كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

محمود القلعاوى:

قررت الاعتزال حفاظاً على تاريخى والفن ليس له أمان

حوار_ آية رفعت

 

اربع سنوات تغيبهم صاحب البسمة الاكثر بهجة والصرخة الكوميدية على خشبة المسرح.. ورغم عدم اعلان الفنان محمود القلعاوى لاعتزاله الفن الا ان هذه القرار اتخذه فى السر لعدم وجود العمل والدور الذى يليق به وبتاريخه الفنى الذى بدأ منذ منتصف الستينيات.. ويعيش القلعاوى حاليا حالة من الهدوء والتصالح مع النفس خاصة وانه يجد قوت يومه فلا يوجد ما يدفعه لتقديم العمل الذى لا يقتنع به ولا يضيف إلى تاريخه.. معبرا عن ضيقه مما يمر به المسرح من اهمال الجمهور والدولة وهجرة النجوم له. وفى حواره مع روز اليوسف تحدث القلعاوى عن اسباب اعتزاله الفن والمشاكل التى تعرض لها فى اواخر اعماله السينمائية..

ما سبب تغيبك عن الوسط الفنى لمدة 4 سنوات؟

- شعرت بأنى لا استطيع الانسجام مع الظروف الموجودة حاليا، ولا مع الاعمال والادوار التى تعرض على خاصة ان اغلبها يدور حول فكرة الظهور كضيف شرف فقط. وانا ليس لدى اى مانع فى هذا الامر ولكن من يظهروا كضيوف شرف تكون لهم اعمال اخرى وادوار كبيرة ولكنى وجدت كل ما يعرض على مشهد او اثنين، واماكن الاستوديوهات بعيدة جدا عن مسكنى واغلب الاعمال تصور فى مدينة الانتاج الاعلامى مما يدفعنى للسير مشوارًا كبيرًا جدا حتى اصور مشهد واحد فقط.. ويمكن ان اظل انتظر طوال اليوم حتى يأتى دور مشهدى واجد يوم العمل قد انتهى ويقولوا لى «تعالى بكرة».

هل اعتبرت هذا نوعا من الاهانة؟

- ليست اهانة مقصودة منهم ولكنهم لا يراعوا ظروف الممثلين الكبار امثالى فأغلب نجوم الدراما والسينما يسكنون بجانب الاستديوهات البعيدة مثل السادس من اكتوبر وشبرامنت وغيرهما ولكنى انا ممثل مسرحى فى الاساس وعندما اخترت سكنى كان همى الاول هو ان يكون قريبًا من المسارح فلا استطيع الانتقال حاليا للعيش بجانب الاستوديوهات.. كما ان غياب المسرح بشكل شبه كامل بعدما انسحب البساط من تحت اقدام المسرح الخاص فلم اجد النص الجيد الذى اعمل من خلاله واعود به فقررت المكوث فى بيتى إلى ما يشاء الله.

لماذا لم تعلن عن قرار الاعتزال بشكل رسمى؟ هل هذا بدافع العودة مجددا؟

- أنا ضد فكرة اعلان الاعتزال وغيرها فأنا قررت ان انسحب من تلقاء نفسى واعتذر عن الادوار التى تعرض علي.. وذلك لأنى ليس لدى القدرة على ان اعمل بدور غير مقتنع به او غير مرتاح نفسيا معه.. فأنا على خلاف باقى زملائى المحترفين بالمهنة، فالديهم مقدرة على تقديم افضل ما لديهم بغض النظر عن المزاج العام حولهم.. ولكن انا فنان اعمل بمزاجى ونفسيتى الخاصة فلو كان الدور لا يناسبنى او لا يضيف لى لا استطيع تقديمه بالشكل الذى ارضى عنه لجمهوري، فأنا لدى القدرة على اضحاك الجمهور مهما كان واقدم الدور بشكل جيد ولكن ليس بشكل مرضى.. ولعلمك المزاج العام والجو الذى نعمل به غير مشجع حاليا فالاحداث والمعارك والإرهاب وغيرها من العوامل التى تؤثر على نفسية الفنان.. ولكن هذا لا يمنع اننى لو وجدت دورا رهيبا لا يمكننى رفضه قد افكر فى العودة واتمنى ان يكون دورًا مسرحيًا.

هل تعتبر الفن يهتم باجيال الشباب على حساب الكبار؟

- لا فكل جيل وله سماته ونجوم الشباب لا انا من سنهم ولا استطيع ان اجاريهم واكون كاذبا اذا قلت انى استطيع تقديم ما كنت اقدمه على خشبة المسرح ايام شبابى وبنفس الدقة والحيوية مثل دورى فى مسرحية «الجوكر» كان فى شبابى ولا امتلك القدرة على تقديمه حاليا.. فليست المشكلة فى النجوم الشباب ولكن المشكلة فى الفن نفسه فنحن لسنا لدينا ثقافة توفير دور مناسب وعمل مهم يقوم ببطولته فنان كبير السن ليقدم شخصية الاب أو الجد.. وقلما تجد ادوارًا تكتب لسننا رغم ان هذه الشريحة تحمل خبرات كثيرة يمكن الاستفادة منها فى عمل درامى او سينمائى ويكون بجانب النجوم الشباب بالطبع.. كما ان بعض الادوار التى يظهر فيها كبار السن حاليا يعتمد فيه المخرجون والمنتجون على بعض الفنانين اللذين ظهروا من عدم ولم تكن لهم خبرات سابقة ولا قدموا اعمالا فى شبابهم او تخرجوا فى معاهد متخصصة، ووجدناهم هبطوا علينا من العدم ومنهم الجيد ومنهم السيء، ولا ادرى ما سبب اهتمام المنتجين بهم وترك من هم شابوا وشاخوا على المهنة وبالتالى أكثر خبرة.. ربما يكونوا موفرين فى الميزانية.

ولكن هناك بالفعل سيناريوهات تكتب لكبار النجوم مهما كبر عمرهم.

نعم ولكن لا تقدم هذه الادوار او تكتب الا للأبطال الكبار مثل محمود ياسين وحسين فهمى ونور الشريف وعادل امام، ولكن من هم مثلى لا يقفوا فى صفوف النجوم فلا يهتم بهم أحد.

هل هناك ادوار رفضتها وعندما عرضت ندمت عليها؟

- لا فلا توجد ادوار جيدة لمن هم فى سنى والمؤلفون والمنتجون لا يهتمون بها فمثلا هناك الاشخاص الموجودون بدار المسنين لهم ادوار ولكل واحد منهم قصة مختلفة ولم يهتم بهم احد.. وبالمناسبة هناك عمل اقدم لصناعها كل الاحترام وهو مسلسل «الوالدة باشا» للفنانة سوسن بدر.. فكاتب العمل محمد أشرف رحمه الله اهتم بالام وكفاحها ولم يهتم فقط بالادوار الشبابية.. واذا كان البعض فكر انه اذا استعان بفنانين كبار السن فى بطولة اعماله سوف يفشل العمل يكون غلطان واكبر دليل على كلامى هذا المسلسل، فأبطاله الرئيسين سوسن بدر وصلاح عبد الله ويساندهما فيه الشباب جنبا إلى جنب وظهر بصورة رائعة.

هل تجد ان زملاء جيلك ورحلة كفاحك تخلوا عنك حاليا؟

- لا فكلهم مثلى نحن كنا نعمل بشكل جيد وكبير فى المسرح وحاليا كل من عملت معهم مثل محمد صبحى ومحمد نجم وغيرهما من ابناء جيلى لا يعملون بالمسرح وقلما يعملون بافلام او دراما تليفزيونية جيدة.. وأنا لا اعتب عليهم فحال البلد وحال المسرح بشكل خاص غير سار وغير مستقر.

ولماذا لم يستعن بك محمد صبحى فى اجزاء مسلسله «يوميات ونيس» المتعددة رغم تقديمكم لاعمال مسرحية ناجحة معا؟

- لدى مشكلة كبيرة بشأن يوميات ونيس وكانت بسبب قبولى الظهور كضيف شرف اكراما لصبحى فى الجزء الاول.. فظهرت بشخصية لم تتعد الحلقتين. وبالتالى لا يصلح أن يتم تقديمى للناس فى شخصية اخرى مهما تعددت الاجزاء.. وصبحى طلب منى تقديم هذا الدور ولم يكن يعلم ان المسلسل سيحقق شهرة واسعة وتكون له اجزاء عديدة على كمدار السنين.. وللاسف تم حرقى فى دور صغير منه ولم اتمكن من الظهور معه مرة اخرى.

هل يوجد عدد كبير من الفنانين يتصلون بك بشكل دورى للاطمئنان عليك؟

- نعم ولكنهم قليلون جدا ومنهم صلاح عبد الله وأحمد بدير وأحمد آدم  وأحمد الابيارى ويسرى الابياري.. وأنا غير حزين او مصدوم من قلة السؤال عنى فانا رجل واقعى وهذا حال الدنيا من تنحصر عنه الاضواء لا يجد الكثير من الاهتمام، والدنيا تشغل الناس.

هل انت رافض أن تقوم بدور ثان بجانب الشباب؟

- لا اطلاقا أنا لا ابحث عن بطولة مطلقة ولا انكر المواهب الشابة الموجودة ولكن يجب ان يكون الدور لائقًا بتاريخى وبخبرتي.. فمثلا آخر اعمالى التى قدمتها كان فيلم «على سبايسي» واقنعتنى به اسعاد يونس وقتها وقالت لى اهم منك وبينزلوا يشتغلوا ادوارًا صغيرة.. وعندما قرأت وجدت ان دورى عبارة عن مشهدين فقط.. ورغم انى ذهبت وقدمتهما الا انى وجدتهم حذفوا مشهدًا منهما واصبحت اظهر فى مشهد واحد فقط بالفيلم ومنذ ذلك اليوم قررت انى لن اقدم ما ليس فى قناعتى ولم اقف امام الكاميرا.

لماذا لم تهتم طوال مشوارك بالبطولة المطلقة؟

- قدمت بطولة مطلقة فى مسرحيتين «هات من الاخر» و«وراك وراك» ورغم تحقيقهما نجاحًا ملحوظًا الا انى ظلتت بعدهما بفترة طويلة بدون عمل ولم يعرض على اى منتج نصوصًا بسبب تخوفهم من رغبتى فى تقديم ادوار البطولة المطلقة فقط.. فقررت اقناعهم بعودتى مرة اخرى للادوار الثانية، فكل ما يهمنى هو ايجاد دور مناسب وجيد واشعر به واتقنه بداخلى ونص جيد وناجح.. وادركت منذ ذلك الوقت انى لو اردت ادوار البطولة يجب ان احصل على مؤلف «ملاكي».

هل تجد الوقت حاليا مناسبا لتقديم الادوار الكوميدية؟

- المصرييون ملوك الضحك واى شخص مهما كان مدى حزنه يصطنع نكتة وإفيه ومواقف كوميدية تهون عليه حزنه.. ولكن للاسف حاليا الدم الخفيف الذى تشتهر به مصر تحول لنكد وبرامج توك شو ترهق المشاهد وتصيبه من الزهق خاصة مع تدهور الاحداث وتكرارها.. فمن المؤكد ان الجمهور يلجأ إلى القنوات الكوميدية والاعمال التى تنسيهم همهم، ولكنى لاحظت اقبال الناس على الاعمال الكوميدية القديمة لما لها من ثقل وفن فى التنفيذ وحرفية. انما الكوميديا الحالية روحها مكسورة ويقدمها فنانون ليست لهم المقدرة على صنع الموقف ويعتمدون فقط على الافيهات اللفظية.

من الفنانين الشباب اللذين لمعوا فى الكوميديا من وجهة نظرك؟

- هناك فنانون لفتوا نظرى فى الفترة الاخيرة فمثلا أحمد مكى ودنيا سمير غانم وفريق العمل الخاص بمسلسل «الكبير أوي» يضحكونى بشدة ، كما اشيد بالفنان محمد شاهين اعجبت كثيرًا بادائه الكوميدي.. هذا بالطبع بخلاف الاجيال السابقة لهم مثل أحمد حلمى ومحمد سعد وغيرهما ممن اتابع اعمالهم باستمرار.

هل تجد أن الدولة تهاونت فى تكريمك كفنان؟

- اطلاقا فانا حصلت فى عام واحد على 3 جوائز ومنها فى مهرجان الكوميديا بمسرح الطليعة والجامعة الأمريكية وتكريم المركز الكاثوليكي.. ولكنهم كانوا فى عام 2011 يبدو انهم يبشرون على بالوفاة ففكروا فى الالحاق بي.

ما رأيك فى الاستعانة بنجوم عرب لتقديم الادوار المصرية؟

- مصر طول عمرها تحتوى العرب وتقدمهم فى ادوار تليق بهم وبمكانتهم ولكن ليس من قلة الفنانين المصريين ان نقوم بالاستعانة ببعض العرب وتقديمهم فى ادوار مصرية مهمة ونحمل هم ايجادتهم للهجة والشكل وغيرها، فلو ممثل لبنانى يقوم بدور بنى بلده فى عمل نرحب به وليس هناك مانع.. لكنى سمعت مؤخرا ان هناك فنانًا سوريًا سيقدم دور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فمهما تم ضبط الشكل واتقان اللغة سوف يفتقد لروحه، والسؤال الآن هل لا يوجد اى فنان مصرى يستطيع اتقان شخصية الزعيم الراحل.. خاصة انه تم تقديمها اكثر من مرة بنجاح.

هل تعتبر الفن مهنة ليست لها أمان؟

- كل المهن ليست لها امان لأن المجتمع نفسه لا يقوم على اسس ولا قواعد صحيحة وسليمة. ومن يعجبه الحال يعمل ومن لا يعجبه يوجد غيره. والفن مرآة للمجتمع وتقدمه وثقافته وحضارته، وانظروا للفن الذى يقدم حاليا ستعرفون الحال الذى وصلنا إليه.. انظرى لما نحن نقدمه والتقدم الذى يشهده مسرح برنامج ببيروت مثل «the voice» ستجدى مستوى الاضاءة المبهرة والمتقنة والحديثة على المسرح، وقارنى هذا بالاضاءة على مسرحنا ستجدينا حتى الآن نعمل بنظام اضاءة نصف المسرح مثلما كنا نعرض بمسرحية «الا خمسة» للراحلة مارى منيب والتى قدمت فى الستينيات. كل المهن ليست لها امان والوضع يختلف والفن يتدهور ولا يتقدم.. وطالما الانسان يجد عشاءه ليلا ويعيش مستورًا فلا داعى للخوف والقلق.

ما السبب فى تدهور الفن والمجتمع؟

- الجهل المنتشر بكثرة فمثلا فصيل مثل جماعة الاخوان اللذين يرهبون الشعب ويقومون بالتفجيرات والاغتيالات تحت شعارات دينية زائفة.. ويقومون بتحريم الفن والثقافة بينما الفن نفسه مبنى على موهبة منحها الله سبحانه وتعالى لنا فكيف الله يزرع فينا ما يكون معصية له. فهل انتم تعترضون على حكم الله وخلقه؟ عالم ضيق الافق مجتمع منتشر به الجهل ومتفشى يجب ان يتدهور حاله.

من الشخصية التى تتمنى أن تتولى ادارة البلاد فى الفترة المقبلة؟

- لا يوجد أحد اصلح لهذا المنصب غير المشير عبد الفتاح السيسى فليس امامنا خيار غيره.

روز اليوسف اليومية في

05.03.2014

 
 

مهرجان تطوان للسينما يرسّخ العمق المتوسطي للمغرب

العرب/ فاطمة الزهراء كريم الله 

مهرجان تطوان يمثل علامة ثقافية وطنية صرفة يسعى إلى الترويج للإبداع السينمائي المغربي عامة.

تطوان – تستعدّ مدينة تطوان المغربية، للاحتفال بالدورة العشرين لمهرجان السينما المتوسطي، والذي ستنظم فعالياته ابتداء من التاسع والعشرين من مارس الجاري إلى غاية الخامس من أبريل القادم، وبات المهرجان موعدا سنويا متجدّدا لترسيخ العمق المتوسطي للمغرب في إبعاده الثقافية والإنسانية.

قال أحمد حسني مدير المهرجان، لـ”العرب”: “المهرجان بالإضافة إلى كونه يسعى إلى تحقيق وتعزيز التواصل والتقارب الإنساني بين مكوّنات الـحضارة المتوسطية، فإنه يروم عبر العرض السينمائي والندوات الفكرية المتخصصة وموائد الحوار تعزيز الاهتمام بالسينما المتوسطية كرافد إبداعي وتاريخي وجغرافي مشترك، والمساهمة في الترويج للفيلم المتوسطي وتعزيز التعاون والتواصل الثقافي”.

وأكد حسني أن المهرجان كعلامة ثقافية وطنية صرفة يسعى أيضا إلى الترويج للإبداع السينمائي المغربي عامة، ونشر القيم التربوية والإنسانية من خلال السينما والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بجهة طنجة- تطوان والتعريف بموروثها الحضاري.

وأضاف، إن المهرجان له أيضا أهداف ثابتة تتمثل في التعريف بجديد الحقل السينمائي والإبداع الثقافي الوطني والمتوسطي، والانخراط، من خلال الندوات والموائد المستديرة، في النقاشات العامة التي تهمّ الجوانب التربوية والثقافية والحقوقية، كمجالات مجتمعية تقتضي مساهمة مختلف الشرائح على اختلاف مسؤولياتها ومواقعها الاعتبارية.

عدّة أفلام تُعرض على هامش المهرجان

وأشار أحمد حسني، إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان سيخصص بالتنسيق مع إدارة المهرجان جائزة مهتمة بالفيلم الذي يتناول قضايا حقوق الإنسان، وستضمّ لجنة التحكيم أعضاء من المجلس الوطني والمجلس الجهوي لحقوق الإنسان، وهي أوّل جائزة حقوقية تهتمّ بالسينما مبرزا أن هذه الجائزة تعدّ إضافة نوعية في مسار مهرجان تطوان السينمائي.

وبخصوص جديد المهرجان في دورته العشرين، الذي انطلق قبل نحو 29 سنة، قال حسني إن الدورة ستعرف تنظيم نشاط مهمّ يتمثل في ندوة “السينما مدرسة” بتعاون مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين طنجة- تطوان، التي تدخل في إطار النقاش العام الدائر في المغرب حول إصلاح النظام التعليمي، ومن منطلق إمكانية مساهمة السينما، كإبداع فكري تربوي إنساني، في دعم النظام التعليمي ومجال التربية عامةً.

وستعرض على هامشها عدّة أفلام تتناول موضوع حقوق الإنسان بحضور مخرجي الأفلام ومفكرين وفعاليات حقوقية مغربية وأجنبية وباحثين في المجال الحـــقوقي.

وبخصوص عدد الأفلام المشاركة في المهرجان، أكد مدير الدورة أن 85 فيلما، منها الأفلام الطويلة والقصيرة والوثائقية، ستعرض خلال التظاهرة، منها 12 فيلما وثائقيا من مختلف دول البحر الأبيض المتوسط، كفلسطين ولبنان ومصر وتونس وفرنسا وأسبانيا واليونان وإيطاليا وتركيا، و12 فيلما طويلا مشاركا في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة الروائية و15 فيلما قصيرا روائيا، إضافة إلى أفلام خارج المسابقة وأفلام التكريم.

[نُشر في 28/02/2014، العدد: 9483، ص(17)]

محمد ملص رئيسا للجنة تحكيم مهرجان تطوان المغربي

عبر مساره السينمائي الزاخر، تم تكريم وتتويج السينمائي السوري في العديد من المهرجانات السينمائية والمحافل الثقافية العربية والدولية.

تطوان – يرأس المخرج السوري محمد ملص لجنة تحكيم الأفلام الطويلة، في الدورة العشرين من مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، التي تقام في الفترة ما بين 29 مارس و5 أبريل 2014.

سيتم في المهرجان عرض 12 فيلما روائيا طويلا ضمن برنامج المسابقة الرسمية للفيلم الطويل، التي تعرض في قاعة سينما “أبنيدا” بتطوان، أكبر القاعات السينمائية المغربية على الإطلاق، وهي تقدم، منذ الدورة السابقة، عرضا رقميا للأفلام السينمائية.

المخرج والكاتب السوري محمد ملص هو أحد أعلام السينما العربية، وهو من بين الذين أثروا الخزانة السينمائية والثقافية في الوطن العربي بالكثير من الروائع السينمائية، التي ساءلت مختلف القضايا التي شغلت المجتمعات العربية وقائع وانكسارات وأحلاما وانتظارات.

وكان ابن مدينة الجولان، هذه المنطقة بالغة الدلالات في التاريخ العربي الحديث، انتقل إلى روسيا لمتابعة دراسته السينمائية، فكان من الرعيل الأول الذي تخرج من مَعلَمِ السينما الروسية، وهو معهد السينما في موسكو، سنة 1974. وقبل ذلك، كان هذا المخرج الرائد قد قدم لنا أول أعماله، وهو فيلمه القصير الذي يحمل عنوان “حلم مدينة صغيرة”، وقد كبر الحلم السينمائي لمحمد ملص مع تراكم التجربة، وصولا إلى فيلمه الكبير “أحلام المدينة”، سنة 1984، ثم فيلم “الليل”، سنة 1992، ثم فيلم “باب المقام” سنة 2005، وأخيرا فيلمه الجديد “سلم إلى دمشق”، سنة 2013.

وهو إلى جانب عبقريته في الإخراج السينمائي، كاتب رواية أيضا، صدرت له “إعلانات مدينة كانت تعيش قبل الحرب”، وهي يوميات عن مدينته القنيطرة السورية، مثلما أصدر قبل سنوات يومياته الخاصة، بعنوان “مذاق البلح”، والتي يحيك فيها المخرج سيرته بمذاق سينمائي ونكهة خاصة في الكتابة.

وعبر مساره السينمائي الزاخر، تم تكريم وتتويج السينمائي السوري في العديد من المهرجانات السينمائية والمحافل الثقافية العربية والدولية.

هذا، وسيتم تقديم عرض خاص للفيلم الأخير لمحمد ملص “سلم إلى دمشق”، خلال فعاليات هذه الدورة الاستثنائية من تاريخ المهرجان، وهي الدورة العشرون، منذ انطلاق دورته الأولى في ربيع 1984، تحت مسمى “ملتقى تطوان السينمائي”، ليرقى سريعا إلى مهرجان سينمائي، وهو أعرق مهرجان في تاريخ السينما المغربية.

وإلى جانب محمد ملص، ترأس المخرجة والمنتجة السينمائية المصرية ماريان خوري لجنة تحكيم الفيلم الوثائقي. سيدة القاهرة ماريان خوري هي إحدى أكبر “عاشقات السينما”، في مصر، والوطن العربي، كما هو عنوان فيلمها الثاني “عاشقات السينما” الذي أخرجته سنة 2002، وقبله كان فيلمها الأول “زمن لورا” سنة 1999. أما فيلمها الأخير فهو فيلم “ظلال”، الذي يلقي بظلاله على معاناة المرضى النفسانيين وآلامهم وانكساراتهم. وماريان خوري، ابنة شقيق المخرج المصري الراحل يوسف شاهين، شاركت عبقري السينما المصرية في الكثير من أعماله السينمائية الخالدة. وتبقى ماريان أول امرأة عربية تحظى بعضوية لجان التحكيم في مهرجان “كان”، كما جرى تعيينها سنة 2012، مديرة فنية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي. أما مسابقة الفيلم القصير، فيرأس لجنة تحكيمها المنتج والسينمائي الأسباني إسماعيل مارتين، وهو رئيس مكتب دعم النهوض بالفن السينمائي في العاصمة الأسبانية مدريد منذ 2004.

وقد أنتج مارتين أكثر من سبعين فيلما قصيرا، وأعطى الانطلاقة لمجموعة من المشاريع والأنشطة السينمائية في أسبانيا، ومنها تنظيم الندوة الدولية للمدارس السينمائية سنة 2006، وندوة الفيلم القصير في العاصمة مدريد، سنة 2005، ضمن تظاهرة فنية تطفئ هذه السنة شمعتها السابعة، بتقديم أكثر من اثنين وخمسين عملا سينمائيا. وبفضل التجربة الغنية التي راكمها في مجال الإنتاج، لامس إسماعيل مارتين، عن كثب، التطورات التكنولوجية التي عرفها عالم السينما، منذ عرض الأفلام بصيغة 35 ملم، وصولا إلى العرض الرقمي للأفلام السينمائية.

العرب اللندنية في

05.03.2014

 
 

كتاب جديد يعيد رواية قصته مفندا كثيرا من الجوانب المتعلقة بأسطورته

لورنس العرب.. هل نعرفه حقا؟

لندن: أمير طاهري 

تمثل قصة توماس إدوارد لورنس - الشهير بلورنس العرب - لأولئك الذين يقرأون التاريخ من زاوية واحدة، قمة البساطة في سرد أحداث منطقة الشرق الأوسط منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى. تقول تلك القصة البسيطة: أرسل البريطانيون واحدا من جواسيسهم يُدعى توماس إدوارد لورنس في مهمة تحريض العرب ليثوروا ضد العثمانيين، وهكذا استطاعوا إحكام سيطرتهم على منطقة الشرق الأوسط، ثم شرعوا بعد ذلك في تقسيمها إلى دويلات صغيرة من خلال صفقة مع الفرنسيين تُعرف في التاريخ باتفاقية سايكس - بيكو. وعلى هامش الأحداث الرئيسة خلال تلك الفترة، أصدر البريطانيون وعد بلفور، الذي أعطى فلسطين لليهود، الذين أقاموا إسرائيل فيما بعد.

أما النقطة الأهم في تلك القصة فتتعلق بفهم الشخصية الرئيسة في تلك القصة، أي توماس إدوارد لورنس.

وإذا كنت تعتقد أنك استطعت استقاء كل المعلومات التي أردتها عن «لورنس العرب» من خلال مشاهدة الفيلم الشهير الذي قدمه للسينما العالمية المخرج البريطاني العالمي ديفيد لين عام 1962، فينبغي عليك أن تعيد التفكير مرة أخرى. ويأتي الكتاب الثري الجديد، الذي ألفه سكوت أندرسون، ليعيد رواية القصة بطريقة تتحدى كثيرا من الجوانب المتعلقة بأسطورة لورنس.

باختصار، الأسطورة تحكي قصة شاب إنجليزي غريب الأطوار حط رحاله في منطقة الشام - التي كانت تقع تحت سيطرة العثمانيين - خلال الحرب العالمية الأولى ونجح في قيادة العرب خلال ثورتهم التي ساعدت في إخراج الباب العالي من اللعبة، ومحققا بذلك النصر لقوات الحلفاء. على مدار القرن الماضي، جرى استخدام أسطورة لورنس لأغراض متناقضة، إذ إن البعض استخدمها للتأكيد على شغف الإنجليز المفترض بالأعمال البطولية. بينما استخدمها آخرون لتقديم مثال على الخداع، الذي مارسته بريطانيا الاستعمارية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالغدر بالأصدقاء وتوجيه طعنة لهم من الخلف.

لكن أندرسون يبدأ كتابه بمعارضة كلتا وجهتي النظر عندما يضع العنوان «لورنس في جزيرة العرب» وليس «لورنس العرب»، وهكذا يضع البطل الأسطوري في السياق الصحيح. صياغة عنوان الكتاب بتلك الطريقة لا تمثل مجرد تغيير لفظي. ولا يبدو شيئا مبالغا فيه إذا ما تساءلنا عن إمكانية إضافة لقب «العرب» إلى اسم لورنس. صحيح أن المغامر الشاب كان يُجيد القليل من اللغة العربية، رغم عدم توفر معلومات مؤكدة عن حجم ما كان يعرف بالضبط، وصحيح أيضا أنه قرأ بعض الكتب عن العرب وأنه اشترك في بعض بعثات التنقيب عن الآثار، التي جرى معظمها فيما يُعرف الآن بتركيا، إلا أن ذلك كله - رغم ذلك - ليس له صلة مباشرة بالعرب.

ويستخدم أندرسون في كتابه أسلوب اللقطات العريضة البانورامية بدلا من اللقطات القريبة، حيث يساعد هذا الأسلوب القارئ على تذوق العناصر التاريخية والثقافية للمشهد في الوقت الذي يُبقى فيه الضوء منصبا على لورنس حيثما تقتضي الضرورة. لكن إصرار أندرسون على وصف المشهد بخلفياته التاريخية والثقافية يصبح مملا في بعض المناسبات. على سبيل المثال، يصف أندرسون نوع الحجر المستخدم في تشييد هذا المبنى أو ذاك، كما يصف بشيء من التفصيل شكل شارب هذا الضابط أو كيف يبدو ذاك القائد العسكري الرياضي. وعلى الرغم من ذلك، يخلق التأثير المتراكم لذلك الوصف جوا رائعا من الواقعية.

ثم بعد ذلك، يبدأ أندرسون في خلق مجموعة من الشخصيات «المساعدة» التي تساعد في دفع الأحداث باتجاه لحظة حل العقدة الدرامية. وقد استطاعت تلك الشخصيات سرقة جزء من الأضواء، مثل: كيرت بروفر «لورنس الألماني» وويليام ييل، رجل النفط الأميركي والجاسوس، بالإضافة إلى العسكري الصهيوني آرون آرونسون، أو أمراء الحرب من البدو مثل عودة أبو تايه، الذين علقوا بالذاكرة التاريخية كشخصيات درامية وبطولية.

ثم يبدأ أندرسون بعد ذلك في تحليل عناصر أسطورة لورنس من عدة زوايا أخرى.

ويعرض أندرسون فكرة أن الثورة العربية لم تكن من اختراع لورنس.

في الحقيقة، قبل اندلاع الحرب وقبل وصول لورنس إلى الشرق الأوسط في مهمة مساعد عالم آثار، كان عبد الله - أحد أبناء الشريف حسين بن علي، شريف مكة المكرمة - هو أول من أثار فكرة إشعال ثورة عربية ضد العثمانيين خلال لقاءاته مع الجنرال كتشنر، الحاكم البريطاني الفعلي لمصر، في القاهرة. وقد صرف كتشنر النظر على تلك الفكرة، لكنه - على ما يبدو - ترك الباب مفتوحا أمام جميع الخيارات، واضعا الشريف حسين على قائمة خياراته المستقبلية. كما سعت الكثير من الحركات القومية العربية، مثل الجمعية العربية الفتاة وجمعية العهد، لطلب الدعم من القوى الغربية، خاصة بريطانيا، للوقوف بجانبهم في كفاحهم ضد العثمانيين. وعليه، لم يكن الأمر مجرد «قوة استعمارية» تحاول جاهدة توسيع مساحة مستعمراتها من خلال استغلال حركات التحرر في المنطقة العربية، بل كانت حركات عربية تسعى لاستخدام «قوة استعمارية» بعيدة للتخلص من «قوة استعمارية» أخرى قريبة سامت العرب صنوف القهر والظلم.

وقد شاعت فكرة «الجهاد» الإسلامي ضد «الكفار» خلال الفترة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى. وحاول الألمان استغلال تلك الفكرة ضد الإمبراطورية البريطانية، التي كانت تحتل في ذلك الوقت أكثر من نصف العالم الإسلامي. وبالتالي، سيؤدي استغلال تلك الفكرة بالطريقة الصحيحة إلى تكوين أكبر «قوة إسلامية.» وقد ألهمت هذه الفكرة - استخدام القوى الاستعمارية الأوروبية للمسلمين كسلاح لتحقيق مآربهم - الروائي جون بوكان، فكتب رواية «العباءة الخضراء»، وصدرت قبل عام من بدء لورنس تسويق فكرة «الثورة العربية».

وعلى النقيض، يبدو لورنس في الغالب شخصية محيرة، حيث كان السبب وراء زيادة الأمر تعقيدا عندما صب اهتمامه على إحياء فكرة القومية العربية كأساس آيديولوجي للثورة ضد العثمانيين. وبالإضافة إلى ذلك، ارتكب لورنس خطأ آخر عندما ساوى مصالح «العرب» جميعا بمصالح «عائلة الشريف حسين». وبعد ذلك بسنوات عدة، اعترف لورنس بأن مفهوم «الأمة العربية» كان «مجرد سراب».

وعلى الرغم من عبقريته في تجهيز وإخراج بيئة الأحداث، بما في ذلك ارتداؤه الأزياء العربية، كان اتصال لورنس بالعرب ضعيفا وقليلا. فباستثناء الفترة التي قضاها في العمل كعالم آثار في قرية كركميش - قرية آشورية - حيث التقى بعلي سالم «حب حياته»، قضى لورنس القليل من الوقت في المدن العربية باستثناء القاهرة التي عاش فيها في الفنادق الفاخرة. وكانت «المنطقة العربية» بالنسبة للورنس ما هي إلا مساحة صغيرة من الأرض تسمى تهامة (السهل الساحلي على البحر الأحمر الذي يقع غرب شبه الجزيرة العربية بين أقاليم الحجاز واليمن التاريخية) حيث زار جدة، وقام بزيارات أخرى لعدد من الموانئ الصغيرة على البحر الأحمر، في عدد من المناسبات، لكن تلك الزيارات لم تكن تتعدى أيام قليلة.

كان لورنس قادرا على استغلال مهاراته في القيام بأعمال الخداع البسيطة، إذ كان الحاكم العثماني، جمال باشا - المعروف لدى العرب بـ«السفاح» - مترددا في استخدام قبضته الحديدية بطريقة فعالة. وقد خصص جمال باشا جائرة لمن يستطيع القبض على لورنس، لكن لم يفعل أي شيء لاعتقاله. وعندما أُلقي القبض بالصدفة على لورنس في درعا، لم يكلف أحد نفسه التحقق من هويته، ثم أُطلق سراحه بعد ساعات قليلة من اعتقاله، وزعم أنه جرى الاعتداء عليه جنسيا من قبل الحاكم المحلي التركي.

وخلال أربع مواجهات فقط، كانت هناك اشتباكات فعلية بين «الجيش العربي» - تحت قيادة لورنس - والأتراك، وقد أسفرت تلك المواجهات عن نتائج مختلفة. وفي نهاية الأمر، تلقى العثمانيون الهزيمة على يد الجيش البريطاني النظامي خلال عملية عسكرية تحت قيادة الجنرال أللنبي.

في بعض المناسبات، يكرر أندرسون الأكليشيهات التي كانت شائعة في منطقة الشرق الأوسط في ذلك الوقت، ومثال ذلك، كرهه الشديد للسير مارك سايكس، السياسي البريطاني الذي قاد المفاوضات التي تمخضت عن توقيع اتفاقية سايكس - بيكو سيئة السمعة مع فرنسا وروسيا. لم يعرف سايكس، الذي كان يقضي وقت فراغه في رسم الصور الكاريكاتيرية، أنه سينتهي به الأمر إلى رسم خريطة بريطانيا «الاستعمارية». وعلى الرغم مما يبدو من ميل أندرسون لاستخدام قلمه في توجيه طعنات لسايكس، فإنه يقول إن اتفاقية سايكس - بيكو لم توضع موضع التنفيذ أبدا. وعندما استولى البلاشفة على السلطة في روسيا في عام 1917، أصدر ليف تروتسكي، مؤسس الجيش الأحمر، النص السري للاتفاقية للتنديد بـ«المؤامرات الاستعمارية». ويوضح أندرسون أن سايكس أعتقد أن العرب سيحسنون صنعا بتقبل الحكم الاستعماري لفترة من الزمن. وكان سايكس قد كتب: «عشرة أعوام تحت حكم بريطانيا وفرنسا وسيصبح العرب أمة موحدة. أما الاستقلال الآن فيعني الوقوع تحت السيطرة الكاملة لبلاد فارس، والفقر والفوضى».

في نهاية الأمر، لم تتبن بريطانيا ولا فرنسا اتفاقية سايكس - بيكو، حيث جرى تقرير مصير الأقاليم العربية، التي كانت تخضع لسلطان الإمبراطورية العثمانية، خلال حديث دار بين رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد لويد جورج، ونظيره الفرنسي، جورج كليمانصو، عام 1918 أثناء نزهة على الأقدام، لم تستغرق سوى عشر دقائق. قال رئيس الوزراء البريطاني لنظيره الفرنسي «أنتم تحتفظون بسوريا، ونحن نفرض سيطرتنا على الباقي»، ثم تصافح الرجلان دليلا على إتمام الصفقة. أراد سايكس أن يظل العرب تحت حكم فرنسا وإنجلترا لمدة عشر سنوات فقط، أما رئيسا وزراء البلدين فلم يحددا وقتا معينا لذلك.

ويبدو سرد أندرسون للأحداث مشوقا، لا سيما عندما ينتقل للحديث عن وعد بلفور. كان وعد بلفور عبارة عن رسالة موجزة من ثلاث فقرات مكتوبة باليد موجهة من وزير الخارجية البريطاني إلى المصرفي اليهودي، اللورد روتشيلد. وكما يوضح أندرسون، لم تجر مناقشة هذا الوعد حتى خلال اجتماعات الحكومة البريطانية، حيث لم يقرر البريطانيون ماذا يعني وعد بلفور بالضبط. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بذلت حكومة رئيس الوزراء البريطاني كليمنت أتلي كل ما في وسعها لمنع قيام إسرائيل، وعندما قامت دولة إسرائيل، لم تعترف حكومة أتلي بها لمدة 18 شهرا.

لقد كانت فكرة عودة اليهود إلى فلسطين جزءا من الصخب الشائع في أوروبا في ذلك الوقت منذ القرن التاسع عشر. وقد ذُكرت تلك الفكرة في عدة روايات من بينها رواية «كونينغسبي» لبنجامين دزرائيلي، ورواية «دانيال ديروندا» لجورج إليوت. كما حاول ثيودر هيرتزل في روايته «الأرض القديمة الجديدة» أن يعطي تلك الفكرة عمقا آيديولوجيا. وكانت الفرضية السائدة في ذلك الوقت هو أن العرب واليهود - الذين يفترض أنهم أبناء عمومة - من الممكن أن يعيشوا ويعملوا معا من أجل خلق نموذج جديد للمجتمع البشري تخفف فيه الروحانية القديمة من حدة المادية الحديثة.

يُعد كتاب «لورنس في جزيرة العرب» تصويرا رائعا للعجز البريطاني والارتباك والعداوات المستمرة بين الفصائل المختلفة. ويلقي الكتاب الضوء على الطبيعة الجشعة للزعماء العرب، الذين يعاملون شعوبهم باحتقار ويقضون حياتهم في تكديس، وفي بعض الأحيان سرقة، ما يستطيعون من الذهب والأموال. وقد استطاع لورنس استغلال هذه الخلفية من البلبلة حتى يروج لصورته الخاصة ويغذي وحش غروره. وقد اعترف لورنس نفسه أنه كان يروج لفكرة غير واقعية. في ذلك الوقت، كانت بريطانيا وحلفاؤها يريدون خلق أسطورة أخلاقية تساهم في تخفيف الضغط عن جبهة الغرب حيث كان ينتظر الملايين الذبح خلال حرب خنادق لا معنى لها.

وبعد مرور عدة سنوات، يتذكر لورنس لقاءه بالجنرال أللنبي، حيث يقول «لم يستطع أللنبي أن يكتشف على وجه الدقة مقدار الجزء الحقيقي والجزء الزائف في شخصيتي».

السؤال الآن: ماذا لو كان أداء حقيقيا من شخص يجيد التمثيل؟

الشرق الأوسط في

05.03.2014

 
 

«التحرير» تنشر مذكرات تحية كاريوكا..

«الحلقة الثالثة عشرة»

أعدها للنشر: محمد توفيق 

·        كاريوكا: سمعتُ راقصتين تتفقان على ضربى.. فضربت إحداهما بحذاء كعبه معدنى!

·        أدركت تحية أنها خُلقت لكى تكون راقصة.. قالت لها سعاد محاسن هذا وهى لا تزال فى الرابعة من عمرها.. وقالت لها بديعة مصابنى هذا وهى تخطو فوق خشبة المسرح خطوتها الأولى

·        كانت بديعة تعرف كل شىء عن تحية وكانت تعلم أنها أبدا لا تحنث بهذا القَسم.. فصدقت أنها «تعض» البنت!

العثور على مذكرات كاريوكا أشبه بالحصول على كنز، فمذكرات تحية كاريوكا لا تعكس فقط قصة حياة أشهر راقصة عرفتها مصر، لكنها تعكس صورة لحال البسطاء والحكومات فى مصر طوال ما يزيد على نصف قرن من الزمن.

ولدت قبل 14 يومًا فقط من قيام ثورة 1919، وعاشت أجواء حرب 1948 ووقفت إلى جوار الفدائيين وساعدت فى نقل الأسلحة إليهم، وحين رأت أن ثورة يوليو انحرفت عن مسارها انتقدتها، ودفعت الثمن، ودخلت السجن.

لكن الأجمل والأهم والأمتع هو أن تقرأ هذه المذكرات بقلم العم صالح مرسى الأديب الذى جعل من الجاسوسية أدبًا وفنًا.

فتحية إلى «كاريوكا» بنت البلد المصرية الصميمة، الخالصة، المُخلصة، الشُجاعة، الجدعة، وتحية إلى المبدع الرائع الراحل صالح مرسى، فكلاهما لم يرحل عن القلب والذاكرة رغم رحيلهما عن الدنيا.

فى تلك الليلة لم تنم تحية، ظلت ساهرةً حتى الصباح، ظلت مؤرقة، وقد انهال على رأسها الماضى والحاضر فى ركام من التهاويل بلا نهاية.. وإذا كان القدر قد ارتضى أن يختطف أباها وهى طفلة، وأن يرزقها بأخ له مثل قلب أحمد النيدانى، وإذا كان القدر قد ارتضى أن يفرق بينها وبين فاطمة الزهراء، وإذا كان ابتلاها بمثل هذا الحاضر الذى تتحطم فيه الآمال قبل أن تولد فلماذا ولمن تعيش إذن وماذا هى فاعلة؟!

فى تلك الليلة، وقبل أن يطلع الفجر، كانت تحية قد قررت أن تأخذ موقفًا من هذا كله، كان عليها أن تحمى نفسها، مهما كانت النتائج.

الحقيقة الأولى التى أدركتها بالغريزة، دون علم أو تفلسف، أنها خلقت لكى تكون راقصة.. قالت لها سعاد محاسن هذا وهى لا تزال فى الرابعة من عمرها، وقالت لها بديعة مصابنى هذا وهى تخطو فوق خشبة المسرح خطوتها الأولى عندما كان «آيدى» يدربها على رقصات المجاميع، وقال لها الجمهور هذا عندما صعدت إلى خشبة المسرح لترقص عشر دقائق، فإذا به يستعيد رقصتها لنصف ساعة كاملة.. وأخيرًا قال لها جسدها وساقاها ووجدانها هذا، وهى تسبح فوق خشبة المسرح على أنغام الموسيقى.

إنها راقصة.. إنها راقصة!

ولكى تصبح راقصة لا بد لها من مكان، ولكى يصبح لها مكان عليها أن تحارب من أجله، أن تنتزعه بأظافرها، وعليها، منذ اليوم، أن لا تدع مخلوقًا يقف فى طريقها، حتى ولو كان هذا المخلوق هو بديعة مصابنى نفسها!

>> 

كان اليوم التالى هو يوم ثلاثاء.. وكانت بديعة تقدم فى هذا اليوم «حفل ماتينيه» للسيدات فقط، وطوال اليوم حاولت جينا وتيتى وجمالات أن يرفهن عن تحية دون جدوى، ولم تفلح معها ضحكات البنات طوال اليوم، وعندما حان وقت الماتينيه، صعدت تحية إلى المسرح لتؤدى تلك الرقصات التى كانت تتقنها بالتدريب والمران، كانت ترتدى حذاء له كعب من الألمنيوم «يطرقع» كلما خطت خطوة، وكانت تؤدى رقصة اشتهرت فى ذلك الزمان شهرة واسعة هى رقصة «الكلاكيت»، وعندما انتهى الماتينيه، أسرعت البنات فى استبدال ملابسهن ليقمن بجولة الصعلكة التى تعودن عليها فى تلك الأيام حتى يحين موعد السواريه.. كان الوقت صيفًا، وكانت بديعة تقدم عروضها فى كازينو الكوبرى، مكان فندق شيراتون الآن، وكان الجو شديد الحرارة، ولم تكن عند تحية رغبة فى الخروج أو الصعلكة.

«أنا تعبانة ومش عاوزه أنزل البلد

لم تكن تريد أن تخرج، أو تحدث أحدًا، ونظرت البنات إلى بعضهن البعض فى صمت، ثم قررن أن يتركنها لحالها، وسرعان ما خلت الكواليس من الجميع وتحية جالسة بملابس الرقص التى لم تغيرها فى مكانها من الغرفة لا تبرحه، ثم وصلتها أصوات ضاحكة ساخرة تقترب من الغرفة.

كانت الأصوات لراقصتين فى الغرفة هما «سارة» و«كريمة».. ولقد كانت هاتان الراقصتان من أنصار حورية محمد، وكانتا فى ذلك الوقت تضحكان لما حدث، ولم تكن إحداهما تعلم أن تحية على بعد خطوات منهما، وقد شاهدتا الشلة تغادر الكازينو منذ لحظات، وكانت كريمة تقول:

«تيجى نرنها علقة

ضحكت سارة، وهى تقول:

«بس لازم نعملها والكازينو فاضى

«ولو حد سألنا نقول ماحصلش»

وانطلقت الفتاتان فى الضحك!

ولا أحد يعرف إن كانت سارة وكريمة كانتا تعنيان حقا ما تقولانه، فربما كان الأمر كله هذرًا أو نوعًا من الهذر، غير أن دماء تحية كانت تغلى، نهضت من مكانها، وقد اشتد بها الغضب، ومضت سارة فى طريقها، ودخلت كريمة إلى الغرفة المجاورة لتستبدل ملابسها.. وتحركت تحية لتغادر غرفتها، وقد بيّتت فى نفسها أمرًا!

وكانت كريمة مثل جانيت حبيب، من ذلك النوع الأبيض البشرة إلى حد لافت للنظر، وكانت جالسة أمام المرآة تصفف شعرها عندما التفتت نحو الباب لترى تحية واقفة، والغضب يتطاير من عينيها كالشرر!

دون كلمة.. خطت تحية إلى الغرفة، وأغلقت الباب خلفها، ودون كلمة، خلعت الحذاء ذا الكعب المعدنى، وتقدمت من كريمة حتى أصبحت على بعد خطوة منها، وكانت كريمة مذعورة، واشتد بها الذعر عندما قالت تحية: بقى أنتِ عاوزة ترنينى علقة؟

وقبل أن تفيق كريمة، كان الكعب المعدنى ينهال على جسد كريمة فى ضربات متلاحقة، ولقد كانت الفتاة، مثل تحية، لا تزال ترتدى ملابس الكلاكيت العارية الظهر، وسرعان ما تعالى صراخ كريمة، ووصل صراخها إلى الذين بقوا من الناس فى الكواليس، وتجمع العمال واقتحموا الغرفة، وراحوا يفرقون بين الفتاتين، ووصل الصراخ إلى غرفة بديعة فجاءت مهرولة، لكنها عندما وصلت، كانت كريمة قد تمالكت نفسها مع وجود الناس، وبدأت تهاجم تحية وتجذب شعرها الذى كان قد استطال كثيرًا، وما أن رأت بديعة هذا المشهد، حتى غلى الدم فى عروقها، وظنت أن كريمة هى المعتدية، فانهالت عليها صفعًا هى الأخرى!

>> 

فى هذا اليوم ولدت تحية محمد من جديد.

فى هذا اليوم أيقنت أن الإنسان إن لم يدافع عن نفسه فلن يدافع عنه أحد.

عادت إلى غرفتها، وقد بردت نارها، واستكانت نفسها تمامًا.. جلست أمام المرآة، وهى تشعر بالرضا عن نفسها، وبالرغبة فى مغادرة الكازينو والصعلكة مع البنات فى الشارع.. كانت الأصوات تأتيها من الخارج واضحة، عندما سمعت قدمى بديعة تقتربان من الغرفة لم تهتم ولم تهتز، وعندما وقفت الأستاذة بالباب كان فى عينيها تساؤل:

«أنت عضيتى كريمة يا تحية؟

التفتت تحية نحو بديعة، وقد أيقنت أن الكعب المعدنى قد ترك آثارًا حمراء على جسد كريمة.

«أبدا.. هى اللى كانت عاوزه تضربنى»!

كان الموقف بالنسبة لبديعة محيرًا للغاية، وكانت البقع الحمراء التى انتشرت على لحمها شديدة الوضوح، وإذا كانت بديعة تميل إلى تصديق تحية، إلا أنها، زيادة فى التأكد، طلبت منها أن تقسم على ذلك!

«ورحمة أبويا ما عضتها

كانت بديعة تعرف كل شىء عن تحية، وكانت تعلم أنها، أبدًا، لا تحنث بهذا القسم.. فصدقتها!

ومضى الوقت سريعًا، وعادت البنات من جولة الصعلكة، وانتشر الخبر فى الغرفة، وإذا كانت تحية تستطيع أن تفعل هذا، وإذا كانت بمثل هذه القوة وهذا الاستبياع، فمن الأفضل أن يبتعد عنها ويتجنبها هؤلاء الذين تعودوا أن «يلقحوا» عليها الكلمات!

ولقد كانت بديعة تفكر فى غرفتها، فى سبب تلك البقع الحمراء التى تملأ جسد كريمة.. كانت واثقة أن تحية لم تكذب.

ولم يمض نصف ساعة حتى عرفت.. كان على تحية، قبل رفع الستار عن السواريه، أن تصعد سلمًا يؤدى إلى المسرح، وكان السلم يجاور نافذة فى غرفة بديعة.. وبينما تحية تصعد هذا السلم، كان صوت الكعب المعدنى «يطرقع» بوضوح، ويصل إلى أذنى المدام، فتخمن الأمر، ثم تعرف ما حدث، ثم تصبح موقنة منه، فتندفع إلى النافذة التى تطل على السلم، وتصيح فى تحية:

«أنا عرفت يا كلبة إيه اللى عمل البقع الحمرا دى»!

ولم تنطق تحية بكلمة.. فصاحت بديعة فى غضب:

«غرامة خمسين قرش لكل واحدة منكم

وتوقفت تحية فوق الدرج صامتة، كانت تعلم أنها لو تراجعت مرة، فلن تستطيع أن ترفع رأسها أبدًا، وكانت تعلم أنها شقت لنفسها طريقًا عليها أن تسير فيه إلى النهاية.. قالت:

«مش حاشتغل، إذا خصمتى مليم واحد مش شغالة»!

كانت هذه هى المرة الثانية التى تواجه فيها بديعة، وعندما راحت المدام تبرطم وتسب وتلعن وتهدر، أيقنت تحية أنها تراجعت عن قرارها، فصعدت إلى المسرح لتؤدى رقصاتها، وكانت تبتسم!

وفى تلك الليلة، أيقن كل من فى المسرح، أن الاقتراب من هذه البنت معناه أنها سوف تأخذ بحقها كاملًا، بالذراع لا اللسان فقط.. فتجنب الجميع الاحتكاك بها، وحملوا لها ذلك الاحترام الغامض الذى التصق بشخصيتها وذاتها حتى اليوم، خوفًا منها فى البداية، ومحبة فيها حتى آخر العمر!

رغم كل شىء، عادت تحية إلى مرحها، وانغمست فى حياتها مع تيتى اليونانية، وجينا الإيطالية وجمالات بنت البلد الشقراء ذات العيون الزرقاء، وكانت قد تركت بديعة، وعاشت معهن فى أحد البنسيونات فى شارع عماد الدين.

ورغم الثورات المتتالية التى كانت تصبها المدام على دماغ العيال والبنات لوقوع بعضهم البعض فى الحب، فإن العيال لم يكفوا عن الحب أبدًا، وكانت ببا إبراهيم غارقة فى تلك الأيام لشوشتها فى حب فريد الأطرش.. وبينما كانت شلة البنات تدفع كل يوم ثلاثاء قرشين للشخص الواحد، نظير أكلة العدس بالمواسير، كانت ببا إبراهيم تجلب لفريد كل أنواع الشقانق والمقانق، وكان فريد فى أيام الماتينيه يأكل دجاجًا وحمامًا وأرزًا ولحمًا مشويًّا، وذات يوم وقعت عينا تحية على لفة الطعام التى جاءت بها ببا إبراهيم، وعندما فتحتها، وجدت بها حمامًا، ولم تستطع المقاومة، فسرعان ما أبلغت الشلة، وهجمن على الحمام فأكلنه كله، ووضعن العظام وسط اللفافة، وتركنها حيث كانت!

وعندما عادت ببا إبراهيم وفريد من الخارج، وعندما اكتشفا ما حدث، وطالعتهما أنقاض الحمام الباقية، ثارت ببا ثورة عارمة، لكن فريد لم يفتح فمه، فلقد كان اشتراكه معها فى الثورة دليلًا على حب لا يريد للمدام أن تعرفه.. وعندما علمت بديعة بالأمر أيقنت من الذى فعل هذا، ولم يكن ممكنًا أن يفعل هذا سوى بنت الأبالسة مع شلتها.. وحكمت بديعة على كل منهن بغرامة عشرة قروش، لم تدفع إحداهن منها مليمًا

التحرير المصرية في

05.03.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)