حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«المنتقمون» لجوس ويدون.. والقصاص الأميركي

زياد الخزاعي (لندن)

 

الحروب تحيط بنا. تتعاظم محنها وأكاذيب تبريراتها. إنها حيل تجارية قائمة على النَهْب. لا تحتاج إلى تفسير سياسي، بل إلى مكر دعائي نافذ، يملك أدوات تضفي السحر على القوّة وغلبتها. برعت هوليوود في مهمتها لهذا الغرض، فكذبت وحوّرت كثيراً. هذا صلب كينونتها الصناعية، الذي فرض رؤى إيديولوجية على الساكن الأصلي لأميركا، وكرّسته همجياً يجب محقه. ولإقناعنا، اخترعت طلّة جون واين، ليبيّن أن حجّاج أوروبا موعودون بالعظمة.

طوّرت هوليوود أعداء الأمّة بحسب المواصفات: العربيّ مهموم بإحليله، وسرقة بكارة الغربيات وعفتهنّ. الياباني ممسوس بقتل اليانكي. الأميركي اللاتيني حيوان غابي. وصفت الفيتنامي بالجرذ، والألماني بالجلف، ورسمت المسلم إرهابياً قذراً. أما مجلات الـ«كوميكز»، فأخذت حميتها من باب سحري، مفتوح على الخيال الجامح واللاواقعية، مستهدفة يافعين متعطّشين لأطياف كائنات غريبة، ووحوش كونية تهاجم حاضرتنا، فيردعها بشرٌ ذوو قوى خارقة هم الـ«سوبرهيروز» (الخارقون)، ممن ولدوا بعد «سوبرمان» في العام 1938.

في العرف الأميركي، هؤلاء المنتقمون ثيمة القصاص الشعبي للأعداء القادمين من الأكوان المتطوّرة، من دون أن تمنعها سياسة الإدارة الأميركية من المشاركة في النقمة على أمم أرضية حوّلها قادتها إلى شياطين. مغامرات الرجل الخارق «سوبرمان» وهو يمحق بالفيتكونغ، قلّدها لاحقاً «الدكتور مانهاتن»، أحد أبطال «ووتشمين». وقف أبطال غلاف العدد السابع من مجلة «أفضل كوميكز أميركا» (تشرين الثاني 1943) ضد هتلر وهيروهيتو، بينما تخفّى موسوليني تحت الطاولة في انتظارعقابهم. بطولات «أيرون مان» ضد مقاتلي «طالبان» وقتلة «القاعدة» في أفغانستان، إيذان حكومي بقبول الشراكة السلطوية، وتأسيس تواريخ عالمية تصنع حكومات بديلة في بلدان مارقة على الطاعة الغربية.

تُعدّ شركة «مارفال» النافذة، التي أسّسها مارتن غودمان في العام 1939، أكثر المؤسّسات تصديراً احتكارياً لثقافة الـ«كوميكز»، متسلّحة بإبداعات الرسّامين ستان لي وجاك كيربي وستيف ديتكو، الذين ثوّروا الصناعة بشخصيات اكتسحت أسواق النشر، قبل أن ينافسهم الآسيويون لاحقاً. لم تكتف «مارفال» بالخيال، لأنها تحوّلت إلى لسان دعائي فائق التأثير، قبل أن تشتريها شركة «ديزني» في العام 2009 بأربعة بلايين و24 مليون دولار أميركي، ليُفتتح بذلك عهد جديد اسمه «مارفال الهوليوودي». ثم كرّت سلاسلها الشهيرة: «أيرون مان» (حقّق بليوناً و200 مليون دولار أميركي)، و«ثور» (446 مليوناً)، و«كابتن أميركا» (368 مليوناً)، و«أنكردبيل هلك» (263 مليوناً).

اليوم، اجتمع الأربعة السابقون مع «الأرملة السوداء» و«هوك آي» في «أفينجرز إيسمبلي» (عصبة المنتقمين) لجوس ويدون، مثيرين الجميع في 39 سوقاً عالمية، قبل العروض الأميركية بدءاً من الأسبوع المقبل. حقّقوا أرباحاً قدرها 178.8 مليون دولار أميركي في خمسة أيام (هوليوود ريبورتر). هذه المرّة، طارد الخارقون الخبيث لوكي، الذي وطأ أرضنا مع حيواناته الفولاذية مستعمراً، لمعاقبة سكّانها بقنبلة نينو. صرخ في أهل نيويورك: «اركعوا»، فردّ رجلٌ من بقايا محرقة هتلر عليه بلكنة واضحة: «ليس لكائن من أمثالك»، قبل أن يصد «الكابتن أميركا» قذيفته القاتلة الموجّهة الى قلب العجوز الشجاع، على الرغم من خنوع الآخرين. لحق بهذا المشهد المفتعل كَمٌّ هائل من المغامرات والمؤثّرات والتلميحات المسيّسة، المتبخّرة بسرعة. لكن الأهم أن الفيلم دار حول أنسنة هؤلاء الخارقين: شباب متحمسون للمغامرة من دون رغبات جنسية، أو إغواءات بينهم وبين الحسناء سكارليت جوهانسن. أمناء للأوامر. مهمومون بإنقاذ أميركا قبل العالم. أشرفوا على إرسال لوكي وقنبلته المكعّبة الزرقاء إلى الغياهب السيبيرية المسماة «أزغارد»، من دون عقاب أرضي، إقناعاً للمشاهدين بأن أي حكم مركزي، كالمسؤولين المموّهين على شاشات التلفزيون، ليس معصوماً عن الرعونة المتمثّلة بإرسال قنبلة نووية لمحق نيويورك، لإنهاء الحرب، أسوة بقنبلتي الرئيس ترومان. تفرّق الشمل، كلٌّ إلى حياته البشرية، بانتظار بن لادن فضائي، يبرِّر لاحقاً محاسن حروب هوليوود.

السفير اللبنانية في

17/05/2012

 

فتاة هُزمت كإنسانة وانتصرت بالفن

«اختفاءات سعاد حسني الثلاثة» وتحوّلات التاريخ المصري

سحر مندور 

لسعاد حسني مساحة الفيلم بأكملها. معها نبدأ، وإليها ننتهي، في «اختفاءات سعاد حسني الثلاثة» للمخرجة اللبنانية رانيا اسطفان. مشاهد أفلام سعاد حسني تتوالى، بصوت الزمن وصورته، في سياق نسّقته المخرجة، لتخبر القصة. قصة فتاة أصبحت نجمة. قصة نجمة أصبحت مثالاً. قصة مثالٍ يُنفى من البطولة إلى «النهاية»، نهاية امرأة حرّة في زمن التكفير.

ثلاثة «اختفاءات» يلاحقها الفيلم الذي حصد جوائز عالمية وتكريماً دولياً واسعاً: المرأة، المجتمع، الصورة. صنعت المخرجة توازناً بينها شديد الدقّة، لا يميّز بينها بقدر ما يوحّدها، ضمن جسم امرأة يحوي خريطة مجتمع، فصنع الصورة.

الموازاة بين سعاد حسني ومصر في الفيلم، محورية. ترى البلد يشبّ، ويأفل. ترى الأمل يتفتح، ويُخنق. ترى الشعب ينتقل من خمسينيات وستينيات حالمة، إلى سبعينيات واقعية، فثمانينيات تمهّد لتسعينيات الوجع.. وصولاً إلى موت، واقعي ورمزي، فيه هبوطٌ من عليّ.

في البدء، سعاد حسني الشابة. هي العيون التي تنشد الغد بتفاؤل. وهي الخروج الخجول من الطفولة إلى الصورة، كمجتمع أنجز جيشه ثورة، ووعد الناس بتحقيق كل مستحيل، وبالانتصار لكل خيرٍ جميل. هي البراءة، وعيونها مغمضة من شدّة الأمل. فالتقطتها الصورة.

ثم، سعاد حسني المرأة. هي الرقص والغناء ورفع الصوت. وهي الجسد، والرغبة، والوعي إليهما، وإلى الحياة الحسيّة، لا تلك المتوقعة. هي صورة المجتمع يقف عند مفترق الطرق، تلتفت «العين المراقبة» إليه، لا لتشاركه الوجود بضحكة، وإنما لتراقب المنحى الذي سيسلكه.. هل سيصبح العود صلباً؟ سكّة التمرّد والنقد، هل تبلغها سعاد (وما تمثّله)، فيتوجب نفيها؟ صراعٌ، وأسئلة. لقد امتلأت الصورة بها.

وثالثاً، هي سعاد حسني المنفية. أتت من الثورة إلى الفكرة، فغنّتها بأبسط الكلام. ومن الفكرة إلى النقد، فبادرت نحوه بطيبة الحريص المحبّ. فقادها النقد إلى الاغتصاب الرمزي.. تلقته كما تلقاه مجتمعٌ هُزم في الحرب، وهُزم أكثر عندما مُنع من امتلاك نفسه، ومن طرح الأسئلة. وقد تفادى الفيلم استعمال مشهد الاغتصاب الذي أدّته سعاد حسني ببراعة خانقة في فيلم «الكرنك» (إخراج علي بدرخان)، لكنه لم يتفادَ وقعه عليها، وعلى مجتمعها. نُفيت كصورة للمرأة العربية الجديدة، كمجتمعٍ عربي اقتيد إلى هلاكه، ما أن بدأ يلتقط حبل المساءلة. لقد نفيت هي، والصورة.

ويلتقط الفيلم مستوياته هذه عبر خط شكّلته أسئلة محمود المليجي (المحلل النفسي) لمريضته (سعاد حسني) في فيلم «بئر الحرمان» (إخراج كمال الشيخ)، التي تعيش النهار فتاة محافظة، وتحيي الليل ماجناً أحمر. يطالبها بتذكّر الطفولة، وهي تتألم. فقد حلّ الانفصام.

التقطت رانيا اسطفان موضوعها، ولاحقته بشغف الصبر، مشهداً تلو الآخر، بعدما عاشت شهوراً «سعاد حسنية»، استعادت خلالها طفولتها وأحلامها، فالقاهرة ولندن، فالمدافن والكتب. سكنت المخرجة روح بطلتها، لامست يومياتها، حتى يتكوّن الفيلم في إدراك المتلقي مثلما تكوّنت الحياة في المرأة، والمرأة في المجتمع، والصور في عهود مصر.

وعندما تملأ وحدها الصورة في هذا الفيلم، يكتشف المرء أنه يكاد يستحيل الاكتفاء من سعاد حسني.

يستحيل الاكتفاء من امرأة تتجاور في وجهها الاختفاءات الثلاثة، حاضرة ومنفية معاً، كامرأة تتقدّم في التجربة، ويتجاور في بريق عينيها الحلم والجريمة، البطولة والنهاية، «خلّي بالك من زوزو» و«بانوا بانوا».
من المعروف أن المجيب الآلي على هاتف سعاد حسني في لندن، حمل رسالة مرحة بصوتها تقول فيها: «زوزو النوزو كونّوزو...». وذلك ليس فعلاً عبثياً، ولا هو دليل عن تجمّد زمنها في لحظة زوزو. لكنه قرار سياسي. فزوزو هي الصورة الاجتماعية لفتاةٍ تسابق مجتمعها إلى التحرّر، وقد هزمت على مرّ الأيام في مصر المحروسة، فبقيت الفنانة تنتصر لها.

([) تبدأ عروضه عند السابعة والنصف من مساء اليوم في سينما «متروبوليس أمبير صوفيل» في الأشرفية

السفير اللبنانية في

17/05/2012

 

عن فيلم ديفيد فينشر والمحقق الشخصي

«الفتاة ذات وشم التــــــــنين».. يا زمان «الهاكرز»

زياد عبدالله 

يمكن السؤال عما يفعله المخرج الأميركي ديفيد فينشر في هذه الأيام، سؤال مشروع ومتأخر بعض الشيء إن تعلق الأمر بآخر أفلامه The Girl With The Dragon Tattoo (الفتاة ذات وشم التنين)، انتاج العام الماضي، والذي لسبب أو آخر لم نشاهده على شاشات دور العرض المحلية.

لعل البدء بهكذا سؤال على اتصال بكل ما تحمله هذه القراءة للفيلم الذي يعزز مجدداً من حضور هذا المخرج في عالم التشويق والإثارة، الأمر المتفق عليه حين يجري تذكر فيلمه الشهير Seven (سبعة) ،1995 وصولاً إلى Zodiac (زودياك) ،2007 لكن مع اعتبار التشويق جزءاً مما يدفعني للسؤال عما يفعله فينشر، والذي يتكامل مع جزء آخر مهم جداً في تجربة هذا المخرج تتمثل باتصال أفلامه بالمعاصرة وحملها لم يتسيد العالم في وقتنا الحالي.

علاقتي مع فينشر بدأت مع أهم أفلامه قاطبة ألا وهو Fight Club (نادي القتال) ،1999 المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه لتشاك بولانيك، والذي مازلت أبحث عنه في كل جديد له، محملاً لكل فيلم يخرجه فينشر عبء مقارنته بـ«نادي القتال». الفيلم الصالح جداً لأن يكون معبراً إلى مفاهيم التمرد في الحضارة الحديثة، وتحديداً مع انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين، مع انعدام المشروعات السياسية أو الأيديولوجيات الكبرى، ودخول عصر ما بعد الحداثة من أوسع الأبواب ودون استئذان أحد، وبالتأكيد تقديم ما يمكن أن يكون عليه التمرد المعولم، أو «الثورجية الفوضوية»، وصولاً إلى تدمير برجي التجارة العالميين، كما يظهران في نهاية الفيلم قبل ان ترتطم بهما الطائرتان في 11 سبتمبر ،2001 ولعل أكثر من 12 سنة مرت على هذا الفيلم ومازال صالحاً تماماً لأن يتحمل الكثير من الاسقاطات، مع كل ما حفلت به هذه السنوات من عواصف وتغيرات وثورات.

«الفتاة ذات وشم التنين» يأتي بعد The Social Network (الشبكة الاجتماعية) ،2010 عن مارك زوكربيرغ مؤسس «فيس بوك»، ولعل الفتاة ذات الوشم تنتمي تماماً إلى عصر زوكربيرغ، وهنا سأجد معبراً أكيداً نحو ما يمثله هذا الجيل، بالحديث عن «الهاكرز»، والمضي خلف المتغيرات التي طرأت على مفهوم بطولة الأفلام، وبالتالي فإننا ما دمنا في سياق الحديث عن «الفتاة ذات الوشم» فإن شخصية المحقق الخاص الأثيرة في الأفلام الأميركية ستخضع لتعديلات وفق ثورة الاتصالات الحديثة والتطور العجيب واليومي على أدوات التجسس والتعقب، وما إلى هنالك، مما يجعل الجريمة المعاصرة أمراً بالغ التعقيد لا يكفي لاكتشاف لغز جريمة أو التجسس على أحد ما التحلي بالذكاء والفطرة، وما إلى هنالك، إذ إن الأمر يتعدى ذلك إلى التقنية، وتناغم الفطرة مع القدرات المعلوماتية، حتى أن الفطرة نفسها أصبحت تحتاج الى إعادة تعريف، إذ عليها أن تكون بشكل أو آخر بالشكل الذي ظهرت عليه ليزبيث (روني مارا).

الأمر مغرٍ هنا للمضي أكثر خلف ما يعنيه ذلك واقعياً، واتصال ذلك بالسينما، ففي عصرنا الحالي يمكن الحديث عن نوع آخر من الشخصيات المتمردة - شريرة كانت أم خيرة - بالاعتماد على «الجريمة الالكترونية» وعلى الحروب الافتراضية التي تكون نتائجها في الواقع الحقيقي كارثية أكثر من تبادل إطلاق النار، وما إلى هنالك، أو أنها تفضي إلى حروب حقيقية تهرق فيها الدماء، لكن المسرح الأولي لذلك كامن في الشبكة العنكبوتية، وإن حروباً كبرى تشن بين الدول على هذه الشبكة، وهناك مفاهيم وشخصيات محورية في العالم ليست إلا عبارة عن مبرمجي كمبيوتر، وهناك مئات القصص الواقعية المشوقة التي تدغدغ مشاعر محبي قصص المحققين يعيشها هؤلاء يومياً، فقراءة كتاب «داخل حرب جوليان أسانج على السرية» الذي أصدره ديفيد لي ولوك هادرينغ، الصحفيان في جريدة «الغارديان»، اللذان تولّيا قضية «ويكيليكس» والتفاوض مع جوليان أسانج، يدفع الى الاعتقاد بأننا نقرأ واحدة من روايات جون لوكاريه الجاسوسية، مع ورود اسماء مثل الرقيب برادلي مانيغ الذي سرب أكثر من ربع مليون وثيقة والقابع في سجنه الآن، وصولاً للطريقة التي وقع فيها في يد الـ «أف بي آي» من خلال وشاية قرصان إلكتروني آخر هو أدريان لامو.

عرض ما تقدم يريد القول إننا في عصر «الهاكرز»، ولن تكون السينما بعيدة عن تقديم هؤلاء بوصفهم الأبطال الجدد، لأنهم بالواقع كذلك، واسترسالاً أعتمد على أسانج كما صوره الكتاب سابق الذكر للتدليل على غنى شخصيته وآخرين كثر مثله لهم أن يكونوا صالحين للظهور على الشاشة الكبيرة (يجري الآن تصوير فيلم عن أسانج).

في الكتاب مساحة للشعور بأننا حيال جيمس بوند حقيقي. أسانج يتنقل من بلد إلى آخر، هاتفه مغلق على الدوام، متأرجح بين كل الصفات: «مسيح المعلوماتية»، «إرهابي المعلوماتية»، «مقاتل من أجل الحرية»، «مريض اجتماعيا»، «فارس نبيل» و«نرجسي واهم»، وصفات أخرى، لها أيضاً أن تمضي بنا إلى نشأته مع أمه التي أهدته أول كومبيوتر في حياته، وزوج أمه الثاني الذي عمل في مسرح للدمى، الأمر الذي يشبه ما صارت عليه حياة أسانج، إذ يقدم عرضه ثم يفككه ويمضي إلى وجهة أخرى، تماماً كما مسرح الدمى. ويخبرنا الكتاب أنه، وفي أثناء مفاوضات أسانج مع ديفيد لي في بروكسل بشأن منح «الغارديان» وثائق «ويكيليكس»، لم يتطلب الأمر سوى كتابة «كلمة سر» على منديل، ثم قال لديفيد لي، ستجد الوثائق على موقع مشفّر، يمكنك تحميل الوثائق منه، ومن بعدها سيختفي الموقع.

أليس هذا أشبه بمشهد من فيلم، حسناً سأترك كل ذلك وأعود إلى «الفتاة ذات وشم التنين» المأخوذ عن رواية سويدية شهيرة بالعنوان نفسه لستيج لارسون، بل هذا جزء من ثلاثية حققت مبيعات هائلة في السويد ومن ثم العالم في ترجمات متعددة لها، وحولت إلى فيلم سويدي أيضاً عام ،2009 للأسف لم أشاهده بعد، لكن سيكون بالمتناول عما قريب، وحينها سأقارن بين ما فعله فينشر والسويدي نيلس أوبليف، كما أنني أقرأ الرواية بأثر رجعي بعد مشاهدتي الفيلم.

يستوقفني فيلم فينشر لأنه ينتمي إلى ذلك التشويق الذي يبرع فيه ، ومع هذا شخصية المحقق الذي ينتقل من لغز إلى آخر ونحن نتعرف الى صحافي اسمه ميكائيل (دانيال غريغ) يقع في ورطة نشره أخبار عن شركة دون أن يحتكم على وثائق تساند المعلومات التي نشرها، ومن ثم يدعى إلى خوض غمار مغامرة، أن يتحول إلى محقق خاص لقصة اختفاء فتاة في السادسة عشرة من عمرها تنتمي الى عائلة من أغنى وأعرق العائلات السويدية، وإلى جانب ميكائيل تمضي شخصية ليزبيث أو الفتاة ذات الوشم التي تحمل الكثير من الغموض والخصوصية، هي التي تحمل حلقاً في فمها وأنفها، ودائماً ترتدي الأسود وتقود دراجتها، وبالكاد يتاح لها أن تأكل طالما أنها تدخن بشكل متواصل. ليزبيث كائن غير اجتماعي وعدائي، وغير ذلك من صفات على اتصال بشكل أو آخر بـ«الهاكرز الحقيقي»، لا بل إن أجمل ما في شخصيتها أنها على النقيض تماماً من كل ما نعرفه عن البطلة الهوليوودية، فهي ليست بحسناء أو فاتنة، ولا تمتلك من الخوارق إلا ما يساعدها على حماية نفسها من المهووس الجنسي الذي يرأس المؤسسة التي تعمل بها، لا بل إن انتقامها منه وأفعال العنف التي تتورط فيها تكون على شيء متناغم تماماً مع قدراتها، هي التي أحرقت والدها حين كانت صغيرة.

يتأسس الفيلم على أجواء ضبابية وباردة على الدوام تشبه الأجواء السويدية، ويبقى لغز البحث عن ابنة أخ هنريك الملياردير البطرياركي النقطة الرئيسة لكل الأحداث الأخرى، وليكون الفيلم عبارة عن تجميع خيوط البحث عنها، والكيفية التي سيقع عليها ميكائيل، والذي ما كان لينجح أبداً لولا الفتاة ذات الوشم، التي تقع في الحب للمرة الأولى في حياتها، حب ميكائيل، هي «الهاكرز» التي لا تعرف في هذا العالم إلا الافتراضي منه، وتمارس العاطفة فقط مع الوصي عليها الذي يصاب بالشلل. الفيلم يعيد للمحقق الشخصي دوره من جديد، يجعل الهوس بأغاتا كريستي وارداً، وعلى شيء من الفيلم اللغز، الذي ننتظر في النهاية حله، بعد أن توضع احتمالات كثيرة أمامنا، إنه التشويق الذي يأخذ بالبشر دون أن يكون مدعاة للكثير من المطاردات، وما إلى هنالك من عتاد حركي، إنه شيء ينتمي لهيتشكوك وديفيد لينش وآخرين برعوا في تقديم هكذا نمط بعيداً عن المقارنة، لكن مع إحداث كثير تعديل على ما يحتاجه المحقق حتى ينجح في كشف اللغز، والحاجة الرئيسة تتمثل بـ«الهاكرز» الذي يحصل على أي معلومة، وبالتأكيد هي الفتاة ذات وشم التنين.

مخرج «التمبو»

ديفيد فينشر (1962) مخرج الإيقاع أو «التمبو»، ودائماً بما يجعل مسار أحداث الفيلم متصلة ومتسلسلة بتصاعدية، كما هي الحال «الفتاة ذات وشم التنين»، لكن دون أن يفارق الفيلم من أوله إلى آخر الإيقاع السريع الذي يمسي تصاعدياً وسريعاً ومتوتراً أكثر في ثلث الفيلم الأخير، حين يبدأ اللغز بالتكشف ويلمس ميكائيل طرف الخيط، وعلى هدي ذلك يمكن العودة إلى «نادي القتال»، حيث إيقاع الفيلم لا يمنحك الفرصة لتلتقط أنفاسك، وعلى إيقاع واحد يمنح المشاهد شعوراً بأن الفيلم أصاب منه مقتلاً من كثرة الأفكار والحوارات والعنف، وغير ذلك مما يحفل به حلم ديردن المدمر، وصولاً إلى «الشبكة الاجتماعية»، حيث الرهان يكون على الحوار الذي يشبه الكتابة السريعة في غرف «الدردشة»، مختزلة ومكثفة وسريعة.

الإمارات اليوم في

17/05/2012

 

بعد أن توقفت عجلة الفن .. أصبح شعار النجوم

"بلاها تمثيل وغنا".. ملايين الإعلانات أفضل

ياسمين كفافي 

مسحوق غسيل. شامبو. صبغة شعر. كروت شحن. سمنة. زيت .حلاوة .مشروبات غازية صابون وجه بطاطس محمرة . زبادي .. عفوا انت لست في سوبر ماركت او صيدلية بل انت تشاهد احدث اعمال نجوم مصر الذين تحولوا من ممثلين الي مندوبي مبيعات لكل منتج ممكن ان تتخيله ولم تشمل الظاهرة شباب النجوم او انصاف المشاهير فقط بل شملت كل النجوم عادل امام محمد منير عبلة كامل ماجدة زكي غادة عادل هالة فاخر احمد حلمي وزوجته مني زكي دنيا سمير غانم وشقيقتها ايمي ووالدتهما دلال عبد العزيز درة هند صبري نانسي عجرم الكل يلهث بشكل واضح وراء العائد المادي الذي وصل الي مليون دولار "قيل انها كانت اجر عادل امام عن احدي شبكات المحمول " فالاعلانات اصبحت تملأ الشاشة ولو خرجنا الي الشوارع ستجد اللافتات تحمل صور النجم والمنتج وبينما تخلوا الشاشة طوال العام من مسلسلات جديدة تجدها متجددة بالاعلانات .وبينما السينما لا تنتج اكثر من ثلاثة الي سبعة افلام في العام نشط سوق الدعاية لنجد ان معظم تواجد النجوم علي الشاشة اصبح من خلال الاعلانات فبينما نشاهد المسلسلات التركية لا نجد نجومنا الا وهم يبيعون السمن والصابون السائل. 

الغريب ايضا ان بعض هذه الاعلانات سخيف ويقلل من قيمة الفنان . كما اختفت الاعلانات التي كانت تقدم في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي والتي حملت توعية للمشاهدين من مخاطر كثرة الانجاب والزواج المبكر الذي سبق وقدمته كريمة مختار "ماما كريمة" والراحلة سناء يونس وكانت بمثابة رسائل توعية للمجتمع وكانت مجانية ويبدو انها لم تعد تناسب نجوم اليوم. 

فما اسباب هذه الطفرة الاعلانية وهل لافلاس السينما دور؟ وما راي نقانة الممثلين "او المعلنيين"حاليا؟

نقيب الممثلين الفنان اشرف عبد الغفور قال قيام النجوم بتقديم اعلانات لا علاقة له بقلة الاعمال المعروضة عليهم والدليل ان عادل امام نفسه قدم اعلاناً والشركات المعلنة لا تقدم اموالها الا للفنان المشهور الذي يقدم اعمالاً بارزة وربما كثيرة لانها تستغل نجوميته للترويج بالاعلان وهو امر يحدث في العالم كله . واكد اشرف ان النقابة اهملت جني ارباح من هذه النوعية من الفن وهي الاعلانات وهناك خطة لعمل "أليه" لتدارك هذا الاهمال فالمفترض ان يورد النجم 2% من اجره كرسم نسبي للنقابة كما يحدث في باقي الاعمال الفنية لان شركات الاعلانات تستعين بالنجم لانه اولا واخيرا ممثل وسوف تطرح النقابة خطة لجمع هذه الاموال حتي لا تفاجأ النقابة باعلانات النجوم دون ان تنال حقها المادي وتبدو النقابة وكانها تطارده. وحول شكل الاعلان الذي قد يسئ للفنان باظهاره بمظهر اقرب للتهريج مما قد يمنع ظهوره في اعمال محترمة كما انها تعرض وسط المسلسلات احيانا مما يجعل المشاهد يفقد الاحساس بالعمل اذا شاهد النجم في مسلسل واعلان في نفس الوقت كما حدث رمضان الماضي عندما قدم خالد صالح اعلان لاحد البنوك وكان يعرض وسط مسلسله الريان وكذلك اعلانات ماجدة زكي الملئ بالرقص وال"اوه تحدي" اشار عبد الغفور إلي ان هذا الامر يرجع للفنان نفسه فبعض الفنانين يرفضون الظهور في الاعلانات من اصله وبعضه يقبل نوعاً معين من الاعلانات وكل ممثل حر وعلي الجانب الاخر قد يرفض منتج الاستعانة بممثل بسبب ظهوره في اعلانات خفيفة او بها تهريج والنقابة لن تتدخل في شكل الاعلان بل لتحصيل حقها المادي من النجم فقط . وحول قيام النجوم بتقديم اعلانات تطوعية قال هناك كثيرون من النجوم يقدمون اعمالاً لمستشفي السرطان مثلا فالفنان في النهاية مواطن قد تكون لديه ميول تطوعية للعمل الخيري او لا ولا نستطيع ان نغصبه علي عمل الخير. 

الناقد طارق الشناوي يري ان اغلب الفنانين في العالم قدموا اعلانات ولكن يجب ان تكون الاعلانات "تشبه النجم" بمعني انه لم يري من المناسب ان تقدم النجمة الرشيقة" درة "اعلاناً عن " الانتفاخ " فعمر الشريف قدم فيما مضي اعلاناً عن الساعات وهو فنان ذكي لان الاعلان قدم بشكل جيد وكذلك الممثل الراحل حسن عابدين فالاعلان الجيد يخدم شهرة الفنان ويثريها ويقربه من الجمهور كما حدث مع ماجد الكدواني مثلا وهناك اعلان يؤذي الفنان واشار الي ان ماجدة زكي يناسبها اعلان السمنة ولا تصلح لعمل دعاية لدار ازياء مثلا بسبب حجمها وبالنسبة لعرض الاعلانات وسط المسلسل اكد الشناوي ان الجمهور تعود علي وجود اعلانات وسط المسلسلات بل تحولت الدراما الي اعلانات تتخللها مسلسلات وليس العكس واكد ان كثرة ظهور النجوم في الاعلانات ستجعل المشاهد يزهق من الممثل ويمل مشاهدته حتي ان عادل امام عندما ساهم في احد الاعلانات باجر قارب المليون دولار اشترط عدم عرض الاعلان في رمضان حيث كان مقرر عرض مسلسله فرقة ناجي عطا الله "قبل ان يؤجل عامين" خوفا من ان يمله المشاهد ويعرض الاعلان وسط المسلسل. واكد طارق ان الاجر المرتفع للممثل من الاعلانات يجعله يقبل عليه ويقدمه بكثرة. 

النجم احمد عز قال عندما قدمت الاعلان طلبت ان يكون مختلفاً فجاء اقرب الي فيلم قصير تم الاستعانة فيه بخبراء اجانب في الماكياج والاعلان بشكل عام الاعلان له عائد مادي ولكنه عمل فني ايضا ورغم انني لم اقدم دراما هذا العام الا انني صورت فيلمين هما حلم عزيز والمصلحة الذي يعرض حاليا مما يعني انني لم اكن خالي شغل وقت تصوير الاعلان. 

النجمة هالة فاخر التي قدمت اعلاناً شهيراً للسمن قالت ان فخورة بالاعلان الذي قدمته لانه لمنتج مصري والامر عرض وطلب وفي الخارج كل النجوم يقدمون اعلانات وانا ضد ان يهاجم الفنان لانه يقدم اعلان ولا اجد فيها مشكلة بالعكس انا اقدم حاليا مسلسلين هما "خرم إبرة". وهو مسلسل له بعد اجتماعي أجسد فيه دورا لسيدة تعيش مع ابنها وابنتها في أحد الأحياء الشعبية في الإسكندرية. ولكنها تتعرّض لمواقف قاسية جدًا في أحداث العمل. 

إضافة إلي ذلك أقوم بتصوير مسلسل "هرم الست أصيلة". وهو مسلسل كوميدي اجتماعي يشارك فيه عدد كبير من الفنانين من بينهم الفنان أحمد خليل ونهال عنبر ولا اجد وقت فراغ علي الاطلاق ثم ان الشركة المنتجة بالتاكيد استعانت بي لانني محبوبة. 

الفنانة ايمي سمير غانم قالت قصتي مع الاعلانات تختلف فالاعلان الذي قدمته لشركات المحمول كان عمل فني للمخرجة ساندرا نشأت وقد وجدت فيه فرصة لوجه جديد مثلي ان تقدم عملاً مبهراً يلفت اليها الانتباه وبالفعل كان الاعلان وش خير عرف الجمهور بي ووقعت بعده عقود افلام كثيرة. الفنان مجدي كامل الاعلان باب رزق للنجم وخير من ربنا فانا كفنان ملتزم ساكون دائما ضد فكرة ان اقدم فيلماً فاشلاً يسجل في تاريخي الفني علي انه عمل غير محترم وبالتاكيد كل فنان يفضل ان يقدم اعلان لسلعه تمنحه المال بدلا من تقديم عمل من اجل المادة فيتحول هو نفسه الي سلعه. 

الناقدة ماجدة خير الله قالت الاعلانات ظاهرة عالمية وقدمها في الخارج براد بيت وانجلينا جولي وغيرهم بل تحول بعضهم لمتحدث باسم بعض دور الازياء وفي مصر قديما سبق وقدمت الفنانة ام كلثوم اعلان عن صابون نابلسي ولكن يجب ان يراعي الفنان شكل الاعلان الذي يقدمه فهو يملك القدرة علي تشكيله وهناك العديد من الفنانين تحولوا الي نجوم بسبب اعلاناتهم ويكفي ان دنيا سمير غانم لاقت نجاحا مبهراً بسبب اعلانها العام الماضي عن احدي شركات المياه الغازية فلا يمكن ان نعاقب الفنان علي اعلان قدمه والمشاهد في النهاية سيقيمه ويحكم عليه كما يحكم علي اي عمل فني فالاعلان في النهاية عمل فني قصير. المخرج مجدي احمد علي قال السينما تمر بأزمة مهما قال الفنانين عن تواجدهم يظل قله الانتاج سبب كثرة الاعلان فالفنان الحقيقي سيبحث عن فيلم محترم بدلا من الظهور وكانه سلعه تجارية الا ان المشاكل الانتاجية جعلت الممثل لا يجد مصدر دخل حقيقي سوي من الدراما التلفزيونية التي تواجه ازمات هِي الأخري او عبر الظهور في الاعلانات. 

الجمهورية المصرية في

17/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)