كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

خلفيات وتفاصيل قضية شائكة تسبق عرض فيلم «المستهلكون 3»

مصير فيلم ستالون الجديد ملك القضاء

هوليوود: محمد رُضا

 

بحلول الـ13 من أغسطس (آب) من هذا العام تنطلق عروض فيلم سلفستر ستالون الجديد «المستهلكون 3» وهو جزء جديد من المسلسل السينمائي الناجح الذي أنعش مهنة بطله (ومخرج الجزء الأول ستالون) ومهنة بعض أبطاله الآخرين ومنهم أرنولد شوارتزنيغر ودولف لندغرين. إلى هؤلاء الثلاثة يعاود جاسون ستاذام وجت لي الحضور كما يتم إضافة وجوه أخرى معروفة إلى الخليط فهناك وسلي سنايبس (فيلمه الأول بعد طول انقطاع بسبب حكم عليه صدر نتيجة تهربه من الضرائب) ومل غيبسون وأنطونيو بانديراس وهاريسون فورد.

لكن الفيلم لا يصل إلى العروض من دون ضجة إعلامية مثيرة للاهتمام، فالنظر في مصدر سيناريو الجزء الأول، ذاك الذي تم عرضه سنة 2010، لا يزال موضع بحث بين عدة فرقاء كل منهم يسجل فوزا مرحليا ويخسر آخر بعد ذلك. فهناك الكاتب ديفيد كالاهام الذي يؤكد أن السلسلة قامت على سيناريو وضعه قبل نحو 10 سنوات، وهناك الإنتاج الذي يسعى لإثبات أن كالاهام اعترف في مراسلة خاصة بأن ما كتبه لا يمت بكثير صلة إلى ما شوهد على شاشة ذلك الجزء الأول.

التهمة ستنزلق القضايا الشبيهة المرفوعة كثيرة ومتعددة وتخص أفلاما متعددة. فقبل أسابيع قليلة، تحديدا في الـ25 من الشهر الماضي، صدر قرار قضائي بتبرئة المنتج والمخرج والممثل كلينت إيستوود وكاتب السيناريو راندي براون من تهمة أقامها منتج اسمه راندي بروكس مدعيا فيها أن فيلم إيستوود الأخير، الذي أنجزه سنة 2012 بعنوان «متاعب مع المنحنى Trouble With the Curve » إنما مأخوذ بلا إذن مسبق أو اتفاق مالي عن سيناريو كتبه براون بعنوان «أوماها». لكن القاضية دايل س. فيشر قضت، بعدما صرفت ساعات طويلة تقرأ سيناريو الفيلم المنجز لإيستوود وسيناريو الفيلم (غير المنجز والذي من المستبعد إنجازه بعد الآن) «أوماها»، بأنها لم تجد أي اقتباس أو نقل وأن مواطن الشبه التي وردت في الدعوى مبالغ فيها.

تم النظر فيها بينما المخرج والمنتج إيستوود مشغول بتصوير فيلمه الجديد «أولاد جيرزي» من بطولة كريستوفر ووكن ومجموعة من الوجوه الجديدة من بينها فرييا تينغلي وبيلي غارل وجيمس ماديو. وهو فيلم موسيقي حول فريق «ذ فور سيزنز» ورد كبديل لفيلم موسيقي آخر تعثر إنتاجه بعدما تمت الموافقة عليه وهو نسخة جديدة من الفيلم القديم والمعاد صنعه أكثر من مرة «مولد نجمة».

بسبب انشغاله، لم يتمكن إيستوود من حضور الجلسات لكنه كان واثقا، كما قال لمحيطه، من أن التهمة ستنزلق من أساسها وترد إلى صاحبها مع دفع التكاليف. لكن ما يثير الانتباه هو تزايد القضايا التي تنظر بها المحاكم الأميركية كل عام والتي يرفعها كتاب أو منتجون مدعين بأن فيلما معينا إنما مسروق أو مستوحى من سيناريو أو كتاب كان وضعه قبل حين. والملاحظ أن معظم هذه الدعوات المرفوعة إنما تخص أفلاما ناجحة أو أسماء معروفة في عالم السينما.

دعوى طائشة واحدة من أكبر تلك القضايا هي تلك التي رفعها الكاتب برايانت مور ضد المخرج والمنتج جيمس كاميرون وشركة فوكس بقيمة مليار دولار مدعيا أن سيناريو فيلم «أفاتار» (2008) إنما «سرق» عن سيناريو كان كتبه في منتصف التسعينات.

حين سئل المدعي برايانت عن كيف يمكن للسيناريو الذي كتبه أن يصل إلى عناية المخرج كاميرون، أجاب أنه يعتقد أن أحد مساعدي الإنتاج هو الذي أوصل نسخة من نصه المكتوب (وغير المصور) إلى عناية جيمس كاميرون عندما كان هذا الأخير يصور فيلمه «أكاذيب حقيقية» سنة 1994. وكما ردت المحكمة الدعوة التي رفعها براون ضد إيستوود وشركاه، رفضت المحكمة الدعوى المرفوعة على المخرج كاميرون وشركة «فوكس» على أساس أن التشابه بين السيناريوهين ذاك الذي كتبه برايانات وذاك الذي قام «أفاتار» على أساسه محدود على نحو لا يكفي لإثبات السرقة أو سوء التصرف.

وفي الحقيقة ربح المخرج والمنتج جيمس كاميرون حتى الآن ثلاث دعاوى مشابهة رفعت ضده اتهمه كل منها بأنه نقل «أفاتار» عن نص ليس من كتابته أو كتابة معاونيه. وليست هذه الدعوى، وتلك التي رفعت ضد كلينت إيستوود، سوى اثنتين من كثيرة تشهدها الساحة السينمائية في الولايات المتحدة وكثير منها متشابه في جوهره: النقل أو الاقتباس من دون إذن عن مصدر آخر. لذلك فإن قضية فيلم «المستهلكون» تأتي في صلب ما اعتادت هوليوود مواجهته على نحو متزايد في الآونة الأخيرة. ما يميز هذه القضية هو أنها على درجة لا بأس بها من التعقيد، وهي لا تزال خاضعة للمعاينة والتداول بانتظار الحكم النهائي.

من كتب ماذا؟

تفاصيل قضية فيلم «المستهلكون» مزدوجة: واحدة تم البت فيها، والأخرى لا تزال سارية.

القضية الأولى ضد هذا الفيلم رفعها كاتب اسمه ماركوس وب سنة 2010، ادعى فيها أن ستالون سرقة فكرته التي أسر بها إليه عندما بعث للممثل بعمله المكتوب. مرة أخرى لم تجد المحكمة ما يثبت ذلك فصرفت القضية وبل ألزمت وب بدفع تعويضات محامي الطرف المدعي عليه.

أما الثانية التي لا تزال تجر أقدامها فرفعها كاتب آخر اسمه ديفيد كالاهام ضد الكاتب والممثل والمخرج سلفستر ستالون متهما إياه بسرقة سيناريو بعنوان «بارو» كان كتبه قبل نحو 10 سنوات وصنع فيلمه «المستهلكون» عنه.

وكالاهام لم يرفعها مباشرة إلى المحكمة، بل توجه بها إلى «جمعية الكتاب الأميركيين» ذات النفوذ القوي في هوليوود وفي تفاصيلها أن شركة «وورنر» كانت وافقت على طلب من الكاتب كالاهام بوضع سيناريوهين لها. الأول لفيلم مقتبس عن «لعبة فيديو» بعنوان «قدر» وهذا المشروع قررت وورنر عدم إنتاجه فتبنته شركة «يونيفرسال» لاحقا وأنتجته سنة 2005 بعدما قامت بتعيين كاتب آخر (وسلي ستريك) لإعادة كتابته. لكن المشروع تكلف 60 مليون دولار وأنجز أقل من نصف ذلك المبلغ ثم توارى عن الأنظار تماما.

السيناريو الثاني للكاتب كالاهام حمل عنوان «بارو» الذي ذكر أنه اقتبس مواده من مقالات وتحقيقات نشرت حول قيام الحكومة الأميركية باستئجار خدمات مؤسسة «بلاك ووتر» العسكرية في العراق وما أثير حولها من ضجة سياسية وإعلامية. ما كان يهم كالاهام، كما ذكر، هو وجود مجموعة تعمل لخدمة المؤسسة من دون أن تكون منتمية إليها بالفعل. وفكرة السيناريو الذي وضعه، قامت على مغامرات عسكرية يقوم بها أفراد من المؤسسة يتم تجنيدهم لأداء مهام خارج نطاق القانون ولا يتم الإعلان عنها أو توثيقها. هذا المشروع كان له قبول أفضل من شركة «وورنر» لكنها لم تقم بإنتاجه.

لكن التشابه بين هذه الفكرة وبين فحوى فيلم «المستهلكون» واضح: ففي ذلك الفيلم الذي تم إنتاجه سنة 2010 فكرة تقوم على أن مجموعة من المرتزقة الأميركيين تقوم بمهام غير مصرح عنها تنفيذا لمطالب جهة حكومية لا تود إشراك نفسها بها أو القيام بها مباشرة أو الاعتراف بالضلوع فيها. أفراد هذه المجموعة هم «مستهلكون» من حيث إنه يتم تكليفهم بالمهام من دون الاعتراف بهم ويمكن للجهة الرسمية بعد ذلك نفي أي علاقة بها.. بذلك يتم استهلاكهم كما بطاريات الأجهزة الإلكترونية المنقولة.

فصل مثير عندما طلبت الجمعية إيضاحا من ستالون، الذي وضع اسمه على القصة والسيناريو، نفى أولا أن يكون لديه أي علم بسيناريو كالاهام. لكنه لاحقا ما أدلى بأقوال متخبطة خسر عبرها نقاطا كان يمكن أن تكون لصالحه عندما قدم دفاعين متناقضين. في الدفاع الأول قال إنه استلم سيناريو كالاهام عندما نشر إعلانا في الصحف ووسائل الإعلام يطلب فيها سيناريوهات، لكنه ألغى كل ما وصله وجلس يكتب سيناريو «المستهلكون» من خياله. لكنه في جلسة لاحقة أقر بأنه استعار أفكارا وردت في سيناريو كالاهام وأن بعض المشاهد المكتوبة (والمنفذة على الشاشة أيضا) هي من وحي سيناريو كالاهام. نتيجة ذلك كله أن تم ذكر اسم الكاتب كشريك في السيناريو ودفع 100 ألف دولار له كأجر.

لكن فوز كالاهام لم يدم طويلا، ففي عام 2010 ونتيجة نجاح الفيلم قامت شركتا الإنتاج «ميلينيوم فيلمز» و«نيو إيماج» بالاتفاق على إنتاج جزء جديد وتحويل «المستهلكون» إلى مسلسل سينمائي يستمر طالما أن هناك حجما مربحا من الإقبال الجماهيري على فيلم أكشن عسكري تتوزع بطولته بين ستالون وشوارتزنيغر وجاسون ستاذام ودولف لندغرن من بين آخرين. لذلك تم القرار بقيام الشركتين بإنتاج جزء ثان عرض، بنجاح أيضا، سنة 2012. هنا اكتشف ديفيد كالاهام أن اسمه طار من بطاقة المشتركين في الفيلم. مجموعة مختلفة من الكتاب، بينهم بطل الفيلم ستالون، هم المذكورون في خانة القصة والسيناريو. ليس هذا فقط، بل إن حقه المادي في الجزء الثاني طار أيضا على جناحي الإلغاء الأول. ذلك أنه تبعا لقانون حقوق الملكية الفكرية يحق لمن كتب المادة الأصلية (كالاهام في هذه الحلة) تقاضي مكافأة وإشارة في أسماء المشاركين في العمل، عن كل جزء آخر يتم تحقيقه بعد الجزء الأول وإن لم يكتب له هو السيناريو.

يسمونها «حقوق منفصلة» وتعمل بها هوليوود راضية أو مكرهة. لكن ما حدث هو أن المنتج آفي لرنر، الذي يدير شركة «نيو إيماج» التي قامت بمهام الإنتاج لجانب شركة «ميلينيوم فيلمز»، كان متضايقا من اضطراره لدفع مكافأة لمن يعتبره شريكا مفروضا على الإنتاج وليس ضليعا به. وهو عرف دوما بملاحقة التفاصيل الإنتاجية والقانونية طالما إنها تخدمه. وهو بحث ووجد منفذا مهما مكنه من اتهام كالاهام بأنه لفق حكاية مسؤوليته عن كتابة الجزء الأول أساسا.

ومن دون أن يدري أحد كيف استطاع لرنر قلب الطاولة رأسا على عقب، قدم في القضية المرفوعة حاليا أمام المحكمة نص مراسلة تمت بين كالاهام وبين طرف آخر يعترف فيها الأول بأن سيناريو «مستهلكون» لا «يشبه مطلقا» السيناريو الذي كتبه هو.

وفي حين توجه لرنر إلى المحكمة بقضيته مطالبا قيام كالاهام بإعادة المبلغ الذي تقاضاه عن الجزء الأول، عاد الكاتب كالاهام إلى جمعيته مطالبا صانعي الجزء الثاني بدفع 175 ألف دولار له كمكافأة وتعويض أنجز «المستهلكون 2» مبلغ 271 مليون دولار والاعتراف بأبوته للجزء الثاني.

لرنر، وإلى أن تقضي المحكمة بالقضية، ملزم الآن بوضع اسم ديفيد كالاهام بين أسماء العاملين في الجزء الثالث المفترض خروجه إلى صالات العرض في منتصف هذا العام. لكن كل شيء واقف على ذلك القرار وعلى نتيجة هذا التجاذب بين فرد ومؤسسة كل منهما يدعي أنه على حق.

الشرق الأوسط في

11.03.2014

 
 

الأب باع طفلته بحفنة من الريالات

عروبة عثمان/ غزة 

ما إن طُرح الفيلم القصير «يرموك» على يوتيوب، حتى أشعل الحرائق. الممثل والمخرج الفلسطيني المشهور ذهب إلى مقاربة أزمة المخيم في سوريا. إلا أنّه قدّم عملاً يجافي الحقيقة، ولو أنّ بعضهم ذهب أبعد من ذلك في كيل الاتهامات لصاحب «جنين، جنين»

ثماني دقائق كانت كفيلةً بشنّ الفلسطينيين حرباً ضروساً على محمد بكري. دقائق وجيزة صبّها الممثل والمخرج الفلسطيني في قالب سينمائي أراده مُتخماً بالرمزية والدلالات. غير أنّ تسطيح القصة التي يُفترض أنه يعالجها، أفقدها هذه الرمزية. نحا صاحب «جنين، جنين» إلى حبكة غير منطقية وحلٍّ معزول تماماً عن الواقع، وتحديداً عن المكان الذي تدور فيه الأحداث.

وحده اسم الفيلم «يرموك» (8 د) نهل من الرمزية بشكل نسبي، وإن أسقط بكري عنه «أل التعريف». هذا الفيلم القصير الذي طرح على يوتيوب، بدا صفقة تجارية رابحة. معظم كادره الفني والتقني (14 فرداً) من عائلة بكري، وخُتم بتقديم الشكر إلى أهالي قرية النبعة مسقط رأس الفنان.

العمل القصير الذي أثار جدلاً كبيراً على النت، اختزل أزمة مخيم اليرموك بجملة بسيطة افتتح بها: «جرّاء الأحداث الدامية التي اندلعت في سوريا منذ 2011، تشرّد مئات الآلاف وعضهم القهر والجوع». إذاً، لم يعد خافياً على أحد أنّ الفيلم يتمحور حول الأزمة التي ولّدها حصار النظام السوري للمخيم على مدار 9 أشهر. بحركة بطيئة، تتنقّل الكاميرا بين وجوهٍ أكلها البؤس والذعر. التقطت الكاميرا قسمات وجوه عائلة فلسطينية مؤلفة من أم وستة أطفال وأب (محمد بكري). عائلة من اليرموك ترزح تحت أزيز الرصاص وهدير الطائرات التي لا تتوقّف عن قذف حممها البركانية على رؤوس لاجئي المخيم. حالة سكون قاتل تخيّم على منزل العائلة المتواضع، غير أن نظرات الأب المحدّقة بطفلتيه اللتين لا تتجاوزان 14 عاماً تخترق هذه الحالة. بعد فترة حيرة، يحسم الأب أمره ويقرّر قبض ثمن ابنته الصغرى. يقود سيارته على وقع أصوات الرصاص، وإلى جانبه طفلته التي سيبيعها مقابل الحصول على المال. تصل السيارة من دون أن يصيبها مكروه إلى منطقةٍ تبدو منفصلة عن المخيم. تقترب سيارة فارهة من سيارة بكري يستقلّها سائق ورجل خليجي يرتدي الثياب التقليدية، ويغطي «الشماغ» رأسه.

يترجّل السائق، متوجّهاً إلى الأب، ليطلب بشكل فجّ من الطفلة فتح فمها لمعاينته كأنها مجرد بضاعة! يعاين «السمسار» هذه «القطعة» ثم يعود أدراجه ليقدّم تقريره لولي نعمته، فيقرّر الخليجي لاحقاً خفض ثمن اغتصابه (زواجه) الفتاة القاصر! هذا ما نستشفه حين يعود السائق إلى بكري، ويعطيه ملغاً من المال. يتناوله بكري، قائلاً باستنكار: «هاي بس خمسة. اتفقنا على ألف». يسوّغ السائق دفع نصف الثمن بتلف أسنان الطفلة. بدوره، يتناول السائق الطفلة التي تودّع أباها بنظرات ملؤها اللوم. ثم يعود بكري إلى عائلته ومعه أكياس الفواكه.

وقع بكري في وحل السقطات التي لم تكن اعتباطيةً. كانت مدروسةً بعناية. سعى إلى حشو أدمغة المشاهدين بأمر منفصل عن واقع المخيم الذي لم يشهد حالة تزويج قاصراتٍ لأثرياء الخليج. صحيحٌ أن زيجات حصلت بهذه الطريقة في مخيم «الزعتري» في الأردن، إلا أنه لم تطفُ على سطح مخيم اليرموك أي حالةٍ مماثلة. ركل بكري المعركة الأسطورية التي خاضها لاجئو المخيم أثناء الحصار، فقدمها بشكل انهزامي مبتذل، واختصرها ببيع الفلسطيني جسد ابنته. فات المخرج أنه حين ضرب الحصار على المخيم، طاول الجميع، فكيف للخليجي ولوج المخيم بسهولة؟ وبدا معيباً أنّ سيناريست الفيلم (صالح بكري) ومخرجه لم يدرسا الظروف الموضوعية لحصار المخيم، ولم يقتربا من حقيقة أزمة الجوع. بالطبع، لم يستوقفهما هذا السؤال: «كيف للأب أن يدخل محمّلاً بأكياس الفواكه في مخيم محاصر تتوافر فيه السيولة وتنعدم فيه المواد التموينية؟». أعمل بكري خياله في الفيلم، حتى أصابته سهام الفلسطينيين الذين طالبوه بالاعتذار من المخيم، فـ «بكري يحاول تقديم رؤيته المفصولة عن أي واقع حقيقي لمعاناة مخيم اليرموك وأهله من خلال قصة خيالية منسوجة في عقل مُكتَظٍّ بترّهاتٍ غوبلزية يتلذذ بابتداع الأكاذيب والتلفيقات» وفق تعبير أحد الفلسطينيين على فايسبوك.

حالة الغليان التي انتابت الفلسطينيين قابلتها حالة دفاع خجولة عن بكري. استنكر أصحابها القدح بوطنية بكري، فرأى أحدهم أنّ ما طرح في الفيلم ليس بمعزل عن الواقع، فقال: «من السهل أن تطعن أي مثقف من خاصرته السياسية، وهذا ما يحدث مع فيلم «يرموك». الفيلم يصوّر حدثاً شاهدناه في وسائل الإعلام، ويُعيد خلقه بلغة رمزية، في قالب سردي سينمائي. ولا يحتاج إلى كل هذه الشتائم. عائلة فلسطينية أو سورية أو لبنانية لاجئة تُحاول الصمود في وجه السلطات المستبدة، سورية كانت أو خليجية أو أميركية». وسط التأرجح في الآراء، يبقى الثابت أنّ بكري لم يقدّم صورة منصفة وحقيقية لمعاناة اليرموك، بل اختزلها في قرني موز حملهما ابنه بعدما استحصل ثمنهما من جسد طفلته!

يمكنكم متابعة عروبة عثمان عبر تويتر@OroubaAyyoubOth

الأخبار اللبنانية في

11.03.2014

 
 

النت السوري | اختزال ووقاحة

وسام كنعان 

«محمد بكري الفلسطيني يقدم فيلماً عن الفلسطينيين في اليرموك، ملخّصه أنّهم قوادون ويدبّون على أربع ويستحقون ما يصيبهم لأنّ الله لن يغّير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. ليرحمنا الأبعدون من ادعاء الفهم والتعاطف». على غير العادة، أطلقت الإعلامية السورية ديانا جبور جملها اللاذعة عبر فايسبوك رداً على فيلم «يرموك» (حوالى 8 دقائق) الذي يختزل معاناة الفلسطينيين السوريين بعد حصار المخيم، ويجزم بأن الحالة العامة ترضى ببيع البنت القاصر من أجل حفنة من المال.

يبدأ الفيلم برصد وجوه عائلة تقبع في العتمة وتعاني من ويلات الحرب والحصار وأصوات القصف. تلاحق الكاميرا سيارة الأب القديمة وهي تشق الطرق الموحشة، لتقف قبالة سيارة حديثة يترجّل صاحبها ومعه رجل خليجي ويصل إلى سيارة الأب، ثم يطلب من الفتاة فتح فمها قبل أن يقدم مبلغاً مالياً يعترض عليه الأب لأنه أقل من الاتفاق، فيرد مقايضه بلهجة فلسطينية «ما اتفكناش على أسنان خربانة». تنزل الفتاة وترافق الغريب، فيما يجر الأب هزيمته. سرعان ما أثار الشريط استهجان السوريين الذي بلغ حد اتهام محمد بكري بـ«العمالة». النقد بني على أساس أن الشريط يسطّح جرح فلسطينيّي سوريا ويختزله بطريقة وقحة، تنمّ عن جهل بما جرى، وبما سرِّب من مقاطع فيديو أثناء حصار المخيم؛ آخرها ما عرف بـ«يوم الحشر في المخيم». أظهر الأخير جماهير غفيرة تنتظر توزيع المعونات الغذائية وترصد وصول ذويها من قلب دمشق بعد توقيع الهدنة، فيما سجّلت التلفزيونات نماذج مختلفة من سكان المخيم وقد وحدتهم دموع الذل من الجوع والقهر اللذين عانوا منهما طيلة الأشهر الماضية. يعلق أحد السورين على هذه النقطة عبر الفايسبوك: «لو أتعب بكري نفسه قليلاً وفاضل بين ما أنجزه من دقائق تسيء إلى معاناة شعبه، وبين ما تداوله الناشطون عبر مواقع التواصل لحقيقة تلك المعاناة، لتراجع عن هذه الضحالة».

لم يكن سهلاً على أهالي المخيم أن يحصلوا ولو على رغيف خبز. مع ذلك، فإن غالبيتهم لم يعدموا وسيلة لتحصيل بعض المواد الغذائية مقابل مبالغ كبيرة، بينما يبدو خيار بكري في الفاكهة مقابل بيع ابنته مبالغة تحمل إساءة مباشرة للجرح الفلسطيني السوري. وكأن فلسطينيّي اليرموك لهثوا وراء الكماليات حتى لو اضطروا الى بيع بناتهم.

الأخبار اللبنانية في

11.03.2014

 
 

لا تعتذر عمّا فعلت

مصطفى مصطفى/ القدس المحتلة 

معركة جديدة يخوضها محمد بكري (1953). هذه المرّة ليست دفاعاً عن فيلمه الشهير «جنين جنين». ساحة المعركة ليست قاعات محاكم الكيان الغاصب. المعركة اليوم تدور رحاها على الفايسبوك، وعنوانها فيلمه «يرموك» الذي كتب قصّته الممثل صالح بكري، وصُوِّر في البعنة، بلدة المخرج في فلسطين التاريخية. يستلهم الشريط قصّته من الأحداث التي تنقلها وسائل الإعلام عن الأوضاع المعيشية المُهينة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في قلب الإعصار السوري، وخصوصاً في مخيمي الزعتري واليرموك.

يُعيد الفيلم خلق هذه الأحداث بلغة رمزية في قالب سردي سينمائي. نرى عائلة لاجئة تجلس في غرفة حول النار؛ وعلى وجوهها ملامح الرعب من أصوات القذائف والرشاشات في الخارج. وبعدها تنقلنا كاميرا المخرج إلى مشهد الأب (محمد بكري)، وهو يجلس بجانب ابنته في سيارة قديمة. فجأة، تظهر مقابلهما سيارة مرسيدس سوداء، تُضيء وجه الأب المُتعب، ووجه البنت الخائفة. يترجل من المرسيدس «شوفير» أو حارس شخصي، ويطلب من الفتاة أن تفتح فمها، ليتفحص أسنانها. ثم يرجع إلى سيده الذي يظهر عقاله الأبيض داخل سيارة المرسيدس. الحوار الوحيد في الفيلم، كان احتجاج الأب بصوت متهدّج على المبلغ المدفوع: «إتفقنا ألف مش 500». يجيبه الحارس بغطرسة: «ما إتفقناش على أسنان خربانة». ثم يأخذ الفتاة إلى سيده، صاحب العِقال الأبيض، ويبقى الأب وحيداً، إلا من دمعة تذرفها عينه. في المشهد الأخير، سنراه يُلقي بأكياس الطعام لأولاده.

هذه قصّة الفيلم الذي هو عبارة عن نسخة أولية وضعها بكري على صفحته على الفايسبوك لوقت قصير، قبل نحو أسبوعين، لأخذ الرأي والانتقادات عليها. بعدها، حذف رابط النسخة الأولية. لكن الرابط ظهر أول من أمس، لتظهر معه سكاكين الشتائم والتخوين والتشهير. مقولة الفيلم المستفزة، تعكس حزن بكري على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين في سوريا النازفة. الفنان لا يملك سوى كاميرا وسيناريو ودمعة كي يُعبّر عن هذا الغضب والحزن. تزويج العائلات اللاجئة لبناتهم بأثرياء عرب، صار واقعاً مؤلماً. محمد بكري نشر على صفحته على الفايسبوك توضيحاً موجهاً إلى «الإخوة الفلسطينيين والسوريين والعرب الأشراف في كل مخيم، وفي كل بقعة مقهورة في هذا العالم الظالم»، وأنهاه بعبارة «لن أعتذر عمّا فعلت. عن صرختي الشخصية التي تمثّلت في فيلم قصير ما زال غير مكتمل». في توضيحه، ذكر بكري أنّ اسم الفيلم «يرموك» مؤقت، و«هو لا يزال مسوّدة غير مكتملة. أنا مع أهلي في سوريا. لست مع النظام ولا مع المعارضة. ولذلك كتبت في بداية الفيلم: جراء الأحداث الدامية التي اندلعت في سوريا منذ ٢٠١١، تشرد مئات الآلاف وعضّهم القهر والجوع.

أنا مع كل الناس، والمآسي ليست حكراً علينا نحن الفلسطينيين. أنا ابن فلسطين التاريخية ولست ابن «الثمانية وأربعين»». هذه حكاية «يرموك» محمد بكري، أما «يرموك» اللاجئين الفلسطينيين، فما زال يواجه بصدره العاري رماح الإعصار السوري.

الأخبار اللبنانية في

11.03.2014

 
 

رداءة العمل الفني لا تُبرّر تخوين صاحبه

24 يستطلع آراء سينمائيين في الجدل حول فيلم "يرموك"

24 - خاص 

الضجة التي أثارها فيلم "يرموك" للفنان محمد بكري، والتي تحوّلت إلى ما يشبه "القضية الوطنية"، بين نداءات بتخوين الفنان ورجمه، وبيانات تطالب باعتذاره، عزّز من اشتعالها حضور فيس بوك، الذي سمح لكل من شاء المساهمة فيها. 24 استطلع آراء بعض السينمائيين، لمقاربة المشكلة من أهل الاختصاص.

يحيى بركات: الخلاف والنقد ينبغي أن يُوجّه نحو العمل

تحدث المخرج يحيى بركات، رئيس "جماعة السينما الفلسطينية"، في رام الله، حول الفيلم قائلاً: "من حيث المبدأ أنا لا اعتبرة فيلماً، إذ أن مقوّمات الفيلم لا تنطبق عليه، فلا هو بالفيلم الروائي القصير، ولا الفيلم الوثائق. إنه أقرب إلى فكرة نُفذت على غفلة، فكانت النتيجة غافلة على الفنان محمد بكري".

وأضاف "لم يستطع هذا العمل أن يحاكي الواقع في مخيم اليرموك نهائياً، حتى أنه بدل أن يجعل المتلقي يتعاطف مع الوضع الإنساني للمحاصرين، نجده يثير حقداً على الفلسطيني الذي يبيع ابنته من أجل حفنة من المال".

وحول الهجمة على محمد بكري، قال يحيى بركات: "لا يحقّ لأحد تخوين أحد، خاصة في مجال العمل الفني، لأن الفنان يجتهد يصيب ويخيب. الخلاف والنقد يجب أن يُوجه نحو العمل، وليس نحو الشخص".

وأوضح بركات "أعرف محمد بكري منذ عام 1982، وهو قدم الكثير من الأعمال المسرحية والكثير من الأفلام، أصاب في أغلبها وأخطأ في بعضها، لكن محمد فنان فلسطيني ملتزم، هو صاحب فلم "جنين جنين"، وهو الذي يدفع فاتورة هذا الفيلم، لذى أرى أن محمد بكري عندما كتب اليوم أن الفيلم لم يكتمل بعد، هو اعتراف ضمني منه أن الفيلم أخطأ، وأنه سيجري تعديله وإعادة إنجازه بشكل مختلف، آخذا ً بعين الاعتبار الملاحظات والانتقادات التي كتبت".

وبشأن الاعتذار قال: "أنا عن نفسي لا أجد حرجاً على محمد أن يعتذر، لأن ذلك رفعة له، وهذا الأفضل، أن نتعلم الاعتذار عن أخطأنا".

رشيد مشهراوي: لا أشكك بوطنية محمد بكري

من ناحيته أكد المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، المقيم في رام الله، على ضرورة عدم التشكيك بوطنية محمد بكري أبداً، وضرورة التمييز بين هذا الأمر ورفض الفيلم، فقال: "لا أشكك بوطنية محمد بكري، ولا بإنتمائه لفلسطين والعرب والشعب السوري والفلسطيني ولا للحظة. ولكن الفيلم لم يعجبني، واعتبرته ساذجاً، فهو عمل نابع من مشاعر، وليس من تفكير، أو أيّ تعبير سينمائي".

واعتبر مشهراوي أن فيلم "يرموك"، هو أقرب ما يكون إلى "ردة فعل تنطلق من مكان، فتصب في مكان آخر، بدون تفكير أو عمق بالرؤية السينمائية والسياسية"، مشيراً إلى أن الفيلم "لا يمثل سقطة لمحمد، بل موجة، إذ في تاريخ محمد الفني الكثير من الصعود والهبوط، والصواب والخطأ، وكلها نابعة من سذاجة، وليس خيانة.

فراس كيلاني: لم أقرأ نقداً جدياً لطرح الفيلم

أما المخرج الفلسطيني فراس كيلاني، المُقيم في لندن، الذي سبق أن حقّق أفلاماً عن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، فقال: "من حيث المبدأ، أعتقد أننا لا زلنا بوصفنا مثقفين عموماً نرفض مقاربة الحقيقة، ليس فيما يتعلّق بما جرى في اليرموك، وإنما في كل تبعات الثورة السورية، وما جرته من كوارث".

وأضاف "الفيلم أثار لغطاً هائلاً، لأنه قارب مسألة بالغة الحساسية بالتأكيد، لكنها لا تُبرّر على الإطلاق الحملة التي شنّت على المخرج والممثل الكبير محمد بكري"، موضحاً: "لا أعرف بالتأكيد إن وقعت هكذا حالات في أوساط الفلسطينيين الذين نُكبوا بمخيمهم، لكني متأكد أنها جرت في الكثير من الأوساط السورية، ولا أعتقد أن من يسكن الزعتري من السوريين أقل شرفاً من سكان اليرموك".

وفي حين ألمح كيلاني إلى أن المشكلة تتخذ "طابعاً بشعاً قد لا يخلو من انتقام"، أوضح قائلاً: "أتفهّم تماماً ما يحاول بكري قوله، وللأسف تمّ التعامل مع فيلمه بطريقة سطحية جداً، وفي الحقيقة لم أقرأ حتى اللحظة نقداً فنياً جدياً لطرح الفيلم".

أما بصدد إن كان على الفنان الاعتذار، فقال كيلاني: "لا إطلاقاً. ربما عليه أن يُوضح بعض مقاصده، لاحقاً. المسألة باتت أوسع بكثير من اليرموك.. والحملة غير مُبررة على الإطلاق"

فجر يعقوب: سقوط في فخ "الغشمنة" المُتعمّدة

المخرج الفلسطيني فجر يعقوب، المقيم في بيروت، والذي أنجز قبل عام فيلماً عن اللاجئين الفلسطينيين في لجوئهم الثاني، من مخيم إلى آخر، قال: من سوء حظ محمد بكري أن فيلم "يرموك" جاء ليتوّج خيبة كبيرة لا تخصه وحده، بل ليتوّج خيبات كثيرة عشناها معاً، وأردنا أن نتخلّص منها معاً. لا يبدو الفيلم بدقائقه الثمانية حالة خاصة يمكن الوقوف عندها لو ظهر في ظروف أخرى، ولكنه يشير في المقلب الآخر إلى سقوط في فخ "الغشمنة" المُتعمّدة التي يسوّقها بكري وعائلته. ليست وظيفة النقد الفني الانتباه كثيراً إلى سقوطه في درس الأخلاق، وهذا قد يبرر لبكري فعلته الفنية، ولكن ثمة ماهو أخطر ينتج في لحظة عن سذاجة متكلفة: كيف يمكنك في لحظة طيش أن تصنع هوية قاتلة لأهلك؟

هوفيك حبشيان: الخطاب ركيك والمحتوى أرعن

الناقد اللبناني هوفيك حبشيان، تحدث في الأمر، قائلاً: "أعتقد أن بكري استعجل في إنجاز فيلم عن اليرموك، هذا إذا كان يمكن القول إن الفيلم عن المخيم الذي تحوّل إلى رمز للصمود الإنساني. هو في أيّ حال أخطأ في تسمية الفيلم "يرموك"، واختصر مأساة الفلسطينيين بأب يبيع ابنته، من دون النظر إلى أبعد من ذلك، ومن دون أن يدرج الحكاية في سياقها الاجتماعي والسياسي، ليفهم المشاهد عما يتكلم".

وأضاف حبشيان: "الفيلم بدا إثارة رخيصة غير موفقة. وأفهم الغضب الذي أثاره، ولكنني شخصياً ضد تخوين بكري وشتمه، وأنا متأكد أن نيته لم تكن سيئة، لكن الخطاب ركيك والمحتوى أرعن، وهذا ما أوصله إلى مكان اعتبره بعضهم إهانة. علماً أننا نحن في هذه المنطقة من العالم، علينا تقبل صورتنا المطروحة على الشاشة، مهما كانت سيئة. في المقابل، لا أفهم كيف قال إن هذا جزء من فيلم ليس جاهزاً للعرض بعد، إذا أن هناك جنريك بداية ونهاية".

وانتهى هوفيك حبشيان إلى القول: "على كل حال، سقط بكري في فخ الاستعجال وإعلان المواقف، من دون أن يعرف بالضرورة التفاصيل التي هي ضرورية في صوغ كل عمل فني".

الثلاثاء 11 مارس 2014 / 01:56

قالوا إنه يشوه الحقائق ويسيء لصورة الفلسطيني

محمد بكري يتعرّض لحملة هجوم وانتقادات لاذعة بسبب "يرموك"

24 - خاص

شنّ ناشطون على فيس بوك حملة هجوم عنيفة ضد الفنان الفلسطيني محمد بكري، بسبب ما ورد في فيلمه "يرموك"، الروائي القصير، الذي وجد طريقه إلى شبكة الإنترنت، فأثار امتعاض الكثيرين ممن رأوا فيه إساءة لصورة "اليرموك"، المخيم الفلسطيني الشهير.

وعلى رغم أن الفيلم متوفّر على شبكة الإنترنت منذ وقت، إلا أن الحملة اندلعت شرارتها أمس، بعد مقال كتبه المخرج نصري حجاج، مما لفت الأنظار إلى الفيلم، لتنطلق موجة واسعة من الاحتجاجات، وصلت حدّ الشتائم المُقذعة، والاتهام بالعمالة، والتخوين.

يُذكر أن فيلم "يرموك"، الذي لا تتجاوز مدته 8 دقائق، والذي كتب قصته الممثل صالح بكري، ابن محمد بكري الأكبر، يحكي قصة رجل يبيع ابنته للحصول على طعام لبقية أفراد أسرته، الأمر الذي اعتبره مهاجموه أنه يشوّه الحقائق، ويسيء لصورة اللاجئين الصامدين في مخيم اليرموك (جنوب دمشق).

من المعروف أن محمد بكري هو أحد أهمّ الفنانين، من فلسطيني الأراضي المُحتلة عام 1948، وله إسهامات متميزة في المسرح، كما في مونودراما "المتشائل" عن رواية لأميل حبيبي، وفي السينما ممثلاً ومخرجاً، ونال العديد من الجوائز في غير مهرجان سينمائي.

موقع "24" في

11.03.2014

 
 

الوداع الأخير لعميد السينما الفرنسية آلان رينيه

باريس - سعد المسعودي 

في مشهد سينمائي واقعي ومثير وكأنه مشهد من أفلامه السينمائية، ودع عشاق الفن السابع وصناع السينما الفرنسية والعالمية عميد السينما الفرنسية آلان رينيه الذي توفي السبت الماضي عن عمر ناهز الـ"91" عاما وقد وضعت صورة كبيرة للسينمائي الفرنسي، وهو يرتدي قميصاً أحمر على كنيسة القديس منصور دي بول في باريس التي زينت بالورد الأبيض.

وتخللت هذه المراسم مقتطفات موسيقية وأخرى من أفلام كان يحبها المخرج رينيه، فضلاً عن أشرطة فيديو تظهره خلف الكاميرا وتظهر ممثليه المفضلين وهم ينعونه، ومنهم زوجته الممثلة سابين ازيما والممثل برونو بوداليديس اللذان قاما باختيار مشاهده المفضلة في هذه الأفلام المعروضة .

شخصيات سياسية وفكرية وثقافية حضرت مراسم إلقاء النظرة الأخيرة، يتقدمهم رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك ايرولت ووزيرة الثقافة أوريلي فيليبيتا ورئيس بلدية باريس بيرتران دولانوي ومجموعة كبيرة من صناع الفن السابع.

يأتي رحيل رينيه بعد فترة قصيرة على تكريمه في مهرجان برلين السينمائي الذي عرض فيه آخر أفلامه "حياة رايلي" من مسرحية أخرى خاصة بآلان ايكبورن "هذا التكريم الذي أنهى فيه حياة حافلة بالإبداع السينمائي تجاوزت الـ"60" عاما في خدمة السينما حتى أصبحت أفلامه من مرجعيات السينما الفرنسية والعالمية .

بدأت شهرة الراحل آلان رينيه في الخمسينيات مع فيلمه الذي حقق مبيعات واسعة "هيروشيما حبي"، وفيلمه الوثائقي حول مخيمات الاعتقال "ليل وضباب".

تميزت أفلام المخرج آلان رينيه بكتابتها الأدبية على أنها أكثر منها سينمائية، وكان معروفاً بتعاونه مع مؤلفين مثل مارجريت دورا وجورج سيمبرون.

ومن بين النجاحات التي حققها في بداياته الفوز بجائزة الأسد الذهبي عام 1960 في مهرجان البندقية السينمائي الدولي عن فيلمه "العام الماضي في ماريبنباد"، وكرم عن مجمل أعماله في مهرجان كان السينمائي في عام 2009.

العربية نت في

11.03.2014

 
 

غبش البدايات في بقعة ضوء من غزة

غزة: تامر فتحي

منذ اليوم الأول فرضت أزمة الكهرباء نفسها موضوعا على ورشة الفيديو أرت، التي نظمتها مؤسسة حيفا للإعلام والفنون بغزة بعنوان "بقعة ضوء من غزة" بدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون وشارك بها 18 فنان وفنانة أشرف عليهم الفنان التشكيلي محمد حرب واستضافها المعهد الثقافي الفرنسي الذي أُقيم به مؤخرًا مهرجان ختامي عُرضتْ به أعمال المشاركين، ففي أول أيام الورشة – الأول من نوفمبر الماضي- توقفت محطة كهرباء غزة تقريبًا عن العمل، ودخل القطاع في حالة من الظلام لم يسبق لها مثيل على مدار خمسين يومًا.   

وأزمة انقطاع الكهرباء، المعاناة اليومية التي يتكيف معها الغزيون بالشموع والليدات المضيئة والشواحن الكهربائية والمولدات، هي في حد ذاتها تصنع من غزة في الليل لوحات يتزاوج فيها الضوء الخافتة بالعتمة، كلوحة مصابيح السيارات وهي تسطع في وجه المشاة ثم تمرق في الطرق المعتمة، ولوحة كشافات الهواتف النقالة التي يحملها المارة في الشوارع الحالكة، وخيالات الظل على حوائط البيت على ضوء الكشافات والشموع، لوحات بصرية تصاحبها أصوات مولدات الكهرباء تحيل المشهد المأزوم إلى "فيديو أرت" طبيعي له جمالياته الخاصة التي تقف على الجهة المقابلة لجماليات الألق والبذخ الضوئي في أماكن أخرى

هذه اللوحات البصريات- التي قد لايتوقف أمامها الغزي الذي يلعن انقطاع الكهرباء في كل ساعة- لم يلتفت إليها أيضا المشاركون في الورشة كثيرًا، وإن حاول بعضهم استثمار هذه المشاهد على استحياء – مثل فيديو "حركة، صنم" لنبيل ابو غنيمة وفيديو "حفل راقص" لبلال الجعبير، اللذان استخداما خيال الظل بشكل مباشر لكن دون توظيف حقيقي للشق البصري فيه بل على العكس حاول كلا الفنانين كسر إيهام الصورة بالكشف عن أصل مسببات الظل سواء كانت أطفال تلعب لعبة "حركة، صنم" أو شاب يحمل مصابيح كهربائية وكأنها عرائس الماريونت في فيديو "حفل راقص" لتنقطع العلاقة بين الفنان والمتلقي بانتهاء العمل

في حين حاولت تجارب أخرى استحداث مشاهد بصرية متكلفة، كتجربة "شمعة واحدة لا تكفي" لخالد عيسى وتجربة "لا حياة لا موت" لنور المصري حيث يستحيل المواطن الغزي إلى سمكة حبيسة حوض زجاجي تتساقط عليها مصابيح الكهربائية في رقعة تضيق مع كثرة المصابيح المتساقطة، وتجربة "في العتمة" لطه أبو غالي حيث الباب المغلق هو مصير الشخص الخارج من النفق المغلق الذي يحسب أن الباب مفتوحًا، بينما أصاب الارتباك بعض التجارب كتجربة كاميليا زهد "حياة صراع" حيث نرى بذخ بصري من خلال تركيب صورة فوق صورة لم يخدم المدلول في الفيديو، بل إن صورة انقطاع الماء في أثناء غسل الأواني جاءت مباشرة على نحو سطّحَ الدلالات البصرية في العمل، وكذلك تجربة "كابوس" لعبد الحليم أبو ناموس التي جنحت للدراما البصرية.

وقد يبدو هذا مفهومًا بل وإيجابيًا أيضًا - إذا عرفنا أن أغلب المشاركين يمارسون الفيديو أرت لأول مرة- ، فما يبدو لنا متكلفًا أو مرتبكًا في الأعمال المشاركة في "بقعة ضوء من غزة" إنما هو محاولة لتطبيق ما تعلمه المشاركون من أساسيات، وفهم لفن ليست له جذور ضاربة في ثقافتنا، ويحتاج إلى كثير من التجارب المشابهة ليفرز لونه الأصلي.

فكما يكتب محمد حرب في مستهل كتيب المهرجان "هذه الورشة تأتي بمثابة فرصة لفنانيين من غزة لتنمية مهاراتهم والتعريف بهذا النوع من الفنون. وهي بمثابة تنفيس عن رغباتهم، وتفريغ لعوالمهم من خلال التعبير عن الذات ورفض الواقع الرمادي، وطرح القضايا العالقة في أذهانهم في بوتقة فنية من الصوت والصورة." 

والفيديو أرت هو بالأساس فن نخبوي جاء بعد السينما لذا يُطلق عليه "الفن الثامن"، ويحاول من خلاله الفنان أن يعكس تصوراته الذاتية من خلال الصوت والصورة على نفس المتلقي بعد أن كان يعتمد على الريشة والخط واللون مستخدمًا الأدوات التكنولوجيا من كاميرا ومونتاج وصوت ليصنع لوحة تشكيلية متحركة.   

وإثارة التأويل في نفس المتلقي أو إقامة علاقة تفاعلية بين الطرفين (الفنان والمتلقي) هو القصد الحقيقي وراء "الفيديو أرت"، فالفنان ينطلق من منطلقه الخاص وما يعنيه تحديدًا، ليذهب إلى البعيد المطلق الذي يتلقه المتلقي فيعيد تأويله وبناءه من زاويته الخاصة ليصبح لكل مشروع فيديو أرت معنى وتأويل بعدد مشاهديه. لذا تقتل المباشرة المشروع الفني وتقضي على البراح البصري الذي ينتظره المشاهد وهذا للأسف ما وقعت فيه أعمال مثل، "عقاب بلا ذنوب" و "ضوء الجنة" و"رائحة الضوء" وأعمال أخرى.

في حين تترك أعمال مثل "ضوء من غزة" و"علاقة غير متجانسة" براحًا بصريًا يسمح للمتلقي بتفكيك العمل وإعادة بنائه من خلال دلالات عميقة تعيد اكتشاف المسكوت عنه والمرموز إليه في لحظة انقطاع وعودة الكهرباء، فيصبح التيار الكهربي مشحون بتفاصيل الحياة كمؤشر جهاز قياس القلب مع تفاصيل مرئية صغيرة للحياة اليومية في غزة كما في فيديو "ضوء من غزة" لمحمد حرب، في حين يفسح انقطاع التيار الكهربائي في فيديو "علاقة غير متجانسة" لمحمد الكرنز المجال لطاقة مضيئة من الحميمية جاءت على شكل ما يبدو أنه واقي ذكري وحيوانات منوية وهو ما قد يبدو غير متجانس مع الواقع المأزوم لكنه بالأساس المعادل الموضوعي لمقاومة الإحباط الذي يولده انقطاع التيار.         

الجزيرة الوثائقية في

11.03.2014

 
 

«المعدية» و«فتاة المصنع»

يفتتحان موسم شم النسيم السينمائي (تقرير)

كتب: أحمد الجزار 

يسعى صناع السينما المصرية هذه الأيام إلى فتح موسم جديد لجذب الجمهور إلى دور العرض بعد فترة الركود التي عانت منها خلال الفترة الماضية، ولم ينتج عنها سوى عرض فيلم «لامؤخذة» للمخرج عمرو سلامة.

وينطلق موسم «شم النسيم» الأربعاء المقبل، بعرض فيلم «المعدية»، الذي سبق عرضه فى مهرجان دبى السينمائى فى دورته السابقة، وينتمى هذا الفيلم، الذى كتبه محمد رفعت، إلى نوعية الأفلام الرومانسية، ويشارك فى بطولته درة والتى تجسد دور «أحلام» الفتاة الفقيرة من جزيرة الذهب، والتى تعمل فى محل كوافير وتتمنى الزواج من «فارس»، الذى يقدم دوره هانى عادل وشقيقها أحمد صفوت وزوجته مى سليم، ويأتى عرض الفيلم بعد سلسلة من التأجيلات، حيث انتهى تصويره منذ ما يقرب من عام.

ثانى الأفلام التى تقرر عرضها فى هذا الموسم أيضا فيلم «فتاة المصنع»، للمخرج محمد خان، الذى حازت بطلته ياسمين رئيس على جائزة أفضل ممثلة من مهرجان دبى السينمائى، بينما حاز خان على جائزة الصحافة الدولية من المهرجان نفسه، ويعتبر فيلم خان من الأفلام الذى تسبح ضد التيار مع باقى الأفلام الأخرى بعد أن سيطرت الأفلام الشعبية على معظم المواسم السينمائية وتدور أحداث فتاة المصنع، حول هيام، وهى فتاة فى الواحد والعشرين ربيعًا، تعمل كغيرها من بنات حيها الفقير فى مصنع للملابس، تتفتح روحها ومشاعرها بانجذابها لتجربة حب تعيشها كرحلة ومغامرة بدون أن تدرى أنها تقف وحيدة أمام مجتمع يخاف من الحب ويخبئ رأسه فى رمال تقاليده البالية والقاسية، ويشهد الفيلم عودة المخرج محمد خان إلى السينما بعد غياب ما يقرب من 7 سنوات، ومن المقرر أن يعرض الفيلم بالتزامن فى دولة الإمارات بعد ترجمة نسخة من الفيلم.

ثالث الأفلام التى ستنطلق فى نهاية مارس فهو فيلم «عنتر وبيسه»، بطولة محمد لطفى والذى يحاول من خلاله العودة إلى البطولة من جديد بعد مجموعة من التجارب البائسة التى قدمها خلال الفترة الماضية، بداية من «عبده مواسم». أحداث الفيلم تدور حول ثلاثة أشخاص هم عنتر «لطفى»، و«أمير» الذى يجسد دوره هشام إسماعيل، وأخيراً «هندى»، الذى يجسد دوره حسن عبدالفتاح، والثلاثة خرجوا من السجن، وعندما يصطدمون بواقع الحياة وما أصبحت عليه يقررون العودة مرة أخرى للسجن بمختلف الطرق، ما سينتج عنه مواقف كوميدية.

أما رابع الأفلام والذى أثارت حولها ردود فعل كبيرة حتى قبل العرض فهو فيلم «حلاوة روح» لهيفاء وهبى، فى ثانى تجربة سينمائية لها بعد فيلم «دكان شحاتة» مع المخرج خالد يوسف، وذلك بسبب اقتباس أحداث فيلمها الجديد من الفيلم الإيطالى «مالينا» للممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشى، وتعد هذه هى المرة الثانية التى تظهر بها هيفاء متقمصة شخصية مونيكا بعد كليب «بكرة بفرجيك» للمخرج الإيطالى جيانجى مغنونى، يشارك فى بطولة «حلاوة روح» باسم سمرة وصلاح عبدالله، قصة وسيناريو وحوار على الجندى والإخراج لسامح عبدالعزيز، وقد واجه هذا الفيلم العديد من المشكلات مع الرقابة بسبب جرأة بعض مشاهده، وحاول صناعه الوصول إلى صيغة وسط مع الرقابة لإجازة عرضه تحت لافتة «للكبار فقط» كنوع من التحفظ على بعض المشاهد.

ومن الأفلام التى تقرر عرضها فى الموسم نفسه، خاصة فى منتصف شهر إبريل، هو فيلم «سالم أبوأخته» لمحمد رجب، وقد أطلق رجب شاربه شبيها بشارب محمد سعد الذى ظهر به فى مسلسل «شمس الأنصارى». يقدم رجب فى الفيلم دور بائع متجول فى شوارع وسط البلد، وتشاركه البطولة حورية فرغلى وآيتن عامر.

أما آخر الأفلام والتى لم يتحدد موعد عرضها حتى الآن ولكنه سيعرض خلال الموسم نفسه، فهو فيلم «الفيل الأزرق» للمخرج مروان حامد، وبطولة كريم عبدالعزيز ونيللى كريم وخالد الصاوى ولبلبة والمأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه، وينتمى الفيلم إلى الدراما النفسية وقد انتهى تصويره بالكامل وكان من المقرر عرضه خلال شهر رمضان الماضى، ولكن الشركة المنتجة قررت تأجيله إلى شهر إبريل.

وفى سياق متصل، قررت شركات الإنتاج والتوزيع مد موسم شم النسيم إلى نهاية الصيف ودمجه فى موسم الصيف بسبب اقتراب حلول شهر رمضان، وانطلاق مباريات كأس العالم، لذلك قررت معظم الشركات مد هذه الأفلام حتى شهر رمضان لتبدأ بعرض دفعة جديدة من الأفلام خلال موسم عيد الفطر المقبل.

المصري اليوم في

11.03.2014

 
 

«زي النهاردة»..

وفاة منيرة المهدية 11 مارس 1965

كتب: ماهر حسن 

ولدت «سلطانة الطرب»، منيرة المهدية، في 16 مايو 1885 في قرية المهدية مركز ههيا بمحافظة الشرقية وتوفي والدها وهي صغيرة وتولت شقيقتها رعايتها، واشتهرت بأغاني «بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة»، و«إرخي الستارة اللي ف ريحنا ..أحسن جيرانك تجرحنا»، و«أنا لسة نونو في الحب بونو والحب دح دح والهجر كخ كخ» و«على دول ياماعلي دول»، و«أسمر ملك روحي»، و«أنا هويت وانتهيت»، و«أنا عشقت» هذه بعض من أشهر أغاني

بدأت «المهدية» مسيرتها الفنية كمطربة تحيي الليالي بالزقازيق، وذات يوم شاهدها أحد أصحاب المقاهي الصغيرة بالقاهرة، فأعجب بجمال صوتها واستطاع إقناعها بالسفر للقاهرة فسافرت في 1905 وذاع صيتها وفي1915 وقفت على خشبة المسرح مع فرقة عزيز عيد، لتؤدى دور «حسن» في رواية للشيخ سلامة حجازى، فكانت أول سيدة تقف على المسرح و زاد الإقبال على المسرحيات ثم افتتحت ملهى خاصًا بها أسمته «نزهة النفوس» والذي تحول إلى ملتقى لرجال الفكر والسياسة والصحافة بفضل ما كانت تتمتع به من شخصية قوية وقيادية.

كانت منيرة المهدية تكتب على الأفيشات «الممثلة الأولى» بالرغم من أنها كانت تقوم بدور رجل ثم انفصلت عن فرقة عزيز عيد وكونت فرقة خاصة بها وقدمت أشهر أعمال الشيخ سلامة حجازي كما عملت مع أشهر شعراء وملحنى جيلها، وكانت وراءاكتشاف الموسيقار محمد عبد الوهاب.

قامت ببطولة فيلم «الغندورة» في 1935وهو الفيلم الوحيد لها للمخرج الإيطالي فولبي، وفي 1948 قررت العودة للمسرح بعد أن اعتزلت الحياة الفنية لعشرين عاما ولكنها لم تلق القبول الذي كانت تنتظره، وشهدت هذه الفترة صراعا حادا بينها وبين «أم كلثوم» المطربة الوافدة التي فرضت شروطا جديدة وشكلا جديدا على المشهد الغنائي في مصر ولم تستطع منيرة المهدية مجاراتها فما كان منها إلا أن اعتزلت الفن وتفرغت لهوايتها وهي «تربية الحيوانات الأليفة» إلى أن توفيت في مثل هذا اليوم 11 مارس 1965.

المصري اليوم في

11.03.2014

 
 

ننشر مذكرات تحية كاريوكا للكاتب الكبير صالح مرسى.. الحلقة السادسة عشرة

تحية كاريوكا: كنت أفقد أعصابى إذا نادانى أحد باسم كاريوكا!

أعدها للنشر: محمد توفيق 

فى البداية.. لم يكن يثير تحية شىء فى هذه الدنيا إلا أن يناديها الناس باسم «كاريوكا»، ورغم النجاح الساحق الذى حققته هذه الرقصة، ورغم الشهرة التى حملت اسم تحية مقرونا باسم هذه الرقصة إلى كل لسان، فما كانت تسمع أحدا يناديها بهذا الاسم، حتى تفقد أعصابها، وتثور، وقد تتشاجر.. وقد اختارت لنفسها اسما آخر ذات يوم، فبدلا من اسم تحية محمد، اتخذت لنفسها اسم تحية كريم، وهو اسم جدها الأكبر، غير أن الناس أبوا إلا أن ينادوها بكاريوكا، فى كل مكان، فى الشارع أو فى الصالة.. حتى إذا سافرت ذات يوم إلى الولايات المتحدة، عندما تزوجت تحية لأول مرة، ظنَّت أنها سوف تتخلص نهائيا من هذا الاسم، وقدمت نفسها إلى الناس، لا على أنها «مسز ليفى» -وهو اسم زوجها الأول- وإنما على أنها «مس كريم»!

ومضت بها أيام وهى تشعر بسعادة بالغة، وذات يوم كانت تسير فى الشارع الخامس بنيويورك، حين حكت أذنها صيحة: «ست كاريوكا.. ألف مرحبا!».

كانت لهجة الرجل شامية، وكانت تحية سعيدة أن وجدت فى الولايات المتحدة من يحدثها بالعربية، وأيقنت فى تلك اللحظة بالذات أن لا مفر، كان الرجل متحمسًا أشد الحماس لرؤيتها، كان عربيا يعرفها ويرى صورها على أنها «كاريوكا» لا «كريم»، وفى هذا اليوم، قبلت دعوة هذا الرجل على العشاء، وقبلت أيضا اسم «كاريوكا» فصاحبته وصاحبها حتى اليوم.

وفى تلك الليلة التى رقصت فيها تحية رقصة الكاريوكا لأول مرة، ولد فى نفسها ذلك الإحساس الشديد بالثقة بالنفس، كانت تتلقى التهانى من الجميع وهى سعيدة، وكانت تصعد إلى غرفتها فى كازينو الكوبرى عندما لمحت الست نرجس، أم حورية محمد، فتوقفت!!

هل تتكرر المأساة مرة أخرى؟!

ولم تكن تحية فى حاجة إلى جواب، فسرعان ما عادت أدراجها إلى غرفة بديعة، وقد استقر رأيها تماما على الدفاع عن نفسها مهما كلفها الأمر.

«اسمعى يا مدام بديعة، لو الولية اللى اسمها نرجس دى جت ناحية البدلة وقطعتها أنا حاقطع جتتها!».

لم تكن تلجأ إلى بديعة هذه المرة، لكنها كانت تهدد.

ولقد وقع كل ما كانت تنتظره من نرجس، وقد بلغها تهديد تحية الذى أعلنته على الجميع، كانت تحية معجبة أشد الإعجاب برقص حورية محمد، لكنها لم تكن على استعداد لأن تضحى بمستقبلها فى سبيل إعجابها هذا!

صاحت الست نرجس وهى تحدث بديعة مصابنى فى احتجاج:

«انتو عاوزين بنتى ترقص عندكم ولاّ لأ؟!.. ما هى بنتى بترقص أفرنجى كمان!».

كانت الست نرجس هى الأخرى تهدد ولم تكن تحية موجودة ساعتها، ووقفت جمالات فى انفعال تنتظر حكم بديعة مصابنى، لقد حكمت فى المرة الأولى، وكان حكمها حرمان تحية من الرقص الشرقى، فهل تحرمها أيضا من الرقص الغربى؟!

قالت بديعة: «تحية هترقص الرقصة دى، إذا كان عاجبك أهلا وسهلا.. مش عاجبك خدى بنتك ومع السلامة!».

إن بديعة لا تضحى بنجمة مثل حورية محمد، إلا إذا كانت واثقة أنها ستجنى ما يعوضها عن هذه التضحية، وعادت الست نرجس تصيح متراجعة: «بس حورية بترقص أفرنجى!».

«اسمعى يا نرجس، البنت دى زى بنتى بالضبط، فاهمة الكلام ده كويس؟!».

قالت بديعة هذا.. ثم مضت!

ولم تخرج حورية محمد، وانتصرت تحية كاريوكا انتصارها الأول!

لم يحدث فى تاريخ بديعة مصابنى أن استمرت رقصة واحدة لأكثر من برنامج واحد.. حتى ولو كانت هذه الرقصة لبديعة مصابنى نفسها، وكان البرنامج لا يعرض لأكثر من أسبوعين ثم يتغير تماما، بموسيقاه ومونولوجاته وأغانيه ورقصاته الأوروبية.. نوع واحد من الرقص هو الذى لم يكن يتغير أبدا أبدا.. هو الرقص الشرقى.

غير أن رقصة الكاريوكا نجحت نجاحا مذهلا، وتحمس لها الناس وأحبها رواد الصالة، وتردد اسم كاريوكا على ألسنة الزبائن، كما أصبح يتردد على ألسنة أعضاء الفرقة أيضا، وكأن الناس تستسيغ نوعا واحدا من الطعام!

ولذلك فلقد استمر عرض الرقصة أربعة أسابيع، ولبرنامجين متتاليين.. وبلغ نجاح الرقصة حدا جعل بديعة تطلب من تحية أن تقدم الرقصة فى الكباريه أيضا، ولكن تحية رفضت هذا فى البداية، أن معناه أن تقدم الكاريوكا مرتين فى الليلة أو ثلاث مرات، فى أثناء تقديم البرنامج فى الماتينيه والسواريه، وما بعد البرنامج فى الكباريه.. وصرخت بديعة ذات يوم فى وجه تحية:

«انتى بترقصيها فى البرنامج من أسبوعين خلى عندك دم!».

وابتسمت تحية، ووافقت!

كانت تحب بديعة مصابنى، وتشعر بضعف أمامها، هى -أساسا- لم تكن تستطيع أن ترفض لها طلبا، ثمة نوع من الولاء العميق كانت تكنه لهذه السيدة التى رعتها، وأشرفت عليها وربتها.. فى تلك الأيام كانت تحية كاريوكا قد شقت طريقها إلى الشهرة، وكان مرتبها قد بلغ اثنى عشر جنيها بالتمام والكمال، وإذا وصلت راقصة عند بديعة مصابنى إلى هذا المرتب فإن معناه على كل المستويات أنها راقصة ممتازة.. وكان أى نادٍ ليلى آخر على استعداد لأن يدفع لتحية أضعاف أضعاف أضعاف هذا المرتب، لو قبلت أن تترك بديعة.

ولم تكن تحية تحلم، وربما كل بنات بديعة، أن يفعلن هذا.. غير أنه حدث ذات يوم، وألقت بديعة ملابس الشلة كلها من النافذة، وطردتهن جميعا وهى موقنة أنهن لن يغادرن باب الكازينو، كانت مثل أم تثق ثقة مطلقة بولاء بناتها.. غير أن المفاجأة أن تحية رفضت هذا الأسلوب، أن بديعة بمثابة أمها، هذا حق.. ولكن كرامتها كانت مستقبلها!

كان العيال قد أصبحوا يمارسون الحب بين بعضهم البعض علنا، وتراخت محاولتهم لإخفاء هذا الحب يوما بعد يوم.. ولم تعد المدام فى حالة تسمح لها بأن تغمض عينيها أكثر من ذلك عن تطبيق مبدأ فى الفرقة.. وكانت المدام تسأل فلا تجد جوابا من البنات إلا الإنكار.. وإذا كانت تحية تنكر ما حدث وهى تعلم تفاصيله علم اليقين فهى لم تكن قد وقعت فى الحب مع أحد.. كان طموحها شديدا وهى تتبع توجيهات سليمان نجيب، ولقد اكتشفت فى إحدى مدارس الرقص أن الأصول الأولى للرقص الكلاسيكى، ذات فائدة حقيقية للراقصة.. كان سليمان نجيب يدفع أجر الدروس التى كانت تصل إلى خمسة جنيهات فى الحصة الواحدة، وعندما تمردت عليه لم تكن تعرف ماذا كانت ستفيدها تدريبات الصوت عند «مدام رطل» الشهيرة، وهى راقصة وليست مغنية، فرد عليها سليمان نجيب فى حرارة وعصبية: «الفنان لازم يستغل كل إمكانياته، الرقاصة كمان لازم يبقى صوتها حلو!».

واستسلمت تحية، وتدربت على مبادئ الرقص الكلاسيكى، وكلما أحست بمقدار الفائدة التى جنتها فى أثناء تأدية رقصاتها فإن إعجاب الناس برقصها كان يزداد يومًا بعد يوم.. كانت تحية غارقة لشوشتها وسط شلة «المحنطين»، لقد وجدت فى عبد العزيز البشرى صديقا كشف لها كثيرا من حقائق الدين، إنها ابنة البيئة التى يشكل الدين فيها لا عنصرا أساسيا فقط ولكنه عنصر من عناصر الحياة وطعمها.. لم تكف عن سؤاله عن الحرام والحلال، الخطأ والصواب، وكانت فى بعض الأحيان تصلى بحرارة وحب، وكانت تعيش حياتها فى سعادة واقتحام، لكنها لم تقع فى الحب، فلماذا تشتمها بديعة؟!

«ماتشتميش، اللى عاوزه تشتميه اشتميه فى وشه،

وهكذا ردت تحية على أستاذتها، لكن الأستادة لم تطق هذا الرد، فتحول غضبها إلى ثورة، وتحولت ثورتها إلى هياج، فأمرتهن -كل البنات- بمغادرة الصالة، طردتهن جميعا، ثم ألقت بملابسهن إلى الشارع!

قالت تحية لتيتى وجينا:

«اسمعوا يا بنات، تيجوا نخرج؟!».

لم تطلب تحية هذا الطلب من جمالات، لأن جمالات كانت تحب فى تلك الأيام أنطوان، ولما كان أنطوان جزءا من الكازينو فلم يكن من المعقول أن تطلب منها أن تترك بديعة.. لكن جمالات فاجأت الثلاث بأنها على استعداد لترك بديعة والانفصال عنها.. وكنت المفاجأة، أن راقصة شرفية اسمها «سميرة أمين» جاءتهن وهى متحمسة للثورة لتعلن انضمامها إليهن.

وهكذا أعلنت تحية كاريوكا أنها لن تنتظر حتى تتصالح مع المدام، ولكنها ستبحث عن عمل!

وغادرت تحية كازينو بديعة لأول مرة فى حياتها!

كانت قد تركت بيت بديعة منذ شهور طويلة، وكانت تعيش فى بنسيون فى شارع عماد الدين، كان البنسيون كله من بنات بديعة، لم يكن فيه غريب ولا رجل، فى البنسيون كله لم يكن هناك سوى رجل واحد هو فريد الأطرش!

وكانت الحياة فى البنسيون لها طعم خاص، طعم لذيذ ملىء بالمرح والحماس والانفعال والحب، وكان فريد طيبا حنونا يعيش قصة حبه فى صمت وعاطفية.. وفى ذلك اليوم اجتمعت شلة الثائرات على بديعة فى البنسيون وعقدن اجتماعا سريعا تزعمته تحية، فلقد أبدت استعدادها لأن تتحدث مع «كالوميرس» صاحب ملهى الكيت كات، المنافس الأول لبديعة فى ذلك الوقت!

كانت تحية تتحدث مع «مسيو كالوميرس» باسم الأربع الأخريات.. كانت تعلم أن الكيت كات لا يقدم إلا الرقصات الأوروبية فقط، وأنه لم يقدم فى كل تاريخه رقصة شرقية واحدة.. وكانت الفترة التى أعقبت رقصة الكاريوكا عند بديعة فترة مزدهرة وخصبة، ذلك أن إيزاك ديكسون دخل الصالة بعد أن تم الصلح بينه وبين بديعة ليخلق فى كل يوم رقصة، وقدمت جينا وتيتى وجمالات وتحية رقصات عديدة أدهشت الفرق الأجنبية التى كانت تستورد دائما من الخارج، وكان إيزاك مع دفعه الحماس يهدى إلى كل راقصة من راقصات الشلة رقصة بلا مقابل، ولقد كان «كالوميرس» يعلم كل هذا، ويعلم قبل كل شىء، أنهن بنات بديعة!

التدريب والمستوى والذوق الرفيع!

ووافق «كالوميرس» على الفور، وافق أن يأخذ تحية وحدها، أو تحية ومعها جينا!

ورفضت تحية فى حزم شديد:

«يا احنا الخمسة، يا بلاش!».

واضطر الرجل إلى قبول البنات الخمس فسألته تحية:

«حاتدينا كام؟!».

وقال «كالوميرس»:

«ستين جنيه!».

وتوقفت تحية لبرهة، أن كل واحدة منهن تتقاضى اثنى عشر جنيها عند بديعة، وأن «كالوميرس» يعرض عليها نفس الأجر، أن ستين جنيها للفتيات الخمس، تعنى نفس الأجر، وهى لن تقبل أقل من خمسة عشر جنيها أجرًا لكل فتاة!

«لا.. شوية».

ورد عليها «كالوميرس».

«طيب.. أنا أخدك انتى وجينا، كل واحدة بخمسة وثمانين جنيها، والباقى بستين!».

وكاد قلب تحية يتوقف!

واحدة بخمسة وثمانين جنيها، والباقى بستين!».

.. إذن فلقد كان الرجل يعرض عليها فى البداية ستين جنيها لكل واحدة.. ولم يكن معقولا أن ترفض تحية العرض لثانية واحدة، لكنه كان من المعقول أن تقول:

«بلاش احنا ناخد أكتر.. وادى كل واحدة خمسة وسبعين جنيه.. كلنا زى بعض!».

ووافق «كالوميرس»!

أيقنت تحية كاريوكا، التى كانت قد اشتهرت فى الوسط وبين الناس باسم كاريوكا فقط، أيقنت فى ذلك اليوم أن أخلاق الفنان لازمة لاستمراره.. فعندما علمت البنات بما حدث، ازداد حبهن لها، وتعلقهن بها.. واحترمها «كالوميرس»!

التحرير المصرية في

11.03.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)