كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

أفلام "اليوم الواحد" تسيطر على شباك تذاكر منتصف العام

بقلم: علا الشافعى

 

9 أفلام تنافست فى موسم منتصف العام السينمائي، تنوعت موضوعاتها ما بين الكوميديا السياسية والاجتماعية، والدراما التشويقية، وشهدت دور العرض إقبالاً جماهيرياً أعاد الحياة إلى شاشات العرض، ورغم التنوع ووجود أكثر من عمل سينمائى لكبار النجوم، إلا أن الصوت العالى كان للكوميديا الاجتماعية، حيث تصدر فيلم "يوم مالوش لازمة" للنجم محمد هنيدي، إيرادات الموسم، محققا 5 ملايين و400 ألف جنيه، وفى المركز الثانى جاء فيلم "ريجاتا" لمحمود حميدة، وعمرو سعد، وإلهام شاهين، وهو التجربة السينمائية الثانية للمخرج محمد سامي، بعد "عمر وسلمي" الجزء الثالث، ووصلت إيراداته إلى 2 مليون و550 ألف جنيه، وفى المركز الثالث، يأتى فيلم "أسوار القمر" لمنى زكي، وآسر ياسين، وعمرو سعد، وإخراج طارق العريان، بمليون و720 ألفا.

كما يشهد هذا الموسم تألق 2 من المخرجين الشباب، هما تامر محسن، الذى يقدم فيلمه السينمائى الأول مع الكاتب وحيد حامد، بعد أن قدما معًا مسلسل "بدون ذكر أسماء" فى رمضان قبل الماضي، وأمير رمسيس الذى قدم فيلمه "بتوقيت القاهرة" مع النجم الكبير نور الشريف، والفنانة ميرفت أمين، وسمير صبرى وشريف، رمزى وآيتن عامر، ومن المفارقات التى يشهدها الموسم وجود 4 أفلام تدور أحداثها فى يوم واحد رغم تنوع الموضوعات التى تناقشها، والأفلام هى "بتوقيت القاهرة" كوميديا اجتماعية انسانية، و"قط وفار" كوميديا سياسية، و"يوم مالوش لازمة" كوميديا اجتماعية، و"هز وسط البلد" وهو الأقل فنيًا ودراميًا، ويأتى أيضًا فى ذيل الإيرادات.

مع بداية الأسبوع الثالث فى سباق موسم منتصف العام السينمائي، لا يزال فيلم "يوم ملوش لازمة" للنجم محمد هنيدي، وروبي، إخراج أحمد الجندي، يتصدر إيرادات موسم منتصف العام. أما فيلم "قط وفار" للكاتب الكبير وحيد حامد والنجوم، محمود حميدة، سوسن بدر، محمد فراج، سوزان نجم الدين، إخراج تامر محسن، فلم تتخط إيراداته الـ700 ألف جنيه، منذ طرحه فى دور العرض السينمائية 22 يناير.

فى حين بلغت إيرادات فيلم "بتوقيت القاهرة" للنجوم نور الشريف وميرفت أمين ودرة وسمير صبري، إخراج أمير رمسيس، 800 ألف جنيه، وقد شهد العمل ارتفاعًا فى معدل إيراداته وقت طرحه بالسينمات، لكنها قلّت تدريجيًا، ليصل معدل إيراده فى اليوم الواحد إلى 8 آلاف جنيه فقط، أما فيلم "القط" لفاروق الفيشاوى وعمرو وأكد، فحقق 400 ألف جنيه، و"خطة بديلة" لخالد النبوي، وتيم حسن، وإخراج أحمد عبدالباسط، فحقق 200 ألف جنيه فى 3 أيام، فى حين أن فيلم "هز وسط البلد" لإلهام شاهين، وإخراج محمد أبوسيف، فلم تتخط إيراداته الـ360 ألف جنيه.

أما تصدر فيلم هنيدى للإيرادات منذ بداية الموسم، فيعكس حاجة الجمهور إلى الضحك، فالعمل من نوعية أفلام اليوم الواحد، حيث تدور أحداثه بالكامل فى ديكور محدد، ويجسد هنيدى دور شاب مصرى يعمل فى أبوظبى ويعود فى أجازة قصيرة من أجل إتمام زفافه من فتاة اختارها بعقله عن طريق زواج الصالونات، ولكنه فى نفس اليوم يتعرض للعديد من المفارقات الكوميدية والتى تقلب اليوم رأسًا على عقب، خصوصًا بعد ظهور فتاة أخرى تجسدها روبى عاشقة لهنيدي، ورغم أن الفيلم لا يحمل فكرة واضحة، إلا أن ذكاء المخرج أحمد الجندي، والذى يعد من أفضل مخرجى جيله فى الكوميديا، هو ما جعله قادرًا على صياغة المفارقات الدرامية التى بنى عليها الفيلم دراميًا بشكل يفجر الضحك طوال الوقت، وهو ليس عيبًا أن تتم صناعة فيلم بهدف التسلية والترويج فقط، خصوصًا وأن المخرج نجح فى ذلك إلى حد كبير، كما أن الفنانة روبى تقدم ولأول مرة دورًا كوميديًا، وقد نجحت فى تشكيل ثنائى ناجح مع هنيدى والذى اختار مع المخرج عدد الوجوه الكوميدية المعروفة والتى سبق وقدمت أعمالًا ناجحة سواء مع أحمد مكى أو أشرف عبدالباقى من خلال مشروعه المسرحى "تياترو مصر".

"يوم مالوش لازمة"، بطولة المطربة روبي، وريهام حجاج، وإدوارد، وصبرى عبدالمنعم، وضياء الميرغني، ورجاء حسين، وهو من تأليف الكاتب الساخر عمر طاهر، وإخراج أحمد الجندي.

ومن المفارقات أيضا أن فيلم "قط وفار" للكاتب وحيد حامد، تدور أحداثه فى يوم واحد أيضًا، ولكن الفيلم ينتمى للكوميديا السياسية، حيث يعود وحيد لتألقه مثلما كان فى سينما التسعينات ويقدم فيلمًا مبنيًا على عدد من المفارقات التى تكشف وتعرى الفساد فى عصر مبارك، ويقدم الفيلم بشكل ساخر شخصية وزير الداخلية، اسم عائلته القط، يؤدى دوره محمود حميدة، يشغل وزارته بطلباته المتعلقة بحفل خطوبة ابنته والذى من المفترض أن يحضره كبار الشخصيات والمسئولين فى البلد، لذلك فكل شئ يجب أن يكون مدروسًا وبدقة، بدءًا من الورود التى ستزين الحفل وصولًا لمكان ركن السيارات الخاصة بكبار البلد، اختار وحيد حامد يومًا واحدًا هو عيد الحب لكى يقدم من خلاله معظم مشاهد فيلمه، وما بين العالمين المتوازيين اللذين يعشقهما حامد تدور أحداث الفيلم وهو عالم الوزير والسلطة - الأحداث فى عصر مبارك - وعالم ابنة عم الوزير تجسدها سوسن بدر وابنها المنتمى لعائلة الفار يجسده محمد فراج.

كوميديا الفيلم السوداء ومبنية على الكثير من المفارقات والثنائيات والفيلم هو التجربة الروائية الطويلة الأولى للمخرج تامر محسن وبطولة الفنان محمود حميدة ومحمد فراج وسوسن بدر وعدد كبير من النجوم.

ويبدو أن فيلم "أسوار القمر" للنجمة منى زكى وعمرو سعد وآسر ياسين والمخرج طارق العريان والذى استغرق من خمس إلى ست سنوات ليخرج فيلمه الجديد "أسوار القمر" إلى صالات العرض تغير فيها الكثير بدءًا من الظرف السياسى المحيط، وصولًا إلى شكل وتطور نجوم وأبطال العمل، وأعتقد أن هذا الأمر شكل تحديًا كبيرًا لصناع الفيلم - كتابة محمد حفظى وتامر حبيب وإخراج طارق العريان - خصوصًا وأن الفيلم ينتمى إلى أفلام الإثارة والتشويق ولكن جودة النص الذى عمل عليه محمد حفظى وتامر حبيب إضافة الى ذكاء طارق العريان - والمعروف أنه يستغرق وقتًا طويلًا فى إنجاز أعماله حيث إن آخر عمل قدمه للسينما كان فيلم "تيتو" والذى أطلقه فى عام 2004، - العريان يتألق فى فيلمه "أسوار القمر"، من خلال ايقاع محكم وسرد ملئ بالمفاجآت والتحولات الدرامية. 

راهب التصوير "فان ليو" يوثق بالصور تاريخ مصر

بقلم: نسرين مهران

قصاصات العمر تذروها الريح لشوارع يسكنها الغرباء، وشوارع ضاعت كالغربة. وجوه بالأبيض والأسود تتراكم على طاولة الذكرى وفوق كراسى النسيان. أحاسيس مبعثرة غربتها الأقدار والأسفار. تدب فيها الحياة لتتحول من صور إلى أيام. تأخذنا أبعد من أنفسنا إلى غابة سحرية يفوح منها نبيذ الشوق وعطور الياسمين. ليعود الطير يهمس بالغناء. ويعود الفجر من بعد الجفاء. فوق غصون الأشجار الخضراء الداكنة تتدلى صور تعود لنصف قرن من الزمان، كانت فيها مصر - آنذاك - ترتدى أبهى ثيابها. يداعبها الهواء العليل، فترف مثل البيارق المثبّتة على مشاجب الود. 

قطارات سافرت دوننا تحمل داخلها الرفاق، والعمر، والأماكن. مازالت وجوههم تزين جدران البيوت. يحيطها إطار خشبى أو ذهبى مزخرف، لأعوام طويلة ظلّت قابعة على المناضد بجانب أصص الورود. نخرجها من تراب الصناديق كلما هب الحنين، ننفض عنها التراب ونلمع زجاجها. تنتقل من غرفة إلى أخرى حتى تستقر فى دفتر صور العائلة. تتوارى لبعض الوقت، لكنها لا تغيب. فعمرها أطول من عمر أصحابها. كلما هرب الزمان، أعاده مرة أخرى إلى الوجود. فى حياته، رسم المصور الأرمينى "فان ليو" بعينيه مدارات من الخيال والإبداع وكأنه مخرج سينمائى بارع موهوب. وفى مماته، ظلت عينياه مفتوحة يسرق منها الموج أجمل الخزائن. ويبعث بها رسائل فى زجاجات تدفعها الأمواج فى بحر الحياة.

يقيناً، حديث الصور هو أصعب الحديث وأصدقه، خاصة لو كان وراء كل لقطة حكاية. وقد انفرد "فان ليو" بنسج الحكايات بأسلوب مميز أقرب إلى نحت الضوء وصياغة عمل فنى رائع بالظلال. فهو لم يجد نفسه فى الألوان التى تجعل - من وجهة نظره - الكل متشابها، واعتبر أن ما دون الأبيض والأسود يفتقد إلى الفن والإبداع. كما تمكن من مزج الوجه والجسد مع الفراغ المحيط به، ليسطر قصصا من خيال، تبرز مزاج البطل وتجعلك تسمع صوته حتى وإن كنت تجهله. كان طفلا بملابس المدرسة تنطق صورته ببراءة ونعيم الطفولة ووجاهة الأربعينيات. أو سيدة تفصح عن جمال ملامحها الشرقية من وراء اليشمك. كانت مصرية تنغمس فى لحظة يتوقف فيها الزمان عن الحركة، لتبدأ زمنها الخاص وهى غارقة فى أحلام اليقظة. أو أجنبية ترتدى لباس البحر وقبعة الشمس لتواكب الحياة العصرية. لكل عين لمعة وبريق خاص. لكل صورة شخصيتها المستقلة. فى كل الأحوال لا تتجرد الصورة من أمضى أسلحتها، وأجمل زيناتها، وهى إحساس "ليو" الذى يسكنها.

قدره أن يصير طائر نورس. يرحل بين الموانى ليحط بالنهاية على شاطئ النيل. رغم أسفاره، لم يفكر أبدا فى الرحيل من المحروسة، فيما أقدم شقيقه "انجليو" - البارع فى الرقص على الجليد - على الاستقرار فى كندا. يسمو طليقاً خفيف الجناح وراء الزمان، وراء الحدود. لا يغيب عن ذاكرة المصور الأرمينى مأساة أسرته وهى تهاجر من تركيا (موطن عائلته الأصلي) فراراً من مذابح الأرمن هناك. كان عمره آنذاك لم يتجاوز الأربعة أعوام حين فتحت له مصر أبوابها فى عام 1925، فباتت هى أرض الخلاص بالنسبة له. أرض المحبة والسلام.

عاشت الأسرة الأرمينية - الهاربة من جحيم الإبادة الجماعية - فى محافظة الزقازيق لمدة ثلاث سنوات، قبل النزوح إلى القاهرة. هناك التحق الصبى ليفون بويادجيان، الشهير بـ"فان ليو"، بالمدارس الأرمنية، ليكمل بعد ذلك دراسته فى الجامعة الأمريكية. ينظر فى المسافات البعيدة، مازال يذكر طفولته التى شهدت لغات عديدة كان يسمعها من المحيطين به حيث باتت "الأرمنية" هى لغة البيت، و"التركية" للغناء وتبادل الأحاديث خلال زيارات الأقارب الفارين من مذابح الأتراك، وتتردد "اليونانية" داخل محلات البقالة، و"الانجليزية" يتحدثها زملاء والده فى شركة الترام. بينما هو يتحدث بلغة تعد مزيجا بين العربية والانجليزية والفرنسية، مما يسر عليه التعامل مع شرائح المجتمع من الأجانب والمصريين، فى وقت كانت فيه مصر بلد كوزموبوليتانى متعدد الثقافات.

منكسرا أمام مرآة الزمن الذى أدار له وجهه فى آخر أيامه، دائما كان يعرب من خلال الأحاديث الصحفية والتليفزيونية عن بالغ قلقه تجاه ما تشهده البلاد من اضطرابات وتحولات سياسية مخيفة: بدءا من حريق القاهرة، تلاه سقوط الملكية وهجرة الجاليات الأجنبية (التى كانت تشكّل معظم زبائنه). ثم الدخول فى أكتر من حرب لنصرة فلسطين. وأخيرا الإرهاب والتطرف الدينى الذى ضرب البلاد فى التسعينيات. لكن صدمته الحقيقية كانت فى حب المصريين للصور الملوّنة، قائلا: "عندما اكتشفوا الألوان، نسوا أن الأبيض والأسود هو أساس المهنة!. يرون أن الفن فى اللون، وهذا خطأ. 90% منهم مهتم بالألوان، غير مكترث بالمصور أو الصورة!". رغم استيائه مما آلت إليه الأوضاع وتباين الذوق العام، لم تراوده فكرة الهجرة من بلد لم يعرف غيره وطناً. أحب مصر وأحب تاريخها. فقد كان عمره ثلاث سنوات حين هربت أسرته من تركيا ووصلوا إلى ميناء الإسكندرية.

يلوّح للقطارات الراحلة دون أن يرحل. يترقب أسراب المهاجرين إلى منافيهم البعيدة وقلبه يعتصر آلما على فراقهم. كباخرة مثقوبة، لا يستطيع الإقلاع أو الغرق. يجمع بقايا الغيوم الحزينة وصور أسرته وأصدقائه عند أهرامات الجيزة، واستراحة مينا هاوس، وقلعة صلاح الدين، والإسكندرية. فهى كل ما تبقى له فى دنياه إلى أن توفى عام 2002.

أدرك ما فيها من الفتن، أخلص لآلة التصوير كعاشق مُفتتن. هناك أشخاص يبحثون عن أشياء داخل هذا العالم، لكن "ليو" كان يبحث عن أشياء خارجه. لذا، بدت صوره الفوتوغرافية أقرب إلى لوحات كلاسيكية. تزين بورتريهاته جدران "استوديو مترو" فى شارع فؤاد بوسط البلد، الذى اشتراه عام 1941 وحوّله إلى استوديو "فان ليو". كان أبرزها بورتريه الأديب يوسف السباعي، والزعيم جمال عبدالناصر، واللواء محمد نجيب، والملك فاروق، وعميد الأدب العربى طه حسين، الذى حضرت زوجته الفرنسية سوزان عزاء والدة "ليو". لم تقتصر صوره على السياسيين والأدباء وحدهم. يتسكع تحت أضواء المصابيح. حانة تطرده إلى حانة. تلتقط عدسته صوراً لراقصات من جميع دول العالم. 

إجادته للّعب بالإضاءة والظلال أضفت على أعماله صبغة هوليوود. فاكتسب صيتا عظيما وأصبح مصور النجوم. ترك لنا الفنان الأرمينى أرشيفا هائلا من الصور التى توثّق لتاريخ السينما فى مصر وفنانيها بتسريحات الشعر والأزياء التى تعكس موضة كل عصر. بينما كان رشدى أباظة هو أكثر من فاز بنصيب الأسد من عدسته، تجسدت وجاهة الأربعينيات فى بورتريهات كل من: فريد الأطرش، ومديحة يسري، وفاتن حمامة، وسامية جمال، ومريم فخرالدين. كما أبرز بساطة وأناقة الستينيات فى بورتريهات ماجدة الخطيب، وميرفت أمين التى أكد أن وجهها من أجمل الوجوه التى صوّرها، لأنه قابل للتصوير من جميع الزوايا. وقد تنبأ بموهبة شريهان الطفلة ذات العشر سنوات، فالتقط لها عدة صور بملابس مختلفة: 

الكاوبوى (راعى البقر)، وعسكرى المرور، وجلباب بدوية، وراقصة اسبانية.

فكرة التنكر كانت دائما تراوده، فعالمه أكبر من عالمنا وأوسع. وهو ما يفسر تصويره أكثر من 400 صورة شخصية لنفسه بأشكال مختلفة. فى هذا السياق، يقول: "كنت اقتنى مجلات وصوراً لممثلى هوليوود، وأدرس فيها بعض نواحى الاضاءة والديكور والملابس. كنت أنظر فى المرآة وأفعل ما يحلو لي. أضبط الاضاءة وأصور نفسى على سجيتي. بينما لا أملك هذه الحرية مع الزبون". أثبت "ليو" للجميع أن المصور يمكنه بالإضاءة وتعبيرات الوجه أن يغير من ملامحه تماما. لذا، لا تندهش حين تراه أقرع، أو سجين. وتارة طيّارا أو بحّارا. وتارة أخرى رومانيا أو إغريقيا. فخياله بلا حدود، مشبّع بالجنون والإبداع.

تغرق المدن وتتشكل فى الغياب. ترحل الأزمنة حتى تصير شذى عطر يفوح من صورة. أو من أغنية أو كتاب. وتبقى أعمال "فان ليو" خالدة. تترك فوق العشب ندى الخطوات. خطوات لوجوه رحلت عن عالمنا ومضت أصداؤها نحو كهوف الذكريات. 

الأهرام اليومي في

13.02.2015

 
 

طفولة بيضاء بين رعشة الحب الأول ... وجاذبية كارل ماركس

الدار البيضاء - مبارك حسني

نسخ أبيات شعرية وقراءتها من طرف طفل وإهداؤها للجارة الصبية التي كانت أول من عزف لحن الحب في نياط القلب المراهق، ﻹرضائها. النفخ في النقط (العلامات) المحصل عليها في المدرسة لتزويرها إرضاء للوالد الطموح الحالم. تلكم حالتان بريئتان تُجملان عالم طفل، وقد تُعدان مجرد شقاوة طفولة تُنسى مع التقدم في السن. لكنّ هناك مثيلاً لهذا العالم الصغير يأخذ أشكاﻻً أخرى أكثر جدية لدى الكبار والراشدين، عنوانه النفاق الاجتماعي بهدف الوصول إلى السلم الذاتي والهناء وراحة البال، وهو ما سيراه الطفل بعينيه حواليه في العائلة وفي المجتمع الكبير. الشيء الذي يجعل للحالتين معنى ودلالة.

نحن أمام سينما تقف عند زاوية رؤية طفل بقامته الصغيرة التي تتشعبط كي تفهم، وكي تساير وتعيش مثل الآخرين بوسائلها الخاصة في عالمها السري والمفتوح في الوقت ذاته. نحن بعيدون عن عالم الطفولة الداكن الذي يسكن الذاكرة واﻷحلام المقلقة التي ألفنا صُورها إلى حد اﻹشباع في أفلام المخرج القصيرة وفيلمه الطويل «البراق»، وحيث تتجلى ممتدة علاقة طفل بوالده، هي العلاقة الحقيقية للمخرج بأبيه التي يبدو أنه لم يستنفد مخزونها من اﻷثر القوي والعميق. إذاً، بعد التوظيف السيكولوجي الاستبطاني المُضبب بالكثير من المسكوت عنه، نجدنا هنا أمام ما تمنحه العلاقة من حكايات تلاق وتفارق، من انبهار والتباس خارجي. نتتبع طفولة منظوراً إليها من الخارج، من المحيط القريب، عبر سينما تُخرج عدستها من ﻻ نهائي الذاكرة المخيف نحو ﻻ نهائي حياة اﻵخرين من ذوي القربى. وهؤﻻء أفراد عائلة غير عادية في مجتمع محافظ ومناور يدور حول نفسه وعاداته في حي شعبي صاخب وحي ذات زمن بعيد ينذر بكل الارتباكات.

الحكايات التي تتقاطع

اﻷب شيخ بأحد المعنيين لدى المغاربة، غير المعنى الآخر الذي هو «كبير القبيلة»، «الشيخ» هنا مغنّ شعبي وعازف على الكمان ضمن فرقة شيوخ وراقصات يحيون حفلات أعراس وختان وما شابه. ولأننا إزاء سينما، سيفرد الشريط لكل شخص قصته التي ستتقاطع مع قصص حياة الآخرين أمام عيني الطفل، على رغم أن كل ذلك يظهر متعالياً عليه في حقيقة الأمر، وسيسعى المخرج كي يوقف الكاميرا في حدود ضآلة «طفله» الجسدية، إنه المخرج الذي كان الطفل نفسه في مرحلة سبعينية غابرة. وما أصعب تفادي مطبات توظيف السيرة الذاتية، حين يتم هذا النزول كمسافة يجب قطعها، وليس النزول كغوص من دون مقاييس مضبوطة، وهو ما تعوّد المخرج إتقانه سابقاً. لكن القصد هنا هو الحكي من دون تأويل مواز خفي كما كان يفعل في سينما سابقة له. هي في جميع الأحوال تجربة جديدة تستحق التحليل الذي نحن بصدده، بخاصة سؤال التحقق السينمائي الذي بدا متصالحاً مع السينما بعامة حين تكتفي بتمرير صورها الحية مع هم التنويع وخلق المفاجآت والبحث عن التشويق.

فشرطي اﻹرضاء اللذين ذكرناهما في البداية جعلا الطفل يتحرك ويبحث ويؤسس لذاته وجوداً من الممارسات، وهذا الوجود هو ما سيحدد مستقبله ويشيد عالمه السينمائي المعروف. هناك الوالد الأمي أوﻻً الذي أوصاه بالتفوق في الدراسة، وجعله من دون أن يدري ذلك، يجد السند ويرتمي في حضن العم المتعلم المتشبع بتيارات اليسار الماركسي الممتزجة وقتذاك بمثالية متعالية مضمّخة بحب اﻷدب والشعر والفن بالشكل الذي ﻻ يمارسه الشيوخ في العائلة. هذا السند الذي سيستمد منه الطفل القدرة على الاختراق الصغير في عالم الحب الطفولي للجارة فوق السطوح. والحق أن هذه الفقرة من الشريط تمنح صدى وثائقياً لجيل بالكامل عاش الحكاية ذاتها، ومنه كاتب هذه السطور. فما أجلّ تلك العلاقة المفارقة الآتية من فوق بين رعشة الحب اﻷول وجاذبية ماركس.

وهناك الأم وحولها كل النساء اللواتي يمنحن الحسّية المغربية في بهاء الرقص الشعبي المرغوب - المرفوض، ونسيج العلاقات المتشابكة غير الصافية حيناً، والبريئة أحياناً أخرى من دون أي شعور بالندم أو الذنب. فقط كحيوات تعيش اللحظة وتحاول أن تكون سعيدة كيفما كانت الحال، وإن تعذر تحقيق ذلك قد تحزن وقد لا تأبه. وهذا المعطى هو الذي منح الفيلم مزيجه الدرامي والكوميدي. تماماً مثل باقي الشخوص الذكورية التي تخفي وتعلن طينتها وفق المواقف والظروف سواء كانت حقيقية أو ضمخها المخرج بمخياله. مثل حقيقة العازف الذي له قناعان، قناع الموظف الصارم وقناع الفنان، بخاصة حين يحضّ ابنه على النجاح في الحياة والمجتمع من طريق التعلم، في بوح لا واعٍ عن فشله هو الذي ليس سوى «شيخ»، من دون ذكر لصفة الفن الغائبة في القاموس الكلامي، على رغم أن ما يقوم به فن.

ولعبة الأقنعة هذه هي مبرر العمل وفكرته الأكبر. إن الفرقة ومحيطها ليستا سوى تصغير لباحة المجتمع الكبيرة. فحين يتظاهر أفراد الفرقة بالعمى كي يحيوا حفلات مخصصة للنساء فقط، نراهم يرتدون أقنعة كي يستمروا في العيش معولين على ما تستدره هذه الحفلات. وكذا المجتمع حين تغله خيارات سياسية واجتماعية واقتصادية معينة. فالفترة التي يتطرق إليها الشريط وهي السبعينات، من الفترات المفصلية الكبرى في التاريخ السياسي المعاصر للمغرب. في سنواتها الأولى حدث انقلابان عسكريان فاشلان سيكون لهما الأثر البليغ العميق على البلد. كما أن هذه السنوات هي مرحلة تكوين ملامح مغرب فني واجتماعي تتعارض فيه قوى يسار ويمين وتتجاذب في رحمه خيارات التحديث والمحافظة. ورمز الشيوخ العازفين والراقصين دال هنا، فقد كانوا يمثلون تلك المساحة من الهواء والتنفيس للأهواء، كما كانوا أحياناً وسيلة للإلهاء ومجابهة الفن المعارض حيت سيوظفون لإحياء الحفلات الرسمية في سنوات الثمانينات.

المخرج يستلهم من حياته الشخصية الطفولية كي يروي ذلك الزمان بحنينية قوية. حكايته بميزته هذه تمنحه القدرة على الشهادة من الجهة الأخرى، من داخل ما كان ينظر إليه بعين متناقضة، تود وتنفر في الوقت ذاته. وهو يفعل بأسلوب سلس وكلاسيكي متأثراً بالسينما الواقعية على ما يبدو، ومتأثراً أيضاً بمخاض النقاش الفني السينمائي المغربي الحائر ما بين هاجس الفن وهاجس الجمهور. بالتالي، فالكتابة هنا غير متوترة ولا مسكونة بالهواجس، بل تتقن فعل النقل والمحاكاة والنسخ وممارسة السرد.

سينما المغرب بين الفن والجمهور

الدار البيضاء - نور الدين محقق

لا يزال سؤال الإبداع الفني يطرح نفسه بحدة على السينما المغربية، ذلك أن هذه السينما حتى وهي تحقق مساراً متميزاً بالمقارنة بمثيلاتها في باقي البلدان العربية، لم تستطع بعد أن تصل إلى ما يريده منها عشاقها من نقاد سينمائيين ومهتمين «سينيفليين»، أولئك الذين تربوا على عشق سينما التأليف الفني القوي والبعد الفكري والرمزي الذي يتجاوز المعنى المباشر كي يصل إلى معنى المعنى. ما زال السؤال يطرح نفسه في الوسط الثقافي: هل استطاعت السينما المغربية التي راهن الوسط الثقافي عليها أن تبدع أفلاماً سينمائية جيدة شكلاً ومضموناً، محتوى وإخراجاً؟ أفلاماً جديرة بأن تمثل هذه السينما في مجال الإبداع الفني في شكل عام وفي المجال السينمائي داخل الوطن وخارجه في شكل خاص؟ تصعب الإجابة عن مثل هذا السؤال في شكل مباشر وحاسم، رغم أن هذه السينما قد حققت بالفعل تراكماً ملحوظاً، كما حققت بعض أفلامها تميزاً فنياً يستحق التشجيع.

لقد عرفت السينما المغربية وهي تنتج ما يتجاوز العشرين فيلماً في السنة بالنسبة للأفلام الطويلة وحدها، وقل أضعاف ذلك في ما يتعلق بالأفلام القصيرة، إشعاعاً قوياً في المجال الثقافي العام، وقد أثار هذا العدد من الأفلام السينمائية جدلاً في الصحافة المغربية وبين النقاد السينمائيين والمهتمين بالمجال السينمائي أنفسهم، فالبعض منهم اعتبر أن إنتاج هذا الكم من الأفلام السينمائية سنوياً هو إنجاز إيجابي في حد ذاته، لأنه بكل بساطة قد مكّن السينما المغربية من التواجد سواء في المهرجانات والملتقيات السينمائية الوطنية والقارية وحتى العالمية، في حين ذهب البعض الآخر إلى أن هذا التراكم لم يفد السينما المغربية في شيء، بل إنه ربما يكون قد أساء إليها من حيث الإبداعية، إذ شجع كثراً على خوض غمارها، وبالتالي أفقدها ما كانت تمتاز به من جدية في التعامل والبعد الرؤيوي في النظر إلى العالم .

وبالعودة إلى المتن السينمائي المغربي لاسيما في الآونة الأخيرة يظهر لنا جلياً أن السينما المغربية عرفت تحولاً أساسياً في مسارها، شمل مستوى الكم والكيف معاً على غرار باقي السينمات الفاعلة في العالم. فإذا كان هذا التراكم قد تحقق، فإنه بالفعل قد مكّن هذه السينما من التنويع في مواضيعها بحيث أصبحت تحتوي على مجموعة من الأفلام السينمائية التي يمكن أن ندخلها وفق القول المصري في خانة «الجمهور عايز كده»، وهي أفلام سينمائية استطاعت أن تجلب لمشاهدتها جمهوراً كبيراً همّه من السينما بالأساس يتجلى في أن تحقق له متعة الفرجة لا أكثر. كما أنها احتوت أيضاً على مجموعة أخرى من الأفلام السينمائية، التي حاولت الجمع بين الفرجة من جهة وطرح قضايا المجتمع بطريقة واضحة سلسة يفهمها الجميع من جهة أخرى، وهي بذلك - أي هذه الأفلام السينمائية- ظلت في مرحلة الوسط بين الاتجاهين، الاتجاه الشعبي البسيط والاتجاه الفني التأليفي. كما أن هذا التراكم في المقابل قد مكّن أيضاً أفلاماً سينمائية امتازت بقوتها الإبداعية وبتجريبيتها الفنية المركبة من الحضور كذلك داخل المشهد السينمائي المغربي. هذه الأفلام هي التي استطاعت أن تقدم وجهاً مشرقاً للسينما المغربية في المهرجانات السينمائية العالمية بحيث تمكنت من الحصول على بعض الجوائز فيها والإشادة بها. وهو أمر إيجابي ومهم ويدعو إلى التفاؤل. وقد حرص النقد السينمائي المغربي على متابعة هذه الأفلام السينمائية المتميزة والتنويه بها وتخصيص أيام سينمائية لدراستها، وتخصيص كتب لمخرجيها، كما دأبت على إنجاز ذلك الجمعية المغربية لنقاد السينما على سبيل المثال.

إن هذا التنوع الذي أصبحت تعرفه السينما المغربية هو ما جعل منها سينما حية وفاعلة في تربة الثقافة المغربية وبالتالي فاعلة في تربة المجتمع أيضاً. فكثيرة هي الأفلام السينمائية المغربية التي استطاعت أن تثير نقاشاً قوياً سواء حول المضامين الاجتماعية التي تطرقت إليها أو حول كيفية تناول هذه المواضيع وتقديمها في إطار فني إما يتميز بالبساطة والسهولة أو يمتاز بالكثافة والعمق.

إن السينما المغربية من خلال كثير من مبدعيها المتميزين، لاسيما من الجيل السينمائي الجديد الذي برهن على وعيه السينمائي المتقدم وعلى عمق ثقافته السينمائية، مطالبة اليوم بأن تسير خطوات كبرى في مسارها الفني بغية الوصول إلى تحقيق أفلام سينمائية قوية فنياً، لكنها أيضاً وفي مقابل ذلك تكون قادرة على أن تصل إلى عموم المشاهدين على اختلاف مشاربهم الثقافية ومستوياتهم الفكرية، كما هي الحال مثلاً مع الأفلام السينمائية العالمية التي نجحت في تحقيق هذه المعادلة الفنية التي لم تعد صعبة على ذوي الاحتراف السينمائي الحقيقي.

الفيلم الثاني للمخرج زانغ ييمو عن «الثورة الثقافية»:

في متحف الألم الصيني!

أمستردام - محمد موسى

مرة أخرى يعود المُخرج الصيني المعرُوف «زانغ ييمو» في فيلمه الأخير «العودة إلى البيت»، والذي عُرض في دورة مهرجان كان السينمائي الأخيرة ليصل أخيراً إلى الصالات الأوروبية، إلى تاريخ بلده الحديث، وبالتحديد إلى حقبة «الثورة الثقافية»، التي أطبقت ككابوس على البلاد الشيوعية طوال عقد الستينات من القرن الماضي وحتى مطلع السبعينات منه. فالمخرج كان قد مرَّ قبل خمسة أعوام على محطة التاريخ المُوجعة تلك، في فيلمه «تحت شجرة الزعرور». وإذا كانت الثورة الشيوعية على المثقفين والمتعلمين تلك، قد شكلت ما يُشبه الخلفية النفسيّة، لقصة الحب العذبة والمأسوية في الفيلم السابق، فهي في «العودة إلى البيت»، أكثر حضوراً وجَسامة، وتبدو مفاعيلها متواصلة ومُدمرة، حتى بعد سنوات عدة من نهاية الاستبداد الذي مارسته السلطات وقتها، ليبدو الزمن في الفيلم، وكأنه توقف لفداحة ما وقع. والضحايا غير قادرين على مُواصلة حياتهم أو تلمس طريقهم نحو المستقبل.

أزمة الذكر الغائب

تُشبه البطلة وابنتها في فيلم «العودة إلى البيت»، المرأة وابنتها الشابة في الفيلم السابق. هما أيضاً في أزمة بسبب غياب الزوج - الأب، الذي زُج في معسكرات العمل الشاقة البعيدة. يبدأ الفيلم الجديد بمشاهد مشحونة بتوتر وإثارة كبيرتين، فالأب هرب للتو من معسكر العمل، والسلطات تطارده إلى بيته. تكشف تلك المشاهد في ما تكشف عن أزمة جيل الأبناء، فهم في صراع بين ولائهم العائلي، وتأثرهم وإلى حدود الاستلاب بالقيم الشيوعية الثورية الحماسية، التي صورت الآباء بأنهم حفنة خطرة وأنانية من البرجوازيين. والحال إن بطلة فيلم «العودة إلى البيت» الشابة، تواجهها الظروف ذاتها التي واجهت بطلة الفيلم السابق. إذ كان يتوجب على الأخيرة التخلي عن حبيبها، حتى تصل إلى وظيفة المُعلمة، والتي أصبحت شاقة بسبب سيرة الأب السياسية. في حين تتعرض الابنة الشابة في «العودة إلى البيت» إلى ابتزاز السلطات، فمُستقبلها كراقصة سيكون مشروطاً بالتعاون، وعليها أن تقرر بين «الأب» وبين حياتها الخاصة.

بعد البداية القانطة تلك، يقفز الفيلم إلى زمن ما في المستقبل (ربما في منتصف السبعينات من القرن الماضي). فالأب، الأستاذ الجامعي المُثقف، والذي أطلق سراحه للتو، يعود إلى المدينة الصغيرة التي تعيش فيها زوجته وابنته. لن تتعرف البطلة إلى زوجها، فهي تعرضت قبل سنوات إلى أزمات نفسية عدة، عبثت بذاكرتها. صحيح أنها ما زالت تنتظر الزوج، لكنها لن تعرفه عندما يقف أمامها. ما يتبع، هو محاولات الزوج في مساعدة زوجته لاجتياز أزمتها. عندها يتحول الفيلم، وفي جزء كبير منه، إلى فيلم عائلي خاص، عن أسرة صغيرة تحاول أن تجد طريقها بعد المأساة التي أصابتها. كما ستغلب العاطفية الشديدة وحميمية خاصة على كثير من وقت الفيلم. فالزوج سيجد طريقاً ليكون قريباً من زوجته، إذ سيقنعها بأنه ساعي بريد، وسيقرأ لها الرسائل التي كتبها لها طوال سنوات حبسه، كما سيرافقها في مشاهد عظيمة الحزن، إلى محطة القطار الصغيرة في البلد، بانتظار الزوج الغائب.

في مُجملها، لا يمكن تصنيف معالجة المُخرج للأحداث التاريخية في فيلمه بالإشكاليّة أو المُحرضة. ليس لأنه عانى من سطوة النص الأدبي الذي يستند إليه الفيلم («العودة إلى البيت» والفيلم الآخر مأخوذان عن عملين أدبيين معروفين)، بل إن المعالجة بدت جزءاً من رؤية خاصة للمخرج في مقاربة ماضي بلده (وكحال عمله الآخر أيضاً). فهو يتجه شكلياً مثلاً، عبر الألوان الشاحبة للفيلم والديكور الداخلي الذي يشبه بناء المسارح، إلى أسلبة واضحة مقصودة لذلك «الماضي»، حتى يكاد هذا الأخير أن يفقد علاقته الديالكتيكية مع الحاضر، ليقترب الفيلم من أن يكون عملاً فنيّاً خاصاً في «متحف» افتراضي للألم الصيني. كما بدت الصين في الفيلم، بعيدة كثيراً عن «الصين» المعاصرة. هناك مشهد وحيد، يحاول أن ينطلق من الماضي لمحاسبة الحاضر، عندما يتجه الأب البطل، إلى بيت رجل بيت الأمن الذي وشى به، ليجد هذا الأخير، يعيش بؤساً، لا يفرق كثيراً، عن الذي يعيش فيه ضحاياه.

فوق مستوى الأسلبة

وحده الأداء المُذهل للممثلة غونغ لي، التي لعبت دور الأُمّ، هو الذي يعلو فوق الأسلبة ويربط بين الفترات التاريخية ويمنح الفيلم النفس الإنساني المُلحّ. يتدرج الأداء الرائع للمُمثلة، من التصميم والعزيمة في المشاهد الافتتاحية للفيلم، ويقينها الذي لم يتأثر بنبل زوجها ولوعتها من محنته، إلى شرودها الغامض، في التيه الذي انسحبت إليه روحها، بعد أن فقدت ذاكرتها، ليكون حبها لزوجها، العاطفة الوحيدة التي تعيدها إلى ذاتها الأصلية. ويصل أداء الممثلة إلى ذرواته في مشاهد انتظارها في المحطة لزوج لن يصل أبداً، والتي ستكرر عدة مرات في زمن الفيلم، حاملة كل مرة ألماً عظيماً، وترميزاً قاسياً، عن الحياة التي انتهت لكثيرين بعد أن هشمتها قسوة ديكتاتوريات.

عبد الحي أديب بين الكلاسيكيّة والحداثة

القاهرة – هيام الدهبي

«رحلة نصف قرن من السينما، عاصرها عبدالحي أديب منذ انطلاقه مهنياً في العام 1958، فعايش المناخات السينمائية كافة، وزامل نجوم ومعلمي وأساتذة الفن السابع في جميع المستويات المهنية والحرفية والأداء التمثيلي، وكذلك التحولات الاجتماعية والسياسية التي صاحبت السنوات الطويلة قي الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين».

هكذا وصف الكاتب والناقد السينمائي إبراهيم الدسوقي - في كتابه «عبد الحي أديب بين الكلاسيكية والحداثة»، الذي صدر حديثاً ضمن سلسلة آفاق السينما عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، ويقع في تسعة فصول- السيناريست والكاتب عبد الحي أديب (1928-2007). فبقدر ما كانت الكتابة السينمائية هي الشغل الشاغل لأديب خلال سنوات التحوّلات الفكرية والمتغيرات السياسية من حوله، إلا أنه قدّم نفسه خلال كل فترة طرحها ما يغوص فيه المجتمع من حوله.

أديب هذا الرجل الذي وصل إلى محطة السينما المصرية كي يكتب القصة أو السيناريو أو الحوار، جاء وسط كوكبة من نجوم هذا الحقل: يوسف جوهر – أبو السعود الإبياري – علي الزرقاني – نجيب محفوظ – السيد بدير، لكنه مع ذلك، صنع لنفسه شكلاً وإيقاعاً مميزين وخاصّين به، وانعكست أفكاره عبر النصوص السينمائية التي شكّلت سينما عبد الحي أديب وتميّزها بخاصة، بقدراته على اختيار عنصر المكان وانعكاساته على الإنسان وسلوكياته والمحركات النفسية والإنسانية والحياتية – وفق رأي الكاتب. لقد كانت رحلة عبد الحي أديب طويلة منذ البداية وانطلاقه مهنياً 1958 وحتى الوفاة 2007.

مع البدايات، حاول أديب أن يؤكد تميّزه في ما يكتبه من نصوص فيلمية، بداية من الفكرة وشكلها، وصولاً الى أهمية المكان في عمله. «فالدراما عنده تعتمد على كيفية اختيار المكان -ملعب الأحداث- وعلاقته بالأشخاص ومدى تأثير وتأثّر المكان بالأفراد. وظهر هذا جلياً في فيلمه الأول «باب الحديد»، من إخراج يوسف شاهين». ويكمل الدسوقي: «إذن فإن أحد مفاتيح شخصية أديب لكتابة السيناريو، يكمن في قدرته على اختيار المكان الرئيس للأحداث ليدفع فيه أحداثه وشخصياته وعلاقاتها وصراعاتها عبر الزمن، ورصده مجتمعاً من الشرائح المهمّشة في قاع المدينة، كما صوّره في فيلمه «امرأة على الطريق»، من إخراج عز الدين ذو الفقار».

ويرى الدسوقي أن من الأمور المهمة في مسار أديب، قدرته الفائقة على إيجاد صيغة وأفكار متجددة فنية يمكن أن تخدم السينما بشكل عام، من دون حدود أو ضوابط، ومن دون أن تتطابق بالضرورة مع ما ينتج ويضخّ في قوالب السينما المصرية. فقد كانت القضايا الاجتماعية والهموم السياسية هي الشغل الشاغل في ما يطرحه أديب من أعمال سينمائية.

قدّم عبد الحي أديب خلال مسيرة حياته الفنية، حوالى مئة فيلم، منها 36 عملاً سينمائياً مع المخرج نيازي مصطفى (1958-1985)، أي على مدار 27 عاماً، وانتمت الأفلام الى نوعيات كثيرة ومختلفة ككاتب سيناريو فقط أو ككاتب سيناريو وحوار أو مضافاً إليهما القصة ذات المضامين المهمة على الصعيد الإنتاجي والفكري. غير أنه لم يبتعد كثيراً عن السينما التجارية، في أفلام حققت التوازن بين الصنعة ووضوح الهدف ولو بشكل بسيط أو عفوي، فكانت هناك مثلاً أفلام الحركة ذات الطابع البوليسي: «سواق نص الليل»، «سلطان»، «أبو حديد»، «النصاب»، «آخر فرصة»، «أنا الهارب»، و»المشاغب». أو أفلام الكوميديا والاستعراض: «سر طاقية الإخفاء»، «جوز مراتي»، «الساحرة الصغيرة»، «العريس يصل غداً»، وصولاً الى «عريس بنت الوزير»، «إنت اللي قتلت بابايا»، و»سفاح النساء». كذلك، هناك أفلام أخرى تحمل مضامين اجتماعية أو دراما نفسية، مثل «فضيحة في الزمالك»، «دماء على النيل»، «كنوز»، و»بلا رحمة». فضلاً عن أفلام تهدف إلى إيصال مضمون وطني وسياسي، مثل «سمراء سيناء»، و»الجاسوس»، و»فارس بني حمدان»، و»العميل77»، و»تل العقارب».

ولم يقدم عبد الحي أديب مع يوسف شاهين سوى فيلمين فقط، هما الناجح جداً «باب الحديد» 1958، والمنسيّ تماماً «نداء العشاق» 1960. كما قدّم فيلماً واحداً مع حسن الإمام، هو»لا تتركني وحدي» 1975، وتعاون مع غالبية المخرجين مثل عاطف سالم، الذي قدّم معه واحداً من أهم أفلامه وأشهرها «أم العروسة» 1963، وأشرف فهمي وبركات وكمال الشيخ وإيناس الدغيدي وغيرهم. وكان آخر ما قدّمه الى السينما، فيلماً من إخراج ابنه الأصغر عادل أديب، وإنتاج ابنه الأكبر عماد الدين أديب هو «ليلة البيبي دول» 2007.

ويلفت الدسوقي النظر إلى أنه لم يتمكّن من متابعة ورصد الأفلام التي قدّمها أديب الى السينما التركية.

ويختتم الناقد السينمائي إبراهيم الدسوقي قائلا: «هي إذاً اختيارات عبد الحي أديب المحبّبة إليه، والتي وجدها قريبة منه، نصاً وثقافةً وفناً، وتذوّقها وكانت لها النصيب الأوفر في إنتاجاته السينمائية التي شكّلت جزءاً من ملامح سينما عبد الحي عبر زمنه، شارك فيها مبدعاً ومجدداً للنصوص السينمائية – السيناريو – نقل فيه جزءاً من ذاته وإبداع مكوناته وتواجده داخل مساحة وحقبة وطنية، والبحث الدائم عن السينما التي يعشقها ويفرد لها كل وقته وأفكاره».

الحياة اللندنية في

13.02.2015

 
 

السينما المصرية مأزومة: زمن الأفلام منخفضة التكلفة

ساره ابراهيم

أقوال جاهزة

الأفلام المصرية الرديئة: تكلفة أقل وأرباح أكثر شاركغرد

الفيلم المصري الناجح الذي يحقق إيرادات تصل إلى $3.5 مليون مثلاً، لا يزيد نصيب المنتج منه على $1.67 مليوناً شاركغرد

الإنتاج السينمائي في مصر أصبح مغامرة غير محسوبة، كما يرى أصحاب “الكار” أنفسهم. إذ حين تغامر كي تسبق اسمك صفة “منتج سينمائي” تضع نفسك وأموالك في مبارزة غير متكافئة مع قراصنة الأفلام، خصوصاً أن أجهزة الدولة غائبة تماماً عن المراقبة وسنّ قانون يمنع التعدي على الملكية الفكرية. هذا بالإضافة إلى الظروف السياسية الصعبة التي تؤثر على ايرادات الأفلام، ومعوّقات الاستثمار التي تعتبر من أكبر العقبات أمام استئناف صناعة السينما المصرية انطلاقتها، وتحقيقها أرباحاً مرضية.

الفيلم المصري لا يزال يعاني من اختلال التوازن بين التكلفة والعائد، إذ يواجه ارتفاعاً مستمراً في تكاليف الانتاج مقابل انخفاض الإيرادات، ومن ثم انخفاض هامش ربحه. لهذا يلجأ بعض المنتجين إلى الأفلام المنخفضة التكلفة في محاولة لإنعاش جيوبهم بإيرادات “جمهور الدرجة التالتة”.

تؤكد غرفة صناعة السينما أن الفيلم الناجح الذي يحقق إيرادات تصل إلى 25 مليون جنيه (3.5 مليون دولار) مثلاً، لا يزيد نصيب المنتج منه على 12 مليوناً (1.67 مليون) إذ تحصل دور العرض على 50% من الإيرادات بالإضافة إلى 5% ضريبة مَلاهٍ.

سوق محدودة

في الأساس، يرجع انخفاض الإيرادات في السنوات الأخيرة بعد ثورة يناير لضيق السوق المحلية وتقلب الطلب الخارجي على الفيلم المصري وعدم استقراره، إذ تأثر سلباً جراء الظروف السياسية والاقتصادية وحالة السوق العربية التقليدية، بالإضافة إلى المنافسة التي يتعرض لها في الأسواق الخارجية من الفيلم الأجنبي عموماً، والأمريكي والهندي خصوصاً.

كيف تربح الأفلام المصرية؟

الربح عموماً يأتي من مصادر عدة، منها العروض في السينما وحقوق البث التلفزيوني والإعلانات، لكن يبقى أن الأرباح في شباك التذاكر هي المقياس الأساسي لتقييم نجاح أي فيلم.

قال نائب رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة السينما فاروق صبري لرصيف22 إن صناعة السينما تربح عندما يسود الاستقرار في دولة لا تعاني اضطرابات، لافتاً إلى أن المنتجين في مصر اتجهوا في الفترة الماضية لإنتاج أفلام قليلة التكلفة، لاعتبارات كثيرة منها أنها تغطي تكاليف إنتاجها، ولإقبال الفضائيات على شرائها أيضاً.

ورأى صبري أن توجيه الشكر واجب للشركات التي تنتج أفلاماً ذات تكلفة قليلة، وإن كانت رديئة، لأنها تحرك الصناعة، متمنياً أن تتحسن الأحوال الاقتصادية حتى “يصبح إنتاج الأفلام ذات التكلفة الضخمة ممكناً، ويضمن منتجوها أن يغطي السوق التكاليف”.

ولفت صبري إلى أن دخل الفيلم يتأثر أيضاً بإغلاق بعض الأسواق العربية في وجهه بسبب الحروب الدائرة فيها. وأوضح أن منتجي الأفلام يعانون من القنوات غير الشرعية التي تقرصن أفلامهم حاكمة بالإعدام على إيراداتها، لافتاً إلى أنه برغم إعلان مجلس الوزراء بعض القرارات لإيقاف تلك القنوات فإن العبرة تبقى في التنفيذ.

المنافسة الأمريكية والهندية شرسة

في المقابل، قال الكاتب الصحافي والناقد السينمائي طارق الشناوي إن استمرار عملية إنتاج الأفلام في مصر، دليل على أن شركات الإنتاج ما زالت تحقق أرباحاً مهمة، مشدداً على أن أحداً لا ينتج فيلماً دون النظر للأرباح.

وأضاف: “أرباح المنتجين لا تأتي من شباك السينما فقط، فالفضائيات فتحت لهم أبواباً جديدة لبيع أفلامهم”، لافتاً إلى أن انتشارها “أدى إلى توجه المنتجين نحو إنتاج أفلام ذات تكاليف قليلة لملء الفضائيات بها، وهذا النوع من الأفلام الرديئة أو التجارية معروفة في العالم كله، ويلعب دوراً في تشغيل الأيدي العاملة في المجال السينمائي”.

على أن “إيرادات الأفلام لا تذهب كلها لشركات الإنتاج، إذ تحصل دور العرض ومصلحة الضرائب على نسبة منها”، كما قالت الكاتبة والناقدة السينمائية ماجدة خير الله. فـ”لصانعي الأفلام وسائل كثيرة للحصول على أرباح من أفلامهم، إذ يتم عرض الفيلم في دور السينما أكثر من مرة، وبعد رفعه منها يباع للقنوات الفضائية بعقود تستمر سنوات عدة يتم تجديدها دورياً. يُذكر أن ورثة الفنان الراحل إسماعيل ياسين ما زالوا يحققون مكاسب من أفلامه إلى الآن، كما تباع تلك الأفلام لشركات الطيران وغيرها”.

تابعت خير الله: “حتى الأفلام المسروقة تحصل شركات الإنتاج على نسبة من الإعلانات عليها، مقابل عدم مقاضاة القنوات أو المواقع التي تعرضها”. وإذ أكّدت تأثير سرقة الأفلام على الإيرادات، شدّدت على ان الجمهور الذي يشاهد تلك الأفلام من طريق الانترنت ليس الجمهور الحقيقي للسينما، الذي يستمتع بمشاهدة الأفلام في دور العرض.

القرصنة ودور الدولة

أمّا المستشار الإعلامي للشركة العربية للإنتاج عبد الجليل حسن، فقال إن صناعة السينما في مصر تعاني مشكلات عدة تقف في طريق تحقيق شركات الإنتاج للأرباح، على رأسها قرصنة الفضائيات والمواقع الإلكترونية للأفلام، وغياب دور الدولة عن رعاية الصناعة منذ سنوات، وهذا ما جعل السينما تعتمد على جهود المستثمرين الذين نجحوا في إنتاج أفلام كبيرة مثل سهر الليالي العام 2003.

وأضاف حسن أن الفيلم الناجح يتطلب عناصر كثيرة، تبدأ من الموضوع والمخرج وجودة التصوير ولا تنتهي عند النجوم الذين يأتي الجمهور لمشاهدتهم، لافتاً إلى أن النجاح الجماهيري هو الفيصل في الحكم على نجاح الفيلم.

مع العلم أن الأفلام الرديئة التي تحقق إيرادات عالية، قد تكون في نظر حسن، ذات قيمة فنية منخفضة في ميزان النقّاد، لكن في النهاية لها قطاع عريض من الجمهور، خاصة في أوساط الشباب والحرفيين والأحياء الشعبية. فهؤلاء يدفعون ثمن التذكرة لمشاهدتها لأنها تعبر عنهم، بعيداً من المستوى الفني، وهذا ما يجعل رهان هذا النوع من الأفلام على الأرباح رهاناً صائباً دائماً.

وشدّد حسن على أنه ضد الهجوم على شركة السبكي للانتاج، بسبب نوعية الأفلام التي تقدمها الشركة. إذ: “كانت تقف وحيدة في ساحة الإنتاج السينمائي في الوقت الذي تراجعت الشركات كافة، وكان من الممكن أن تتوقف الصناعة تماماً لولاها، لأن أرباحها تعبر عن تلبيتها حاجات فئة كبيرة من الجمهور. وهي التي قدّمت عدداً من الأفلام التي تحولت علامة بارزة في السينما المصرية، مثل “الفرح” و”كباريه” و”ساعة ونص” وغيرها”.

وتابع حسن: “شركات الإنتاج كلها عانت خلال فترة ثورة يناير، واضطرت للاستغناء عن موظفيها أو خفض مرتباتهم إلى النصف، بسبب انحسار عدد جمهور السينما وتبعات الأزمة الاقتصادية العالمية التي أثرت على الصناعة كثيراً. غير أن سرقة الأفلام تعد أخطر التعديات على أرباح المنتجين، إذ هنالك قرابة 90 قناة تعرض الأفلام المصرية المسروقة، وهذا ما أغلق السوق العربية في وجه الأفلام المصرية”.

وبرأي المنتج حسين ماهر: “لو صنعت فيلم بتكلفة 10 ملايين جنيه تقريباً، بعد دفع  أموال السينمات والدعاية، فإن ما يجعلني أربح قليلاً هو بيع الأفلام إلى المحطات الفضائية، وفي السنوات الثلاث السابقة تعطل بيع الأفلام، وهذا ما دفع بعض المنتجين إلى الأفلام ذات التكلفة القليلة. فمحطات سرقة الأفلام دفعت المحطات الأخرى للامتناع عن الشراء”، واصفاً السرقة بأنها “قمة التسيب”، ومنتقداً عدم وجود رقابة ومحاسبة لتلك القنوات.

ورأى ماهر أن المنتجين يواجهون أزمة أخرى أيضاً تتمثل في التعامل بـ”الشيكات” لعدم قدرة صاحب المحطة على شراء الأفلام نقداً، وهذا ما يعطل حصول المنتجين على أموالهم.

على أن العراقيل لا تتوقف عند هذا الحد، ففي رأي حسن أن دور الدولة أساسي في تقويض صناعة السينما، وفي زيادة التكلفة على المنتجين. ويطالبها بأمرين أساسيين، الأول التخفيف من البيروقراطية المتجسدة بعرقلة إعطاء تصاريح للتصوير في كثير من المناطق كالمطارات والمتاحف والأهرامات، لافتاً إلى أن ساعة واحدة للتصوير في مكان كالمتحف المصري تحمّل المنتجين تكاليف كبيرة. أمّا الأمر الثاني، فيتمثل بمحاسبة مواقع وقنوات سرقة الأفلام، فـما دامت الدولة قادرة على إغلاق المواقع الإباحية، فلا شك أنها تستطيع منع عرض الأفلام المسروقة أيضاً.

موقع "رصيف22" في

13.02.2015

 
 

الجنس في السينما المصرية.. حُرٌّ ليوم واحد

أسامة فاروق

قال المؤلف والمخرج محمد دياب، أنه يؤيد قرار إلغاء الرقابة على الأفلام السينمائية. وهو القرار الذي أثار بلبلة في الفترة الأخيرة في مصر، إلا أنه عاد وأكّد أن إصدار مثل هذا القرار غير مناسب في الوقت الحالي؛ بسبب ما قد يُثار حول أن مصر دولة منحلة!

المؤلف والمخرج الذي شارك في ثورة 25 يناير وفاخر بصوره في الميدان وخرج في الفضائيات مدافعاً عن الثوار، يفترِض أن ثمة وقتاً مناسباً للمطالبة بالحرية، وأن إلغاء الرقابة يعني الانحلال! وهو ما يستدعي ضرورة مناقشة مفهوم الحرية نفسه لدى بعض المؤمنين بها.

من المعروف أنه في مناخ من التخويف ووجود خطر صريح أو ضمني أو حتى مختلق، تتراجع الحريات بكل أشكالها، وتأخذ السلطات غطاء منطقياً للتحكم فيها، لذا فإنها تحرص على استمراره، وادعاء أن للسلطات مبررها في إسكات من يعبرون عن آراء مختلفة، يشتمل أيضاً على افتراض خطير بالعصمة من الخطأ

وإذا أضيف لهذا المناخ نزوع مزيف للتديّن، فبالتأكيد يستحيل طرح قضية الحرية أصلاً، خاصة وأنها وفي منطقة كمنطقتنا العربية لا تستدعي إلا شيئاً واحداً: الجنس! وهو الملفت فعلاً في القضية وكأن كل حديث عن الرقابة هو بالضرورة حديث حول الجنس.

الأزمة الأخيرة بدأت فى لقاء الإعلامية، منى سلمان، على فضائية المحور مع عبد الستار فتحي، رئيس هيئة الرقابة على المصنفات الفنية في مصر، حيث تحمس الأخير وأعلن أنه اعتباراً من نيسان/أبريل المقبل، لن تقوم الرقابة بحذف أي مقاطع من الأفلام التي تعرض في شاشات السينما، سواء مصرية أو أجنبية، وسيتم الاكتفاء بـ"التصنيف العمري" للأعمال.

التصريح الملفت كان، بعد لحظات، الخبر الرئيس، في المواقع الفنية والإخبارية، خصوصاً بعدما قال إن الأفلام كلها ستعرض كاملة، ولن يتم حذف المشاهد الجنسية فيها كما لن يتم منع أي فيلم سوى الأفلام التي تدعو صراحة إلى الإلحاد أو الفجور.

مدير الرقابة، بالتأكيد، لم يكن يتوقع كل هذا الانتشار للحظته الحماسية، فبمجرد أن هاتَفته "المدن" في اليوم التالي للحصول على معلومات حول الأمر، خصوصاً أنه يثير الكثير من التساؤلات: فلماذا التركيز على الجنس وما الموقف بالنسبة إلى السياسة مثلاً؟ ولماذا شهر ابريل وليس الآن؟ وماذا سيكون عمل الرقابة بعد القرار؟ فأكد فتحي فوراً أن التصريحات المنسوبة إليه كلها غير حقيقة وأنه لم يكن يقصد هذا كله!

تراجُع مدير الرقابة كان متوقعاً، خصوصاً أن استقبال تصريحاته، بغض النظر عن أنها كانت على عكس المتوقع، تركز حول الجنس.

وربما كان ذلك هو السبب الأساسي في تراجعه عن موقفه، إذ توارت التصريحات المرحّبة والتى كانت كلها من الفنانين، لصالح هجوم كبير، ليس فقط من الجمهور العادي في مواقع التواصل، بل حتى من نجوم الفضائيات وبعض الشيوخ. إذ وصف الدكتور محمود مهني، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، تصريحات مدير الرقابة بـ"الكلام الفاسد"، وأضاف في تصريحات نقلها موقع "اليوم السابع" أن على الرقابة، أن تعود إلى عملها في أمّة عقيدتها الإسلام وتقاليدها العفة والاحترام والوقار، موضحًا أن تصنيف الأفلام لناحية العمر، قرار في غير موضعه لأن الكل ينظر إلى الأفلام والنظر إلى الأفلام العارية زنا! مستشهداً بـ"أن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه"، ووجّه مهني حديثه للرقيب فقال: "إعلم أيها المراقب أنك محاسب أمام الواحد الديان من أجل هذه الافتراءات على القيم والعادات والأعراف التي قال فيها القائل: أصون عرضى بمالي لا أدنّسه. لا بارك الله بعد العرض فى المال. احتال للمال إن أودى فأكسبه. ولست للعرض إن أودى بمحتال".

حديث الدكتور سعد الدين هلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وغيره من الشيوخ فى الإذاعات والفضائيات، لم يختلف كثيراً، إذ دارت التصريحات حول الفكرة نفسها، وأن على القائمين على الرقابة أن يقوموا بواجبهم المنوط بهم إذا كان القانون يعطيهم هذا الحق للحفاظ على الإنسان من الانحلال!

فى مصر، ليس للرقابة وحدها حق التدخل فى الأفلام، فهناك الرقابة المجتمعية، وحتى الحكومة، كما حدث مع فيلم هيفاء وهبي الأخير، عندما تدخل رئيس الوزراء شخصياً لمنعه من السينمات، ليحقق بعدها أعلى معدل تحميل من "يوتيوب".

وبالطبع الأزهر والكنيسة.. حيث لم يتوقف التدخل في محتوى الفيلم السينمائي عند حدود الإفتاء بتحريم تناول بعض الشخصيات، بل أصبح الأزهر أحدى الجهات التي تتحكم في جهاز الرقابة كما حدث مع فيلم "نوح" الذي أجازته الرقابة ولم يعرض بعدما رفضه الأزهر، والأمر نفسه مع الفيلم الأميركي الشهير"الخروج: آلهة وملوك".

الرقابة في الماضي ربما كانت أكثر وضوحاً، فقانونها الذي وضعته وزارة الشؤون الاجتماعية العام 1947 إبان الحكم الملكي، كان لا يسمح للفنان بعرض المواضيع التي تحتوي على أفكار ضد نظام الملكية أو التي ترسخ لعدالة اجتماعية، ولا يجوز إظهار المشاهد التي تدعو إلى الثورات أو الإضرابات ويجب إظهار رجال الدولة بشكل لائق وخصوصاً رجال الشرطة والجيش وعدم تحقير أي طائفة منهم، ولا يجوز التعرض لأنظمة الجيش أو الشرطة أو تناول رجاله بالنقد.

وبعد ثورة 1952 إلحقت سلطة الرقابة على الأفلام بوزارة الداخلية، كإعلان صريح عن الجهة التي تديره فعليا منذ تأسيسه، لكن الآن وحتى بعد إلحاق جهاز الرقابة بوزارة الثقافة، توالت عمليات المنع لأسباب غريبة وتافهة وغير مفهومة أحياناً، وكلها مؤشرات على أن الجهاز رغم تبعيته للثقافة، إلا أنه ما زال للأسف يدار بالعقلية الأمنية نفسها.

المدن الإلكترونية في

13.02.2015

 
 

«ابن النيل» الملقب بـ «عاشق القرآن»

شكري سرحان.. ممثل القرن العشرين

سعيد ياسين (القاهرة)

شكري سرحان.. واحد من أفضل ممثلي السينما العربية، استطاع بمهارة شهد بها الجميع تقديم مختلف الشخصيات، منها الفتى الوسيم والمتمرد والخائن والسجين الهارب والمغلوب على أمره، وتنوعت أعماله بين الدينية والتاريخية والوطنية والاجتماعية والرومانسية والكوميدية والاستعراضية.

وأختير أفضل ممثل في القرن العشرين متفوقاً على أبناء جيله والأجيال التالية، باعتباره صاحب أعلى رصيد من قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما بعدد 15 فيلماً بين بطولة مطلقة وجماعية.، وامتلك قدرة هائلة على التقمص والذوبان في الشخصية التي يجسدها، ومرونة لا نهائية في التعامل مع مدارس إخراجية مختلفة، وحالفه التوفيق في التعاون مع كبار الكتاب والأدباء.

اهتمام إعلامي

ويرى كثيرون أنه لم يحظ بالاهتمام الإعلامي مقارنة بأفلامه العظيمة، ويرجع من عاصروه ابتعاده عن الأضواء لتدينه الفطري وطبيعته الريفية وتواضعه الشديد، وإخلاصه لمهنته، واكتفائه بعدما بلغ الخمسين بالمسلسلات الاجتماعية والدينية.

ولد شكري سرحان في إحدى قرى محافظة الشرقية في 13 مارس 1925، وكان الأخ الأوسط لشقيقين عملا في التمثيل، الأكبر «صلاح» الذي ابتعد سريعاً بعدما قدم شخصية الأخ الشرير في فيلم «الشموع السوداء»، والأصغر «سامي» الذي اشتهر بأدواره الثانوية، وانتقل في صباه مع أسرته للقاهرة، واستهواه الفن أثناء دراسته بمدرسة الإبراهيمية، وقرر لاحقاً دراسته في معهد التمثيل الذي تخرج فيه عام 1947، وكان الأول على دفعته التي ضمت فريد شوقي وصلاح منصور ونبيل الألفي وعبدالرحيم الزرقاني.

وبدأ مشواره أثناء دراسته في المعهد، حيث شارك بأدوار صغيرة في أفلام «جنة ونار» و«نادية» و«كرسي الاعتراف» إلى أن أسند له المخرج حسين فوزي عام 1949 دور البطولة في فيلم «لهاليبو» أمام نعيمة عاكف.

فتى الشاشة

ومنحه يوسف شاهين في عام 1951 فرصة كبيرة لتغيير جلده الفني من خلال فيلم «ابن النيل» أمام فاتن حمامة، وأصبح بعده فتى الشاشة الأول والبطل المطلق أمام نجمات عصره، وظل خلال الخمسينيات والستينيات بمثابة فرس الرهان لجميع المخرجين الكبار بلا استثناء. ومثلما برع في تجسيد شخصية الريفي في «ابن النيل» و«الزوجة الثانية» و«شباب امرأة» و«النداهة» برع في نماذج أخرى منها «البوسطجي»، والضابط الوطني في «رد قلبي» واللص في «اللص والكلاب» والقاسي في «عودة الابن الضال» والحبيب الكهل في «ليلة القبض على فاطمة» والطبيب العائد من الخارج في «قنديل أم هاشم».

وقدم العديد من المسرحيات منها «ياسين ولدي» و«أولاد الشوارع» و«السيرك» و«رجال الله»، كما شارك في بطولة العديد من المسلسلات، ومنها «الكعبة المشرفة» الذي جسد فيه شخصية «عبدالمطلب» جد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقدم شخصية «أبي طالب» في «على هامش السيرة»، والجزأين الأول والثاني من «القضاء في الإسلام»، والجزأين الأول والثاني من «محمد رسول الله»، و«دموع الشموع» و«ينابيع النهر» و«المشربية» و«رفاعة الطهطاوي».

وتزوج مرتين الأولى من الراقصة المعتزلة هيرمين، والثانية من سيدة من خارج الوسط الفني هي «ناريمان عوف» التي أنجبت ولديه «صلاح» الذي مارس الفن لفترة مؤقتة، و«يحيى» الذي يعمل سفيراً للنوايا الحسنة.

تقدير

وحصل خلال مشواره على العديد من الجوائز وشهادات التقدير ومنها وسام الدولة من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وجائزة أفضل ممثل عن أدواره في أفلام «شباب امرأة» الذي كشف عن نجوميته، و«اللص والكلاب» و«الزوجة الثانية» الذي جسد آلام الفقراء، و«النداهة» و«ليلة القبض على فاطمة» وغيرها، وأفضل ممثل من المهرجان الآسيوي الأفريقي عن دوره في «قيس وليلى» الذي قدمه عام 1960، وجسد فيه واحداً من أروع أدواره وهو شخصية الشاعر «قيس بن الملوح»، وكرم من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 1996 عن مجمل مشواره في سباق مئوية السينما، علماً بأنه كان اعتزل طواعية بداية من 1991 وحتى رحيله في 19 مارس 1997، وقضى سنواته الأخيرة في التعبد وقراءة القرآن لدرجة أنه لقب بـ «عاشق القرآن».

الإتحاد الإماراتية في

13.02.2015

 
 

"نوافذ" يكرم سلوى محمد على و صبرى فواز

بقلم: منى شديد

يكرم مشروع نوافذ لنوادي السينما الفنانة سلوى محمد على مساء اليوم فى مركز شباب روض الفرج فى اول نادى سينما ينظمه المشروع فى روض الفرج بعد إطلاقه فى أسوان فى بداية الشهر الجارى بحضور رئيسة المشروع الفنانة ليلى علوى.

ويعرض نوافذ فى مركز شباب روض الفرج عددا من الافلام القصيرة والطويلة، للأطفال والكبار ومنها "سي السيد الديك" و"حواس" للمخرج الراحل محمد رمضان الذى توفى العام الماضى فى سانت كاترين، وفيلم "لامؤاخذه" للمخرج عمرو سلامة وبطولة كندة علوش وهاني عادل واحمد داش والراوى احمد حلمى ، بالاضافة الى عرض مجموعة افلام لشارلي شابلن.

وينظم نوافذ ليلة اخرى لنادى السينما فى مركز شباب امبابة مساء السبت المقبل بعروض افلام وورش تفاعلية، حيث يعرض فيلم "كف القمر" بطولة الفنان الراحل خالد صالح وحسن الرواد وصبري فواز ووفاء عامر واخراج خالد يوسف، ويصاحبه تكريم الفنان صبرى فواز عن مجمل أعماله وإهدائه درع نوافذ.

كما يعرض فيلم "العفو" من رواندا الحاصل على جائزة افضل فيلم روائى طويل فى الدورة الثالثة لمهرجان الاقصر للسينما الافريقية .

وقالت عزة الحسينى مدير المشروع انه يهتم بالوصول للناس فى المناطق المهمشة المحرومة من الفن.

يقام مشروع نوافذ بدعم من وزارة الشباب و الرياضة و اشراف الدكتور امل جمال و مكتب الشباب الافريقى و نقابة المهن السينمائية و ينظمه مهرجان الاقصر للسينما الافريقية ومؤسسة شباب الفنانين المستقلين. 

الأهرام المسائي في

13.02.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)