حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

لا بأس!!

طارق الشناوي

June 30th, 2012 9:05 am

 

الجنة والنار من الممنوعات فى الدراما العربية لا يجوز أن يصل خيال المبدع إلى تلك المنطقة المحرمة رغم أننا قبل نحو 50 عامًا ومن خلال فيلم جرىء قدمه المخرج فطين عبد الوهاب وهو «طريد الفردوس» شاهدنا الجنة والنار، بل كان الفيلم أكثر جرأة ولدينا صوتا حارسى الجنة والنار بعد أن رفضا استقبال المتوفى الذى أدى دوره فريد شوقى. والقصة التى كتبها توفيق الحكيم، وشارك أيضا فى الحوار، لو أخضعناها للمقياس الدينى المباشر سوف نكتشف أنها تصدم مباشرة بثوابت الرقابة، وهو ما جعل مثلا التليفزيون المصرى يتردد فى عرض الفيلم، وإن كانت الفضائيات العربية كثيرا ما تضعه على خريطتها.

فيلم «حلم عزيز» قرر أن يسبح دراميًّا فى تلك المساحة التى تضعه خارج المقرر السينمائى، الشائع هناك مساحة من «الفانتازيا» تغلف الرؤية والمخرج عمرو عرفة حرص على استخدام الكمبيوتر جرافيك فى تنفيذ مشاهد الحياة الآخرة التى تجمع بين الشاب رجل الأعمال الملياردير أحمد عز، وشريف منير الذى أدى دور والده المتوفى. الكاتب نادر صلاح الدين يتحرك دراميًّا فى خطين متوازيين، الأول الواقع الذى نعيشه مع أحمد عز فى علاقته مع شقيقته رانيا منصور، وزوجته ميريت والمصنع الذى يملكه، والخط الآخر هو أحلامه التى يرى فيها والده ويعتقد أنه فى طريقه إليه بعد بضعة أيام، ونتابع هتلر، وموسولينى، وجولدا مائير، وموشى ديان، ومعمر القذافى وكتابه الأخضر، وهم فى النار، ووجدها المخرج فرصة لكى يقدم كل الإيفيهات التى ارتبطت بالقذافى مثل «من أنتم؟» و«جرذان» و«إلى الأمام»، والحمد لله أنه لم يقدم توك توك القذافى.

هل يحمل الفيلم رسالة أخلاقية يطلب فيها من الناس أن يعلنوا التوبة عن المعاصى لأن الموت يلاحقهم، حيث إننا نسرد حياة شاب عابس لا هم له سوى ملذاته، وينتهى الفيلم وقد ابتعد عن كل ما يغضب المولى عز وجل. لو حسبتها كذلك لكى تمنح الفيلم بعده الأخلاقى والدينى المباشر فلا بأس، ولكن المشكلة أن الفيلم نفسه كنسيج فنى تظلمه كثيرا لو كان هذا هو «ترمومتر» القياس، إذا حققها صار عملًا فنيًّا جيدًا يدعو إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق، وإذا فاتته تحول إلى الرداءة بعينها.. نظلم الفيلم كثيرًا لو أننا صنّفناه داخل هذا الإطار الصارم، ولكنه هو الذى ظلم نفسه فكانت تلك هى زاوية الرؤية التى حددها المخرج عمرو عرفة.

نجح المخرج فى تنفيذ مشاهد الجنة والنار، ولا يترك السيناريو تفاصيل عصرية إلا ويستدعيها دراميًّا، فهو يستعين بصوت معلق الكرة التونسى الشهير عصام الشوالى فى مباراة تجرى أحداثها فى العالم الآخر، ويشارك فيها كل ممثلى الفيلم.

ويبقى أن الشريط السينمائى أثقل نفسه بشخصية ابن خالة أحمد عز، وصديقه فى نفس الوقت الذى أدى دوره محمد إمام، فهو صديق البطل بالمعنى التقليدى للشخصية التى دأبت السينما على تقديمها طوال التاريخ، والمقصود بهذه الشخصية التخفيف من حدة الأحداث وخلق مناطق لزرع ضحكة بين الحين والآخر، إلا أن المحصلة العامة هى أن السيناريو ظل طوال زمن الفيلم يحاول أن يجد منفذًا له دون جدوى.

الفيلم حافظ على روحه الكوميدية، وهذا ما نجح فيه المخرج عمرو عرفة فى الجزء الخيالى وقدم وجهين جديدين، ميريت زوجة أحمد عز، ورانيا فى دور شقيقته، ونعتبرها بداية معقولة لكل منهما، ولكن كيف لم يدرك المخرج أن رانيا تحاول أن تحاكى فى الأداء الفنانة الكبيرة نيللى.. إنها تشبهها بقدر ما فى الملامح، ولم تكتف بهذا القدر بل تقمصت أيضا روحها فى الأداء.

شريف منير كان مسيطرًا على الدور بدرجة عالية من التألق، وكأن الشخصية الدرامية جاءت على موجته الإبداعية.. أحمد عز يتقدم خطوات إلى الجماهير كنجم شعبى وفتى أول «جان» لديه حس كوميدى. وصلاح عبد الله كان لافتًا فى مشاهده، بينما مى كساب فهى دائمًا مى كساب، مهما تعددت الشخصيات التى تؤديها.. محمد إمام يبدو كأنه لا يمكن أن يعيش فنيًّا خارج جلباب والده.

الفيلم يملك مساحة من الاختلاف مع السائد، ويسبح خارج المقرر بعيدًا عن المياه الدرامية التقليدية، ولكن كان بحاجة أيضًا إلى خيال موازٍ فى الخط الواقعى على مستوى السيناريو والرؤية الإخراجية.. إنه فيلم لا بأس به إذا شاهدته فلا بأس وإذا فاتتك رؤيته فلا بأس!

 

كُله على كُله

طارق الشناوي

June 29th, 2012 9:58 am

إنهم الآن مشغولون بالانتهاء من مسلسلات رمضان بعد أن ارتفع الرقم إلى أكثر من 60 مسلسلا. بعض الممثلين يشاركون فى 6 أعمال دفعة واحدة. هم ولا شك أقصد القسط الأكبر منهم حزين لهزيمة شفيق، ليس حبا فى بلوفر شفيق، ولا تصدقوا حكاية الدولة المدنية التى تشدقوا بها، وهم أول من يعرف كذبها، ولكن شفيق كان سيحقق لهم الحماية المادية التى كان يوفرها لهم المخلوع، فهو منهم وعليهم، ومن الواضح أنهم فى الزيارات الأخيرة إلى بيته التى سبقت إعلان النتائج بيومين فقط كانوا فى قمة السعادة والاطمئنان لوصوله إلى الكرسى، وكان باقيا فقط «ع الحلو دقة»!

هل تفرق معهم أن يعتلى الحكم د.مرسى؟ ولا تفرق لو اطمأنوا إلى أنه سيوفر لهم الحماية مثل مبارك، فلن يتقاعسوا عن تقديم كل فروض الولاء والطاعة.

البعض منهم بدأ فى تمهيد الطريق مع جماعة الإخوان، وكان أشرف عبد الغفور سباقًا فى إعلان المبايعة، وهو بالتأكيد لا يعبر عن نفسه، ولكنه نقيب الممثلين، وهكذا ذهب إلى المرشد فى بداية هذا العام فور أن وجد أن انتخابات مجلس الشعب أكدت أن التيار الدينى المحافظ أصبحت له الأغلبية فى مجلس النواب، وهو يريد أن يضمن موقعه فى ظل هذا التوجه الجديد. عندما انتقدوه قال إنه لا يعبر عن الفنانين، ولكن عن نفسه.. هل استقبله المرشد، لأنه الممثل أم لأنه النقيب؟!

أشرف عبد الغفور يعرف بالتأكيد أنه تفتح أمامه الأبواب حاليا لأنه النقيب، كما أنه رشح أكثر من مرة للجنة المئة لصياغة الدستور لأنه النقيب، كما أن الإعلام يحتفى به الآن ويتابع أخباره بحفاوة لأنه النقيب، ومؤخرا قال النقيب فى أحد تصريحاته «هذا ليس وقت الفن، ولكن إعادة البناء أولا». نقيب الفنانين يرى أن الفن مجرد عبث وعندما نكون فى وقت الجد ينبغى أن توقف كل الفنون نشاطها!

أما نقيب الموسيقيين فهو متهم من قِبل أعضاء مجلس إدارة النقابة بأنه أهدر أموالا عامة، وأنه ديكتاتور، ولهذا عزلوه من منصبه. الرجل منذ أن اعتلى كرسى النقيب وهو يشعر أن الفرصة جاءته لكى يعوض كل سنوات الغياب التى عاشها، حيث كان خارج الأجندة الفنية والإعلامية، وفجأة وجد مَن يجرى معه حوارا، ومَن يضع له أغنية فى برنامج، ومَن يرشحه لبطولة مسلسل، وكل ذلك استنادا إلى أنه يملك منصبا مرموقا فلم يصدق نفسه.

نقابتان تعانيان. واحدة من نقيب لا يدرك قيمة الفن، والثانية من نقيب لا تراه إلا وهو متوعد لزملائه بفضحهم وكشف تزويرهم. هؤلاء المشغولون دوما بالدفاع عن أنفسهم لن يعنيهم فى كثير أو قليل ضرب حرية التعبير أو الاتجاه إلى اتخاذ معيار إسلامى فى تقييم العمل الفنى مثل تلك المقولة الشهيرة «حلاله حلال وحرامه حرام»، أى أنها تلغى تماما العملية الفنية، فما الحلال مثلا عندما تقدم شخصية منحرف وفاسد؟ أليس هذا هو الحرام بعينه طبقا للمعيار الدينى؟!

هل الفنانون المتخمون بالأعمال الدرامية والمسلسلات والبرامج الفضائية تشغلهم حرية التعبير؟! لو عدت إلى الأرشيف ستجد أن عددا كبيرا منهم ما كان يطالب الرقابة بالتدخل بضرورة وضع ضوابط، وعندما يبدأ الفنان فى مرحلة الأفول وتقل مساحات الطلب فإنه يعزى ذلك عادة إلى تفشى العرى والإسفاف، بينما التيار الإسلامى لا يقول سوى أنه سيقضى على تلك الأعشاب الضارة.

الفنانون لن يواجهوا وهم يشعلونها حربا فى ما بينهم. الناس أيضا على الجانب الآخر ترى أن قضية رغيف الخبز الأكثر إلحاحًا.

بعضهم استمع إليهم وهم يؤكدون أنه حتى يوم 28 فبراير 2011 كانت الثورة نقية بعد ذلك قفز فوقها الإخوان وكان ينبغى للثوار أن يعودوا فى ذلك اليوم إلى بيوتهم، أى أنهم فى أعماقهم كانوا يريدون التضحية بالثورة خوفا من «فوبيا» الإخوان. لا أعتقد أن الوسطين الفنى والثقافى يملك أى منهما أسلحة فى يده للمقاومة، ولكنهم مخترقون ومنهكون ولم يتعودوا طوال تاريخهم سوى على الاستفادة من الحاكم. تأييد الثورة كان مرحلة أعقبها تأييدهم لشفيق مرحلة ثانية حاليا ليس لديهم مانع فى الدخول للمرحلة الثالثة وتأييد مرسى.. رمضان على الأبواب والمسلسلات والبرامج على ودنه.. وكُله على كُله.. وسلم لى على حرية الإبداع!

 

شادى يهتف: يسقط حكم العسكر

طارق الشناوي

June 25th, 2012 10:12 am

وأنت تقرأ هذه الكلمة ستكون مصر قد تحدد موقفها النهائى بين مرسى وشفيق، وكلنا نأمل أن نعيش الحياة الطبيعية فى ربوع مصر لتأكيد حرص الشارع على استكمال أهداف الثورة، ومن ملامح ذلك أن تعود لمصر عافيتها الثقافية.

كثير من اللمحات المضيئة شاهدتها فى ليلة افتتاح مهرجان الإسماعيلية مساء أول أمس، منها تكريم الفنان المبدع صلاح مرعى.. صحيح أن عطاء صلاح فى السينما الروائية يستحق الحفاوة والتقدير، والرجل رحل فى أعقاب ثورة 25 يناير، وفى تلك الأثناء كان من المستحيل أن يتوقف الناس ليسألوا عن القيمة الإبداعية التى حققها، فلم ينَل ما يستحقه، لا فى حياته ولا بعد رحيله، ومهرجان الإسماعيلية حاول أن يقدم ولو جزءا صغيرا من العرفان لهذا الفنان الكبير.

اللمحة الأخرى هى شادى عبد السلام، الفنان الاستثنائى فى تاريخ السينما المصرية، حيث إن صديقه المخرج مجدى عبد الرحمن اكتشف ثلاثة مشروعات أفلام لم يكملها شادى، صوّر مشاهد أول فيلمين ولكنه لم يبدأ فى مرحلة الصياغة الإبداعية لها، والتى تساوى العمل الفنى، خصوصا الفنان التسجيلى الذى تلتقط عينه كثيرا، وبعد ذلك يضع مشاعره على الشريط السينمائى.. الجانب المضىء هو أن مجدى قد وثّق هذه المادة الخام فى الأفلام الثلاثة «الحصن» و«الدندراوية» و«مأساة البيت الكبير»، أطلق على هذه الثلاثية اسم «الطريق إلى الله».. الأعمال لم تكتمل، ولكنها تنضح بروح شادى بتفاصيل موحية تلمح فيها عين شادى التى تستطيع أن تلمسها مكتملة فى أفلام مثل «المومياء» و«الفلاح الفصيح» و«جيوش الشمس» و«آفاق»، وبالمناسبة، أول فيلمين احتفى بهما مهرجان «كان» قبل عامين، وقدم المخرج العالمى مارتن سكورسيزى فى إطار ذلك، كلمة فى بداية تلك الاحتفالية، قال فيها إن شادى يبث فى الشريط السينمائى إحساسه الخاص كأنه ينحت لغة سينمائية مصرية متفردة على خريطة السينما العالمية.

شادى هو أيقونة السينما، والزمن يؤكد أنه العنوان الأبرز حاليا فى العالم للدلالة على السينما المصرية.. التوثيق الذى قام به مجدى عبد الرحمن يستحق التحية، ولكنه كان ينبغى أن يؤكد للجمهور أنه لم يقدم فيلما، نحن أمام مشاهد مصورة لم تصل بعد إلى فيلم متكامل.. كان شادى سيعتبرها بالتأكيد مجرد مادة خام ويعيد المونتاج ويضع الموسيقى، وربما يعيد النظر مرة أخرى فى التتابع، وكما أنهما ليسا فيلمين لشادى، فلا يمكن أن تعتبرهما أيضا فيلمين لمجدى، ولكنْ هو جهد توثيقى يستحقّ التحية أعاد لنا من خلاله روح العبقرى شادى.. ويبقى الفيلم الثالث «مأساة البيت الكبير» الذى يستند فيه إلى ما يرويه أنسى أبو سيف صديق شادى وصلاح مرعى عن سيناريو فيلم «إخناتون» الذى لم يكتمل.. أنسى هو فنان الديكور الذى كان واحدا من ثلاثة عشقوا فن الصورة.

أتذكر أنه منذ عشرة أعوام تَردَّد بقوة أن وزارة الثقافة سوف تنتج هذا الفيلم، تم ترشيح صلاح مرعى الصديق القريب لشادى لتنفيذ المشروع، خصوصا أنه شاركه منذ البذرة الأولى. كان شادى قد كتب ورسم ديكوباج الفيلم، وهى المرحلة التى تسبق التصوير مباشرة، ورغم ذلك قال صلاح مرعى إن شادى كان سيضيف روحه فى أثناء التنفيذ، واعتذر لعدم استكمال «إخناتون».

وهكذا تنازعنى موقفان متعارضان: سعادتى بالاكتشاف، وفى نفس الوقت إحساسى أن هذه الأفلام ليس من الأمانة التاريخية أن تُنسَب إلى شادى، ولا أن نطلق عليها حتى أفلاما!

ويبقى حفل الافتتاح، مثلا الاستعراض الذى استهل به الحفل غلبت عليه العشوائية.. كما أن كلمتى وزير الثقافة محمد صابر عرب ورئيس المهرجان مجدى أحمد على، طالتا أكثر مما ينبغى حيث تنافس كل منهما على خشبة المسرح، بينما كان مدير المهرجان أمير العمرى مكثفا ومباشرا فى تقديم لجنتَى التحكيم دون إهدار للزمن.. فلا وقت للخطابة!

ما أشبه الليلة بالبارحة، حتى لو كانت البارحة تعود إلى آلاف السنين، واكتشفت أن حور محب الرجل العسكرى فى فيلم «مأساة البيت الكبير» أرادها هو أيضا عسكرية.. قدم شادى لقطة فى نهاية الفيلم للفلاح المصرى مستسلما لحكم حور محب، ولكن المصرى الآن لم يعد سلبيا، هتف قطاع عريض من المصريين ولا يزالون: «يسقط يسقط حكم العسكر»!

 

ANTICLIMAX

طارق الشناوي

June 22nd, 2012 9:49 am

غدا فى الصباح من المنتظر أن يعلن اسم رئيس الجمهورية، وغدا فى المساء من المنتظر أن يفتتح مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية فى دورة تحمل الكثير من أوجه التحدى.. ولكن هل حقا وأنا بالإسماعيلية سأكون بالفعل بالإسماعيلية؟ ما يجرى الآن يجعلنا جميعا حتى ونحن فى دار عرض سينمائى جزءا من مشاعرنا وأفكارنا تُطل خارج الشريط السينمائى.. لا يمكن أن ننعزل عن مصير مصر الذى يتحدد ربما غدا كما ذكرت العديد من الأخبار سواء جاء مرسى أو شفيق، علينا أن نواصل الحياة بطبيعية، أحاول ذلك فأنا أكتب عن الفن والثقافة، تلك هى الدائرة التى أتحرك فيها على مدى ثلاثة عقود من الزمان، ولكنى اكتشفت رغما عنى أن القلم فى أحيان كثيرة أو قل فى القسط الأكبر منذ ثورة 25 يناير يتوجه إلى حياتنا السياسية.

تعودت أن أكون صادقا دائما مع مشاعرى، فلا أكتب فى قضية فنية أو عن فيلم لمجرد أن القارئ ينتظر ذلك، ولكن أكتب عما يحركنى، والحقيقة أن هناك جهدا كبيرا بذله المخرج مجدى أحمد على رئيس مهرجان الإسماعيلية والناقد أمير العمرى المدير الفنى، وأتمنى بالفعل فى ظل هذه الظروف المتوترة سياسيا وأمنيا أن يتمكن المهرجان من عبور تلك الحالة من الاستنفار.. المهرجان أرسل دعوات لـ300 ضيف، وهناك مبدعون وإعلاميون من مختلف دول العالم، المفروض أنهم إما قد وصلوا وإما فى طريقهم.

ومن خلال متابعتى للأفلام المرشحة للعرض والتى سبق لى رؤية عدد منها أقول إنها بالفعل وجبة جديرة بالمتابعة أحيانا الرؤية الثانية للعمل الفنى تمنحك زاوية أفضل.

إلا أن كل ذلك مرتبط بأن تعود الحياة فى مصر إلى حالة طبيعية، كيف يحدث ذلك ورئيس مصر القادم لا يزال فى علم الغيب.. كنا جميعا نعرف أن رئيس الجمهورية سوف يتم تعميده أمس، وكل منا حدد موقفه فى التعامل مع الموقف، التعامل مع الموقف يختلف تماما عن الرضا، ولكن مهما كان موقعك ومهما كان موقفك، فإن هناك حقيقة الدولة العميقة التى لا نشاهد على السطح منها سوى المجلس العسكرى وضعت الخطة التى تضمن بقاء الحكم العسكرى للسنوات القادمة.

ربما يعتقد البعض أن إقامة مهرجان سينمائى للأفلام التسجيلية نشاط ترفيهى من الممكن الاستغناء عنه فى ظل استمرار المطالبة بتحقيق أهداف الثورة، رغم أن أحد معالم صحة البلد اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وأمنيا هو قدرتها على معاودة أنشطتها.

من المظاهر الجيدة فى الأسابيع الأخيرة أن الأفلام حققت فى شباك التذاكر أرقاما ضخمة رغم تباين مستواها والجمهور ومن المشاهد المألوفة -لأن السينما التى أتردد عليها بجوارها جامع- أن بعض رواد السينما يخرجون من باب السينما الثالثة صباحا إلى الجامع لأداء صلاة الفجر. هذه هى مصر الوسطية التى لا تعرف تعارضا بين الفن والدين.

الناس تترقب اسم الفائز بالرئاسة لتعيش حياتها، ولكن المجلس العسكرى يصر على استمرار مرحلة ما بعد الذروة، وهو ما يطلق عليه دراميا «أنتى كلايمكس»anticlimax وهى فترة ميتة، إلا أنهم على أرض الواقع يزيدون مشاعر الترقب بين المصريين.. انقسم الشعب بين مرسى وشفيق، وعلينا أن ندرك أن الفارق الضئيل جدا بين المرشحين المفروض أن يصب لصالح فكرة التعايش، لأن الصدام فى هذه الحالة مدمر للجانبين!

«العسكرى» يتحسب لغضب التيار الإسلامى لو لم تظهر النتيجة لصالحه أراها معادلة خاطئة، لأن أكثر من نصف أصوات مرسى جاء من الثوار وليس الإخوان الثوار الذين صوتوا لمرسى يحركهم كراهية شفيق، وما يمثله والعكس كراهية مرسى، وما يمثله هى التى دفعت أكثر من نصف أصوات شفيق للتصويت له.. القوة التى تعبر عن الحب لا تتجاوز 5 ملايين لكل منهما من يحصل على زيادة تصل إلى 8 ملايين هى تعبير عن الكراهة، وتلك هى المشكلة أن الصراع القادم بين من يكره شفيق ضد من يكره مرسى!

إنه صراع الكراهية.. علينا على المقابل أن نواصل حياتنا الطبيعية، ربما يفكر ضيف أجنبى فى الاعتذار عن مهرجان الإسماعيلية، ولكن المصرى عليه أن يحرص على الحضور حتى وأنت تشاهد الفيلم فى الإسماعيلية، فإن جزءا منك لا شعوريا يعيش فى ميدان التحرير!

 

«عمر» و«فاتن» والخوف

طارق الشناوي

June 12th, 2012 10:08 am

صدفة أن تقرأ لكل من عمر الشريف وفاتن حمامة فى نفس الوقت رأيين عن مصر التى تترقب رئيسها القادم، وكالعادة فاتن لا تعلن رأيها الصريح، ولكن كل ما تشير إليه عن مواصفات الرئيس يشير إلى أنها ستمنح صوتها لشفيق الذى يستشعر الوسط الفنى والثقافى أنه نصير الحرية رغم أن الحقيقة ليست كذلك على الإطلاق.

عمر، كالعادة هو الأكثر صراحة ومباشرة، ولهذا تعلن إيناس بكر مديرة أعماله، أنه لن يعود إلى مصر فى حالة فوز المرشح الإسلامى محمد مرسى، وعلينا أن لا نعتبر هذا الأمر مجرد فنان يخشى على نفسه من أن تطوله اتهامات الجماعات الإسلامية.

عمر لا يعبر فقط عن عمر، ولكن عشرات من المثقفين والمبدعين كانوا يرددون ذلك حتى فى أثناء حكم مبارك، وكثيرًا ما استند بقاء مبارك فى السلطة إلى فزاعة الإخوان ليصبح الإبداع مرهونًا ببقائه فى السلطة.

خطاب الإخوان بعد الثورة غير مطمئن، فهو يزيد المخاوف، وأهم من ذلك الممارسات التى وجدناهم يبيعون فيها الثورة فى لحظات وينبغى أن نلاحظ أن عبد المنعم أبو الفتوح المعبر عن الوجه المعتدل للإسلام لم يحصل سوى على المركز الرابع فقط فى انتخابات الرئاسة، لأن الناس لم يصدقوا الإسلاميين حتى عندما يبدون التسامح والسماحة.

سبق وأن قلت إذا كان الإخوان لا يمكن أن تنتعش الحرية تحت سقفهم فإن شفيق الذى يدّعى كذبًا أنه يمثل الدولة المدنية لا يمكن أن تعتبره مدنيًّا لا هو ولا دولته، بل هى دولة عسكرية بمذاق بوليسى.. لن يسمح شفيق إلا بالانتقام من الثورة والثوار، تلك هى قضيته الأولى، وتستطيع أن ترى أن الوجه الآخر لها هو أن تتم تبرئة مبارك ورجاله من كل الاتهامات وكل الخلايا النائمة التى ابتعدت الآن عن الصورة تتحين تلك الفرصة للعودة تحت حماية شفيق وعدد ممن يعتلون المنافذ الإعلامية بدؤوا فى إعلان ولائهم لشفيق حتى يعيد إليهم كرامتهم المهنية الضائعة.. تستطيع أن ترى الفرحة تطل من عيونهم ولسان حالهم يقول باقى ع الحلو دقة.

شفيق سيعود وهو يحمل بداخله رغبة عارمة لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 25 يناير، وأول ما سيضع قبضته عليه هو الرقابة ويستطيع ببساطة أن يحمى سكان طرة من أن يطولهم أى انتقاد، بل إنه من الممكن أن يحيلهم دراميًّا إلى ضحايا، والمأزق أن البديل الإسلامى يعتقد أن الإسلام هو اللحية والحجاب والنقاب والجلباب وأنه ينتعش مع إغلاق كل منافذ التعبير.

عندما تذهب إلى دار الأوبرا تكتشف أن الخوف يسكن الجميع ويردد الناس: هذا هو العرض الأخير فهل من الممكن أن نشاهد ضمن عروض الأوبرا «باليه إسلامى»؟.. التيار المتزمت يحدد مثلًا الشروط السبعة للعمل الفنى أو مقولة حلاله حلال وحرامه حرام أو شعار الفن الهادف، وكلها وجوه لتعبير واحد لا يتغير، وهو أنهم يريدون أن يُخضعوا الفن لرقابة دينية صارمة، ولهذا فلم يكن عمر الشريف هو فقط الذى قال إنه لن يبقى فى مصر لو اعتلى الإخوان كرسى الرئاسة، ولكن عمار الشريعى قال قبل عدة أشهر إنه يقرأ الفاتحة على روح الفن.. من حق المبدع أن يخاف على نفسه وفنه ولكن الدفاع عن الحرية يصطدم بحاجز وهو الناس، ما الذى يريده الناس من الفن؟ التجربة أثبتت أن الناس كانت تعترض على أعمال فنية توافق عليها الرقابة أى أن الناس مهيّأة لممارسة قيود على الفن أحيانًا أكثر من الدولة، ولهذا ينبغى أن يكتسب المبدعون إلى صفهم الجمهور الذى يرى أن الفن مجرد عُرى وجنس وكثيرًا ما يطالب الرقابة بالتدخل.. هذه هى المعركة الحقيقية، أن يستميلوا إلى صفهم رجل الشارع ليصبح هو المدافع عن الفن.

والحقيقة أن الفنانين يلتبس لدى عدد منهم مفهوم الحرية، ويعتقد بعضهم أن مشهدًا جنسيًّا أو تعاطى مخدرات هو الحرية، ورغم أننى أرفض تدخل مقص الرقيب فى العمل الفنى وأرى تعنتا فى قراءة الأعمال الفنية من قِبل هؤلاء المتزمتين، فإنه لا يمكن أن تصبح الحرية هى هذه المشاهد.. إلا أن التيار الإسلامى على المقابل لم يقدم شيئّا سوى مزيد من الخوف فى النفوس، وهكذا يصبح الحل المتاح هو تذكرة سفر بلا عودة!

التحرير المصرية في

12/06/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)