كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

مسعود أمرالله:

رهاننا على تقديم المغاير في السينما

د. أمـل الجمل – دبي

 

هو المؤسّس الحقيقي للحركة السينمائية الشبابية بالإمارات العربية المتحدة، وحجر الأساس في مهرجاني دبي والخليج السينمائيين، وكُثر يعتبرونه الأب الروحي للسينمائيين الإماراتيين، فهو من بادر وأطلق مسابقة أفلام من الإمارات في المجمع الثقافي – أبو ظبي 2001، ومع تلك المسابقة بدأت حكاية سينمائية، ظل هو، ولايزال، طوال رحلتها وعبر نسج تفاصيلها لا يبخل عن بذل جهوده الدؤوبة لتأسيس وترسيخ تلك النواة السينمائية الخليجية الواعدة، تلك السينما التي يصعب الحكي عنها من دون ذكر اسمه.

إنه مسعود أمر الله المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي، درس الإعلام ثم السينما بأكاديمية نيويورك، مارس الكتابة الصحفية والنقدية، كتب الشعر وأخرج للسينما مجموعة من الأعمال منها "الرمرام"، ولايزال لديه أربعة مشاريع قيد التنفيذ بعضها لا ينقصه سوى المونتاج. منذ أيام قليلة انتهت الدورة الحادية عشرة لمهرجان دبي السينمائي وعُقدت مقارنات بينها وبين سابقتها التي حفلت بأفلام عديدة لافتة رُشح منها على الأقل سبعة أفلام عالمية للأوسكار، ومن بينها أيضاً ثلاثة أفلام عربية رشحت لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، بينما هذه الدورة أثير بشأنها أحاديث عن مستوى الأفلام، وإعادة هيكلة المهرجان سواء من خلال إلغاء مسابقة المهر الآسيوي الإفريقي أو تقليل عدد الأفلام من 174 إلى 118 فيلم فقط، وإلغاء بعض الجوائز الأساسية أيضاً، وفي حوار أجرته معه الجزيرة الوثائقية تطرّق الحديث إلى الاختلاف بين رؤيته ودوره كمدير فني للمهرجان وبين نظيريهما عند النقاد قائلاً: "نحن دورنا مختلف عن دور الناقد، فواجبنا تقديم الإنتاج العربي في هذا العام، هناك بعض الأعوام يكون الإنتاج مرتفع المستوى وغزير وهناك أعوام يكون الإنتاج أقل، لكننا نقدّم كمّ هائل من الأفلام العربية المنتقاة بدقة والتي تعطي فكرة واسعة عن اتجاهات مختلفة في السينما العربية، ربما فيلمين أو ثلاثة كنا نريد الحصول عليهم لكنهم راحوا لمهرجان آخر، فهذه الأفلام الثلاثة ليست كل السوق، نحن نشاهد الطويل والقصير، وأعتقد أن الأفلام التي قدمناها في المهرجان كانت رهان على تقديم شيء مغاير في السينما العربية، وربما كنا نميل في السنوات الأخيرة لتقديم نوعية الأفلام التي تنحو إلى التجريب في السينما، فهذه النوعية تقبُّلها صعب، هذه الدورة بالذات هناك خلل في مكان ما في تفسير الأفلام، وفي إعطاء الحق والشرعية لأفلام مغايرة أن تكون موجودة."

·        الخلل من قِبل النقاد، وتحليلهم للأفلام؟

مسعود: نعم.. ومن قبل المتذوقين للسينما في مكان ما، والذين هم بالدرجة الأولى يقولون أنهم "سينيفيليين"، فعلا هناك غرابة شديدة، أنك تراهن على سينما مختلفة وعلى طرح مغاير، لكنهم يريدون أن يعيدوك إلى نقطة مباشرة الأشياء، وإلى الفيلم الذي يحكي لك حدوتة.

·        مثلاً؟ 

مسعود: مثلاً فيلم "راني ميت" للمخرج الجزائري ياسين محمد بن الحاج.. 

·        لأن عرضه شهد خروج جماعي للجمهور والنقاد من صالة العرض ؟

مسعود: هذا الخروج الجماعي لا أدري بماذا أسميه في عالم السينما؟

·        ربما نلتمس العذر للجمهور لكن بالطبع لن نعفي الناقد المحترف، لأن دوره حتى لو كان غير معجب بالتجربة فعليه أن يشاهدها حتى النهاية لتقييمها

مسعود: بالتأكيد، حتى تستطيع في النهاية أن تعطي تقييمك الحقيقي للفيلم، لكن أن تخرج بعد 15 أو 16 دقيقة من الفيلم، وبعد هذا تقول، ما هذه الأفلام، أو أن تصف الأفلام بأنها ضعيفة، أنا لا أدري كيف يتمكن الناقد بعد 15 دقيقة من أن يُصبح فوق الفيلم. هذه فوقية في النظرة، وعدم إعطاء المبدع أو صاحب العمل حتى الفرصة لإبراز عمله، وهذا بالنسبة لي كان صادماً، معقول؟؟!! إنه حتى لم يمنح الفرصة لصانع العمل لكي ينطق أو يتكلم أو يشرح فيلمه أو يكشف كيف بناه، وبعد ذلك في النهاية يكون حر في تقييم الفيلم. واجبي أن أقدم فيلم تجريبي خالص مثل "راني ميت" أو سواء مثل الفيلم الكلاسيكي الشكل والمنحى مثل "بتوقيت القاهرة"، أو الوسط ما بين الكلاسيكي والتجريبي كما "في البحر من ورائكم"، واجبي أن أقدم هذه الشرائح المختلفة، والكوميدي مثل "عبود كنديشن"، و"دلافين" الذي يُمثل تجربة تنتج لأول مرة في الخليج، والتي تأخذ منحى صعب وبطيء ومركب، وهو أيضاً كان نوع من السينما الذي شعرت بأن النقاد لم يتقبلوه، وكذلك فيلم الإماراتي علي مصطفي "من الألف  إلى الياء" الذي افتتح مهرجان أبو ظبي لكن أيضاً قدمناه لأنه أخذ منحى للجمهور الواسع الذي يأخذ التوجه الدولي ففيه الممثلين من دول مختلفة والإنتاج مشترك، أو الوثائقي "سماء قريبة" لنجوم الغانم، إذن هناك أربع أشكال مختلفة من السينما الإماراتية، وعلى الناقد والمتفرج والمتذوق أن يختار، وعليه أيضاً أن يتابع، يعني لو لم أقدم هذا الفيلم سوف يسألني أحدهم لماذا هذا الفيلم غير موجود؟

·        هل أزعجك النقد القاسي لتجارب شباب السينمائيين بالإمارات؟

مسعود: النقد القاسي على كل الأفلام. عندما أقول أن الناقد أصبح أهم من الفيلم فهنا تكون الإشكالية، هذا الناقد الوحيد الذي يمتلك ثقافة عبقرية يحكم على الإماراتي والمغربي والفلسطيني والأرجنتيني والقصير والطويل، هذا الناقد العبقري الذي بحكمه يصادر على كل شيء آخر أعترف أنني لدي إشكالية معه وليس مع الأفلام، لأني غير قادر على تخيل أنه على اطلاع واسع بحيث يفهم مشكلة في موزمبيق أو اليابان ثم يخرج الفيلم من سياقه ويتكلم عن رأيه الشخصي.. أنا أتساءل كيف تنظر إلى الفيلم؟ وللأسف هناك كثير من النقاد عند ذهابهم للفيلم  العربي يذهبون بمفهوم الناقد، وعند ذهابهم للفيلم الأجنبي يحدث ذلك بمفهوم المشاهد، وهذه إشكالية لأنه مع الفيلم العربي يذهب وعينه مفتوحة على النقد، وعينه مدربة على التقاط العيوب وانتقاص الفيلم قبل أن يذهب إليه. ليست كل الأفلام بالطبع ولا كل النقاد أيضاً.. لكن هذه النوعية من النقاد أنا عندي إشكالية معها

نوعية من النقاد لا تنظر للفيلم كفيلم ثم تتشربه وتكتب عنه، وليس هناك أي مشكلة في ألا يعجبك الفيلم، لأنه في الأساس النقد بناء للفيلم.. لكن حينما يتحول النقد للهدم فهو لا يعرف أسس البناء من الهدم.. لو كنت حريص على هذا العمل وعلى هذا الطالب إما ألا تكتب وإما أن تكتب وتبين بواطنه الإيجابية والسلبية.. لكن لماذا تتعرض للشتيمة، وأنا أنتظر في يوم ما من هذا الناقد العبقري أن يصنع فيلمه لأن السكاكين ستكون كثيرة فوق رقبته.

·        الناقد ليس دوره صناعة الأفلام.. هل هذا أسلوب لإسكات الناقد؟

مسعود: لا.. لكن حينما يحكم على كل الأفلام يصبح عبقري! أنا شخصيا لا أمتلك القدرة للحكم على كل شيء. لا أمتلك القدرة على الحكم على فيلم فيزيائي، أنا لست موسوعة، اجتهد واقرأ، وإذا كان لدى الناقد إيمان بأن الفيلم له قواعد فأنا أيضا عندي إيمان أن لدى النقاد قواعد، فليس من المنطقي أن يطالب الفيلم وصانعه بوجود قواعد بينما هو لا يتبع أي قواعد أو أسس في نقده. ببساطة كيف تنظر إلى الفيلم بعين مفتوحة؟ كل الأفلام في المهرجان لم تعجبك؟ لن أعترض، لكن أخبرني بمنطقك، لأنه إذا كتبت عن الفيلم الذي أعجبك ستضيف إلى الفيلم وتضيف إليك، لكن عندما يكون النقد ملخصات الأفلام، أو كتابات تهديمية فهذا ليس نقد. لذلك لا أرى هناك قسوة أو غيره.

·        يبدو أن مشاكل النقاد كثيرة هذا العام ..

مسعود: ليست مشاكل النقاد، لكن بصفة عامة.. أنا كتبت نقد للأفلام، وأذهب إلى المهرجانات وأكتب عن بعضها ولكن لا أقول عن نفسي ناقد. أنا أكتب عن الأفلام بحُبّ. كل ما أريد أن أقوله أنت تريد أن تلتقط في الفيلم ما هو جيد أو غير جيد، فلتلتقط وتعطيه للآخر. امنحه بعض الوقت للتفكير فبعض هذه الأفلام لم يستغرق فقط خمسة أو ستة أشهر ولكن بعضها استغرق خمسة سنوات.. إذن حينما أشاهد أربع أو خمس أفلام في اليوم كيف أكتب ليلاً وقد نسيت أو حدث لدي خلط بين أبطال الأفلام؟ هل مشاهدة واحدة فقط تجعلني قادر على الكتابة عن خمسة أفلام والله وحده أعلم كم كنت مجهد وكم دقيقة ذهني شرد أثناء العرض، ومع ذلك لازلت قادرا على منحه حكم مطلق.. طبعاً هذه إشكالية وقعت فيها المهرجانات.

·        هل فراغ بعض الصالات من الجمهور في العام الماضي كان السبب في تخفيض عدد الأفلام هذا العام الى 118 فيلم في مقابل 174 في العام الماضي؟ 

مسعود: نعم..

·        أثناء حوارنا معك في العام الماضي أشرنا إلى أن أفلام مسابقة المهر الآسيوي الإفريقي ـ والتي تم إلغاؤها هذا العام ـ لم تكن تحظي بالاهتمام الإعلامي أو الجماهيري بعكس ما يحدث مع الفيلم العربي والعالمي.

مسعود: صحيح.. لكن هناك نوعيات آخرى لا تجد جمهور مثل الفيلم القصير والفيلم الوثائقي، فالإقبال عليهما ليس كبير، أما الروائي فبعض الأفلام المعروفة والتي حصلت على جوائز يذهبون إليها، لذلك أخذنا هذه الأفلام من الآسيوي والإفريقي ووضعناها في برنامج سينما العالم. أنا مهمتي إحضار فيلم لكي يشاهده الناس فإذا فشلت في هذه المهمة فلا داعي لأن أحضره، وأنت بهذه الطريقة تشكل نفسك بنفسك، وهذه كانت النية أصلا بعد نهاية الدورة العاشرة، أن هناك شيء خطأ. وطبعاً كانت تمرّ إشاعة من هنا وهناك ثم تتطور وتتفاعل، لكن أنا رأيي أن تترك الشائعات تمر بينما تواصل أنت عملك. أحيانا أشعر أن المهرجان ليس له الحق في اختيار شكل البرمجة، وأن عليه طوال الوقت أن يعطي مبرر للناس. لكن في النهاية نحن نعمل وفق منهج معين من خلال مئات الأشياء خلف الكواليس، ومعنى خلف الكواليس أنك تريد أن تبقيها خلف الكواليس، ولأن الحديث عنها والخوض فيها من الممكن أن يجرح الآخرين.

·        أحيانا يكون النقد في صالح المهرجان لأن موضوع عدم الاهتمام بأفلام المهر الآسيوي طرح من أكثر من شخص..

مسعود: حينما يكون الاهتمام جماعي ومن الناس المعنيين، وبعد إلغاؤه يسألونك لماذا؟ ويحاسبونك لماذا حذفته؟ طيب أنت كنت سبب إضافي إلى جانب الجمهور وغيره فلماذا ترجع لتحاسبني؟ ألم يكن برنامج جيد؟ إذن لماذا لم تحضر؟

·        ربما بسبب النقص في الدعاية له، بعكس مع يحدث مع الأفلام العربية؟

مسعود: أبدا.. كثير ممن يعنيهم في آسيا وإفريقيا كانوا يعتبرون دبي محطة لهم وكمهرجان كذلك، مثلاً في مهرجان "كان" أو "برلين" لن يكثفوا الدعاية لقسم معين على حساب القسم الآخر، لكن نحن نقول أننا نمنح العربي اهتماماً، لأننا مهرجان عربي يقام في قلب الوطن العربي ونريده أن يكون عربي، وليس عندنا مادة سينمائية نقدمها كإماراتيين لذلك نعرض الأفلام العربية، وما أقصده أننا بقينا طوال سنوات نستورد صورة الآخرين ولا نصدر صورتنا، وفي الآخر جاء مهرجان دبي وأصبح رائدا في تلك المنطقة وسارت المهرجانات الأخرى على خطاه في التوجه العربي. الكل كان يعرض الفيلم العالمي ويهتم بالعالمي، لكن دبي اهتم بالعربي، دبي مدينة مفتوحة على العالم. كان من الممكن عمل مسابقة دولية، لكننا تحدينا هذا كله. قد نصيب وقد نخطئ، لكن ربما جاءت كل المشاريع في صالح الفيلم العربي.

·        أعود إلى إشكالية الفيلم الآسيوي المعروض في المهرجان، ربما عدم منحه الدعاية الكاملة رغم وجود نسبة عمالة وجالية كبيرة جدا لعب دوراً في خلو صالات السينما، في حين أن عروض أفلام عربية ودولية كانت الصالة كاملة العدد، وربما كان السبب أيضاً تركيز اهتمام الصحافة الإماراتية بالأفلام العربية والعالمية.  

مسعود: هل تعلمي ماذا نفعل دعائيا؟ نذهب إلى المولات، والسفارات، وأسواقهم، وكل تجمعاتهم ونبعث برسائل إلى المقيمين، لكن هناك أشياء أخرى تؤثر، منها طبيعة الفيلم ونوعه، وثائقي، طويل، قصير، هل فيه نجوم؟ أقصد نجومهم هم الذين يعرفونهم؟ هل الفيلم يسير في المنحى السائد أم المغاير؟ هذه العوامل تلعب دوراً.

·        وكيف تمكن مهرجان دبي من الحصول على حق ترشيح الأفلام العربية القصيرة للأوسكار؟

مسعود: حدث على مدار سنتين، كنا نفكر ونحب أن يكون لنا دور في توصيل الفيلم للأوسكار ونتساءل كيف نصل بالفيلم العربي للأوسكار؟ فالموضوع ليس سهلا، لأن هناك عدد قليل من المهرجانات العالمية التي ترشح الأفلام، فتقدمنا وكان فيه شروط قاسية جدا لكن تجاوزناها كلها، وفي العام الماضي تم الإعلان عن اعتبار مهرجان دبي السينمائي المهرجان الوحيد في الوطن العربي المؤهّل لترشيح الفيلم القصير للأوسكار وليصبح ضمن سبعين مهرجان مؤهلين لترشيح الأفلام القصيرة للأوسكار ثم تقوم الأكاديمية بالتصفية النهائية

الجزيرة الوثائقية في

06.01.2015

 
 

"أجورا ": اليونان كما لم يرها الناس من قبل

طاهر علوان

ليست اليونان الحضارة والتاريخ والناس إلا ايقونة من أيقونات العالم ومسار الحضارة وها هي أقوام شتى تؤم ساحة " سينداجما " التاريخية العريقة في وسط العاصمة اليونانية أثينا وحيث من هناك تلوح ظلال حضارة الإغريق الباذخة ، تلوح أطلال اكروبولوس والبانثيون وليس بعيدا باتجاه سونيون و ديلفي ورامنوس وصولا إلى بقايا حضارة الأتلانتس في جزيرة سانتوريني الساحرة ...أقوام شتى ، سياح وباحثون ودارسون كانوا بالأمس يكتظون في هذه البلاد ويتوافدون عليها من كل أرض من أجل مزيد من التعمُّق في تاريخها وفيما ساحة سينداجما علامة شاخصة لذلك الازدهار في الحياة والسياحة ، وما تلك في الواقع إلا لقطات بالأبيض والأسود يبدأ بها فيلم " أجورا " للمخرج " يورغوس أفغيروبولوس "  ليقدم تقريرا وثائقيا عن اليونان السياحية ومن خلال تلك الساحة لينتقل إليها بعد ذلك بسنوات وقد تلونّت الأماكن فيها وتلوّن كل شيء وفيما الناس يحتشدون في الساحة ذاتها مجددا ولكن بعد عقود وتحديدا في العام 2012  ليشهدوا أول انتحار لمواطن يوناني قرر مغادرة الحياة نهائيا احتجاجا على المعاناة المعيشية والاقتصادية وظروف التقشف والفقر التي صارت تضرب اليونان مثل عاصفة عاتية وها هو يرثي اليونان التي عرفها ويرثي نفسه ، إن " ديميتريس خريستوس "  وقد تجاوز السبعين عاما من العمر وإذا به على قارعة الطريق بلا معاش تقاعد ولا رعاية صحية وهو الوطني الغيور كما تروي ابنته وتتلو رسالته إلى اليونانيين بأن الأيام الصعبة آتية لامحالة .

في كثافة تعبيرية ملحوظة  نشهد تدفقا صوريا يظهر العاصمة أثينا من أعلى وقد سيطرت عليها أقدارها ، لقطات ليلية  أو نهارية ، لا فرق فالأزمة واحدة وهناك في الأفق وعبر اكتظاظ البنايات الواجمة تُظهر الإحصائيات الصادمة أن مليونين ونصف المليون يوناني أصبحوا تحت خط الفقر في ظل الأزمة الاقتصادية أي بما نسبته 22% من السكان وأن من المتوقع ارتفاع  عدد الفقراء إلى ثلاثة ملايين إنسان لاحقا .

1 من 2 من اليونانيين يعانون من شبح الفقر ومشهد الباحثين في أكوام القمامة عن لقمة تسد الجوع صار مشهدا مألوفا كما في الفيلم وفي جنح الليل تراقب الكاميرا أولئك المشردين لتصحبهم صرخة من مكان ما : " لقد كذبت الحكومة عليكم ، لقد ظلّت تكذب طويلا على الشعب وعلى اوروبا كلها وتقدم بيانات غير صحيحة عن التضخم وأعباء الدين والوضع الاقتصادي والخزينة حتى انهار كل شيء وأعلنت الدولة إفلاسها لتستجدي أوروبا " .

تحت هذا الكابوس هنالك مزج تعبيري أخّاذ بين أطفال المدارس الذين ينتظرهم مستقبل مجهول بل إن مسألة تغذيتهم تتحول إلى جزء من الأزمة ثم صور المظاهرات والهتافات المتواصلة ضد الحكومة تتردّد أصداؤها في أرجاء المدينة وحيث لم تعد ساحة سينداجما إلا ميدانا للمصادمات بين المتظاهرين والشرطة.

نماذج وعينات شتى يكتظ بها المشهد الراهن وكل فرد هو مُعبِّر عن وجه من وجوه الأزمة : الفتاة التي تقف أمام بناية البرلمان تُقدِّم مشهدا تعبيريا صامتا فتهيل على رأسها التراب ، وكأنها تعيش ذلك الطقس وحدها ، صورة البلاد التي تهيل التراب على نفسها فيما الجمهور غائب ومغيَّب ولا يكاد يرى، بموازاتها يظهر ذلك الرجل الذي بلغ خريف العمر حاملا صحيفته وأرقام التليفونات للشركات التي لديها وظائف شاغرة فيتصل بها من الهاتف العمومي الواحدة بعد الأخرى ولكن المشكلة ، ما إن يسمعوا عن سنه وأنه قد تجاوز الستين حتى يغلقوا الهاتف في وجهه دون رد .. العالم لا ينتظر من مشرّد أن تكون له أهمية، هكذا يهمهم بعدما فقد عمله وتشردّت أسرته وانتهى به المطاف في مأوى للصليب الأحمر مُخصّص للمشردّين .

في المقابل ، ظلّت اليونان حتى الآن معبرا مهما للمهاجرين غير الشرعيين خاصة القادمين من الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا ، أعدادهم تتضخّم ومعلوم لدى منظمات حقوق الإنسان الإهمال المتراكم لقضايا وملفات هؤلاء وعدم وجود سياسة واضحة لمعالجة حالاتهم وفق القانون الدولي  هذا في أوقات الرخاء فكيف واليونان اليوم تعيش هذه السنوات العجاف القاسية ؟ 

" حسن راشد" ليس إلا نموذج ، مواطن سوداني من ضحايا حرب دارفور تمزقّت أسرته واضطّر للهجرة وعبر الصحراء والبحر وصولا إلى اليونان وإذا به أمام آمال محطمة  ومستقبل ضائع حاله حال مئات أو آلاف المهاجرين الذين تقطعّت بهم السبل وضاقت عليهم الحياة ولهذا ليس مستغربا أن نشهد تلك اللقطات الليلية التي يهجم فيها أفراد يونانيون متأزمون وحتى عنصريون على أولئك المهاجرين ليصبّوا عليهم جام سخطهم وإحباطهم فيطردونهم ويشتمونهم ويعتدون عليهم .

خبراء كُثر يعلقّون على المشهد الراهن ابتداءا من مدير البنك الأوروبي ورئيس البرلمان الأوروبي ووزراء المال اليونانيين المتعاقبين وكلٌ يسلط الضوء على الأزمة بطريقته، وفي الجانب الآخر مزيد من اليونانيين الساخطين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة أقدارهم ومصيرهم بعد فقد وظائفهم فيما تعلو أصوات أوروبية لاسيما من ألمانيا الرسمية وغير الرسمية : "إنهم اليونانيون الكسالى يشهرون إفلاسهم وعلينا أن ننقذهم من أزماتهم" وذلك تعليقا على منح عشرات المليارات من القروض الأوروبية لإسناد الاقتصاد اليوناني المتهاوي ، فمثلا يذكر "ريتشارد باركر"
الأستاذ في جامعة هارفارد للاقتصاد ، أن أزمة اليونان ماهي إلا جزئية صغيرة من أزمات أكبر ، بل إنها في الواقع أزمة النظام الاقتصادي العالمي برمته وكانت اليونان أحد ضحاياه المبكرين .

مزيد من الضرائب ، مزيد من خدمة الديون والقروض يرافقها مزيد من فقدان الوظائف والسكن وفقدان الأمل في الحياة ، ذلك هو المشهد الذي يُعبِّر عنه المتظاهرون ضد الحكومة وضد الطبقة السياسية التي طالما تستّرت على مظاهر الفساد، هذا ما يُعلنه المتظاهرون الذين سرعان ما سيشتبكون مع قوات الشرطة في مصادمات عنيفة تظل الكاميرا ترصدها لتكشف عن حجم الإحباط واللاجدوى التي يُعبّر عنها أولئك المحتجون القانطون اليائسون .
ترتفع نسبة الانتحار فوق معدلاتها إلى ما يزيد عن 27% في وقت قياسي ورسائل المنتحرين وقصصهم ماهي إلا قصص مشتركة لألوف اليونانيين الذين فقدوا الحياة التي كانوا يعيشونها ولهذا إما صاروا يموتون كمدا وقهرا أو انتحارا وبعضهم في سن مبكرة ..

صور شتى لتلك السطور الحزينة وهي ترثي أوضاع اليونان في ظل أزماتها الطاحنة فيما الشكوى مستمرة وساحة سينداجما شاهدة على الأزمة المستفحلة بل إنها الحيّز المكاني الذي يفصح عن يونان مختلفة بين زمانين، قبلة السياح والباحثين عن عمق الفلسفة والفكر، وساحة اليائسين والمنتحرين والمتظاهرين  وأيام الإضراب الطويلة التي تشلّ الحياة تعبيرا عن السخط ضد إجراءات التقشف الصارمة التي تضرب البلاد .

الوثيقة المكتنزة بالمعلومات وقصص الناس تصدق على هذا الفيلم المصنوع بعناية والذي يؤرشف للأحداث المتصاعدة طيلة أربعة سنوات، أي من العام 2010 وحتى العام 2014 ودون أن تتوقف الأزمات التي تعصف بتلك البلاد وماتزال.

الجزيرة الوثائقية في

06.01.2015

 
 

محمد سعد: شخصية {أطاطا} أجهدتني

كتب الخبرهيثم عسران

نال محمد سعد جائزة أفضل ممثل كوميدي عن دوره في مسلسل {فيفا أطاطا} بتصويت الجمهور في استفتاء مجلة {ديرجست}.

حول الجائزة والمسلسل ومشاريعه الجديدة، كانت الدردشة التالية معه.

·        كيف استقبلت خبر فوزك بالجائزة؟

سعدت بها كونها قائمة على تصويت الجمهور الذي أعجب بالمسلسل وتابعه خلال شهر رمضان، لذا استلمتها بنفسي لتوجيه رسالة شكر إلى الجمهور الذي اختاره من بين عشرات الأعمال الكوميدية التي قدمت على مدار العام، ما يعنى فوزي بالجائزة وسط منافسة شرسة، ويؤكد أهمية الجائزة بالنسبة إلي، لاسيما أن المسلسل كان الأصعب على مدار مشواري الفني.

·        لماذا؟

لصعوبة شخصية أطاطا نفسها، سواء على مستوى الأداء أو الشكل، إذ احتاجت إلى ماكياج استغرق خمس ساعات يومياً، ما اضطرني إلى الحضور يومياً قبل موعد التصوير بنحو ست ساعات لوضع الماكياج الخاص بها، ناهيك عن مراجعة السيناريو والدور، لذا كنت أول شخص يحضر وآخر من يغادر،  ما سبب لي إجهاداً.

·        ما المتاعب الأخرى التي تعرضت لها خلال التصوير؟

إظهار «الحَوَل» في العين وتصويره لم يكن أمراً سهلاً، بالنسبة إلي، ولولا الحب المسيطر على مجمل فريق العمل، سواء الفنانين أو الفنيين، لما خرج المسلسل بهذه الصورة التي انبهرت بها لدى متابعتي الحلقات.

·        يرى البعض أن التلفزيون يحرق نجومية نجم السينما، ألم تخشَ ذلك؟

لا أفهم هذه العبارة، فعندما يثق الجمهور بفنان ويحبه سيشاهده في أي مكان، سواء على شاشة التلفزيون أو في السينما أو على خشبة المسرح، صحيح أن العبء في الدراما أكبر بسبب طول الحلقات وفترة التصوير وقبلها الإعداد والتحضير، مروراً بحجم المشاكل التي قد نتعرض لها بسبب ضغط الوقت ومواعيد العرض، لكن يبقى للتلفزيون والنجاح فيه مذاق خاص لدى أي فنان، بدليل أن نجوماً كباراً خاضوا التجربة رغم نجوميتهم التي حققوها في السينما مثل عادل إمام وغيره.

·        ما ردك على توقع البعض فشل المسلسل لأنك سبق أن قدمت  الشخصية نفسها في فيلم سينمائي؟

لا تزيد مدة الفيلم على ساعة ونصف الساعة، فيما  تصل حلقات المسلسل إلى أكثر من 20 ساعة، وهو فارق كبير في الزمن أتاح لي فرصة ذهبية، ومساحة واسعة للتعامل بشكل مختلف مع الشخصية والأحداث، فضلاً عن التعمق في التفاصيل وتقديم أحداث درامية مثيرة ومشوقة... ما أثبت عدم صحة هذه الآراء بدليل نجاح المسلسل وإقبال الجمهور عليه والتصويت له في النهاية.

·        ماذا عن الانتقادات التي وجهت للمسلسل؟

أحترم النقد وقرأت كل ما كتب، لأن الفنان يتعلم من النقد البناء، إلا أن الأهم بالنسبة إلي ردة فعل الجمهور الذي تابع المسلسل على مدار 30 حلقة ولم يملّ من الأحداث.

·        كيف تقيّم أداء إيمي سمير غانم؟

ممثلة كوميدية هائلة ولديها حس عال وقدرة على تقديم الكوميديا بشكل جيد ومختلف، وأتصور أنها نجحت في المسلسل باقتدار، لذا استحقت جائزة عن دورها فيه، فهي شريكة بنجاح العمل، وأضافت لمساتها الخاصة على دورها والمسلسل ككل، ما ساعد على خروجه بشكل جيد.

·        ما صحة ما يتردد من أنك تتدخل في عمل المخرجين؟

غير صحيح ولا أعرف لماذا تلاحقني هذه الإشاعة باستمرار، وبدلا من تناقلها اسألوا المخرجين الذين عملت معهم  حول مدى التزامي بعملي كممثل، وعدم التدخل في أمور أخرى، وأية ملاحظات تخصني أذكرها أثناء البروفات وقبل بداية التصوير.

·        هل ستتجه إلى الإخراج؟

لا أفكر في ذلك لأنه ليس مجالي ولا أفهمه بشكل كامل، فما أجيده هو التمثيل ولن أقوم بمهام أخرى غيره .

·        كيف تتعامل مع الإشاعات؟

لم أعتد النظر إلى الأسفل لحرصي على الاستمرار في التقدم، إشاعات كثيرة ترافق تصوير أعمالي باستمرار وأنا أتجاهلها، صحيح أن ثمة أعمالاً  تحدث فيها مشكلات، لكن في النهاية جزء من الأخبار غير صحيح، وأنا لا أهتم بتصحيحها، لحرص البعض على متابعة  نشرها، لأسباب أجهلها ولم تعد تشغلني.

·        هل ستكرر تجربة الدراما في 2015؟

لن أظهر في رمضان المقبل، فلدي فيلم سينمائي جديد أحضر له مع المخرج سامح عبد العزيز والمنتج أحمد السبكي، سنبدأ تصويره قريباً، وسنستعين فيه بالغرافيك الذي يشكل جزءا أساسياً من الأحداث لا يمكن الاستغناء عنه.

·        حدثنا عن تفاصيل الفيلم.

لا يزال قيد التحضير، لذا أكتفي بالقول إنه ينتمي إلى الأعمال الكوميدية وسيكون الشكل الذي أظهر به مفاجأه للجميع، ونعقد جلسات عمل  راهناً للاتفاق على مجمل التفاصيل الخاصة بطريقة ظهوري فيه.

·        ثمة صفحات تحمل اسمك على «فيسبوك»، فكيف تتعامل معها؟

لا حسابات شخصية لي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها، وليست لدي صفحات رسمية لنشر أخباري، وأفاجأ بين الحين والآخر بأخبار تنشر عليها، لكن الجمهور يدرك الفارق بين صفحات دشنها معجبون وأخرى  تتبع للفنان شخصياً، بالنسبة إلي لا أفكر في الدخول إلى مواقع التواصل لتركيزي في عملي.

الجريدة الكويتية في

06.01.2015

 
 

T H E I N T E R V I E W

سذاجة الطرح والضجة غير المبررة

كاظم مرشد السلوم

هل يستحق الفيلم الأميركي «المقابلة» كل هذه الضجة التي أثيرت حوله، ما أهمية فيلم كوميدي يتعرض لشخص رئيس كوريا الشمالية ودكتاتورها «كيم جونغ» بهذه الطريقة البسيطة والساذجة، وإلى متى تبقى السينما الأميركية تسوق لنا بطلاً أميركياً لا يقهر حتى لو كان الفيلم كوميدياً.

هذه التساؤلات وغيرها، دارت في ذهني بعد انتهائي من مشاهدة فيلم المقابلة للمخرجين سيتر وغن و ايفان غولد بيرغ، الذي أثار امتعاض كوريا الشمالية ودفعها الى الهجوم على موقع شركة سوني بيكشترز، وتسريب معلومات مهمة عنها.

الحكاية
محطة تلفزيونية تنتج برنامجاً ناجحاً، تحصل على فرصة اللقاء بالرئيس الكوري الشمالي ـ الشاب الذي يثير قلق العالم بسبب امتلاك بلاده لترسانة ضخمة من السلاح النووي، خصوصاً جيرانه الكوريون الجنوبيون، تستغل المخابرات الأميركية السي آي ايه الفرصة فتجند مقدم البرنامج ومعده «جيمس فرانكو، سيث وغن» للعمل على اغتيال الرئيس الكوري من خلال لاصق يدوي يمكن أن يسرب سماً قاتلاً لجسد الزعيم.

بعد وصولهم تتوطد علاقة مقدم البرنامج بالزعيم ويكتشف انه رجل مسالم وليس كما تصوره المخابرات الأميركية وكذلك نظرة العالم له، العلاقة تتطور الى سهرات صاخبة، ونزهات طويلة، حتى ان مقدم البرنامج يقرر رفض تنفيذ مهمة الاغتيال، ليتولى زميله تنفيذ المهمة لكنه يفشل هو أيضاً في تنفيذها بسبب ارتباطه بعلاقة عاطفية وجسدية مع المسؤولة عن أمن الزعيم، ومن ثم يكتشف المقدم حقيقة قسوة وبطش وزيف ادعاءات الزعيم من خلال دخوله لسوبر ماركت كل الموجود فيه مزيف، حيث سبق أن اعتقد انه مليء بالمواد الغذائية والكمالية.

أسئلة «المقابلة» وضعتها المخابرات الكورية مشترطة على المقدم أن لا يتجاوزها، وفي يوم التقديم حيث البث مباشر الى جميع أنحاء العالم، والملايين تراقب المقابلة، يبدأ المقدم بالأسئلة التقليدية، في حين يتحرك زميلة وصديقته الكورية للقيام بمهمة السيطرة على غرفة الكونترول، ليبدأ المقدم بطرح أسئلته على الزعيم الكوري، والتي تتسبب في اندلاع ثورة في كوريا الشمالية، ينتج عنها مقتل الزعيم على يد شعبه، وهرب الاعلاميين الأميركيين الى بلدهم.

تأويل النص المرئي

يبدو ان ما يطرحه الفيلم يعبر عن حقيقة الخوف أو التخوف الأميركي من الزعيم الكوري الذي جعل السينما الأميركية تفترض امكانية اختراق النظام الأمني الحديدي لكوريا الشمالية، حيث تبدو السهولة التي يتعامل بها الاعلاميان مع الزعيم وإظهاره بمظهر الشاب البليد غير مقنعة اطلاقاً للمشاهد، كذلك فان تقديم الشاب الاعلامي الأميركي وزميله كأنهما المخلصان للعالم من الشر الكامن في بلد ما ورئيس ما، هو اعادة لطرح البطل الأميركي الذي يمكنه تجاوز كل العقبات واختراقها، حتى لو كان هذا البطل ليس جندي المارينز الأميركي، أو الملاكم «روكي» الذي لا يقهر، بل هو اعلامي يستطيع أن يضع خطة مغايرة لخطة المخابرات وينجح في تحقيق مهمة في غاية الصعوبة والعمل على اندلاع الثورة، وهو ما ينافي طرح الفيلم لشخصية البطل، الذي لا يمر مشهد من دون أن يتفوه بكلمات نابية، ويفعل أفعالاً لا تنسجم مع طرحه كبطل قومي، والامر لا يختلف كثيراً مع زميله الآخر. حيث «أبدى إعلاميون وصحافيون أميركيون استياءهم البالغ تجاه الفيلم كونه يعكس صورة رديئة تضرب بنزاهة الإعلاميين والعمل الصحافي. حيث قدّم الفيلم أبطاله في صورة وظيفية لإعلامييْن ينفذان عملية اغتيال تقف خلفها جهة استخبارية، مما يخلق للقيادة في كوريا الشمالية مبرراً لاعتقال وملاحقة الإعلاميين والصحفيين على أراضيها، إلى جانب أنه ينعكس سلباً على الإعلاميين في الواقع ويدعم التهم النمطية لدى الأنظمة المستبدة في العالم والعالم العربي ضدّ كل نشاط صحافي/إعلامي لا يروق لها».

لا يمكن أن يكون شعب كالشعب الكوري ساذجاً الى هذه الدرجة، ويعتقد ان زعيمه اله لا يمتلك الكثير من الأعضاء الجسدية التي يمتلكها الانسان الاعتيادي وهو ما طرحه الفيلم، هذا الطرح أثار استياء الكثير من الكوريين حتى المعارضين منهم.

تداعيات ما بعد العرض

« بعد إعلان شركة «سوني بيكتشرز» المنتجة للفيلم عن موعد عرضه، تعرّضت أجهزة الشركة في 22 تشرين الثاني لاختراقات نتج عنها نشر نصوص لأفلام قادمة في مرحلة الإعداد، إلى جانب نشر معلومات شخصية لنجوم متعاقدين مع الشركة كالأجور وتعطيل أجهزة بنحو نهائي كلفت الشركة قرابة 75 مليون دولار. قررت الشركة بعد هذا الهجوم مجهول المصدر عدم عرض الفيلم، واجه البيت الأبيض ذلك بامتعاض شديد كون ذلك «رقابة فرضها ديكتاتور أجنبي داخل الولايات المتحدة»، حيث قال أوباما عن قرار الشركة المنتجة بعد عرض الفيلم «أنا أتعاطف مع الشركة، لكنّي نعم؛ أعتقد أن ما قامت به خطأ».

كما استند أوباما إلى تقارير صادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) تؤكد وقوف كوريا الشمالية خلف الهجوم، وقال إننا «سنرد في الزمان والمكان والكيفية التي نختارها نحن». كوريا الشمالية رفضت الاتهام بالهجوم لكنها عدّته عملاً صالحاً.

بعد ذلك وتحدياً لمنفذي الهجوم أو نتيجة للقرار الحكومي، قررت “سوني بيكتشرز” التراجع عن قرارها بعدم عرض الفيلم، وقامت في 24 أيلول بالاتفاق مع جوجل ومايكروسوفت وإكس بوكس بإدراج الفيلم على متاجرهم لمشاهدته مقابل ستة دولارات، أي قبل موعد العرض المقرر للفيلم بيوم. تبع ذلك اتفاق آخر مع شركة آبل في 28 أيلول لإدراجه أيضاً ضمن المتجر الخاص بها».
كما أعلنت سلسلة من دور السينما عن استعدادها لعرض الفيلم برغم التهديدات التي وصلتها حال عرضه، وامتنعت أخرى، في سابقةٍ يقول مراقبون إنها تحدث لأول مرة في أميركا.

والسؤال، هل يستحق هذا الفيلم كل هذه الضجة التي أثيرت حوله، وهو لا يرقى الى مستوى العديد من الأفلام التي طرحت البطل الأميركي الخارق، سؤال يمكن الاجابة عنه بعد مشاهدة الفيلم المتوفر في العديد من محال أقراص الفيديو في بغداد.

الصباح الجديد العراقية في

06.01.2015

 
 

فيلم «العودة إلى البيت»

وجوه ثلاثة متداخلة في التاريخ الصيني

زكي بيضون (باريس)

تعرض الصالات الفرنسية حالياً فيلم «العودة إلى البيت» للمخرج الصيني تسانغ ييمو، المقتبس عن رواية يان غلينغ «المجرم لو يانشي». الفيلم يروي قصة عائلة مزقتها الثورة الثقافية. الزوج معتقل سياسي يفر من مخيمات العمل ويعود إلى بيته بحثاً عن زوجته وابنته اللتين لم يرهما منذ سبعة عشر عاماً قضاها في الأسر. الإبنة راقصة باليه موهوبة وطموحة تسعى للحصول على الدور الأول في عرض تنظمه مدرستها، لكنها تحرم منه بسبب «خيانة» والدها الذي لم تعرفه. ككل جيلها، الإبنة تربت على مبدأ الولاء المطلق والأعمى لسلطات الثورة، ولذا تشي بأبيها معتقدةً أنهم سيسمحون لها بالحصول على الدور الذي تبغيه بعد التأكد من ولائها.

بعد ثلاث سنوات تنتهي الثورة الثقافية ويُحرر المعتقلون السياسيون. عندها يعود الوالد ليجد ابنته تخلت عن الرقص لتعمل وتقيم في مصنع بائس بعد أن طردتها أمها، وامرأته أصيبت بفقدان جزئي للذاكرة وماعادت قادرة على التعرف عليه. مرضها نفسي أولاً، هي تذكر الماضي وتتعرف على ابنتها وعلى الصور التي التقطت لزوجها قبل اعتقاله، لكن لديها ذاكرة سمكة فيما يتعلق بالحاضر. هي تعجز عن التعرف على زوجها بعد أن تقدم في السن، وكلما حاول أن يقربها بحميمية تعتقد أنه الضابط الذي اغتصبها بعد أن لجأت إليه لإعفاء زوجها من عقوبة الإعدام. الزوج يتواصل مع امرأته من خلال رسائل يقرأها لها مدعياً أن زوجها (أي هو نفسه) ائتمنه على إيصالها لها. يقنعها بالغفران لابنتهما وإعادتها إلى البيت، لكنه يفشل في إعادتها إلى الحاضر وجعلها تتعرف عليه.

على هذا المنوال، يظل الأب وابنته لسنوات طويلة يرافقان الأم في الخامس من كل شهر (اليوم الذي كان الأب ذكر في الرسالة التي أرسلها إلى زوجته بعد تحريره أنه سيعود فيه) إلى المحطة لانتظار عودة الزوج الشاب الذي سرقته الثورة إلى الأبد. من الظلم والسخف اتهام تسانغ ييمو باختزال رواية يان غلينغ إلى مجرد قصة حب ومعاناة انسانية وتغييب بعدها السياسي، كما فعل العديد من النقاد الغربيين. على العكس، الحبكة السياسية والاجتماعية حاضرة بوضوح في الباغراوند، لكن المخرج اختار معالجتها من خلال المقاربة التصويرية الرمزية والإيحائية، عوضاً عن المقاربة المباشرة والديماغوجية التي نجدها في العديد من الأعمال السطحية الموجهة أساساً إلى الجمهور الغربي والمفصلة على قياس هواجسه وكليشيهاته. مثلاً، حينما يذهب الزوج للانتقام من الضابط الذي اغتصب زوجته يكتشف أنه في السجن بسبب الانتهاكات التي ارتكبها، وهو أمر كانت تكتمت عنه المسؤولة الحزبية التي اكتفت بالقول إن الضابط نقل إلى منطقة أخرى. الإشارة هنا واضحة إلى الموقف المزدوج لسلطات ما بعد الثورة الثقافية. بالنسبة إلى هذه السلطات، كان المطلوب إخراج البلد من الوضع الكارثي الذي أدت إليه الثورة الثقافية ومعاقبة المسؤولين عنها وعن الجرائم التي ارتكبت خلالها، لكن من دون أن يؤدي ذلك إلى إسقاط النظام أو زعزعة الحزب الحاكم. في الدائرة العليا للحزب، المسؤولون عن الكارثة الأحياء (عصابة الأربعة) وضعوا في السجن، والمسؤولون الأموات تم الحفاظ على ذكراهم وتماثيلهم في الساحات العامة (ماو تسي تونغ نفسه هو المثال الأهم). في الدوائر الأقل مرتبة، المجرمون عوقبوا بتكتم وبمنأى عن الأنظار على غرار الضابط المغتصب. أما المراهقون الذين شكلوا المحرك البشري الأهم للثورة الثقافية (الذين تمثلهم الإبنة الراقصة في الفيلم)، فقد اعتبرت السلطات الجديدة أنه تم التلاعب بهم وأرسلوا إلى مخيمات ومراكز لإعادة التأهيل بعد إعفائهم من المسؤولية (تم التعامل على نحو مشابه مع الشبيبة الهتلرية في ألمانيا ما بعد الحرب). حالة الزوجة الحاضرة والغائبة في الآن نفسه تمثل بزخم تعبيري هائل صين ما بعد الثورة الثقافية، وذاكرتها المعذبة هي ذاكرة هذه الصين. الزوج الشاب الذي خطفته الثورة، الضابط المغتصب والزوج الكهل العائد والمنقذ يمثلون ثلاثة وجوه متداخلة للحزب الحاكم الذي صنع تاريخ الصين الحديثة. على غرار الزوجة التي تعجز عن التمييز بين زوجها العائد ومغتصبها، في هذه الصين تتداخل ذكرى مجرم الثورة الثقافية مع ذكرى المنقذ الذي أخرج البلد من الهاوية (في الدوائر الرسمية، تتجاور صورة ماو تسي تونغ مع صورة دينغ سياو بينغ). على غرار الزوجة، هذه الصين تملك ذاكرة سمكة وتجري بشكل آلي وراء الحاضر من دون أن تستوعبه ولا تريد أن تحفظ من ماضيها سوى الحلم الشيوعي الشاب والطوباوي الذي خطفته الثورة الثقافية.

السفير اللبنانية في

06.01.2015

 
 

الفنان السوري مطرود من جنّة المهرجانات؟

وسام كنعان

لم يعد الأمر مجرد حادثة منفصلة تحصل في سفارة ما، بل إنّ حجب التأشيرة عن المبدعين السوريين للمشاركة في مهرجانات تقام في عواصم عربية وعالمية، ازدادت وتيرته. آخر ضحاياه عدنان العودة ومجموعة من الفنانين

يرى بعضهم أن التوقيت غير مواتٍ للخوض في معاناة المثقفين والفنانين السوريين في وقت يتجرع مواطنوهم طعم العلقم جراء الحرب وأشكال الموت السادية التي تحاصرهم. هكذا ردت أمل عرفة على سؤالنا عن رأيها بالتأخير الذي واجهته عند الحدود اللبنانية، والحالة المشابهة التي تعرض لها زملاؤها في مطارات ونقاط حدودية أخرى، إذ علّقت: «حالنا من حال الشعب السوري.
كما يواجه مصاعب في الدخول إلى بقية الدول، سنعاني الأمر ذاته». لكن كيف يمكن للواقع السوري الحقيقي أن يصل إلى العالم من خلال مادة فينة راقية، إذا حوصر المثقف السوري ومنع من دخول بلاد ربما تجهل شعوبها ماذا يحصل في «عاصمة الأمويين»، خصوصاً أن نسبة كبيرة من وسائل الإعلام أوغلت في تزوير الواقع على حساب مصالح وأجندات مموليها؟ رغم توجيه مهرجانات عدة دعوات المشاركة لعدد من المخرجين والفنانين السوريين، إلا أنّ إدارة تلك المهرجانات عادت لتقدم اعتذارها بعدما عجزت عن الحصول على تأشيرة دخول هؤلاء السوريين، بحجة أنه ليست هناك ضمانة لعودتهم إلى بلادهم.

عندما اختارت مصممة الأزياء السورية منال عجاج النجم عبد المنعم عمايري ليخرج لها حفل عرض الأزياء الذي أطلقته في ألمانيا أواخر العام الماضي، منعت السلطات الألمانية صاحب مسرحية «فوضى» من الدخول إلى بلادها، فاضطر إلى أن يشرف على الحفل عبر الانترنت. وبعد ذلك بأيام، وجّه «مهرجان المسرح الدولي» الذي يقام في مالمو السويدية في أيار (مايو) المقبل، دعوة إلى الكاتب والمسرحي عدنان العودة المقيم في دبي للمشاركة في فعالياته. وفور توجهه إلى السفارة السويدية هناك للحصول على تأشيرة دخول بناء على الدعوة الرسمية من المهرجان، فوجئ برفض طلبه للأسباب ذاتها، فما كان منه إلا أن سجّل احتجاجه البسيط من خلال صفحته على فايسبوك. ولم يُعرف حتى الآن مصير الدعوة المشابهة التي وجهت من المهرجان ذاته إلى فرقة «أشجار» وعرضها «ليلي داخلي» للمخرج سامر محمد إسماعيل.
الأمر لم ينحصر في الدول الأوروبية. سرعان ما وصل إلى العالم العربي. إذ وجهت «الهيئة العربية للمسرح» في المغرب دعوة لعدنان العودة لحضور فعاليات «مهرجان المسرح العربي» (13 حتى 16 يناير) في الرباط.

رفض منح تأشيرات دخول لمسرحيين إلى المغرب

والدعوة ذاتها وجهت لمجموعة مسرحيين سوريين منهم هشام كفارنة، فرحان بلبل، وعدنان سلوم، وحسين درويش وعماد جلول. لكن سرعان ما بعثت الهيئة المسؤولة عن المهرجان رسالة اعتذار لهم بعد عجزها عن إصدار تأشيرة دخول لهم. في حديثه مع «الأخبار»، يقول عدنان العودة: «ما حصل معي لمرتين متتاليتين يدعو إلى الأسف والحزن من السياسات التي تتبعها هذه الدول تجاه من يحملون الجنسية السورية، وأخص المثقفين بالذات. وإذ اعتبر نفسي من هذه الشريحة التي تمثل الواجهة الحضارية لبلد عريق وعروبي كسوريا، فإني اعتبر أن سياسات كهذه بحق السوريين، ترقى إلى ما يمكن أن يُسمّى بالتمييز الذي بات يُمارس على السوريين على امتداد خرائط العالم». وتابع: «ما الذي يمنع مثلاً دخولي وغيري من مسرحيين وكتاب سوريين دولةً كالمغرب الشقيق للمشاركة في مهرجان نحن من أهم المشاركين في إقامته. هل سنحمل قنابل، أحزمة ناسفة؟ هل سنطلب اللجوء أم أننا سنحمل إلى هذه البلدان أجمل ما فينا من ثقافة وحضارة وتاريخ؟ هذا الأخير هو ما نحن عليه، حتى في الأيام الكالحة التي تمر بها سوريا اليوم. ولهذا، فإنني أجد أن سياسات كهذه تحمل الكثير من العار على متخذيها. أمثالنا ليسوا إرهابيين ليحموا بلدانهم منا، ولسنا لاجئين، ليخافوا أن نثقل عليهم. مثلنا مثقفون أحرار، وسفراء لبلدنا سوريا حيث كنا، وليس لنا إلا أن نغادرها زائرين إلى بلدان أخرى، لنعود إليها، فما من فضاء يسع أرواحنا سواها».

الأخبار اللبنانية في

06.01.2015

 
 

وفاة المخرجة السينمائية المصرية أسماء البكري عن 67 عاماً

القاهرة – رويترز

تبادل سينمائيون مصريون التعازي برحيل المخرجة السينمائية المصرية أسماء البكري (67 عاماً) التي توفيت أمس (الإثنين)، بعد مرورها بأزمة صحية في الآونة الأخيرة.

وقال المخرج السينمائي أحمد رشوان لـ«رويترز» إن المخرجة الراحلة أمضت الأشهر الماضية بعيداً عن القاهرة «كانت أغلب الوقت في دهشور»، جنوب العاصمة.

وكتب المخرج السينمائي المصري يسري نصرالله في صفحته على «فايسبوك»، في وقت متأخر مساء أمس (الاثنين): «فقدنا اليوم صديقة عزيزة ومخرجة موهوبة... أسماء البكري».

وًلدت أسماء البكري في القاهرة في 28 تشرين الأول (أكتوبر) 1947، وتخرجت من قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب في 1970، وبدأت مشوارها الفني في 1973، بالعمل مساعدة لمخرجين مصريين منهم يوسف شاهين وخيري بشارة، وأخرجت فيلمها القصير الأول «قطرة ماء» في 1979.

وأخرجت أسماء البكري ثلاثة أفلام روائية طويلة، هي «كونشرتو درب سعادة» في العام 2000، و«شحاذون ونبلاء» في 1991، عن رواية لألبير قصيري الكاتب الفرنسي المصري الذي أمضى حياته في باريس وكتب أعماله بالفرنسية (1913-2008)، كما أخرجت فيلم «العنف والسخرية» في 2003، عن رواية لقصيري أيضاً.

وكانت المخرجة الراحلة قالت لـ«رويترز» في 2012 إنها بصدد إخراج فيلم يتناول علاقة المسلمين بالمسيحيين في مصر، من خلال معالجة لرواية للكاتب المصري البارز بهاء طاهر «خالتي وصفية والدير» التي حظيت بحفاوة واهتمام نقدي وجماهيري حين صدرت في بدايات التسعينيات، وتحولت إلى مسلسل تلفزيوني وعرض مسرحي.

وقالت آنذاك إن الفيلم الذي انتهت من كتابته، وكانت تبحث عن تمويل لإنتاجه «يؤكد أن الدين الإسلامي ليس دين تعصّب، وإن المسلمين ليسوا قتلة ولا إرهابيين».

الحياة اللندنية في

06.01.2015

 
 

أسماء البكري.. رحيل الساخرة النبيلة

زياد عبدالله

إنه نائم على الأرض وما من شيء يفصله عن البلاط إلا صحف مكدّسة اتخذها فراشاً له، ثم فجأة تدخل غرفته مياه ممزوجة بالصابون، وما أن يتقلّب حتى يتبلل بتلك المياه ويستيقظ، إنه صلاح السعدني، والمياه قادمة من غرفة مجاورة يجري فيها تغسيل جثة ميت ونساء على الباب غارقات في العويل.. يا له من مشهد! يا لها من بداية!

وما إن يرد خبر رحيل المخرجة حتى يطفو اسم أسماء البكري ويحتل الذاكرة، خارجاً من أول أفلامها الروائية الطويلة "شحاذون ونبلاء" (1991).

المخرجة المصرية (مواليد 1947) التي رحلت عن عالمنا الذي يسوده العنف ويستدعي السخرية كما هو عنوان فيلمها "العنف والسخرية" 2003، قدّمت خيارين في مجابهة التسلّط والاستبداد، إذ إن العنف لا يولّد إلا العنف، أما السخرية فلها أن تكون أداة نبيلة في مجابهته.

كانت البكري مثالاً صارخاً على المخرجة المنغمسة في التقاط المفاصل الإشكالية في البنية الثقافية والاجتماعية في مصر والعالم العربي، واتصالها بالاقتصادي والسياسي، وهي مأخوذة بتقديم ذلك في سياق اشتغال فني على الصورة. وإن كان لها ألا تكون بعيدة عن "الواقعية المصرية"؛ فإن أفلامها أخذتها إلى مساحات تتشابك برصد جوانب أشدّ تعقيداً وعمقاً وانشغالاً بالشكل، حيث تكون الحارة المصرية معبَراً نحو مآزق ثقافية وفكرية تجعل شخصياتها من لحم ودم، ونموذجية في آن.

ما بين "نبلاء وشحاذون" و"العنف والسخرية" – كلاهما مقتبسين عن عملين للروائي المصري - الفرنسي ألبير قصيري (1913 – 2008) - قدّمت البكري "كونشيرتو درب السعادة" (2000)، وهنا يمكن للطبقة الفقيرة أن تكون على اتصال بالمجتمع المخملي أو النخب الثقافية "الكومبرادورية" وهي تروي علاقة الموظف البسيط في دار الأوبرا، عبد التواب (صلاح السعدني) مع مغنية الأوبرا الفرنسية المصرية، والمتاهة التي يغرق بها وهو ينفتح على عالم مغاير تماماً عن الذي يعيشه.

أنجزت أسماء البكري أكثر من 15 فيلماً وثائقياً قصيراً مثل "قطرة ماء" (1979)، و"دهشة" (1981)، و"بورتريه" (1983)، و"الظاهر وخام" (1983) وغيرها، وعملت مخرجة مساعدة مع مخرجين أبرزهم يوسف شاهين في "عودة الابن الضال" و"وداعاً بونابرت". رحلت ولم تنجز الفيلم الذي صرّحت منذ عامين بأنها في صدد التحضير له، وهو مقتبس عن رواية بهاء طاهر "خالتي صفية والدير".

سينما الروحانيات... هوليوود وقصص الأنبياء

هاني بشـر

أحيا الجدال حول فيلم الخروج، "آلهة وملوك"، والذي يحكي قصة النبي موسى عليه السلام، نقاشا قديما حول تجسيد الأنبياء على الشاشة، لكنه جدال لم ينفذ بعد إلى عمق ما وصلت إليه السينما في العالم، فيما تعلق بالجوانب الدينية والروحية. فالفنون، بشكل عام، تعتمد على ما هو جواني، لتمس مساحة غير ملموسة داخل النفس الإنسانية. وتمثل السينما أحد المراحل المهمة التي وصلت إليها البشرية في الفنون المركبة، وهي الجمع بين فنون مختلفة على صعيد واحد غير ملموس مادياً. فهي تشكل نمط المسرح بممثليه. ولكن، في فضاء أقرب إلى تجسيد الواقع، بالإضافة إلى الموسيقى والإضاءة والحبكة القصصية في مواقع متغيرة... إلخ. ولهذا، تتعامل السينما مع السمع والبصر والفؤاد، لأن التأثير المباشر في المشاعر الإنسانية مقصد لصانع الفيلم ترهيباً وإسعاداً وتشويقاً باستخدام كل المؤثرات السابق ذكرها. فالجمهور قد يتفاوت تقديره الجمالي للوحة المرسومة مثلاً؛ لكن الموسيقى التصويرية المصاحبة لحدث مفاجئ يخترق رتابة السياق الدرامي كافية لخلع قلب المشاهد، حتى لو لم يعجبه الفيلم.

ولمّا كانت السينما تدق على هذه الأوتار، في مكان وزمان واحد، فإنها تقترب بذلك من تلك المساحة داخل النفس الإنسانية المخصصة للجوانب الروحية. وقد اهتمت دراسات أكاديمية عديدة في الغرب بمسألة السينما والروحانيات من زاويتين. أولهما دور السينما في تشكيل هذا الجانب عند المتلقي، أي وسيلة للدخول إلى عالم آخر روحاني سامٍ، وثانياً دور السينما في تجسيد الروحانيات على الشاشة.

"النظرة الشائعة للسينما على أنها عمل ترفيهي بحت، أو أداة تغيير لحظي في المجتمعات تحد من إمكانية استفادة الجمهور العربي والمسلم منها"

قبل أشهر قليلة، نشب نقاش حامِ حول فيلم نوح مثلاً، والذي يعد أحد نماذج العلاقة بين السينما والروحانيات. فالفيلم يعتمد على قصة نوح، عليه السلام، وركّز على الجانب الأشهر في القصة، وهو بناء السفينة والطوفان. وتعد القصة من القصص الديني المشترك عند الديانات السماوية الثلاثة. كما تعد نزوعاً واضحاً من السينما المعاصرة إلى تجسيد الشوق الروحي الذي يمثل ظاهرة لدى فنانين غربيين كثيرين، أخيراً، وهو اتجاه روحي قد يتقاطع مع الأديان أحياناً، وقد يمثل ممارسة روحانية صوفية مستقلة عن الأديان المعروفة في أحيان أخرى.

حاول فيلم نوح تلافي الجدال الديني؛ فلم يسمِ نوحاً عليه السلام بالنبي خلال الحوار، وحتى الله، سبحانه وتعالى، عبّر عنه بكلمة الخالق فقط؛ في محاولة لتجريد القصة من تفاصيلها التي تدخل بالعمل الفني إلى مساحة الجدال الديني واللاهوتي حول الروايات المختلفة لقصة نوح عليه السلام. أما أن المخرج نجح فنياً في هذا أو أخفق، فهذه مسألة أخرى، تتعلق بتفاوت الذائقة الجمالية لكل متلق على حدة ورأي النقاد. وبقيت عناصر القصة الأساسية حاضرةً وبقوة في الفيلم، من حيث مركزية شخصية النبي نوح عليه السلام، وخطايا بني آدم التي ملأت الأرض ومراحل بناء السفينة وسخرية قوم نوح منه وعصيان ابن نوح له، والطوفان بسيوله المنهمرة، وعيون الأرض المتفجرة والحيوانات المحمولة في السفينة. وكان واضحاً أن كاتب العمل متأثر بالقصة التي وردت في الإنجيل، من دون أن يصرح أو يلمح بهذا في العمل. 

يمكن وضع الفيلم كأحد المحاولات المهمة في السينما لمعالجة القضايا الروحية، لولا الجدل الذي أثاره في بقاع مختلفة، كالنقاش الحالي حول فيلم الخروج، آلهة وملوك، محيياً إشكاليتي رقابة الدولة على الفنون ودور الفتاوى الدينية في هذا الإطار. ولأن مركز النقاش في الساحة العربية والإسلامية تلافى، أحياناً كثيرة، أصل المشكلة والخلاف حول هذه القضايا، فنحاول أن نركز على ما هو غائب في النقاش بشأن مثل هذه الأعمال السينمائية. 

١- إذا بدأنا بما هو ديني، فمن المعروف أن السينما من الفنون المستحدثة، ويحتاج المفتي للقيام بعملية اجتهاد وقياس، لإصدار حكم شرعي بشأنها. ولأن القاعدة الفقهية تقول إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإن خوض الفقيه في هذه المساحة يلزمه أن يلم بجوانب هذا الفن، من ناحية آلية صناعته ودرجة تأثيره. والإلمام بنظرية الفيلم، مثلا، في هذا السياق، ليس ترفاً لكنه ضرورة؛ إذ لا يفلح مجرد القياس على الصورة المرسومة أو التمثال، وهي النماذج الفنية المتداولة في معظم كتب الفقه. وهناك شك في توفر السينمائي الفقيه أو الفقيه الملم بالسينما. وبالتالي، تظل عملية إنزال الحكم الشرعي على هذه الحالة تحوطها الشكوك وجوانب النقص، خصوصاً وأنها، في أحيان كثيرة، تتناول السيناريو أو الصورة المعروضة، مع إغفال السياق الدرامي ونوعية الموسيقى وترتيب الأحداث. وكلها عوامل أساسية في الحكم على أي فيلم. فضلا عن الدخول بالحكم الفقهي، المبني أصلاً على ظواهر الأمور، إلى مرحلة النيات والأحاسيس، وهي أمور قلبية محضة. 

كان يمكن إدانة فقهاء كثيرين متصدرين لمثل هذه الفتاوى، من دون الإلمام بهذا التخصص، لولا وجود طبقة من السينمائيين في الشرق مسكونة بحتمية تحطيم التابو الديني، في ظل الكلفة الباهظة لتحطيم ما سواه من تابوهات سياسية لا تتسامح معها الأنظمة أو تابوهات اجتماعية محضة لا يقبلها الجمهور. وبالتالي، نزعت هذه الطبقة إلى إشهار سيف حرية التعبير في وجه أي اعتراض على أعمال سينمائية، تتناول الأديان، وتنجز في بيئات غير ديموقراطية أصلاً، بغض النظر عن قيمتها الفنية. ليبقى أصل النزاع منحصراً بين المدافعين عن قيم التراث والمنتقدين له باسم الفن، في غياب لنقاش سينمائي فني رصين. وهو نزاع فوّت فرصة التعامل مع سينما الروحانيات. هذا النوع من السينما الذي تجاوز نطاق السينما البديلة، أو المستقلة، في العالم ليدخل إلى مجال صناعة السينما الثقيلة في هوليوود، وتجسّد في فيلمي نوح وآلهة وملوك الذي يعرض قصة سيدنا موسى عليه السلام. وهناك حتى تجارب لجمعيات أهلية في هذا الإطار، مثل المهرجان الأوروبي للسينما الروحية ونادي السينما الروحية الذي يجمع محبي هذا النوع من السينما، في إطار محاولات للخروج بالسينما من نطاق تجارية سينما أفلام الشباك إلى جوهر السينما المتحررة من قيود السوق. 
٢-سياسياً، هناك مشكلة تتعلق بالسينما، وبالإعلام المرئي بشكل عام أيضاً، في العالمين، العربي والإسلامي، تتلخص في أن العلاقة بين الجمهور والإعلام ينظر إليها كعلاقة الإمام بالمأموم أو الحاكم بالمحكوم. وهي إشكالية تاريخية تتعلق بالشكل الذي دخلت هذه الفنون المستحدثة إلى مجتمعات لم تمسك بعد بزمام أمورها، ولا تزال الدولة تفرض على أفرادها وصاية سياسية، وأحيانا دينية، وبالتالي، العلاقة بين الجمهور وهذه الفنون على علاقة ذات اتجاه واحد من أعلى إلى أسفل. أي من السلطة أياً كان شكلها، وعبر مقص رقيبها قبل أن تصل إلى المتلقي. حتى إن محاولات الإصلاح في هذا المجال لم تخرج عن هذا الإطار وتلك الطبيعة في العلاقة. فكثيرون يطمحون إلى إصلاح أحوال الفنون بإصلاح مقص الرقيب، ونشر فنون ذات مواصفات معينة، وليس تمكين المجتمع من التعبير عن نفسه بحرية، وأن يصبح الفن مرآة جمالية معبرة عنه، شأنه في ذلك شأن الشعر قبل قرون مثلاً. ومن هنا، كان البون الشاسع بين الشرق والغرب في صناعة واستيعاب والتعامل مع فن السينما. فالسينما دخلت إلى الغرب، بعد عمليات التحول الديموقراطي، وأتت دائماً من أسفل إلى أعلى، ولا ينظر لها على أنها إمام يعظ، ولكن مجرد تعبير عن ذائقة المخرج الجمالية، وفق قواعد فنية معينة يقبلها الجمهور، أو يرفضها، من دون فرض نمط من التفكير عليه.

3- إن النظرة الشائعة للسينما على أنها عمل ترفيهي بحت، أو أداة تغيير لحظي في المجتمعات تحد من إمكانية استفادة الجمهور العربي والمسلم منها. فجمعيات كثيرة في العالم تتعامل مع السينما أداة للعلاج والتغلب على المشكلات الشخصية. وأيضا طريقة للارتقاء والسمو الروحي، عبر الأبعاد المتعددة للجمال التي تعرضها السينما من قصة وصور وشخصيات وموسيقى... إلخ. وفي نهاية الأمر، الفيلم، بشكل عام، قطعة جمالية فنية قابلة لتأويلات عديدة، وقد وقعت ضحية أوضاعنا السياسية والفقهية الحالية.

الديكتاتور بين الحقيقة والخيال السينمائي

مالك أبو عريش (فلسطين)

عندما شاهدت الفيلم المصري "الديكتاتور" للمرة الأولى، كان الرئيس السابق محمد مُرسي على رأس السلطة في مصر. كنت أقول إن الأمور في مصر انتهت، ولم تكن نهايتها كما كانت في الفيلم، فنهاية الفيلم كانت غريبةً، وغير منطقية بالنسبة إلى متابعٍ للسينما المصرية. وفي الوقت نفسه، كنت أقول إن الواقع يختلف كثيراً عن عالم الأفلام السينمائية، لذلك، نجحت الثورة، وعاش الجميع بسلام.

عام واحدٌ بعدها، كان ثمة إصرارٌ على تغيير قناعتي، فالنهاية السينمائية التي كانت في الفيلم أصبحت حقيقةً واقعة، فقد تعاون بعضهم من أجل إعادة الديكتاتور "نفسه" إلى سدة الحكم، وفشلت النظرية السينمائية التي تبيحُ للجمهور مشاهدة نهايةٍ سعيدة، لتصبح الثورة المصرية "25 يناير" ليس أكثرَ من مجردِ فاصلٍ إعلاني بين جزءي فيلم الديكتاتور، ولتكون النهاية الحقيقية النهاية السينمائية.

كان من حقِ الممثل القدير، حسن حسني، في نهاية الفيلم، أن يسمي عودته إلى الحكم ثورةً، كما كان من حقه أن يبحث عن آسره، ويتهمه بمحاولة الانقلاب ويحاكمه على ذلك، طالما أن لديه عسكراً ينفذون أوامره، ويحافظون على استقرار "بامبوزيا".

كل هذا طبيعيٌ في ظل صراعات على السلطة في البلاد العربية. ولكن، ما أثار استغرابي استمرار المسيرات الرافضة لحكم عبدالفتاح السيسي والعسكر، والمؤيدة لمُرسي والإخوان المسلمين، في مُدن وقرى مصرية كثيرة، على الرغم من مرور عام ونصف على الانقلاب العسكري، وعلى الرغم من استمرار سقوط المتظاهرين برصاص الأمن المصري، يوماً بعد آخر.

وما يزيد استغرابي، انخفاض حجم التغطية الإعلامية لهذه التحركات، بشكلٍ مقصود أو غير مقصود، محاولين إقناعنا وإقناع المتظاهرين بأن إجماعاً خارجياً يوافق على وضع نهايةٍ غير سعيدةٍ لهذا الواقع الذي يتحول، شيئاً فشيئاً، إلى سينما درامية.

ولكن، ما جعلني أشعر بسعادةٍ بالغة استمرار التظاهرات، على الرغم من كل الشهداء الذين قدمهم الشعب المصري، وعلى الرغم من رصاص العسكر، وعلى الرغم من المؤامرات الخارجية، وعلى الرغم من المدة الطويلة، والإصرار من نساء وأطفالٍ وشبان على تغيير النهاية، قبل تغيير القضية.

حصاد 2014:

هوليوود تمر بمنعطف تاريخي والفضل يعود لفيلم «اللقاء»

من حسام عاصي: لوس أنجليس – «القدس العربي»

لا شك أن أهم حدث في هوليوود وعالم الأفلام عام 2014 كان اختراق القراصنة لشبكة «سوني بكتشرز» الإلكترونية، الذي تحول من مشكلة محلية إلى أزمة دولية، بعد أن هدد المخترقون بضربات إرهابية ضد دور السينما، التي كانت تستعد لعرض الفيلم الكوميدي «اللقاء»، الذي يسخر من زعيم كوريا الشمالية كيم جون اون، في عطلة عيد الميلاد. الحكومة الامريكية اتهمت كوريا الشمالية بارتكاب الجريمة وتوعدت بالانتقام، دون أن تقدم دليلا قاطعا يثبت التهمة. 

ورغم تراكم الشكوك من قبل خبراء محليين وعالميين، الذين كشفوا عن فجوات وتناقضات في تقرير المباحث الامريكية في هذا الصدد، أعلن الرئيس اوباما فرض عقوبات اقتصادية جديدة ضد كوريا الشمالية.

أما على مستوى هوليوود، فان هذا الحدث سوف يترك اثرا مضاعفا على منهج صناعة وتوزيع الأفلام ويحدث تغييرا جذريا في تعامل الاستوديوهات مع صالات السينما، وذلك بسبب ما حققه «اللقاء» من أرباح هائلة (15 مليون دولار خلال يومين) على المنصات الإلكترونية مثل «يوتيوب» و»اكسباكس» و»غوغل». هذه الأرقام هزت هوليوود وفتحت عيون مسؤوليها لخيارات أخرى لعرض الأفلام، فضلا عن صالات السينما، التي تفرض إرادتها على الاستوديوهات، مثل منع عرض الفيلم على أي منصة أخرى لفترة 8 أسابيع بعد انطلاقه، وتأخذ نصف ايرادات شباك التذاكر. 

كما أن هناك تكاليف باهظة لعرض فيلم في الصالات، مثل شحن نسخة الفيلم والترويج له. أما الآن فعلى صالات السينما أن تتنافس مع المواقع الإلكترونية، الأقل تكلفة والأكثر ربحا لهوليوود، والتي تمكن الجمهور من مشاهدة الفيلم على حاسوبات جوالة أينما أرادوا. هذا التنافس سوف يفيد هوليوود ماديا ويعيد لها زمام التحكم بكيفية وتوقيت عرض أفلامها.

هذا تطور مهم لهوليوود، التي عانت من هبوط ما يعادل 6 ٪ في إيرادات شباك التذاكر عام 2014، وهو الأسوأ منذ 17 عاما. هناك اسباب عدة لتدهور الإيرادات من أهمها مباريات كأس العالم لكرة القدم في شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو، حين انطلاق عدد ضئيل من الأفلام الضخمة التي عادة تدر الارباح العالية وانشغال الاجيال الشابة، الأكثر استهلاكا للافلام، بتصفح الانترنت وخاصة مواقع التواصل الإلكترونية. فلا بد أن هوليوود سوف تنظر في تزامن انطلاق أفلامها في صالات السينما مع عرضها على المنصات الإلكترونية لضمان أكبر قدر من الارباح، كما فعل المنتج المشهور هارفي واينستين هذا الصيف لفيلم المخرج الكوري بونغ جون «ثاقب الثلج»، اذ قام بعرضه لفترة أسبوع واحد في صالات السينما فقط، مثيرا غضب أصحابها، ثم علرضه على المنصات الإلكترونية. وفي حديث معه، قال لي إن تلك كانت الوسيلة الوحيدة لتفادي الخسارة، لأن تكاليف الترويج لعرض الفيلم على المنصات الإلكترونية كانت أقل من 5 ملايين دولار، وهذا خُمس ما كان سيكلفه لو عرضه في صالات السينما. هذه تطورات مبشرة للأفلام المستقلة، التي لا تملك ميزانيات ترويج ولا يمكنها أن تنافس افلام هوليوود في صالات السينما. هذه الافلام تبرز عادة من خلال اشتراكها في مهرجانات سينمائية عالمية مثل «صندانس»، «برلين»، «كانّ»، «فينيسيا»، «تورنتو»، «نيويورك» و»لندن»، التي تمكنها من الوصول الى الاعلام والجماهير. 

ولكن الاشتراك في مهرجان او الفوز بجوائزها ليس ضمانا لنجاح فيلم في شباك التذاكر او لحمايته من الغرق في بحر النسيان. فعلى سبيل المثال، «سوط» الذي حصد جائزة افضل فيلم في مهرجان «صندانس» و»سبات شتوي» الذي مُنح السعفة الذهبية في مهرجان «كانّ» لم يحققا ارباحا في شباك التذاكر، رغم أنهما قوبلا بمديح النقاد وتوّجا لاحقا بجوائز قيمة اخرى.

طبعا خلافا لافلام هوليوود الاستهلاكية المدججة بالمؤثرات الخاصة والخالية من مضامين مهمة، الأفلام المستقلة هي حصن فن السينما وتخوض في قضايا اجتماعية وسياسية وانسانية، تنور الجماهير وتحثهم على التفكير والتفاعل العاطفي. 

ففي مهرجان «صندانس» شاهدنا فيلم المخرج ريتشارد لينكلاتر «الصبا» الذي يسبر الوجدانية من خلال سرد قصة نضوج طفل من السادسة حتى الثامنة عشرة من عمره، تم تصويره عبر 12 عاما. ومنذ عرضه الاول بات الفيلم محبوب النقاد ونال جوائز قيمة عديدة ويتوقع أن يحصد جائزة الأوسكار لافضل فيلم هذا العام.

وفي مهرجان برلين، برز فيلم المخرج ويز اندرسون «فندق بودابست العظيم» الذي يتمحور حول صداقة حميمة وحافلة بالمغامرات بين مدير فندق اوروبي ومهاجر عربي يشتغل عنده. الفيلم قوبل بحماس من قبل النقاد والجماهير، وتصدر ايرادات شباك التذاكر في عدة دول وحقق ارباحا لا بأس بها. ولاحقا حاز على ترشيحات وجوائز قيمة.

وقدم مهرجان كانّ السينمائي مائدة من الأفلام ذات نكهات مختلفة من بلدان مختلفة. من ابرزها كان فيلم المخرج البريطاني مايك لي «السيد تيرنر» ، و»صائد الذئاب» للمخرج الامريكي بينيت ميلر، و»خريطة الى النجوم» للمخرج الكندي دافيد كرونينبرغ، و»أمي» للمخرج الكندي خافيير دولان و»حوت» للمخرج الروسي اندري زفياغيرنتسيف، الذي فاز لاحقا بجائزة افضل فيلم روائي في «مهرجان لندن السينمائي».

واستقطب فيلم المخرج المكسيكي اليخاندرو غونزاليس انريتو «الرجل الطائر» اهتمام النقاد ورواد مهرجان فينسيا للافلام، وفي نهاية العام تصدر ترشيحات جوائز الـ»غولدن غلوب». بينما كشف مهرجان تورنتو في شهر سبتمبر/أيلول عن قائمة أفلام تستعد لخوض معركة الجوائز، أبرزها كان «لعبة المحاكاة» للمخرج النرويجي مورتين تيلدون ومن بطولة بيندكت كامبرباش وكيرا نايتلي، و»نظرية كل شيء» للمخرج البريطاني جيمس مارش ومن بطولة ايدي ريدمين وفيليسيتي جونس و»بري» للمخرج الكندي جون- مارك فالي ومن بطولة ريز ديذيرسبون.

هذه الأفلام، التي بدأت مسيرتها في المهرجانات السينمائية، تتصدر الآن الترشيحات لجوائز مهمة مثل جوائز جمعيات النقاد في مختلف المدن، وجمعيات الممثلين والمخرجين والمنتجين في هوليوود وجوائز الغلودن غلوب. ويتوقع أنها سوف تبرز في ترشيحات جوائز الاوسكار التي ستعلن بعد اسبوعين. ويذكر ان هذه الترشيحات هي مضخة الحياة للأفلام المستقلة وبدونها يصعب عليها أن تحقق ارباحا في شباك التذاكر، حسب رئيسة شركة فوكس سيرشلايت، نانسي اوتلي، التي قالت لي قبل أسبوعين إن ايرادات فيلم «الرجل الطائر»، الذي انتجته، تضاعفت بعد الاعلان عن تصدره ترشيحات الـ»غولدن غلوب».

وكانت سنة 2014 فترة ذهبية للسينما العربية اذ ابتدأت بترشيحات 3 أفلام عربية لجوائز الاوسكار وهي «عمر» للمخرج الفلسطيني هاني ابو اسعد، و»الميدان» للمخرجة المصرية جيهان نجيم و «ليس للكرامة جدران» للمخرجة اليمنية سارة اسحاق. وبعد اقل من شهر حصد الفيلم السوري «العودة الى حمص» للمخرج طلال ديركي جائزة أفضل فيلم تسجيلي في «مهرجان صندانس للافلام.»

كما فاز المخرج الأردني ناجي أبو نوار بجائزة أفضل مخرج في مهرجان فينيسيا عن فيلمه «ذيب»، الذي استخدم نمط «أفلام الويستيرن» لسرد حكاية تدور في البادية العربية في اوائل القرن العشرين. ولاحقا اشترك الفيلم في مهرجانات مهمة اخرى مثل تورنتو ولندن، اللذين نوها به.

وسجلت الأفلام العربية حضورا ملحوظا في مهرجاني تورنتو ولندن ومن ضمنها كان فيلم المخرجة المغربية طالا حديد «اطار الليل» و»اوديسة عراقية» للمخرج سمير و»الوادي» للمخرج اللبناني غسان سلهب، «بلا مؤاخذة» و»ديكور» للمخرجين المصريين عمرو سلامة واحمد عبدالله بالتوالي. كما فاز الفيلم السوري «ماء الفضة» للمخرجين اسامة محمد ووئام سيماف بجائزة افضل فيلم وثائقي في مهرجان لندن السينمائي. ويعرض الفيلم مشاهد صادمة من الانتفاضة السورية التقتها المتظاهرون السوريون وحملوها على «اليوتوب». وبعد مشاركته بالمنافسة الرسمية في «مهرجان كانّ السينمائي» ومهرجانات اخرى مثل تورنتو ولندن، نجح فيلم المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو «تيمباكتو» في الدخول في فئة الافلام التسعة التي سيتم اختيار خمسة منها لترشيحات الاوسكار لافضل فيلم اجنبي. واذا تم ترشيحه فسوف يكون اول فيلم موريتاني يتنافس في جوائز الاوسكار. للأسف، رغم توفر الدعم المادي لصانعي الأفلام العرب من مؤسسات عربية مثل «مؤسسة دوحة للافلام» و»صندوق سند الاماراتي»، إلا أن افلامهم لا تحقق أرباحا تذكر وذلك بسبب ضعف او بالاحرى غياب سوق سينما عربي وانشغال الشعوب العربية بالثورات والحروبات الاهلية. من المفارقات انه رغم الشلل الذي يعاني منه سوق السينما في العالم العربي الا ان رقابة الافلام هناك ما زالت فعالة وقوية. فقد تم منع عرض بعض الافلام العربية والاجنبية ومن اهمها كان فيلم «نوح» الذي لم يعرض في عدة دول عربية لانه يشخص النبي نوح. ومؤخرا تم منع عرض فيلم «الخروج» لانه يشخص النبي موسى. الطريف هو أن هوليوود لا تكترث بمنع عرض أفلامها في العالم العربي لانها لا تحقق أي ارباح تذكر هناك.

twitter @husamasi

العربي الجديد اللندنية في

06.01.2015

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)