كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

إيفا غرين: هوليوود سلبتني أنوثتي

باريس - نبيل مسعد

 

إيفا غرين (34 سنة) ممثلة فرنسية ذات جذور سويدية، وهي إبنة النجمة السينمائية مارلين جوبير التي عرفت أوج شعبيتها في سبعينات القرن العشرين. وبعدما بدأت غرين في تعلم الآثار راغبة في التخصص في الآثار المصرية، غيّرت خط سيرها والتحقت بمدرسة للدراما في باريس أولاً ثم في لندن ونيويورك، واحترفت المسرح وثم السينما عندما اكتشفها المخرج الإيطالي الشهير برناردو برتولوتشي في العام 2002 مانحاً إياها بطولة فيلمه «الذين يحلمون». وقد فتح اتقانها للغة الإنكليزية باب العمل أمامها في أفلام بريطانية وأميركية، أبرزها «مملكة السماء» للسينمائي ريدلي سكوت، و «كازينو روايال» وهو من أفلام جيمس بوند وتقاسمت فيه غرين البطولة مع دانيال كريغ.

ونزل حديثاً إلى صالات السينما فيلم «300: ميلاد إمبراطورية» للسينمائي نوام مورو. وتدور أحداث الفيلم في زمن الإغريق، وتؤدي غرين شخصية الملكة الشريرة أرتيميزيا التي لا تتردد في التخلص من أقرب المقربين إليها إذا شعرت بأنهم يعترضون طريقها الى السلطة المطلقة، الأمر الذي لا يمنعها من استخدام أنوثتها كفخ لجذب الرجال الى حبالها العاطفية قبل أن تغتالهم بأبشع الوسائل.

ولمــناسـبـــة حمــلــة الــتــرويــج لهذا العمل التقت «الحياة» غرين وحاورتها.

·        حدثينا عن الظروف التي جعلت هوليوود تمنحك الدور النسائي الرئيسي في فيلم «300: ميلاد إمبراطورية»؟

- ترغب الطريقة الهوليوودية في أن يطوف المخرج العدد الأكبر من البلدان الأوروبية إضافة إلى أميركا الشمالية، بحثاً عن الممثل الأنسب لدور في فيلم يعده. وهذا ما حدث بالنسبة الى فيلم «300: ميلاد إمبراطورية»، إذ أن شخصية الملكة اليونانية الشريرة الخائنة والجذابة في آن معاً كان لا بد أن تتميز بصفات متناقضة في حد ذاتها، مثل النعومة والشراسة، الحب والكراهية، ثم التحول في غمضة عين من إمرأة عاشقة إلى أخرى قادرة على القتل بلا أي رحمة. أنها تعاني، إلى حد ما، من إنفصام في الشخصية. كما أن المخرج نوام مورو رفض اللجوء، في شأن مظهر شخصية الملكة، إلى المؤثرات المرئية المبنية على التكنولوجيا الحديثة وفضل العمل على الطريقة القديمة التي تحبذ قيام الماكياج وحده بإجراء كل التعديلات في مظهر الممثلة، ثم ترك عنصر إقناع المتفرج على عاتق الموهبة التمثيلية التي تنعم بها هذه الممثلة بالتحديد. ووجدت نفسي صاحبة الدور من أجل إجراء الاختبار أمام الكاميرا في باريس، في يوم كان المفروض فيه أن أسافر إلى لندن من أجل التمثيل في فيلم للتلفزيون، وبالتالي كنت مشغولة بموضوع السفر هذا وخائفة من أن يفوتني قطار «اليوروستار»، وتوجهت إلى الإختبار من دون أن أعيره أدنى أهمية في الحقيقة، بل لأرضي وكيلة أعمالي أكثر من أي شيء آخر.

أجريت الاختبار ثم سلّمت على المخرج بسرعة واندفعت في الطريق العام بحثاً عن سيارة تاكسي تقودني إلى محطة القطار، وفي الوقت نفسه لم أستطع التخلص في ذهني من صورة عشرات الممثلات الجالسات في غرفة الإنتظار من أجل الاختبار ذاته واللاتي سبقتهن لمجرد أن وكيلة أعمالي كانت قد نبهت أصحاب الشأن الى أنني على عجلة من أمري لأنني مسافرة.

·        وهل جاءك الرد الإيجابي سريعاً؟

-لا أبداً، فقد مرت الأسابيع الطويلة من دون أن أسمع أي خبر، إلى درجة أنني نسيت الحكاية، خصوصاً أنني لم أكن مؤمنة بجديتها في الأساس، إلى أن أتاني الرد في يوم ما وفي شكل لم أتوقعه، بمعنى أنه كان عليّ السفر إلى هوليوود من أجل لقاء المنتجين، وعددهم سبعة، ثم المخرج مرة ثانية لأن كل هؤلاء الأشخاص كانوا يرغبون مناقشة بعض تفاصيل الدور معي.

أتذكر كيف أنني سألت وكيلة أعمالي عن معنى هذه الرحلة، فهل كانت بمثابة إعلان عن كوني قد حصلت على الدور أم لا؟ وردت عليّ الوكيلة بأنني بالطبع مرشحة للفوز به، لكنني لم أفز بعد، وكان اسمي مدرجاً فوق ما يسمونه القائمة القصيرة «شورت ليست».

لم أكن معتادة هذه الطريقة على رغم عملي في الماضي مع الأميركيين وفي أفلام ضخمة، مثل «مملكة السماء» للسينمائي ريدلي سكوت، و «كازينو روايال» وهو من أفلام جيمس بوند. وشعرت بشيء من الغضب وبرغبة في الإمتناع عن السفر وتجاهل هؤلاء الأشخاص كلياً، لكن وكيلة أعمالي هددتني بإنهاء تعاملها معي إذا أقدمت على مثل هذا التصرف، وبالتالي سافرت إلى هوليوود على حساب الشركة المنتجة للفيلم وأقمت هناك في فندق فاخر فبدأت نظرتي تجاه هذا المشروع ككل تتغير بعض الشيء.

·        وهل خضعت لاختبار جديد إذاً؟

-لا، لكنني سئلت عن مهاراتي الرياضية وقدراتي الجسمانية، وعندما أجبت بأنني بطلة في رياضة التاي كويندو الآسيوية وفي الكاراتيه، طلبوا مني العودة بعد ثلاثة أسابيع إلى هوليوود والبقاء فيها طوال شهر كامل من أجل التدريب بإشراف فريق متخصص واكتساب مهارات جسمانية ورياضية فوق العادة. وسألتهم إذا كان كل هذا الكلام يعني أنني حصلت على الدور فردوا بلا، وبأنني قد أحصل عليه إذا تفوقت في نهاية شهر التدريب على الممثلات التسع الأخريات اللاتي سيتدربن مثلي.

قادة عسكريون

·        كيف تحملت كل هذه المشقة؟

- فعلاً كدت أن أتصرف معهم بأسلوب غير مهذب بالمرة، لكنني عرفت كيف أتحكم بنفسي بفضل خبرتي في الرياضة الآسيوية التي تعلّم المرء الصبر قبل أي شيء آخر.

·        وهل تدربت إذاً وتفوقت على الممثلات التسع الأخريات؟

- تدربت فعلاً ووقعت بين أيدي أبطال رياضيين لم يرحموني ورفضوا نسج أي علاقة إنسانية معي مبنية على الود، بل كانوا بمثابة قادة عسكريين علموني الزحف والقتال والهجوم على غيري وتسلق الحواجز، فأنا انخرطت فعلاً في الجيش وخرجت من التدريب وجسمي قد تحول وصار يشبه أي جسم رجالي رياضي، أو على الأقل جسم بطلة رياضية روسية أو ألمانية شرقية. أما عن الممثلات الأخريات فلم أشاهدهن ولا مرة واحدة، وكنت كلما سألت عنهن يقال لي إن كل واحدة منا تتدرب وتقيم في مكان مختلف عن غيرها من أجل تفادي المنافسة بيننا وعدم فسح المجال أمام انتشار الروح السلبية في أثناء التدريب. وفي النهاية وبعد عناء علمت بأنني فزت بالدور.

·        وهل استخدمت كل ما تدربت عليه في ما بعد أثناء التصوير؟

- نعم، فقد تطلب مني دور الشريرة مرونة جسدية متفوقة، خصوصاً أنني أديت كل شيء بنفسي، من دون بديل أو لجوء إلى مؤثرات تقنية من أي نوع.

·        كيف عشت مثل هذه التحولات الجسمانية إذاً؟

- عشتها بصعوبة كبيرة، فليس من السهل على أي إمرأة أن تتخلص هكذا من أنوثتها في شهور قليلة وتبدو مثل الرجل بارزة العضلات، وهذا غير تحمّل نظرات الناس إليّ أينما ترددت في المحلات والمطاعم. لقد تعلمت أن الجنس البشري في النهاية لا يرحم، وكم من مرة شعرت بأنني شبه متهمة بالشذوذ من خلال نظرات الآخرين في الشارع والأماكن العامة، لأنني كنت صاحبة عضلات وذات شعر قصير.

·        أنت إذاً دفعت ثمن تجربتك الهوليوودية الجديدة غالياً؟

- نعم أعتقد ذلك حقاً، لكنني راضية عن كل شيء في نهاية الأمر، خصوصاً أنني تعلمت الكثير من خلال هذه التجربة عن مهنتي وعن الحياة العامة.

·        للعودة إلى الوراء في حياتك السينمائية بعض الشيء، كيف كان تصرف النجم دانيال كريغ معك في أثناء تصوير فيلم جيمس بوند «كازينو روايال»؟

- العلاقة بيننا كانت مبنية على الإحترام المتبادل، وهي كانت جيدة، إلا أنها لم تتحول صداقة حقيقية في أي وقت من الأوقات، وهذا ما حرص عليه كريغ لسبب لا أعرفه ولا تهمني معرفته. كان يقضي وقته خارج أوقات التصوير في المزاح وسرد النكات وكأنه كان يحرص على إضحاكي، الأمر الذي يمنع بطبيعة الحال من الدخول في مناقشات جادة في شأن أمور الحياة.

·        أين تقيمين؟

- أتنقل في شكل مستمر بين باريس حيث توجد والدتي، وأيضاً أختي التوأم، ولندن، بما أن أبي يقيم هناك. وعند الضرورة أذهب الى هوليوود.

الحياة اللندنية في

04.04.2014

 
 

«ميراث» تحاصره «لعنة» الشرق وجنون حروبه

بيروت - فيكي حبيب 

تبدو الحكاية أقرب الى لعنة. خمسة أجيال متعاقبة لعائلة لبنانية تتقاذفها رياح الهجرة وترمي بها بعيداً من أرض الوطن.

البداية عام 1860 مع لجوء جد العائلة الأكبر الى تركيا هرباً من المجازر المستعرة بين المسيحيين والدروز في جبل لبنان. وعلى الخطى ذاتها، وإن في شكل عكسي، ستسير ابنته «وديعة» عام 1913، بعد ان تُجبر على الهروب من تركيا الى بلاد الشام على متن سفينة حربية فرنسية ستقلها من مرفأ مرسين التركي خوفاً من حكم جائر في حقها لوقوفها الى جانب الفرنسيين ضد العثمانيين.

المرفأ ذاته سيشهد، ويا للمصادفة بعد 93 عاماً، إبحار حفيدها، على متن سفينة حربية فرنسية أيضاً، ولكن هذه المرة هرباً من «حرب تموز» عام 2006... وقبله غادر الوالد المسيحي الفرنكوفوني «إرنست» دمشق الى بيروت إبان الوحدة المصرية - السورية، ظناً منه أنه يؤمّن لأولاده حياة أفضل في تلك المدينة المنفتحة على الآخر، والتي لُقبت يوماً بـ «سويسرا الشرق» قبل ان تنهشها الحرب وتقذف بأبنائها الى الخارج. فهل هي مصادفة حقاً؟ سؤال يؤرّق الحفيد الخمسيني الذي اعتاد أن يحمل كاميرته أينما كان لتوثيق اللحظة خوفاً من أن تضيع منه في بحر الذكريات المبعثرة، فكان أن أبصر النور فيلم «ميراث» الذي شقّ طريقه الأسبوع الماضي الى الصالات اللبنانية وكأن فيه محاولة لكسر تلك «اللعنة» التي جعلت جميع افراد العائلة محكومين بالهجرة، الى درجة لا ينفك معها المخرج من ترداد ان ما من واحد منهم ولد في بلد ومات فيه.

مسكون بالحرب

إنه فيليب عرقتنجي صاحب فيلمي «بوسطة» و«تحت القصف» الذي يبدو مسكوناً بالحرب في كل أعماله، ولهذا لا يتردد في القول انه يريد من فيلم «ميراث» ان يكون العلاج الشافي له، هو الذي يدرك أهمية التحدث عن جراح الماضي للتخلص منها. من هنا أتى «ميراث» فيلم مرايا، يتزاوج فيه العام والخاص، الشخصي والتاريخي... أو بصورة أوضح، ييدو الشخصي فيه وكأنه مرآة للعام، ويبدو العام انعكاساً للشخصي، الى درجة يمكن القول انه بمقدار ما يبدو الفيلم سيرة ذاتية خاصة، بمقدار ما ينطبق عليه انه يروي سيرة وطن او على الأقل سيرة شريحة من هذا الوطن ذاقت ويلات الغربة على مدى عقود طويلة وحروب لا تتوقف. ومع هذا لا يدّعي فيليب عرقتنجي انه يروي جزءاً من تاريخ لبنان، أو أنه يختزل حكايا الغربة والتهجير بقصة عائلته، وإن كانت بامتدادها من عام 1860 حتى اليوم، تمكّنت من الإطلالة على محطات مفصلية من تاريخ المنطقة، ما يجعل القصة أقرب الى التوليفة السينمائية منها الى الحقيقة. إذ كيف يمكن لعائلة واحدة أن تختزل كل هذه المحطات المؤثرة في عمر المنطقة؟ لكنّ عرقتنجي لا يخترع شيئاً من عنده، بل يفتح ألبوم الصور لربط الماضي بالحاضر من دون أن يقدم درساً في التاريخ، بل يضع نفسه وعائلته المؤلفة من والدته (والدته الحقيقية في الحياة) وزوجته ديان وأولاده الثلاثة (ماتيو، لوك، وإيف) في واجهة الأحداث. ولعل هذه الذاتية جعلته يخشى الانتقادات، فكان أن سارع للتأكيد في فيلمه ان لبنان زاخر بالقصص والروايات وأن الفيلم يصوّر إحداها.

لكنّ قصة عرقتنجي لا تكتفي بأن تكون قصة عائلة، بل تكاد تكون قصة عائلات كثيرة لم تذق طعم الاستقرار في هذا الشرق المضطرب. ولهذا تبدو الأسئلة الوجودية التي يطرحها المخرج على نفسه في هذا الفيلم، أسئلة عامة تلامس كل إنسان يعيش تمزقاً في هويته. وهي وإن بدت أسئلة الأقليات في الشرق وما تستتبعه من قلق على الوجود واستجابة لإغراءات الغرب، غير ان خروجها في هذا التوقيت، يجعلها أسئلة شعوب عربية كثيرة، لفظها «الربيع العربي» خارج أوطانها بعد اتساع رقعة حفلات الرقص على القبور.

لعبة الحرب

يُقسّم المخرج فيلمه الى فصول، ويتكئ على أرشيـــف الصور مع استخدام التقنيات الحديـــثة للربط بين زمنين، فيُجسد وأفراد عائلـــته في بعض المشاهد أدوار أسلافه الذين توارث عنهم «لعنة» الهجرة. ثم يعود الى الحاضر، فيأخذ أولاده، مثلاً، فــي رحلة الى أماكن مراهقته حيث «لعبة الحرب» كانت الأكثر رواجاً. يفتح درجاً خبأ فيه ألعابه. لكنّها ألعاب لا تشبه تلك التي تجذب الصغار. فهذه مجموعة من الرصاص، وتلك مجموعة من الشــــظايا، وأخرى فراشات قذائف... يشرح عنها لأولاده. يرتبك أمام اشمئزاز ابنه الكبـــير. يقول له: «لا تأخذ موقفاً ضدي، لم أكن جزءاً من الحرب، هاجرت قبل أن تمسك بي إلى غير رجعة». لكنّ الحرب تأبى ان تتركه بسلام. هذا ما تقوله له والدته في فصل آخر، وهي تحضّه على أن يقطع مع ماضيه كما فعل والده إرنست، ناصحة إياه بأن يستقرّ في فرنسا التي منحته جنسيتها بعدما لجأ إليها هرباً من جنون الحرب التي لم تظل «لعبة جميلة» بالنسبة إليه حين خطفت منه صديق الطفولة «سامي» الذي قرر ان يحمل البندقية الى جانب «القوات اللبنانية».

«مقتل سامي هو الذي قادني للهجرة» يقول عرقتنجي لأولاده الثلاثة، قبل أن يتوجه الى منزل الفتى الذي قُتل في مقتبل العمر، فتنطق الكاميرا في مشهد شبه صامت بما قد تعجز عنه الكلمات حين تقترب من وجه الأم الثكلى.

«كنت أنظر الى من هو في الجانب الآخر (نسبة لانقسام بيروت بين شرقية وغربية) على أنه العدو، ولم أكن أدرك أنه ينظر إليّ النظرة ذاتها. فرنسا وحدها هي من جعلني أفهم الآخر»، يقول عرقتنجي لأولاده وكأنه يريد منهم أن يفهموا أهمية الجنسية الفرنسية التي منحهم إياها، هم الذين توافرت لهم ظروف حياة مختلفة رغم تنازعهم بين هويتين: العربية والفرنسية. ولعله هنا يريد أن يتجنب شعوراً بالذنب قد يلاحقه بعد اقتلاع عائلته من حياتها الفرنسية المستقرة وإلحاحه على العودة الى بيروت للاستقرار فيها رغم حالة اللاستقرار التي تعيشها.

عرقتنجي الذي يستهل «ميراث» بمشهد للعائلة خلال رحلة إنقاذ الجالية الفرنسية من لبنان خلال «حرب تموز»، يختتم الفيلم بمشهد عائلي أيضاً فوق الأجواء اللبنانية... ولكن هذه المرة، لا هرباً من حرب أو دمار، بل في ظروف سياحية من خلال رحلة عبر منطاد يكشف جمال لبنان من فوق، ليقول من خلالها: هذا هو لبنان الذي نريده... بلد السياحة والجمال.

الحياة اللندنية في

04.04.2014

 
 

شظايا من تاريخ يعصى على التاريخ

ندى الأزهري 

إنه الفيلم الذي يمكن اعتباره «محصلة تصوير سري متقطع» لكافة يوميات الثورة السورية. ثمة في ثناياه صغار بنظرات باتت ضبابية من هول ما رأت، رجل يرغب بالبكاء على فقد عزيز، امرأة وحيدة في مواجهة متطرفين، جنود مبتهجون يرقصون مع أسلحتهم، مفتي حبور بخداع نفسه... «سورية، يوميات الزمن الحاضر»، مقاطع من تاريخ ولعلها «شظايا» من تاريخ سورية التقطتها عدسة... من؟ لا يهم، أفراد مجهولون محبون لوطنهم وللسينما، يعملون معاً تحت اسم «أبو نضّارة» ليُروا ما تستطيعه السينما أمام طوفان الصور الإخبارية والعنف القادم من سورية. فيلم «سورية، يوميات الزمن الحاضر» وثائقي يجسد الإبداع الفني كوسيلة للتعبير عن الشوق إلى الحرية والكرامة.

لا خطب...

الفيلم الذي عرض في معهد العالم العربي وفي جمعية المؤلفين للإعلام المتعدد في باريس وعلى شاشة آرتي الثقافية الفرنسية الألمانية، ويعرض قريباً في بيروت... شاهد على جهنمية القمع، على الخراب، وعلى روح شعب يعبر أزمة مدمرة. إنه انعكاس لما آل إليه الشعب السوري: رهينة.

عبر مقابلات مميزة وتطرق لجوانب متعددة من الصراع السوري، أفلح الشريط خلال اثنتين وخمسين دقيقة وضمن تواتر إيقاعي في تجنب عقبات الفيلم التسجيلي.

إحدى هذه العقبات تتجسد في توليـــفه جنباً إلى جنـــب مقاطــــع لكل منها أهميتها القصوى. يمكن وصفها بالقـــوية أو المــــؤثرة، لكن من دون أن يجمعها ابتكار أو شيء من الإبداع في إطــــار ما. كأن تُجمع مثلاً مشاهد مميزة بجـــمالها لمدينة أو لبلد وأن يكتفى بهذا القدر للتعبير، تعبير لا يسمح بفهم. في حـــالة كهذه، يبدي الوثائقي هذا، ذاك، ثـــم أيضاً هـــذا فذاك... ويبـــدو الأمر وكأنه مجــــرد تـــعداد لمجموعة صور متتابعة من دون أن يكون ثمة من خطة، من إطار.

ثمة عقبة أخرى تواجه الوثائقي، أكثر جسامة، تتمثل في وجود النية بتوجيه خطاب تعليمي. كأن يُسمع أحياناً في الفيلم صوت يُخبر بنبرة «حيادية» عن الحقائق التي وراء الصورة. إنه صوت المــخرج صانع العمل، «الأستاذ» الذي يقول لنا كيف علينا أن نفكر وإلى أين علــى تفكيرنا التوجّه. قد تُلحق بالشريط كذلك مؤثرات أخرى لتبيان المزيد من المــوضوعية، جداول بيانية، تواريخ وأرقام... أي كل ما يذكّر بدرس وما يمكن أن يعيــــد المشاهد إلى مقاعد الدراسة. كما قد يحصل، وهذا في أسوأ الأحوال وإن لم يكن بالأمر النادر، أن يكون الأشخاص الذين «ادعينا» أن الكلمة أعطيت لهم ليسوا هم أنفسهم، بمعنى أن ظهور «حقيقتهم الإنسانية» ليس على هذه الأهمية.

لعله من الصعب على الفيلم الوثائقي أن يتجنب هاتين العقبتين. لكن هذا الفيلم نجح. «يوميات الزمن الحاضر» لمجموعة أبـــو نضَارة السورية، نجح بشكل مثير للـــدهشة. إنه يطوّر سرداً واضحاً ومختصـــراً حول الأحداث في سورية: ثورة شعبية حرّض على قيامها نظام قمعي، غدت حرباً بات فيها الشعب مأخوذاً كرهينة وباتت الآمال بالخروج بعيدة.

ولتطوير هذا المفهوم، ليس ثمة من حاجة لخرائط، لبيانات، لاستطراد تحليلي عارف عن الدبلوماسية والسياسة والجماعات المسلحة... فحتى لو كنت لا تعرف سورية، حتى لو كان الأمر متعلقاً بصراع لم يسبق وسمعنا عنه، حتى لو كان ما يجري يجري في بلد غير معروف، ستدرك جيداً هذا الانزلاق... هذه هي غاية الفيلم، خطاب الفيلم وموضوعه. ولجعل المشاهد يدركه يرتكز الشريط أكثر ما يرتكز على الشهادات.

لا تعليق

هناك نوعان من تلك. الأول حيث الشهادات جماعية وتلك لم تكن سوى حشود التظاهرات السلمية في بداية الثورة. هل ثمة أفضل من مثال كهذا؟ بمشاهدتها وبسماعها ندرك الحماسة والأمل والمرح والبهجة المصاحبة للأيام الأولى. ليس من ضرورة للتعليق، والمخرجون (المجموعة التي بلا أسماء) لا يعلقون. في ما بعد، يأتي أساس الفيلم وهو قائم على الشهادات الفردية. كل الشخصيات التي تتحدث أمام الكاميرا، تبدو «إنسانية»، من الواقع، تعبّر عن المُعاش، بمستويات مختلفة ومتناقضة قليلاً في بعض الأحيان، بكلمات مترددة أحياناً أخرى كونها تبحث عن حقيقة ما لم تدركها بعد أو لا تستطيع تجسيدها بكلمات. إنها، على عكس المسؤولين الذين يستجوبون في العادة عن أزمة سياسية في الفيلم التسجيلي، هؤلاء لا يبحثون غالباً عن قول حقيقة ما ولكن عن يقين «مسبق» ليس من بنات أفكارهم، يعتقدون به أو يدّعون الاعتقاد به. إن ما أظهره الفيلم من خلال تسلسل الشهادات الإنسانية، يشكل رحلة حقيقية في سورية.

حين يسافر المرء في بلد، ليس كصحافي موكّل بمهمة «جلب» أخبار طُلبت منه من رؤسائه، لكن كفرد حرّ باحث عن «فهم» ما يلمس، لا يلتقي بمسؤولين ولا بآلاف الأشخاص لاستطلاع آرائهم، إنما ببضعة عشرات من بينهم عشرة أو عشرين هم من يخاطبونه بصدق وبإخلاص. هذا يكفي لفهم ما يجري، هنا حقيقة تبرز للكل، وهي في كل الأحوال أفضل من أي دراسة سياسية.

هذا هو بالتحديد دور الوثائقي، أن يسمح بهذا النوع من الفهم، فَهْم لا يتيحه درس جامعي، محاضرة، مقالة أو مجرد صور متواضعة في شريط... «سورية، يوميات الزمن الحاضر» هو على نحو ما هذا الوثائقي.

الحياة اللندنية في

04.04.2014

 
 

الإخراج مهنة صعبة لا شريك لها

مسقط - فجر يعقوب 

حضر الممثل المصري المعروف هشام عبد الحميد إلى مهرجان مسقط في دورته الأخيرة بفيلمه الوثائقي «لا» ليقدمه في عروض من خارج المسابقة الرسمية، وقد سبق له وتوج بجائزة مناصفة مع فيلم مصري آخر في مهرجان مالمو السويدي للسينما العربية. تشعب الحوار مع عبد الحميد في اتجاهات عدّة تطرق بعضها لمشاركته في فيلم «المهد» للمخرج السوري محمد ملص، وآخر همومه المسرحية والسينمائية، ومنها مشاريع خارج مصر. هنا نص الحوار حول الفيلم التجريبي الأول لعبد الحميد الذي تناول مصر على ضوء التقلبات التاريخية المعاصرة التي عصفت بها:

·        متى يشعر الممثل إنه من الممكن أن يكون مخرجاً سينمائياً؟

- نسبة كبيرة من الممثلين تهوى الإخراج، ولكني أعتقد أن هذه المسألة تنبني على استعداد من داخل الممثل الذي لايكون قد اكتشف نفسه لسبب ما، أو هي رغبة مؤجلة منه إلى حين ايجاد الفكرة التي تشعره بأنه أفضل من سيعبر عنها بصياغات جميلة وفنية وفكرية مختلفة عن الآخرين. وهي فكرة بالمناسبة قد تكون متواجدة لدى الآخرين، ولكنها تشعر المبدع في لحظة ما أنه خير من سيعبّر عنها لو قدمها بهذا الثوب الفني أو ذاك.

·        هل يمكن القول إن أحداث 25 يناير التي شهدتها مصر هي التي فجّرت عندك هذه الرغبة؟

- قد تغدو الأمور كذلك حقاً، بل اعتقد جازماً ان الأحداث هي ما فجّر عندي الرغبة في الإخراج. الرغبة في التغيير. وبالتأكيد الرغبة في الصوت العالي المطالب بالحرية هي التي دفعتني لأقدم على هذه التجربة، وقد يكون هناك ظرف يدفعك دفعاً لتخطئ «الخطيئة» الأولى من باب أولى بالتجريب.

·        لماذا هي «الخطيئة» الأولى؟

- لأن الخطيئة الأولى قد تجلب للإنسان السعادة بالقدر الذي تجلب له القلق والتوتر، فهو يريد أن يقدم عملاً ثانياً يملأ الفراغ بين مهنته كممثل وكمخرج علماً أن الإخراج مهنة صعبة ليس لها شريك.

·        هل كان هذا هو الخلط في المادة الوثائقية التي اعتمدتها في «لا» ودورك كممثل؟

- هذا يمكن تسميته التجريب القائم على الجدل، أو الجدل القائم على مقومات التشكيل في الزمن والفراغ. الصوت والسمع. وهذه الجدلية هي التي تخلق دلالات بصرية ودلالات فكرية يمكنها أن تعطي للعمل الفني هويته.

·        هذه الجدلية ألا تغرق العمل - أحياناً - في نوع من البرود لجهة العلاقة مع المشاهد المتلقي؟

- في الحقيقة كنت متوجساً إلى حد ما، ولكني كنت متوقعاً شيئاً من هذا القبيل، وبحصيلة المشاهدات مع شرائح مختلفة من البشر أدركت أن ما قد أفكر فيه بشكل متضخم يصبح صغيراً جداً بالقياس لرد الفعل الإيجابي للناس.

·        كيف فكّرت بالفيلم؟

- بدأت فكرة الفيلم من خلال عرض مسرحي مونودرامي قدمته منذ سنوات بعنوان «بدون كلمات». وعندما حاولت أن أقدم على تجربتي الثانية في المسرح بعنوان «لا» وجدت الحالة غير مطمئنة بالنسبة للمعطيات الموجودة على أرض الواقع، وقررت أن أوثق هذا كله في فيلم، ووفقاً لذلك بدأت التخطيط كأنني أتبع فيلماً تجريبياً يختلط فيه المسرح بالسينما.

·        ماهي الهواجس التي قام عليها الفيلم طالما أنه اعتمد التجريب في خطوطه الأساسية؟

- نحن لماذا نقول لا: لا للفتنة الطائفية. لا للتعصب الديني. لا للتمييز في الجنس والدين واللون. لا للديكتاتوريات. نقول لا لأننا مع التسامح والتراحم. لأننا نريد أن نعيش داخل المجتمع الإنساني لا على هامشه، وهذا هو جوهر ماردده مارتن لوثر كينغ: أن نضع أيدينا بأيدي بعض من مختلف الأعراق والأديان حتى نغني الأغنية الأفريقية القديمة للحرية.

·        هل شعرت أن هذه الهواجس مجتمعة قد وصلت كما تريد لها؟

- لا أريد أن أزعم ذلك، ولكنني في المقابل أسألك أنت، أنت المتفرج هنا الذي يمكنه تحسس هذه الهواجس والحكي عنها كما وردت في فيلمي ... أسألك كيف وصلت إليك من وجهة نظرك أنت؟!.

الحياة اللندنية في

04.04.2014

 
 

«الجنة الآن» لهاني أبو أسعد:

الانتحاري والإرهابي والاستشهادي

ابراهيم العريس 

«كان من المهم جداً ان يشاهد الإسرائيليون هذا الفيلم... ففي العادة هم لا يريدون ان يروا الفلسطينيين، الذين صاروا بالنسبة اليهم صنواً للإنسان غير المرئي. لذا سنحاول الآن ان نضع الإنسان غير المرئي هذا على شاشات السينما عندهم». بهذا الكلام علّق هاني ابو اسعد، مخرج الفيلم الفلسطيني «الجنة... الآن» على السجال الحاد الذي دار في برلين العام 2005 خلال دورة مهرجانها السينمائي الذي عرض فيه فيلمه هذا ونال جائزتين. ومرد ذلك القول الإدراك العام بأن «الجنة... الآن» ليس من الأفلام التي قد يحب الإسرائيليون مشاهدتها، او قد تحب سلطات تل ابيب ان تشاهدها معروضة في صالاتها.

> مهما يكن، منذ عروضه الأولى تلك كان يمكن الوقوف بقوة الى جانب المتحمسين لهذا الفيلم الذي أتى يومها ليُضاف الى سجل سينما فلسطينية، شابة وحيوية ومتميزة فنياً ايضاً، بدأت تفرض حضورها بقوة على مهرجانات السينما في العالم الأوروبي على الأقل، وتنتج تحفاً صغيرة تحمل حيناً توقيع ميشال خليفي وحيناً ايليا سليمان او رشيد مشهراوي او مي مصري او توفيق ابو وائل. بيد ان الصورة هذه المرة بدت الى حدّ ما مختلفة. وذلك بالتحديد لأن «الجنة... الآن» نفسه فيلم مختلف. مختلف في موضوعه الجديد، والراهن، مختلف في ديناميكية لغته السينمائية، ومختلف في قدرة مخرجه على إدارة ممثليه بحرفية مدهشة. ومختلف حتى، أخيراً، بترجمة ردود الفعل التي يجتذبها. فهنا تحت دائرة التعاطف المسبق، يجد المتفرج نفسه أمام عمل يجمع الدراما بالتشويق، السياسة بالكوميديا، الواقع بالتأمل الفكري. وكل هذا حول موضوع يمس جوهر ما يثير اهتمام العالم اجمع: «موضوع الإرهاب» كما يطلق عليه في الغرب. فـ «الجنة... الآن» اختار ان يطرق هذا الموضوع، مباشرة ومن أوسع ابوابه، طارحاً الكثير من تلك الأسئلة الشائكة التي تدور حول من هو الانتحاري؟ كيف يصبح قنبلة متحركة، جاعلاً من جسده، سيارة «مفخخة»؟ لماذا يصبح انتحارياً، وليس من ناحية الدافع السياسي والديني فقط؟ كيف يجنّد؟ هل هو انسان من لحم ودمّ ام انه مجرد ماكينة قتل؟ ثم ما هي مشاعره الخاصة اذ يُقدم على ما يُقدم عليه؟

هذه الأسئلة التي من الواضح ان قلة من الناس تطرحها او تتجرأ على طرحها، جعل منها هاني ابو اسعد، مركز الصدارة في فيلم، كان عليه في نهاية الأمر ان يسير على حبل مشدود. إذ ان كل ما يمس هذا الموضوع يبدو - قَبْلياً - من المحظورات او المسكوت عنه. والمشي على الحبل المشدود، هو النتيجة المنطقية لرغبة قول ما لم يكن يقال. حيث إن الإنسان، في الانتحاري، يختفي عادة بين أثيرية نظرة تطهّره تماماً في أعين مؤيديه، وبين شيطنة هي نصيبه لدى ضحاياه او اعدائه. ومن الواضح ان هاني ابو اسعد، اختار ألا تكون نظرته لا هذه ولا تلك. اشتغل على التفاصيل الصغيرة. بنى حبكة درامية ذات خط تشويقي. وأتى بممثلين متميزين ليقدم فيلماً يمكن، في قشرته الأولى، التعامل معه على انه فيلم مغامرات ذو مواقف تقترب احياناً من الكوميديا اللطيفة، وتغوص غالباً في لغة ادنى الى الوثائقية. وهذا الأمر الأخير ليس جديداً على هاني ابو اسعد، اذ نعرف كيف انه في فيلمه السابق والأول «عرس رنا» قدم من خلال بحث الشابة الفلسطينية رنا عن خطيبها، تفاصيل الحياة اليومية في القدس. هذه المرة تنتقل كاميرا ابو اسعد الى نابلس... وبدل رنا لدينا خالد وسعيد، شابان فلسطينيان اصبحا فجأة عاطلين من العمل. وها هو استاذ المدرسة الموقر احد قادة تنظيم اسلامي يمارس النضال من طريق تجنيد الانتحاريين وإرسالهما الى المدن الإسرائيلية، ها هو يختارهما للقيام بعملية انتحارية مزدوجة في تل ابيب. أول الأمر تبدو حماسة الشابين كبيرة... ولكن سرعان ما تبدأ الشكوك تساور احدهما فيما يبقى الآخر على حماسته، قبل ان تحدث نكبة في الاندفاع لاحقاً. المهم الآن ان الشابين يتلقيان كل ضروب التمهيد والإعداد النفسي واللوجستي والديني متقبلين، بتفاوت في المشاعر، فكرة ان الساعات الأربع والعشرين المقبلة هي آخر ما سيعيشان.

> ان الفيلم، إذاً، يرصد تلك الساعات، حيث مطلوب من الشابين ألا يخبرا احداً بالطبع، ولا حتى عائلتيهما بما هما مقبلان عليه... وهما يخضعان طوال تلك الساعات الحادة الى رقابة صارمة. وإذ يحين وقت التوجه الى تل ابيب، حيث سيكون في انتظارهما متواطئ يعمل بالأجرة مع التنظيم - وهو اليهودي الوحيد في الفيلم - تُركّب القنابل على جسدي سعيد وخالد وقد أقفلت في شكل معقد يجعل من المستحيل على اي كان فكّها، لا يفكها إلا الذي ركّبها... ما يجعل مفعولها حتمياً... على الأقل بالنسبة الى الانتحاريين. وفي اللحظة المخطط لها من جانب زعيم التنظيم، ومن بعد مشاهد طقوس مرعبة حقاً تنتهي بمشهد رمزي يتناول فيه الشابان طعام العشاء، مع 12 من أفراد التنظيم - ما يدرك معه المتفرج النبيه رمزية تقول لنا ان العشاء الأخير للسيد المسيح ليس بعيداً هنا -... ينطلقان عابرين حاجز الشريط الفاصل بين الضفة الغربية واسرائيل. ولكنهما ما إن يعبرا أمتاراً قليلة متنكرين في ثياب عرس للتمويه وقد حلقا ذقنيهما، حتى يجدا نفسيهما في مواجهة دورية اسرائيلية، فيهربان ليتفرقا منذ تلك اللحظة كل في طريق. وإذ يعود خالد الى الخلية، يصيح زعيم التنظيم بالسؤال عما اذا لم يكن سعيد هو الخائن الذي جعل الدورية الاسرائيلية تصل في اللحظة الدقيقة.

> ومنذ تلك اللحظة يتخذ الفيلم خطوطاً عدة أبدع هاني أبو اسعد في التقاطها والسير بها حتى نهاية الفيلم المفتوحة: خط السجال مع الفتاة الفلسطينية - المغربية التربية سهى، حول جدوى هذا كله. خط البحث عن سعيد. خط التبدل الذي يحصل لدى خالد واكتشافه برودة الزعامات في التعامل مع المناضلين وصولاً الى اتهام هؤلاء سعيداً بالخيانة لأن أباه أصلاً كان «متعاوناً». وخط محاولات سعيد اكمال مهمته، ليس عن اقتناع تام وإنما عن يأس، وربما لدوافع عميقة لديه، هو الذي كانت نظراته منذ اختير للمهمة تقول كل ذلك التمزق الذي يعيشه المواطن العربي العادي البسيط تجاه ذلك النوع من العمليات وجدواها...

طبعاً لن نواصل الحديث عن الفيلم أكثر من هذا... فقط نشير مرة أخرى اننا هنا إزاء فيلم فلسطيني كبير، اعتبر وحده تقريباً «الحضور العربي» في دورة ذلك العام لمهرجان برلين... ثم عرف كيف يؤمن خلال المرحلة التالية الحديث عن حضور ما، ومتميز، لسينما عربية متميزة. وهنا لا بد من ان نشير الى ان هاني أبو أسعد ساجل طويلاً خلال ذلك المهرجان مدافعاً عن الأبعاد الفنية لفيلم من المفترض ان يطغى عليه الحديث السياسي والايديولوجيا وسجالاتهما، راح يقول على اي حال انه انما حقق هذا الفيلم لكي يفتح سجالاً حول أمر لا يساجل أحد بشأنه، مؤكداً انه صور فيلمه في نابلس، أي في الموقع الساخن للأحداث خلال فترة عصيبة، ما اضطره احياناً الى استكمال تصوير بعض المشاهد في الناصرة. أما ممثلو الفيلم، وأبرزهم قيس ناشف (سعيد) وعلي سليمان (خالد)، فإنهم آتون من التمثيل المسرحي، في مقابل لبنى الزبال (سهى) المغربية الأصل الحاضرة في السينما الفرنسية ولا سيما في افلام اندريه تيشينه وهيام عباس الفلسطينية المقيمة في فرنسا.

> في اختصار، اتى «الجنة... الآن» وهو كان يومها ثاني أعمال هاني أبو أسعد في مجال الفيلم الروائي الطويل، بعد «عرس رنا»، فيلماً كبيراً وجاداً... فيلماً يجمع المهارة التقنية بالصواب السياسي... من دون أن يزعم إيجاد الاجوبة لكل الأسئلة المطروحة. وهاني أبو أسعد اكد هذا على اية حال قائلاً انه يكفيه طرح الاسئلة التي لا يريد أحد أن يطرحها حقاً... الاسئلة التي آن الأوان لكي تطرح من دون أفكار مسبقة وذاتية مفرطة... لأن هذين سيقطّعان الحبل المشدود إرباً في نهاية الأمر.

 alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

04.04.2014

 
 

«بيت لحم» أغضب الفلسطينيين ولم يرضِ اليهود

مونتريال - «الحياة» 

يُقدّم في احدى صالات السينما في مونتريال، وفي شكل حصري، العرض الأول لفيلم «بيت لحم» الإسرائيلي الذي جمع، كما سبقه من أفلام مشابهة، حشداً لافتاً من أبناء الجاليتين الفلسطينية واليهودية. الفيلم من اخراج الاسرائيلي يافال ادلير والسيناريو مشترك بين هذا الاخير والفلسطيني علي واكد. وهو من النوع الدرامي. مدته 139 دقيقة، وناطق بالعربية والعبرية. والممثلون فيه عرب وإسرائيليون. وهو احدث الأعمال السينمائية التي تستعرض بعض اوجه الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي. ويحاكي فيلم «عمر» لجهة كشف الجانب المظلم من جهاز المخابرات الاسرائيلي (الشاباك) ودوره في تصنيع العملاء والمخبرين من بعض الشباب الفلسطيني وتورطه بتعقب رجال المقاومة وقتلهم.

يعيد «بيت لحم» الى الذاكرة أحداث الانتفاضة الثانية عام 2000 وتفجير الحافلات الاسرائيلية والمواجهات بين الفلسطينيين والاسرائيليين على خلفية دخول رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق آرييل شارون الى باحة المسجد الاقصى. ويتحدث عن علاقة مركبة تجمع مسؤول المخابرات الاسرائيلي تساهي هالفي (رازي) عن منطقة بيت لحم، وشادي مرعي (سنفور) الأخ الاصغر لقائد كتائب شهداء الاقصى التابعة لحركة «فتح» (هشام سليمان - ابراهيم) في المدينة. ويروي الفيلم كيف ينجح رازي في تجنيد سنفور كعميل يافع لم يتجاوز الـ 15 سنة. ويتولى تأهيله وإعداده وبناء علاقة ثقة متبادلة شبه مطلقة معه. ولكن سنفور إذ يصل الى سن البلوغ، يقع في معادلة صعبة تتلخص بازدواجية ولائه الكاذب لرازي من جهة ولأخيه ابراهيم من جهة ثانية. وفي غمرة هذا التكاذب، يغتال رازي ابراهيم. وعلى الأثر، يتقرب سنفور من كتائب الاقصى، ويكشف عن هويته وتعامله مع الشاباك. ويجد مصيره امام خيارين: إما ان يعدم كخائن وعميل من رجال المقاومة، وإما ان يقوم باغتيال صديقه رازي الذي ما لبث ان لقي مصرعه على يدي سنفور بطريقة انتقامية.

خداع وفساد ومزايدات

يبدو الفيلم بمجمله مثيراً للجدل. فهو من جهة يسلط الضوء على قدرة الشاباك كمنظمة استخباراتية قادرة على تجنيد بعض الفلسطينيين كعملاء ومخبرين... ونجاحها في الوصول الى قادة بعض فصائل المقاومة وتصفيتهم (اقتحام جنود الاحتلال بيت لحم وحدوث مواجهة بينهم وبين رجال المقاومة انتهت بمقتل ابراهيم قائد كتائب الاقصى). ومن جهة ثانية، يحرص الفيلم على اظهار ما يريد ان يقنعنا بأنه «نزعة الشاباك الانسانية» المتمثلة في احتضان سنفور ورعايته والحفاظ على حياته (تجاوز رازي الاحتياطات العسكرية الاسرائيلية، ونقل سنفور الى المستشفى بعد اصابته برصاصة طائشة من رفاقة، وعدم موافقته على ذهابه الى بيت لحم بعد مقتل اخيه خشية على حياته من المقاومة ومن المخابرات الاسرائيلية، وعدم قيام الجيش الاسرائيلي، خلافاً لعادته، بأية عملية انتقامية من عائلة سنفور).

كما يركز الفيلم على اظهار الخلافات والصراعات بين الفصائل الفلسطينية، واستحضار عنصر المال كوسيلة للاستئثار بالزعامة والنفوذ المحلي، لا سيما بين منظمتي «حماس» و «فتح». فالقائد ابراهيم يغير ولاءه من «فتح» الى «حماس» لقاء إغرائه بالمال. والمقاتل هيتمان عمري (بدوي) يحصل بعد مقتل قائده ابراهيم على المال من «حماس» بواسطة سنفور. والمسؤول المحلي في الضفة الغربية ابو موسى (كرم شكور) يقبض على بدوي ويهدده بالقتل اذا ما طالبه بتسديد ما تلقاه من «حماس».

والى هذا لم يخل الفيلم من مشاهد المزايدات وتصوير احتكار «الاستشهاد» لهذا الفصيل او ذاك. فمثلاً، أثناء تشييع المقاتل ابراهيم، يحاول كل من «حماس» و «فتح» الاستئثار بمراسم التشييع والدفن واحتفالية التأبين وإطلاق الخطابات والشعارات، علماً ان هذا السلوك غير المألوف في ادبيات حركات المقاومة، قد شوّه الكثير من القيمة الاستشهادية للنضال الفلسطيني.

آراء متباينة

رأت صحيفة the canadian Jewish news ان الفيلم يؤكد «مشروعية الشاباك كمنظمة امنية وطنية» ويبرر لجوءها الى مختلف اساليب الترغيب والترهيب بصرف النظر عن مضمونها الانساني والاخلاقي. في حين رأت جريدة jewlicious ان الفيلم يعكس واقع الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي «كجرح مزمن نازف وأفق حلّه معقد ومقلق»، مستغربة محاولته اقامة نوع من» التوازن بين المقاومة والاحتلال».

اما النقاد السينمائيون في صحيفتي «لا برس» و «لو سولاي» فرأوا فيه «قوة درامية وواقعية مملوءة بالإثارة والتشويق»، وأنه «يظهر درجة الارباك والتناحر والخيانة في صفوف بعض القيادات الفلسطينية ويختزل النضال الفلسطيني الى مجرد عملاء ومخبرين»، مصوّراً ان الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني يعتمدان على مبدأ القوة والعنف وتبادل العمليات الانتقامية.

الحياة اللندنية في

04.04.2014

 
 

"أرق" في "حي اللجا" البيروتي:

قصص حيّة لأمراء الشارع!

بيروت - صهيب أيوب 

لم يترك علاء الملقب بـ"التربتي" فرصة لمخرجة الشريط التسجيلي "أرق" أن تكمل "نُتف" قصتها عن "حي اللجا" في العاصمة اللبنانية بيروت. أُغلق المشهد على عتمة الحي، ومعه أُغلقت حكايات زمرة شبان هوايتهم تمرير ثقل الوقت تحت "آرمة" مقهى "أمسيات".

في ذلك المكان، يقضي بعضهم سويعات الليل المؤرقة حول كراس بلاستيكية. يمضغون في جلساتهم الضجرة دخان السجائر والحشيش، في اعتراف مباشر لبعضهم وأمام عدسة الكاميرا بلا تردد. اذ يقول أحدهم في سياق الشريط، الذي سجل شهاداتهم بشكل عفوي: "متل ما نحنا منخبطا (نتعاطى الممنوعات)، هي تسردها على السينما"، في إشارة الى عمل مخرجة الفيلم ديالا قشمر ابنة الحي، التي استطاعت نقل معاناتهم خارج سياق الاحكام المسبقة عنهم، بحيث يشيع عنهم اهالي بيروت أنهم "زعران" الحي.

في الشريط نراهم يستمعون الى أناشيد دينية، في رحلة ترافقهم بها الكاميرا الى النبطية في مناسبة عاشوراء. يدخنون مع ايقاع النواح والبكاء الجنائزي، على مقاعد سيارة فان متوسطة الحجم. لا يملّون من سرد حكاياتهم. كأن العدسة تأخذهم الى ذاتهم أكثر فيحكون.

يفرغون ما يملأ افواههم من هموم وتفاصيل صغيرة عن البلد. يحكون بلا خوف. انقسام البلد عمودياً. مذاهب العيش البيروتي، بعد اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري في العام 2005، وحوادث عابرة عن "ابن الطائفة" ومناصرته في مشكلاته الصغيرة والكبيرة خارج سور الحي، الذي سمي بـ"اللجا"، كون الوافدين لجأوا اليه هرباً من شح القرى الجنوبية.

في الشريط حكايا مربوطة بالحيز المكاني الذي يشغله الشبان مع "آخرين" صاروا وراء القصة. مثل كل منطقة لبنانية. سكان يعيشون حيواتهم وهاجسهم الآخر. شبيههم في كل شيء الا في خانته على اخراج القيد الافرادي.

يتوزع هؤلاء الشبان، الذي تزوج بعضهم وأنجب، ولا يزال البعض يحلم ان يعود طفلاً، فوق رصيف موصول بمقهى ضيق. جهزوه ولو على عجل ليكون مساحتهم في الكلام والانتظار. إنها مهمتهم بلا مشقة: مراقبة الخارج والداخل. كما يعرّفون عن أنفسهم بـ"قبضايات" الحي اليوم.

كان للحي قبضياته في "الزمن الجميل". إذ شهد مجايلوه "الثورة" ضد حكم الرئيس كميل شمعون في العام 1958، وعاشوا عهد رئيس مجلس النواب السابق كامل الأسعد، الى ان استوعبتهم حركة المحرومين (أمل)، فوعدتهم بانتشالهم من حرمان قراهم، بعد نزوحهم الى بيروت، كما يذكر الشريط.

ينقل التسجيل الذي تصل مدته الى الساعتين، شهادة قبضايات ذاك الزمن. بعضهم لا يزال يحمل عبدالناصر في ذاكرته. كما كانت بيروت حينها. قبل ان تصبح احياؤها ممزقة، ولو بخط وهمي في نسيجها الاجتماعي. يحكي عن زمن لا يشبه زمن شلة اصدقاء "التربتي" ولا شغبهم في افتعال المشكلات والتربص بـ"الداخلين" على منطقتهم.

هم كما منطقتهم على حالهم. إزدادت صور الاهمال في الحي. بقوا في بيوت وشقق عشوائية. تنبت فوق أسطحها "أنتينات" وصحون الساتلايت كما الفطر. تسلية متاحة في يوميات عادية. تلفظهم الى الرصيف، فيتلقفهم القباضايات، كما حصل مع مصطفى. بدأ رحلته مع الزمرة باكراً. ويود لو يعود، كما يحكي بحزن الى طفولته كي لا يعيش "نهاية الفشل" كما يصف حياته.

مصطفى كما جعفر وحسن الملقب بـ"المظلوم" يريدون ان لا يكونوا منظورين سوى في بقعتهم. ديوك الحي، الذين تضطرهم بعض الحوادث الى الخروج خارج نطاق حيّهم للدفاع عن بعضهم. خروج عابث الى حدود بيروت الأخرى المتشعبة. بدءاً من برج ابو حيدر والمصيطبة وعائشة بكار، مروراً ببربور والطريق الجديدة ووصولاً الى طريق المطار وكورنيش عين المريسة. وحدها "الموتسيك" (الدراجة النارية) وسيلة رحلاتهم اليومية. وبسببها قد تفتعل "مجزرة" اذا فقدها واحدهم او سرقت منه في ليلة ما.

شريط "أرق" ينقل قصص حيّة بلا توليف او مونتاج مقصود لنسيج بيروت "المفكك". زواريب منسية في أحياء متروكة خلف أوتوستراد وسط البلد. تلتقط العدسة في رحلتها بيوتاً مكتظة وعيون شبان وجارات تخنقهم الحشرية وهم يسألون عن هوية التلفزيون، وسكنات أطفال آتين من المدارس، وأعلاماً حزبية كثيرة، وشعارات وشرفات مهملة تحمل رايات دينية.

رحلة كاميرا مشغولة بالوجوه والتقاط تفاصيل "مقتطعة" لحياة ممنوعة من الصرف. موقوفة. ضجرة. لكنها واقعية. مؤلمة. ربما عرفت ديالا ان تسحب حكايات هؤلاء الشبان بوعدهم بأن تصرف عائدات الشريط على علاج بعضهم من الادمان، خصوصاً ان والد علاء نظر الى العدسة مقهوراً يطلب مساعدة ديالا: "شو الحل برأيك؟. حطي حالك محلي". السؤال كما حال هؤلاء معلق بلا نهاية. 

* الفيلم من انتاج "آرت تريب بروداكشن"، وحاز على جائزة لجنة مهرجان دبي السينمائي.

الحياة اللندنية في

04.04.2014

 
 

الفيلم السوري'الجميع بخير' ولكن من يصدق فالصورة أصدق

العرب/ رضاب نهار  

الفيلم يحكي قصة سوريا الجريحة باختصار شديد ويطرح رأي الشارع وتساؤلات عديدة ورؤى ويغور في زوايا الأزمة السورية المشتعلة.

في سوريا اليوم، وبعد مرور ثلاث سنوات على انتفاضة الشعب السوري، قد تبدو عبارة “الجميع بخير” غريبة وعصية على التصديق وحتى الاستيعاب. إلاّ أنها أصبحت عنوانا لفيلم وثائقي قصير، أضاف إليها كلمة “لكن” مع إشارة التعجب”!”.

الفيلم يذهب بنا مع شخصياته الواقعية جدا، في جولة لاستكشاف مدى القهر الذي انسكب على حياة من بقي على قيد الحياة، ولم يكن محظوظا بالموت، حيث أن هذا الأخير أصبح نعمة كبيرة في كثير من الأحيان، وبالنسبة لكثير من السوريين.

قدّم المشتغلون بالفيلم، الذين لم يتمّ الإعلان عن أسمائهم فيما عدا صاحبي الفكرة عمران عبدالمولى وأبو يامن، خلاصة لمشاهده المتلاحقة، فكتبوا أنه يحكي قصة سوريا الجريحة باختصار شديد، ويطرح رأي الشارع قدر الإمكان، كما يطرح تساؤلات عديدة ورؤى، ويغور في زوايا الأزمة السورية المشتعلة، ويعرّي الواقع بكل تجرّد، ويطرح حلولا في النهاية من الممكن أن تساعد على حل هذه المعضلة التي طالت.

الفيلم وكغيره من عديد الأفلام الجديدة والشبابية التي قُدّمت بعد الثورة وعن الثورة، نجح في تعرية الواقع السوري المؤلم والإضاءة على شخصياته المتنوعة والمتشابهة، ولكنه ظلّ يفتقر ويحتاج إلى مهنية أكثر احترافية في تعاطيه مع المادة السينمائية بكل عناصرها، بدءا من الفكرة مرورا بالسيناريو والتصوير والصوت وانتهاء بالرؤية الإخراجية الإجمالية.

فبشكل عام ثمة ضعف واضح في بنيته الدرامية لا يمكننا التغاضي عنه وبالتحديد في المونتاج الذي ربط كل مشهد مع آخر، ما جعلنا نقف أمام مجموعة من الشهادات والروايات، ترتبط ارتباطا قويا ومتينا بموضوعه، وليست مدروسة فنيا. إلاّ أنه يطرح اختلافا بفكرته التي اشتقّت، ربما، من الفيلم الأجنبي “الجميع بخير”.

بداية غريبة ترمي إلى التناقض، منحت الفيلم جمالية تكمن في تجاور الحب والرعب، الروحانية والوحشية، الصوت الجميل والمنظر الرهيب والقبيح، في مشهد واحد.

فكيف لصوت فيروز الذي عشقه السوريون حتى بات فطورهم الصباحي الحميمي، أن يكون موسيقى تصويرية بأغنيتها “زعلي طول أنا وياك”، للدبابات التي تقتحم الشوارع الفارغة من أهلها والموحشة بفقدانهم، وتقذف نيرانها على كل شيء تلمحه في طريقها، المحلات والمنازل؟

كُتِب في بداية الفيلم: “لصعوبة التنقل اختزلت سوريا بالحراك”. كذلك تمّ التمهيد: “وبسبب الحواجز الكثيرة والكثيرة جدا، ولصعوبة التنقل تمّ اختزال سوريا بمدينة وديعة في سهل حوران كانت مهد الحراك في سوريا وهي “مدينة الحراك”.

نعم يمكن لمدينة، أو قرية، أن تختزل سوريا كلها بآلامها وأوجاعها، بقصصها وحكاياتها، فعندما توقفت كاميرا الفيلم أمام الشخصيات المشاركة، سمعنا روايات وعلى الرغم من خصوصيتها بحيّز المكان والزمان، إلاّ أنها تشبه إلى حد بعيد، ما يمكن سماعه في أية مدينة أو قرية أخرى، عاشت لحظات الثورة الأولى ثم انطفأت بأهلها وساكنيها بسبب الحرب.

الفيلم يختصر المعاناة السورية بمعاناة مدينة الحراك ويجد الحل في المصالحة وخروج كل الأطراف المتنازعة

الكثير من الأسى وما يعادله من الذهول والصمود، يمكن ملاحظته في وجهي طفلة وطفل أصغر منها، وسط مكانٍ موحش ضمن المدينة، إذ تأتي إجابة الطفلة ضمن لعبة المونتاج على سؤال الراوية “كيفك يا حراك وكيف الولاد؟”، قوية وحزينة في الوقت نفسه، فتقول :”الحمد لله.. عايشين”.

تواجه الكاميرا، امرأة تشبه مدينتها، ذات تفاصيل الألم والوحشة والعذاب، تحكي قصتها عن زوجها وأولادها.. فعلا الجميع بخير ولكن!!.. لا يوجد واحد منهم دون مصيبة: ابنة فقدت عينها أثناء القصف، ابن في الجيش، ابن أصيب أيضا وسافر للعلاج، ثمة من اختفى واعتقل.. وهي تجلس وحيدة في دكان، لا يزورها المشترون إلا نادرا، لتحصل على مال يكفيها لإعالة من بقي على قيد الحياة برسم الموت.

معنى الوطن والمواطنة، في وقت يختبر فيه السوريون فقدان الاثنين معا، يأتي واضحا وجليا لا تشويش يعتريه، في كلام رجل مسن قال: “يا ابني لا عاد تحكيلي عن البطولة والتضحية والفداء، هالتاريخ بيعرفنا أكثر منك، بس من شان شو نموت؟ مشان الوطن؟ شو نفع الوطن بلا مواطن؟”.

يختم الفيلم التسجيلي “الجميع بخير ولكن!”، دقائقه الـ11 بكتابة مقروءة تشرح الحل اللازم في الوقت الراهن، لتشفى كل الجراح السورية: “الحل هو نفي كبار ضباط الجيشين لبرا لو سنة بس يعتبروها نقاهة والغربة أصعب من السجن.. والخطط العسكرية تتمزق وراقها.. وبعد اليوم ما في ولا رصاصة ولا قذيفة ولا صاروخ.. وما يضل بالجيشين إلا يلي عندو خدمة إلزامية وتطلع جبهة النصرة وحزب الله ودولة العراق والشام ولواء أبي الفضل بن العباس، لأرض جهاد ومقاومة ثانية خلص نحنا اتفقنا.. وترجع العالم من خيامها عبيوتها تصلحها.. تسد مكان القذيفة وتسكر مكان الرصاصة.. ويطلع المعتقلين من سجون الطرفين.. وما حدا يوقفو حاجز.. ولجنة من برا ما لها دخل بحدا، وعليها رقابة من الطرفين تعمل انتخابات والانتخاب يحكم”.

العرب اللندنية في

04.04.2014

 
 

الأسباني ألكايني والمغربي الدرقاوي مكرمان في تطوان

العرب/ مخلص الصغير ـ تطوان 

تكريم المهرجان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط للأسباني خوصي لويس ألكايني والمغربي عبدالكريم الدرقاوي يأتي كتتويج لمسيرتهما السينمائية الحافلة بالإبداع.

كرم المهرجان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط في دورته العشرين لهذا العام السينمائي الأسباني خوصي لويس ألكايني الذي يظل واحدا من أعلام السينما الأسبانية، فقد أبدع أزيد من 120 فيلما سينمائيا، على مدى مشواره السينمائي الحافل، وأحرز جائزة مهرجان غويا السينمائي خمس مرات، مثلما توج بالجائزة الوطنية للسينماتوغرافيا، كما توج بجائزة أحسن تصوير في مهرجان كان لدورة 2011. وقد قام ألكايني بتصوير روائع السينما الأسبانية، في القرن العشرين، والقرن الحادي والعشرين، مثل فيلم “الجنوب” و”نساء على حافة الانهيار” و”العشاق” و”العصر الذهبي”.. كما اشتغل ألكايني مع عباقرة الإخراج السينمائي في إسبانيا، مثل بيثنطي أراندا وفرناندو طرويبا وكارلوس ساورا، ثم مع بيدرو ألمودوفار، ومع المخرج الأميركي الشهير باريان دي بالما، صاحب التحفة السينمائية “المهمة المستحيلة”، التي أخرجها سنة 1996.

غير أن خوصي لويس ألكايني يبقى مخرجا مغربيا، أيضا، حيث ولد في مدينة تطوان، أثناء فترة الحماية الأسبانية. كما عاش ألكايني طفولته في مدينة طنجة الدولية، يومها، وكان والده أحد مؤسسي أول ناد سينمائي بالمدينة في ثلاثينات القرن الماضي. ومن هنا، كان خوصي لويس ألكايني مخرجا كونيا بلا منازع، عاد إلى مدينته تطوان.

وعن السينما المغربية، كرم مهرجان تطوان هذه السنة المخرج السينمائي البارز عبدالكريم الدرقاوي، وهو رائد التصوير السينمائي في المغرب، وخريج مدارس أوروبا الشرقية، حيث تخرج الدرقاوي من المدرسة الوطنية العليا للسينما والمسرح والتلفزيون بمدينة لودز سنة 1972، ثم التحق بالمركز السينمائي المغربي إلى حدود 1975، ولمع اسمه خلف الكاميرا مديرا لتصوير أشهر أعمال أخيه المخرج مصطفى الدرقاوي، منذ فيلم “أحداث بلا دلالة”، سنة 1974.

أما أهم أعمال عبدالكريم الدرقاوي السينمائية فهي “الناعورة” سنة 1984، و”زنقة القاهرة” سنة 1998، و”وليدات كازا” سنة 2010، فضلا عن العديد من الأعمال التلفزيونية الناجحة.

العرب اللندنية في

04.04.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)