حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

آن هاثاواي لـ «الشرق الأوسط»:

التركيز على اللحظة خلال التمثيل أفضل وسيلة لتجاوز المصاعب

لوس أنجيليس: محمد رُضا

 

·     منذ لقائنا السابق قبل عامين أو نحوهما، واصلت الممثلة آن هاثاواي طريقها بمزيد من الإصرار والتحدي. كيف يمكن، لو لم تكن مصرّة على النجاح ومخلصة لفنّها، أن تحقق نجاحات متوالية أوصلتها هذه الأيام إلى المشاركة في بطولة «عودة الفارس الأسود» وإلى دخولها مباشرة بعد انتهائها من تصويره العمل على فيلم مختلف تماما ويتطلّب طاقات كبيرة جدّا في الوقت ذاته هو «البؤساء»؟

نشاهد آن هاثاواي (29 سنة) حاليا في شخصية كاتوومان التي تساند «باتمان» في معركة حياة أو موت حتى النهاية. في الفيلم تنقلب من فتاة أنانية لا يمكن الثقة بها إلى شريك في إنقاذ المدينة وبطل الفيلم من موت محق. من لصّة أنانية لا تهتم بأحد إلى فتاة تكتشف أنها تستطيع أن تضع مهاراتها في خدمة المجتمع.

أما في رواية فكتور هوغو، فهي في ثياب مختلفة وفي شخصية على بعد 180 درجة من تلك التي في الفيلم الحالي.

ما لا يختلف هو تواضعها الجم ونظرتها الواقعية للحياة واستعدادها للبذل في سبيل تجسيد الدور على النحو الصحيح. وإذا كانت الأخبار التي تواردت مؤخرا من أنها أبكت المخرج والمجموعة الفنية خلال تأدية امتحان قبول لدور فانتين في فيلم «البؤساء» صحيحة، فإن هاثاواي بالفعل واحدة من أفضل ثلاث أو أربع ممثلات الجيل الحالي.

·     تؤدين شخصية «كاتوومان» في فيلم يقوده «باتمان» لكن دورك ليس محدودا.. يبدو كما لو كان تمهيدا لإطلاقك في أفلام منفصلة لاحقا..

- أعتقد أن الحديث دار حول هذه النقطة من قبل. تحديدا منذ أن لعبت هالي بيري الدور سنة 2004. وأعتقد أنه تجدد أو يتجدد الآن بعد أن لعبت هذا الدور في الفيلم الحالي، لكن لا علم لي أن كل شيء بات جاهزا لمثل هذه الخطوة. ربما هي على الطريق.

·     طبعا هالي بيري لعبت الدور في فيلم خاص بها لكن الفيلم لم يترك نجاحا من النوع الذي ينتج عنه إنتاج مسلسل. هل يمكن أن يحدث ذلك اليوم إذا ما حاولت هوليوود من جديد؟

- من يعلم؟ ربما يتكرر الإخفاق ذاته. لكني أريد أن أقول هنا أن هالي بيري ليست مسؤولة عن ذلك الإخفاق الذي تتحدّث عنه. هي ممثلة جيّدة وأحترمها كثيرا وأرى أنها لعبت الدور جيّدا. لكن هناك عوامل أخرى ربما أعاقت ما قامت به من جهد. بالنسبة لي أنا جاهزة للمهمّة إذا ما كان المشروع قائما.

·     على الرغم من أن الجميع يعرفون موهبتك، فإنك سرقت المشاهد هنا.. هل تلقيت توجيهات من المخرج نولان مكّنتك من وضع اليد على طبيعة الدور؟

- أعتقد أنني فقط في «عودة الفارس الأسود» الذي لم يسبق له أن مثّل تحت إدارة نولان. كلهم سبق لهم وأن ظهروا في أفلامه. وكم أود لو قلت لك كيف يفكّر نولان وماذا يفعل بالتحديد خلال التصوير.. لكني لست قادرة على ذلك لأني لا أفهم دوافعه. لقد حاولت أن أمتثل لتوجيهاته قدر المستطاع. لم يكن ذلك هيّنا، لكني كل يوم حاولت جهدي أن أنال رضاه وهذا ما جعلني أتعب على الدور كما لم أفعل في أي فيلم حتى الآن. ونجاحي يجعلني أكثر سعادة مما تتصوّر. أعتقد أنه مخرج رائع وفنان موهوب. وهو يدير ممثليه بذكاء. لن يتركك تشعر بأنك أضحوكة أو ينهي المشهد وأنت لست راضيا عما قدّمته.

·        هل دار بينكما نقاش طويل؟

- بالتأكيد. قرأت السيناريو أولا ثم التقينا كثيرا وتحدّثنا حول شخصيتي. من هي؟ كيف عليها أن تكون؟ لماذا تفعل ما تفعله؟ اشتغلنا على خلفية الشخصية.. تلك المسائل التي لا ترد في السيناريو.

·        كثيرون لا يعلمون كيف أن الشخصية الخيالية تحتاج لدراسة كما لو كانت واقعية.

- هذا صحيح جدا خصوصا في فيلم يعتبره المخرج عملا جادّا جدّا ولو أنه فانتازي للغاية. وهو دائم الحضور معك. حين يلحظ أن هناك ما يعرقل إنجاز المشهد على النحو الذي يرضيه يتقدّم نحوك ويطرح أسئلة قبل أن يلقي تعليمات. هذا جيد خصوصا أنه يعرف تماما ما يريد. لقد عملت مع مخرجين يتركون للممثل كل المسائل ليحلّها وتفسيري لذلك أنهم لا يعرفون ما عليهم فعله.

·     ما الذي كان صعب التنفيذ على صعيد الحركة بالنسبة إليك.. أسأل لأن الطاقة التي نشاهدها تبدو كما لو كانت تلقائية.. فهل كانت كذلك فعلا؟

- لا. كانت هناك تحديات كثيرة وأعتقد أن أكبرها نفسي: هل أناسب هذه الفرصة الممنوحة؟ هل سأنجح في تأمين ما هو مطلوب على صعيد الحركة والانسجام العام مع كل التفاصيل المطلوبة؟ هذا هو الدور الذي تنشده ممثلات كثيرات.. حتى الرجال. أعتقد أنه حتى بعض الممثلين الرجال لا يمانعون في أن يلعبوا شخصية «كاتوومان» إذا ما سنحت الفرصة لهم. وجدت أن التركيز على اللحظة مهم جدا. الطريقة الوحيدة للتغلب على أي عوائق ذهنية. طبعا بدنيا كان هناك تحدٍ مختلف، لكنه لم يكن الأصعب.

·     لكن من «عودة الفارس الأسود» إلى فارس من نوع آخر في الفيلم الجديد الذي تقومين بتصويره حاليا: «البؤساء».. كيف تنظرين إلى الاختلاف الكبير بين الفيلمين؟

- لا ريب أن المسافة بين الفيلمين كبيرة. كل منهما في عالم منفصل تماما عن الآخر. وبالنسبة للممثل، أظن أنه من أهم ما قد يقع له إذا ما انتقل ما بين نوعين متباعدين من الأدوار. ليس لأن هذا يحدث كل يوم فالممثل معرّض لهذه النقلات، بل لأنه بحاجة للتنويع والابتعاد عن أي نمط معيّن.

·     هناك أيضا حقيقة أنك في ظرف أعوام قليلة ظهرت في أكثر من نوع فأنت ناجحة كممثلة كوميدية أيضا.

- شكرا. يعني لي ما تقوله الكثير.

·        بناء على ذلك، هل تشعرين أنك أمام مرحلة جديدة حاليا؟

- ربما. الغريب في عمل الممثل أنه يجد نفسه منقادا لاتجاهات شتّى. هناك بالطبع اختياراته هو من الأفلام والأدوار، لكنه لا يعلم تماما ما سينتظره من نتائج. هناك ممثلون وضعوا كل آمالهم في أفلام معيّنة لكنها تهاوت عمليا وربما تأثروا مهنيا بانصراف الجمهور عنها. ثم هناك النجاحات المفاجئة.. بالنسبة إلي أعتقد أنني في وضع حسن اليوم وربما هي بداية مرحلة جديدة.

·        تلعبين شخصية فانتين وهو دور لعبته والدتك سابقا أيضا. ماذا تقولين في ذلك؟

- نعم لعبت والدتي الدور وشاهدتها على الشاشة بصحبتها. من حينها شعرت بأن هذا الدور هو أهم طموحاتي ولا تتصوّر سعادتي به.

·        إلى أي حد تعتقدين أن على الممثل أن يكون واثقا من نفسه؟

- (تضحك) لا أدري لأني لست واثقة من نفسي على الإطلاق. لقد أمضيت أول عامين من حياتي كممثلة وأنا أقوم بالتجارب التمثيلية أمام منتجين ومخرجين خلال مرحلة الكاستينغ. ووجدت نفسي بعد كل ما يقال عن نجاحي بأنني أريد تمثيل «البؤساء» و«عودة الفارس الأسود» بنفس الحماسة لدرجة أنني قبلت أن أقدم تجربة قبول.

·     شيء آخر لم تتوقعيه هو الوصول إلى ما أنت عليه اليوم على الرغم من وجود الكثيرات من الممثلات اللواتي في مثل سنّك.

- صحيح. لكن هذه المنافسة مفيدة. تجعلك تدرك أنك كممثل لا تستطيع أن ترتاح بعد أي نجاح تحققه أو يحققه فيلم ظهرت فيه. أنت دائما مطالب بأن تبدأ من جديد في كل مرّة.

جولة في سينما العالم

* هوليوود تحب الصين

* قد توتر المناورات السياسية العلاقات بين الدول، لكن بعضها لا يستطيع العيش من دون بعضها الآخر. في السياق ذاته، قد تنصب الولايات المتحدة ما تشاء من صواريخ وترسانات مضادة للصواريخ حول الصين لتمنعها من التمادي في السيطرة على منطقة جنوب شرقي آسيا، لكنها بحاجة إلى سوقها والصين بحاجة إلى ما تورده أميركا لها. طبق هذا على السينما وستجد أن تلك المناورات تعيش في عالم مختلف تماما عن ذلك الذي تعيشه هوليوود. فالأفلام الصينية مرحّب بها في الصالات الأميركية وآخرها أكشن تاريخي محلّى بتلك الفانتازيات الشرقية وعنوانه «السيوف الطائرة لبوابة التنين». فيلم أخرجه قبل عام هارك تسوي وينطلق هذا الأسبوع في عروضه الأميركية حاملا حكاية التحري جت لي الذي يريد كشف اللثام عمن يعبث بتراث صيني ليكتشف أن الموتى ربما ما زالوا أحياء يرزقون وعليه محاربتهم.

* لكن الحقيقة هي أن حاجة هوليوود للسوق الصينية تعلو عن حاجة الصين للسوق الأميركية. ففي حين من الصعب تحقيق نجاح تجاري داخل أميركا للفيلم الأميركي إلا إذا حمل مواصفات معيّنة، فإنه ليس من الصعب نجاح الأفلام الصينية داخل الصين، فعدد المشاهدين أكبر منه عن ذاك الأميركي. وما حدث مؤخرا في هذا النطاق، يكشف الكثير عن مدى اعتماد الأفلام الأميركية على السوق الصينية، فقد دخل كل من «عودة الفارس الأسود» و«سبايدر - مان المذهل» سباق الحصول على الشريحة الأكبر من المشاهدين الصينيين وفي حين أن «عودة الفارس الأسود» سجّل حتى الآن قرابة مليار دولار حول العالم، أي أكثر بـ360 مليون دولار مما سجله «سبايدر مان - المذهل»، فإن الصينيين هرعوا إلى سبايدر مان أكثر مما أقبلوا على باتمان. الفارق ليس كبيرا: «الرجل العنكبوت» أنجز خمسة ملايين و460 ألف دولار في يومه الأول و«الرجل الوطواط» حصد أقل من ذلك بمليون دولار.

* طبعا هناك سبب قد لا يتصل بعدد المعجبين بكل بطل على حدة. ففيلم «سبايدر مان المذهل» تمتّع بـ2515 شاشة عرض في حين استحوذ «عودة الفارس الأسود» على 2400 شاشة فقط. هوليوود تنظر إلى الأرقام المتقاربة بغبطة، لكنها تحب أن تؤكد أن الاستوديو المنتج الذي تربّع على القمة في الصين هو كولومبيا وليس وورنر مهما كان الفارق في الدولارات محدودا.

* هذا الأسبوع هو أسبوع انطلاق فيلم «بلا قانون» على الجبهات جميعا. إنه في صالات الإمارات كما في صالات الولايات المتحدة وأوروبا في أسبوع واحد. وبين جميع الأفلام الجديدة المعروضة فإن هذا الفيلم العصاباتي الذي يقود بطولته كل من توم هاردي وجستين كلارك وشايا لابوف والذي أخرجه جون هيلكوت، السينمائي الأسترالي الأصل الذي سبق له أن قدّم «الطريق» حول رجل وابنه يشقان طريقهما وسط دمار ما بعد حرب نووية. أجواء ذلك الفيلم ليست متوفّرة في الفيلم الجديد الذي يدور حول صانعي ومروّجي الخمور غير المصرّح بها فيما عرف بحرب الـMoonshine في العشرينات والثلاثينات.

• منذ سنوات والسينما البريطانية تعمد إلى إنتاج أفلام رعب صغيرة بعضها أفضل من تلك الأميركية الأكبر حجما. شاهدنا مثلا «بعد 28 يوما» و«بعد 28 أسبوعا لاحق» و«الهجوم على المبنى» من بين أخرى حملت وقعا أفضل من الكثير من الأفلام الموازية لها في أميركا، ربما لأن لندن، في نهاية الأمر، مدينة نعرفها جميعا وما قد يحدث لها على الشاشة يصب في ذواتنا، حين مشاهدة الفيلم، كما لو كان أقرب إلى الحقيقة. الآن يتم إطلاق فيلم جديد من هذه المجموعة عنوانه Cockneys vs. Zombies. الكوكني هي اللهجة الدارجة لسكّان بعض مناطق لندن والفيلم يصوّر عددا منهم يدخلون مصرفا لسرقته ليكتشفوا أن سرقة المصرف هي أهون من الهرب بالغلّة إذ إن البنك محاط بالزومبيز وكلّهم لم يتناولوا العشاء بعد.

فيلم الأسبوع

* أوباما على الشاشة

* 2016: Obama›s America إخراج: دنيش د سوزا، جون سوليفان النوع: تسجيلي.

تقييم: (2*) (من خمسة)

* ما صنعه المخرج مايكل مور بالنسبة للسينما التسجيلية هو أنه جعل من المحتمل إنجاح العروض التجارية كما لم يكن ذلك متاحا من قبل لفيلم غير روائي ولجمهور يريد أن يتسلّى وأن ينسى وأن يتخيّل عوض أن يعيش الواقع أو يلجأ إليه. ومع أن سقف الإيرادات بالنسبة للفيلم التسجيلي لا يزال أقرب إلى مصروف بضعة أيام لفيلم روائي هذه الأيام (المعدّل الحالي 12 مليون دولار) فإنه من البديهي أن لا يتوقع المرء نجاحا لكل فيلم تسجيلي لمجرد أن أفلام مايكل مور (وآخرها لا يزال «الرأسمالية: قصّة حب» قبل ثلاث سنوات) كانت ناجحة.

والمؤكد، فوق كل ذلك، أن أمام الأفلام التسجيلية التي تتعاطى السياسة الفرصة الأكبر لتحقيق النجاح التجاري. هذا ما أثبتته - مرّة أخرى - أفلام مور، وما يثبته فيلم جديد بعنوان «2016: أميركا حسب أوباما». لكن في حين أن أفلام مور كانت يسارية فإن الفيلم الجديد، لمخرجيه جون سوليفان ودنيش سوزا، يميني - هذا إذا كنت لا تزال تتبع هذا التقسيم التقليدي والسريع للحياة السياسية عموما.

الفيلم الحالي يقوم على كتاب د سوزا نفسه وعنوانه «جذور الغضب لأوباما»، الفيلم، على صعيد التشكيل البصري، معمول على نحو تقني ناجح (بفضل سوليفان) ومدعوم بمونتاج جيّد يخلق إيقاعا مثيرا و - إلى حد معين - جاذبا. لكن حسنات هذه العناصر تذوب حين يتبدى أن التوليفة بأسرها تعمل على استخدام هذه العناصر لبث رسائل سياسية غير ثابتة أو موثّقة. فالفيلم معادٍ لأوباما، وليس هناك من اعتراض على ذلك فهو حر، لكن ما يبني عليه موقفه المعارض هذا هو جملة من النظريات التي سبقه إليها محللون إعلاميون معادون للرئيس الأميركي، ومواقع إنترنت كثيرة تبث مثل هذه المعاداة 24 ساعة في اليوم. ربما لم تشهد الحياة السياسية الأميركية مثل هذا الحشد من العداء لأوباما الذي - كحال الفيلم - يبتعد عن التحليل السياسي ليصب، في معظمه، تحت خانات المواقف الشخصية.

أوباما هنا هو راديكالي يساري واشتراكي تم زرع المبادئ المعادية للغرب فيه منذ أن كان طفلا فوالده كان معاديا للاستعمار الأوروبي لأفريقيا (يستخدم الفيلم كلمة Colonialism) كما لو أن ذلك أمر مسيء وخريج تعاليم المبشر جيريمايا رايت. هذا بالطبع حين يناسب الفيلم الادعاء بأن أوباما مسيحي، أما حين يريد القول إنه مسلم فإن التركيز على مسألة الولادة وإثبات مواطنيّته مشكوك فيه. والانتقال إلى الشؤون السياسية فإنه يتعامل مع كل الانتقادات الموجهّة إليه حاليا، فهو لا يقف مع إسرائيل بكل جوارحه، وهو مسؤول عن فشل الحكومة في كل الميادين إلى غير ما يتردد من مواقف معروفة.

إذ تم إطلاق الفيلم في الأسبوع الماضي وحصد في أسبوعه الأول عشرة ملايين دولار فإن عرض الفيلم قبل الانتخابات مباشرة هو بيت قصيد العاملين عليه الأول.

شباك التذاكر

* «المستنفدون 2» حقق ما لم يكن يحلم به سلفستر ستالون: البقاء على القمّة أسبوعا ثانيا. والمتغيّرات قليلة إذ بقي كل شيء على حاله في المراكز الأربعة الأولى على الأقل.

1 (1) The Expendables 2: $13,584,033 2 (2) The Bourne Legacy: $9,281,160 3 (3) ParaNorman: $8,545,883 4 (4) The Campaign: $7,440,253 5 (6) The Dark Night Rises: $7,155,745 6 (7) The Odd Life of Tim Green: $6,812,930 7 (-) Premium Rush: $6,302,707 8 (-) 2016: Obama›s America: $6,237,517 9 (8) Hope Springs: $6,002,461,225 10 (-) Hit and Run: $4,675,026

سنوات السينما

* 1926 | نظرة للعرب لجانب «ابن الشيخ» و«مغامرات الأمير أحمد» الواردان في الحلقة الماضية، كانت هناك بضعة أفلام تعاملت مع العرب وشخصياتهم في ذلك العام، ولم تكن جميعا معتدلة، كما «ابن الشيخ» أو محبّذة، كما «مغامرات الأمير أحمد». أحد تلك الأفلام كان «بو جست» للمخرج هربرت برينان. والثابت أن الكثير مما تلا طريقة تعامل هوليوود مع الشخصية العربية استمد من هذه الأعمال الأولى وبعض ما سبقها. صحيح أن هوليوود نظرت إليها كأفلام أكشن محببة للجمهور، لكنها في الواقع تمحورت حول شخصية تراوحت بين الخيّرة في بعض الأفلام والشريرة في أفلام أكثر عددا.

«بو جست» كان من بطولة النجم آنذاك رونالد كولمان في دور مجند في فيلق أجنبي في شمالي أفريقيا ومواجهته عدوّين: رئيسه القاسي والمغيرين العرب الأكثر قساوة.

الشرق الأوسط في

31/08/2012

 

 

«السقا» تمرد على «السقا» وخذله السيناريو

«بابا» فيلم ولد مبتسرا

القاهرة: طارق الشناوي

لو اهتم كثيرا صناع فيلم «بابا» بالتفاصيل، ولو تعاملوا مع الكوميديا باعتبارها شيئا آخر تماما غير التهريج.. لو.. ولو.. ولو... ولكن كما يقولون في المثل المصري «لو كلمة معلقة في الجو».

الحالة السينمائية هذا العيد لم تكن مرضية تماما ولم تأت على قدر الترقب، ولا كانت حتى متوافقة مع أسماء النجوم وجاذبيتهم. وكما قال الشاعر «عيد بأية حال عدت يا عيد»، نقولها مرة أخرى: «بأي أفلام عدت يا عيد».

في فيلم «بابا» لأحمد السقا، أمسكت الكاتبة «زينب عزيز» بفكرة تمتلئ جاذبية ونسجتها في قالب كوميدي لا يخلو من ومضات إنسانية، حيث إننا مع طبيب نساء وولادة، عاشق للأطفال، ويتزوج ويتوق إلى طفل من صلبه، ولكن تأخر الإنجاب.

الطبيب المتخصص بالنساء والتوليد وعلم الخصوبة والحقن المجهري، وهو امتداد للعملية الشهيرة باسم «أطفال الأنابيب»، هذا الطبيب الذي يستمع إلى الصرخة الأولى للأطفال يحلم بأن تتردد في أذنه صرخة طفل تخصه وحده، وعندما يتعذر الحمل بالطريقة التقليدية يقرر الطبيب اللجوء للحقن المجهري.

الفيلم يمتلك الكثير من مقومات صناعة عمل فني به قدر من المغامرة الإبداعية، حيث يتناول حالة علمية لم تتطرق إليها السينما المصرية من قبل، وفي نفس الوقت فإنه يحيطها بتفاصيل نعيشها في الحياة الاجتماعية.. أسند المخرج الدور إلى «السقا» لكي يمثل هذه المرة ولا يعتمد فقط على لياقته الجسدية في الضرب والقفز والقتل لو تطلب الأمر، أصبح «السقا» يمارس فن التمثيل على طريقة المطرب الذي يشارك في بطولة فيلم.. الجمهور ينتظر منه أن يقدم لهم أغنيات، بينما «السقا» عقد اتفاقا مع الجمهور يقضي بأنهم ينتظرون منه «شوية» مطاردات وقفزات وضربات، خاصة أن «السقا» يحرص على ألا يستعين بدوبلير في الكثير من تلك المشاهد الخطيرة، فصار جمهوره يتابعه في الموقف المثير وهو يضع يده على قلبه خوفا على البطل من أن يصيبه مكروه.. كان ينبغي لأحمد السقا أن يقفز هذه المرة بعيدا عن تلك الأسوار التقليدية التي صارت تحيطه من كل جانب، وجاء دوره في «بابا» كطوق نجاة يخرجه من تلك المصيدة الدرامية.. يقدم الفيلم من دون إقحام طبيعة العلاقة بين المسلمين والأقباط، متجسدة في حالة الصداقة بين المسلم والمسيحي وذهاب «السقا» للاحتفال بزفاف «إدوارد» في الكنيسة، وتبدأ مشاعر «السقا» تتوجه ناحية «درة» عندما يراها في الكنيسة ويتقدم للزواج.

ويتوقف الفيلم أمام عملية الحقن المجهري كثيرا، وبدلا من أن يخلص للمنطق العلمي الذي يحيل مثل هذه الأمور التي تتم في إطار طبي محدد وفق قواعد متعارف عليها، فإنه يعتقد أن الموقف يُقدم باعتباره نكتة، حيث إن السائل المنوي يتم استخلاصه طبقا للسيناريو بعد الإثارة الجنسية، كأنه أراد أن يغتال السيناريو من أجل ضحكة ليست بالضرورة قابلة للتحقق، بل أحيانا كانت تؤدي إلى الإحساس بالتقزز.

لا أدري كيف أن الكاتبة «زينب عزيز» والمخرج «علي إدريس» يضحيان بالفيلم الذي كان ينبئ بحالة إبداعية، خاصة عندما يتعاملان معه على أساس أنه مجرد إيفيه ونكتة، ولم يكتفَ بتقديمها مرة واحدة شاهدناها في عدة تنويعات، نرى فيها المتشدد دينيا الذي أدى دوره «خالد سرحان» يرفض أن يرى أحد زوجته حتى الطبيب، ونتابع الثري الخليجي، أدى دوره «لطفي لبيب»، الذي يصطحب معه أربع زوجات بدلا من أربع سابقات قام بالتخلص منهن بسبب عدم قدرتهن على الحمل.. الإيفيه قائم على أن الحيوانات المنوية يتم الحصول عليها بعد الإثارة الجنسية للزوج بأي طريقه وعليه أن يملأ وعاء ضخما بالسائل المنوي.

توقف حبل الأفكار وانقطع التتابع الدرامي، فقررت الكاتبة أن تضيف خطين ثانويين من أجل ملء المساحة الزمنية الفارغة ليمتد الشريط السينمائي إلى ساعتين.. الزوجة تذهب إلى صديقتها، تمضي معها إجازتها، فتكتشف أن صديقتها المطلقة على علاقة برجل ولا تهتم بمرض طفلها، وهي التي ترعاه حتى تنتهي الأم من ممارسة الرذيلة.. بينما «السقا» يسافر إلى لبنان ويكتشف أن صديقة سابقة، أدت دورها «نيكول سابا»، ربطتهما علاقة جنسية قبل بضع سنوات، تستضيفه في منزلها ثم تتركه مع طفل تؤكد له أنه أبوه من علاقتهما القديمة. ولا تجهد الكاتبة نفسها كثيرا، فهي تنهي كل ذلك بأن كل ما شاهدناه لم يحدث، وأن الطفل الذي ادعت أنه طفله ليس طفله، وهي لم تعد تحبه فقط، أرادت أن تلقنه درسا لأنه تركها بعد علاقة حميمة بينهما من دون حتى أن يسأل عنها، بل هي التي تصالحه على زوجته «درة» وتقول لها إن هذا طفل لقيط تبنته وليس ابنها.. وتعود «درة» وتحمل طبيعيا وتنجب توأما.

الفيلم يقدم من دون مباشرة حالة التعايش بين المسلم والمسيحي، مثل تلك اللقطة التي تجمع بين «خالد سرحان» المتطرف دينيا و«إدوارد» وهما يشاهدان من وراء حاجز زجاجي شفاف طفليهما، ويقول «صلاح عبد الله»، مدير المستشفى، لهما هل أحد منهما يستطع أن يعرف على وجه اليقين من هو ابنه، من المسلم ومن المسيحي، فهو يريد أن يثبت أننا جميعا نولد على الفطرة!! صناع الفيلم اغتالوا أفكاره بيدهم ومع سبق الإصرار والإضرار، لأنهم أرادوا أن يتحول إلى نكتة، وهكذا لعبوا على موقف واحد لم يتمكنوا من تجاوزه، حتى إنك في لحظات تعتقد أنهم يقدمون دعاية لمستشفى متخصص بالحقن المجهري، أو لعل منتج الفيلم قد اتفق مع أكثر من مستشفى على أن يقدم دعاية غير مباشرة ليمهد الطريق للناس للإقبال على التعامل مع هذه التقنية الجديدة في الإنجاب.

ولم ينس الفيلم كالعادة أن يدعم الموقف بالممرضة التي تفتقر إلى الجمال وتبحث عن عريس، وهكذا قدم «إيمان السيد» التي تؤدي دائما دور العامل المساعد في تعبئة الضحك بأي إيفيه تلقيه من دون منطق فني، ولكن مجرد الإمساك بنكتة، ولا أتصورها حققت نجاحا حتى في هذا الشأن.. وهو ما وقع فيه أيضا المخضرم «صلاح عبد الله» الذي كان وجوده هامشيا من أجل مزيد من الضحك.

«دُرة» تؤدي دورها بقدر من البساطة والاقتصاد في التعبير، و«أحمد السقا» كان موفقا وهو يختار هذا الدور الذي يعتمد على أداء ممثل وليس لياقته البدنية.. «خالد سرحان»، كعادته، يحول مشاهده القليلة في أي عمل فني إلى مساحة لا تُنسى، فهو يؤديها بخفة دم وتفهّم لأبعاد الشخصية، ولهذا نكتشف أننا نضحك لصدقه في التقمص، فهو لا يقدم نكتة بل دورا، كما أنه يحطم دائما حالة التنميط التي صارت تسيطر مثلا على «إدوارد» من فرط تسكينه الدائم في دور صديق البطل بالمعنى التقليدي للكلمة، حيث إنه بلا ملامح درامية خاصة، فصار هو أيضا يؤدي أدوارا تتشابه في كل تفاصيلها، ويختلط عليك الأمر فلا تدري هل هو هذه المرة صديق لمن؛ لأحمد السقا مثلا أم لحمادة هلال؟

«بابا» فكرة لم تكتمل، وبروفة لعرض كان لا يزال في حاجة إلى الكثير من التدريبات ولكنهم فتحو الستار وهو لم يكتمل، إنه أقرب إلى جنين في شهره الخامس، وبدلا من الانتظار حتى التاسع ولد مبتسرا!! يبدو أن «أحمد السقا» لديه نية صادقة للعبور إلى الشاطئ الحقيقي لأي ممثل، وهو أنه بالفعل يمثل دورا ويتقمصه بكل تفاصيله، ولكن السيناريو خذله، فليس بالنوايا وحدها تُصنع الأفلام!

الشرق الأوسط في

31/08/2012

 

حكاية الطروسي مجدداً ولكن من دون سياسة!

دمشق - إبراهيم حاج عبدي 

منذ نحو ثلاث سنوات، وكلما كُلّفت بكتابة حصاد السينما السورية في نهاية العام، كان مشروع فيلم «الشراع والعاصفة» يذكر ضمن هذا الحصاد على اعتبار أن كاميرا مخرجه غسان شميط ستبدأ قريباً بالدوران، غير أن الشروع في تنفيذ الفيلم طال كثيراً إلى أن تحقق الفيلم، أخيراً، وعرض في حفل خاص في سينما الكندي بدمشق قبل فترة.

كانت حجة التأجيل تتمثل في أن ثمة مشاهد للعاصفة في الفيلم يصعب تصويرها في سورية، فـ «العواصف» لم تهب على الأفلام السورية السابقة وبالتالي فإن الخبرة الفنية المحلية الموجودة لا تكفي للمجازفة وركوب أعالي البحار لأجل تلك المشاهد التي تتطلب، فضلاً عن الخبرة، كلفة إضافية لا بد للحصول عليها من موافقة الجهة المنتجة، وهي المؤسسة العامة للسينما السورية. لكن المخرج بقي مصراً على رأيه في أن العاصفة هي أساس الفيلم، فلجأ إلى أوكرانيا، موطن دراسته الإخراج، كي ينفذ تلك المشاهد بخبرات أوكرانية، وبكلفة بلغت نحو ثمانية ملايين ليرة سورية (حوالى 170 ألف دولار أميركي). وإذا كان من السذاجة مقارنة هذه المشاهد بمشاهد مماثلة في أفلام سينمائية عالمية تناولت عوالم البحار وأمواجها العاتية، فإن الحصيلة في «الشراع والعاصفة»، ومن دون تلك المقارنة، بدت مخيبة للآمال. فالعاصفة التي صورت في مسبح أوكراني، على ما قيل، لم تأتِ بنتائج منتظرة وفقاً للسجال الذي سبقها، ذلك أن اللقطات جاءت مقربة جداً لأجزاء من مركبين، يفترض أنهما في عرض البحر، ويتلقيان، بين الحين والآخر، سيلاً من الماء من دون أن ينجح فريق الفيلم في عرض لقطة بانورامية بعيدة واحدة تظهر المركبين وهما يصارعان الأمواج، مثلاً، ولم يفلح الغرافيكس، الذي أنجز لتجسيد البروق والطقس الرمادي المخيف الذي يغلف البحر العاصف، في إحداث الدهشة المطلوبة التي طمح إليها المخرج، وبما أن النتيجة جاءت على هذا النحو، فإن الأمر لم يكن ليحتاج إلى كل هذا الصخب والسجال.

أمانة للنصّ!

الفيلم مقتبس عن رواية للروائي السوري حنا مينه بنفس العنوان، ويصرّ المخرج في كل تصريحاته أنه كان أميناً لروح النص، وكأن هذه الأمانة هي المفتاح إلى نجاح الفيلم على اعتبار أن الرواية تعود لكاتب يتمتع بالسطوة والحضور. والحال أن تلك الأمانة لروح النص لا تعطي الفيلم أية قيمة إضافية، بل قد تثبط خيارات المخرج المغامر، وتجعله أسير نص من كلمات لا يتوافق مع سرد من صور، وعموماً، فإن إشكالية اقتباس السينما من الرواية هي موضوع شائك ومعقد. لكن ثمة بديهيات لا يمكن تجاهلها هنا، وهي أن الرواية تروى بالكلمات في حين أن السرد السينمائي عماده الصور، ناهيك عن فارق جوهري آخر، وهو أن الرواية عمل ذاتي وجداني شخصي، بينما يخضع هذا النص الروائي، لدى أفلمته، إلى رؤى ومعالجات متنوعة تتجلى عبر اختصاصات متعددة يشارك فيها الجموع من فنيي الإضاءة إلى الديكور إلى الموسيقى التصويرية إلى التوليف إلى الأزياء... وصولاً إلى المخرج. ألا يحق لنا، إذاً، التشكيك في مقولة الحرص على روح الرواية وعوالمها، فـ «رائحة الخيانة تعبق في كل مكان»، كما يرى الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس، لدى نقل الأدب إلى الشاشة.

يتحدث الفيلم عن بيئة الساحل السوري، وتحديداً في مدينة اللاذقية إبان الحرب العالمية الثانية عندما كانت سورية واقعة تحت الانتداب الفرنسي «وتعيش صراعات واضطرابات سياسية دفعت الشعب السوري إلى خوض معارك قاسية انتهت بالاستقلال»، على ما يقول كرّاس الفيلم الدعائي. لكن شيئاً من هذه الصراعات السياسية لا يظهر في الفيلم، بل إن الصراعات التي نجدها هي تلك التي تنشب بين رجال متنفذين في الميناء يسعون إلى السيطرة وفرض النفوذ، والتحكم بأرزاق البشر. وفي ثنايا هذه النزاعات، يركّز الفيلم على جانب من حكاية البطل الشعبي «الطروسي» (جهاد سعد) الذي اضطر إلى افتتاح مقهى متواضع على شاطئ البحر بعدما فقد مركبه في إحدى العواصف، ولم يجد، آنذاك، من يعينه على العاصفة. وإذ تتكرر المحنة مع أحد أصدقائه، فإنه سيكون مستعداً لهذه النجدة، لئلا يفقد الصديق حياته ومركبه. الطروسي بحار مغامر، يمضي أيامه في ضجر المقهى. لكن عينيه شاخصتين، أبداً، نحو زرقة البحر، وأسراره، وهو اكتسب من هذا البحر مزاجه المتقلب المتأرجح بين الصفو والعنفوان، ففي اللحظات التي تجمعه مع خليلته أم حسن (رندة مرعشلي)، التي انتشلها من مبغى، نجده رائق المزاج هادئاً ودوداً، وحين يحتك مع الصيادين وعمال الميناء الذين يرتادون مقهاه، يتحول إلى نمر جريح لا يرضى بأي خطأ أو تجاوز، ويستميت في الدفاع عن حقوق البسطاء والمهمشين.

وسط هذه الأجواء يمضي شريط الفيلم خالياً مما يطلق عليه النقاد «التصعيد الدرامي»، إذ يتبدى للمشاهد أن ثمة شيئاً ناقصاً في بنية الفيلم الذي كتب له السيناريو المخرج والكاتب وفيق يوسف. فالفيلم يفتقر إلى حكاية جذابة تستحق الروي، وبدا أن كل مشاهد الفيلم (نحو مئة دقيقة) هي مجرد تمهيد للربع الساعة الأخيرة عندما تهب عاصفة بحرية بعد وقت قليل من انطلاق مركب الرحموني (ماهر صليبي) في رحلة صيد. هنا، طبعاً، يأتي دور الطروسي الذي يناشد مسؤولي الميناء السعي إلى نجدة صديقه، لكن من دون جدوى، فيجازف مع قلة من البحارة ويهرع لنجدة الصياد المعلق وسط العاصفة. سينجح البطل في مسعاه وهو يواجه أمواج البحر المتلاطمة حتى يعثر على مركب صديقه وينقذه، ومن معه من البحارة، ويعود به سالماً إلى شاطئ الأمان، لينتهي الفيلم عند هذه النهاية السعيدة.

إيقاع متناسق

ما يسجل لشميط، الذي أنجز ثلاثة أفلام روائية طويلة هي على التوالي «شيء ما... يحترق»، و «الطحين الأسود و «الهوية»، هو أنه يحافظ على إيقاع الفيلم من البداية إلى النهاية وسط مشاهد ليلية، غالباً، أظهرت جمالية العلاقة بين النور والعتمة. كما أنه نجح في إدارة الممثلين الذين قدّموا أداء لافتاً. لكن هناك مشاهد بدت، على مستوى التمثيل، باهتة ومفتعلة كتلك المشاهد العاطفية التي جمعت بين بطل الفيلم وخليلته. وهنا بالطبع ستكون للرقابة كلمة في ضرورة ألا يخدش الفيلم الحياء العام، كما سيكون للرقابة دور، أيضاً، في إفراغ الفيلم من أي محتوى سياسي، كما هي عوالم الرواية، ليقتصر الفيلم على إبراز الجانب الإنساني للبطل ومدى شهامته وشجاعته في مواجهة «حيتان» آدمية تسعى إلى الاستحواذ على البر والبحر.

فيلم من هذا النوع الإنتاجي الضخم، بالقياس إلى الإنتاجات السينمائية المحلية، يتطلب الكثير من وقت المخرج وجهده، وهو ما يذكرنا بلوحة من مسلسل «بقعة ضوء» تتحدث عن مخرج يقدم إلى الجهات المعنية موازنة مسرحيته الجديدة البالغة 6 ملايين ليرة سورية، لكن هذه الموازنة تتقلص، شيئاً فشيئاً، لدى مرورها من مكتب إلى آخر حتى نجد، أخيراً، أن المسرحية قد تحولت، بسبب تقليص الموازنة الى نحو 300 ألف ليرة سورية، إلى مجرد مونودراما يؤديها المخرج ذاته. ولعل من الظلم، والحال كذلك، مطالبة المخرجين العاملين في ظل المؤسسة العامة للسينما السورية بما هو أبعد من ذلك، فالمخرج شميط يقرّ في حوارصحفي له بأنه «من أكثر الناس عذاباً ومعاناة لأخذ فيلم من المؤسسة العامة للسينما»، وهذا يفسر جانباً من تراجع السينما السورية، ويبرر، نسبياً، ظهور أفلام يسبقها الكثير من الضجيج لتكون النتيجة على الشاشة مجرد رقم يضاف إلى «فيلموغرافيا» هذا المخرج أو ذاك.

الحياة اللندنية في

31/08/2012

 

أحلام الهجرة في هزل يطرح على النقد مهمات جديدة

الدار البيضاء - نور الدين محقق 

تتعدد الأساليب السينمائية والاتجاهات الفنية فيها من أجل محاولة خلق الفرجة السينمائية وتحقيق الإمتاع البسيط المعتمد على خلق لعبة التناقض بين الشخصيات المتواجدة في الفيلم من جهة والأحداث المتلاقية اعتماداً على الصدف، بغية خلق المفارقات والتعارض غير المتكافئ لإثارة الضحك من جهة أخرى في التواكب مع المساعي للبحث عن الآليات الجمالية الفنية التي تنبني على سيناريو محكم وتسلسل درامي متكامل يراعي خصوصية التنامي في عملية تطور الأحداث وإيلائها الاهتمام الملائم لها. والهدف هو دائماً، تقديم فيلم سينمائي متكامل لا يسعى إلى الترفيه فحسب بل إلى عملية التثقيف الفكري والجمالي معاً. وبين هذا النوع وذاك، توجد اتجاهات سينمائية أخرى منها ما هو تأليفي يسير في اتجاه التخييل الذاتي النخبوي، ومنها ما هو جماهيري يسعى لتحقيق متعة فرجوية بسيطة ترضي غالبية الناس وتمنحهم سينما في المتناول على مستوى التلقي العام. هذه الأنواع من السينما توجد في مختلف أنحاء العالم، وهي التي تمنح حتى للفعل السينمائي في حد ذاته ذلك الوهج الفني المتكامل، إذ بهذا التضاد والاختلاف بين هذه الأنواع يتحقق التقدم السينمائي وتنتعش القاعات السينمائية ويرضى الجمهور العاشق للسينما بمختلف فئاته.

في المغرب بدأ هذا الأمر يتحقق بشكل أكبر في السنوات الأخيرة إذ برزت اتجاهات سينمائية متعددة تتراوح بين اتجاه تأليفي شاعري لا يزال قليل الإنتاج يظهر بالخصوص في سينما جيلالي فرحاتي وحكيم بلعباس مثلاً، وآخر توفيقي يجمع بين الرغبة في خلق التميز والمحافظة على التوابل السينمائية التي تغري الجمهور من صراع درامي بسيط والاقتراب من مشاكل الحياة اليومية، ويتجلى هذا الاتجاه عند مخرجين مثل حكيم النوري وعبد الحي العراقي على سبيل المثال. وثمة إلى هذا وذاك، اتجاه آخر سينمائي همّه الفرجة ويعتمد على الكوميديا التي تجمع بين كل عناصر الإضحاك المعتمدة على خلق المفارقات البسيطة والقريبة من متناول الجمهور. وهذا الاتجاه هو الذي يحقق الآن نجاحاً جماهيرياً كبيراً سواء من حيث الحضور في القاعات السينمائية أو حتى في المهرجانات السينمائية التي يكون فيها وإن لم يحظ كما هي العادة بأي جوائز منها، وهذا الاتجاه يتجلى في مجموعة من الأفلام السينمائية المغربية التي راهنت على شباك التذاكر. ومن بين المخرجين السينمائيين الذين يمثلون هذا الاتجاه السينمائي في المغرب سعيد الناصري الذي منح لهذا الاتجاه السينمائي الجماهيري قوة الحضور ومده بالإشعاع وبالحضور القويين. فقد حققت الأفلام التي قدمها الناصري في هذا الصدد إقبالاً كبيراً. نذكر منها بالخصوص فيلم «البانضية» و «الخطاف». كما أن فيلمه الأخير «مروكي في باريس» (مغربي في باريس) استطاع تحقيق نجاح جماهيري كبير هو الآخر، على رغم أن معظم حواراته أتت باللغة الفرنسية كما أن نصف الممثلين المشاركين فيه أو أكثر هم ممثلون فرنسيون. وهو استطاع أن يخلق فرجة سينمائية متكاملة للجمهور العادي ويدفع به بالتالي إلى السعي لمشاهدته وهو يعرض في القاعات السينمائية المغربية. وهذا أمر مهم لا بد من الإقرار به مهما اختلفنا حول قيمة الفيلم من الناحية السينمائية المحضة سواء على مستوى الكتابة السينارية أو الكتابة الإخراجية على حد سواء، أمر جدير بالمتابعة الصحافية الإخبارية والتحليلية وبالمقاربة النقدية الفنية المتأنية أيضاً.

أموال الهجرة

لم يخرج هذا الفيلم الجديد لسعيد الناصري، عن السياق العام للأفلام السابقة التي قدمها المخرج نفسه، فهو يقدم للمشاهد قصة بسيطة من حيث بناء الموضوع العام الذي يتحدث عن شاب مغربي مهنته ميكانيكي لكنه لا يتوافر على محل للعمل المنتظم، ما دفع به للبحث عن السائقين الذين قد تتعثر بهم سياراتهم في الطريق. وذات يوم يحدث لأحد المهاجرين المغاربة الآتين من فرنسا أن تتعطل سيارته ولا يستطع تشغيلها من جديد إلى أن يحضر هذا الميكانيكي الشاب الذي يحمل اسم نجيب، في إشارة إلى نجابته الفطرية التي ستتجلى معالمها في أحداث الفيلم المتبقية. فما كان من هذا المهاجر المغربي إلا أن يشجعه على الذهاب إلى فرنسا حيث العمل متواجد هناك بكثرة وحيث في استطاعته أن يحصل على الكثير من المال. وهو ما سيفعله نجيب الذي سيهاجر بطريقة غير شرعية إلى فرنسا.

في مدينة باريس ستقع له أحداث عدة من رفض زوجة أخيه الفرنسية له، إلى وقوعه في يد عصابة المافيا، إلى محاولته الزواج بإحدى الفرنسيات بغية تسوية وضعيته من دون أن يتحقق له ذلك. وكما العادة دائماً في مثل هذا النوع من الأفلام السينمائية الكوميدية يتحقق في النهاية الانتصار للبطل على كل هذه المصاعب التي حلت به، ما عدا قدرته على البقاء في فرنسا حيث سيتم القبض عليه وإعادته لبلده لعدم توافره على أوراق الإقامة. لكن كل هذه الأحداث على مأساويتها تقدم هنا، في طابع فكاهي خفيف جعل الفيلم مقبولاً لدى الجمهور العادي ويقبل بالتالي عليه.

ولكن فـــي شكل أكثر جدية، تـــوجد فـــي الفيلـــم إشارات إلى التسامح الديني في المغرب، وإلى التـضـــامن العائلي وإلى التآلف وحسن الجوار بيــــن الجيران ومساعدتهم بعضهم بعضاً. وهي أمــور تكمــــل البنـاء الموضوعي العام لقصة الفيلم.

في اختصار يمكن القول إن هذا النوع من الأفلام السينمائية المغربية التي اتجهت صوب الكوميديا وحرصت على إرضاء الجمهور من خلالها وتقديم سينما في متناوله، يعيد طرح السؤال وبإلحاح على النقد السينمائي المغربي الذي يعرف الآن حضوراً قوياً في المشهد الثقافي المغربي العام. إذ بات يجد عليه أن يقدم تصوراً فكرياً حول هذا النوع السينمائي إن إيجاباً أو سلباً، لكن مع الحرص على الموضوعية في الطرح والقدرة على التحليل المنهجي المحكم. وهو أمر بدأت بعض تجلياته الإيجابية تظهر في بعض الدراسات النقدية المتعلقة بالمجال السينمائي لا سيما على يد مجموعة من النقاد المغاربة المتابعين بجدية لمختلف التحولات التي يعرفها المشهد السينمائي المغربي.

الحياة اللندنية في

31/08/2012

 

فيلم «ذابح» وعالم «أعمى»!

رام الله – بديعة زيدان 

يتسرب الحب أحياناً ليطل برأسه من مغارة في جبل بين أكوام الشوك والرعب. هذا ما حصل مع فاطمة التي أصرت على الزواج من حبيبها رياض خليفة، حين كان مطارداً، ومشروع شهادة... حكاية فلسطينية مؤلمة، تصلح لفيلم عالمي لفرط حساسيتها وإنسانيتها، وهو ما أثار حدس الإعلامي خالد الفقيه، ليقدم حكاية رياض وأمه وزوجته التي استشهد رياض الأب، بينما كان رياض الابن في أحشاء أم رياض الثانية (فاطمة).

جاء عرض فيلم «الحياة حب ومقاومة»، الذي انتزع دموع غالبية الحضور من مكانها لتتسربل على وجناتهم عنوة أو طواعية، مع أنه الفيلم الأول للفقيه، ليسرد، ومن داخل قاعة وزارة الإعلام الفلسطينية في مدينة رام الله، حكاية الشهيد خليفة ما بين الحب والمقاومة، بلسان والدته وزوجته، وكلاهما أم رياض. فبعد أن بدأ الفيلم بمشهد والدة الشهيد أمام قبره، تحدثت الأم عن حكاياته وصولاته وجولاته في مقارعة الاحتلال منذ كان يافعاً، حيث اعتقل عدة مرات أطولها 7 سنوات، في حين كان أبرز ما قام به تمكنه ورفاق له من الهرب من معتقل عوفر قرب رام الله، في الانتفاضة الثانية، بعد حفر نفق داخل السجن الإسرائيلي.

وما فاجأ الوالدة كما تقول، كان إصرار ابنها رياض على الزواج، فكان لقاؤها الأول مع فاطمة في «مسجد جمال عبد الناصر» بمدينة البيرة، بترتيب من رياض نفسه. في حين تحدثت فاطمة عن شعور داخلي جذبها إلى رياض، كـ «مجاهد وطني متدين، وعند لقائي فيه أحببت فيه روحه المرحة»، فلم يكن «جديّا زيادة». وما آلم الأم، أن حفل الزفاف تم في الصالة من دون حضور العريس، في حين خرجت العروس من بيت أهلها بالجلباب، لتلبس ثوب الزفاف لاحقاً، في «عرس سريّ»، وصفته الأم بالجنازة.

وأشارت فاطمة إلى أنها عاشت مع زوجها قبــــل استشهاده 70 يوماً، وكانت تلتقي وإياه في مغر وكهوف في جبال كفر نعمة، بلده، في حين كانـــت مغارة بعينها دخلتها مرة أخرى، المكان الذي شهد أكثر الأوقات التي جمعتهما. وكــــان الشهيد هيأ فيها زوايا للنوم، وللجلوس، ولحفظ الطعام، وغيرها. وكان آخر لقاء لهما فيها ليومين متواصلين، قبل يوم من استشهاده، ليعود ويوصيها مرة أخرى على ابنهما الذي فــــي أحشائها، والذي ولد بعد استشهاد أبيه، وأسمته رياض على اسم زوجها الشهيد. الأم بكت وهي تسرد الحكاية في الفيلم، وبكت كما الحضور، وهي تشاهد الفيلم، في حين أكدت فاطمـــــة في آخر مشهد في الفيلم، وهي تحضن رياض الابن، بأن الأيام لو عادت لتزوجت من ريــــــاض مرة أخرى من دون تردد، في حين تحـــــدث الابن عن حرصه على زيارة المغارة التي لطالما جمعت والده الشهيد بوالدته... رياض الابن الذي هو الأمل الذي تعيش عليه والدته وجدته، هو نتاج رحلة الحب والمقاومة.

قال الإعلامي خالد الفقيه، معد ومخرج الفيلم: «كانت البداية في عام 2003، حين قمت بتغطية جنازة الشهيد رياض خليفة، وفي ما بعد أعددت قصة تلفزيونية حول الشهيد وحكايته، وعلمنا أن زوجته التي مكثت معه سبعين يوماً، كانت حاملاً في من حمل اسم والده بعد استشهاده... قبل فترة التقيت برياض الابن، وشعرت بأهمية تسليط الضوء على هذه الحكاية الإنسانية... أعتذر لأم الشهيد رياض، ولزوجته، بأنني أعدت إليهما الكثير من الألم، الذي بالتأكيد لم يغادرهم. لكني لربما نبشت عنه دواخلهما خلال إعداد هذا الفيلم، عبر إعادتهما لسرد الحكايات، وزيارة الأماكن التي كانت تجمعهما برياض الشهيد... لكن القصة لم تنته بعد، فلا يزال رياض الابن برفقة والدته فاطمة، يتوجهان كل يوم تقريباً إلى الأماكن التي كانت تجمع والده الشهيد بوالدته في رحلة عمرها 70 يوماً، كان هو نتاجها... القصة لم تنته، ولم يكتب آخر فصل فيها بعد».

ووصف الأديب المتوكل طه، سفير فلسطين في ليبيا، ووكيل وزارة الإعلام الفلسطينية السابق، الفيلم بالذابح، متسائلاً، وهو غير قادر على منع دموعه من الانهمار: «كم رياض، وكم أم رياض، وكم فاطمة في تاريخنا الفلسطيني... حتى الفرح يذبحنا... لكن قوة الحياة في الفلسطيني أعلى، وهي العتبة التي سندخل بها إلى الحرية والخلاص، متحدثاً عن عظمة أمهات الشهداء، وأمهات الأسرى... «أمهات المنافي اللواتي حفرن فلسطين على الحيطان وعلى الرقاب شالات مضيئة، وفي الأطباق، وفي الزغاريد التي يفتتحن بها بيوت العزاء الممتدة منذ مئة عام».

وطالب طه المؤسسات الإعلامية والثقافية الرسمية وغير الرسمية، بالخروج بأفلام وتقارير وكتب عن الشهداء، والجرحى، والأسرى، والتراب الفلسطيني، لتوثيق «تاريخنا الوطني، وجرائم الصهيونية»، كي نصبّ هذا التاريخ لمصلحة الحلم الفلسطيني في عقول أبنائنا، وأحفادنا، صارخين: «فلسطين لا تستحق كل هذا الألم يا أيها العالم الأعمى».

الحياة اللندنية في

31/08/2012

 

«الطريق» لفدريكو فلليني:

الحب والحزن والموت خلف قناع المهرج

إبراهيم العريس 

لم يكن فيلم «الطريق» (لإسترادا) أول أفلام المخرج الايطالي الكبير فدريكو فلليني. كما انه لم يكن الفيلم الأول المنتمي الى ذلك التيار السينمائي المؤسّس الذي كان فلليني في ايطاليا أحد أساطينه وعرف دائماً باسم «الواقعية الجديدة الايطالية»... من دون ان يغرب عن بالنا هنا اننا اذا حكمنا على التيار المذكور من خلال فيلم «الطريق» في شكل خاص، ومن خلال سينما فلليني في شكل عام، سوف لن نجد فيه مقومات واقعية حقيقية، حتى ولو وجدنا فيه جدّة. وحقيقة الأمر ان الجدّة مضمونة في هذا الفيلم الذي نزل كالصدمة الايجابية وسط زمن التغيرات الكبرى الذي راحت تعيشه السينما الأوروبية بخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. ولم تكن السينما وحدها من يعيش تلك التغيرات. بل إنها شملت حياة الانسان ككل، في معنى انه قد يجوز القول ان الحداثة كل الحداثة في العالم، عيشاً وإبداعاً وسياسة ومجتمعاً، بدأت ما إن انجلت آخر ضربات مدافع تلك الحرب التي شرخت تاريخ الانسان قسمين: قسم بدأ منذ الأزمان الغابرة لينتهي مع بداية تلك الحرب، وقسم بدأ فور انتهائها معلناً ولادة الانسان الجديد، الانسان البسيط وقد وجد نفسه في خضم مسؤوليته المتجددة عن نفسه وعن مصيره وقد غابت الغشاوة عن عينيه وأدرك انه المسؤول بالتالي عن حياته ومصيره.

> انه لمن الصعوبة بمكان أن نقول ان «الطريق» كان هذا كله. ولكن هذا الفيلم كان، في الأحوال كافة، جزءاً من هذا: كان جزءاً من نظرة الانسان الجديدة الى الانسان. جزءاً من حداثة الأزمان المعاصرة، حتى وإن لم يكن فلليني قد قصد قول هذا كله حين انصرف الى تحقيق عمل أراده منذ البداية ان يكون ساحراً حنوناً عاطفياً صادقاً يقول إن الانسان مكوّن أيضاً من مشاعر خاصة به تميزه عن بقية الكائنات.

> وفي هذا الإطار جاء «الطريق» متفرّداً، في سينما فلليني نفسه، وكذلك في كل تيار الواقعية الجديدة الايطالية. وعلى الأقل بفضل القدر الهائل من حس الطفولة والبراءة الذي أسبغه المخرج على بطلة فيلمه جلسومينا (وقامت بالدور ببراعة استثنائية جولييتا ماسينا، زوجة فلليني في الحياة العامة، والتي ستلعب لاحقاً أدواراً كبيرة أخرى في أفلام ناجحة له). وجلسومينا هي في هذا الفيلم مثال الانسان البسيط، الذي قد لا يحرّكه عقل ومنطق، ولكن تحرّكه بالتأكيد مجموعة مشاعر استثنائية... وجلسومينا هذه تعيش خلال زمن الفيلم حكاية حب مدهشة مع تسامبانو (انطوني كوين في واحد من أجمل أدواره)، لاعب السيرك الفاشل والقاسي، الذي يصطحبها معه في جولاته بحثاً عن الرزق، من دون أن يتنبه أبداً الى تعلقها به، وكونها قد آلت على نفسها أن تعيش من أجله، وحتى من دون ان يتنبه احياناً الى وجودها نفسه. وانطلاقاً من هذه الحكاية، كان لا بد لهذا الفيلم من أن يبدأ على شكل عمل هزلي متحرك ومضحك، لينتهي نهاية ميلودرامية مدرة للدموع.

> تدور احداث الفيلم في مناطق ايطالية ريفية بائسة تقع على شاطئ البحر. وهذه المناطق هي ميدان تحرّك لاعب السيرك القوي العريض المنكبين تسامبانو (كوين)، العابس دائماً والشديد الوطأة على جلسومينا، البسيطة، المرأة/ الطفلة التي تجد نفسها في ركابه مرغمة بعدما باعتها أمها له لكي تكون رفيقة دربه و «مكسر عصاه»، يفرغ عليها غضبه وألمه كلما اسودّت الدنيا في وجهه. يتجوّل تسامبانو من قرية الى قرية ومن بلدة الى أخرى على متن دراجة نارية ذات مقعد جانبي تحولت الى ما يشبه عالم هذين الكائنين الغريبين ومأواهما... وتسامبانو لا يجد طوال ذلك التجوال كله، كلمة يقولها لجلسومينا. لكنها، هي، لا تشكو أمرها إليه ولا إلى أي أحد آخر. انها راضية بما قسم لها، تعيش حبها له وحزنها في داخلها، وتكاد تبدو دائماً باسمة رائقة المزاج - غالباً لئلا تتسبب له في أيّ إزعاج - وهي تشاركه تجواله وعروضه، من دون أن يسبغ كل الفرح الذي تنقله الى المتفرجين، أي فرح على حياتها الخاصة. وكان لا بد لليل جلسومينا ذاك من آخر. وهذا الآخر يأتي على صورة مهرّج يطلقون عليه اسم «ايل ماتو» (أي المجنون) يدخل عملهما وحياتهما ويبدأ - ضمنياً - بالتقرب من جلسومينا، التي من دون أن تصدّه تماماً، تفهمه في كل لحظة وثانية ان هواها في مكان آخر: في مكان ذلك الرفيق القاسي الذي لا يبادلها هذا الهوى. وإذ يزيد «الماتو» من حدة دعوته جلسومينا اليه، ومن تحريضها عليه، يستثار غضب تسامبانو وينتهي به الأمر الى توجيه الضرب الى «الماتو»، ما يكسر له وجهه. ثم في ثورة غضبه، يتخلّى عن جلسومينا، من دون أن يأبه بأن لا ذنب لها في ذلك كله، تاركاً إياها بائسة وحيدة مهجورة في عرض الطريق. وإذ تمر الأيام يتناهى الى سمع تسامبانو ذات يوم ان جلسومينا قد ماتت، فلا يكون منه إلا أن ينهار حزناً غارقاً في بكائه ودموعه عند الشاطئ وقد استبد به الندم.

> هذا هو، في اختصار، الموضوع الذي بنى عليه فدريكو فلليني فيلمه هذا... بيد أن سياق الفيلم يتجاوز في حقيقة الأمر، موضوعه تجاوزاً كبيراً، حتى وإن كان الفيلم يتماشى مع العوالم التي كان فلليني رسخها في أفلام سابقة له: عالم الاستعراض والناس البسطاء، والدراما التي تطلع صاخبة مؤلمة من داخل الفرح وجنون الحياة... كما في «أضواء عالم الاستعراض» (1953) الذي كان فلليني حققه قبل «الطريق» مباشرة... غير ان الأهم هنا هو عزلة الكائنات عن بعضها بعضاً كما صوّرها فنان شاعر يعرف كيف يتلمس طريقه وطريق شخصياته خلف أقنعة المهرجين، هو الذي كان يفخر بأنه مهرج المهرجين.

> في هذا الفيلم، إذاً، تتراءى أمامنا تأثيرات عالم السيرك والرسم الكاريكاتوري، كما يتجلى عالم الشرائط المصورة التي كانت تشكل جزءاً من انشغالات فلليني قبل خوضه فن السينما، ولا سيما حينما كان يمضي ساعات وساعات وهو ينسخ رسوم الشرائط الأميركية... فإذا أضفنا الى هذا كله انتماء فلليني، ولو الشكلي والمبكر، الى تيار «الواقعية الجديدة»، سيكون في امكاننا ان نموضع تماماً في مكان متفرّد وشاعري بامتياز، هذا الفيلم الساحر والسحري، الذي يكشف في اعتقادنا أكثر من أي فيلم آخر لفلليني، نظرة هذا الأخير الى العالم وانبهاره به، وكل ذلك وسط مناخ من المرح لا ينضب... إلا في النهاية على مذبح الدراما التي يقول لنا فلليني انها لا شك تشكل الخاتمة الطبيعية لكل فرح ولكل احتفال بالحياة. فهل نحن هنا أمام عالم من التشاؤم يرسمه فنان سوداوي؟ أبداً... كل ما في الأمر ان فلليني ينبهنا، يدق ناقوساً في وجهنا فحواه: لا تتركوا لحظة الفرح تمرّ الى جانبكم من دون أن تروها. لا تتركوا اللقاءات الطيّبة تعبر وأنتم ساهون عنها. رسالة؟ موعظة؟ بالأحرى فعل ايمان من فنان كبير ومن مهرج كبير ومن انسان كبير، كان يرى دائماً ان السعادة بحث مستحيل، لا نتنبه الى مروره بنا، إلا بعدما يكون قد انقضى واختفى... ولسان حاله ما قاله آراغون في إحدى قصائده: «الزمن الذي نتعلم فيه معنى الحياة... سيكون قد فات الأوان».

> وفدريكو فلليني (1922 - 1993)، كان واحداً من كبار فناني القرن العشرين الذين عرفوا كيف يلتقطون فن الحياة ويربطونه بالفن نفسه. وهو، في الحقيقة، لم يفعل سوى هذا طوال تلك الأعوام الخمسين - تقريباً - التي وسمت مساره الفني وكان فيها واحداً من كبار أعلام الفن السابع، ولا سيما بأفلام مثل «الحياة الحلوة» و«جولييتا الأرواح» و«ساتيريكون» و«روما» و«آماركورد» و«صوت القمر» وغيرها من أفلام كبيرة طبعت فن السينما خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وأضفت عليه نكهة شاعرية لا يمكن أحداً أن ينكر انها أثّرت في فن السينما وأثرته، ولا تزال تفعل حتى اليوم.

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

31/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)