حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أمير العمري، مدير مهرجان الإسماعيلة

الإسماعيلية يجب أن يكون مهرجاناً للاكتشافات الجديدة

عدنان حسين أحمد - لندن 

 

لا يحتاج الناقد السينمائي المتميّز أمير العمري إلى نبذة تعريفية، فهو من الأسماء النقدية الراسخة والمعروفة في مصر والعالم العربي على حد سواء، هذا إضافة إلى حضوره الواضح في عدد من المنابر الثقافية والقنوات والإذاعات في لندن. تخرّج العمري في كلية الطب. كما درس الصحافة والتلفزيون في لندن، وأسس شركة هورايزن للانتاج السينمائي والتلفزيوني. نشر مقالاته وأبحاثه في عدد كبير من الصحف والمجلات والدوريات العربية والأجنبية. صدر له حتى الآن اثنا عشر كتاباً نذكر منها "هموم السينما العربية"، " سينما أوليفر ستون"، " السينما الصينية الجديدة"، " كلاسيكيات السينما التسجيلية"، " النقد السينمائي في بريطانيا"، " حياة في السينما" و" شخصيات وأحداث من عصر السينما". أطلق على الإنترنيت في عام 2008 مدوّنة تحمل اسم "حياة في السينما"، كما أسس ورأسَ تحرير موقع "عين على السينما". يشغل حالياً منصب مدير مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة. التقاه موقع "الجزيرة الوثائقية" فكان هذا الحوار:

§     بوصفكَ مديراً لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، ما الذي هيأتموه من أفلام الثورات العربية سواء في مصر أم في بقية البلدان العربية لتعزيز الدورة الخامسة عشر للمهرجان؟

- تركيزنا في هذه الدورة ليس على ما أُطلق عليه "ربيع الثورات العربية" أو "الربيع العربي" وما شابه من تظاهرات تجوّلت من عام ونصف بين المهرجانات السينمائية الدولية بشكل جعل هذه المهرجانات تغلِّب السياسي على الفني فقد رحبت بعرض أي فيلم من أي نوع يصور الثورات مهما كان مستواه ضعيفاً أو هزيلاً. أما نحن في مهرجان الاسماعيلية الذي أديره، وبالمناسبة ليست هذه المرة الأولى التي أديره فقد أدرته عام 2001، فقد ركزنا في برنامجنا على الانتقاء الدقيق للأفلام التي تصور الثورة المصرية تحديداً باعتبارها الثورة الأكبر وأيضاً باعتبار أن هذه الأفلام هي الأوسع سواء في عددها الكبير أو في تنوعها أو في تنوع السينمائيين الذين أخرجوها على العكس مثلاً من الثورة السورية التي تكاد الأفلام التسجيلية عنها لا توجد أصلاً وكذلك الثورة اليمنية.

لهذه الأسباب خصصنا قسماً مميزاً أطلقنا عليه "الثورة كما يراها الآخر" نعرض من خلاله خمسة أفلام جديدة أخرجها سينمائيون من بريطانيا وإيطاليا وجمهورية التشيك وألمانيا والدنمارك، عن الثورة المصرية، ومعظمها أفلام لم يسبق عرضها لذلك سيكون عرضها هذا العام في الاسماعيلية هو العرض العالمي الأول. وستكون بينها مفاجآت مدهشة أضطر أن أبقي عليها الآن.

خارج هذا القسم تتوزع الأفلام المصرية عن الثورة بين المسابقة والأقسام الموازية الأخرى فلدينا قسم خاص بعنوان "سينما المرأة المصرية في الثورة" نعرض من خلاله ستة أفلام صنعتها مخرجات من النساء عن الثورة المصرية وعن وضع المرأة تحديداً في هذه الثورة.

§     كيف تقيّم الأفلام الوثائقية التي تعاطت مع ثورات الربيع العربي، وهل تعتقد أنها ارتقت إلى مستوى هذا الحدث، وتعاطت معه بطرق فنية مبتكرة؟

- نعم الى حد كبير، فهناك أفلام جيدة جداً لكنها قليلة والملاحظ أيضاً أن الكثير من أفلام الثورات تتشابه في بنائها، بل وفي صورها أيضاً، أي أنها تكرر نفس الصور وكأنها تستنسخ بعضها البعض، لذلك فالاختيار لم يكن سهلاً، وكان يتعين علينا استبعاد بعض الأفلام الشهيرة التي سبق عرضها في مهرجانات أخرى. وبهذه المناسبة أود التأكيد على أنني شخصياً أفضِّل عرض الأفلام الجديدة الجيدة على عرض الأفلام التي سبق عرضها في مهرجانات عديدة حتى لو كانت "ممتازة" لأن مهرجان الإسماعيلية يجب أن يكون مهرجاناً للاكتشافات الجديدة وليس سلّة لعرض أفلام فائزة بجوائز المهرجانات الأخرى.

ولعل من الجوانب الجديدة التي سنحققها هذا العام وكانت غائبة عن المهرجان منذ سنوات بعد أن تحول إلى مجرد مسابقات فقط، الاهتمام الكبير الذي نوليه للأقسام الموازية الجديدة التي ابتكرناها خارج المسابقة مثل قسم "فضاء المبدعين" الذي نعرض فيه أفلاماً منها الجديد ومنها ما سبق عرضه في مهرجانات أخرى وفاز بالجوائز ومعظمها أفلام "رؤية فنية"، أي تعبر عن جموح مبدعيها وتعبيرهم عن رؤاهم الذاتية بأسلوب حر.

§         وإذا كان الأمر كذلك فما هي الأفلام التي لفتت نظرك من حيث سويتها الفنية والفكرية سواء في مصر أو في بقية البلدان العربية؟

- لا يمكنني الحديث عن أفلام بعينها لأنني لا أحب أن أبدو وأنا في موقعي هذا، منحازاً لأفلام دون غيرها، بل أن اختيار وترشيح الأفلام تمّ بواسطة لجنة من الخبراء والمتخصصين الذين اخترتهم بنفسي والذين أكنُّ لهم الاحترام والتقدير حتى لو اختلفت مع بعض اخيتاراتهم. لكننا تمكنّا معاً في النهاية، من التوصل الى اختيار أرضى عنه تماماً، وأراه ممتازاً، بل ومليئاً بالمفاجآت الجميلة.

§     كيف تقيّم في السياق ذاته الأفلام التي أنجزها "الآخر" عن ثوراتنا العربية. وما هي أوجه التشابه والاختلاف بين الرؤيتين المحلية والعالمية؟

- أترك التقييم للجمهور والنقاد وأكتفي بدوري في "إعداد الطبخة" وأستمتع بمشاهدة هؤلاء جميعاً وهم يتناولونها، وأتمنى لو أعجبهم "الطعام"، أي وجبات الأفلام، أن يقولوا كلمة جميلة، واذا لم يعجبهم فلهم مطلق الحرية في توجيه ما يشاؤون من نقد، فنحن نتعلم من بعضنا البعض.. أليس كذلك!

§     تناهى إلى سمعنا بأن القائمين على المهرجان قد قرروا ترميم بعض الأفلام الوثائقية القديمة، هل لك أن تحيطنا علماً ببعض هذه الأفلام؟

- نعم أطمح الى جعل المهرجان مؤسسة تلعب دوراً في دعم السينما التسجيلية والأفلام القصيرة وليس عرضها فقط والاحتفاء برائعها لذلك قمنا باختيار مجموعة مكونة من عشرة أفلام من كلاسيكيات السينما المصرية التسجيلية والقصيرة أخرجها عدد ممن أصبحوا بعد اخراجهم تلك الأفلام، من كبار السينمائيين في مصر مثل صلاح أبو سيف ومحمد خان وداود عبد السيد وعاطف الطيب وغيرهم.

وسنقوم بطبع نسخ جديدة ومعالجة النيجاتيف القديم والحفاظ عليه بنقله الى الديجيتال، ثم سنعرض هذه الأفلام في احتفالية خاصة ونجري مناقشة بين الشباب والكبار تحت عنوان "نظرة الى الماضي" أو ما نطلق عليه بالانجليزية "نوستالجيا مصرية"؟

§     عملتَ في النقد السينمائي لمدة طويلة من الزمن، وتراكمت لديك خبرات كثيرة في هذا الصدد، هل ستنعكس هذه الخبرات في اختيار نوعية النقاد السينمائيين والصحافة السينمائية التي ستدعونها لهذه الدورة. وهل ثمة اشتراطات محددة ستجد طريقها إلى المهرجان؟

- أرجو ذلك بالفعل. سندقق بقدر الامكان، لكننا نريد الجميع ولا نرغب أبداً في استبعاد أحد سواء من مجال النقد أو الصحافة السينمائية، ولا علاقة لوجود الصحفيين والنقاد بنظرتي الشخصية أو تقديرها لما يكتبه هذا الناقد أوذاك، بل لو كان الأمر بيدي (أقصد لو توفرت لي الميزانية المناسبة) لأحضرت أربعة آلاف صحفي وناقد من شتى أنحاء العالم فبدون الصحافة والاعلام لا توجد المهرجانات، لكني أعمل بميزانية تقل كثيراً عن ميزانية السنوات السابقة بسبب الحالة الاقتصادية وأيضاً بسبب زيادة التكلفة التي سيتحمل المهرجان للمرة الأولى بالكامل دون أي دعم مباشر من جهات أخرى فيما يتعلق بنفقات إقامة الضيوف لأننا سننقل مقر الاقامة من مبان تشبه معسكرات الجيش كانت تبعد عن المدينة نحو ساعة بالحافلات، الى قلب الإسماعيلية في فنادق رائعة في بقعة ساحرة تطل على بحيرة التمساح مباشرة وقريبة من دور العرض السينمائي، كما سنوفر للضيوف وسائل انتقال مريحة تنقلهم من الفندق الى السينما وبالعكس، على مدار الساعة.

§     كيف تنظر إلى تزايد عدد المهرجانات السينمائية في عالمنا العربي، وكيف تستقطبون الأفلام الجيدة التي تتلاءم مع مهرجان نوعي مثل الإسماعيلية في ظل هذا العدد الكبير من المهرجانات التي تتناسل كل عام؟

- تزايد المهرجانات ظاهرة ايجابية تعكس زيادة الوعي بالسينما، لكن على القائمين عليها التدقيق في الاختيار لكي لا تتكرر الأفلام. كما يجب الاهتمام بالجانب الثقافي. ونحن بالمناسبة سننظم ثلاث محاضرات لشخصيات سينمائية عالمية حول تجاربهم في الفيلم التسجيلي.

§     هل نتوقع من القائمين على مهرجان الإسماعيلية إصدار بضعة كتب في النقد السينمائي في كل دورة كتقليد متعارف عليه لترويج الكتب الجادة في هذا المضمار أم أن المهرجان لا يتوفر على تعضيد مادي لترسيخ هذه الظاهرة الثقافية المهمة؟

- بالفعل سنصدر في الدورة القادمة ثلاثة كتب كلاً عن السينما والثورة والثورات العربية والثورات عموما.

الجزيرة الوثائقية في

03/05/2012

 

على أسطوانات:

كوبريك?: فيلسوف الصورة الساخرة

محمد رُضا 

خمسة من أفلام ستانلي كوبريك توفّرها شركة وورنر التي لم تتخلّ عن المخرج رغم صعوبة التفاوض معه على أمور إنتاجية وفنية ورفضه استقبال أي مسؤول منها (حتى ولو كان رئيس الاستديو) في مكان التصوير. خمسة أفلام بالإضافة إلى فيلم تسجيلي بعنوان «حياة في صور» يدور حول كوبريك وممثليه

الأفلام هي أعمال النصف الثاني من حياته المهنية، فهو بدأ بفيلمين صغيرين بالأبيض وأسود هما «الخوف والرغبة» (1953) و«قبلة القاتل» (1955)، ثم انتقل إلى متن جديد وأفضل في «القتل» (1956) ليتبعه بـ «ممرات المجد» (1957)، «سبارتاكوس» (1960)، «لوليتا» (1962) و«دكتور سترانجلوف او كيف أحببت القنبلة النووية وتوقّفت عن القلق» (1964) وكل ذلك قبل أن يقدم على «2001: أوديسا الفضاء» التي تتقدّم المجموعة الجديدة المُشار إليها.

تضم هذه المجموعة، لجانب مغامرة كوبريك الفضائية «كلوورك أورانج» (1971)، «عينان مغلقتان بإتساع» (1999)، «سترة معدنية كاملة» (1987) و«اللمعان»  (1980). الفيلم الوحيد من هذه الحقبة، حقبة ما بعد «دكتور سترانجلوف»، الذي لم يتم ضمّـه إلى المجموعة هو «باري ليندن» الذي ربما كان أقل أفلام كوبريك عرضة للمشاهدة في حينه (1975) كما على أشرطة الفيديو وأسطوانات الـدي في دي لاحقاً. فنادراً ما يتم إدراجه في عداد الأفلام المتوفّرة على هذين النظامين على الرغم من أنه لا يقل أهمية عن أعمال كوبريك الأخرى

?.?
?
كوبريك هو ذلك النوع من المخرجين الذين على أسلوبهم التعبيري أن يغلّـف كل شيء. لذلك نجده قادراً من خلال التعامل مع رؤيته أوّلاً، التحرّر من عملية التبعية لأي جهة بما فيها جهة الكاتب صاحب العمل الروائي الذي استند إليه كوبريك سواء أكان فلاديمير نوبوكوف واضع «لوليتا»? او آرثر س. كلارك صاحب «2001: أوديسا الفضاء» او ستيفن كينغ مؤلّـف «اللمعان». كوبريك كان يستمد الخيوط والوضعية القصصية ويكتب السيناريو (او يشارك بكتابة السيناريو) على هواه ليخلق عالمه الخاص.

ليس  هذا الأمر الوحيد الذي يتضح بمراجعة الأفلام التي يوفّرها هذا الإصدار الجديد، بل إلى ذلك هناك حقيقة التباين الواضح في النوع القصصي الذي ولَـجَ إليه المخرج في كل فيلم،  الخيال العلمي في «أوديسا الفضاء» إلى الدراما الغرائبية المكنونة في «عينان مغلقتان بإتساع» (آخر أعماله) مروراً بالدراما الإجتماعية الغارقة عنفاً («كلوكوورك أورانج») والرعب («اللمعان») ثم الحربي («سترة معدنية كاملة»).
في كل من هذه الألام تعامل المخرج مع بطل مصدوم. يكتشف ما يصدمه وقد تأتي ردّة فعله لتصدم المشاهد أيضاً.

في «2001: أوديسا الفضاء» هذا واضح في إدراك الملّاح الفضائي حجم الخطر الذي تمثّـله الآلة في سباقها مع الإنسان لاستحواذ المعرفة. مع «كلوورك أورانج» يضع كوبريك بطله مالكولم ماكدووَل، في حالة هذيان عنيفة ومعاداة للمجتمع قبل أن يكتشف (ونحن) أنه ليس سوى مخلب للمجتمع وتصطدمه قدرات المؤسسة على تدجينه لكي تخلق منه شخصاً غير فاعل.

مع «اللمعان» وجدنا جاك نيكولسون يفقد عقله تحت ضغوطات كثيرة مكانية وزمانية. تتراءى له الأشباح التي تدلّه على من يقتل للوصول إلى حالة من الحريّـة التي كان يتمنّاها لنفسه ولتجسيد قدرة وهمية على إمكانية الإنتصار على الكوابل التي في البال التي تمنعه من التأليف وتلك التي في المجتمع التي تمنعه من تحقيق غايات وأحلام تراءت له. هذا الوضع الصادم له ليس واضحاً لأن همّ المخرج كانت خلق حالة يصدم بها زوجة الكاتب (شيلي دوفال) التي تجد نفسها وإبنها في حالة خطر شديد. إذاً هي المصدومة كما نحن.

لو قدّر لي أن أختار فيلماً واحداً يعكس أعلى درجة مختزنة من الصدمة فسيكون «سترة معدنية كاملة» المأخوذ، بتصرّف طبعاً، عن رواية غوستاف هاسفورد «ذوو الوقت القصير» The Short Timers (هذه هي الترجمة الحرفية لكن المقصود هو «ذوو الأعمار القصيرة»). قسّـم المخرج هذا الفيلم النيّـر إلى نصفين يبدوان غير مترابطين: الأول ما يحدث لمجنّد جديد (فنسنت دأنوفريو)  من الإهانات ومحاولة طمس الشخصية خلال تدريباته. السيرجنت هارتمان (لي إرمي) يكيل له الشتائم والإهانات والتعنيف في شكل مبرمج هدفه استخراج مقاتل آلي بلا روح وبلا شخصية وبلا هوية إنسانية في هدف أكبر لخلق جيل من القتلة يتم إرسالهم إلى حرب فييتنام الشرسة. حين لا يستطيع المجنّد هضم كل ذلك، وحين يكبر حجم الصدمة في داخله يقتل السيرجنت ويقتل نفسه

بعد ذلك إلى النصف الثاني لنطالع ما قد نراه يقع في رحى الحرب. على الرغم من أن كل جزء كان يمكن أن يكون فيلماً، الا أن الجمع بينهما ممكن من دون أن يكون ضرورة قصوى وهنا واحد من تميّز هذا الفيلم. نحن الآن في الحرب. نتابع ما يحدث للمحاربين الذين يتصرّفون كما لو كانوا في نزهة، هذا إلى أن تقتنص مقاتلة فييتنامية فحولتهم الذكورية.

«عينان مغلقتان بإتساع» كان محاولة كوبريك الحديث عن الستارة الكبيرة التي تغلّف المجتمعات الغربية: هناك جمعية سرّيـة (تشبه الماسونية) تمارس شعائر وتقبل دخول توم كروز إليها المصدوم بما يراه. هذا الفيلم يكمل دائرة لا أدري إذا ما أثارت إنتباه أحد إلى الآن وهي أنه إذ بدأ فيلميه الأولين في مدينة نيويورك («قبلة القاتل» و«الخوف والرغبة») فإن فيلمه الأخير (مات بعد إتمامه سنة 1999) يعود إلى نيويورك. لكنها نيويورك مختلفة. نيويورك مصطنعة ليس فقط لأن المخرج لم يغادر ستديوهات باينوود البريطانية، بل لأنه أراد عالماً مصطنعاً وحققه بالفعل. هذا الفيلم البارد في نواحيه لا يزال مذهلاً في طريقة تعامل المخرج مع عالمه. كوبريك يؤسس لعالم من الأفكار القادرة على الإذهال. المصدوم هنا أوّلاً هو هارتفورد (كروز) الذي لا يرتكب الجرائم والانحرافات التي يشهدها، لكنه يسقط تحت وطأتها على أي حال مصدوماً بوجودها في العالم ذاته الذي يعيش فيه

كوبريك فيلسوف الصورة الساخرة من الحياة في كل أحوالها. من العلم، من السياسة، من المنظّمات والمؤسسات، من الحروب، من المجتمعات ومن حياة يقبل عليها أبطاله بمنظور ثم يغادرونها بمنظور مختلف، تماماً كشأننا نحن المشاهدين.

تقييم الأفلام الخمسة الواردة بلمحة

200?1: A Space Oddyssey ****?

A Clockwork Orange ****

The Shining *****

Full Metal Jacket *****

Eyes Wide Shut ****

الجزيرة الوثائقية في

03/05/2012

 

الأزهر .. الجامع والسلسلة ( 2- 2)

اشكالية الوثيقة التفسيرية وفرض الانتقائية

أسامة صفار 

بين تماس مع الدراما وقراءة للتاريخ من منظور المؤسسة - الضحية قدمت سلسلة الأزهر أربعة أجزاء طرحت خلالها رؤية ملخصها أن المؤسسة العتيقة قامت بدور نهضوي عظيم عبر تاريخها الي أن أوقفت ثورة يوليو هذا الدور وأجهضته بوضعها تحت وصاية المؤسسة السياسية و أنه من الممكن استعادة هذا الدور بتحرير الأزهر ومنحه استقلالية وأكدت السلسلة وخاصة في الجزء الثاني منها أنه حين تتقلص مساحة وجود الدولة المصرية في الشارع يتمدد الأزهر برحابة أفقه في هذا الفراغ وهي مقولة لها جمالها الخاص علي المستوي النظري ولكنها ان صحت تبدو كاشفة لأكثر من تصور يتعامل مع الأزهر باعتباره دولة أخري منافسة في الوجود الوجداني داخل المجتمع لتلك الدولة المصرية وهو تصور يبرر لعسكر يوليو تماما ما فعلوه من وضع للمؤسسة الدينية تحت وصايتهم المباشرة ويؤكد أن ثمة تحليل موازي يمكن أن ينشأ عن قراءة وضع الأزهر تحت حكم الدولة المملوكية ونابليون والعثمانية وتحت حكم دولة محمد علي وليس انطلاقا من ثورة يوليو فقط وبعيدا عن الصياغات القانونية والمؤسسية فان المؤسسة الأزهرية بكل مكوناتها هي جزء من الدولة – الوطن المصري ويصعب معه فصل جزء منها باعتباره موازيا لها أو معادلا أو منافسا وعلي العكس تماما فان كل نهضة مصرية رافقهتا بالضرورة نهضة أزهرية سواء كان الأزهر خلالها تحت الوصاية أم لا .

ثمة مشهدية أخري تدور في ذهنك بينما يطالعك فيلم الأزهر بأجزائه الأربعة حيث تتصور شيخا معمما يقبض علي يدك بحنان أبوي وتدخلان معا الي ساحة لها من الجلال والاحترام ما يدفعك الي الصمت والتلقي دون تساؤل ومع الاضاءة الموحية فان حالة من اللاوعي تتسرب اليك تدخلك في حالة تبقيك بين الوعي واليقظة .. وتبقي قلبك معلق بشيخك ومعمار ساحتك الأزهرية وبينما قصد المخرج عبد الرحمن عادل باضاءته الناعمة تصوير كيف جاء الأزهر بنور العلم ليزيل العتمة من العقول فان ما يشبه التنويم المغناطيسي يتسرب الي روحك لتلتئم مع طفلك القديم فيأخذك الشيخ الي حواديت الألف عام الماضية لتخرج من العمل وقد بني الأزهر داخل روحك بمشايخه و جلاله وعلومه وانطباع قرر صناعه أن يكون هو ما ينبغي أن يكون داخل نفسك عنه وهكذا بدا الأمر في العمل بالمشاهدة الأولي جميلا حد الحلم غير أن الوعي بعناصره المختلفة وتفكيك الرؤية واعادة بنائها للتعرف علي عناصرها يشيران الي سلسلة طويلة من التحليلات تتري عبر مشاهدة هذا العمل الثري 

والسلسلة الأزهرية بملامحها وتميزها الخاص علي المستويين الفني والفكري تسوقنا بالضرورة الي التعامل مع مبدعين رئيسيين داخل العمل هما المخرج عبد الرحمن عادل و كاتب ومعد العمل الاعلامي والكاتب عبد الله الطحاوي .. ذلك أن كلاهما امتد في رحابة الأزهر سلسلة وجامعا ليقدم رؤية تكاد تلتصق بصاحبها وتصبح جزءا من ملامحه الفكرية والفنية ومحددا رئيسيا لابداعه والاثنان – عادل والطحاوي هما من قدم من قبل الفيلم الرائد عن البابا شنودة الراحل والذي طرح فيه الطحاوي رؤية – قراءة تفسيرية لرجل تعاطي الدين بقدر ما تعاطي السياسة كرد فعل لمناخ أشاعه السادات وامتد الأمر بعد السادات حيث بدأت الدولة المصرية في طريق الضعف والانحدار فكان البابا رمزا دينيا وسياسيا معا وأوضح الطحاوي كيف تبادل السادات والبابا شنودة الأدوار فلعب السادات دورا يصعب تصديقه كرمز ديني ولعب البابا دورا – جديدا علي بابوات الكنيسة المصرية – كرمز سياسي وكشف الفيلم عن تأسيس سابق علي وجود البابا في الكنيسة لهذا المناخ عبر استقطاب حاد نشأت بوادره في منتصف القرن العشرين وهو ما مهد لوجود البابا – صاحب الرؤية السياسية واللاعب السياسي علي الساحة المصرية والدولية والاقليمية في بعض الأحيان .

وانطلاقا من النقطة السابقة فان الكاتب والاعلامي عبد الله الطحاوي – معد العمل – يستخدم المفردات ذاتها والتي استخدمها مع البابا في تحليل دور الأزهر عبر التبادلية بين دور سياسي ديني متناوب أحيانا ومختلط في أحيان أخري وبينما استطاع في فيلم البابا أن يقبض علي جوهر صلب وأداة تحليل جبارة هي فكرة توظيف التدين والوجدان الديني التي أراد بها السادات خلق دعم شعبي له وسط أغلبية مسلمة ساحقة  تصلح للرهان مفسدا بذلك العلاقة بين عنصري الأمة في مرحلة محددة فان الطحاوي في فيلم الأزهر يتجاهل أن السادات بما فعله لم يكن مكتشفا أو مبدعا بقدر ما كان يقلد سابقيه من حكام مصر وأولهم صاحب قرار انشاء الأزهر نفسه مرورا بمن خلفه سواء من الشيعة في القرنين التاليين أو في القرون السبعة الماضية ولعل الصيغة التي كتب بها الطحاوي التعليق الصوتي ومن ثم طرحت بها الأسئلة فولدت الأجابات التي – من المؤكد – أن الكاتب والباحث المميز كان يتوقعها تماما قد خلقت حالة من الانشاد الحزين الأقرب الي الجنائزية في بعض مناطق العمل وهو ما يشي أنه كان يمنحنا كمتلقين بعضا من الاحساس بالفقد الحسيني لمؤسسة الأزهر دفعا باتجاه استردادها وبقدر ما جاء في التعليق من ملحمية وبلاغة استطاع توصيل هذا الشعور فان ثمة مصادر صنعت ( كسرا للايهام ) الذي قدمه الطحاوي حين تحدثت - مثلا – عن محاولة ضرب الشيخ محمد عبده لأنه أراد أن يدرس علوما طبيعية في الأزهر باعتباره خروجا علي المنظومة الأزهرية

ويصلح المشهد السابق تماما للانطلاق الي المبدع الثاني عبد الرحمن عادل الذي استغل مناطق الصمت في العمل كما استغل الطحاوي مناطق الكلام وصنع معادلا بصريا غير تابع للتعليق الصوتي أو تعليق المصادر في كثير من مناطق العمل وخلق شعورا بالتوازي بين ( البصري والسمعي ) بل تجاوز ذلك الي سباق محموم بينهما خاصة حين قرر أن يمسك بأداة التأثير الدرامي والنفسي الجبارة المدعوة " المشاهد الدرامية " وبقدر الحرفية العالية التي استخدم بها عادل أدواته والتي تؤهله لأعمال درامية ملحمية وتدعوه لارتياد عالم الدراما فان ثمة اشكالية حقيقية يكون قد تركها لنا وذهب ,هي اشكالية اعمال المشاعر بشكل مباشر في عمل توثيقي يفترض فيه مخاطبة العقل بالمعلومة والرؤية والواقع أن بعض الأفلام – ان لم يكن معظمها – يمس مشاعر المشاهد بشكل أو اخر والا ما حرص علي مشاهدته لكن الاشكالية التي عمقها عادل تتحدث عن تشكيل موقف المتلقي ليس عبر العقل فقط ولكن عبر مشاعر تخلقها مشاهده وتجعل منها ومن اثارها الأكثر بقاءا في وجدان المتلقي ليكون بذلك قد زرع في الوجدان ما لم يستطع الطحاوي زرعه بالاقناع والاستدلال والبراهين والمعلومات وهو خطر – أو الية عظيمة - قد يخطفنا من منطقة صناعة فيلم وثائقي الي اعادة بناء وجدان أمة عبر نافذتين للروح تستقبلان مشاهد تصطبغ بالفرح أو الحزن أو الجمال وتتخذ موقفا جاهزا تماما لما يقوله الطحاوي عبر المعلق الصوتي صاحب الصوت المشبع بالحالة والقريب من الوجدان ويبقي هنا السؤال : هل يحق للفيلم الوثائقي أن يقرأ الوقائع مفسرا ومشكلا لموقف جديد  مع العلم أن قراءة الوقائع هنا ليست قراءة عادية ولكنها انتقائية بحيث يتم تركيب الأحداث طبقا للرؤية المراد طرحها ويتم تجاهل رجل بحجم الشيخ محمد عبده الذي يستحق وحده سلسلة وثائقية سواء اتفقنا أو اختلفنا معه .

يملك الأزهر شرعية مختلفة في وجدان المسلمين عامة والمصريين بصفة خاصة لا تتعلق بكونه رأس حربة مشروع نهضة بقدر ما تتعلق ببناء وجدان قادر علي العيش في ظل معادلة وسطية لا تجعل المسلم يعتقد أن الحياة " مجرد ورطة " عليه أن يتخلص منها سريعا ولا تجعل منه فردا معاديا للحياة والأحياء لمجرد اختلافهم عنه ولكنها تساعده علي التوافق مع الحياة بمفرداتها المختلفة دون أن يخالف معتقده بل ويساعده هذا المعتقد علي صنع حالة سلام خاصة بينه وبين نفسه وعامة بينه وبين الاخرين ويتجسد هذا الدور في حقيقته في هوامش العمل الوثائقي الأكبر من نوعه عن الأزهر اذ ينضم الحرفيون الي الأزهريين في النضال ضد المحتل لكنهم – هؤلاء – الحرفيون وغيرهم يفقدون اهتمامهم تماما بالمؤسسة حين يصافح شيخها وامامها الأكبر ألد أعداء الأمة أو يسخر من حجاب فتاة صغيرة ..ان عبقرية المؤسسة – أي مؤسسة – تكمن في كونها وسيطا بين الناس وبين المعاني التي يؤمنون بها لتعمل علي توصيلها جيدا وتتبني نصرتها وقت أزمتها لذلك يملك الأزهر مقومات النهضة بالفعل ولكن عبر تحوله الي جزء أساسي من حياة الفرد المسلم .

الجزيرة الوثائقية في

03/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)