبقت لديها حفنة من الأنفاس التى تفصلها عن الموت. وفى أول مشهد بالفيلم، يقف أحدهم فى النافذة، ليستحث الشرطى المسئول عن تجهيز منصة الإعدام بأن يراعى كونهم يعملون، فيوقف الشرطى كل الجلبة، ليقول فى صوت رخيم "تبا لكم" ومن ثم يعود ليشير بيديه لعماله لكى يستأنفوا ما كفوا عنه، وكأن وايلدر يقولها لهم مبدئيا وقبل أن يبدأ أى حدث بالفيلم، قبل إطلاع متفرجه على مايفعلونه حقا، فى غرفتهم التى تعتلى منصة الإعدام، والتى من المفترض أن ينقلون تطورات الحدث أولا بأول. إنهم حقا يعملون حق العمل.

عن السيناريو

على قدر كل هذه السوداوية، تتأتى أجواء موازية من الهزلية، تتبدى فيها حرفة بناء الإفيه التى إمتاز بها وايلدر، فيما يخص العلاقة بين هيلدى ووالتر، وعمليات الكر والفر الدائرة دوما بينهم نتيجة لسعى والتر صوب منع هيلدى من اتخاذ قراره بإعتزال الصحافة ليتزوج. فنلمس قدرة وايلدر على أن يصيغ هذا التناول الكوميدى الموازى لفاجعة ايرل التى تستحق الرثاء، بصيغة منضبطة تمنح المتفرج أوقات مستقطعة لكى يبتسم بصفاء. كما أن السيناريو حافظ على الملامح المتوارية لعلاقة والتر وهيلدى الإنسانية، والتى بالتأكيد لها نصيب فى دفع والتر للمحاربة لإستعادته، وقد تبدت جلية فى المشاهد التى كان يصوغ فيها هيلدى الخبر أمام عين والتر، فيحفزه الأخير ليجوّد ويأتى بأفضل ما عنده فى الكتابة، بطريقة يعلم أنها وحدها ستفلح معه، فوالتر ليس مجرد رئيس تحرير ينمى مهارة صحفى، وإنما صديق يعلم قدرات صاحبه. فكان التعامل بينهما طوال الفيلم، حتى فى أحلك لحظات اختلافهما، يشبه ما جاء على لسان أحد الصحفيين فى المشاهد الأولى، "هيلدى ستزوج! لقد ظننته متزوجا من والتر بورنس".

تعالت على مدار السيناريو لذعة السخرية من السياسية الأمريكية، الحكومية، والأمنية، أو حتى على سبيل الخدمات الإجتماعية. فنجد المسئول الحكومى فى غاية من العته الذى يمكنه من أن يعطى مسدسه لمجرم، ليعيد تمثيل جريمته حتى يتمكن الطبيب النفسى من تشخيصه. وبينما يفعلها المجرم ويصيب الطبيب برصاصة طائشة، يزعق الطبيب الأجنبى ويتوسل الجميع بأن يحملوه إلى مستشفيات باريسية، لأنه لا يثق بالطب الأمريكى، وإن كان لابد فلهم أن يأتونه بمرآه وأدوات جراحية ليجرى عمليته بنفسه. فى الوقت الذى تهرع فيه القوات الأمنية خلف ايرل وليامز، بعد هروبه، ويزعمون أنه فى مكان ما ويبدأوا فى اقتحام المكان وتصويب النار بإخفاق بائن، بينما إيرل لم يغادر مبنى الوزارة من الأساس. مجموعة من المعطيات التى تتهكم على إدارة المنظومة الأمريكية بكافة أشكالها، وظفها السيناريو بصيغة كوميدية ملحوظة، ولكنها مباشرة وعالية الصوت رغم هندمة معالجتها.

لمسات بيللى وايلدر

فى الظهور الأول لوالتر ماثيو، لا نسمع مبدئيا سوى نبرته الصادحة وهو يسب ويلعن هيلدى، بعدما يعلم بعدم وصوله إلى غرفة الصحافة وهو يهاتف أحد الصحفيين، ومن ثم يلتقطه الكادر من الخلف، وهو يزاول سبابه، ولا يستدير إلا بعد فترة كافية من حمل المتفرج على الشعور بأن هذا الرجل له شخصية عنيدة عتيدة، لا تتنازل أبدا عن حقها فى الدفاع عن ما ترغب فى تحقيقه، هى طلة بالتأكيد تتناسب مع شخصية هيلدى التى سنعرف عنها الوفير لاحقا.

يمكننا أن أيضا أن نلاحظ حركة الكاميرا، التى تتجه إلى وقفة والتر بهدوء وترقب حينما يقرر أن يلجأ إلى حيله جديدة يعيق بها زواج هيلدى. اللقطات القريبة لوجه الصحفيين قاصدة ابراز دمامتها وهى تدلى بدلوها بالأخبار الملفقة. واللقطة التى أغلق فيها هيلدى على نفسه وعلى الخادمة التى شهدت واقعة هروب ايرل وليامز، حيث اقتصدها وايلدر، فلم يأتى بالقصة على لسان الخامة وهى تنبأ هيلدى، بينما إكتفى بزجاج الباب الغائم، ليتصدر الكادر، فأعطى اللحظة صبغتها الجليلة النافذة الأثر. تماما كالإختيار المتكامل للممثل الذى قدم دور ايرل وليامز، وكأن الدور كتب خصيصا لهذا الجسد النحيل القصير، والوجه الطفولى البرىء الساذج، الأبله لدرجة مثيرة للشفقة. وأخيرا التنفيذ الكاريكاتورى لمشهد ضياع الطبيب من عربة الإسعاف، حيث بدت العربات الأمنية كدمى تتحرك بكرتونية مذهلة، تتبعتها عربة الإسعاف التى من هول سرعتها انحرفت حتى خرج منها الطبيب المصاب، لينجرف بسريره النقال صوب المجهول فى الشارع الأمريكى الذى كان فقط يهاب مشفاه ولا يثق بأطابه. كل ما سبق لزمات بيللى وايلدر، أدواته القليلة والقوية، التى تعبر عنه وتمنحه هوية لا يحيد عنها المشاهد.

عين على السينما في

19.03.2015

 
 

عمرو سعد فى حديث خاص لـ"الوفد":

أبي مات بسبب "عبدالناصر".. و"السيسي" رزق للمصريين

حوار: صفوت دسوقي تصوير: محمد جميل

·        تحملت مسئولية أربع بنات وكان جيبى «فاضى».. والنجاح توفيق من ربنا

·        كنت أشعر بالإحباط.. والمؤتمر الاقتصادى بعث التفاؤل فى النفوس

·        أرفض اشتغال خالد يوسف بالسياسة.. لأن تأثير المبدع أقوى

·        تمنيت العمل مع عاطف الطيب.. ويوسف شاهين لا يعترف بالسينما الواقعية

·        جيلى مظلوم لأن صناعة السينما فى أسوأ مراحلها

·        أجلت مسلسل «بشر مثلكم» لأن موضوعه شائك.. وفخور بفيلم «حديد»

·        إحنا سلفيين.. وأتمنى أن نتمرد على التابوهات ونصنع تاريخاً جديداً

يكفى أن تتأمل عينيه جيداً حتى تدرك أنه صار «كالغربال من كثرة السهام».. وتعلم أن مساحة الذاكرة لديه لا تتسع لمزيد من الدموع والألم.. اختلفت كثيراً مع النجم «عمرو سعد» ولكن يجب الاعتراف بأنني أحترم إصراره على الاختلاف.. فالصمت لديه ليس من علامات الرضا ولكن رغبة فى التمرد وإعادة اكتشاف ماهية الأشياء.. والقراءة فى قاموسه ليست باباً للرفاهية إنما ضرورة لفهم ألغاز الحياة.. يؤمن «عمرو سعد» بأن لديه أحلاماً مؤجلة وربما تظل مؤجلة ولكن ينبغى عليه التمسك بكل خيوط المحاولة.

لا يريد الرجل الانجذاب للخلف لأن الدموع سوف تحضر دون استئذان.. لذا يقول دائماً «كلمنى عن المستقبل ولا تتحدث عن يأس البدايات.. فقد عشت أحداثاً صعبة التهمت الكثير من العمر وأفسدت أحلى الأوقات».

·        الواقع الذي نحياه يدعو للقلق على المصير والأرض أم يدعو للتفاؤل ومطاردة طائر الأمل؟

- بداية يجب الاعتراف بأنني كنت محبطاً لفترة قصيرة.. وسألت نفسى كثيراً هل نحن كمصريين صالحون للتقدم.. ممكن القول إننا شعب طيب ومتماسك، لكن ماذا صنعنا وماذا أنتجنا.. على مدار سنوات طويلة كان المصرى دائم الانتقاد للسلطة وللحكومات المتعاقبة، لكنه المحك الحقيقى عندما امتلك المصرى إرادة التغيير وبات قادراً على الإطاحة بنظام فاسد وقادراً على انتخاب الرئيس.. حقيقة أشعر بأن هناك تحدياً كبيراً أمامنا خاصة بعد صعود الرئيس عبدالفتاح السيسى للسلطة وبعد نجاح المؤتمر الاقتصادى العالمى.. بصراحة شديدة لست قلقاً وتحول الإحباط إلى تفاؤل له طول وعرض وارتفاع.

·        هناك من يحاول التشكيك فى كل شىء ويرى الواقع مرتبكاً والمستقبل غامضاً.. ما تعليقك؟

- يجب أن تعرف أن المثقفين يخشون من مدح السلطة الحاكمة، ولذا يميلون إلى نبرة النقد واللوم.. ولكن فى تصورى الشخصى أعتبر «السيسى» رزقاً لكل المصريين لأنه ببساطة شديدة يشتغل على الأرض وكل خطواته ناجحة ويحاصرها التوفيق.. فقد اختار الله سبحانه وتعالى «السيسى» ليكون رزقاً لمصر.. عندما كنا صغاراً كانت مساحة الأحلام بداخلنا كبيرة وعظيمة ولكن مع اتساع المدارك ونضج المعرفة قرأنا تفاصيل الواقع بقسوته.. وأدركنا أننا أمام واقع مؤلم ومن الصعب تغييره.. من يشكك في انطلاقة مصر معذور لأنه عاش على معتقدات وكلام فقط.. آن الأوان أن نشعر بقيمة وطننا وأن نتحول إلى شعب عظيم.. كل الشواهد تؤكد أن القادم أفضل وأن السماء تعاطفت مع أحلام الغلابة ورزقتهم بقيادة سياسية واعية ولديه حلم النهضة والنجاح.. «السيسى» نقطة تحول فى عمر الوطن فهو يقود البلد إلى واقع جديد ولديه آمال عريضة.

·        ما التحديات التى تواجه آمال وأحلام التنمية من وجهة نظرك؟

- بصراحة شديدة يجب أن نتغلب على أنفسنا ونعمل بإخلاص شديد ويجب أن نواجه مشاكلنا.. هناك من يشتغل ساعتين فقط، بينما المطلوب منه أن يعمل 12 ساعة.. العمل هو السبيل الوحيد للنجاح.. وللأسف مش قادرين نصدق أن مصر ممكن تكون دولة مهمة وعظيمة، في داخلنا تراكم كبير سببه اليأس وعدم القدرة على الحلم. الناس معذورة لأنها عاشت أياماً صعبة وهناك من تآمر على أحلامها ولكن تأمل الواقع الآن فلدينا رئيس يعد «ماكيت» لمشروع عملاق ثم يفاجأ الناس بهذا المشروع، وقد تكرر ذلك مرتين، الأولى مشروع قناة السويس، والثانية مشروع العاصمة الإدارية الجديدة.. الرئيس يصارح الشعب وهذا منهج جديد لم نعتد عليه من قبل.

·        متى يشعر الفقراء برفاهية الحياة؟ وإلى متى يظل المواطن المصرى البسيط على الهامش؟

- الأيام القادمة ستحمل الخير للجميع، ولكنه يجب عدم التعجل فى الحكم على الأشياء وعدم التعجل أيضاً فى انتظار النتائج.. الشعب المصرى مكبل بالمشاكل واليأس والخطايا «وأنا أولهم».. كلنا مش بنحب بلدنا زى ما بنقول.. إحنا أكثر شعب نصنع أغانى وطنية، فمن المستحيل أن تجد أغنية تقول إن اليابان هى أمى.. أو ألمانيا هى أمى.. حان الوقت أن يتحول الحب إلى فعل إذا كنا نريد الخير لمصر.. يجب أن نتعلم عدم إلقاء الزبالة فى الشارع، يجب أن نحافظ على المنشآت.. الإحساس بالانتماء للوطن أول طريق للنجاح.

·        ما وجه الشبه بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والرئيس عبدالفتاح السيسى؟

- بدون تفكير أو تردد.. «السيسى» أفضل من عبدالناصر.. فقد تسلم عبدالناصر مصر منتعشة اقتصادياً وكان الجنيه المصرى يساوى 2 جنيه استرلينى.. وكان يواجه احتلالاً واضح المعالم.. وكان يحكم مصر والسودان.. لا العشوائيات التى تحوى بين جدرانها ألغاماً قابلة للانفجار فى وجه أى نظام.. ولكن «السيسى» استلم البلد منهار اقتصادياً، والبنية الأساسية فيه متهالكة، والبلد أيضاً محتل من الداخل، والعالم كله ضد أحلامه وطموحاته، ورغم ذلك يحاول السيسى التغيير والبناء.. هو بكل تأكيد نموذج وطني عظيم لأنه يمتلك «دراع يبنى ودراع بيحارب الإرهاب»، بالمناسبة لست من أنصار الكلام عن كاريزما الرئيس وشكله، يهمنى فقط ما يفعله الرئيس لشعبه.. التاريخ بعد سنوات سوف يذكر ما فعله السيسى وما يحاول أن ينجزه. أنا أتصور أنه يجاهد ويعاند من أجل عمل شيء عظيم وغير تقليدى.. باختصار «السيسي» أفضل من جمال عبدالناصر، لأن والدى ضحية جمال عبدالناصر. «أبويا مات عشان معندوش رفاهية العلاج».. وكنت أتمنى أن يمد القدر فى عمره حتى يجنى ثمرة تعبه.

·        حدثنا أكثر عن الأب فى حياتك.. ولماذا الأب غائب فى كل أعمالك الفنية؟

- كلامك صحيح، الأب غائب فى كل أعمالى الفنية.. ولكن كنت أقصد غياب الأب وغياب المثل الأعلى فى المجتمع.. أنا والدى كان رجلاً طيباً جداً.. اشتغل موظف فى شركة المقاولين العرب ولم يشعر بالراحة، ورغم ضيق الحال ورعونة العيش كان شديد الأناقة.. أصيب والدى بالسرطان وكان عمرى 18 سنة، وكان مرض والدى هو أول صدام مباشر مع الحياة.. بسبب صعوبة الظروف لجأت للمستشفيات الحكومية وفي النهاية مات والدى بين يدى.. قبل الرحيل توقف فترة طويلة عن الكلام وفى مساء حزين قرأ سورة الواقعة ولقى وجه ربه بعدما أوصانى برعاية شقيقاتى البنات، بالمناسبة نحن 9 أشقاء خمسة أبناء وأربع بنات.. بعد موت والدى أدركت قسوة الواقع.. استيقظت من عالم الأحلام الذى كنت أعيش بداخله وأدركت أن الحياة ليست ناعمة وساحرة كما كنت أتخيل.. لم تكن تجربتى مع والدى هى المؤلمة فقط، بل عشت تجارب كثيرة هائلة.

·        عذراً على التفتيش فى جراب الماضى.. ولكن أريد أن أعرف لماذا تتحجر الدموع فى عينيك؟

- أمر طبيعى أن تملأ الدموع عينى.. فقد جرفنا الحديث إلى أيام صعبة ولا أبالغ إذا قلت إن أبى كان مهماً جداً في حياتى، كان شخصاً متديناً وبسيطاً وأحلامه متواضعة، وليست أحلاماً بأجنحة.. تخيل أنه اشتغل 40 سنة، ولم يشعر بالراحة طوال حياته.. أكثر المواقف إيلاماً على نفسى عندما استيقظ والدى قبل الرحيل بأيام، ولأنه مشرف فنى فى المقاولين العرب ذهب لزيارة مشروع كان قد انتهى العمل فيه منذ 30 عاماً، أدركت لحظتها أن الذاكرة تآكلت وأن الرحيل اقترب وأن الصدام مع الحياة والاشتباك معها أصبح حتمياً.

·        بعيداً عن مساحة الأحزان بداخلك.. هل تشعر بأنك تنتمى إلى جيل مظلوم؟

- بكل تأكيد جيلى مظلوم.. لأن الصناعة في حالة سيئة وأكبر دليل على ذلك عدد الأفلام التى يتم إنتاجها فى الماضى، كان العدد كبيراً في الستينيات والثمانينيات كان ينتج 70 فيلماً لكن هذه الأيام العدد قليل جداً ومن النادر أن تجد فيلماً يستوقف الانتباه وتظن أنه يعيش عمراً طويلاً.

·        المتابع لمشوارك يكتشف أنك لست مهموماً بجمع الفلوس والدليل قلة أعمالك.. فهل هذا مقصود؟

- مقصود بكل تأكيد.. أنا أتمنى تقديم أعمال فنية تعيش فى وجدان الناس.. جيل الزمن الجميل كان لديه فرصة لتقديم أعمال كثيرة، لذا كان يقدم أعمالاً متواضعة من أجل كسب العيش، وفى الوقت نفسه يشارك فى فيلم جيد، لكن الوضع الآن مختلف لأن الإنتاج ضعيف، لذا قررت تقديم أعمال محترمة تعيش مع الناس.. ومهما كانت الإغراءات لن أتنازل عن قناعاتى.

·        هل تشعر بالرضا عن كل أعمالك الفنية؟

- الحمد لله أشعر بكل الرضا لأننى باختصار شديد، اجتهدت وأبذل كل ما فى وسعى لتقديم أعمال فنية محترمة.. بالمناسبة ربما يعيش الفيلم وربما لا.. هذا شيء يعلمه الله ولكنى أجتهد فقط وأتمنى إدراك النجاح.

·        تردد أنك غير راض عن فيلم «أسوار القمر» الذى طرح مؤخراً؟

- بالعكس هذا الكلام لا يمت للحقيقة بصلة، أنا سعيد جداً بهذا الفيلم.. كنت أتمنى العمل مع المخرج طارق العريان وقد حدث ذلك بالفعل وراض عن التجربة، وكنت سعيداً جداً بفريق العمل الذى ضم منى زكى وآسر ياسين، ولكنى كنت أتمنى أن يعرض الفيلم فى زمنه ولكن تأخر عرضه شيء لم يسعدنى.

·        «حديد» و«ريجاتا» و«دكان شحاتة».. أي فيلم أقرب إلى قلبك؟

- كل أعمالى شديدة القرب لقلبى، لأننى كما قلت فى موضوع سابق أبحث عن الشيء الجيد.. ولكن أحب الإشارة إلى أن فيلم «حديد» قد ظلم ولم يحظ باهتمام النقاد ولكن بداخلى ثقة كبيرة بأن هذا الفيلم سوف يعيش فى وجدان الناس لأنه محمل بأبعاد فلسفية شديدة الثراء.. لا أحد يعلم فيلم «باب الحديد» صنع فى أي ظروف وحقق إيرادات أم لا؟ وكذلك فيلم «الهروب» ولكن الناس تشاهد هذه الأفلام حتى هذه اللحظة ولا تبحث هل حققت إيرادات أم لا، لذا أثق أن فيلم «حديد» سوف يعيش رغم أنه لم ينل تقديراً من النقاد وقت عرضه تجارياً.

·        لماذا يبدو عمرو سعد مثيراً للجدل؟

- بصراحة شديدة لا أفهم السبب ولكنى لا أتعمد أبداً إثارة الجدل ولكن بكل أسف «إحنا سلفيين جداً» وأقصد من كلامى أننا نعشق الحديث بضمير الغائب ولا نترك فرصة لأى شخص يريد أن يصنع تاريخاً. لدينا دعاة وأئمة كبار في التاريخ الإسلامي ولكن هذا لا يعنى أن المستقبل لن يفرز دعاة وأئمة جدداً ولهم موهبة فى التفسير، والله قادر على الخلق. الحياة باب للأمل وعلينا أن نتوقف عن مطاردة الماضى والتمسح فى ضريحه.. يجب أن نكسر ونتمرد على التابوهات القديمة، ليس عيباً أن نحاول الاختلاف وأن نمتلك الجرأة على التغيير.

·        كثير من النقاد كان يظن أن عمرو سعد سوف يكون ترساً فى سينما السبكى لكن حدث العكس.. كيف حدث ذلك؟

- تعمدت ذلك.. تعمدت أن يتوجه السبكى إلى نوعية الأفلام الاجتماعية التى تعالج قضية ولديها رسالة ومحتوى.. خاصة أن السبكى منتج شاطر جداً ولديه تيمة نجاح.. كان هدفى أن يقدم نوعية مختلفة. أمى تحب مشاهدة «الهروب» و«المنسى» ولا تحب مشاهدة الأفلام الخفيفة التي تعتمد على الأغنية الشعبية.. لذا أراهن على الأعمال الجيدة التى تزداد قيمتها بمرور الأيام وتحتل ذاكرة المشاهد مهما حدث.

·        تؤيد أمر تعارض فكرة عمل الفنان بالسياسة؟

- أنا ضد هذه الفكرة لأن الفنان له دور مهم ومؤثر.. بالمناسبة هل تعلم أن مصر حاضرة ومؤثرة فى الخليج بفنها قبل السياسة، وإذا سألت عن اسم رئيس وزراء مصر في الخمسينيات لن يتذكر لكنه سيعرف جيداً بطل فيلم صلاح الدين أو غيره من الأفلام.. أنا مؤمن بأن تأثير الفن أكبر من تأثير السياسة.

·        معنى كلامك أنك تعارض دخول خالد يوسف تجربة الانتخابات البرلمانية؟

- بكل تأكيد.. وقد قلت ذلك كثيراً، خالد مخرج كبير ولديه رؤية وأتصور أنه يستطيع أن يغير ويؤثر في وجدان الناس بأعماله الفنية بكل سهولة.. اشتغال خالد يوسف بالسياسة هو خسارة للفن لأنك باختصار شديد تفقد مخرجاً متميزاً وصاحب مشروع.

·        من الأفضل من وجهة نظرك يوسف شاهين أم عاطف الطيب أم خالد يوسف؟

- الثلاثة متميزون ولكنى كنت أتمني العمل أيضاً مع عاطف الطيب، وبالمناسبة دائماً أقول لخالد يوسف إنك شديد الشبه بالراحل عاطف الطيب الذي قدم سينما الهم الاجتماعى بصورة جديدة وجريئة.. وسوف أقول لك شيئاً مهماً ذات مرة قلت ليوسف شاهين لماذا لا تقدم سينما واقعية؟ فضحك وقال لا توجد سينما واقعية.. لأن السينما حلم فانتازيا ينقلها المخرج إلى المتلقى بوجهة نظره، لذا لا توجد سينما واقعية لأن الفن هو إعادة خلق للواقع، لذا أنس مفهوم السينما الواقعية.. الحقيقة أنني أصبحت مؤمناً بكلام يوسف شاهين إلى حد كبير.

·        لماذا فضلت الانسحاب من دراما رمضان هذا العام؟

- الانسحاب أفضل من تقديم عمل فنى متواضع.. كنت مشغولاً بالتحضير لمسلسل «بشر مثلكم» واكتشفت أن المسلسل يحتاج إلى مجهود كبير فى الكتابة ويحتاج إلى دقة كبيرة في المعالجة والطرح.. لذا فضلت تأجيل المشروع حتى يخرج المسلسل بصورة جيدة ويفوز بإعجاب الجمهور والنقاد.

·        وما القضية التي يتناولها المسلسل؟

- المسلسل يركز على التشدد فى الإسلام ويحاول إلقاء الضوء على وسطية الإسلام ويكشف أن التشدد خلق داعش وغيرها من الحركات التي تتخذ الإسلام ستاراً كى تخفى خلفه جرائمها وأفعالها. الإسلام دين حب وتسامح وليس كما يريد الغرب تشويه وإلصاق العنف به.

·        وما مشروعك الفنى القادم؟

- حالياً مشغول بالتحضير لفيلم جديد مع المخرج المتميز محمد سامى ونحاول تقديم تجربة مختلفة عن «ريجاتا» الذى أسعدنى استقبال الجمهور والنقاد له.

·        عمرو سعد تزوج عن حب أم زواج تقليدى؟

- الحمد لله تزوجت عن حب وأشعر بالرضا عن حياتى ومشوارى وقد رزقنى الله بثلاثة أطفال ولدين وبنت.. كل واحد من أولادى يشبهنى في شىء معين.. وأتمنى لهم السعادة وأن يكونوا مفيدين لمجتمعهم ولأنفسهم.

·        لو طلبت منك توجيه رسائل لثلاث شخصيات من هم؟.. وماذا تقول لهم؟

- الرسالة الأولى ستكون للرئيس عبدالفتاح السيسى وأقول له ربنا معاك أنت رزق لكل المصريين وما يحدث على الأرض من مشروعات وقرارات وتحركات يدعو للفخر ويؤكد أن مصر تتحرك فى الطريق الصحيح وأن المستقبل سيكون أفضل.. الرسالة الثانية سوف تكون لدول الخليج لأنها دول داعمة لمصر. أقول لها شكراً علي الوقوف وقت الشدة.. أما الرسالة الثالثة ستكون لوالدى أقول له وحشتنى جداً كسرتنى يوم رحيلك وكنت أتمنى أن تكون بيننا حتى تجنى ثمرة تعبك.. ربنا يرحمك.

الوفد المصرية في

19.03.2015

 
 

«خارج أفريقيا» لكارين بلكسن: ... زمن الاستعمار الجميل!

ابراهيم العريس

كانت تلقب بـ «البارونة السوداء»... وكانت - بين أمور أخرى - صديقة لمارلين مونرو، خلال الأعوام الأخيرة من عمريهما، فهي ماتت بعد شهور من انتحار نجمة نجمات هوليوود أوائل سنوات الستين. وكانت، أصلاً، كاتبة كبيرة حتى ولو أنها وقّعت الكثير من كتبها الأساسية بأسماء مستعارة، منها الاسم الذكوري إسحاق دنيسن الذي كان ذات مرحلة من حياتها أكثر شهرة من اسمها الحقيقي: كارين بلكسن. لكن أحداً لم يدرك السبب الرئيسي للقب الذي أطلق عليها جامعاً بين لقبها الرسمي: بارونة، واللون الأسود. وكانت الترجيحات بين ثلاثة اعتبارات: أولها أنها وهي الدنماركية، كانت داكنة اللون، ثانيها أنها كانت طوال النصف الثاني من حياتها، على الأقل، ترتدي ثياباً سوداً، أما الثالث فهو أنها ارتبطت بالقارة الأفريقية (القارة السوداء) في حياتها وعواطفها، كما في القسم الأهم من كتاباتها. وهي، على أية حال، حين كانت تُسأل عن الموضوع، كانت تبتسم وتشير إلى الجنوب، ما يرجح كفة التفسير «الأفريقي» للقبها. وأخيراً، إذا كان اسم كارين بلكسن - إسحاق دنيسن قد عاد إلى الواجهة الثقافية بعض الشيء خلال العقود الأخيرة، فإنما كان هذا لمناسبة عرض وإعادة عرض فيلم الأميركي سيدني بولاك، «خارج أفريقيا» الذي كان واحداً من أجمل أفلامه وأكثرها رومانسية. والفيلم مأخوذ عن الرواية الأشهر بين كتابات كارين بلكسن الحاملة الاسم نفسه، وإن كان بولاك حين حقق الفيلم مشتغلاً على السيناريو المقتبس من الرواية آثر إحداث تبديلات كبيرة، كأنه جعل من الفيلم قراءة لكتابة بلكسن لقصتها مع أفريقيا من خلال ذلك الكتاب، مختاراً أن يركز على الطابع الذاتي للعمل، بدلاً من أن يجعل من الفيلم - كما كان الكتاب أصلاً - أنشودة حب لأفريقيا، ثم التعامل مع الفيلم على أنه مأخوذ من رواية، بينما نعرف أن الكاتبة وضعت الكتاب على شكل مذكرات أفريقية، وجعلت جزءاً مهماً من فصوله وصفاً للطبيعة والحياة في أفريقيا، وسرداً لتفاصيل النبات والحيوان والمناخ وأخلاق الناس. وهنا، حتى وإن جاء الفيلم الذي مثله روبرت ردفورد وميريل ستريب كبيراً إلى درجة أنه نال سبع جوائز أوسكار، فإنه أبداً لم يغن عن قراءة الأربعمئة صفحة التي تشكل متن هذا الكتاب. وكان طبيعياً بالتالي، حين حُقق الفيلم ونال ما نال من نجاح عام 1985، أن يعود مئات الألوف إلى قراءة الكتاب الذي كان منسياً بعض الشيء منذ وفاة صاحبته عام 1962، ويكتشفوا أنها وقّعته بالاسم الآخر إسحاق دنيسن، كما حال عمل آخر لها حققه أورسون ويلز في سنواته الأخيرة، من بطولة جان مورو مقتبساً من قصة قصيرة لها تحت عنوان «الحكاية الخالدة».

> تميّز أدب كارين بلكسن بنزعة غرائبية، كانت هي تقول دائماً أنها مستقاة مباشرة من «ألف ليلة وليلة» التي قرأتها في صباها فكانت العامل الحاسم في توجّهها إلى الأدب. غير أن هذا لا ينطبق على «خارج أفريقيا»، إذ هنا، في هذا الكتاب الذي صدرت طبعته الدنماركية الأولى عام 1937، لم تلجأ الكاتبة إلى أي خيال أو بعد غرائبي. كل ما في الأمر هنا أنها كتبت مذكراتها الشخصية حول المرحلة التي عاشتها في كينيا، الشرق الأفريقي، بين 1914 و1931. خلال تلك الحقبة كانت تلك المنطقة من العالم جزءاً من الإمبراطورية البريطانية. وكان الأوروبيون من أمثال كارين بلكسن يتوجهون إليها للعيش والاستثمار. وبالفعل حين وصلت كارين وزوجها، في ذلك الحين البارون دنيسن إلى منطقة نائية واقعة بالقرب من نيروبي عاصمة كينيا، «اشتريا» قطعة كبيرة من الأرض تصل مساحتها إلى 24 كيلومتراً مربعاً... جعلا جزءاً منها مزرعة للبن، فيما أبقيا على الجزء الآخر، والأوسع، كما هو حيث كانت تعيش فيه أقوام «بدائية» من سكان البلاد الأصليين. ولقد توافق الزوجان مع هؤلاء السكان على أن يواصلوا حياتهم كما هي، مقابل أن يعمل الفرد منهم بضعة أيام في السنة في مزرعة البن. أو هذا على الأقل ما ترويه لنا البارونة - راوية الحكاية في صفحات هذا الكتاب، مؤرخة فيه أكثر من عقدين من «الحياة اللذيذة» في ذلك الجزء من العالم.

> طبعاً، لا يمكننا أن نعرف أبداً ما إذا كان ما ترويه الكاتبة، صحيحاً أم إنه صحيح جزئياً فقط، غير أننا، إذا استندنا إلى وصفها، فسنجدنا كما لو أننا في جنة عدن: الصيد وفير والأشغال مزدهرة والانسجام بين الأقوام الكثيرة القاطنة في المكان وحوله، سواء الأوروبيين الدنماركيين والإنكليز، أو من الهنود المغتربين أو العرب المتجذرين هناك أو من السكان الأصليين الماساي وغيرهم، هذا الانسجام على أحسن ما يرام. بل إن ثمة في المركز من هذا كله شخصية لا تخلو من بطولة وتميز هي شخصية الصياد الطيار وربما «زير النساء» أيضا دنيس فنش - هاتون الذي توحي «الرواية»، ولكن أقل كثيراً مما سيقول الفيلم بعد ذلك، أنه عاش حكاية عشق مع الراوية. في الكتاب هو مجرد صديق عزيز وخلّ وفيّ، ترصد تصرفاته وأعماله البطولية وضروب شهامته، من موقع الإعجاب. أما في الفيلم، فإن ما يقال لنا هو أكثر من هذا. ما يقال في الفيلم يتعلق بحكاية حب رومانسي شديدة اللطف والخطورة. غير أننا إذا ضربنا صفحاً عن هذا الفارق بين العملين، فسنجد تطابقاً جيداً بين بعض أحداث الكتاب وكل أحداث الفيلم وأجوائه.

> والتطابق يطاول بخاصة مسرى الأحداث، الذي ترويه لنا الكاتبة - ولكن بعد انقضاء كل ذلك الزمن - بحنين كبير إلى ماض، لم يكن مرّ على انقضائه، حين كتبت المذكرات، سوى سنوات قليلة. بل إن ثمة ما يقترح علينا أن كارين بلكسن حين وضعت كتاب مذكراتها الأفريقية هذه، كانت لا تزال تأمل بألا تكون نهاية الكتاب نهاية مغامرتها الأفريقية، علماً أن نهاية الكتاب تشهد سماع الكاتبة نبأ مقتل صديقها الصياد - الطيار في حادث طائرة سقطت به. إذاً، كانت كارين ترى أن لا نهاية للأمر، وأن حلمها الأفريقي يمكن أن يتواصل. ونعرف أنه لم يتواصل بالطريقة التي أرادتها... غير أن هذه حكاية أخرى. الحكاية هنا هي حكاية المرأة الدنماركية الليبرالية والثرية مع قارة أحبتها كثيراً، وعرفت كيف تتعامل مع أهلها وكيف تفهم دقائق نفسياتهم ودوافعهم، ما جعل نصها في ذلك الحين يسير عكس التيار، مقارنة بمعظم النصوص الأوروبية التي كانت تتنطح، في شكل أو في آخر، للكتابة عن أفريقيا وإنسانها. في هذا المعنى ينظر البعض، اليوم، إلى كتابات «البارونة السوداء» حول أفريقيا على أنها النصوص التي مهدت لمجيء جمهرة من كتاب أوروبيين، عاشوا أيضاً في هذه المنقطة من القارة الأفريقية، أو تلك، وأعادوا الاعتبار للإنسان الأفريقي، بعدما شوهته نصوص أوروبية كولونيالية أخرى. وفي هذا السياق، قد يبدو أجمل ما في كتاب «خارج أفريقيا» تلك الصفحات التي تصور فيها الكاتبة، ما يعتبر «النهاية»: حيث إن افلاس المزرعة وهبوط أسعار البن في العالم، جعل البارونة مضطرة لإنهاء تلك المغامرة والتخلي عن المزرعة وسكانها... ما أدى إلى الفراق مع أناس أحبتهم وعلى رأسهم فرح الذي كان يدير شؤون المزرعة، كما كان صلة وصل البارونة بالعمال المياومين وحياتهم.

> على رغم أن كارين بلكسن (1885 - 1962) أصدرت خلال حياتها المديدة عدداً لا بأس به من الكتب ونصوص المذكرات وغيرها، يبقى كتاب «خارج أفريقيا» أشهر أعمالها، والكتاب الذي قال حبها لتلك القارة. ولقد عرف عن كارين أنها كتبت أعمالها حيناً بالإنكليزية وحيناً بالدنماركية... ومن أعمالها المعروفة - وإن كان أقل من «خارج أفريقيا» - مجموعة «سبع حكايات قوطية» و«النساك» و«عائلة ديكاتس» و«حكايات الشتاء» و«ظلال العشب»، علماً أن ما لا يقل عن سبعة كتب لها، لم تنشر إلا بعد رحيلها، ومنها «كارين بلكسن في الدنمارك: مختصر عام 1931 - 1962»، الذي نشر للمرة الأولى عام 1966، متابعاً سيرة حياتها في الدنمارك وغيرها بعد مبارحتها أفريقيا، وهو كتاب يعبق بالحنين إلى القارة السوداء في كل صفحة منه.

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

19.03.2015

 
 

في إطار حملة واسعة للمركز السينمائي المغربي بعدد من المدن

حجز أزيد من 100 ألف 'دي في دي' مقرصن منذ يناير الماضي

المغربية

أعلن المركز السينمائي المغربي أن الحملات، التي نفذها بتنسيق مع المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، والغرفة المغربية لموزعي البرامج السمعية البصرية، في إطار محاربة قرصنة الأعمال السينمائية والسمعية البصرية، منذ يناير الماضي، أسفرت عن حجز 103 آلاف و190 قرصا مضغوطا (دي. في. دي) مقرصنا في مكناس، والجديدة، وطنجة.

أوضح المركز، في بلاغ توصلت "المغربية"، بنسخة منه، أن هذه الحصيلة تعد قياسية مقارنة مع الحصيلة الإجمالية لسنتي 2013 و2014، إذ لم يتجاوز عدد الأقراص المحجوزة 46 ألفا و161 قرصا مقرصنا (33 ألفا و479 سنة 2013)، و(12 ألفا و682 سنة 2014).

وأكد المركز أن هذا الإنجاز يبقى متواضعا بالنظر إلى جسامة التحديات، التي تطرحها القرصنة والاعتداء على حقوق المؤلفين، مجددا التعبير عن إرادته لضرب الشبكات التجارية غير القانونية، وحماية الإبداع والصناعة السينمائية، وفرض احترام التشريع الجاري في مجال حقوق المؤلف والملكية الفكرية.

وأفاد المركز أن الأسابيع الأخيرة سجلت تنفيذ عمليات في إطار محاربة قرصنة الأعمال السينمائية والسمعية البصرية بعدد من مدن المملكة، بحجز 15 ألفا و200 قرص "دي في دي" مقرصن، واعتقال خمسة مزودين، سيكونون محل متابعات قضائية لدى المحكمة الابتدائية بمكناس بمقتضى القانون رقم 94-17، وبمراكش حجز 35 ألفا و900 قرص مقرصن وتوقيف شخص، وحجز 7465 قرصا بالجديدة، ومصادرة معدات معلوماتية واعتقال ثلاثة أشخاص، ويوم 10 مارس الجاري صودر بطنجة 38 ألفا و100 قرص، ومعدات معلوماتية وسمعية بصرية وتوقيف ستة أشخاص.

وأعلن المركز أنه سينفذ عمليات مماثلة في مدن أخرى، بتعاون مع الغرفة المغربية لموزعي البرامج السمعية البصرية، والمكتب المغربي لحقوق المؤلفين والسلطات المحلية.

وتهدف هذه العمليات، حسب المركز، إلى حماية الإبداع والصناعة السينمائية المغربية، وضمان احترام التشريع القائم في مجال حقوق المؤلفين والملكية الفكرية.

ورغم مصادقة المغرب على عدد من الاتفاقيات في مجال الملكية الفكرية، إلا أنه يأتي في مركز متقدم في قائمة الدول، التي تستفحل فيها ظاهرة القرصنة، حسب تقرير للمكتب الدولي لحقوق المؤلفين.

وتكلف القرصنة المغرب خسائر تزيد عن ملياري درهم سنويا، عبارة عن ضرائب ورسوم لا تدخل خزينة الدولة، كما تهدد بإفلاس شركات الإنتاج، واستمرار إغلاق القاعات السينمائية، ما يؤثر على مداخيل القاعات بالمغرب، التي تراجعت بحوالي ثمانية ملايين درهم، حسب الحصيلة السينمائية للمركز السينمائي المغربي برسم سنة 2014.

وأوضحت الحصيلة أن مداخيل سنة 2014 بلغت 66 مليونا و726 ألفا و466 درهما، من خلال بيع مليون و643 ألفا و647 ألف تذكرة، مقابل 74 مليونا و850 ألفا و832 درهم سنة 2013 محصلة من مليون و792 ألفا و533 ألف تذكرة.

وكشفت الحصيلة أن عدد دور العرض لم يتعد 31 قاعة عرض، بواقع 57 شاشة في سنة 2014، مقابل 33 قاعة بواقع 58 شاشة في الفترة ذاتها من السنة الماضية، مبرزة أن نصيب الفيلم المغربي من السوق الوطني تراجع إلى 24 في المائة، من خلال توزيع 45 فيلما سنة 2014، مقابل 34 في المائة سنة 2013. 

الصحراء المغربية في

19.03.2015

 
 

استكمال ماراثون عروض أفلام مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية غدا"الجمعة"

كتب : عمرو الكاشف

تواصل فعاليات مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الرابعة بعرض مجموعة من الأفلام غدا"الجمعة"على مستوى قاعات عرض محافظة الأقصر حيث تتاح مشاهدة الأفلام أمام الجمهور والزائرين للمحافظة.

ويعرض ليوم الجمعة 20 مارس بمسابقة الأفلام الروائية والتسجيلية الطويلة من مدغشقر فيلم "أدى جاسى "من إخراج نانتينا لوفا الساعة 10 صباحا،ومن بوركينا فاسو فيلم "عين العاصفة "من إخراج سيكو تراورى الساعة 2 ظهرا،ومن مصر فيلم "جاي الزمان"من إخراج دينا حمزة الساعة 4 عصرا،ومن رواندا فيلم " أوما توما"من إخراج جون كويزى الساعة 6 مساء.

ويعرض فى مسابقة الأفلام القصيرة والحريات ليوم غد "الجمعة"بمكتبة الأقصر العامة أيضا من كينيا فيلم " فيف"من إخراج سايمون موكالى،ومن جنوب أفريقيا أيضا فيلم " معجزة دموية " إخراج ميج ريكاردز وذلك في السادسة مساء.

وتشمل العروض فى مسابقة الأفلام المترجمة إلي العربية عروض القسم الرسمى خارج مسابقة مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية،فمن بنين فيلم "المعاناة"من إخراج أريانا استريد،والفيلم المصري"الفيل الأزرق"إخراج مروان حامد،ومن غانا فيلم "كل هذا صلب "وأخراج لويس هندرسون.

كما يعرض بنادى التجديف الفيلم المصري"ألوان السما السابعة "بطولة النجمة ليلى علوى والفنان فاروق الفيشاوى وذلك فى تمام الساعة 7 مساء.

وقال السينارست سيد فؤاد رئيس مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية –للنشرة الفنية بوكالة أنباء الشرق الأوسط –أن هذه العروض الفنية تعبر عن الثقافات الأفريقية وفقا للموقع الجغرافى لكل دولة فضلا عن الرسالة التى يتضمنها محتوى كل فيلم وبهدف تحقيق التكامل السينمائيى بين دول القارة الأفريقية على أرض الأقصر.

يذكر أن مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية برئاسة السيناريست سيد فؤاد تشارك فيه 31 دولة أفريقية و10 دول من خارج القارة وافتتحت فعالياته يوم 16 مارس ويستمر حتى 21 مارس بحضور الفنانة يسرا وإلهام شاهين ومنة شلبى ومنال سلامة والمخرج خالد يوسف والمنتج محمد العدل،ويعقد على هامش فعالياته ورشة سينمائية يديرها المخرج الأثيوبى هايلى جريما فضلا عن عروض الأفلام الأفريقية على مستوى قاعات عرض محافظة الأقصر وقد تم اختيار دولة بوركينا فاسو كضيف شرف المهرجان وإطلاق اسم خالد صالح على الدورة الرابعة للمهرجان.

بوابة روز اليوسف في

19.03.2015

 
 

وقائع مجتمع “خارج الخدمة

محمد حمدي – التقرير

على الرغم من الفكرة الخارجية السريعة التي قد يخرج بها المشاهد عن فيلم مثل “خارج الخدمة” كفيلم يحكي عن بعض المشكلات الشخصية لأبطاله، وكيف يضعهم القدر أمام أنفسهم والآخرين في مواقف مختلفة ومتفاوتة التأثير، مما يلقي بظلال قاتمة على مصائرهم المحددة سلفًا كما يوحي الفيلم، إلا أنني من خلال مشاهدة عميقة للفيلم؛ خرجت بتصور قد يختلف عن التصور السريع، فالفيلم لا يكتفي بالتعرض لأبطاله على وجه الخصوص بل يتجاوز الحديث عنهم ليحكي عن وقائع مجتمع كامل، يحاول التشبث بموقعه المتوسط خارج إفريز الزمن، على الرغم من الركلات التي يتلقاها، ليكون “خارج الخدمة”.

القصة

يبدأ الفيلم بمشاهد افتتاحية لـ “سعيد” الشاب المصري الذي يعيش تحت خط الفقر، يجاهد ليمر يومه دون التعرض للإهانة، ويهرب طوال الوقت من الدائنين، ما يدفعه لإدمان المخدرات -كل أنواع المخدرات- ليهرب أيضًا من نفسه وواقعه الذي لا يبشر بخير. من منا لم يقابل “سعيد” في حياته الخاصة؟ من منا لم يكن “سعيد” بشكل أو بآخر؟!

في محاولة لالتقاط بعض اللقيمات، وبعض التحف التي يبيعها بثمن بخس، يعثر “سعيد” على ذاكرة إلكترونية “فلاش ميموري” مخزن عليها ملف فيديو يظهر واقعة قتل السيدة التي تسكن في الشارع المجاور له لطفلة صغيرة. لقد عثر “سعيد” للتو على كنز صغير، سيمكنه من ابتزاز السيدة “شيرين رضا” مقابل بضعة آلاف من الجنيهات تكفي سداد ديونه التي يطارده بسببها بلطجي الحي “محمد فاروق”.

الصدام

يقف “سعيد” أمام باب منزل السيدة مترددًا، وقبل أن يقرع الباب تفاجئه القاتلة بالوقوف أمامه بشحمها ولحمها، هنا فقط ينتهز الفرصة ويدخل المنزل، يُجبرها على مشاهدة الفيديو الذي تتورط فيه بجريمة القتل، ويبتزها بقسوة فتواجه الابتزاز برفض تام فيحاول إرغامها على الرضوخ له، حينها فقط يتطور المشهد من مشهد ابتزاز لمشهد اغتصاب، تبرع فيه الكاميرا في بيان الفعل دون أن تصوره بشكل مباشر فج، وهو درس مثالي لصانعي سينما الصدمة الذين يملؤون الدنيا ضجيجًا في مصر بضرورة تقديم المشاهد الفجة كما هي دون اهتمام حقيقي بأعمار المتابعين وتأثير المشاهد على نفسيتهم.

الصدام بين “سعيد” والمرأة الخمسينية -على أقصى تقدير- ينتهي بنهاية غريبة، عندما تلملم المرأة ثيابها وتعطي “سعيد” بعض النقود وتطلب منه شراء بعض المخدرات لها! الأمر الذي يذهله ويذهل معه المشاهدين في آن واحد، لكن كل هذا يبدو منطقيًا في مجتمع يخرج من الخدمة المنطقية لأفراده، ويسبح في خيالات من الأحلام المريضة المشوهة التي تقتحم المجتمع المصري يومًا بعد يوم.

المخدرات

يأخذنا الفيلم بعد ذلك في رحلة طويلة من استخدام المخدرات، كل المخدرات، بداية من البانجو (وهو مخدر رخيص الثمن خطير المفعول) تتعاطاه الفئة الفقيرة في مصر، ونهاية بالـ “بيسة” التي تعتبر من أرخص أنواع المخدرات البيضاء في مصر، مرورًا بـ “الحشيش” وهو المخدر الأكثر انتشارًا بين كافة الطبقات الاجتماعية والمادية في مصر، رحلة لا تكتفي فقط بعرض طرق البيع وقواعد المساومة، بل تتجاوزها للحديث عن طرق التعاطي وغيبوبة السُكر وحتى النتائج غير المتوقعة التي قد تواجه المتعاطين. الخروج من الخدمة يستلزم تعاطي المخدرات، هذا هو الخط الأساسي للأحداث كما يوضح الفيلم.

الإخراج

تميز إخراج الفيلم بإظهار الحقائق كما هي، شتائم الشارع كما هي، مخدرات الشارع كما هي، شجارات الشارع كما هي، حتى السبة القبيحة التي توجهها “شيرين رضا” للرئيس المعزول “محمد مرسي” أثناء أحد خطاباته، وعلى الرغم من إيقاف الصوت والاكتفاء بالموسيقى التصويرية، إلا أن حركة فمها كانت تقول كل شيء، الفيلم هنا لا يحاول اللف أو الدوران، هذا هو الشارع “خارج الخدمة” بكل تفاصيله، فاقبل بها أو ارطم رأسك في أقرب حائط وعش في “يوتوبيا” خاصة بك.

الموسيقى التصويرية

اعتمدت الموسيقى التصويرية على البرامج الحوارية المصرية، بأكثر ما اعتمدت على الوتريات! فنصف موسيقى الفيلم على وجه التقريب هي عبارة عن عبارات مقتطفة من أشهر البرامج الحوارية المصرية في الأعوام المنصرمة، بداية بـ “ريم ماجد” و”العاشرة مساء” وغيرها من البرامج والقنوات التي يقضي المواطن المصري النصف الثاني من يومه أمامها، في جرعة عالية ومكثفة من غسيل الدماغ والضرب بيد حديدية على عقل المواطن ليتخذ موقعه “خارج الخدمة”.

النهاية

مع تكرار وقائع التهديد والابتزاز ثم الاغتصاب فالرضوخ، تتكون علاقة مازوخية صعبة الوصف بين الضحية والجلاد، علاقة “أحمد الفيشاوي” بـ “شيرين رضا” تتدحرج من قمة الرفض إلى قمة القبول بتدريج غير منطقي، لا يحدث إلا في الحياة الواقعية بكل ما تحتويه من عدم تجانس وقلة احتشام.

وما بين دخان السجائر المحشوة تبدأ علاقة وهمية تمامًا كالدخان في التطور، حتى تصل للذروة حين يكتشف “سعيد” أن السيدة التي يحاول ابتزازها من بداية الفيلم لم تقتل الفتاة الصغيرة حقًا، بل كان مشهدًا تمثيليًا تسرب من ذاكرة الكاميرا لذاكرة الـ “فلاش ميموري” ومن ثم إلى أيدي “سعيد”، وهو المخرج الذي بدا لنا مضحكًا وغير متسق مع الواقعية التي يتعرض بها الفيلم للأحداث باستمرار، وهي سقطة إخراجية كبرى خرجت بالفيلم عن مصاف المهرجانات والجوائز، وإن كان الفيلم في مجمله أعاد اكتشاف الفنان أحمد الفيشاوي، وأجبره على تقديم أفضل أداء له في تاريخه الفني الحافل بأعمال أضعف وأقل ثقلًا وتأثيرًا في المشاهد بشكل عام.

وختامًا

كان من الممكن أن يكون “خارج الخدمة” فيلمًا أفضل، لو اهتم القائمون عليه ببعض الرتوش الصغيرة، لكن العمل في مجمله يعتبر عملًا قويًا ومغرقًا في الواقع المصري المندفع بسرعة الضوء ليكون مجتمعًا “خارج الخدمة”.

الحب.. والموت الحتمي لتشارلي كانتريمان

زهراء إبراهيم – التقرير

The Necessary Death of Charlie Countryman – 2013 الفيلم الأول للمخرج فريدريك بوند يدور في إطار غرائبي، حيث تؤسس الفانتازيا للأحداث وتحركها.

يحكي الفيلم عن تشارلي، الشاب الذي يمتلك مقدرة الحديث مع الأموات في اللحظات الأولى لتوديعهم الحياة، يشهد اللحظات الأخيرة لوالدته، التي تجلس بجانبه في اللحظات التالية ليخبرها بأنها كانت أمًّا رائعة وأنه يشعر بالضياع، فتطلب منه وعدًا بأن يذهب إلى بوخارست عاصمة رومانيا.. وبلا تردد أو انتظار يكون جالسًا في الطائرة الذاهبة من شيكاجو إلى بوخارست، وإلى جواره رجل عذب الشخصية يتحدث معه قليلًا ثم يموت، اللحظات التالية تكون رسالة من الرجل يطلب إيصالها إلى ابنته.

حين يلتقي تشارلي بالفتاة في المطار -جابي (Evan Rachel Wood)- فإنه يخبرها الرسالة ويذهب. لكنه حين يجدها مصادفة في الطريق من المطار، تبدأ قصة حب متشابكة مع عازفة تشيلو حزينة على وفاة والدها.

لو أننا صنفنا هذه الحكاية على أنها رحلة اكتشاف للذات، فإن الفيلم مخيب للآمال؛ يبدأ برجل يبحث عن ذاته لتنتهي فكرته في الثلث الأول من الفيلم مع إدراكنا بأنه سيجدها في فتاة جميلة وقصة حب عاصفة. لكن، إذا نظرنا من ناحية أخرى فإن الفيلم يصور الحب الخام.

تشارلي (شيا لابوف – Shia LaBeouf) الفتى النحيف ذو العينين الحزينتين يهيم دائمًا على غير هدى وبلا خطة إلى بوخارست تنفيذًا للوعد الذي قطعه لأمه بعدما ماتت. وحين يحب، فإنه لا يعرف أين يقف، ولا يكتفي أبدًا بما وصل إليه في سبيل الحصول على هذا الحب، وكأنه وجد كل ما كان يفتقده ويبحث عنه، مع إيمانه بأنه سيموت لا محالة، وأن الموت في سبيل كل هذا الحب هو أجمل طريقة للموت.

هكذا يأتي اسم الفيلم (الموت الحتمي لتشارلي)، آخذًا المشاهد في رحلة عاطفية متعرجة وعرة مليئة بالمخدرات والهلوسات والدماء والجري في الطرقات انتشاءً بمشاعر الحب الجديدة أو هربًا من عصابة، حيث تأتي العقدة المألوفة للفتاة المذهلة ذات ماضٍ لقصة حب معقدة مع رجل عصابات شرس ومضطرب لا يتركها مهما حاولت الابتعاد.

الحكاية مطولة وممطوطة في أجزاء كثيرة كان الممكن أن يتم التغاضي عنها، لكن بالرغم من ذلك فقد كانت هناك مشاهد تشفع لبوند في فيلمه الأول. في الطائرة يحكي الرجل الجالس بجوار تشارلي عن أنه سافر من رومانيا إلى شيكاجو ليشجع فريقًا ضعيفًا لم يفز ببطولات أبدًا؛ وشبهه بالشعب الروماني في مواجهته للمصاعب التي شكلته وصقلته بصفات قوة.

في ليلة تحكي جابي لتشارلي أن والدها قد أبعد زوجها السابق عنها بتسجيل ما لم يجده أحد حتى الآن. في الصباح التالي، يجد تشارلي شرائط فيديو أحدها معنون بفوز الفريق السابق ذكره في بطولة ما، حين يشاهده تشارلي يكتشف أنه التسجيل الذي سيبعد به الزوج القاتل عن جابي. هذه المصادفة التي لعبت الدور الحاسم في فيلم غرائبي كهذا لا تقلل من تلك اللفتة الذكية التي تطلب من المشاهد أن يكون قد تصالح مع الحكاية بالقدر الكافي.

هناك الكثير من الحيوية والطاقة في هذا الفيلم؛ حيث تدور الأحداث بين شوارع بوخارست ودار الأوبرا في أجواء صاخبة وأحداث مفاجئة باستمرار. لكن، حالة الشد والجذب بين شيا لابوف وإيفان رايتشل وود أكثر صخبًا وجاذبية من كل الرقص وحالات الانتشاء ومواجهة الموت.

أداء شيا لابوف يحمل على عاتقه الجزء الأكبر من حالة هذا الفيلم وربما يعطيه ما ينقصه من تغطية للمساحات الفارغة التي لا أظن أن أحدًا غيره كان سيقوم بها، مع تجسيد كهذا للألم الصادق والرغبة الشديدة في الحصول على الحب والصراع المستمر من أجله، ببساطة وسهولة ممتنعة؛ لأنه وعلى الرغم من أن القصة ذات بُعدٍ واحد، إلا أنها في ذلك تقتنص بدايات الحب وتغوص في أعماق ذلك الشغف وبراءته، وكأن الدور قد كُتب له بشكل خاص، ليس فقط في هيئة واحدة من الحب، إلا أن علاقته بأمه التي لا نعلم عنها شيئًا سوى مشهدين حواريين بينهما بعد موتها تتكشف عن رقة شخصية تشارلي وحبها غير المشروط دائمًا.

وبرغم بساطة هذه القصة، لكنها لا تستخدم شخصية نايجل (مادز ميكلسين) -الزوج السابق لجابي- باستغلال للفكرة المكررة بتجسيد الشر الخالص في إنسان، حتى وإن كان قاتلًا. إنما استطاعت هذه الشخصية السيئة أن تحب، إلا أن ذلك الاضطراب النفسي الذي جعل من جابي حلقة الصراع بينه وبين تشارلي، وقسوته المطلقة كقاتل، قد تسببا في جعل المشاهد غير قادر على التعاطف معه، بدون أن تلعب القصة على الوتر العاطفي عنده الذي تستخدمه الحكايات بشكل معتاد في إمالة كفتي ميزان الخير والشر إلى جانب واحد.

استخدم بوند الألوان والإضاءة بلمسات فنية تضفي ألقًا خاصًا للفيلم وروحًا متوازنة في اللحظات الكئيبة، مع لقطات مقربة دائمًا على شيا لابوف كتقدير لقوة أدائه وصدق عينيه.

وأخيرًا، كل الشخصيات تحصل على مرادها -مهما كان- في نهاية تليق بحكاية رومانسية درامية. كان الموت الحتمي لتشارلي مجازًا للتعبير عن عنفوان الحب، وحين خسر نايجل في هذا الصراع أمام تشارلي أراد الموت وحصل عليه، في مقابلة جميلة للحب والموت على أنهما طريق ونهاية يتبادلان ولا ينفصلان.

التقرير الإلكترونية في

19.03.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)