حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

في عصر تتداخل الأمور من الأفضل دمج حقلي السينما والمسرح

وفاء حلاوي: جوائز سينمائية عالمية رغم حداثة سنها

نقولا طعمة – بيروت

 

بدأت وفاء حلاوي اهتمامها بالسينما منذ طفولتها، وتخصصت في "فنون الاتصال" وتنقلت بين دبي وبيروت ولندن وأفريقيا لتزيد تخصصها واختباراتها الفنية السينمائية مع كبار السينمائيين العالميين، وفي مناسبات عالمية متعددة.

اختبرت فن السينما بأصنافه المختلفة: التوثيقية والطويلة والقصيرة وأصناف حديثة، وشاركت بأفلام لحملات قادتها منظمات انسانية حقوقية تهتم بشؤون المرأة ومناهضة التعذيب.

في عقدها الثالث، تحمل حلاوي أحلاما كبيرة، فبعد انجازات ومشاركات متعددة في السينما والمسرح والرقص، هيأت فيلمين جديدين تبحث عن تمويل لهما

وفي حوار معها، نستطلع انجازاتها، وآفاق طموحها قبيل سفرها إلى "كان" لحضور المهرجان الدولي ومقابلة سينمائيين لن تشأ الإفصاح عن خططها وآمالها في الزيارة، أنه "بعد بكير كثير".

·         متى بدأ اهتمامك بالسينما؟ وكيف أتيت إلى هذا المجال؟

بدأت التمثيل في الخامسة من عمري بالإعلانات عن طريق شركة كان يديرها والدي في دبي اسمها Publi Graphics، ومثلت في تلك الفترة بالمسرح المدرسي. تركنا دبي إلى باريس ونيس ولندن ومدن أخرى وعدنا إلى بيروت، وكنت أينما حللت أتابع التمثيل وأشارك بمسرحيات. أعتقد أن هذا هو مصدر اهتمامي الأول بالسينما.

·         كيف تطور اهتمامك من الهواية الطفولية حتى التخصص؟

بعد عودتي الأولى إلى لبنان، تابعت دراستي في فرع "فنون الاتصالات" Communications Arts في الجامعة اللبنانية- الأميركية، وتم اختياري للانضمام إلى فرقة "مقامات" للرقص، خصوصا الرقص المسرحي مع مديرها عمر راجح، ومن خلال الفرقة شاركت بعروض في لبنان وخارجه، وبقيت سنتين ونصف السنة في صفوفها

·         ما الأعمال الأولى التي شاركت فيها وكانت إطلالتك الأولى منها على الجمهور؟

شاركت في مسرحية "حرب عالبلكون" لعمر راجح، وكذلك في "مهرجان بيروت الدولي الأول للرقص" (BIPOD)، وفي حلقتين من حلقات "قصتي قصة" التلفزيونية لإيلي أضاباشي وقد عالجت قضايا اجتماعية. كذلك في "صارت معي" مسلسل حلقات تلفزيونية لمروان نجار، عالجت قضية امرأة تغني ويستغل زوجها عملها.

وفي 2003، شاركت بتمثيل مسرحية لجبران خليل جبران وهي "المكفوف" وأخرجها وليد فخر الدين. وبعد ذلك شاركت في عدة أفلام و بحلقات في التلفزيون.

·         متى بدأ اهتمامك بالأفلام الوثائقية؟ وما هي الأفلام التي اشتغلت عليها؟

التجارب التي سبق ذكرها إن في المسرح أم في السينما أو التلفزيون، عمقت دراستي عن تصرفات الانسان، مما دفعني لأصنع فيلما وثائقيا يوازي بين الأداء الانساني على المسرح، وسلوك الانسان في الحياة العامة.

سنة 2004، سنة تخرجي من الجامعة، اتجهت أكثر نحو الإخراج، فبعد تصوير فيلمي الأول القصير "الفصل الأول المشهد10" مع كريستين شويري وطلال الجردي، ثم غادرت لبنان والتحقت بـ"أكاديمية نيويورك للأفلام" في لندن، وشاركت في احتفالات اوروبية بفيلم التخرج "مسودة شديدة الخشونة" (Very Rough Draft). 

وسنة 2006، سافرت من لندن إلى غانا، حيث واصلت تجديد أعمالي واتجاهاتي بتصوير سلسلة من ثلاثة أفلام وثائقية مع شركة اسمها Finatrade، التي تؤمن رعاية التعليم في المدارس والجامعات كما أخرجت دعاية مع "ساتشي ساتشي" وفي أفلام لشركات ذات طابع توثيقي

·         حدثينا عن دراستك وتخصصك الجامعي، ومشاركاتك أثناءها؟

وخلال استكمال شهادتي "الماسترز" في الأفلام في "كلية لندن الجامعية"، أحببت أن أوسع تجربتي في إخراج الأفلام، بالعمل كمخرج مساعد على أفلام تجارية، وأخرى قصيرة، وأفلام متنوعات، مع ممثلين أمثال مورين ليبمان، وفاليري كامبل، وأيان هارت وآخرين. وعدت ثانية إلى بيروت سنة 2008 وتابعت التدريس في الجامعة اللبنانية-الأميركية.

·         بعد عودتك، ما الأعمال الأولى التي قمت بها؟

صنعت فيلما Who Is She لصالح "مؤسسة الدراسات النسائية في العالم العربي"، يعرض لنساء لا يعرفهن الجيل الجديد وهن أديبات لامعات، ووجوه في مختلف المجالات العامة، والفيلم وضع لمناسبة اليوم العالمي للمرأة سنة 2010، منهن الأديبة الراحلة مي زيادة، والكاتبة الشهيرة آميلي نصر الله، ولور مغيزل، وناديا تويني وأخريات.

وخلال عملي في السنوات الأخيرة بلبنان، بدأت التحضير لفيلمين طويلين وهيأت لهما السيناريو : الأول، "تشيللو" (Cello)، يدوم مائة دقيقة، واختاره برنامج ENGAGE- وهو برنامج ترعاه شركة MEDIA- للجائزة الأولى لقصة الفيلم بواسطة لجنة تحكيم ترأسها المنتجة الأميركية كريستين فاشون. والثاني، "فتاة من غبار" عن كتاب لناتالي أبي عزي. وبعد أن هيأت الفيلمين، أفتش عن ممولين لهما.

·         ماذا عن بقية نشاطاتك؟

بقيت اتنقل بين التمثيل والإخراج فمثلت في أفلام قصيرة ومنها فيلم أخرجه طلال خوري لصالح حملة التوعية ضد التعذيب Alef Awareness Campaign، وفيلم "انظر إلي" ( Look at Me) إخراج ريمي مقصود. وأقوم حاليا بإخراج ثلاثة أفلام رقص لصالح 4D Project-وهو عرض راقص تشارك فيه الجامعة الأميركية في بيروت ومؤسسة ملن MELLON- يستكشف الحركة والمسافات. ويأتي عملي هذا عقب فيلم "ربما نحن أيضا" We Might As Well وذلك بالتعاون مع مصممة الرقص آن غوو Anne Gough ومدير التصوير والإضاءة نبيل عساف. وقد اختير هذا الفيلم وعرض في مهرجان أفلام الرقص في أمستردام ( CineDans 2011)، وفي مهرجان الفيلم لخريجي الجامعة اللبنانية- الأميركية 2012.

·         بدأت بالتمثيل المسرحي، لكنك اليوم أكثر ميلا إلى السينما. ما السبب؟ وهل تفضلين السينما على المسرح؟ لماذا؟

أحببت المسرح كثيرا لكنني أحب السينما أيضا، خصوصا لارتباطها بعنصري المسافة والوقت. ما أشعر بخسارته في المسرح هو ظرفية العرض حيث ينتهي كل شيء بعد انتهائه. ولكن في عصر تتداخل فيه الأمور أكثر فأكثر، من الأفضل مزج الحقلين: السينما والمسرح، ومثال على ذلك هو عرض Kiss and Cry، الذي صممته فرقة شارلوروا للرقص Charleroi-danses البلجيكية في افتتاح “مهرجان بيروت للرقص لهذا العام BIPOD.

الجزيرة الوثائقية في

17/05/2012

 

هوجو: فانتازيا تاريخية عن السينما بين عصرين

رامي عبد الرازق 

خمس جوائز اوسكار حصل عليها"هوجو"الذي كان مرشحا لعشرة من اهم جوائز المسابقة الأشهر في العالم, الجوائز الخمس جاءت تقنية(اخراج فني وملابس وصوت وميكساج وخدع)اما الترشيحات الخمس الاخرى فكانت هي الأهم والاكثر قوة (احسن فيلم وإخراج ومونتاج وموسيقى واقتباس للسينما) وهي الترشيحات التي تعكس مدى العمق الفكري والقوة البصرية-ونعني بها الاخراجية وليست المؤثرات والخدع- التي اتسم بها هذا العمل المتقن متعدد الدلالات.

الكتاب المأخوذ عنه السيناريو موجه اساسا للاطفال وتحويله إلى فيلم يخطاب الوجدان الطفولي في المتلقين على اختلاف شرائحم العمرية هو جزء من الدلالة الفكرية للسيناريو, فهو فيلم عن السينما, عن فن اختراع الاحلام على الشاشة, والحلم والخيال والحرية هي اكثر الصفات الطفولية التي تتداعى في اذهاننا جميعا حين نشاهد السينما, فبطل الفيلم هو فتى صغير يعيش في ممرات محطة قطار باريس في عشرينيات القرن الماضي وهناك يلتقي بجورج ميليس(1861-1938)المخرج الكبير الملقب بالاب الروحي لسينما الخيال العلمي والافلام الملونة.

فانتازيا سحرية

نحن امام فانتازيا تاريخية ذات ابعاد تتسم بالواقعية السحرية, فجورج ميليس بالفعل بعد ان انهارت صناعة السينما اثناء وبعد الحرب العالمية الأولى واضطر إلى احراق ملابس افلامه وديكوراته ثم هجر الاستديو الخاص به لم يجد غير مجرد الوقوف في محل صغير لبيع اللعب والعاديات داخل محطة باريس, والفانتازيا التاريخية هي بناء احداث درامية خيالية"بمعني لم تحدث" انطلاقا من احداث وشخصيات حقيقية ومعروفة"حدثت بالفعل".

 اما الواقعية السحرية فهي تلك الحالة التي تخص عمل الطفل الصغير"هوجو"كمسئول عن ضبط الساعات الخاصة بمحطة القطار والتي يضبط عليها الجميع ساعاته وتتحدد على اساسها مواعيد القطارات وهي المهنة التي ورثها عن عمه السكير بعد وفاة والده في حريق بأحد المتاحف.

(ونلاحظ دلالة أن يقوم طفل صغير بضبط الزمن وهي دلالة فلسفية شديدة العمق والايحاء بمدى سيطرة فكرة قوة الطفولة على النص سواء الكتاب او السيناريو)

وبينما يلتقي الطفل"هوجو"بجورج ميليس دون ان يعرف من هو ولا نعرف نحن ايضا! تتبلور تلك المستويات الدلالية للفيلم الذي يشكل اكثر من تحية لعالم السينما والخيال الجميل.

لدينا ذلك المستوى الدرامي المشبع بالمشاعر والانفعالات للعلاقة التي تتطور ما بين هوجو و"بابا جورج" كما تطلق عليه حفيدته صديقة هوجوو هذا المستوى الذي يبدأ بأمساك جورج العجوز للطفل هوجو وهو يحاول سرقة فأر آلي صغير منه ويبدو هنا ان الفأر معادل موضوعي/سيسيولجي لهوجو نفسه الذي نراه من خلال اللقطات التأسيسية للشخصية والمكان يتحرك بين الممرات الداخلية للمحطة من فأر بشري صغير بين ماكينات البخار الهائلة وتروس الساعات الضخمة والنوافذ الزجاجية العاكسة والقضبان الحديدية التي تمثل نافذته على عالم بعيد لم يعد ينتمي إليه سوى بالنظر والخيال منذ وفاة أبيه.
وتتعدد ايضا دلالات الأشياء والديكورات بالفيلم مثل المشهد الذي نرى فيه العجوز جورج وهو يجتاز الطريق إلى بيته عبر المقابر والتماثيل العظيمة المحنطة وكأنه صار واحدا منهم ويتخذ ذلك المشهد دلالة اكبر عندما يعلم هوجو وحفيده جورج ان النقاد والمؤخرين يعتبرون ميلياس متوفي في ظروف غامضة زمن الحرب كرمز للموت المعنوي الذي حاق بهذا الفنان العظيمو فمروره اليومي من المقابر إلى المنزل هو تأطير لهذا الموت المعنوي المعلن.

بين زمنين

المستوى الثاني هو المستوى الفكري الخاص بالمرحلة الانتقالية بين زمنين والتي يعتبر الكتاب والسيناريو ان السينما كانت احدى علاماته وانتاجاته في نفس الوقت, مرحلة البخار التي ترمز لها محطة القطارات البخارية التي تدور بها الاحداث كمعادل موضوعي للعالم في تلك الحقبة الزمنية ومرحلة التطور التكنولوجي المعتمدة على الذكاء الاصطناعي الذي يجسده الانسان لآلي الذي ابتكره ميليس نفسه والقادر على الرسم.

والذي يرسم بالفعل صورة لافيش اشهر افلام ميليس"رحلة إلى القمر"وهي دلالة عن المستقبل والتطور الهائل الذي بدأ بفكرة جول فيرن/ادب مرحلة الآلة البخارية وتجسد في فيلم ميليس/السينما رمز التطور التكنولوجي, ثم تحقق بعد اقل من نصف قرن حيث صعد الانسان للقمر كما تنبأ الادب وصورت السينما.

 لقد أعتبر السيناريو ان السينما هي التطور الانساني الاكبر على المستوى الفكري والفني والابداعي وانها لا تقل اهمية وقوة وخيالا عن الادب, وذلك من خلال شخصية حفيدة جورج ميليس صديقة هوجو التي تعيش في عالم الكتب المقروءة, ولكن هوجو يصطحبها إلى السينما لاول مرة في حياتها لترى وتسحر بعالم الاحلام والتي يصبح طريقها إلى اكتشاف هوية جدها وحقيقته الكبرى.

3D سكورسيزي 

نتصور أن استخدام سكورسيزي لتقنية ال 3D في صناعة الفيلم لم تأت لاسباب تجارية أو مواكبة لصرعة الأبعاد الثلاثة ولكنها تبدو كتحية من السينما للتكنولوجيا التي صارت السينما ابنتها وابنة عصرها الشرعية, وتحية للسينما نفسها التي تمكنت من تجسيد الحلم عبر الابعاد الفيزيقية الثلاث للبشر والأشياء(الطول والعرض والأرتفاع) وذلك بعد قرن واحد فقط من اختراعها وابتكار الحيل السينمائية بشكلها البدائي على يد ميليس وجيله.

وقد استخدم سكورسيزي اخراجيا اللقطة المتحركة "TRAVELING SHOT "واللقطة المعقدة  COMPLEX SHOT”"في مشاهد الممرات الداخلية للمحطة ليس فقط لاعطاء مساحة لتقنية ال3D بامتاع المتفرج بصريا ولكن لمحاولة التعبير الحركي عن واقع متحرك بالفعل او على حد تعبير جودار(محاولة الامساك بالواقع في حركته"المتحركة" ابدا) لان تلك الممرات التي يتحرك ويعمل بها هوجو كفأر الكتروني صغير, ويحاول اصلاح الانسان الآلي الذي تركه له والده كأرث ثمين وطموح لفهم اسباب الحياة-كما يقول لصديقته حفيده ميليس- هذه الممرات هي المعادل لكواليس او باطن الحقبة البخارية الحبلى بالتطور التكنولوجي الذي افصحت عنه السنوات التالية, وبالتالي فكل لقطاتها متحركة ومعقدة على عكس الكثير من لقطات ساحة المحطة التي تتسم بالاذدحام ولكن الاستاتيكية والبطء والركود وضيق الأفق وهو ما عبرت عنه شخصيات المحطة مثل بائع الجرائد العجوز الذي يحب صاحبة المخبز التي تربي كلبا صغيراو وبائعة الورد المبتسمة مثل دمية  بلهاء,

وبالطبع مفتش البوليس رمز السلطوية العسكرية التي دمرت نفسها اثناء الحرب ودمرت معها الحركة الفنية التي كان ميليس أحد علاماتها وضحاياها, والتي تبدو مثل كل السلطات العسكرية شبه عاجزة او مشوهة, حيث المفتش يعاني من جرح في ساقه يجعله يضع لها قائم معدني ويسير بشكل مرعب ومضحك في نفس الوقت ويحيله إلى"ابو رجل مسلوخة"في المخيلة الطفولية التراثية العربية وقد قدم الممثل "ساشا كوهين" الدور باتقان شديد حيث بدا في تشكيله الحركي والجسدي اقرب لدمي العساكر التي يلعب بها الاطفال حيث زوايا جسده مربعة وحركته آليه . ويعد ادائه وشكله الحركي جزء من عالم النظرة الطفولية التي تسيطر على مخيلة الفيلم بأكلمه.

اما اختيار الممثل المخضرم بن كنجسلي فجاء جزء من الحالة السينمائية المميزة بحكم الشبه الكبير بينه وبين ميليس الحقيقيو كما انه ممثل باطني هائل القدرة على ابراز مشاعره وانفعالاته من خلال نظرة عين او انحناءه جسد وهو ما عبر عن طبيعة حياة ميليس في الفترة الاخيرة من حياته حيث اختزن حزنه وتاريخه وخبراته في نظرة عين شجنية ومشحونة بالاسى والصمت.

اما الطفل "اسا بترفيلد " الذي لعب دور هوجو فقد جاء مكملا لطبيعة الشخصية على المستوى الخارجي والداخلي ليس فقط في قدراته التمثيلية المبكرة ولكن بعيونه الزرقاء الواسعة التي تتطلع لعالم في رحم الغيب لكنه مؤمن بأنه آت, وهي مفردة سينمائية مميزة لأن العيون هي المستقبلات الرئيسية للصورة والسينما والأفلام.

سيناريو: جون لوجان ـ عن كتاب ل : براين سيلزنيك ـ إخراج : مارتن سكورسيزي ـ بطولة : بن كنجسلي ساشا كوهين ـ مدة الفيلم : 126 ق

الجزيرة الوثائقية في

17/05/2012

 

الإسقاط الثقافي والإيديولوجي على الفيلم السينمائي

كاظم مرشد السلوم  

أما المخرج "شين بن" فيقص في فيلمه حكاية رجل عجوز لا شغل له إلا الاستحمام  وحلاقة ذقنه والتسوق اليومي، فهو يعيش حياة رتيبة متكررة، ويعتني باستمرار  بملابس زوجته الميتة، حيث يختار كل يوم فستان من فساتينها ليضعها على  السرير، وفي شرفة بيته تقبع زهرية تحوي أزهاراً ذابلة، وفيما هو منشغل  بعمله اليومي الرتيب يعرض التلفاز صور انهيار برجي التجارة إلا انه لا يشعر  بذلك، ولكن وعلى حين غرة تدخل أشعة الشمس لتضيء بيته وتستعيد الأزهار  نضارتها فيدخل في نوبة بكاء كمن يكتشف تواً موت زوجته .

نحى "شين بن" منحى الاستخدام الرمزي فلم تكن الولايات المتحدة غير تلك الزوجة الميتة منذ زمن دون أن يشعر أهلها بموتها، وهم منشغلون بكماليات الحياة، وان التجارة وتنامي الثروة يحجبان النور عن الحياة الأمريكية وكأنه أراد القول بأن الأمريكيين كانوا بحاجة إلى هذه الصدمة لاكتشاف ذلك للخروج من الحالة الأشبه بالطقوسية .

  اعتمد المخرج على تصوير لقطات تعبر عن أيقونة مفردات الحياة الأمريكية من خلال حركة الكاميرا التي أراد لها في الأحيان العمل وفقا لما هو متعارف عليه في الأفلام التسجيلية، حيث الاهتزازات المرافقة للعجوز أثناء تسوقه ليؤكد هذا المعنى ويعممه على واقع الحياة الأمريكية وأكد ذلك أيضا بلقطات كبيرة على وجه العجوز وعلى مخلفاته التي تتراوح بين شفرات الحلاقة ومواد التنظيف كما أكد على الأيقونة المقابلة (زهرية الورد الذابل)، كما اعتمد على حركة أسبغت جمالا على العرض من حركتها الرافعة وتنويعها بفعل ذلك أحجام القطات المنسابة برشاقة.

 ما قدّمه المخرج المكسيكي غونز اليز انرتيو هو فيلم يستعصي على التجنيس، فهو ليس وثائقيا بالمعنى الأكاديمي للفيلم الوثائقي، كونه لم يقتصر على التسجيل كما انه لم يعمد إلى إعادة بناء للوثيقة، كما انه ليس فيلما روائيا لأنه لم يتضمن حكاية بالمعنى التقليدي للحكاية، فقد أوغل كثيرا بالترميز، إذ عمد إلى إظهار لقطة لبرجي التجارة عند اصطدام الطائرة الأولى ثم يظهر الظلام على الشاشة، وبعد دقائق تظهر الطائرة الثانية، وهي تصطدم بالبرجين وتغط الشاشة ثانية في الظلام ولا نسمع شيئاً سوى أصوات الاستغاثة ، ثم يظهر على الشاشة شخص وهو يسقط من الطوابق العليا ثم يعود الظلام ثالثة ورابعة، وينتهي الفيلم بظهور تساؤل باللغة العربية، مفاده هل أن دين الله يأمر بذلك .

الفيلم فقير من الناحية الفنية وحتى الدلالية ولا يتناسب مع مكانة المخرج غونزاليز انريتو الذي اخرج عدداً من الأفلام المهمة والكبيرة كفيلم "بابل" الذي حضي بإعجاب النقاد والأكاديميين والمهتمين، فلا حركة كاميرا ولا رؤية فنية واضحة بل اعتمد على الرؤية الإيديولوجية المنحازة التي تعاطت مع الحدث على انه حادثة ليس لها أي جذور ولم يكلف نفسه عناء البحث في الدوافع أو المسببات كما انه لم يتناول الموضوع برؤية فلسفية كما فعل كلود ليلوتش أو شين بن.

يوسف شاهين حاول أن يقدم رؤية تبريرية من خلال تجسيد شخصية جندي أمريكي قتل في بيروت عام 1983، ويدور حوار فلسفي بين المخرج يوسف شاهين الذي جسد دوره الممثل نور الشريف، وبين روح الجندي الأمريكي، يحاول شاهين إقناع الجندي أن هذه الجريمة تشابه إلى حد بعيد جرائم إسرائيل التي تدعمها الولايات المتحدة، لذلك نراه يتحدث مع الجندي بغضب ، يبتدئ الفيلم بمنع الشرطة الأمريكية لشاهين من تصوير برجي التجارة قبل انهيارهما، وتتوالى أحداث الفيلم،  فيقود الجندي الأمريكي الى بيت الاستشهاديين الفلسطينيين ليتعرف على دوافع الاستشهاد، ويبرر لها بلقطات تسجيلية عن الجرافات الإسرائيلية وهي تهدم بيوت الفلسطينيين وتعاملهم بوحشية هم ومن معهم من الذين يساندونهم، المخرج يوسف شاهين قدم عملا مدروسا من الناحية الفنية مستفيدا من الإمكانات التي تقدمها الخدع السينمائية والمونتاج في اختزال المسافة في سير الجندي للقاء شاهين، وكذلك عندما يلعب معه الكرة الطائرة حيث يراه المخرج ولا يراه احد من الحاضرين لإكمال الجو العام الذي يتناسب مع التعامل مع روح معنوية وليست مادية، شاهين أراد أن يقول إن العنف لا يجلب سوى العنف لمن يقوم به ولمن يدعمه كذلك .

المخرجة" سميرة مخملباف" تنظر إلى الحدث من خلال عيون أطفال أفغان يعيشون مع ذويهم في مخيم الأفغان في إيران ، والحكاية عن معلمة شابة تحاول إخبار الأطفال بأن حدثا مهما ربما سيغير وجه العالم قد وقع في مدينة بعيدة جدا اسمها نيويورك، وان الطائرات قد اخترقت البرجين لكن الأطفال بعفويتهم المحببة يتلقون الخبر بكثير من السخرية والضحك الطفولي كونهم ببساطة لا يعرفون معنى البرج أو ناطحة السحاب فتضطر إلى محاولة تقريب الصورة بان تصور لهم مدخنة احد معامل الطابوق من الأسفل وكأنه بما يشبه البرج في محاولة لتقريب الصورة لدى الأطفال.

رؤية مخملباف ترتكز على إدانة الولايات المتحدة التي ساهمت بشكل فعال في تشريد العوائل والأطفال الأفغان كما تدينها أيضاً بتهمة الإبقاء على الجهل في البلدان الفقيرة والصغيرة.

المدى العراقية في

17/05/2012

 

(الأحفاد) من الرواية إلى الفيلم

كاوي هارت هيمنغز*  ـ  ترجمة: نجاح الجبيلي

كانت "الأحفاد" هي أول رواية منشورة لي. كتبتها في الثامنة والعشرين بينما  كنت أعيش في سان فرانسيسكو وأخصص كامل وقتي كأم. وكانت الرواية الثانية  التي حاولت كتابتها. ولم تظهر الأولى معها؛ كان ثمة يأس بعد ذلك وكنت أحتاج  إلى أن أعرف إن كان بإمكاني أن أكملها.

رجعت إلى شخصية ما زالت حاضرة في ذهني من قصة قصيرة مبكرة لي وبعد أن قضيت ساعتين باليوم في كتابتها بينما كانت ابنتي التي عمرها سنة واحدة تنام القيلولة.

كان لديّ وكيل في لندن أرسل بمخطوطاتي إلى عدة مخرجين وضعوها في ضمن "الاختيار" كي يشتروا الحقوق لصنع فيلم منها؛ عادة ما يستمر "الاختيار" لمدة سنتين حتى يصل إلى النقطة التي يستطيعون فيها أن يحتفظوا أو يجددوا أو يسمحوا بها تماماً أو يشتروها. قبل أن تطرق روايتي مخازن الكتب "اختارها" المنتج وكاتب السيناريو الكسندر باين (الذي أخرج أفلاما مثل " طرق جانبية" و" عن شميت")
في أحد الأيام اتصل بي باين وقال:" أريد أن تكون روايتك مشروعي القادم". في ذلك الحين كنا وعائلتي انتقلنا إلى هاواي وطار هو هناك الأسبوع التالي، إذ التقينا في فندق قريب بمحلتي كيلوا. وصل باين مع مصمم الديكور وكنت في الواقع أشعر بالرعب في البداية لكنه كانت لديه تلك الطريقة المريحة وغير الرسمية في الحديث فجعلني أشعر بالراحة. في تلك الليلة كانت عمتي تحتفل بعيد ميلادها في البيت فدعوتهم. قمنا في اليوم التالي بجولة بالسيارة حول المنطقة وأطلع المخرج على الأماكن التي كنت أفكر بها حين كتبت الكتاب

التقى باين بعائلتي بأكملها وكلهم انتهوا إلى أن يكونوا في الفيلم. كنت في موقع التصوير طوال الوقت وحتى أن شاركت بدور قصير جدا (كاميو) في الفيلم بنفسي. تقريبا كل سطر من الحوار كان من الرواية وكل مشهد والموسيقى التي أشرت لها والملابس التي لبسوها والأماكن التي ذهبوا إليها. كانت عملية شاملة. كنت غير مالكة للقصة حصرياً لأني أثق بباين لكني عرفت أنه بين يدي الشخص الخطأ يمكن أن تكون الرواية مليودرامية على نحو مريع

ما زلت أعد نفسي كاتبة مكافحة. "الأحفاد" رواية أنجزتها من قبل. والآن أنا أكافح مع روايتي القادمة وفي البيت مع طفلي الثاني الآن. كانت ثمة منافع، وبالأخص أن كتابي الآن يقرأ ولم يحدث ذلك من قبل. وتتم مراجعته في كل أنحاء أميركا حين نشر لأول مرة لكن ذلك ليس بالضرورة أن يترجم إلى القراء. الآن ثمة قراء يرسلون الرسائل الالكترونية قائلين:" نحب روايتك لم نسمع بها إلى شاهدنا الفيلم". شيء عظيم أنها حصلت على فرصة ثانية.

* كاتبة أمريكية ولدت ونشأت في هاواي. وقد أعدت روايتها الأولى "الأحفاد" إلى السينما بفيلم بالعنوان نفسه أخرجه "الكسندر باين" ورشح للأوسكار عام 2011 من بطولة جورج كلوني. كما نشرت سابقاً مجموعة قصصية بعنوان "بيت اللصوص".

المدى العراقية في

17/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)