كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

ساندرين بونير:

غريزتي ورومانسيتي تقودان نجاحي

باريس – نبيل مسعد

 

تتميز مسيرة النجمة السينمائية الفرنسية ساندرين بونير (47 سنة) بالحكمة والجدية، منذ أن بدأت ممارسة التمثيل وهي بعد مراهقة عمرها 15 سنة في العام 1983، بمعنى أنها وعلى رغم كونها صارت مشهورة فور ظهور فيلمها الأول «نخب حبنا» للسينمائي الراحل الآن موريس بيالا، عرفت كيف تتفادى مطبات الأضواء والشهرة السطحية مفضّلة تعلم أصول الفن الدرامي في مدرسة متخصصة في الوقت نفسه الذي كانت تتولى فيه أدواراً أولى في أفلام عدة وتشارك في البطولات مع أشهر النجوم، من أمثال جيرار دوبارديو ووليام هيرت وميشيل بلان وأنطونيو بانديراس وإيزابيل هوبير وإيمانويل بيار وغيرهم، إضافة إلى ممارستها الإخراج السينمائي مرتين حتى الآن.

عاشت بونير علاقة عاطفية طويلة مع النجم الهوليوودي وليام هيرت أنجبت خلالها ابنة عمرها الآن 18 سنة ثم انفصلت عنه وتزوجت في العام 2003 من مؤلف السيناريوات الفرنسي غيوم لوران الذي أنجبت منه ابنتها الثانية البالغة الآن تسع سنوات.

وفي العام 2000 تعرضت بونير لهجوم شرس في الطريق العام إذ اعتدت عليها مجموعة من الشبان انهالوا عليها ضرباً قبل أن تصل الشرطة وتلقي القبض على المعتدين، إلا أن بونير خرجت من الحادثة بكسور عدة في عظام وجهها، ما اضطرها إلى الخضوع لعمليات جراحية ثم تجميلية متتالية كي تستعيد ملامحها الطبيعية، خصوصاً ابتسامتها المضيئة.

وتمثل بونير حالياً الدور النسائي الأول في مسرحية «المفكرة» للكاتب جان كلــود كاريار وإلى جوار الممثل المسرحي باسكال غريغوري، على خشبة مسرح «لاتيلييه» الباريسي. أما أحدث أفلامها فعنوانه «نحن نحبك أيها الشرير»، من إخراج كلـود لولوش وبطولة نجمي الغناء جونـــي هاليداي وإيدي ميتشيل والممثلة النـاشئة ساره كاظمي ذات الجذور الإيرانية. ولمناسبة نزول هذا الفيلم إلى الأسواق، كان هذا الحونار مع ساندرين بونير:

·        حدّثينا عن فيلمك الجديد «نحن نحبك أيها الشرير»؟

- تروي حبكة الفيلم حكاية مصور مشهور عالمياً تخصص في التغطية الإعلامية للأحداث الدامية، لا سيما الحروب، وقضى حياته متنقلاً في العالم مولياً اهتمامه الأول لمهنته وتاركاً بناته الخمس اللاتي ولدن من خمس أمهات مختلفات، من دون أي رعاية أبوية سوى المادية منها، إذ حرص دائماً على تولي نفقات بناته لكن عن بعد. وعند بلوغه سن التقاعد اشترى الرجل منزلاً كبيراً وجميلاً جداً في منطقة جبلية خلابة في سويسرا ودعا إليه أعز أصدقائه الذي هو في الوقت نفسه طبيبه الشخصي. وعندما لاحظ هذا الأخير كيف أن صديقه يتمنى وجود بناته إلى جواره، قرر اللجوء إلى حيلة من أجل أن يتحول الحلم إلى حقيقة، فاتصل هاتفياً بالبنات وقال لهن إن والدهن على وشك الموت. وهكذا وصلت البنات لزيارة الأب المريض المزعوم الذي لم يدرك سبب هذه الزيارة الجماعية المفاجئة في الوقت الذي يقع من ناحيته في غرام المرأة التي باشرت عملية بيع البيت والتي أمثلها أنا. ويتناول السيناريو المواقف العائلية المختلفة في ما بعد على النمطين الرومانسي المرح ثم الجدي البوليسي أيضاً، بما أن هناك جريمة قتل ترتكب في الغابة المحيطة بالبيت.

·        كيف دار التصوير تحت إشراف السينمائي المعروف كلود لولوش؟

- كنت قد سمعت عشرات الحكايات عن أسلوب لولوش في التعامل مع الممثلين، وها أنا خضت التجربة بنفسي وتأكدت من صحة كل ما قيل لي، مثل حكاية عدم تسليم سيناريو الفيلم بكامله إلى الممثلين والاكتفاء بإعطائهم الصفحات التي تخص دور كل منهم في صباح كل يوم من أيام التصوير، ثم إجبارهم إلى حد ما على الارتجال وتجاهل الحوار المدون في النص. وعلى رغم كون كل هذه الأمور مثيرة للاضطراب، أعترف بأنني وجدتها إيجابية وأخذتها كتحد مهني فني كان عليّ أن أرفعه، وفعلت. وأنا سعيدة بمشاركتي في الفيلم.

مغنٍ وممثل قدير

·        ماذا عن التمثيل أمام نجم الغناء جوني هاليداي؟

- ان ألطف رجل في الوجود ليس من المفروض اطلاق لقب مغنٍ فقط عليه، فهو مغن وممثل قدير وكل من يشاهد الفيلم سيوافقني على رأيي هذا. لقد مثلت أمامه كما أمثل أمام أي فنان قدير ذي خبرة فنية مميزة.

·        أنت أيضاً مخرجة سينمائية، فما الذي يدفعك إلى ممارسة هذا النشاط الإضافي؟

- أردت أن أصور فيلماً تسجيلياً عن أختي المعاقة جسدياً وعقلياً، وهي أخت غير تلك التي تحدثت عنها سابقاً، وفعلت. في هذه الأثناء اكتشفت في نفسي رغبة في التعبير عن حكايات محددة بواسطة الكاميرا فانطلقت في كتابة سيناريو خيالي إلى حد ما، وحولته في ما بعد إلى فيلم روائي. وأنا الآن مشغولة بكتابة سيناريو جديد.

·        لماذا تقولين «خيالي إلى حد ما»؟

- لأنني استوحيت من بعض الأحداث التي عشتها في حياتي من أجل أن أضع قواعد الحبكة التي أردت تصويرها.

·        كنت غائبة عن المسرح منذ منتصف التسعينات من القرن الفائت، وها أنت تعودين إليه. حدثينا عن مسرحية «المفكرة» إذاً؟

- المسرحية ألّفها جان كلود كاريار في سبعينات القرن العشرين ولاقت رواجاً كبـــيراً في تلك الفترة، وبما أن حبكتها تطابق الــزمن الحالي بلا أي صعوبة، قرر المخرج لاديسلاس شوليه إعادة تقديمها لكن في حلّة جديدة من حيث الديكور والملابس والحركة. وأنا عثرت في هذه المسرحية المتفوقة في نوعيتها على فرصة استثنائية من أجل معاودة النشاط المسرحي بعد غياب دام فعلاً حوالى عشرين سنة بسبب انشغالي المستمر في السينما.

·        وما هي هذه الحبكة بالتحديد؟

- رجل أعزب يمارس مهنة في غاية الجدية ويعير حياته الخصوصية أهمية بالغة، بمعنى أنه يدوّن كل صغيرة وكبيرة يفعلها في مفكرة سرية. فهو يسجل مواعيده اليومية وأسماء الأشخاص الذين يلتقيهم وعلاقاته المهنية وأيضاً الغرامية، إلى أن يلتقي في يوم ما ومن طريق الصدفة البحتة، إمرأة ستغير حياته وتخلصه من عادات العزوبية التي صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. والمسرحية تتميز بجانب رومانسي جذاب يناسبني تماماً.

·        يذكرنا كلامك هذا بكونك حصدت لقب «الممثلة الأكثر رومانسية» منذ سنوات، فهل ترين نفسك هكذا؟

شخصيات شريرة

- لست أدري إذا كنت الممثلة الأكثر رومانسية أم لا، وما أستطيع قوله هو أنني إمرأة تعير الرومانسية أهمية بالغة في حياتها، بمعنى أنني أمنح حب الآخر المكانة التي يستحقها هذا الشعور في كل علاقاتي مع العائلة والأصدقاء وفي إطار العمل. أنا عاطفية وهذه سمة من سمات شخصيتي، وأعتقد بأن المخرجين السينمائيين والمسرحيين يميلون إلى منحي الأدوار القريبة إلى حد ما من شخصيتي، ربما أيضاً لأن ملامحي توحي بشيء من الرومانسية. ولم يمنعني الأمر من تقمص شخصيات شريرة إلى حد ما في بعض الأفلام، لكن هذه التجارب تظل نادرة حتى الآن.

·        لكنك في مطلع مشوارك السينمائي توليت بطولة فيلم «بلا سقف أو قانون» للمخرجة أنياس فاردا حيث مثلت شخصية فتاة متشردة تعيش في الشوارع، وكان من الصعب العثور على أدنى رومانسية في هذا الفيلم القاسي الذي جلب لك التقدير والجوائز؟

- لا أوافقك الرأي، وقد وجدت شخصياً في الدور رومانسية مميزة لكن خفية في أعماق الفتاة المتشردة بسبب الظروف الرهيبة المحيطة بها، وقد تلذذت كممثلة بالتفتيش عن الوسائل التي كانت ستسمح لي بالتعبير عن مجموعة العواطف المكبوتة في كيان شابة منبوذة كهذه.

·        أنت شاركت ألمع النجوم العالميين بطولات أفلامك، فمن منهم ترك بصمات مميزة في نفسك كممثلة وكإمرأة؟

- أعتقد أنك تتخيل بسهولة ما هو الرد على الجزء الثاني من سؤالك، فأنا عشت فترة لا بأس بها مع الممثل وليام هيرت وهو بالتالي لعب دوراً مهماً في حياتي العاطفية وترك بلا شك بصمات دائمة في نفسي، خصوصاً أنه والد طفلتي الأولى. أما في ما يتعلق بالناحية الفنية فكنت أتمنى الرد بأن وليام هيرت نفسه هو الذي أثر في طريقة مواجهتي أدواري وتسبب في تحسين مستواي كممثلة، إلا أن الواقع مختلف لسبب بسيط يتلخص في كون هيرت ينتمي إلى المدرسة الأميركية التي يتبع لها داستين هوفمان وروبرت دي نيرو والتي انتمى اليها مارلون براندو بدوره. إنها مدرسة «أكتورز استوديو» العريقة التي تعيد كل شيء إلى العقل والتفكير وتخيل أبعاد الشخصية في أدق تفاصيلها، مثل الطفولة والتصرفات اليومية والأكل والشرب. إنها طريقة تأتي بنتائج فعالة لا مثيل لها، لكنني شخصياً عاجزة عن اتباع مثل هذا الأسوب في مواجهة أدواري، وحتى إذا كنت قد تعلمت أصول التمثيل في مدرسة متخصصة أظل غريزية في الوسيلة التي تسمح لي بتقمص شخصية خيالية ما، وأنا في ذلك تلميذة جيرار دوبارديو أكثر من وليام هيرت.

الحياة اللندنية في

18.04.2014

 
 

«المجلس»:

شريط جديد يزجّ الصغار في لعب الكبار

بشار إبراهيم 

ينسج المخرج يحيى العبدالله فيلمه الوثائقي الجديد «المجلس» بمهارة حائك مُحترف. يذهب إلى مدارس «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) في بلدة السخنة الأردنية، وينتقل ما بين مدرسة البنين ومدرسة البنات، ليقدّم تجربة انتخاب «برلمان مدرسي» فيهما، ويرصد مساراتها، سواء داخل المدرسة أم وهي تخرج من خلف جدران المدرسة، وتتماسّ مع الحياة العامة.

وفي حين لم يبخل الفيلم، ولم يتردّد في تقديم الإشارات الدالة على طبيعة البيئة الاجتماعية ومستواها الاقتصادي، فقد كان من الطبيعي أن تختلف المسارات ما بين البنين والبنات، لتبقى هموم الفتيات ومساراتهن طيّ جدران المدرسة، وتقف عند حدود العيب والحرام، في بيئة تقليدية مُحافظة، وما يمكن أن يُسمح به للبنات الصغيرات السنّ، وغير المسموح به للبنات الأكبر سناً، حتى لو كان في حدود أداء دبكة شعبية، وأغنية وطنية، بينما ينطلق ممثلو البنين في الحياة العامة وشؤونها بما يتعلق بالحياة المدرسية، كأنما في تقسيمة أبدية، داخل خارج، ذكر أنثى.

وعلى رغم أن الفيلم صوّر، في نصفه الأول تقريباً، أي خلال فترة الترشّح للانتخابات المدرسية، الموازنة ما بين حضور المُرشحات من البنات، والمُرشحين من البنين، وأخذ كل منهم لنصيبه على الشاشة، بدا لديه الميل واضحاً إلى تصوير أن البنات هنّ الأكثر وعياً ورصانة، والأقوم سلوكاً، اتكاء على ما نراه من مطالعات تُقدّم، وحوارات تدور، وتصرفات تُضبط، إلا أن كل شيء سوف يميل، في النصف الثاني من الفيلم، إلى الحضور الأوسع للبنين، وممثليهم، وتحرّكاتهم، وتنقلاتهم، بل إن خاتمة الفيلم ذاتها جاءت بناء على ما آل إليه سعي ممثلي البنين، مع خفوت حال صوت البنات، وسقف مطامحهن إلى الحدّ الأدنى، تكيفاً مع ما يُفرض عليهن.

يؤثث يحيى العبدالله فيلمه بشكل مُتدفّق، ويُحسن توجيه الكاميرا، وزجّها في الجلسات والقعدات، والتقاط الحوارات، وقطع المشاوير، حيث ينفّذ اللقطات المُتنقلة بمهارة، مرافقاً البنين أو البنات، في رواح ومجيء، مع التنويه اللازم بحُسن إدارة الشخصيات المُتواجدة على الشاشة، مع كثرتها، وتعدّدها، واختلاف أعمارها ومشاربها وثقافاتها، ما بين البنين والبنات، والمدرسين والمدرسات، وأولياء الأمـــور، والأهالي، وغيرها من الشخصيات ذات العلاقة بموضوعات الفيلم، مثل عامل البناء، وصاحب الأرض، وموظفي البلدية.

يلفت الانتباه التوازن ما بين إيقاع الفيلم، وحضور الشخصيات، وتغيّر الموضوع الراهن، في اللحظات الفيلمية المُتتالية، ما بين الشروع بلعبة الترشيحات وطرافة أفكار بعض المرشحين والمرشحات، في سبيل الفوز بالانتخابات، عبوراً للحظات الفوز والخسارة في هذا الانتخابات، قبل الانطلاق مع ممثلي البنين وممثلات البنات، في السعي لحلّ المشكلات المدرسية الداخلية، من شجارات بين متخاصمين، أو متخاصمات، والبحث عن حلّ لتلافي مشكلة التقصير الدراسي، لدى بعض التلاميذ والتلميذات... إلى درجة يتحول طاقم المعلمين، بمن فيهم مدير المدرسة إلى شخصيات ثانوية تتفاعل مع البنين والبنات باستجابات تامة، يمكن لها أن تُثير الاستغراب.

ويحقق فيلم «المجلس» وثبته الكبرى، عندما يشرع ممثلا البنين في حلّ مسألتين عالقتين، تتمثل أولاهما في حاجة المدرسة لإضافة غرف لصفوف جديدة، بينما تتوقّف ثانيتهما عند وجود حاوية قمامة بجوار المدرسة، وتراكم الأوساخ حولها، والاضطرار بالتالي لحرق النفايات، بما ينفث الدخان المؤذي للجميع.

الأمر الذي بدأ على هيئة لعبة أولاد، وإن كان في واحد من جوانبه أشبه بدرس تدريبي على المعنى العملي للديمقراطية، تحوّل إلى كاشف لجوانب أخرى من المجتمع، تفضح البيروقراطية المُعششة في المؤسسات الحكومية، من خلال مطاردة موظفي ومسؤولي البلدية، لقاءً بعد آخر، واتصالاً تلو غيره، وتتالي المواعيد، كما تفضح الثقل الاجتماعي الاقتصادي، بدءاً من الشيخ الذي تختلط في هيئته صورة معلم درس الديانة في الصف، بصورة المفتي والشيخ والإمام، الذي يقرّر حدود المسموح والممنوع، وصولاً إلى صاحب الأرض الذي يتذرّع بخشيته من الوقوع في مشكلات مع أهله.

في لحظة ما من لحظات الفيلم، سوف ينتبه المُشاهد إلى أن فيلم «المجلس» يأخذه إلى ما هو أبعد من «لعبة صغار». صحيح أنه على هذا المستوى البسيط والمباشر من القراءة يمكنه أن يكون فيلماً توعوياً، تنموياً، تدريباً على ممارسة الفعل الديموقراطي، من خلال ثنائية الترشيح والانتخاب، ولكنه على المستوى الأبعد في المشاهدة، أو الأعمق في الرؤية والقراءة، يذهب إلى فضح التناقض بين النظري والعملي، بين القول والفعل، بين ما نقدّمه للبنين والبنات من خلال المناهج التعليمية النموذجية الصياغة، وما نجسّده أمامهم من ممارسات ومواقف عملية في الواقع، لا علاقة لها أبداً بالنموذج الذي نسعى إلى تعليمهم، أو في الحقيقة تلقينهم.

يحيى العبدالله، الفائز بفيلمه الروائي الطويل الأول «الجمعة الأخيرة»، بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، وأفضل ممثل، وأفضل موسيقى، من «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، عام 2011، يعود هذه المرة بفيلم وثائقي طويل (89 دقيقة)، فيه من المهارة البادية، ومن القدرة على النفاذ إلى جوهر الأشياء، من دون افتعال أو خطابية أو مباشرة، تاركاً المُشاهد في حالة التأمل بقدرة الفيلم الوثائقي على قول ما هو أبعد مما يراه على الشاشة.

الحياة اللندنية في

18.04.2014

 
 

«المسيرة» صرخة مغربية في وجه العنصرية في فرنسا

مونتريال - «الحياة» 

يسجل لشاشات الفن السابع كميديا عالمية فاعلة ومؤثرة في الرأي العام العالمي، مساهمتها في تأريخ التحركات الشعبية المناهضة لكل اشكال الظلم والاستبداد والتمييز. كما يسجل لجرأة بعض المخرجين السينمائيين امثال البلجيكي المغربي نبيل بن يادير استحضاره لأول تحرك جماهيري ترجمه في فيلم «المسيرة «الذي يعرض حالياً في عدد من صلات مونتريال. ويتحدث عن مسيرة قادها مهاجرون مغاربة قبل اكثر من ثلاثين عاماً لمناهضة التمييز العنصري الذي كانت تنتهجه السلطات الفرنسية حينذاك.

سيناريو الفيلم مشترك بين مخرجه وناديا لخضر. والممثلون فيه مغربيون وفرنسيون. وهو ناطق بالعربية والفرنسية. والفيلم على رغم طابعه الدرامي لا يخلو من الفكاهة والمرح. ويتميز بجرأته في مساهمته في احياء فكرة المسيرات الشعبية في العمل السينمائي المعاصر.

استحضار التاريخ

يستعيد الفيلم حال فرنسا اثناء صعود اليمن المتطرف عام 1983 وتشجيعه على نشر الكراهية والعنصرية، لا سيما في الضواحي المهمشة التي كانت تكثر فيها الاعتداءات على الأجانب والمهاجرين. وذلك من خلال ما يحدث في مدينة مانغيت، احدى ضواحي ليون، حيث يتعرض الشاب محمد (توفيق جلاب) المولود في فرنسا من ابويين مغربيين، الى اعتداء وحشي اصيب فيه بحروح بالغة على يد الشرطة الفرنسية. ويستذكر محمد في تلك اللحظة ابطال الصورة الاسطورية المناهضة للعنف ويستوحي من مسيرتي غاندي ومارتن لوثر كينغ مثالاً لمسيرة مماثلة. وبعد حصوله على دعم الراهب المسيحي كريستوف دوبوا وبعض المناصرين، يطلق الجميع دعوة لتنظيم مسيرة طويلة من اجل المساواة ومكافحة العنصرية في فرنسا. وتنطلق المسيرة بالفعل من مارسيليا في 15 تشرين الاول (اوكتوبر) 1983 لتعبر مسافة نحو الف كيلومتر مشياً على الاقدام. وخلال مرورها في المدن والقرى ينضم اليها العديد من المناصرين كما جوبهت من مناهضيها بشتى المضايقات والاهانات التي لم تحل دون وصولها بعد حوالى شهرين الى العاصمة باريس. هناك كانت موجات الوافدين اليها من شتى المناطق اشبه بتسونامي بشري قدر بأكثر من مئة الف متظاهر. في تلك اللحظة التاريخية، يشدد الفيلم على وقع الشعارات والصيحات المنددة بالتطرف والكراهية والعنصرية وتطلع الجماهير الى ولادة مجتمع فرنسي جديد كنموذج غربي للعدالة والمساواة.

بانوراما جامعة لنهاية محبطة

تكشف المسيرة خلال مشورها الطويل عن بانوراما رائعة من تنوع المشاركين فيها على اختلاف انتماءاتهم الايديولوجية والثقافية والفكرية والاجتماعية والدينية. فوجود الكاهن بين الجماهير لا يؤشر الى التدين وحسب وانما ربما لادخال الايمان في قلوب العلمانيين والملحدين. كما ان الاصرار على سلمية المسيرة دلالة واضحة على رفض منطق العنف للعنف (موقف توفيق جلاب المعارض لاستخدام العنف في وجه الشرطة او المجموعات العنصرية). أما اشتراك العنصر النسائي (لبنى زابال وشارلين لوبون وحفيظة حرزي والمصورة الكندية ذات الاصول الكندية والجذور الشيوعية) فيؤكد في الفيلم على دخول المرأة المعترك السياسي ودفاعها عن حقوقها المدنية ومطالبتها بالمساواة بين الجنسين. اضافة الى ما كان يجري في صفوف المتظاهرين بين الحين والآخر من هرج ومرج وهزل وقصص الخيبة والامل وبروز دور الفكاهي المغربي جمال دبوز الذي كان يحاول ان ينسى ادمانه ويعود الى رشده ويتعرف الى نموذج آخر من الحياة غير العبثية.

وينتهي الفيلم في ظاهره بمشهد وردي لدى وصول المسيرة الى قصر الرئاسة في باريس واستقبالها من قبل الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران واستماعه الى مطالب المتظاهرين ومنحهم بطاقة اقامة صالحة لمدة عشر سنوات. الا ان ما بعد المسيرة كان شيئاً آخر. كان عبارة عن ضياع مؤلم لحركة سلمية جماهيرية سلبت من اصحابها دون ان تحدث تغييراً يذكر بعد اكثر من 30 سنة على هذا الحدث التاريخي. ففرنسا ما زالت تمارس عنصريتها على شريحة واسعة من المواطنين اياهم الذين يحملون سحنات او هويات دينية وثقافية غير فرنسية. وهذه النهاية كما يقول اندريه لافوا الناقد السينمائي في جريدة «لو دوفوار» المونتريالية هي «على مأساويتها تمثل الجانب الأكثر اهمية واثارة اذ انها ايقظت على الاقل مشاعر الفرنسيين النائمين على امجاد الاشتراكية». اما زميله مارك اندريه لوسييه في جريدة «لا برس» فيقول في مقالته: «من الصعوبة ان يقال ان عمل المخرج نبيل بن يادير غير مفيد. ويكفيه انه قال للفرنسيين: كفى!». وهو من جانب آخر يرى انه «من الغرابة ومن غير المنطق والسذاجة ان يعيد المخرج الروح الى مسيرة حدثت في غير هذا الزمان او ان يحرك رماد التاريخ دون احداث حريق».

باختصار تتكـــامل في الفيلم المادة الوثائقية كحدث وقصة حـيـــة فـــي الذاكرة مع تطابق النص المتخيل وانفــتـــاحـــه على قيم ابطال المسيرة وتنوع خلفياتهم الفكرية والايديولوجية على رغم مما اعتراه من بعض الاسقاطات والمبالغات وافتعال بعض المشاهد وتجييش مشاعر الجمهور التي لا طائل منها.

الحياة اللندنية في

18.04.2014

 
 

«عن قرب» واقع ما بعد الربيع العربي

القاهرة – نيرمين سامي 

< إذا كنت مخرجاً أو منتجاً أو صانع أفلام وثائقية، أو صحافياً أو فرداً عادياً وقمت بإعداد فيلم وثائقي أو مادة صحافية أو استقصائية تسلط فيها الضوء على إحدى قضايا العالم العربي الرئيسية منذ بدء الانتفاضات في كانون الأول (ديسمبر) 2010، فمهرجان «عن قرب» للأفلام والوثائقيات بانتظارك. المهرجان تنظمه في العاصمة لندن شبكة «بي بي سي عربي» بالاشتراك مع المجلس الثقافي البريطاني، حيث من المتوقع أن يضم المهرجان أفضل الأعمال من الفئات التالية: الفيلم التمثيلي الطويل والفيلم التمثيلي القصير، الفيلم الوثائقي والفيلم الاستقصائي، صحافة المواطن.

«عن قرب»، الذي يقام على مسرح «بي بي سي» العريق ستكون أيامه الأربعة مليئة بالعروض والمحاضرات والنقاشات وورشات العمل، ويقول رئيس تحرير البرامج في «بي بي سي عربي» سمير فرح لـ «لحياة»: « منذ اندلاع الانتفاضات العربية، شعرنا أن المشهد الإعلامي بدأ يشهد تغيراً كبيرا. التغير طاول وسائل الإعلام التقليدية ووسائط التواصل الاجتماعي إضافة إلى المواطن العربي العادي، وهذا مهم جداً. فالمواطن العادي بدأ يفرض نفسه على المشهد الإعلامي، ولم يعد يكتفي بالتلقي. افلامه القصيرة المصورة بالهواتف وكاميرات الفيديو العادية ملأت الدنيا وهيمنت على ما تبثه وسائل الإعلام التقليدية، وكأنها اصبحت تعتمد عليه تماماً للوصول إلى الأماكن التي لا تتمكن فرقها المحترفة من الوصول اليها بالسرعة المطلوبة واظهار ما يحدث، عن قرب، للجمهور الواسع. الناس بدأت تعتمد على هذا المشهد الإعلامي الجديد وعلى تلك المواهب الجديدة وصنّاع الأفلام الذين وثقوا الظروف التي رافقت وأدت إلى الانتفاضات. وكان لا بد لـ «بي بي سي» من أن تخصص لهم بضعة أيام تتركز خلالها الأعين على ما صنعوه».

فرصة للبريطانيين

ويرى فرح أن إقامة المهرجان في لندن جاء من كون أن العالم بأجمعه، وليس فقط العالم العربي، تابع تطورات الانتفاضات لكنه لم يتعرف عن كثب إلى الشخصيات التي ساهمت في التغيير، والأعمال التي وثّقت هذا التغيير، وبالتالي هو»فرصة للبريطانيين أيضاً للاقتراب من الحدث أكثر» بحسب ما صرح به. ونفى فرح أن تكون التحديات المالية التي تواجهها «بي بي سي» أخيراً أثرت بالسلب على الإعداد للمهرجان، «نحرص دائماً على جودة ما تقدمه «بي بي سي» مهما كانت الحال وعلى طموحنا في الوصول إلى من لا يتمكن دائماً من الوصول إلينا. المهرجان سيقدم أفلامه وسيحقق أهدافه بالموازانة الصحيحة له. هذا أمر لا شك فيه».

وبدأ المهرجان في قبول طلبات المشاركة منذ آذار (مارس) الماضي حيث يجب على المتنافسين تقديم جميع المشاركات بلغتها الأصلية. ولكن لن يتم قبول المشاركات المرسلة من دون ترجمة مذيلة باللغة الإنكليزية، وتستثنى من هذا الشرط فئة صحافة المواطن، حيث يفضل إرفاقها بالترجمة المذيلة لكنها ليست شرطاً أساسياً. كما لا يمكن للصحافيين المحترفين الذين يمتهنون الصحافة أو المراسلين الصحافيين الذين يعملون لصالح محطات بث رئيسية أو منظمات إخبارية التقدم لفئة الصحافي المواطن.

لجان التحكيم

وأشار فرح أنه سيتم تقييم واختيار الأفلام النهائية في «عن قرب» من خلال لجنتين للتحكيم: الأولى للأفلام الروائية والأفلام القصيرة، وترأسها مسؤولة إعلام «بي بي سي» باللغات غير الانكليزية، «ليليان لاندور»، وتضم بين أعضائها الصحافي البريطاني والناقد السينمائي «كليم أفتاب»، ومديرة قسم الأفلام في المجلس الثقافي البريطاني «برايوني هانسون»، والمخرجة «سارة إسحاق»، والكاتبة «روز عيسى». أما اللجنة الثانية فهي لجنة الأعمال الصحافية، للوثائقيات والصحافة الاستقصائية وصحافة المواطن، التي يرأسها رئيس تحرير برنامج بانوراما في «بي بي سي» توم جايلز، ومن أعضائها مراسل الشؤون الخارجية في صحيفة الغارديان البريطانية، غيث عبد الأحمد، والكاتبة الروائية أهداف سويف وغيرهما. وعن عدد الأفلام المتوقع مشاركتها في فعاليات المهرجان، أجاب سمير فرح: «من الصعب التنبؤ بعدد المشاركات في سنة المهرجان الأولى، وأن كان ما وصلنا خلال الأيام الأولى لفتح باب التقدم بطلبات أكثر بكثير مما كنا نتوقعه. لكننا نتوقع عرض عشرات الأعمال من دول عربية وغير عربية خلال أيام المهرجان الأربعة».

وتقدم «بي بي سي» منحة للمواهب الشابة عبر قسم «بي بي سي عربي» بغرض اكتشاف ودعم أفضل موهبة شابة، تقدم مشاركات جديدة مبدعة ومثيرة للانتباه من سينمائيين أو صانعي أفلام شباب، حيث ستعطي منحة لأفضل سينمائي شاب وواعد من المتقدمين تصل قيمتها إلى عشرة آلاف جنيه إسترليني وتشمل التدريب والإشراف والمعدات لتمكين متلقي المنحة من إتمام مشروع يعمل عليه. ويجب أن تكون الأفلام المنافسة تم العمل على إنجازها بعد بدء الانتفاضات العربية في كانون الأول (ديسمبر) 2010، حول مواضيع تركز على بحث القضايا الأساسية التي أوجدت الحاجة للتغيير في المنطقة العربية، أو الأحداث التي صاحبت الثورات التي بدأت في كانون الأول 2010، أو التركيز على أعقاب الانتفاضات العربية.

الحياة اللندنية في

18.04.2014

 
 

«جاذبية» في الفضاء ...

وتبقى الأرض الكوكب الأجمل

أبو ظبي – إبراهيم حاج عبدي 

بعيداً من أفلام «الآكشن» والجريمة، أو قصص الحب والرومانسية، وسواها من المواضيع التي تطغى على انتاجات هوليوود، تأخذنا السينما، هذه المرة، في مغامرة مشوقة واستثنائية عبر فيلم «غرافيتي» للمخرج المكسيكي ألفونسو كوارون الذي يهجر الأرض، ليكون الفضاء الرحب مسرحاً لتحفته السينمائية التي نالت ست جوائز أوسكار، بينها أفضل إخراج وأفضل تصوير وأفضل مونتاج.

الفيلم، الذي كتب له السيناريو المخرج ذاته، بالتعاون مع ابنه جوناس كوارون، يروي تفاصيل المهمة الفضائية الأولى للباحثة الطبية ريان ستون (ساندرا بولوك)، ورائد الفضاء الخبير مات كوالسكي (جورج كلوني) اللذين يرسلان إلى الفضاء لإصلاح تيليسكوب. لكن سرعان ما يتم تحذيرهما من حطام قمر اصطناعي قريب جرى تدميره بصاروخ روسي، وإبلاغهما بإنهاء المهمة لأن هذا الحطام، المندفع بسرعة هائلة، سيرتطم بمركبتيهما. هنا يأخذ الفيلم مساراً درامياً مختلفاً عن شخصين يصارعان في الفضاء الرحب؛ المجهول من أجل النجاة التي تكاد تكون مستحيلة. الرعب والهلع؛ الأمل والرجاء والاحساس باقتراب النهاية... مفردات تهيمن على سلوك البطلين اللذين يسبحان بيأس، كريشة في مهب الريح، في مركبة عالقة في فضاء يفتقد الجاذبية الأرضية، ولا شيء يمكن أن يبدد هاجس الموت الوشيك. لا مجال للنجدة أو طلب العون، وكل ما عليهما فعله هو الاستنجاد بخبراتهما لعلهما يعثران على طريقة للعودة إلى الأرض، فذلك الكوكب الغارق في الكوارث والحروب، هو الوحيد الذي سيمنحهما الطمأنينة. يستمر التشويق والترقب وحبس الأنفاس خلال مدة الشريط (91 دقيقة) إلى أن تنجح الطبيبة، وعبر محاولات معقدة، في الوصول إلى محطة فضائية صينية لتعود عبرها إلى الأرض، باستخدام كبسولة صغيرة، لتكون الناجية الوحيدة من هذا الحادث، بعدما بذل زميلها كوالسكي كل ما في وسعه كي ينقذها، مضحياً بنفسه. حين تلامس الأرض، تهمس البطلة بشكر عميق، وفي عينيها يختبئ رعب اللحظات العصيبة التي عاشتها في الفضاء الخارجي، وكأنها تقول إن كوكب الأرض سيبقى هو الأجمل والأسلم على رغم كل الكوارث والنزاعات والحروب. ويمكن، كذلك، تأويل الفيلم على أنه يأتي بمثابة رسالة تدعو إلى الحفاظ على كوكب الأرض والسعي الى انقاذه من التلوث والأوبئة والصراعات، فهو المكان الوحيد الملائم للحياة وسط هذا الكون الغامض؛ اللانهائي.

جماليات بصرية

ما يشد في هذا الفيلم هو الجماليات البصرية، فالفيلم مُنَفّذ بتقنية الثلاثي الأبعاد (تصوير ايمانويل لوبيسكي)، الأمر الذي يوفر جماليات سينمائية تبحر بالمشاهد نحو رحابة الفضاء الخارجي، وأبعاده اللانهائية، وألغازه التي تطل من خلال لقطات طويلة تحفّز على التأمل وتقود إلى أسئلة وجودية حول الحياة والموت، وغريزة البقاء، والتوق الجارف إلى معانقة التراب في كون فسيح لا يني يثير الحيرة والقلق. وبدا التحدي الأكبر في كيفية التصوير ضمن فضاء بلا جاذبية، إذ يتحتم على المخرج أن يكون حريصاً على كل تفصيل، وقادراً على إقناع المشاهد بلقطات، غير مألوفة، عن شخصين لا وزن لهما، يواجهان محنة طارئة. وعلى رغم أن فريق العمل اجتهد في هذا الجانب غير أنه لم يسلم من ملاحظات وجّهها أحد علماء الفيزياء حول «أخطاء علمية» تظهر خلال الشريط. بيد أن هذه الملاحظات لا تقلل من الجهد الذي بذله المخرج، فهو استخدم مؤثرات حاسوبية، واستعان بروبوتات تتحرك ذاتياً، ووضع اكسسورات وديكورات تجسد تقنيات المركبات الفضائية... كل ذلك، في سبيل اقناع المشاهد الذي لن يأبه، والحال كذلك، بمسألة أن «شعر البطلة لا يتطاير في الهواء»، على سبيل المثال، كما أشار عالم الفيزياء في معرض انتقاداته للفيلم.

ومع أن الشخصيات في الفيلم تقتصر على البطلين الرئيسين، كما أن مكان التصوير يقتصر على مركبة فضائية، وما يحيط بها من وهج النجوم وعتمة الكواكب، لكن ذلك لم يربك ايقاعه المتوازن، ولم يشعر المشاهد بالملل، فهذا المشاهد سيجد نفسه مستغرقاً في الاهتمام بكوادر تستثمر جماليات هذا النوع من الأفلام، ومتلهفاً لمعرفة ما ستؤول إليه الكارثة، وكان لأداء النجمين البارزين (بولوك وكلوني) دور في جذب المشاهد نحو شخصيتين تصارعان الموت، وتظهران حالات إنسانية مختلفة، وتعبران عن مشاعر مختلطة حول معنى الحياة، ناهيك عن أنهما نجمان يتمتعان بشهرة واسعة، ولعل هذا ما دفع المخرج الى اختيارهما وجعلهما يثرثران نحو ساعة ونصف الساعة وهو يعرف أن رصيدهما الكبير في الذاكرة سينقذ الفيلم من الرتابة، وسيبعده عن أجواء الأفلام الوثائقية عن الفضاء، والتي لا يهتم بها سوى بعض المتخصصين في هذا الحقل.

ملحمية الموسيقى

وإزاء الصمت المطبق، هناك في أعماق الفضاء، بعيداً من صخب الأرض، تأتي الموسيقى التصويرية المعبّرة لستيفن برايس لتمنح هذا الشريط السينمائي بعداً ملحمياً، إذ تتناغم ايقاعات هذه الموسيقى مع نبرة القنوط وبريق الأمل الذي لا ينطفئ في القلوب على رغم الموت الوشيك، وشبه المحتم.

تتداخل في هذا الفيلم، الذي وصفه جيمس كاميرون بأنه «أفضل فيلم عن الفضاء على الإطلاق»، جماليات السينما مع نزعة فلسفية مضمرة، ذلك أن المخرج لا يسعى الى تحويل فيلمه إلى شريط غارق في التنظير حول أسرار الفضاء، وإنما يضع بطليه ضمن «أجواء الكارثة الوشيكة». وخلال هذا الاختبار الصعب سنصغي إلى حوار وجداني عميق حول ذكريات الأرض، والحادثة المدرسية المؤسفة التي أودت بحياة ابنة البطلة. حوار عن الماضي والحنين وبوح يرمز إلى ضعف الانسان، وكذلك إلى صبره وإيمانه بأن الأمل، دائماً، يلوح في الأفق مهما اشتدت الصعاب.

الحياة اللندنية في

18.04.2014

 
 

ندوة مغربية عن العلاقة بين الشاشتين

الدار البيضاء - «الحياة» 

تقيم الجمعية المغربية لنقاد السينما ندوة جديدة في مدينة الرباط بالمغرب حول العلاقة بين «السينما والتلفزيون» بدعم من وزارة الاتصال وشراكة مع المكتبة الوطنية بالرباط وذلك يومي 25 – 26 أبريل (نيسان) الجاري في قاعة المكتبة الوطنية بالرباط. والندوة التي تهدف كما يقول منظموها إلى «فتح نقاش هادئ وعميق حول تطور العلاقة بين السينما والتلفزيون: من مستوى المنافسة إلى مستوى التكامل» تتولى تقديم وجهات نظر المختصين حول قضايا تخص الإنتاج والإبداع في السينما والتلفزيون والوقوف عند مستويات التقاطع والتداخل بين الفيلم السينمائي والفيلم التلفزي إضافة إلى نشر أعمال الندوة في مجلة «المجلة المغربية للأبحاث السينمائية» التي تصدرها الجمعية.

أما مشروع الندوة كلاًّ، فينطلق بحسب بيان للجمعية من التفكير الذي آن أوانه لتنظيم ندوة عن «السينما والتلفزيون» من «منظور مختلف تماماً عن منظور الندوات التي نظمت في نفس الموضوع في السنوات الأخيرة، على اعتبار أننا لن نناقش من جديد الوضعية الحالية لسينمانا في علاقتها بتلفزيوننا، ولن نعيد ما قيل حول دفاتر التحملات وما هي الأفلام التي تحتاجها تلفزتنا في الوقت الراهن...». ويضيف بيان الجمعي مفسّراً: «نود أن نفكر جميعاً، هنا والآن، في القضايا الجوهرية التي أصبح كل من السينما والتلفزة يطرحها في علاقة إحداهما بالأخرى في العشرية الأخيرة وما تثيرها الآن من إشكاليات على مستوى الهيكلة، على مستوى الكتابة، على مستوى الاستقبال... ومن هنا يمكن التأكيد على أن السينما لم تعد تعرف تلك الحدة في التنافس مع التلفزيون كما كان عليه الحال قبل عشر سنوات، بل يمكن القول إنهما أصبحا يتعايشان جنباً إلى جنب في علاقة تكامل وتعاون. في فرنسا مثلاً، تقول إحصائيات سنة 2005 بأن القنوات التلفزية قدمت 29 في المئة من مجمل التمويلات المقدمة للفيلم الفرنسي، بمعنى آخر: لا يمكن السينما الفرنسية الآن أن تعيش من دون تلفزيون».

أما الأسئلة الأساسية التي تكمن في خلفية المشروع والمداخلات، فهي أساساً: كيف يمكن فهم هذا الوضع الجديد للسينما في علاقتها بالتلفزيون؟ هل أصبحت السينما تبحث عن جمهور آخر، أم أن جمهور التلفزيون يُقبل الآن أكثر على الأفلام السينمائية التي تعرض على الشاشة الصغيرة؟

هل من الجائز الآن، نتيجة لتفاعل الجمهور الذي أصبح لا يكاد يفرق بين الفرجة السينمائية والفرجة التلفزية، أن نستمر في التمييز بين الفيلم السينمائي والفيلم التلفزي؟ وبالتالي هل من الممكن مساءلة قولة جان لوك كودار المعروفة: «لقد نسي مشاهد التلفزة منذ مدة أن مشاهدة فيلم في التلفزة ليست إلا مشاهدة نسخة رديئة من النسخة الأصلية».

وهل حقيقة، بعد التطور الحاصل حالياً في التقنيات السمعية البصرية، اختفت الفوارق بين الفيلم السينمائي والفيلم التلفزي من الناحية التقنية والجمالية وبالتالي من حيث الكلفة الإنتاجية؟

هل تفرض التلفزة شروطاً مختلفة على الأفلام التي تمولها من جهة وعلى الأفلام التي تذيعها من جهة ثانية؟ أليست هناك معايير «ستاندارد» بالنسبة للأفلام المطلوبة في التلفزة على مستوى كتابة السيناريو، على مستوى اختيار الممثلين؟ وهل نجد المعايير ذاتها في الأفلام التي تصنع خصوصاً للسينما؟

أما زال عرض الأفلام في التلفزة يشكل خطراً على مستقبل الأفلام في القاعات أم أن البرمجة في كل من الشاشتين يمكن أن تتكامل في شكل من الأشكال؟

الحياة اللندنية في

18.04.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)