حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"هل تضاجع عربياً؟" تسأل يولاند زوبرمان

"الفراش ليس الحلّ" يردّ سليم نصيب

هوفيك حبشيان ـــ ايطاليا

 

الحكاية بسيطة: مخرجة فرنسية اسمها يولاند زوبرمان تحمل الكاميرا وتذهب لاستجواب الفلسطينيين والاسرائيليين حول مسألة واحدة: الجنس. انطلاقاً من رغبتها الانخراط في الميدان، تطرح زوبرمان سؤالاً فجاً، حتماً لا يبدو أساسياً لحلّ النزاع التاريخي بين القامع والمقموع، لكن يشي ببعض الأسرار ويفضح ما تحبسه القلوب المليانة، كرهاً وعتباً. سرعان ما يتحول "هل تضاجع عربياً؟" (85 د.)، عنواناً بسيطاً لفيلم وثائقي ("البندقية" 2011)، يغوص في واحد من أطوال الصراعات في المنطقة، وهذا كله من باب الطرافة البناءة، وعبر مداواة الأمراض من خلال الصدمة وتفكيك المكبوتات الواعية واللاواعية. شارك في كتابة النصّ، شريك زوبرمان في الحياة الكاتب والصحافي اللبناني سليم نصيب، صاحب رواية "أمّ". التقيتهما في مهرجان البندقية الأخير حول مادة دسمة للنقاش، محاولاً دائماً حصر السجال في اطاره السينمائي الصرف.

تتحدثين عن الصراع العربي - الاسرائيلي من خلال الجنس. لا بأس بها كفكرة...

- يولاند زوبرمان: في الواقع، ما حملني اليه هو حكاية لبنانية. سليم ألّف كتاباً اسمه "العشيق الفلسطيني" ("دار نوفل"، بيروت) يتناول ما وُصف بقصة غرام بين غولدا مائير في صباها وعاشق الخيول ألبر فرعون، الفلسطيني اللبناني. نُقلت الحكاية على لسان عائلة عريقة، وهي حكاية كان من المستحيل ان تحصل في مكان كإسرائيل. وعندما باشرنا العمل على سيناريو استناداً الى الكتاب، فإن مسألة الرغبة غير المتبادلة بين طرف وآخر، لم تثر اهتمامي وفضولي فحسب، بل اشعرتني بالحاجة الى أن أكون مطلعة على أمور كثيرة كي استطيع الاستمرار في التأليف. اذاً، دخلنا في مشروع الفيلم كبحث أو دراسة لنقل "العشيق الفلسطيني" الى الشاشة. بدأ الفيلم يفرض وجوده. هذا الفيلم أتاح لي أن انقّب عميقاً في مجتمع ينطوي على خصوصية، أعني به المجتمع العربي - الاسرائيلي. اكتشفته حين عملتُ على أول فيلم روائي طويل كان انجزه عاموس غيتاي. كان هذا أول فيلم أعمل عليه وكنت مسؤولة عن التنسيق بين الفريق الفرنسي والفريق الاسرائيلي والفريق الفلسطيني. فجأة، وجدتُ نفسي أمام مجتمع هويته مزدوجة: عربي واسرائيلي. تجربة استكشاف الآخر، وإن تكن صورة هذا الآخر مسلوبة أو مشوهة، ولّدت فيَّ حاجات اضافية.

السؤال الذي تحول عنواناً للفيلم، يبدو عادياً للوهلة الأولى، ولا نعرف ما الذي تريدين منه؟ لكن، سرعان ما يتحول السؤال همّاً...

- ي. ز.: كنا ننظر الى الفيلم كتجربة معيشة. كنا متحمسين لرؤية الشيء الذي سيجلبه الواقع الينا. من جانب، كان لدينا سؤال: هل تضاجع عربياً؟ ومن جانب آخر: هل تضاجع يهودياً اسرائيلياً؟

كان من الممكن اعتماد عنوان "هل تضاجع يهودياً اسرائيلياً"؟... في النهاية، لماذا اخترتِ العنوان الذي اخترته؟ هل لمساندة الفيلم بالمزيد من الجاذبية والاثارة؟

- ي. ز.: لا، بل لأن العنوان النهائي كان معناه أقوى.

- سليم نصيب: تكلمت يولاند عن الرغبة غير المتبادلة، وهذا شيء طبيعي بين جماعتين متناحرتين، بحيث ان كلاًّ منهما "يقاوم" الاستسلام للآخر. لكن ما ادركناه ونحن نعمل على هذا المشروع، انه بالنسبة الى الاسرائيليين اليهود، كان هناك تابو اضافي يُضاف الى مجموعة التابوات، وهو ان هؤلاء جاؤوا الى هذه الأرض ليؤسسوا عليها دولة دينية تعتنق اليهودية ديناً رسمياً. لذا، أن يكون للشخص عشيق فلسطيني، فهذا من الأمور غير المقبولة. هذه التابوات مستمرة الى اليوم، لذا، الحلّ الافضل للاطلاع وفهم السؤال، كان أن نطرحه طرحاً مباشراً.

في المقابل، الحديث عن الجنس عند العرب أكثر اشكالية من الحديث عنه مع الآخرين...

- ي. ز.: المسألة ليست بذلك التعقيد مع العرب الاسرائيليين. في نهاية الفيلم، عندما يقول الديجاي سامي، وهو في وسط حفلة لواط فلسطينية، انه هو ورفاقه يحدثون ثورة جنسية على طريقتهم الخاصة، وجدتُ كلامه مثيراً. في هذا الفيلم، لم نطمح الى تأكيد أي نظرية، كل ما اردناه ان نعلم الى أين يمكن ان تقودنا تجربة مماثلة. كنا مدركين طبعاً للخطورة التي قد تشكلها عملية تكرار السؤال الى ما لا نهاية. لم نكن نعرف جيداً ما هو مخططنا التوجيهي.

- س. ن.: خصوصاً اننا لم نكن نعرف الجواب عن السؤال. كوني مسيّساً أكثر من يولاند، قلتُ في نفسي: المشكلة ستبقى على ما هي عليه؛ لن نغير شيئاً في الواقع. الفراش لن يحل المشكلة. لذا، كان عندي تحفز في البداية، وكنتُ شبه متأكد من أننا لن نذهب بعيداً في طرحنا. بيد اني أدركتُ، شيئاً فشيئاً، ان ما يمنح المشروع أهمية، هو الاّ نسأل عن رأيهم في الصراع العربي ـــ الاسرائيلي. لكل طرف رأي في الآخر، وفي الوقت نفسه يعرف رأي الآخر به. هذا شيء مسلّم به. أما اذا سألت: هل تضاجع عربياً أو اسرائيلياً، فهنا تلمس منطقة أخرى من العقل.

ما لفتني ايضاَ هو التبدل الذي يحصل في مواقف بعضهم، بحيث انهم ينتقلون من الرفض المطلق الى التنازل أو القبول...

- س. ن.: لهذا السبب، كنا نريدهم أن يفكروا في مسألة الرغبة. كيف تأتينا الرغبة ولماذا؟ مجرد طرح هذا السؤال، كان يعطل يقينهم ومسلّماتهم. لذا، كنا نراهم يكتشفون أشياء يجهلونها عن أنفسهم وسلوكهم.

- ي. ز.: هناك حتى اعادة قراءة للكتاب المقدس في هذا الفيلم.

بأي معنى؟

- ي. ز.: ألم يكن النبي ابرهيم أول يهودي يتزوج عربية؟ [توضيح من المحرر: تقصد هاجر، زوجة النبي ابرهيم الثانية، أمّ اسماعيل واسحاق].

مممممم! ولكن، لماذا ربط الجنس بعالم الليل، بنواديه وناسه الذين يشربون ويتمايلون على أنغام الموسيقى؟

- ي. ز.: أؤمن بالرقص كثيراً. شخصياً، عندما انجح في الرقص مع منتج فيلمي، اعلم ان الحال ستكون على ما يرام بيننا (ضحك). أؤمن بالرقص أكثر مما أؤمن بالعلاقات السياسية. ثم، لم أكن اريد أن اطرح سؤالي على أشخاص عندهم شهية للاستفزاز، كأشخاص متزوجين أو متدينين، بل كنتُ اريد اناساً متصالحين مع فكرة الرغبة ويخرجون مساء، وهم متوافرون للآخر. كنتُ أريد هذا الهامش الضبابي، لأرى اذا كانوا مستعدين لقبول الآخر في هامشهم هذا. واعتقد ان الذين استجوبتهم تعرّوا كثيراً قبالة الكاميرا.

- س. ن.: أتاح الفيلم نقاشات حادة بين مؤيد للفكرة ومعارض لها. في السجال بين الفتاتين مثلاً، تحاول الاولى اقناع الثانية بأن الحبّ والعلاقات العاطفية يتجاوزان الانتماء. البعض تغيَّر جوابه ايجاباً ما بين اللحظة التي التقيناه فيها للمرة الاولى وصورناه، واللحظة التي اعدنا تصويره مرة ثانية. وهذا يشمل الاشخاص الذين لديهم مواقف سياسية ثابتة يتشبثون بها. فجأة، يبوحون بما في دواخلهم، وإن يكن هناك القليل من حالات كهذه، لأن الجماعتين منفصلتان تماماً. هذا مكان لا ترتفع فيه الحواجز كما في الأراضي المحتلة، هنا ثمة تعايش يومي واحتكاك.

- ي. ز.: دعني أقول هذا: من أفلام ايليا سليمان فهمتُ شيئاً وحيداً: الفلسطينيون أبطال الجيرة. يعرف الفلسطيني كيف يكون جاراً. يبعثون الحلوى بعضهم الى بعض، حتى عندما يتبادلون الشتائم. لذا، كنتُ اجد ان من الغريب أن يكون أبطال الجيرة يعانون هذا القدر من المشكلات مع جيرانهم.

كيف التقيتِ الشخصيات؟

- ي. ز.: البعض منهم نعرفهم منذ زمن طويل. هناك ثقة بيننا...

هل كان هناك الكثير من الـmise en scène في الفيلم؟ مشهد الشاب على الدراجة مثلاً.

- ي. ز.: لم يكن هناك تلاعب، لكن كان هناك اتفاق مسبق على عدد من المشاهد. هناك لقطة لم اضمها الى الفيلم، لبهلوان يمشي على الحبل، وحين طرحت عليه السؤال، كاد يسقط أرضاً (ضحك).

التصوير يقترب أحياناً من عمل الهواة في نسيجه البصري. هل كان هذا مقصوداً؟

- ي. ز.: صوّرناه بكاميرا صغيرة، وهذا أتاح لي أن أكون حرة وخلاّقة على الصعيد الفني. أعشق هذه الآلات الصغيرة والسهلة الاستعمال التي تشرّع لك باب العالم وباب السينما.

ما المشهد الذي أثّر فيكِ أكثر من مشاهد أخرى؟

- ي. ز.: مشهد حنين، الفتاة المعوقة، أثّر فيّ كثيراً. احبّ ابرهيم كثيراً، وهو يقول "لا طرف يقبل بي، وأنا اصلاً لا اقبل بأيٍّ من الطرفين".

- س. ن.: هناك عند ابرهيم ما نستطيع تسميته بالعقدة تجاه الذات، كونه عربياً واسرائيلياً في آن واحد. من المستحيل أن يكون المرء عربياً واسرائيلياً في الحين نفسه. انه لمنفى وجداني خطير يعاني منه هؤلاء، كونهم ليسوا منفيين مثل الآخرين: انهم هنا وليسوا هنا في الوقت ذاته. وهذا ما يدفعهم الى الاختفاء.

- ي. ز.: في نهاية الفيلم، عندما نرى الكلّ يرقص مع الكلّ، نكتشف ابتسامات مشرقة وصدقاً على وجوه الناس. انها السعادة. قبل سنوات، عندما صوُّرتُ فيلماً لي في افريقيا [توضيح من المحرر: انه "أناس مصنفون" ــ 1988]، عن قصة حبّ بين اثنين، قلتُ لنفسي اذا كان هذا الحبّ لن يسقط نظام الابارتايد، فلا شيء سيسقطه. وأنا مؤمنة بهذا كله. أؤمن بالفرد وبعظمته. وأجد انّ الجيد في "الربيع العربي" انه يعطي العالم أجمع درساً في كيفية أن نعود أفراداً، لا جماعات. كل هذا الدرس في منطقة يصعب كثيراً أن يكون فيها الانسان فرداً.

- س. ن.: عرب اسرائيل اعتُبروا دوماً فريقاً أو مجموعة. والنظرة اليهم كانت نظرة الجماعة التي تعرضت لنكبة. في الفيلم، لا ننظر اليهم كمجموعة. لذا، ليس في الفيلم أي شحنة سوسيولوجية.

- ي. ز.: هذا الفيلم لا يُطلق الأحكام. ما كان يهمني هو أن اطلق صرخة وأقول: ولكن ماذا حلّ بنا نحن البشر؟ النظريات التي من حولنا تنفصل في لحظة ما من الواقع، حتى ولو كان هدفها الواقع. هذا الفيلم ينقص من نسبة الغضب، مع انني لا أدعي انه يشفي الألم. كل ما كنتُ اسعى اليه هو اشهار سؤال يطرحه الكثيرون في أوروبا بلا أي عقدة. منذ صغري، وأنا أؤمن بالخليط بين الشعوب.

- س. ن.: الفيلم لا يطرح الحلول. انه بورتريه لناس ينتمون الى مجتمع واحد. طرفان يتشابهان في نقاط كثيرة ويختلفان أحدهما عن الآخر في أمكنة أخرى.

hauvick.habechian@annahar.com.lb

"مملكة صعود القمر"

للمخرج وس أندرسون: حبّ في البرية

من الصعب مقاومة فيلم للمخرج وس اندرسون الذي يكون دائماً على موعد مع طرافة هدامة تُخرج السينما الأميركية من الدروب المطروقة مراراً. جديده، "مملكة صعود القمر"، عمل تختلط فيه الجانرات السينمائية (فيلم الكارثة، المغامرات، الرعب، الخ) ويغصّ بالأسماء الكبيرة: هارفي كايتل، فرانسيز ماكدورماند، ادوارد نورتن، بيل موراي، تيلدا سوينتون وبروس ويليس. افتتح الفيلم مهرجان كانّ الأخير، سأل صحافي أندرسون اذا كان استعان بذكريات شخصية لتأليف النصّ، فكان رده انه استند بالاحرى الى الأحاسيس التي كان اراد ان يعيشها عندما كان طفلاً، قائلاً انه يحلو له العمل مع أصدقاء في اطار جو عائلي. يجب ألا ننسى ان النصّ ألّفه اندرسون مع رومان كوبولا، ابن فرنسيس.

هذا فيلم عن الحبّ، يترجح بين براءة شخصية انطوان دوانيل عند فرنسوا تروفو والصيغة الاختزالية الأحب الى قلب جان لوك غودار. لذا لا يُمكن اعتبار خيار الستينات كزمن لأحداث الفيلم خياراً اعتباطياً. انه الزمن الذي يبعث إليه اندرسون غمزات تكريمية متعددة. نحن في هذا الفيلم على جزيرة اميركية في منطقة "نيو انغلند". سوزي وسام البالغ كلٌّ منهما الثانية عشرة من العمر، يُغرمان أحدهما بالآخر. سام صبي يتيم يخدم في الكشافة، أما سوزي فمن عائلة ميسورة غريبة الأطوار يضطلع فيها موراي بدور الأب. ذات يوم، يهربان في البرية والطبيعة المشبعة بكل التناقضات والتجارب. لكن رحلتهما لن تفلت من الاضطهاد والمطاردة. يضعنا الفيلم صحبة شخصيات شبه كرتونية مدفوعة الى ذروتها مع تغليظ متعمد لملامحها. من حكاية بسيطة تنتقل بالمشاهد من الموقف البدائي الى الكارثة العظمى (وصول عاصفة الى الجزيرة)، يستقي اندرسون مرافعة ظريفة دفاعاً عن فكرة الاختلاف، وهو الشيء الذي تقوم عليه سينماه برمتها، منذ "راشمور" (1998) الى "دارجلينغ ليميتد"، مروراً بـ"الحياة البحرية" فـ"عائلة تننبوم". بأسلوب "أولديز" حيناً، وباروكيّ في أحايين كثيرة، يتعاطى الشريط مع شخصيات قاسية تقف على شفير الهاوية. مقابل عالم الحسية الطفولية، يضع اندرسون عالماً يريده القائمون عليه عقلانياً وجادّاً بأيّ ثمن. لكن النصر للحبّ مهما طال الزمن. ولعل النقطة الأهم في الفيلم هي المراجع الفنية التي يستند اليها، بدءاً من المقطوعات الموسيقية (موزار، شوبرت، بنجامين بريتن، فرنسواز هاردي، ألكسندر ديبلا)، وهذا ما يُظهر مدى انفتاح اندرسون وسينماه على الثقافات الآتية من خلف المحيط. أخيراً، سمّى اندرسون المخيم الذي تجري فيه الاحداث بـ"مخيم لبنان"، ربما كهدية الى صاحبته، ابنة روائية لبنانية مشهورة.

() Moonrise Kingdom

- يُعرض في سلسلة "أمبير".

المزاج الطيب

هـ. ح.

انها قصة فرقة موسيقية ناسها من المسلمين واليهود، فرّقتهم ظروف الحرب والثورة في الجزائر قبل نصف قرن، وها هم يلتقون مجدداً أمام كاميرا مخرجة صافيناز بوصبايا تعرفت اليهم بالمصادفة قبل سبع سنوات، للاحتفاء بالشيء الذي يلامس ضميرهم ووجدانهم ويقرب أحدهم الى الآخر، ملغياً الحدود الدينية والايديولوجية بينهم: الشغف باللحن "الشعبي" الجزائري. هذا اللقاء تقول عنه المخرجة في الفيلم بصوتها الهادئ، إنه غيّر حياتها كما غيّر حياة هؤلاء الرجال.

هذه الفرقة كانت مشتتة في انحاء الكرة الارضية قبل أن تجتمع مجدداً في السادس من ايلول 2007 في مرسيليا، حيث قدمت حفلة استثنائية لا ينساها مَن حضرها، وهي كانت المناسبة للقاء بين كل اعضائها الذين اضطروا يوماً ان يخضعوا للأمر الواقع، وأن يذهب كل منهم في اتجاه، غداة نيل الجزائر استقلالها عام 1962.

كان الطرفان يعزفان الموسيقى عينها، لكن كلاًّ منهما كان يطلق عليها اسماً مختلفاً. فمثلاً، حين يعزف اليهود، يقولون انهم يعزفون موسيقى يهودية اندلسية، وحين يأتي دور المسلمين في عزفها، كانوا يقولون انها موسيقى اندلسية يهودية.

تأخذنا بوصبايا في رحلة ممتعة على انغام موسيقى "الشعبي". نذهب برفقتها الى اقاصي التاريخ والذكريات وزمن التعايش المسالم بين طوائف عدة في الجزائر العاصمة، في خمسينات القرن الماضي. زمن يبكي عليه الفيلم بحنان وقسوة لطيفة، زمن لم تعرفه المخرجة حتماً، لكن تشعرنا بالحاجة الى العودة اليه، والالتفات اليه كردّ على ما نعيشه اليوم من تطرف وانعدام تسامح. من خلال عيون هذه الفرقة، ترسم بوصبايا بورتريهاً لما كانت عليه الاوضاع في الجزائر قبل الثورة وبعدها.

مع هذه الفرقة التي تضم 40 عضواً، نسافر الى أمكنة ونشتمّ روائح ونطّلع على ما ضاع في طيات الكتاب الرسمي للجزائر. فيلمها تحية الى المنسيين، ورد اعتبار الى أولئك الذين تضيع حقوقهم المعنوية في بلدان يسيطر عليها حكّام لا يفكرون الا في أنفسهم. "اذا ارادوا تكريمي، فليفعلوا ذلك وأنا على قيد الحياة"، يقول احمد البرناوي، أحد اعضاء الفرقة، قبل أن نعلم انه انسحب من الحياة بصمت وأغمض عينيه، بعد فترة وجيزة من تصوير الفيلم.

على رغم الذكريات التي قد تكون استعادتها مؤلمة لمن عاش تلك الفترة، تعرف بوصبايا كيف تضفي الرونق على فيلمها والخفة المحببة التي لا تفعل الا تلطيف الأجواء. الفيلم مقطّع بوتيرة سريعة، لكنه لا يهتم بالموسيقى التي أنتجها هؤلاء بقدر ما يهتم بما عاشوه. وكذلك يلتفت الى السياق الاجتماعي الذي ولدت فيه اعمالهم.

على الصعيد التقني، تركّب بوصبايا فيلمها كبازل، من خلال القفز المونتاجي من شخصية الى أخرى تدلي بشهادتها قبالة الكاميرا. يكمن ذكاء المخرجة في انها ادركت اهمية نقل هذه التجربة الى فيلم وثائقي، منذ لحظة دخولها دكاناً صغيراً يديره عازف "شعبي" سابق. جرى دخولها الى الدكان بعدما لفتت انتباهها مرآة معلقة على جداره. صافيناز بوصبايا مخرجة ايرلندية من اصل جزائري، حققت حلم جمع شمل هذه الفرقة، وآمنت بالضرورة الرمزية لهذه الخطوة، مستلهمة ربما مبادرة فيم فاندرز حين انجز "بوينا فيستا سوشل كلوب". يحمل الفيلم عنواناً فرعيا هو "المزاج الطيّب"، ويضعنا فعلاً في هذا النوع من المزاج طوال ساعة ونصف الساعة، مؤكداً ان الموسيقى لغة عالمية تسمو فوق نزاعات الانسان، ويمكنها فعلاً أن تخفف الالم الانساني.

ألحان تنسّيك الجوع والبؤس والبرد، كما يقول احد اعضاء الفرقة الموسيقية. "يا رايح وين مسافر؟"، تسأل اغنية الختام. بعد أن ترينا اياه بوصبايا، تتوافر لدينا كل الأسباب الممكنة للايمان بأن الرحيل سيكون بلا عودة.

السفير اللبنانية في

21/06/2012

 

الفيلم الفائز بـ«جائزة أفضل إخراج» في مهرجان «كانّ» 2012

«بعد الظُّلْمة، نُور» للمكسيكي ريغاداس.. علامات إنجيلية

زياد الخزاعي (لندن) 

ما جعل المخرج المكسيكي كارلوس ريغاداس (1971) فريداً بين أقرانه، أنه لم يخشَ الاقتراب من ضلالة بشره، الذين يسعون بعَزْم نادر إلى ارتكاب موبقاتهم. أفلامه الأربعة الطويلة سِيرَة واحدة لكائن يُخرِّب كيانه، ويتمادى على محيطه، ويستمرئ القَسْوة والخيانة، ويَنعم بغلّو في فَواحِشه. في باكورته «خابون» (2002)، التي حملت اسم اليابان بالإسبانية، هناك كائن غريب معطوب، يهيم وسط بَرِّية متوحِّشة، يظهر لاحقاً أنه عازم على انتظار موته. الصدفة وحدها قادته إلى آخرين أنقذوه وأسكنوه مع أرملة هرمة، قلبت مصيره برمَّته. لاوجوديته وغِلَظ قلبه وشدَّته أصبحت كلّها عبئاً جماعياً على القرية النائية. وظهر العبء بشقّين اجتماعيين مفعمين بالرعب في «معركة في الجنة» (2005)، إذ ارتكب السائق ماركوس جريمة خطف رضيع مات لاحقاً وفشل في قنص فديته، قبل طعنه ابنة مخدومه آنّا التي رَبَّاها صغيرة، عند اكتشافه امتهانها البغاء. هذه الأخيرة تجسّدت على صورة زنى في «ضوء صامت» (2007)، مع تعقّد علاقة آثمة بين ربّ عائلة وأم جارة دانهما تشدّد أعراف بيئة اجتماعية مغلقة. تحقّق الموت في نهاية الحكاية عقاباً لازماً على خيانة العاشقين لقيم الدين. تجلّت هذه الخيانة ضمن طور دموي في نص «بعد الظُّلْمة، نور»، إذ انقلب فعل سرقة منزل عائلة ثرية، رُتِّب بتواطؤ بين حارسها وصديقه الهامشي، إلى سؤال واسع وملتبس عن معاني الثقة والطمع والجَهَالة.

لئن افتتح ريغاداس فيلمه «خابون» بلقطة طويلة لمدخل المدينة الوحشية، مُمَهّداً لقرار بطله الهجرة إلى المطلق الأرضي، فهو تمادى في تصوير انبثاق فجر ربّاني بالكامل في «ضوء صامت»، إشارةً إلى أن مسرحاً بشرياً يُعِد مآسيه كل يوم. أما نظيرهما في «معركة في الجنة» فأتى استفزازياً وفضائحياً وغليظاً، حيث ان جَثْو البطلة أمام عضو ماركوس وهي دامعة، بِشَارة دم مقبل لن يكفيه غفران. في حين صيغ افتتاح «بعد الظُّلْمة، نور» كتجَلٍّ للغموض اللاحق الذي لفّ النص، وقربان صُوَري تغريبي لليُتْم الذي ينتظر الطفلة الصغيرة وعائلتها، وهي تجول بين حيوانات سارحة وسط مرعى هائل الجمال والرعب. صَوَّر ألكسيس زابي فصول الفيلم بنظام 1:1,33 الذي أحال أطراف اللقطة الى هُلام بصري، ما أضفى بُعداً سوريالياً مثيراً، وحوَّل مشهديات الفيلم إلى كوابيس متلاحقة، كانت البراءة فيها صنواً للرصاصة التي خدشت الطبائع لاحقا، وأصبح الشَّفَق الذي احتضن العائلة بمثابة اختفاء لموت سيغدر بأمنها.

شكّل ريغاداس وقائع هذه الرؤى من دون نيّة فَكّ غموضها أو ربط أحداثها. إنها أشبه بعلامات إنجيلية تحتفي بأفعال الخَلْق. فالموت لا يُفَسَّر، والجنس لا يُفهم، والنيات الفاسدة لا تُغفل. هناك شيطان موت أحمر حاملاً عدّة غريبة، يدور بين غرف المنزل الريفي المنعزل، تاركاً صبي العائلة مذهولاً للرؤيا، قبل اطمئنانه على الطفلة في فراشها. المَنُون لم يحقّ عليهما، بل حقّ على والدهما الذي انطلقت نحوه رصاصات الغدر والعبث. هذا خطّ أساسي لفيلم ريغاداس. أما تكملته، فأثقلها بكَمّ من ذكريات شخصية وتجارب غامضة، كزيارة الوالدين خوان (أدلفو خيمينيز كاسترو) وناتاليا (ناتاليا أكيفيدو) الى وكر للجنس الجماعي في فرنسا.

بما أن قدر الأب خوان مرسوم، فإن كارلوس ريغاداس ترسّم قَضاءً موازياً للخاطِئ القاتل، الذي تفكّكت عائلته، وازدادت عزلته. جريمته استدلال على اللاعدالة التي تفتك بالبشر، وظلْمة نفوس تنتظر نور الإيمان المغيَّب. الشاب طريدٌ، وذرّية المغدور تائهة وسط الطبيعة البكر، والأجوبة كلّها مبثوثة بين مكوّناتها، وما علينا سوى الهداية إليها بضياء ضمائرنا.

السفير اللبنانية في

21/06/2012

 

إرث أم أسطورة أم ميلودراما مصرية في قالب محلي؟

«أجمل أيام حياتي».. زمن البراءة اللبناني

تحقيق: نديم جرجوره 

لم تطرح استعادة «أجمل أيام حياتي»، التي نظّمتها «جمعية متروبوليس» في صالتها في «أمبير صوفيل» (الأشرفية) بين 13 و22 حزيران 2012 (هناك فيلمان أخيران لبركات يُعرضان الثامنة مساء اليوم: «نغم في حياتي»، وغداً: «أجمل أيام حياتي») سؤال صناعة الفيلم اللبناني، ماضياً وحاضراً فقط. كانت الاستعادة مزيجاً من حنين إلى زمن مضى، واستكشاف معالم مرحلة زمنية مليئة بالتناقضات، والتعرّف الى آلية الاشتغال السينمائي حينها، والبحث في علاقة اللبناني ببلده وصورته. 11 فيلماً مُنتجاً في لبنان بين العامين 1963 و1975، فتحت «ملف السينما في لبنان» مجدّداً، على ضوء واقع العلاقة الراهنة بين مشاهدين جاؤوا الصالة واختاروا فيلماً لمُشاهدته للمرّة الأولى، أو لإعادة مشاهدته على شاشة كبيرة (وإن بتقنية «بيتا ديجيتال»)، وبين هذه الأفلام وتاريخها وحكاياتها.

هوية ملتبسة

كان الافتتاح مساء الأربعاء في 13 حزيران الجاري. بين 14 (اليوم الأول للعروض التجارية) و18 منه، تمّ بيع 317 بطاقة دخول، بالإضافة إلى عدد غير مُحدّد من الدعوات الخاصّة. الرقم، بحدّ ذاته، مُحيِّر. في المنطق التجاري البحت، هذا رقم لا يُعتد به أبداً. أما في ظلّ احتفال استثنائي كهذا، استعاد أفلاماً ملتبسة الهوية، يُمكن اعتباره «حدثاً». الرقم محرِّض على فهم أشياء كثيرة: علاقة اللبناني بسينما مصنوعة في بلده. علاقته بذاكرته الجماعية. علاقته بالاحتفالات الاجتماعية. نظرته الحقيقية إلى السينما. غير أن الأهمّ من هذا كلّه كامنٌ في أن الرقم انعكاسٌ لبلبلة الارتباط الفردي بالذاكرة، ولالتباس مضامين هذه الذاكرة، ومدى قدرتها على استقطاب اللبنانيين إليها، وحثّهم على قراءتها وفهمهما وتحليلها.

إلى جانب «الرقم»، هناك الحالة. استعادة «أجمل أيام حياتي» مفتوحة على ثنائية الانفعال والعقل. الانفعال دافعٌ إلى إثارة حنين إلى زمن ولّى، وإلى صُوَر عن بلد ومجتمع وأناس ورثها كثيرون من دون أن يعرفوا كنهها وحقائقها. دافع أيضاً إلى مشاهدة «نجوم» تلك المرحلة، في الغناء والتمثيل والملاكمة. أما العقل فدافع إلى التعامل النقدي القاسي مع حالة عامة، جعلت سينمائيين لبنانيين كثيرين يتغاضون عن الواقع ومراراته وغليانه، ما أدّى بهم إلى صنع سينما «هجينة» و«هشّة» و«مُفرَّغة» من أي حسّ سينمائي، أو بُعد درامي، أو ارتباط بواقع وتفاصيل آنيّة. في هذا الإطار، استخدم الناقد السينمائي إبراهيم العريس تعبيراً واضحاً ومباشراً وحقيقياً، بقوله إنه ينظر إلى أفلام تلك المرحلة اليوم «نظرة تسامح مطلق». أضاف إنها «نظرة حنين» أيضاً، ليس إلى الأفلام بحدّ ذاتها، بل «إلى الزمن الذي صُنعت فيه من قِبَل قوم كانوا يعرفون أصلاً أنهم لا يصنعون تُحفاً فنية، لكنهم لم يعرفوا حينها أنهم يصنعون تاريخاً». ليس مهمّاً ما إذا كان هذا التاريخ «مجيداً أم لا»، لأن الأفلام بمجملها «علامات على زمن، وليس على فن». من جهتها، رأت هانية مروّة (مديرة «جمعية متروبوليس») أنه لا يُمكن مُشاهدة هذه الأفلام «بطريقة مجرّدة أو موضوعية». لا يُمكن الحكم عليها «كأنها أفلام أُنتجت البارحة». قالت إنه يجب مشاهدتها ضمن سياقها التاريخي والسياسي والاجتماعي، و«ضمن سياق الاستعادة نفسها أيضاً». مع هذا، أكّدت مروّة مراراً أن هذه الأفلام «جزء من تاريخ. جزء من ذاكرة جماعية. جزء من مرحلة معيّنة مرّ البلدُ فيها. جزءٌ من حالة سائدة حينها». الحنين الذي تحدّث عنه العريس، يُشبه تماماً «النوستالجيا» التي قالت مروّة إنها تُشاهد الأفلام بشيء منها.

لكن، ماذا عن الاستغراب الذي تحدّث عنه العريس؟ «لأن المرء، عندما يُشاهد هذه الأفلام، لا يُصدِّق أنها هي التي صنعت بعض أساطير ما يُسمَّى بالسينما في لبنان». الاستغراب نابعٌ من «مدى الاستسهال في صنع فيلم، واستسهال النجوم في لعب أدوار هي من التبسيطية والسذاجة بحيث تبدو كأنها مقصودة بفعل عقول «جبّارة» تريد إيصال الأمور إلى أقصى حالات التأثير على متفرّج يُتخيَّل أنه ساذج». في مقالته المنشورة في «النهار» (14 حزيران 2012)، وصف الزميل هوفيك حبشيان هذه الصورة بالقول إنها «سينما الكومبينة»: أي «تلك الأفلام التي يؤتى من أجلها بأحد نجوم الغناء أو الاستعراض أو الملاكمة، فتُنسج حول هذا النجم أو تلك الحسناء خبرية معيّنة، غالباً ما تكون على درجة عالية من السطحية والابتذال والخفّة». مبرمجا التظاهرة جوانا حاجي توما وأنطوان خليفة قالا إن الأعوام التي شهدت صناعة هذه الأفلام كانت «شاهداً على زخم سينما «شعبية» مهمّة. سينما خاصّة ومختلفة، شكّلت انعكاساً مباشراً لزمن خال من الهموم، ولصورة ملتزمة، سياسية ومعقّدة، أراد المخرجون اللبنانيون نقلها». العريس قال إن هذه «السينما» قامت أصلاً «على تقليد ميلودراميات وغنائيات مصرية»، إذ «أتى صانعو ما يمثّلها في مصر ليصنعوا ما هو «أصلي» في هذا المجال». أكّد العريس أن التقليد غالبٌ، «إذ قامــت على أنقاض السينما، التي تمثّل أفلامها فكرة (تظاهرة) «أجمل أيام حياتي»، سينما مصرية حُقِّقت في لبنان بفضل صدفة التأميمات» الناصرية المعروفة.

إرث ضائع

إلى جانب هذا، لفتت هانية مروّة النظر إلى مسألة أخرى، يُمكن استخراجها من مشاهدة أفلام تلك المرحلة: الأرشيف، أو «الإرث» بحسب حبشيان، الذي قال (في معرض انتقاده المشروع استخدام أشرطة «فيديو» في العروض السينمائية) «إن الطبقة السادسة من مبنى «ستاركو» حيث «المكتبة السينمائية الوطنية»، لم تستطع صون هذا الإرث من الرطوبة والإهمال وداء الألزهايمر الذي يتلبّس البلاد والعباد». بالنسبة إلى مروّة، «يُحكى كثيراً عن الأرشيف. عن «استديو بعلبك» أيضاً. صحيح أن ما يحصل له اليوم (تحويله إلى «خربة» أو «موقف سيارات») مصيبة. لكن، عن أي أرشيف نتحدّث؟ هذه هي الأفلام التي صُوِّرت في الاستديو. هذا هو إنتاجه. لا أُقلِّل من أهمية الأفلام والاستديو. لكن، عندما نتحدّث عن أرشيف السينما في البلد، علينا أن نعرف عمّا نتحدّث». الصورة المنقولة عن البلد ومنه هي الصورة نفسها التي التقطها مخرجو تلك الفترة: «شمس مشرقة. مناخ عليل. مشاهد طبيعية. حكايات مدهشة لا تحدث إلاّ على شاشات هذه السينما اللبنانية»، كما قال العريس. بهذا المعنى، رأى مبرمجا الاستعادة أن هذه الأفلام «ليست بالضرورة أفلاماً رائعة، لكنها تُعبِّر عن واقع لبناني لم يعرفه كثيرون منّا». أضاف العريس إن ما يثير الفضول أيضاً كامنٌ في صُوَر بلد ومدينة «حملتها بعض هذه الأفلام» وطواها الزمن والدمار، كـ«حال البراءة التي تحكّمت بتصوير أفلام، لم يكن صانعوهــا يعرفون أن هناك بركاناً يميد تحت أقدامهم وهم يُصوِّرون».

في خمسة أيام فقط، بيعت 317 بطاقة دخول: «طوال اثني عشر عاماً من العمل، لم أستطع أن أفهم كيف يختار اللبناني فيلماً لمشاهدته، ولماذا»، كما قالت مروّة، مضيفة إن هناك أسباباَ عدّة حالت دون ارتفاع عدد المشاهدين: «ربما لأن الأنشطة كثيرة. أو بسبب موسم الصيف. كأس أوروبا في كرة القدم. لا أعرف. الجميع فرحون بهذه الاستعادة. لكن الفرحة لم تُترجم بصالة ممتلئة. هل لأن كثيرين شاهدوا الأفلام عبر التلفزيون؟ أليس لديهم فضول المُشاهدة السينمائية؟ هل هو «تعال» من قِبلهم؟ هل لأنهم يعرفون أن هذه الأفلام ليست جيّدة؟ لا أعرف». الرقم نفسه أدهش العريس «لكثرته لا لقلّته». رأى أنه مثيرٌ قدوم هؤلاء المشاهدين إلى الصالة، لمشاهدة «بدوية في باريس»، أو صباح مرتدية فساتين وليم خوري، أو كيغام محاولاً تعليمها الرقص، أو نساء فاروق عجرمة المنضويات في عصابة «مستحيلة». بالنسبة إليه، الرقم ليس مهمّاً، لأن الأهمّ كامنٌ في معرفة «آراء هؤلاء المشاهدين»، و«ما إذا استطاعوا البقاء حتى نهاية الفيلم أم لا».

السفير اللبنانية في

21/06/2012

 

 

بين غونتر غراس وفولكر شولندروف

«الطبل الصفيح».. الـــرواية الفيلم.. والأفق الملحمي

زياد عبدالله 

يترك للفن أن يقرع الطبول، أن يصاحب الجوقات العسكرية والحزبية، فيخترق «المارشات» ويحولها إلى «بحيرة البجع» أو موسيقى صالحة للرقص، أو أن يكون لقرع تلك الطبول دلالات بلاغية، كما لو أن الفن موسيقى تصويرية مصاحبة للأحداث المفصلية في تاريخ الشعوب، أو موسيقى سابقة لها تنبأ بما هو قادم، وكل ما هو على الأرض يقود إلى الكارثة، ولا أحد يستشعر ذلك، وصولاً إلى تورط الجميع في إنجاح تلك الكارثة.

للكلام تكملة مترامية، تتخذ من فيلم The Tin Drum «الطبل الصفيح» 1979 للمخرج الألماني فولكر شولندروف معبراً إليه، والذي لا يعيدنا إليه فقط كونه حاصد السعفة الذهبية في «كان»، واوسكار أفضل فيلم أجنبي في حينها، بل إعادة قراءة الفيلم الذي يستحق قراءات كثيرة في سياقات تاريخية على اتصال بالثابت والمتغير في التاريخ الإنساني، الأمر الذي يمتد ليصل غونتر غراس صاحب الرواية المأخوذ عنها الفيلم، وعليه فإن تتبع ذلك سيكون مبنياً على تقليب صفحات الرواية الشهيرة والمفصلية في تاريخ الأدب العالمي جنباً إلى جنب مع الفيلم الذي لا يقل شهرة عن العمل الأدبي، وكل ذلك ضمن السياقات التاريخية سابقة الذكر.

تشكل المعالجة السينمائية لعمل أدبي هوساً حقيقياً بالنسبة لكاتب هذه السطور، وهذا التنبيه الأولي ضروري حين يتعلق الأمر بالمضي قدماً مع صفحات رواية مترامية لنجدها على الشاشة في مدة لا تتجاوز الـ120 دقيقة، أو قد تتجاوزها بقليل، كما هي الحال مع «الطبل الصفيح» ذات الـ688 صفحة في ترجمتها العربية التي انجزها المترجم العراقي حسين الموزاني، وصدرت عن دار الجمل، عام ،2000 أي بعد سنة على نيل غراس جائزة نوبل للآداب، ولعل فعل القراءة سينمائياً سيكون أولاً وأخيراً فعلاً بصرياً، وليس لعدد الصفحات أن يكون على اتصال بمدة الزمن، وحين قراءة الرواية يمكن وضع اليد على المعابر البصرية التي يجترحها العمل الأدبي، والتي ستشكل مفاتيح معالجته سينمائياً، ومع روايتنا «الطبل الصفيح» يمكن البدء مع الراوي أوسكار، بطل الرواية وراويها، والذي سنقع عليه في مصح عقلي وهو يسعى لكتابة سيرة حياته، وبالتالي سيرة عائلته وكل من حوله في «دانسنغ» الألمانية البولندية، وليكون هذا السرد معبراً لتقديم سرد تاريخي لن ينفصل عنه، وهو يمضي إلى جانبه يداً بيد، ووفق منطق أوسكار نفسه، وهنا سأصنع شيئاً أتمنى أن يكون ناجحاً، ألا وهو استعادة الرواية بعيداً عن الفيلم، وعلى شكل تداعٍ حر تطغى عليه المشهدية، وبمعنى الخروج من الكتاب بما يمكن أن يلتصق في الذهن بصرياً، وبالتالي تتبع ما يمكن توقع أن يحمله فيلم شولندروف، وما يستبعده في الوقت نفسه.

أوسكار شخصية روائية لكنها سينمائية بامتياز، وهنا أول مفتاح لنجاح المعالجة السينمائية، فهو فتى توقف نموه في الثالثة من عمره، وبقي يتقدم في العمر، وجسده على ما هو عليه حين كان في الثالثة، ولعل هذا العمر مفصلي في حياته، فحين بلغ الثالثة أهدته أمه طبل الصفيح، وفي ذلك العمر وقع في القبو بين مرطبانات مربى التوت وتوقف نموه، واكتشف مع الوقت أن صراخه كفيل بكسر النوافذ والأواني وكل ما هو زجاجي. هذه الشخصية وتجسيدها كما هي أمر مطالب به الفيلم، ومع تتبع سرد أوسكار فإنه سيبدأ ذلك من مرحلة بعيدة، تحديداً عام 1899 قبل ولادته، وسلالته التي بدأت مع جدته آنا ذات الأثواب الأربعة، التي سيختبئ بها جده بينما هو مطارد من الشرطة، الجد الذي يكون مشعل حرائق، وحين يلجأ إلى آنا فإنه يتزوجها، وحينها تأتي أم أوسكار أغنيس إلى الوجود، والتي تقع في غرام يان ابن خالتها ولتتزوج من ماتسرات، لكن سيقول أوسكار إنه لا يعرف أياً منهما يكون والده، مع ميله إلى اعتبار يان الذي سيعمل سكرتيراً في البريد البولندي، بينما يدير ماتسرات والد أوسكار الشرعي الدكان الذي يملكه، مواصلاً طبخه وهو البارع في الطبخ.

ذلك هو الإطار العام للشخصيات الرئيسة، ونحن نتجاهل هنا ما يقارب خمس شخصيات رئيسة أخرى، وبعيدا عن ما سيصنعه أوسكار بطبله وصراخه، ومن ثم انضمامه إلى فرقة الأقزام، يمكن تمرير تلك اللقطات أو المشاهد التي يحملها الكتاب والتي تمثل مصائر الشخصيات الرئيسة، فأغنس أم أوسكار ستموت بطريقة عجيبة، فبعد رحلة إلى البحر برفقة أوسكار ويان وماتسرات سيخرج صياد من البحر رأس حصان سيكون مملوءاً بسمك «الحنكليس» الذي سيأخذه ماتسرات ويصنع منه الطعام، وحينها ستمضي أغنس في أكل ذلك السمك ومواصلة أكل السمك لأيام حتى تموت، وهي تعاني نوبات تأنيب ضمير مشوبة بمشاعر تدين وتوبة، بينما سيأخذ أوسكار يان إلى مكتب البريد لإصلاح طبله المثقوب، وهناك سنشهد بداية الحرب العالمية الثانية، وسيتورط يان مع زملائه المدافعين عن مبنى البريد، وليعدم بعد اقتحام النازيين، هو المسالم الذي لم يقبل في اختبارات الجيش، بينما يكون مصير ماتسرات على يد السوفييت وهم يدخلون ألمانيا، حين يعطيه أوسكار شعار النازية الذي يكون ماتسرات قد تخلص منه قبل دقيقة من اقتحام السوفييت بيته، وحين يضعه أوسكار في يديه يقوم ماتسرات بابتلاعه، ويختنق بشعار حزبه، حسب تعبير أوسكار، ويطلق عليه الجندي الروسي النار.

ما تقدم عبور سريع لما يتبادر إلى الذهن، وعليه في الوقت نفسه أن يطفو على سطح الشاشة، الأمر الذي لن يكون هناك من محيد عنه، ومع تأكيد ذلك يمسي دخول الفيلم فعلاً على شيء من عبور ضفة القلم إلى ضفة الكاميرا، ولنكون حيال فيلم له أن يكون نموذجياً للتعامل مع عمل أدبي كبير وعميق، لا بل إن البحث عن توصيفات للرواية سيضعنا أمام كل ما يلي، أي ان الرواية فانتازية وتاريخية، لا بل ساخرة ومؤلمة وسريالية وواقعية وتوثيقية، وصولاً إلى اعتبارها تجديفية و«بورنوغرافية»، والمجاز حمّال دلالات تاريخية فاقعة، وفعل التطبيل ليس إلى فعل احتجاج أوسكار أمام ما يشهده، وهو يتوقف عن التطبيل في الفيلم مع سقوط النازية، لا بل إنه يواصل النمو مع سقوطها أيضاً، وإن كان الأمر لا يتعدى بضعة سنتيمترات، ومع اجتماع كل هذه الصفات في عمل واحد، سنكون أمام فيلم له أن يحمل كل تلك الصفات أيضاً، ولعل الحلول البصرية التي حملها العمل الأدبي ستكون جميعها حاضرة بقوة، بدءاً من ديفيد بنت الذي جسّد شخصية أوسكار، مروراً بكل شخصية، وصولاً إلى السرد السينمائي الذي يمضي في عوالم مصاغة في وفاء تام لروح العمل الفني، وبالتالي فإن الفيلم أيضاً هو أهم فيلم عن ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، كما وصفت الرواية.

إن الأفق الملحمي للفيلم مثله مثل ألبوم الصور الذي يوصف كذلك في الرواية، بحيث يمكن للكتاب أن يتحول إلى ألبوم صور وهو طيع لذلك، وحين تتحرك هذه الصور في الفضاء السينمائي الذي صاغه شولندروف، فإنه يضعنا مباشرة في جماليات بصرية خاصة، يبدأ التطبيل والصراخ فيه مع مجيء هتلر ويتوقف مع موته، هتلر الأشبه بـ«كاليغاري» في فيلم «مقصورة الدكتور كاليغاري» الذي نوّم الشعب الألماني كما فعل بسيزار.

الإمارات اليوم في

21/06/2012

«أسماء».. المرض الحرام في المرأة الحلال

زياد عبدالله 

يراهن المخرج المصري عمرو سلامة في فيلم «أسماء» على الميلودراما، بعد أن جاء فيلمه الأول «زي النهارده» 2008 تشويقياً مبنيا على اللعب على الزمن والمصادفات، وليتخذ «أسماء» مساحة واقعية على اتصال بإشكالية متعلقة بحال المصاب بمرض الأيدز في المجتمع المصري، الأمر الذي يمتد ليكون حالة عربية وشرقية بامتياز.

يرسخ سلامة في الفيلم الذي سيعرض قريباً في دور العرض المحلية، من قدرته على تقديم سردٍ بصري محكم، لكن عينه هذه المرة على شباك التذاكر، ولعل عرضه في صالاتنا المحلية يحمل تأكيداً لذلك الاعتبار حين شاهدته، للمرة الأولى، في الدورة الأخيرة من مهرجان أبوظبي السينمائي.

سنكون من البداية مع مشكلة أسماء الأساسية، الأرملة والأم لابنة وحيدة، المتمثلة بضرورة إجرائها عملية للمرارة، الأمر الذي تكون في صدد القيام به، لكن حين تعترف للأطباء بأنها مصابة بالأيدز فإنهم يطردونها، وهنا يكمن الصراع الأكبر الذي تعيشه، كون ما يتهدد حياتها ليس الأيدز، بل ضرورة إجرائها العملية.

الإشكالية سابقة الذكر سيتمركز حولها الفيلم الذي تقوم ببطولته هند صبري، والذي سيتحرك في زمنين، الأول يتمثل بمسعى أسماء للحصول على مساعدة في خصوص عمليتها، والثاني «فلاش باك» يسرد لنا حياتها في القرية وزواجها، ومن ثم إصابة زوجها بالايدز حين يدخل السجن، وحيثيات اصرارها على الحمل منه رغم معرفتها بإصابته، وليكون هذا المستوى مسعى للإجابة عن الكيفية التي انتقل إليها المرض واضفاء الطهرانية على ذلك، ولعل الحل الدرامي لهذا المأزق سيأتي على شيء من إحاطة المريضة بطهرانية مطلوبة مطابقة تماماً لما يفترض أن الفيلم يدينه، بمعنى أن مشكلة أسماء الأساسية تكمن في عزوف المجتمع عن مساعدة المريض بناء على أحكام أخلاقية مسبقة، إذ إن ما يشغل المجتمع ليس إنقاذ حياة الإنسان أو المريضة، كما في حالة أسماء، بل الكيفية التي انتقل إليها هذا المرض المدان أخلاقياً، إدانة لدرجة تدفع الأغلبية لقبول جريمة فقدان الانسان حياته أمام حرمة ما قامت به، وفي تغييب كامل لقيمة المغفرة إن كان لنا أن نمضي وفق منطق من يطلقون الأحكام الأخلاقية المسبقة والمعدة سلفاً، والذين يعانون في الوقت نفسه من كل ما يسارعون إلى إدانته.

الفيلم لن يغفل هذا الجانب، إذ إنه سيحيك كل ما يطلبه الجمهور في هذا الخصوص، وسيتعامل مع ذلك وفق منطق يسعى إلى ادانته إدانات خجولة، ستنسى جميعاً، طالما أنه سينسج قصة سحرية بخصوص الطريقة التي انتقل الأيدز فيها إلى أسماء، كما ليقول لنا، عليكم مساعدة مرضى الايدز، ففيهم من انتقل إليه المرض دون أن يغرق في الحرام، مع ادعائه العكس من ذلك، أي أن يكون الأمر لا علاقة له، لا من قريب ولا بعيد، من حكم القيمة هذا، فالمريض مريض، والانسان انسان، وقيمة الحياة حق للجميع تقاة وخطاؤون، والحكم الأخلاقي والديني أمر رباني. سيقول لنا الفيلم في النهاية ان ذلك لم يحدث في الواقع، أي ان أسماء لم تظهر وجهها في التلفزيون، ولم تنل أي تبرع، وماتت لأنها لم تتمكن من إجراء عملية المرارة، بينما يؤكد الفيلم في البداية أن الأحداث مستقاة من قصة حقيقية. هنا المشكلة، إنها في نهاية فيلم «أسماء»، والسؤال الذي يحضر بقوة: لماذا إذن علينا أن نشاهدها في الفيلم وقد نالت كل ما تريده؟ إنها لعنة النهاية السعيدة التي تخون مصائر من نسرد قصصهم! فالنهاية لا تنسجم مع رسالة الفيلم، إنه واقع صادم فلماذا لا تكون نهايته صادمة أيضاً، ربما علينا التفكير بشباك التذاكر لتفسير ذلك.

الإمارات اليوم في

21/06/2012

مخرجة سورية أنجزت فيلمين وثائقيين عن ثورة شعبهــا

إيما سليمان: الصورة أقوى من الطغاة

علا الشيخ - دبي 

إيما سليمان، مخرجة سينمائية سورية لم تستطع أن تلتقي أمها منذ انطلاق الثورة في بلدها، لأنها لا تتمكن من العودة إلى سورية، بسبب وقوفها منذ البداية مع حلم الشعب بالتغيير، حين هبّ في ثورته في الـ15 من مارس العام الماضي. لكن المخرجة التي سافرت إلى باريس، ثم أقامت في دبي، كانت تبحث عن طريقة لمناصرة ثورة شعبها من أجل الحرية والعدالة والحياة الكريمة، فوجدت في الفيلم الوثائقي وسيلتها لقول الحقيقة، ووسيلتها لرصد آلام الناس وأحلامهم. وتؤكد إيما أن «الصور أقوى من كل الطغاة المستبدين، وأقوى من القتلة، فهي تطارد النظام السوري وتكشف جرائمه في حق المدنيين، وتكشف أكاذيبه أيضاً، وتبقى تلك الصورة قوية بوصفها وثيقة للحقيقة، لا تكذب». إيما حملت آلة تصوير وذهبت إلى الحدود التركية ـ السورية، حيث مخيمات التشريد منصوبة هناك في الجانب التركي، تضج بقصص المعاناة والبطولة الإنسانية، وكذلك الذكريات والأحلام بغدٍ أفضل تكون فيه سورية وطناً لجميع السوريين، وطناً حراً يعلو فيه شأن المواطن السوري، وتعلو فيه قيم الحرية والعدالة والديمقراطية والتنوع أيضاً. واختارت المخرجة الفن وسيلة نضال ودعم للثورة التي قدمت منذ انطلاقتها أكثر من 15 ألف شهيد. أنجزت إيما فيلمين وثائقيين، الأول بعنوان مأخوذ من قصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش «يطير الحمام»، الذي صورته على الحدود التركية ـ السورية، ويتناول معاناة ابناء وطنها اللاجئين في مخيمات الحدود. أما الفيلم الوثائقي الثاني فهو بعنوان «لماذا أرسم أم إبراهيم»، ويرصد تفاصيل يرويها الفنان التشكيلي السوري خالد الخاني عن مجزرة حماة، ليعود بذاكرته 30 عاماً إلى الوراء، حيث كان شاهداً على الدم في تلك المدينة.

بين وطن يئن تحت وطأة القصف والدم يومياً، وأم مريضة محرومة رؤية ابنتها الوحيدة، وبين موقف آثرت أن يكون الى جانب شعبها الثائر الذي يطالب بحريته وإسقاط النظام، تقف إيما سليمان، لتقول «أحبك يا أمي، ومشتاقة إليك اشتياقي للوطن»، مؤكدة أن «الثورة السورية ستنتصر، وسيرحل الطاغية». وتضيف ان الفنون، ومن بينها السينما الوثائقية والصور، سريعة الانتشار وتأثيرها قوي، «لست مقيمة في سورية كي أخرج مع الملايين أطالب برحيل النظام وإسقاطه، لكنني لن أقف مكتوفة اليدين والعقل، إذ سأعمل بكل ما أوتيت من قوة ورغبة في أن تعيش سورية حرة، ومن خلال توظيف وسائل التكنولوجيا والمعرفة والكاميرا، كي انقل الحقيقة ليس للوطن العربي فحسب، بل للعالم كله». إيما سليمان تقول عن فيلمها القصير «يطير الحمام»، إن التغطية الإعلامية كانت غائبة عن الأرض في بداية الثورة السورية، خصوصاً ما يتعلق بمعاناة اللاجئين، وتفاصيل تشريدهم من بيوتهم، وقصصهم ومشاهداتهم، علاوة على غياب احصاءات دقيقة بأعدادهم، فهناك لاجئون داخل الوطن وخارجه، «كل ذلك دفعني، ومن منطلق واجبي، كوني مؤمنة بالحلم السوري نحو دولة ديمقراطية، إلى أن أشارك في صناعة هذا الحلم، وألا أقف متفرجة».

عن فيلمها «لماذا أرسم أم إبراهيم» الذي عرض في باريس والرياض ونيويورك، وتناولت فيه رواية الفنان خالد الخاني، الشاهد على مجزرة حماة عام ،1982 تقول إيما، إن «الفيلم يحكي عن مجزرة الماضي التي تمتد إلى مجازر الحاضر، فالشخص نفسه، أحدهما مات، والآخر لايزال على خطاه». وتبين ان «رواية الفنان الخاني عن المجزرة ليست شهادة شخصية بقدر ما هي قصص الجارات، وأم ابراهيم هي شخصية حقيقية تنطق بلسان كل الامهات اللواتي فقدن أبناءهن أمام أعينهن». وتؤكد «حماة عاشت في داخلي منذ طفولتي، حيث كانت هناك امرأة يلقبها الناس بالمجنونة. كنت أستغرب عندما نعطيها تفاحة أو أي فاكهة أخرى، تقوم بتقسيمها إلى خمس قطع بالتساوي، وكنت أسأل دوماً عن هذا السبب ولا أحد يجيب، الى أن كبرت وعلمت انه قوات الأسد الأب قامت بقتل أبنائها الخمسة أمام ناظريها في حماة». وتضيف «الفيلم ليس بعيدا عن كل هذا، فبعد صمت استمر 30 عاماً، روى الخاني تفاصيل من تلك المجزرة المروعة، كما أن سلطة التعتيم الإعلامي لم تعد قوية في ظل الثورة التكنولوجية». ويروي الفيلم الوثائقي «لماذا أرسم أم ابراهيم» أحداثاً عاشها الخاني في حماة، التي راح ضحيتها أكثر من 40 ألفاً عام .1982 وتقول المخرجة السورية التي تقيم في الإمارت منذ سبع سنوات، «من خلال تسليط الضوء على رسم الخاني شخصية أم ابراهيم التي عرفت في حماة بوصفها حاضنة لأهالي حيي العصيدة والزنبقي، كما أنها ساعدتهم ليخرجوا من المدينة الى الريف، وتبقى هي في بيتها بإصرار منها».

وتؤكد إيما «فهمت الحكاية قبل سماعها من الخاني، بمجرد أن رأيت وجه أم ابراهيم يملأ اللوحات». وتوضح «استعملت كاميرتين للتركيز على الرواية من جهة، ويد الفنان التي ترسم أم إبراهيم، وانتهيت من تصويره وصناعته في أسبوع». وتبلغ مدة الفيلم إلى 20 دقيقة، وهو معروض عبر موقع «يوتيوب»، بعدما عرضه للمرة الأولى تلفزيون «أورينت». وعن سورية الجديدة، تقول إيما سليمان، «سورية الحرة، بعد انتصار الثورة الشعبية، ستكون مدنية تشبه أهلها، حنونة ومعطاءة، لأن فيها الخير الكثير، وستكون رمزاً لثورة شعب تجرع مرارة الخوف من النظام الحاكم 40 عاماً، ومع ذلك قام وانتفض من أجل حريته، وستكون سورية وطن الجميع بكل الأطياف، وليست كما أرادها نظام الأسد طائفية». وتؤكد «سنعاني بعد سقوط النظام بعض ردود الفعل، لكنها لن تطول، لأن المواطن السوري بطبيعته مدني، وكان ينتظر الفرصة كي يترجم مدنيته وانفتاحه وتحرره الى سلوك».

طمأنينة مكسورة

يسرد الفنان التشكيلي السوري في شهادته عن مجزرة حماة تفاصيل من التراجيديا السورية، ويقول إنه شاهد مع أصدقائه الأطفال عام 1982 مشهداً مروعاً من مجزرة حماة، حيث دخلت فتيات تقطر ثيابهن بالدم، مكان الوضوء في مسجد عمر بن الخطاب، وارتفع صوت البكاء بين النساء حين شاهدن الفتيات، «فانتقل إلينا إحساس الخطر، نحن الأطفال، فاتّحدنا مع الجميع في بكاءٍ لم اشهد له شبيهاً في حياتي كلها، لان هذا لم يحصل إلا هناك، وأتمنى ألا يحصل ثانية». ويضيف حول أثر ذلك المشهد في ذاكرته وحياته ونفسيته «يا له من اضطراب في روحي إلى الآن! هذا المشهد من تقاسم الألم كسر الطمأنينة الى الأبد».

الإمارات اليوم في

21/06/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)